حسن العيسى

سنضرب بيد من حديد!

«سنضرب بيد من حديد» عبارة كما يرددها سلاطين الأمة العربية انتهت صلاحيتها، وليس لها مكان اليوم في «تسونامي» المنطقة العربية، ووزارة الداخلية ضربت بيد من حديد على بؤساء البدون، حين تجمعوا في مظاهرات سلمية في الجهراء والتيماء، ولم تكن وزارة الداخلية في حاجة إلى اليد الحديدية كي تظهر عضلاتها على المتظاهرين، وكانت نية المتظاهرين التعبير عن سخطهم على أوضاعهم المزرية وإحباطهم من الوعود الكلامية للحكومة و»تابعها» المجلس دون أن تظهر أي بادرة أمل على عزم أي من السلطتين على تحقيق تلك الوعود.
البدون «البشر» تظاهروا لأن هناك في الحكومة من «طق الصدر لهم» بأن يتم إقرار حقوقهم المدنية الأحد عشر (ومن بينهم حقهم في شهادات الميلاد والوفاة…! يا سلام على كرم وأريحية السلطة) في جلسة 8 مارس البرلمانية، ولكن تم تطنيشهم من عدد من نواب العرق السامي الكويتي. كان أضعف الإيمان أن تبادر الحكومة إلى إقرار تلك الحقوق بقرارات إدارية وحتى تثبت بقانون في ما بعد كما نأمل، وهي بالمناسبة تمثل الحد الأدنى للمعايير الإنسانية ولا تعني التزاماً بتجنيسهم، إلا أنها أخلفت وعدها وقصرت كلامها على بدون إحصاء 65، وستأتي وعود وبعدها وعود… وانتظر «يا حمار حتى يأتيك الربيع»! 
بعد تلك الممارسة خرج بعض النواب المتقين للأسف  بعبارات تحقر وتحط من كرامة البشر، نعتوا بها البدون مثل كلمة «كواولة»…! مثل تلك الكلمة ما كان يجوز أن تصدر من أصدقاء وإخوان لكاتب هذه السطور فهذا لا يليق بهم، فبدون الكويت ليسوا غجراً امتهنوا الرقص والتنقل من مكان إلى مكان آخر دون هوية بل هم من أعرق القبائل العربية وهم ولدوا بالكويت وعاشوا وضحوا من أجلها، وليس كلهم جاؤوا خفية ثم مزقوا جوازات سفرهم وقالوا «نحن بدون» كما يردد  الكثيرون من رموز العنصريات الكويتية، وحتى هؤلاء الغجر «أهل الدق والرقص» لهم حقوقهم الإنسانية، ولهم دول يحملون جنسيتها وتحترم كرامة البشر.
هل نطلب الكثير من وزارة الداخلية حين نسألها قليلاً من «وساعة الصدر» في معاملة متظاهري البدون، وهل نطلب الكثير من إخواننا النواب غير القليل من الاحترام  يبدى لإخوة لهم في الإنسانية وفي الأرض التي ننتمي إليها جميعاً…!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

البدون لبستوهم !

اثنان من البدون كانا من المحتجزين في أمن الدولة، وتم الإفراج عنهما في ما بعد، هما طبيبا أسنان وعلى درجة عالية من التفوق في عملهما، وهناك أكثر من طبيب «بدون» يعملون براتب لا يتجاوز 400 دينار، وأخبرني أحد العارفين بجهنم البدون أنه يوجد عدة حراس أمن في القطاع الخاص يحملون شهادات طب!! لكن ليس المهم كفاءة البعض من «المقيمين بصورة غير قانونية» المهم عند أكابر القوم في الديرة هو التركيبة السكانية وعدم اختلالها، وكأن تركيبتنا السكانية أنتجت لنا آينشتاين في الفيزياء وباخ في الموسيقى… والذي حدث أمس الأول في مجلس الأمة كان أكثر من مخجل وكان وصمة عار في جبين نوابنا الذين وجدوا أولويات أخرى لمناقشتها، أما تقرير حقوق البدون بقانون فقد تم تعمد إهماله بسبق الإصرار «والتعصب»، وتناسى هؤلاء النواب أن هناك مندوبين عن جمعيات عالمية لحقوق الإنسان كانوا موجودين في أثناء الجلسة وكانوا يتوقعون أن يناقش المجلس قضية البدون، ولكن هذا لم يحدث وكشفنا عن فضيحة إنسانية أخرى من فضائح «أنا كويتي وعزومي قوية».

الحكومة وعدت بأن تفعل القرارات التي صدرت أخيراً من اللجنة البرلمانية بشأن الأحد عشر حقاً للبدون، وهذا ما بشر به الوزير البصيري ممثلة جمعية حقوق الإنسان الكويتية مها البرجس، لكن لا أدري كيف يصور علية القوم إصدار شهادة وفاة أو شهادة ميلاد للبدون على أنها «رخصة» وتفضل من الدولة واعتبروهما من بعد- واللغة هنا ملتبسة- على أنهما حقان مثل بقية الحقوق التي أقرت من اللجنة البرلمانية…! تلك ليست حقوق عادية يخلقها القانون وهي من باب أولى ليست صدقات تتفضلون بها على «المناكيد» الذين ولدوا في الكويت وعلى ظهورهم وشم كلمة «بدون»، هذه حقوق طبيعية يولد بها الإنسان ومعها يموت، وسواء أقرتها قوانين وضعية أو لم تفعل تظل حقوقاً سندها القانون الطبيعي وأحكام العدالة وهي غير قابلة للنقاش.

لست متفائلاً بأن 11 حقاً سيتم إقرارها بقانون، مادامت عقد الفاشية النفطية معششة في ضمير الكثيرين منا، وستظل على ذلك أوضاع البدون تتأرجح في القرارات الحكومية تخرج من سكة وعد كي تتوه في دروب اللامبالاة ولا تستقر على حال أبداً. المضحك أن الحكومة قالت في تبرير معارضتها إصدار قانون لتقرير حقوق البدون- طبعاً حقوقهم الإنسانية وفق مبدأ الحقوق الطبيعية وليس حقوقهم في الجنسية- إنه لا يمكن معالجة وضعهم غير القانوني بقانون…!! صحيح أن شر البلية ما يضحك، فتعديل حالة اللاقانون أو اعوجاجه دائماً يكون بقانون هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه في أحايين كثيرة تكون أسوأ أنواع الظلم هي المقننة بتشريع أو قرار مقنن… نظرة سريعة على تشريعات أمن الدولة في دولنا العربية تقنعكم بالإجابة.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

مشجب للبدون

«محرضون في الخارج، مؤامرات تحاك في الدول الغربية، الصهيونية وعملاء الصهاينة، الإخوان المسلمون»، مثل هذه العبارات السابقة هي المشاجب التي يعلق عليها أهل النظام والفاشلون كل مآسي بلدانهم، فالقذافي وعلي عبدالله صالح وقبلهما زين العابدين وحسني مبارك وبقية شلل حكام «البتكس» وجدوا في «الخارج» والمؤامرة الأجنبية عذرها وتفسيرها لكل أسباب الثورة ضد أنظمتهم التسلطية، وهي أنظمة الفشل التي تتساقط اليوم مع ثورة الشباب العربي.

سؤالي ما إذا كانت عدوى المشاجب لا عدوى الثورات والانتفاضات قد أصابتنا هنا في الكويت؟ فقد صرح أكثر من عضو برلماني وكتب عدد من كتاب «الحكومة دائماً أبخص» من الذين يدعون دائماً «الاستقامة السياسية» للنظام مهما كان، بأن مظاهرات البدون هذه الأيام هي بتحريض من الخارج، وأوضاع البدون عند الحزب «الإنساني» الكويتي وهي ولله الحمد كاملة وغير ناقصة، فهم يتعلمون في أحسن المدارس، ويعالجون في أفضل المستشفيات، والدولة تكفلت بسكنهم وبكل صغيرة وكبيرة في حياتهم، ولا ينقصهم غير كرت صغير مكتوب عليه كويتي، وعدا ذلك فهم كذابون ومزورون قدموا للكويت بطريق «التهريب» بحراً أو عبر قوافل البدو الرحل براً، واستقروا هنا ثم مزقوا جوازاتهم ووثائقهم الأصلية وقالوا إنهم «بدون»… ومن أهل الكويت…!

يا ترى قبل صدور قانون الجنسية كيف كنا نفرق بين البدون وأهل الحمايل؟ ثم في حملات التجنيس السياسي التي تمت في سنوات الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي كيف منحت جناسي الجنة الكويتية للبعض منهم وكيف حرم غيرهم؟ الجواب عند أهل العلم والدراية بالعرق الكويتي وجماعات المحافظة على «ثروة تقاسم الكعكة الكويتية» على أهل الكويت وحدهم طبعاً بامتيازات «هبش» خاصة للقلة الدائرين بفلك السلطة وبالفتات لمن تبقى. فهم يرددون بأن كعكة الامتيازات الكويتية بقي منها القليل، وبالكاد تكفي شخصية «أنا كويتي وعزومي قوية»، فهل من المعقول أن نقبل صرف ما تبقى من ثروة الأجيال على «عوير وزوير» من بدون الكويت! أما كفانا فساد وطيش الحكومات المتعاقبة ومعها نواب الأمة في مجالس كثيرة حتى يأتي اليوم ونطالب بالاشتراكية في ثروة العطايا والمنح والمناقصات مع البدون؟

إذن ما الحل… غير بقاء الأحوال على حالها المائل… فلا زمن يمضي ولا شيء غير الثبات والسكون… وغطس الرؤوس بالرمال، وليس للبدون، غير انتظار نهاية إجراءات البحث والتقصي عن أصولهم وعروقهم ولو نبشناها في قبور أهل عاد وثمود…؟

تبقى لي ملاحظة على جماعة العمل الوطني الذين قالوا إن الجنسية من أعمال السيادة…! وبالتالي حسب هذا الفهم القاصر، فالسلطة التنفيذية وحدها التي تختص بالمنح والحرمان دون معقب ودون رقابة، والقانون الذي انتزع من القضاء سلطة النظر في مسائل الجنسية يصبح دستورياً وفوق الدستور عند إخوان العمل الوطني، فشكراً كثيراً لوطنيتهم ولعمق فهمهم لمعنى الشرعية الدستورية.

حسن العيسى

بدون أمل…

خرجوا متظاهرين ومشاغبين لأنهم يشعرون بالظلم وفقدان الأمل، نسميهم في الكويت "بدون" أو المقيمين بصورة "غير قانونية"، فقدوا الأمل رغم أن المجلس والحكومة أقرا المجلس المركزي لحل معضلة "البشر" المحرومين من الهوية الوطنية، لكنهم يرون أن هذا الجهاز لا يختلف عن سابقه مثل اللجنة التنفيذية للمقيمين بصورة غير قانونية! ومن يخلق القانون، ومن يحكم بعدالته أو جوره هو واحد، وهو الخصم وهو الحكم.

سألت أحد هؤلاء البشر (أو كما يعشق أن يسميهم الكثيرون من أمراء النازية الكويتية بالبدون الكذابين، أو المزورين) عن سبب تظاهرهم أمس الأول، ولمَ قذفوا رجال الأمن بالحجارة، كما يقول عدد من الشهود. أخبرني بأنه ربما كان هناك "محرض" أو "محرضون" غير مقدرين لعواقب الأمور، لكن ليس هذا هو المهم، ما يهم أن عدداً منهم أصيب بالإحباط من كثرة الوعود الورقية، من صعود الأمل ثم خفوته، ولا شيء يحدث على أرض الواقع لحل أزمة الهوية… كل الحلول التي قدمت ترقيعية… ومسكنات ألم مؤقتة… تزيد من مرض فقدان الهوية والوجود الإنساني ولا تستأصله… هناك ما يقارب 93 ألف "بدون" نصفهم تقريباً مسجلون في إحصاء 65 الذي وعدت السلطات بمنحهم الجنسية إذا توافر شرط الإقامة الدائمة وغيره من شروط…! لكن هذا لم يحدث… إحصاء 65 لا يختلف عن قانون منع التدخين في الأماكن العامة… جماعة إحصاء 65 لهم وضع أفضل من غيرهم الذين لا يشملهم الإحصاء ما لم يكن الأخيرون لهم واسطة… فيستحقون ميزات الجنسية أو الجنسية بدون تعب…!! الوضع الأفضل لجماعة إحصاء 65 أن لديهم بطاقة مراجعة. جدوى هذه البطاقة التي لا تخول صاحبها غير هوية اللاهوية مراجعة اللجنة كل سنة أو سنتين… حسب مزاج الإدارة الأمنية… هي لا توفر العلاج ولا فرص الدراسة ولا العمل بصورة عامة… فائدة البطاقة أنها بطاقة تحمل رقماً… لواحد غير محسوب.

أخبرني من تجربة شخصية بحجم محنة البدون… أنه، مثلاً، إذا أراد تسجيل ميلاد طفل… يطلب مني في إدارة تسجيل المواليد أن عليه "مراجعتهم" بعد أسبوعين حتى "تراجع" هذه الإدارة لجنة المقيمين بصورة غير قانونية… فإذا حضرت بعد أسبوعين… قالوا لي نعطيك شهادة الميلاد، لكن عليك توقيع شهادة تقر فيها بأنك سعودي، أو عراقي… أو تنتمي إلى دولة ما…!! يقول لي: لا أمانع التوقيع… لكن ما جدوى هذا الإقرار الذي لا تأخذ به السفارة السعودية فهو لم يصدر عنها… ما فائدته غير فرض واقع إنكار هويتي الوطنية بنفيها بإثبات انتماء جذوري قبل عقود من الزمن إلى دولة ما، لم أولد فيها ولم يكن لي غير الكويت وطن.

هكذا تمضي قضية "البدون" وهكذا نسجل للتاريخ كيف نهرب من الواقع إلى المجهول وإلى الوعود بالأحلام الجميلة التي لم تكن سوى كوابيس مرعبة.

حسن العيسى

لا نريد هدايا بل نطلب حقاً

سحب طلب التفسير من الحكومة وتنازلها عن الدعاوى، سواء تلك التي رفعها سمو رئيس مجلس الوزراء أو التي حركتها وزارة الإعلام ضد أصحاب الرأي، مسألة تستحق التقدير والشكر للحكومة، وبصرف النظر عما كان يمكن أن تنتهي به الأحكام في تلك الدعاوى لمصلحة المشكو في حقهم أو ربما ضدهم فإن ممارسة الملاحقات السياسية حين تلبس رداء القانون هي بذاتها سياسة تسلطية تتنافى مع أبسط مبادئ حقوق التعبير ونقد الشخصيات العامة. يبقى ما هو أهم من تلك الهدايا الوقتية التي قدمتها الحكومة إلى المشكو في حقهم. فليست هي قضية محمد الجاسم أو عبيد الوسمي وماذا قالا في ندوة أو كتبا في مدونة ما- فتلك مسائل فردية وإن مدت بظلالها على كل صاحب رأي حر- بل يبقى آخر الأمر تلك القوانين الجائرة مثل قانون المطبوعات والنشر وبعض نصوص قانون الجزاء وأمن الدولة وما يتبعها مثل قانون المرئي والمسموع… فتلك القوانين فتحت أبواب جهنم على أصحاب الرأي، وهي  التي شدت من أزر السلطة لتأديب أصحاب الرأي وتدجين الإعلام بشكل عام، فخلقت بذلك الوحش القبيح واسمه «الرقيب الذاتي» في قلب كل كاتب حر، وأضحينا نحسب لكل كلمة حسابها، وما إذا كانت تهز أركان «الدولة وأمنها وطوائفها وثوابتها» أم لا! وما إذا كانت تسيء إلى علاقتنا بدول صديقة أو شقيقة أم لا…! طبعاً في عرفنا الشرقي الدول الشقيقة والصديقة هي «ممشة زفر» لتحصين أنظمتها السلطوية الفاسدة من النقد…! وخير مثال حالة التيه التي أصابت معظم كتابنا أيام ثورة 25 يناير العظيمة بمصر أو قبلها بتونس، فلا يمكن نقد قيادة الرئيس حسني مبارك، ولا يمكن طبعاً أن نفعل أي شيء حتى تستقر الأمور ونعرف من هو الملك القادم، لنهلل له حين تهلل الحكومة أو نصمت بخجل حين تصمت الحكومة. 
«البلوي» القادمة، وكأن سلطتنا لا تعرف شيئاً عن ثورة التويتر والفيس بوك وغوغل، هي مشاريع القوانين التي قدمتها الحكومة لزيادة حجم العقوبات على وسائل الإعلام الخاصة، وأعدت غرامات بأرقام فلكية وعقوبات بالحبس لأي تفكير عقلي حر إذا كان يمس يقينيات طوائف أهل الخير والصلاح…! تلك وصمة عار لبلد يتنطع فيه البعض بحرية الرأي والديمقراطية، متناسين أنها ديمقراطية أعور بين عميان… لا نريد هدايا وتنازلات وقتية… بل نريد حقوقنا الثابتة في التفكير والنقد، ورمي قوانين «دراكو» ومشاريعه في مزبلة التاريخ.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

ارفع رأسك يا أخي

سنعود نردد شعار «ارفع رأسك يا أخي»، شعار الراحل عبدالناصر يفرض نفسه من جديد، بعد أن هزت الوجدانَ مشاهد ساحة التحرير بالقاهرة، ثم معظم المحافظات المصرية، وقد غصت بملايين المصريين.
وجلسنا مشدوهين نراقب أول وأكبر ثورة شعبية عربية تحدث في عالم اليأس العربي -سابقا- من دون دبابات ومن غير عساكر يلقون علينا البيان رقم واحد من قيادة الثورة.
هذه المرة يتحقق شعار «ارفع رأسك يا أخي» من غير أن ينتهي الحال بواقع «انبطح على الأرض يا أخي وارفع قدميك لعصا المخابرات»، لأن الشعب هو الذي يقود و»الشارع» هو سيد الحدث. 
مشاعر الكبرياء والكرامة اليوم تتمدد في قلوبنا بعد سنين اليأس وفقدان الأمل، حين رسخت ثقافة الخضوع للسلطة، وحين أصبحت صورة العربي في العالم هو ذلك  الشخص الفقير القانط المقهور الذي لا  يكترث للفساد السياسي ولا للظلم فهو خاضع لثقافة قدرية تقرر أن «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، أو أن العربي هو ذلك المليونيرالذي يتسكع بالسيارات الفخمة في شوارع «اجورد رود» بلندن و»شانزيليزيه» باريس، والسيدة حرمه تتسوق مغطاة بالعباءة والبرقع في محلات هارودز وتحمل بيدها شنطة ماركة «غوتجي»! انظروا كيف وصفت الحال الكاتبة  «غورفين منصور» في عدد «غارديان» بالأمس.
قادة «شعب الله المختار» في إسرائيل وحلفاؤهم في النظام العربي برفقة وعاظ سلاطينهم يعودون المرة تلو الأخرى في  إعلامهم يرفعون «فزاعة» كتب عليها: تذكروا ما حدث في إيران عام 1979 حين ابتلع الملالي ثورة الشارع الإيراني… وتذكروا انتخابات السلطة الفلسطينية وكيف وصلت حماس… وقبلها انظروا إلى انتخابات الجزائر في عام 91… واستعدوا اليوم للإخوان المسلمين حين يحكمون مصر الكبيرة…! من قال إن التاريخ يتكرر، ومن قال إنه كتب علينا أن نجتر الماضي إلى ما لا نهاية من أجل «استقرار» الأنظمة العربية «العاقلة» وبالتالي لمصلحة طمأنينة اليمين الإسرائيلي وبحبوحة الديمقراطية الغربية الإسرائيلية كنموذج لا يتكرر في منطقتنا…؟! كيف يمكن أن نحكم على القادم بالفشل من أجل دوام الفساد السياسي والاقتصادي في دولنا؟ وكيف يختزل كل شباب ساحة التحرير في الإخوان؟ ثم تصدر الأحكام الجائرة بأن الإخوان هم بن لادن وهم القاعدة وطالبان… بينما يقرر هؤلاء الإخوان  بلسان قادتهم أنهم لن ينالوا أكثر من 20 في المئة من الأصوات إذا حدثت انتخابات حرة ومن غير جنازير البلطجية… ثم أليسوا هم مصريين في النهاية؟! أسمعونا غير هذا الرغاء الفارغ… وابحثوا لكم عن حجج أخرى… ففي النهاية وبفضل دماء شباب ساحة التحرير… نستطيع أن نرفع رؤوسنا العربية في النهاية.
 ملاحظة: ستصل جيوبنا بعد أيام منحة الألف دينار، ماذا لو تم تخصيصها أو جزء منها لأبطال ساحة التحرير… فهم أولى منا…!

حسن العيسى

باي باي لأنظمة البتكس

ببركة شباب تونس ثم شباب مصر نطق الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وتعهد بعدم ترشيح نفسه بعد سنتين، وننتظر أن تمتد عدوى الحريات إلى بقية أنظمة «البتكس»، أي الأنظمة التي يلتصق فيها الحكام على الكراسي بغراء «البتكس» الأبدي ولا يحركهم غير عزرائيل، فهم من الكراسي إلى القبور. فكم نحن مدينون لشباب ساحة التحرير و«عربة خضار» الشهيد «بوعزيزي» بتعبير الزميل خلف الحربي.

رياح التغيير قادمة على المنطقة العربية دون استثناء ولن يوقفها أحد، وهي قد لا تكون في صالح دول الغرب، فأنظمة «البتكس» العربية روجت شعار إما نحن أو الإسلاميون، والدول الغربية وتابعهم «قفة» من أشباه الليبراليين صدقوا هذا الشعار، وعملوا على ديمومة هذه الأنظمة بحجة أن البديل سيكون الأسوأ لدنيا الحريات الفردية وسيكون في غير مصلحة الغرب، وربما يكون هذا صحيحاً إلى درجة ما، لكن ما الحل، غير السكوت على الأنظمة التسلطية والرضا بفسادها وفساد الحاشية الملتفة حولها؟! فهل يمكن القبول بهذا الخيار إلى ما لا نهاية؟!

بعد ثورتي تونس ومصر سقطت ورقة التوت التي يفترض أن تستر عورات الأنظمة، فلا مكان اليوم للتضحية بحريات الشعوب بحجة الاستقرار السياسي، وهو ليس إلا استقرار الفساد حين أنتج لنا طبقة من الأثرياء بثروات خيالية ليست وليدة العمل والجهد الإنساني، بل هي نتيجة صفقات الفساد مع الأنظمة الحاكمة، وهي ناتج أريحية وخيرات الريع وصدقات الحكام الذين يهوون فنون النفاق، ولم تكن تلك الصدقات من جيوب الحكام بل من شقاء وفقر الأغلبية التي لا تعرف التسول عند أبواب القصور.

وصفات الإصلاح لا يجوز قصرها على دعم السلع الاستهلاكية وتوفير فرص العمل للشباب العاطلين حتى ينتقلوا من بطالة حقيقية إلى بطالة مقنعة، فهذه حلول ترقيعية ولن تنفع على المدى الطويل، بل البداية تكون بمحاربة الفساد السياسي والاحتكام إلى دولة القانون والمؤسسات الدستورية، فهل ستعي أنظمة «البتكس» تلك الحقائق أم ستنتظر عاصفة التغيير القادمة لتقلعهم هم وكراسيهم؟!

حسن العيسى

ماذا تنتظر أنظمتنا؟

يتساءل اليوت ابرامز في «واشنطن بوست» معلقاً على ثورة الشباب في مصر: «… أي دروس يمكن أن تتعلمها الأنظمة العربية مما يحدث؟ هل ستبدأ تلك الأنظمة مشوار الإصلاح الثابت الذي يعني التغيير السلمي لهذه الأنظمة، أم أنهم سيصلون إلى قناعة بأن زين العابدين بن علي اخطأ حين لم يأمر بضرب المتظاهرين وينهي الثورة؟ وهل ستتعلم حكوماتنا أن الأنظمة الدكتاتورية لا يمكن أن تكون ثابتة؟! فهناك تحت السطح الهادئ لتلك الدول التي تجثم فوقه قوى الأمن غليان ينمو ويتصاعد وقد ينفجر في أي لحظة لأعمال عنف رهيبة متطرفة، وعندها ستوصد الأبواب عن أي نقاش عقلاني يحكم المنافسة السياسية».

صحيح ماذا ستختار الأنظمة العربية اليوم وغداً… فما يجري في مصر اليوم ستكون له نتائجه الخطيرة على هذه الأمة التي كانت ساكنة وصامتة صمت أهل الكهف ولم تعد كذلك… مشهد آلاف المتظاهرين وقد يرتفع العدد للملايين يتجمعون في القاهرة والإسكندرية ومعظم المناطق المصرية يرفعون شعاراً واحداً، يصرخون بنبرة واحدة تهز أركان الدولة بكلمة «كفاية» ليس بالمشهد العادي، فلأول مرة يرد الشعب العربي المصري لدول الغرب وللفقهاء المنظرين بأن للصمت نهاية ولصبرنا حدوداً، وإذا كنتم تقولون في الغرب إن شعوبنا هي آخر الشعوب التي تنتفض ضد الحكام وضد الإدارة الرديئة، فقد أخطأتم، وراهنتم على حصان خاسر. لأول مرة في تاريخنا الحديث ومنذ بداية عصر الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي شعوبنا هي التي تتحرك من ذاتها، تنتفض تنشد التغيير والتقدم والإصلاح… شبعت شعوبنا من أنظمة لا تتعدل ولا تتبدل، ولا تعرف قواميسها كلمات مثل «إصلاح وتغيير»! لأول مرة الشعوب هي التي تغير النظام بعد أن ذاقت مرارة الظلم، ولم تنتظر ضابطاً مغامراً فوق دبابة يستولي على الحكم ويصادر الدولة له لتصير مزرعة خاصة به وبجماعته… الشعب العربي اليوم لم يعد «مسطولاً» يهرول خلف لقمة العيش يوماً بعد يوم… اليوم يطالب بحقه بالوجود الإنساني وبالكرامة وبالديمقراطية التي عمت معظم مناطق العالم وتناست منطقتنا… فاليوم… في مصر حيث يقطن ثلث العرب، تبدأ موجة التغيير القادمة… مصر ليست مركز القومية العربية تاريخياً، لكنها مركز الثقل الثقافي والقوة للعرب، وما يحدث في مصر اليوم، سيمتد إلى شقيقاتها الصغيرات مهما حاولت أنظمتنا صد موجة التغيير فمصيرها الأكيد الفشل، فمصر ليست العراق، هنا الحديث يكون عن «الدولة» المتجانسة بتاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين، والبركان المصري مهما حاولت أنظمتنا كتم ذلك البركان بوعود الإصلاح وبالتغيرات الشكلية التي لا تقرب موضع الداء، والداء هو الاستبداد، والفقر، وهدر الكرامات وغياب العدالة الاجتماعية، فلن يجدي ذلك نفعاً.

الطوفان المصري قادم إلى المنطقة دون جدال، وليس على الأنظمة العربية سوى المبادرة بالإصلاح ببناء الدولة الدستورية الديمقراطية الحقيقية… لا وقت للانتظار… فكل لحظة تمر هي خسارة للنظام العربي المهترئ وكسب لروح الحرية والتقدم.

حسن العيسى

الدرس التونسي

لا يحلم عاقل بأن عدوى الثورات الشعبية ستنتشر من تونس إلى بقية دولنا العربية التي تمتطي أنظمتها رقاب الشعوب إلى أن يحدث الله أمراً كان مكتوباً، والمكتوب أن يطرق عزرائيل باب النظام ليذهب قائد ويأتي من سلالته قائد آخر، وليس بجديد مقولة جريدة «هارتس» الإسرائيلية إن من يتوقع «وباء الثورات» في الشرق الأوسط أو في شمال إفريقيا سيضطر إلى الانتظار في هذه الأثناء، وإذا كانت تونس بسبب وعي شعبها وارتفاع معدل التعليم والثقافة فيها تشكل استثناء من عالمنا العربي قد لا يتكرر، فالمؤكد أن الشعب التونسي ألقى حجراً في مياهنا الراكدة، وأن الشعوب بدأت تدرك تماماً معنى «إرادة الحياة».

كثير من المعلقين رأوا أن المظاهرات الشعبية في مصر لن تنتهي بما انتهت إليه في تونس حين أزاحت النظام، فجهاز الأمن المصري ليس مثل نظيره التونسي، وهناك الكثير من الفروق بين تونس ومصر في تركيبة الطبقة الوسطى التي تقود عادة النضال الشعبي، وما يقال عن مصر يمكن تعميمه على معظم دولنا العربية، وكل بلد وله ظرفه التاريخي وحيل نظامه لإطالة عمره إلى ما شاء الله. المؤكد الآن أن هناك تغيرات تحدث نتيجة هذا الغليان الشعبي، فالرئيس مبارك في مصر وعد بإصلاحات وتغيير وزاري، وكذلك الأمر في الأردن، والمؤكد أن «عدوى» الحذر والانتباه والوعود بالإصلاحات السياسية ستسري في الوطن العربي الكبير، وإذا لم تتعلم أنظمتنا الدرس التونسي اليوم بأنه ليس الفساد والفقر والبطالة وهدر حقوق الإنسان في التعبير وبقية حريات الضمير والمشاركة في الحكم المسؤولة عن هز أركان النظام، وإنما وعي الناس بها وإدراكهم بأن أنظمتهم هي المسؤولة بداية ونهاية، وأنه اليوم ليس بإمكان هذه الأنظمة أن تضع السواتر والحواجز على التواصل الفكري ونقل المعلومات فـ»أنوار» الإنترنت وعوالم فيس بوك وتويتر اليوم تقوم بدور فلاسفة التنوير الأوروبي في نهاية العصور الوسطى، التي مهدت بظهور الطبقة البرجوازية إلى عصر الحداثة، أما دول الغرب فقد تصحو اليوم وتدرك أن «بعبع الحركات الإسلامية» لم يعد مبرراً كافياً لقيامها بالتنفس الصناعي في الرئة المهترئة للحلفاء من الأنظمة العربية، وليس بالضرورة أن تنتهي الحكاية العربية بمثل ما انتهت إليه المأساة الصومالية، فتحت أضعف الإيمان، سيبقى الدرس التونسي منارة كي تسترشد بها دولنا العربية وأنظمتها ذات الأعمار المئوية.

حسن العيسى

خرافة عفريت الوزير

لا يمكن وصف إجازة الفساد لمجلس الأمة بأقل من أنها «مهزلة»، وهو وصف النائب أحمد السعدون، هي مهزلة حين تصبح الأغلبية المجلسية أداة «ستر عورات» الحكومة، هي مهزلة لكنها «تراجيديا» حزينة حين أضحت المحاسبة على تعذيب وقتل المواطن محمد المطيري (وقبله مواطنون وغير مواطنين سكبت دماؤهم رخيصة ولفقت ضدهم تهم خطيرة في إدارات الإرهاب الرسمي بوزارة الداخلية، وعلمهم عند الله وعند المؤتمنين على أرواح خلق الله) صك براءة سياسية لوزير الداخلية ولحكومته.

لا يفهم من «حذف» جلسات مجلس المريدين لمشايخ الحكومة لما بعد فبراير غير أداة قتل استجواب وزير الداخلية الذي كان من المفترض تقديمه الآن، فالحكومة السامية وجماعتها من أتباع «حزب الشيوخ ابخص» في المجلس تستكثر مساءلة وزير «شيخ» بسبب تورط بعض المافيات الرسمية في جريمة قتل المطيري، فالحكومة تريدنا أن نصدق أن وزير الداخلية «سيدعك» مصباح علاء الدين وسيخرج لنا العفريت قائلاً: «لبيك شبيك إصلاح وزارة الداخلية بين يديك»! بينما نعلم أنه لا مارد علاء الدين ولا كل معجزات الجان في ألف ليلة وليلة ستكون قادرة على إصلاح دهور الاستبداد والفساد في هذه الوزارة تحديداً وبقية وزارات الدولة ومؤسساتها بصفة عامة.

من أين سيبدأ الوزير مشواره وأمامه ألف وألف خط أحمر، من خط شيوخ يمسكون بمفاصل الوزارة وهم غير القابلين للتغير والتبديل، وإذا خرج شيخ فسيأتي شيخ آخر فوق القانون، وسيأتي معه ضباط وعسكر يسألونه «شتبي طال عمرك…»!! وهناك خطوط المحسوبيات والواسطات لنواب ومتنفذين في الدولة، وهناك خطوط غياب الوعي الإنساني وأبسط مبادئ حقوق الإنسان عند الكثير من العاملين في وزارة «الشرطة في خدمة الشعب»… فمن أين سيبدأ الوزير وأين سينتهي وهو الذي امتد به العمر الوزاري إلى أكثر من أربع سنوات، والوزارة على حالها وعلى طمام المرحوم ومن سيئ إلى أسوأ.

لا جدوى من الوعود الخاوية بجني علاء الدين ولا عفريت خاتم سليمان لرتق شقوق ثوب وزارة الداخلية وأثواب الحكومة كلها، فلا توجد هناك نوايا صادقة لوقف السقوط للهاوية والناس غارقون في فرحة الألف دينار، فلنبارك لحزب المهللين للسلطة والذين «أكلوا بفقههم الفستق واللوزينج»، بتعبير أبي حنيفة لصاحبه أبي يوسف، انتصارهم في جولة جديدة من جولات الفساد النيابي… وصحة على قلوبكم.