حسن العيسى

قولوا خيراً أو اصمتوا

قدم النواب هايف والطبطبائي والوعلان أكبر هدية لحكومة الشيخ ناصر المحمد باستجوابهم البائس لرئيسها، فليس هناك مادة للاستجواب غير اتهام رئيس الحكومة بالتواطؤ مع النظام الإيراني، بكل ما تحمله هذه العبارة من ظلم وفقدان لأبسط معايير العدالة نحو رئيس الحكومة. فلا يبدو أن المستجوبين على وعي بما تحمله عبارات شائنة مثل «الإضرار بالأمن الخليجي، والإضرار بالعلاقات مع دول مجلس التعاون، والإهمال أمام التغلغل الإيراني…» من اتهامات صريحة لرئيس الحكومة تكاد تقارب تهم الخيانة الوطنية…! وخلط المستجوبون بين «العلاقة الشخصية»، أو أياً كان وصفها، بين رئيس الحكومة وبعض الأفراد، وبين ما هو مستحق فعلاً من مساءلة سياسية وقانونية معاً ضد رئيس الحكومة.

حدثوا العاقل بما يعقل، وحدثونا يا حضرات النواب بالمعقول بشأن «تواطؤ» رئيس الحكومة مع النظام الإيراني، كما جاء بفحوى استجوابكم…! فهل كان من المفروض على رئيس الحكومة أن يبعث بالأساطيل والجيوش الكويتية لنجدة البحرين، وكأن البحرين كانت في مواجهة عدوان خارجي واستيلاء على السلطة هناك؟! أم كان من واجب الشيخ ناصر إعلان الحرب «الاستباقية» على إيران «الصفوية» دون انتظار إشارة قبول من الولايات المتحدة، وذلك كي تكون الكويت متسقة مع مفهوم الأمن الوطني ومنفذة التزاماتها مع دول درع الجزيرة؟! أخبرونا ماذا تريدون؟ ونحن هنا نفترض حيادكم في إعمال حكم القانون، وأنكم لا تقصدون بأي حال فرض الوجه الطائفي البشع على الدولة، حين تصبح إيران وتطلعاتها بالهيمنة تكئه وسبباً لاستصغار شيعة الكويت، وكأن هؤلاء وكلاء رسميون للجمهورية الإيرانية.

ماذا كان مطلوباً من رئيس الحكومة نحو إيران ودول مجلس التعاون الخليجي حتى يثار مثل ذلك الاستجواب المقيت. هناك عشرات ومئات الأسباب لمساءلة رئيس الحكومة والسلطة كلها وأعوانها بمجلس «الخدمات» النيابي على الحالة الكويتية اليوم وبالأمس القريب. إلا أن تصوير رئيس الحكومة بالشخص المتخاذل والمتواطئ مع إيران، كما جاء في استجوابكم، مسألة صعبة ولا يمكن هضمها تحت أي حال، ابحثوا لكم همومنا الكبيرة، وما أكثرها، بداية من غياب أبسط مبادئ حكم القانون في الدولة، مروراً بحفلات الرشاوى السياسية التي تدفعها السلطة إلى أمة الاستهلاك ونوابها المبجلين، مع انتشار وباء الفساد في معظم أجهزة الدولة من غير استثناء، ونهاية باحتقار روح الدستور والمساءلة السياسية من الحكومة وأذنابها، كأن يحذف استجواب سياسي مدة سنة كاملة بحجة «الألفاظ» الدستورية مع تغييب متعمد للمعنى والمقصد الدستوريين! ابحثوا لكم عما ينقذ الوطن من محنته معكم ومع هذه السلطة… من غير أن تضيعوا أعمارنا في تلك الترهات… قولوا خيراً أو اصمتوا.

حسن العيسى

تعليقاً على ما حدث

أظهر نواب الصفعات في جلسة الأسبوع الماضي سواد وجه الأمة، وليس سواد وجوههم فقط، فلم تكن تلك «النخب» البرلمانية المتعاركة بالشتم والصفعات تمثل نفسها، وتنفس عن احتقاناتها الطائفية والعنصرية، بقدر ما كانت تعبر عن إرادة «الأمة» الطائفية، التي وجدت في ممثلي الطوائف والقبليات والشلل خير تعبير عن إرادتها المتعالية والمتغطرسة، بعد أن صورت «الآخر» الغير بمنظار الاحتقار الديني «الخارج عن الملة والجماعة»… وهذا أبسط أولويات الاعتقاد التي تضج في الصدر الديني المتزمت، اعتقاد خارج العقل لا يفرق بين «شهيد» الأمة بن لادن أو نواب الشهيد عند ممثلي الأمة الكويتية.

حدث الضرب في المجلس، وفقدان القدرة على الحوار المتزن في بيت الطوائف السائر بهدي السلطة الحاكمة لم يكن بحد ذاته مهماً، بقدر ما كان معبراً عن الحالة الطائفية والانقسامات الاجتماعية التي تجتاح الدولة في السنوات الأخيرة. وهي تدق جرس الخطر من التفجر الطائفي والحرب الأهلية القادمة، مادام الفكر الحاكم الذي خلقها بداية ما زال ينظر إليها بالمنظار القديم المتخلف ذاته، متصورا أنها «ظاهرة صحية»، بالنسبة إليه، يستطيع أن يمسك عبرها بزمام الحكم من دون منافس حين يعلي من نفسه، وكأنه فوق تلك التشوهات الدينية والمذهبية، وكأنه رمز «الحياد القانوني» وفوق الشبهات! بينما يدرك أي واع أنه المسؤول الأول عنها، فقد كانت البداية بتقسيم الدوائر السابق حسب التفريعات الطائفية والعشائرية، ثم كان هناك الميل بممالأة الاتجاهات التعصبية الدينية، الذي تجلى في «بعثات» الجهاد إلى أفغانستان المناضلة ضد «الكفار» الشيوعيين، ثم ما تبع ذلك من أحداث بعد انتصار الجهاد والإرهاب معا تمثلت في تشجيع سافر لقوى التطرف الديني، وأصبح وعاظ آخر زمن نجوماً على شاشات التلفزيون والإعلام الرسمي وغير الرسمي، وأصبحوا خير وسيلة، من ناحية أخرى، لترويج السلع التجارية مختومة بأختام المباركة الدينية.

لم نكن بحاجة إلى كل ذلك الهوج الديني، والتقسيمات الاجتماعية، فالكويت ليست العراق، وهي أيضا ليست البحرين ولا مصر، ولا مثل أي من شقيقاتها العربيات المبتلاة بنقص الموارد الطبيعية، وحجم سكاني كبير نسبيا. كانت الكويت، مع بعض التحفظ، وعاء صهر مصغرا، لأعراق مختلفة، جاء أهلها من الجزيرة العربية، ومن بلاد الرافدين، ومن بلاد فارس… فهل أضحينا بعد تلك العقود الممتدة غير متآلفين وعاجزين عن قبول بعضنا بعضا؟ من المسؤول عن هذه الخبيصة؟ وهل يعلم النافخون في جمر التقسيمات المذهبية والعرقية أي منقلب سينقلبون؟!

حسن العيسى

سفه سياسي

في يناير الماضي عقّب تقرير «الشال» على المكرمة الأميرية بصرف ألف دينار لكل مواطن، وتموين مجاني مدة ١٤ شهراً، بأن مبلغ المليار و١٥٠ مليون دينار (قيمة المكرمة) يفترض أن يصرف على صناعة الإنسان تعليماً وتدريباً. وأضاف التقرير، وكأنه كان يؤذن في مالطا: «هذه الأموال ليست حصيلة وعاء ضريبي على دخول وأرباح إنتاج سلعي، وإنما اقتطاع من أصل لا يمكن تعويض أي قطرة منه».

وأضاف التقرير أن «مبلغ المكرمة يكفي لعشرين ألف منحة دراسية، أو توفير عشرين ألف مسكن لطوابير المنتظرين للسكن». وتساءل التقرير: «ماذا ستفعل الحكومة حين يدخل ٥٠٠ ألف مواطن ومواطنة إلى سوق العمل في العقدين القادمين وكيف ستوفر لهم فرص العمل؟».

انتهينا قبل ستة أشهر بدهان السير الحكومي، لنعود من جديد هذه المرة إلى حلبة مباراة شراء الذمم والود بين مجلس الأمة والحكومة، وفي كلا الحالتين هناك إفساد متعمد للمواطنين بتواطؤ بين الحكومة والمجلس؛ فالمجلس أقر زيادة الخمسين ديناراً مع كادر المعلمين ومكافآت الطلبة التي «تقدر كلفتها بـ٦٠٠ مليون دينار سنوياً» كما جاء في مانشيت «القبس»، وأضافت الجريدة أن قيمة الزيادات منذ عام ٢٠٠٥ تصل إلى ٤ مليارات دينار سنوياً.

فماذا حدت منذ ست سنوات إلى هذا اليوم، كيف لامستنا يد حاتم الطائي الحكومي- المجلسي؟ ماذا عن الشوارع الفسيحة التي لا تركب السيارات فيها بعضها فوق بعض، مع أزمات مرور خانقة تعلمنا كل واحدة منها «بالسعر الرسمي» لرخص القيادة، وكذلك الأسعار الرسمية لناطحات الغبار التي ترخص من البلدية من دون مواقف للسيارات… أم يكون الكلام أفضل عن المجاري الطافحة في منطقة مشرف وغيرها، والمزابل والنفايات في الجليب، أم نتحدث عن المدارس والمستشفيات النموذجية التي تباري أفضل مثيلاتها في الدول المتقدمة؟ أم نتكلم عن غياب طوابير الانتظار الممتدة لإنجاز المعاملات الحكومية…؟ أين ذهبت و»تذهب» تلك المليارات من الدنانير في بلد يسير من سيئ إلى أسوأ، وهل فكر أي من المجلس أو الحكومة بكلمتين فقط عنوانهما «تنمية الإنسان» أو «الاستثمار الإنساني» بدلاً من عقيدة التخلف الراسخة بشراء الذمم والإمعان في تدمير الإنسان الكويتي وتهميش قضاياه الحقيقية عندما يغيب وعيه ويدفن قلقه عن المستقبل المجهول الذي ينتظره حتماً… وإلى متى هذا السفه السياسي، ونحن نرى حجم المعاناة التي يدفعها غيرنا في الدول العربية، بينما تقف الحكومة والمجلس ينظران ببلاهة إلى ما يجري، وكأنهما في كوكب آخر!

حسن العيسى

من نادي الملوك إلى نادي الشعوب

لم يجد أحد المعلقين في «بي بي سي» تسمية لمجلس دول التعاون الخليجي غير «نادي الملوك»، وهو بالفعل يشكل نادياً للملوك العرب، لكن هذا النادي يمد يده الآن إلى المملكة الهاشمية والمملكة المغربية للانضمام إليه مع تحفظ الكويت وقطر وعمان، وسواء جاءت مبادرة الانضمام إلى دول المجلس من الأردن والمغرب أم بطلب من «نصف» دول المجلس فلن يغير هذا من حقيقة الواقع بأن الدعوة لا تخرج عن أنها نوع من الاستقواء بهاتين الدولتين لمواجهة التحديات الإيرانية.
ولادة مجلس التعاون الخليجي ذاتها في مايو ٨١ كانت بحد ذاتها رد فعل للثورة الإيرانية، ولم تكن ولادة المجلس ناتجة عن قناعة راسخة لدول المنطقة بضرورة الشروع في الوحدة الاقتصادية ثم السياسية بين دول المنطقة. لم يكن «الإقليم» الخليجي الواحد هو معيار خلق المجلس، فلا إيران ولا العراق ولا اليمن أعضاء فيه، ولم يبد أن مشروع التوحيد الجزئي في البداية ثم نحو الوحدة الأوسع، كما هو الحال مع دول الاتحاد الأوروبي، في بال أصحاب فكرة المجلس. لم يكن المجلس في أفضل أحواله سوى واجهة للتنسيق السياسي والعسكري بين دوله لمواجهة التحديات الخارجية المتمثلة في الدولتين الأقوى في المنطقة وهما إيران والعراق (سابقا)، أيضاً كان تشابه الأنظمة الحاكمة في دوله لأنها ممالك وإمارات، تقوم على تحالفات قبلية واقتصاد ريعي أساسه تصدير النفط، مع اعتماد شبه كامل على العمالة الأجنبية، هما الركيزتان خلف قيام المجلس. على ذلك لم تستطع دول المجلس على مدى ثلاثين عاماً تحقيق أبسط أحلام شعوبها، فتعثرت فكرة السوق المشتركة وانتهت إلى غير رجعة فكرة العملة الواحدة بعد أزمة دبي المالية قبل ثلاثة أعوام، ولا يبقى من «شكل المجلس» غير «كاونتر» الجوازات الخاص بمواطني دول المجلس، ثم تطورت الأمور قليلاً بعد اعتماد التنقل بالبطاقة المدنية…!
أما قوات «درع الجزيرة» فقد كانت أضعف من رد الأخطار عن دول المجلس، وكان الاحتلال العراقي للكويت عام ٩٠ دليلاً على ذلك، ولولا تدخل القوى الكبرى لما حدث التحرير، واليوم لا يظل هناك دور لقوات درع الجزيرة إلا التدخل الشكلي لحماية الأنظمة في دول المجلس، مع إبراز صورة غير واقعية عن الوحدة الموهومة. وليس هناك من عذر لدول المجلس في ضعفها العسكري، فالسؤال الثابت يتلخص في أين تذهب الأموال الفلكية التي رصدت للميزانيات العسكرية لمعظم دول المجلس؟
دخول المغرب والأردن في نادي الملوك لن يغير من الأمر شيئاً، وإن كان هناك أمل كبير أن تتسع مظلة المجلس لكل الدول العربية وحتى غير العربية متى قامت أنظمتها على شرعيات دستورية تضمن الحد الأدنى لمبادئ حقوق الإنسان، وهذا غير متيسر في معظم دول المجلس ولا عند أشقائه العرب حتى هذه اللحظة، وحتى تحين هذه اللحظة ليس لنا غير الحلم بأن تتحول دولنا العربية من نوادي الملوك والرؤساء الملكيين إلى نواد للشعوب.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

لنحذر حرب الطوائف

بسبب كذبة أو حكاية غير مؤكدة عن قبطية اعتنقت الإسلام، بعد أن وقعت في غرام شاب مسلم، وتم حجزها في كنيسة، خرج السلفيون المتشددون وبلطجية الشوارع وأحرقوا كنيسة، وقتلوا عدداً من الضحايا الأبرياء الأقباط، وكان رد الحكومة المصرية أنها ستضرب «بيد من حديد» على مثيري الفتن. ويمكن أن تكون الحكومة المصرية استعارت شعار «بيد من حديد» من التراث السياسي الكويتي في أيام الغيبة الدستورية.
حدوتة القبطية المتيَّمة بعشق الفتى المسلم التي تضحي بحريتها من أجل هذا الحب العذري حتى يأتي الفارس السلفي بصحبة رفيقه البلطجي وينقذها من أهل الكفر، محطماً سجن الباستيل الكنسي تصلح لرومانسيات عربية مستوحاة من ألف ليلة وليلة وروميو وجولييت وبكل الأوهام التي يضج بها العقل المتخلف، لكنه حتماً إن استمر البطل (السلفي) أو البلطجي في صولاته التحريرية لإنقاذ الفتاة من قصر الظلام فسيقود تحرير الفتاة الى مذابح دينية للطائفة القبطية، وللحكومة المصرية كل العذر بالضرب بيد من حديد على «مثيري الفتن» فهي مسألة وجود وطن تهدد بسحق أهل البلاد الأصليين الذين تمكنوا من دفع الجزية عند الفتح الإسلامي ولم يتحولوا إلى الدين الإسلامي بالتالي.
  صورة الفتنة الدينية في مصر ستكون بالغة الضآلة إذا ما تمت مقارنتها بدول عربية أخرى، فمصر هي الدولة الأمة الأكبر في المنطقة العربية، ولها سلطة مركزية قوية تمتد إلى عمق التاريخ، والمجتمع المصري متجانس بصفة عامة رغم وجود أقلية قبطية تمثل 10 في المئة من السكان، فهي في النهاية «أقلية»، والخطر الوجودي للدول لا يكون إلّا عندما تتقارب الأقليات في أعدادها، مثل المسلمين والمسيحيين في لبنان أو الشيعة والسنة في العراق، ولنا أن نقيس بالحالتين اللبنانية والعراقية معظم دول الموزاييك غير المتناسق بالدول العربية. إذن، هناك فتنة صغيرة نسبياً في الربيع العربي بدولة كبيرة مثل مصر، لكنها ستكون فتناً ستقود إلى مجازر وحروب «أهلية» (والأصح تسميتها بالحروب القبلية) في غير مصر، ففي سورية مثلاً هناك احتمال كبير بسحق الأقليات الدينية، رغم تطمينات أقطاب المعارضة السورية، لو تمكنت قوى المعارضة من الحكم، فهناك ثارات قديمة سيتعين الأخذ بها، ولن يكون العلويون  كأقلية حاكمة ومتحالفة مع قوى بعثية ضحيتها فقط، فهناك الدروز وطائفة الروم الأرثوذكس وغيرها ستكتوي بنار التصفيات الطائفية آخر الأمر، فلنا في العراق المحرَّر تجربة، فقد وجد الإرهابيون الأصوليون ضالتهم في إفراغ حنقهم على الكنائس المسيحية من كلدانية وآشورية وغيرها بعد أن عجزوا في حربهم الأهلية ضد الأغلبية الشيعية، وبعد أن استأثرت الأخيرة بالحكم ونحت جانباً الأقلية السنّية.
«فزاعة» الأصوليات التي ستحل محل الأنظمة الاستبدادية كما تروج تلك الأنظمة ذاتها ليست خرافة ووهماً يبرران استمرار حكمة «… امسك مجنونك قبل أن يأتيك الأجنّ منه» بل حقيقة يؤكدها واقع تلك القبائل التي ترفع أعلاماً، إذن لا يوجد حل قريب للاختيار بين البقاء تحت مظلة «حاكم غشوم ولا فتنة تدوم» وفكرة «الفوضى الخلاقة»، التي روّجت لها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة… فلننتظر كيف سيمتد ربيعنا العربي إلى الخريف القادم أو «الثلاثين سنة القادمة»، والعبارة الأخيرة تذكّرنا بالحرب الدينية في أوروبا التي انتهت بمعاهدة وستفاليا 1648، فلنكن هنا في الكويت على حذر ولنقرأ التاريخ جيداً فما يجري الآن من مزايدات مذهبية من نواب ديّنين ليس إلّا لعباً بنار ستحرقنا  جميعاً دون تفرقة.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

فرانكشتين يقتل وحشه

ألف مبروك للإنسانية مقتل رمز التطرف والجنون الدينيين الإرهابي أسامة بن لادن، ولا عزاء لمخابيله وأتباعه من الواهمين بأن التاريخ يمكن أن يرجع إلى الوراء، وأن «غزوة منهاتن» (بتعبير د. عبدالله النفيسي) هي صرخة وامعتصماه التي سيزيل فيها مجاهدو أهل الإبل أهل حضارة المكوك الفضائي وطائرات ستيلث… لننتهي في ما بعد إلى أن العرب والمسلمين هم الذين دفعوا (ومازالوا) الثمن الغالي لجزاري القاعدة، فهم الأكثر ضحايا لجرائم العنف والإرهاب في دولهم، وكان العراق الأرض الخصبة لحثالة «المجاهد الشهيد بن لادن»، وهم العرب الذين امتهنت كراماتهم وتم تصوير الشعوب العربية على أنها مجاميع متخلفة قبلية عنصرية تهوى سفك دماء من لا ينتمي إليهم بالدين (أو حتى الطائفة الدينية)، واستغل الصهاينة تركة بن لادن الثقيلة لكسب الرأي العام العالمي لجانبهم، وكان هذا أعظم كسب للدولة الإسرائيلية وقوى اليمين المتطرف في الغرب.
تذكروا أن بن لادن لم يأت من فراغ، فهو وحش فرانكشتين الذي انقلب على صانعه، وهو نتاج الزواج اللاشرعي بين المصالح الإمبريالية ودول «البترو دولار»، فقد جندته المخابرات الأميركية وعلى نفقة دول الخليج ليجاهد ضد السوفيات في أفغانستان في مطلع الثمانينيات، وقدم هؤلاء الجهاديون أعظم خدمة عجلت بعجلة سقوط الدولة السوفياتية بعد أن أنهكتها مالياً «حرب النجوم» وحروب بن لادن المجنون، أذكر هنا في الكويت أن البعض كانوا يأخذون إجازة مدفوعة كامل الأجر مقابل الجهاد هناك، وكانت لهم ميزات ومنافع أخرى كانت الكويت وشقيقاتها الخليجيات تنظر إليها بعين العطف والرعاية، ثم انتهت حرب الجهاد هناك ليبدأ جهاد آخر ضد دولنا بعد دخول القوات الأميركية السعودية لتحرير الكويت… وانقلب السحر على الساحر وبزغ نجم أسود الجزيرة في الكويت وهم فروع من شجرة القاعدة أصلها ثابث في تراب التخلف النفطي وفروعها تمتد لكل دولنا العربية والإسلامية.
قوى الإرهاب الديني تستمد قوتها وعنفوانها من فشل مشروع الدولة العربية الحديثة، فمن تراب الاستبداد والفساد في الأنظمة العربية وجدت جماعات بن لادن الأرض الخصبة، ومن جهل وحماقات أنظمتنا واستغلالها التدين العفوي لشعوبها بغرض خلق شرعيات الحكم حين غابت الشرعية الدستورية الليبرالية نهض الإسلام السياسي، فلم يعد كافياً في دول القبائل الإسلامية أن تكون مسلماً بل لابد أن تكون «إسلامياً» تمقت الآخرين وتبحث عن فرصة للانتقام من المستعمر الأجنبي الكافر، وانتهوا إلى تكفير حتى المسلمين الذين لا ينتمون إلى وعيهم البائس.
ثورات الربيع العربي ربما تسحب البساط من تحت أقدام أهل الجهاد، لكن لنكن متأكدين أن تلك الثورات ليست مثل الثورة الفرنسية قبل قرنين حين وضعت الحدود الفاصلة بين الديني والدنيوي، وهي ليست مثل ثورات أوروبا الشرقية في العقدين الأخيرين، فتلك دول لها وعيها الحضاري لا قبائل ترفع أعلاماً مع استثناء مصر وتونس والمغرب. مشوارنا نحو تكوين الدولة الأمة سيكون طويلاً، فبن لادن ليس شخصاً أرداه قتيلاً قناص ماهر، بل هو جرثومة تعيش في جسد أنظمتنا الحاكمة ويحيا كالقمل في الرأس العربي، يتغذى من دماء الجهل والفقر وغياب التعليم والثقافة الإنسانيين.   

حسن العيسى

وداعاً أبوزيد

«أيها الناس، قد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي أولانا، وسلطانه الذي أعطانا، وأنا خليفة الله في أرضه وحارسه على ماله»، بالعبارة السابقة لأبي جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين استهل خلدون النقيب الفصل الرابع من كتابه بعنوان «في البدء كان الصراع»، وفي الفصل المعنون بـ«محنة الدستور في الكويت والأصولية وأزمة الحرية» كتب خلدون «… المطالبة بالعودة إلى الشريعة، وإلى السلف الصالح، ورفع شعار الحكم لله، هو تعبير عن الحاجة إلى الانضباط والسيطرة على مجريات الأمور، التي انفلتت من أعنتها، وخرجت عن حدود المتعارف عليه، أو المعهودة المستقرة. ولذلك، فهذه المطالبة لا تعبر عن حقيقة أو وعي موضوعي بالتاريخ، وإنما هي مجرد اجتهاد من الاجتهادات في محاولة إعادة الأمور إلى نصابها في خضم التغيرات والتحولات الكبري…»، ويمضي بنا خلدون في فقرة أخرى مقرراً «… في بقية الحضارات التي هيمنت عليها الديانات التوحيدية، اتخذت من الدين والتحزبات المذهبية ستاراً لإخفاء المصالح المتناقضة الحقيقية للجماعات والقبائل والأحزاب، فاختلطت العصبيات والاثنية والقبلية بالانتماءات الطبقية وبالمذاهب والفرق والطوائف. فاصطبغ الصراع السياسي والاقتصادي بهذه الصبغة المذهبية».
ألا ترون في ما كتبه خلدون عام ٩٧ يشخص بدقة واقع حالنا في معظم الأقطار العربية اليوم…! ألم تكن عباراته السابقة قبل أكثر من عقد من الزمن تستشرف المستقبل وحالة الغليان الشعبي التي تحياها أمتنا الآن…!
تأملوا ما يقوله خلدون في هذه الفقرة «… العنصر الاستثنائي الوحيد في حالة الكويت، هو وجود دستور ١٩٦٢ الذي يمثل حصيلة كفاح استمر نصف قرن أو يزيد. ويحاول بعض النواب الكويتيين التوجه إلى تدين المواطنين العفوي، وإقناعهم بأن تعديل المادة الثانية من الدستور (حصر مصادر التشريع في الشريعة) يحظى بإجماع شعبي، وأنهم يستجيبون في مطالبتهم بهذا التعديل لهذا الإجماع، وليس لمآرب خفية وأطماع حزبية خاصة بهم. وفي هذا ملامح ألاعيب الحركات الأصولية غير الديمقراطية، بل الشبيهة بالفاشية. إذ هل يعقل أن يجيب سياسي محترف ونائب في مجلس الأمة بالنفي عن السؤال التالي: هل توافق أم ترفض اعتبار الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع في الكويت؟ بينما السؤال الحقيقي هو: هل توافق على أن نتولى نحن، الأصوليين، الوصاية على الشعب، وجعله رهينة اتهام من يعارضنا بالكفر والإلحاد…؟».
الآن أحد هؤلاء النواب وإن لم يطالب بتعديل المادة الثانية لكنه ينادي بعقوبة الإعدام لمن يتطاول على الرسول أو آل بيته…! فهل هناك من تطاول على الرسول أو آل بيته! أم أن مثل هذا النائب لا يريد غير قمع وإرهاب الغير ممن يحسبهم بالكفرة المارقين وغير المحسوبين على أهل السنة والجماعة…؟
وتعبر فوق غمام الذكريات صور المفكر خلدون، أشاهده مرة وهو يقدم مقالاً عميقاً لينشر في «القبس». يريني مقالاً، يكتب بالحبر الجاف، لم يكن خطه جميلاً ولم يكن «يبيض» المقال عادة، ثم هناك الاستدراكات العابرة يضعها بين السطور، ويؤشر عليها بسهم يصعد للأعلى، مثلما يصعد فكره الثاقب للسماء، ويشرح لنا المرة تلو الأخرى ماذا يقصد وماذا يرمي… وتطل من شرفة الذكرى مرة ثانية صورة خلدون وهو جالس في صالون صبيح السلطان في المساء قبل العشاء يصف لنا طريقة طبخ «الباجة» وهو طبقه المفضل… أرى نقاطاً متزاحمة من العرق تتجمع على جبهته العريضة وهو يتكلم مرة عن شاعر أو كاتب… ثم ينتقل إلى الحديث بالسياسة… لا يغضب حين نعيره متهمين إياه بأنه من «الجوراسكيين» في قضية الصراع العربي الإسرائيلي وأنه يساري سلفي… كان يضحك ويصمت ساخراً… لم يتهمنا بأننا أتباع اليمين الجديد والمحافظين الجدد المهللين لسياسات أميركا بالحق أو الباطل… ولو قالها لصدق.
وقفت قرب قبره بعد العزاء… نظرت إلى كومة الرمال المحدبة والمبللة برشات من الماء، بجوفها يرقد جسد د. خلدون النقيب عالم الاجتماع السياسي… فوقها يسطع نور العقل، يسلط ضوءاً مثيراً يبدد ظلام العقول… وداعاً «أبوزيد» فخسارتنا كبيرة برحيلك.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

سَمّوه شارع البخاصة

لا يهم أبداً إن سمت حكومة تصريف الخامل من الأمور شارع الصحافة باسم محمد مساعد أو تركته على اسمه القديم أو من غير اسم، فلن يزيد أو ينقص هذا من مقدار محمد مساعد وبصمته على الصحافة الكويتية، فالقضية التي طرحتها في مقال أمس الأول لا يجب أن يفهم منها أننا نتسول صدقات الحكومة لترفع من مقام محمد مساعد، فليست هي قضية تسمية شارع أو مزراب باسم محمد مساعد أو غيره، ففي النهاية نحن نردد دائماً أن «الشيوخ أبخص»، فهم أبخص حين تترك البلد في حالة غيبوبة من غير مجلس وزراء يتم اختيار الأعضاء «أصحاب المعالي» على أسس عقلانية ومنهج يأخذ اعتبار الكفاءة والنزاهة لا اعتبارات الترضيات لفلان وقريب علان، وهم أي «شيوخنا» أبخص حين يقولون إنه لا خلافات في بيت الحكم وإن أموره على خير ما يرام! إذن لماذا تلك الاستقطابات وخلق «ربع» هذا الشيخ أو ذاك، وتلك القناة التلفزيونية  تمول من هذا الشيخ، وهذا الكاتب الصحافي محسوب على ذلك الشيخ، فهو يتكلم بلسانه والناطق غير الرسمي بلسان وأحلام الشيخ المعزب… الله أعلم! وبطبيعة الحال فسياسة خلق «الزلامات» الفداوية (بالكويتي) تسير على خير ما يرام، فبها، وعبرها، تدار هذه الدولة ويروج لخرافة دولة المؤسسات! علينا أن نصدق هذا الرياء السياسي ونبلعه مادامت الحكومة تضخ الأموال اليومية من منح وكوادر وغيرها في جيوبنا، لنخدر ببلاهة ونصمت على سكب مليارات المليارات من أموال المناقصات والمزايدات وغيرها في حسابات المؤلفة قلوبهم، ففي النهاية هناك عدة صور لدبلوماسية الدينار وسياسات «دهان السير».
ندرك أن المعازيب أبخص حين تترك الأمور في الدولة من غير انعقاد لمجلس الأمة، وما حاجتنا إلى صداع المجلس وزعيق نوابه مادامت الأمور تسير حسب الأصول في الدولة، فلا كارثة مرور تخنقنا كل يوم ولا طوابير انتظار طويلة لإنجاز أبسط معاملة حكومية، ولا أراضي باهظة الثمن لمن يحلم بشراء قطعة أرض صغيرة لأبنائه، فالأمور بخير وألف عافية، عند أهل البخاصة، ومع كل تقديري للوزير الدكتور فاضل صفر حين اتصل بي هاتفياً ليخبرني أن تعليمات مجلس الوزراء تفرض نيل بركة أهل البخاصة قبل تسمية اسم الشوارع…! إذا كانت الأمور بيد أهل البخاصة… فلماذا يجلس الوزراء الشعبيون على كراسيهم…؟ فهم بلا حيل ولا قوة… مساكين وزراء الشعب… لم يكن قصدي أن أزعج أحدهم بتفاهة تسمية شارع… اعتذر للوزير فاضل صفر، وأقترح أن يسمى شارع الصحافة بشارع البخاصة…!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

الله بالخير على مسرح القرود

«مشكورين وجزاكم الله خير» بالكويتي الفصيح نقولها لوزير الأشغال د. صفر في حكومة تصريف العاجل من «الخمول»، شكراً يا معالي الوزير حين اعترضت واستكثرت على المرحوم محمد مساعد الصالح أن يسمى شارع الصحافة (وكأن لديكم صحافة حقيقية وأصيلة) باسمه، وألغيت قرار المجلس البلدي، المثل الكويتي يقول «إذا ما تستحي سو ما تشتهي»، ولا يبدو أن لدينا في هذه الحكومة من يستحي ويخجل من سواد الوجه. اكتب الآن هذا المقال وأنا جالس على كرسي محمد مساعد وعلى طاولته وأشاهد ذكراه تعبر خيالي وتحفر كلمات الحزن على شريط ذكرياتي. أراه يجلس محدب الظهر قليلاً من وطأة المرض ويسحب ورقة ويكتب مقال «الله بالخير»، يكتبه كل يوم وفي مثل هذا الوقت، لم يكن يطلب أجراً من جريدة القبس، ولم يكن ليسأل عن نفع له، كان يعبر عن ذاته بحروف لا أكثر. ذاته كانت مهمومة بالفكر القومي، وكان له إيمان مطلق بقوميته العربية مهما اتفقنا أو اختلفنا معه في محتوى وأبعاد هذه القومية. ذاته كانت تحمل ثقلاً كبيراً لأحزان أمته العربية ووطنه الكويت وقبلهما كان الهم الإنساني أكثر وطأة على قلبه.
لأكثر من خمسين عاماً ظل محمد يكتب ويسجل لنا رؤيته لكل ما يحدث في الوطن الكويتي أو العربي أو الوطن الإنساني الكبير، وكان يسخر من نفسه إذا استأذن القراء للتوقف عن الكتابة في إجازة الصيف، ويختم مقاله بعبارة «رافقتني السلامة في حلي وترحالي»، فقد كان يتصور أنه لا أحد سيكترث لغياب عموده اليومي…! اليوم ليس قراؤك والناس هم الذين نسوك، بل السلطة الحاكمة تناستك مع سبق الإصرار، وتريد أن تفرض علينا أن ننساك، «مو عيب» يا حضرة الوزير أن تستكثر على محمد اسم شارع هو خلقه بداية بقلمه قبل أن تولد أنت بعقود…! أم أنك مغلوب على أمرك في هذا، وكان قرار شطب اسم محمد من على أسفلت الصحافة الكويتية قد أملي عليك سلفاً من كبار في السلطة «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر»!، مثلما أملت عليك قبل ذلك تناسي وضع النقاط على الحروف في تحديد مسؤولية كارثة محطة مجاري مشرف حين أزكم آسنها أنوفنا كما خنقنا (ومازلنا) بروائح نتن الفساد في هذا البلد.
أكتب الآن بصفتي أحد أفراد أسرة محمد مساعد، وأقول لك يا معالي الوزير ولمن هم أعلى منك بأننا لسنا بحاجة كي تخلد ذكراه على شارع أو سكة سد. لا نريدكم أن تتذكروه، انسوه، وزيادة مني أقترح عليكم أن تغيروا اسم مدرسة والدي وجده لأمه يوسف بن عيسى، فلسنا بحاجة إلى مثل هذا التكريم ولا لأي فضلة منكم، فأنا حين أتجول في ضواحي وشوارع وطني أطالع أسماءها، وابتسم ثم أضحك بمرارة على «عطاء» أصحابها الراحلين لهذا البلد… وأظل أسأل نفسي إن كنا في وطن له تاريخه الكبير أم أننا في مسرح للمهرجين… ارفعوا الستار كي نشاهد مسرحيتكم السمجة… وسنصفق لكم ولعبث قدرنا معكم.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

هذا الشرع يا أسيل

سألت النائبة أسيل العوضي (غير المحجبة) الوزيرة في وزارة تصريف العاجل من الأمور الدائمة موضي الحمود (غير المحجبة أيضاً) عن معنى قيام ملالي الدين مثل الداعية نبيل العوضي وغيره بزيارات «دعوية» لمدارس البنات، وما إذا كانت مثل تلك الزيارات «الفكرية العميقة» تتسق مع برامج وأهداف التربية في وزارة التربية (وتلك الوزارة تاريخياً أضحت مختصة بالتربية الأصولية وليست لها علاقة بالتعليم).
النائبة العوضي تعترض على حفلات غسل العقول للجيل القادم التي تجرى على قدم وساق منذ زمن طويل، تربع فيه مشايخ الصحوة على وسائد الوزارة هانئين مستريحين مهما تغيرت الأسماء «الليبرالية» على كراسي وزارة التربية، بدءاً من د. حسن الإبراهيم حتى د. موضي الحمود. فمناهج التربية التي تحض على كراهية الآخر غير المسلم أولاً ثم يأتي الدور ثانياً على المسلم الذي ليس من أهل «السنة والجماعة»، وتصف طائفتهم بالمارقين الخارجين عن الملة والعقيدة، وتمضي عمليات الاستبعاد المبرمج دينياً «للآخر» إلى ما لا نهاية، وتضيق دائرة الفرقة الناجية شيئاً فشيئاً على «الغير» كي لا يبقى فيها آخر الأمر «غيرهم» هذه المناهج ثابتة كالجبال مهما تفجرت وتشققت حناجر المعترضين. ولا يمكن بالتالي عبور الجسور للجنة الموعودة بغير كروت الإقامة المختومة من دائرة التصديقات في وزارة الحقيقة الخاصة بهم. وتعبير وزارة الحقيقة خلقه جورج أورويل بروايته تحت عنوان ١٩٨٤، وهو (أورويل) وإن قصد به قبل ستين عاماً الأنظمة التسلطية، فإن وصفه يصدق اليوم على كل جماعة تستبعد الآخر وتمارس سلطة «الأخ الأكبر» على الآخرين.
الداعية والكاتب في الصحافة المكتوبة والتلفزيون وفي عوالم الإنترنت الشيخ العوضي يطمئن ويغيظ النائبة د. أسيل بأن الحجاب من أمور الشرع، وهو يزيد يوماً بعد يوم عند بنات أمتنا الكويتية التي تنحي في الإنتاج جانباً كل «كوادر» الأمتين الصينية واليابانية مجتمعتين. كأن الشيخ العوَضي يهمس لقريبته بأن الحجاب فرض من فروض الشرع، وما دام هو من الشرع «فالكل ياكل تبن» مثلما قالها حسين عبدالرضا رئيس محكمة الفريج الكويتية.
أين نجد في رد الشيخ نبيل مكاناً للحوار والرأي الآخر ما دام هذا رأي الشرع! وأين مكان العقل النقدي والجدلي ما دام هذا رأي الشرع! وإذا كان هذا «رأي الشرع» فكيف يمكن أن تنهض هذه الأمة لعوالم المعرفة والعلم والشك الوجودي وتقلع من جمود الخرافة و»العقل الأوحد»، وهو أصل السلطان الأوحد «ظل الله في الأرض» كما عبر أحد خلفاء عصرنا الغابر، نقلع لسماء الحريات والنقد لكل فكر أياً كان من دون رقابة ولا إرهاب «الأخ الأكبر» وولاية مشايخ أهل الشرع. ربما هناك بصيص من الأمل قادم مع ثورات الشباب!
وربما هناك أبواب لجحيم الفكر الإقصائي ستفتح للقادم في عذابات الحروب الطائفية والقبليات التي نشهدها اليوم. «ربما» تعني كلمة احتمال، والمستقبل كله احتمالات، وحتى الغد المجهول، ليس لي غير القول لأسيل إننا ننفخ في قربة مقطوعة ونؤذن في مالطا مع هذا الحكم السياسي، وهذا الفكر المتزمت الرافض لحركة الزمان وتغير المكان، ونحن محشورون بين فكي تلك الرحى ما دام هذا الشرع كما يريده الشيخ نبيل ومن هم على شاكلته وما أكثرهم…!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة