كان من المفروض أن تصدر جمعية المحامين وجمعية حقوق الإنسان بياناً تدينا فيه الممارسات الهمجية من الإعلام وأيضاً من السفهاء الذين سربوا الخبر والصور لهذا الإعلام الفارغ واللاهث وراء الفضائح في قضية كابتن «الكويتية» الذي اتهم بالسكر البين في مكان عام وإهانة موظف عام أثناء تأدية وظيفته (كما أرجح)، وأُصدرت بحقه أحكام بالإدانة حتى قبل أن يقول كلمة دفاع واحدة أمام الجهات القضائية. بلهاء الذين تصوروا أن القضية محصورة في مجرد طيار «ربما» شرب خمراً أو لم يشرب خارج حدود الدولة أو بداخل الطيارة، وأخطأ تحت تأثير السكر بحق بعض موظفي الجمارك. ليست هي مسألة هذا أو ذاك من البشر وقع تحت طائلة القانون وارتكب جريمة ما، بل هي قضية «إنسان» وأي إنسان كان انتهكت حقوقه الشخصية واخترقت أبسط الضمانات القانونية المقررة للمتهم أثناء التحقيق، فليس من المهم أن تنسب واقعة جرمية إلى فرد ما طالما أقررنا مسبقاً بأن في مثل دولنا تظل قوانين «دراكو» هي الصورة البشعة لتلك الدول وثقافتها، وأن الدساتير وقوانين الإجراءات الجزائية، التي تكفل الحدود الدنيا لحقوق المتهمين، يندر تفعيلها على أرض الواقع الممارس، بل هي قضية مبدأ حقوق الإنسان بصفة عامة التي دهست من السلطة ومن المجتمع في وقت واحد.
الوجه المقيت لهذا المجتمع أن نواباً من مجلس الأمة وجدوا في هذه القضية وفي قضايا سابقة أعظم مناسبة لفتل «عضلاتهم» الرقابية على كرامات وحرية خلق الله، وبالوقت ذاته كانت الواقعة فرصة عظيمة لتصفية حسابات سياسية ضد نواب آخرين، فلم يكن جائزاً من نائب متدين (يخاف ربه) مثل مبارك الوعلان أن يطالب فور سماعه الخبر «بتطبيق القانون الذي قد يفضي إلى فصل الطيار عن العمل» (جريدة الوطن ٨ يوليو) ألا يعلم الشيخ مبارك أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم نهائي، كما ينص دستور الدولة وقوانينها، وأن مبدأ البراءة المفترض قريب من الأصل الديني «إن بعض الظن إثم»! فماذا تركت يا شيخ للنيابة ولجهات التحقيق والقضاء؟! أما النائبة د. معصومة المبارك فقد أرادت «أن تكحلها عمتها»، فهي من باب «حرصها على عدم جواز تدخل بعض النواب للإفراج والتوسط للطيار، لأنه يمثل قمة الفساد، إلا أنها قررت قبل تلك العبارة المثالية عبارة أخرى أصدرت فيها حكماً مسبقاً على الطيار المتهم بأن هذا «يمثل قمة الاستهتار بحياة الناس»… (المصدر السابق)! أي استهتار يا دكتورة، والمتهم الطيار «مكلبج» بامتهان وتحقير من الخلف، وتذكرنا صورته بمشهد الممثل أنتوني هوبكنز، وهو مقيد كأحد أخطر المجرمين في فيلم «صمت الحملان»… ليتكم صمتم مثل الحملان.
التصنيف: حسن العيسى
الله اكبر… عليكم
عسى الزميل الوزير المحامي أحمد المليفي ألا يكون جالسا على كرسي الوزارة وعيناه على صندوق الانتخابات! وعساه لم يكن قد أصدر قراراً خطيراً يسكب الملح على جروح التعليم ودقات قلبه تنتظر رجع الصدى من نواب «الشعبويات» والاتحاد الوطني لطلبة الكويت! أو لربما كان الصديق أحمد يأمل ابتهالات وأدعية أهل الطلاب والطالبات ترتفع عاليا في السماء لتزيد من كفة ميزان حسناته (إن كان في ذلك حسنات). هل لبس أحمد ثوب الخلفاء والملوك والأمراء وقعد متكئاً على كرسي الرئاسة في مجلس الجامعة ليصرح آمراً أعضاء المجلس: «أنا هنا لرفع أعداد المقبولين في الجامعة… عجبكم أهلاً وسهلاً… ما عجبكم باب الاستقالة يتسع للجمال»…!
عدا العضو د. مثنى الرفاعي ( وفق رواية القبس) الذي اعترض على هذه الممارسة التسلطية لاجتماع تحديد نسبة المقبولين في الجامعة فإن بقية الأعضاء سكتوا (خاموش) ولم ينبس أي منهم بكلمة رفض واعية «لأوامر» الوزير. خسارة وألف خسارة عليكم وعلينا… فأنتم يا أعضاء مجلس الجامعة يا من يفترض بكم أن تكونوا قدوة ونبراساً لإصلاح «روضة» الكويت الجامعية قد أضحيتم «خيال المآتة» في عملكم، وجلست الغربان فوق رؤوسكم تسرح وتمرح فى مزرعة الجامعة.
نعلم يقينا أن الطاقة الاستيعابية للجامعة لا تستوعب 8000 طالب وطالبة من المقبولين، فالحد الأقصى بالكاد يستوعب نصف هذا العدد، فماذا سيحدث (وقد حدث) للتعليم الجامعي في «روضة ماما وبابا بيحبوني وأنا أحبهم مثل عيوني»!
يدري الوزير أن الجامعة ليس لديها العدد اللازم من المدرسين لأعداد جيوش الموظفين (الطلبة) القادمين إلى أسواق التوقيعات في امبراطورية الموظف العام الكويتية، ويدرك العالمون بمخرجات التعليم أن الجامعة لا تملك الأدوات التعليمية من مختبرات ومكتبات وغيرها لقبول تلك الأعداد الرهيبة من الطلاب والطالبات، فأين قضيتك يا أحمد لتكدس كل المقبولين في علبة سردين جامعة «روضة الأطفال» الكويتية!
وقبل ذلك، يفترض أن للجامعة استقلالها العلمي والإداري، فماذا فعلت بهذا الاستقلال وتلك الحرية الجامعية، بعد أن أضحت جامعة الكويت انعكاسا بشعا لواقعنا السياسي بدلاً من أن تكون منارة لهدي وتقدم المجتمع والدولة. قبل أن أنسى، أود أن أسأل صديقنا الوزير ورفاقه البصامين في مجلسه، كم طالباً وطالبة أنهوا دراستهم في أربع سنوات فقط! هل أعيد السؤال كي تستوعبوا كارثتنا التعليمية وتدني التعليم العام في الدولة وأنت و(أنتم) تعلمون أن معظم الطلبة لا يستطيعون إنهاء الدراسة في مدة الأربع سنوات المفترضة، والسبب هو عدم كفاية الشُّعب الدراسية بروضتكم الجامعية، فهل كان فتح معسكرات الجيش الشعبي بالجامعة هو الحل؟
يا خسارة وألف خسارة حين يصبح الكم قبل النوع في التعليم، ويا خسارة وألف خسارة حين أصبحت سياسة الترضيات تقضم بشراهة من لحم التنمية والتقدم في الجامعة وبقية مؤسسات الدولة! لا فائدة اليوم من الكتابة… فنحن نؤذن في مالطا… الله اكبر… الله اكبر!
***
ملاحظة: التدخين مضر بالصحة، إلا أن بعض الجمعيات التعاونية مثل جمعية مشرف يبدو أنها حرمت بيعها، أخشى ان يصبح سعر كرتون السجائر 500 دينار أو أكثر بالسوق السوداء… حاله من حال بقية «الكراتين» المحرمة… متى يأتي دور المنع على «الدندرمة» (الآيس كريم)، أو نطالع على صفحات الجرائد بلدوزورات البلدية تسحق كراتين التتن وجهاز النيابة العامة يشرف على عملية إعدامها، او نقرأ عن ضبط باكيت سجائر في جيب قادم من باكستان… وتمت إحالته إلى الجهات المختصة بوزارة الداخلية!
وآخرتها معاكم
لفتت انتباهي هذه الفقرة للزميل محمد الجاسم في «الكويتية» من مقال بعنوان «وين اللي يقتنع عاد»، وكتب فيها: «… ويستفاد من ذلك (يقصد نص المادة ٤ من الدستور) أن أسرة الصباح ليست جزءاً من المؤسسات الدستورية، ولم يمنحها الدستور أي اختصاص، بما ذلك تزكية ولي العهد، فهذا الأمر منوط بالأمير». انتهت فقرة محمد. وهذا صحيح فليس هناك أي وضع دستوري لأسرة الصباح ككل، وإنما حدد الدستور فرع ذرية مبارك تعييناً بعبارة «الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح». ولا يعني ذلك غير أن المشرِّع الدستوري كانت له في ذلك الوقت التأسيسي للدولة رؤية مستقبلية ثاقبة النظر تقرر أنه ليس هناك في الدستور ما يمنع أن تكون الكويت ملكية دستورية، وعزز المشرع هذا الرأي حين قرر في المادة السادسة أن «نظام الحكم ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات…». وعلى هذا فلا تعارض بين المادة الرابعة المقررة أن الكويت «إمارة وراثية في ذرية مبارك»، والمادة السادسة التي تنص على أن «الأمة مصدر السلطات»، فعبارة «إمارة وراثية» تضع الأساس «لشكل الدولة»، أو ما يفترض أن تكون عليه، بينما المادة السادسة تحدد بصفة قاطعة «مضمون الدولة» أي محتواها الذي لا يجوز انتهاكه بأي حال.
كان ذلك ما يجب أن يكون is ought to be، وما يفترض أن تتطور عليه الأمور، لكن الممارسة الواقعية مختلفة، فالشيوخ أصبحت لهم شرعية عرفية بحكم الواقع، تتمثل في حصة الأسد من التشكيلات الوزارية الأولى، إلا أن الممارسة «المشيخية» لهذه الحصة الأسدية كانت مقيدة بأمرين، أولهما حكمة وقوة رجل الدولة المؤسس عبدالله السالم، وثانيهما، مجموعة الرجال التي كانت محيطة بدائرة الحكم، فلم يكونوا في أغلبيتهم ما يطلق عليهم بلفظ انتهازي استغلالي اسمه «بطانة»، بل كانوا بطانة للحق ولروح الدستور، كانوا يحملون إرثاً تجارياً كان مصدر الدخل العام للسلطة قبل عصر البترول. بقية الحكاية معروفة حين تقلص دور التجار بعد النفط، وأصبحوا «وكلاء» تجاريين لبضائع وسلع هي «مفاتيح» صناديق الثراء، ولكن أقفالها عند الدولة (الحكومة ) التي تماهت تماماً مع الشيوخ ككل، لا مع «ذرية مبارك» فقط. والأمر الآخر أن جيل المناضلين التجار قد تقلص ومات، وأصبح من الصعب خلافة تراثهم، لأن «أقفال» صناديق الأرزاق في النهاية ـ كما ذكرت ـ ليست معهم.
في الوزارات التالية لسنوات «البندروسا» السياسية والاجتماعية لعبدالله السالم تقلص عدد الشيوخ في التشكيلات الوزارية من ذرية مبارك ومن غير ذريته، وإن ظل سلطان الذرية (وأيضاً بحكم العرف الممارس) مهيمناً، وبقي ما يسمى وزارات السيادة بيد الشيوخ من ذرية مبارك في الأغلب الأعم. لنختصر وننتهي بحاضر يقرر أنه ليست هناك ديمقراطية حقيقية في الدولة، فالشيوخ وعلى غير «مضمون» الدستور يمسكون بمفاصل الدولة من ألفها إلى يائها، وبالتأكيد «اللي يبونه يصير». إلا أن المسألة لم تقف عند ذلك الحد، وتطورت الأمور إلى صراع قصور، وضلع بعض الطامحين من ذرية مبارك في الصراع مع أبناء عمومتهم كي تبسط أرض الحكم لهم ولذريتهم الخاصة من بعدهم، واستعان المتصارعون، كما نعرف بالإعلام مكتوباً أو مرئياً، فتلك جريدة أو قناة تلفزيونية إن لم يكن الشيخ يملكهما على عين عينك، فإنه يمولهما من «خيرات بلدي» على عين عينك، وتمتد يد الخير إلى كتاب وصحافيين أجراء وغيرهم، وقبلهم وأهم منهم، كان الكثير من النواب هم طائرات «الستليث» الشبحية الأمضى حسماً في صراعات القصر. بعد كل ذلك، أليس من الأنسب أن يفكر أهل التدبير اليوم، وبعد المخاضات التي تمر بها المنطقة العربية، في الملكية الدستورية؟ على أن يسبق ذلك تشريع ينظم الأحزاب السياسية، ثم تشكيلات حكومية من حزب الأغلبية أو حكومات ائتلافية. كي ننتهي من هذا الصداع المزمن وتلك الفوضى السياسية المدمرة، ولنفكر جيداً في الغد، ولنا في المغرب أولاً، ثم الأردن ثانياً، مثالان ليسا كاملين، ولكنهما أفضل من حالنا «المايع».
على دين حكوماتهم
لنقل إن الناس على دين حكوماتهم ومتنفذيهم ولا أكثر، والمقصود بالدين هنا ليس المعتقد الروحي والإيماني وإنما المسلك والمنهج والطباع، وبكلام ثان، نقول بألا نأمر بالمعروف وننسى أنفسنا، وبكلام ثالث، نخاطب أهل الخير مرددين: بألا ننهى عن طبع ونأتي مثله (أهكذا يقولها العرب أم ماذا)، وأصل الحكاية تبدأ بمشوار قطار الكوادر المالية، الذي نقل وعبر كل محطات العمل واللاعمل في دولة «عطني وسكتني» الكويتية، وحين وصل إلى محطة المعلمين توقف وتصلب في مكانه! لماذا قطار الترضيات والتبديدات يعبر كل محطات الاستهلاك الأخرق ويمد الجالسين فيها بكل خيرات ديرة «يا رب لا تغير علينا» و»يتنحر» عند المدرسين ومربي الأجيال!
تعالوا نقرأ بعض العناوين في صحافتنا عندما تحشر نفسها، وتحاول أن توازن بين المعقول والمنقول. المعقول الاقتصادي، هو أن تتوقف الدولة عن المزيد من التبديد المالي، فالميزانية «المجنونة» (اصطلاح النائب عدنان عبدالصمد) زادت هذه السنة بنسبة أكثر من ١١ في المئة عن السنة الماضية وأرقامها صارت فلكية، وكي تسير أمور الدولة يجب ألا تقل أسعار برميل النفط عن تسعين دولاراً أو خمسة وثمانين كما بح صوت «الشال» دون أن يسمع أحد في حواري «الطرشان» بالمجلس النيابي التابع وعند الحكومة المتبوعة التي يسير معظم أهل الكويت على دينها. في التقرير الاقتصادي للزميل محمد البغلي بجريدة الجريدة كتب بالخط العريض آخر الشهر الماضي «من مشروع توزيع الثروة إلى مشروع تدمير الدولة: كوادر وبدلات بلا رؤية…»؛ يبدو أنه خطاب «المعقول» في بلد اللامعقول، لكن الرد جاء سريعاً من المشاركين في ندوة للتجمع الشعبي ونقلتها «القبس» أيضاً بالخط العريض أمس بعبارة مثيرة «… مطلوب كادر للحرامية ليمرروا كادر المعلمين»… وهذا هو «المنقول» عن السيرة المتواترة بسلوك الحكومات الكويتية المتعاقبة في سياسة ممارسة الترضيات كي يخرس الناس عن السرقات، وهذا هو النهج الذي سارت عليه المجالس النيابية المتناسخة من بداية «سنة» إسقاط فواتير الكهرباء والماء حتى اليوم.
المعلمون في الدولة لهم حجتهم، وهي الدعوة إلى العدل، والعدل دائماً هو الإنصاف، فكما أنصفت أو لم تنصف الحكومة معظم البشر في الدولة بكوادر وزيادات ليس لها أي مبرر غير تسكيت النواب وتخدير وعي الناس عن مستقبل أولادهم المجهول في السنوات العجاف القادمة، فمن الواجب أيضاً أن تنصف الحكومة المعلمين اليوم، وتتم مساواتهم بالآخرين، أما الكلام عن الاستهلاك وتبديد ثروة البلاد في بند الرواتب والأجور فهذا كلام مستهلك «ومأخوذة زبدته»، يعني هل نسينا البلايين التي أهدرت بالأمس وتهدر الآن من غير رقيب تحت بنود احتكار المقاولات وتفصيل المناقصات على مقاس المؤلفة قلوبهم وكله يدخل تحت باب الفساد الكبير، فيأتي الدور اليوم على المعلمين و»تتحنبل» عليهم الحكومة…! وهل يعد ذلك عدلاً؟ لماذا؟ لا أعلم الجواب لكني أعرف أن الناس على دين حكوماتهم وكفى.
ديمقراطية العوران واستقلال القضاء
سألت النائبة معصومة المبارك وزير العدل عن أسماء ودرجات القضاة الذين تم تقديم شكوى تأديب بحقهم في السنوات الثلاث الماضية، واللجان والانتدابات والمناصب التي أسندت إليهم وشغلها كل منهم، وإجراءات التحقيق ونتائجه والعقوبات المتخذة… إلخ.
حسن النية مفترض في النائبة معصومة حين وجهت مثل ذلك السؤال اللادستوري، وقد يكون لديها خبر صادق أو ربما وشاية بأن بعض القضاة والمستشارين قدمت ضدهم شكاوى تأديب، ومع ذلك تم تعيينهم في لجان أو انتدابات أو غير ذلك، وليس هذا بالغريب والشاذ في عالم المحسوبيات الكويتي، ولا يستبعد مثل تلك الأمور في كل شؤون دولة ترسم السلطة الحاكمة على جفونها حكمتنا الأثيرة: «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» وليس هذا بيت القصيد الآن.
النائبة معصومة تقدمت بهذا السؤال، الذي يشكل اعتداء واضحاً على مبدأ الفصل بين السلطات، كما جاء في المادة الخمسين من دستور الدولة، وأيضاً يعد افتئاتاً جلياً على الفصل الخامس من الدستور المتعلق بأحكام السلطة القضائية وتأكيد استقلالها، إلا أن تجميل عبارات الدستور بعبارات مختلسة من دساتير حية نصاً وروحاً مسألة، وواقع الممارسة السياسية الكويتية مسألة أخرى، فتلك الممارسة تفرض علينا الإقرار بأن النظريات الحالمة في نصوص الدستور لها واقع بشع هو نتيجة حتمية لرفض السلطة الحاكمة إعمال مبدأ الفصل بين السلطات، سواء كان هذا الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحاكمة بالأمر الواقع) أو بين السلطتين السابقتين والسلطة القضائية، فالنائبة استندت في سؤالها أساساً إلى نص المادة 35 من قانون تنظيم القضاء التي خولت وزير العدل سلطة الإشراف على أعمال القضاء، ومفهوم الإشراف هنا يتعدى النطاق «الإداري أو المالي» ليمس في الصميم حرية واستقلال القضاء الكويتي، فما مناسبة هذه المادة…؟! ولماذا صمت ويصمت عنها نواب الأمة كل السنوات الماضية حتى اليوم و(ربما) حتى الغد.
قبل عامين تقريباً جرت محاولات جدية من قبل بعض رجال القضاء، حين وجدوا أنفسهم في حالات كثيرة لا تقتصر على المادة ٣٥ اللادستورية (برأيي) من قانون تنظيم القضاء بلا حول ولا قوة في قضية الاستقلال الحقيقي للقضاء، الذي يجب أن يتمثل في استقلال مالي وإداري كاملين، دون وصاية السلطة الحاكمة والواهبة، وقدم هؤلاء القضاة عدة أمثلة عن الواقع المزري لإدارة شؤون العدل في الدولة وحالة اللامبالاة التي تقابل بها من قبل السلطة الحاكمة، وأبسطها اللامبالاة للحالة المضحكة والمبكية لمباني العدالة، كأن يكون قصر العدل في العاصمة «علبة سردين» أوقات الدوام أو وضع المجمعات «الشعبية» لمحاكم الرقعي!
وأرفق هؤلاء القضاة المجتهدون رؤية تقدمية بقانون مخاصمة القضاء، مع طرحهم لنيل الاستقلال القضائي الحقيقي. مشروع مخاصمة القضاء كما نجد صورته الفذة في التشريعات المصرية يبيح مخاصمة القاضي (باختصار) في حالات الغش أو الخطأ الجسيم، ويعد بهذا دعامة قوية لحقوق الأفراد وحرياتهم، وكانت هناك تصورات مكملة تفعل نصوص التفتيش القضائي، إلا أن كل هذا ذهب أدراج الرياح أو تم تناسيه مع سبق الإصرار المتخلف، أو ربما تم طيه في أدراج اللااكتراث السياسي من قبل السلطتين التشريعية (التابعة) والتنفيذية الحاكمة (المتبوعة)، وانتهى حلم قانون استقلال القضاء بعبارة قوية وقاسية وصلت آذان أهل الشأن تقول: «ماذا يريد هؤلاء القضاة، لهم أن يطالبوا بما يشاؤون في زيادة الرواتب أو غير ذلك من مزايا مالية… أما أحلامهم (وأحلامنا قبلهم) في غير ذلك فانسوها تماماً…!!».
وانتصرت القوة السياسية على القانون في صراع أبدي ندرك نتائجه مسبقاً في دولتنا وغيرها من الدول التي هي على شاكلتنا الهزيلة من دول بقايا الاستبداد «القروسطي» أي أمم تاريخ قبل التنوير في أوروبا وقبل هوبز الإنكليزي ومونتسيكو الفرنسي، وبقينا هنا يراوح نوابنا في مكانهم مرددين عبارات مملة لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل «نفخر بقضائنا الشامخ، والعادل»! فماذا فعلتم لهذا القضاء، ألا يكفيه هذا السؤال «الفذ» لحضرة النائبة معصومة، فلنهلل لديمقراطية «العوران» القاصرة على صناديق الانتخابات، وحين تكحل تلك الصناديق بجملة «من دفع وصل»!
يا جبل ما يهزك ريح
يرى المتشائمون في الربيع العربي أن «الدول العربية ليست مثل دول أوروبا الشرقية التي نهضت اقتصادياً بعد ثوراتها الأخيرة، فالدول العربية دون استثناء سواء نفطية غنية أو بلا نفط كلها تتبنى اقتصاداً رأسمالياً، الذي تلعب فيه الأسعار والقطاع الخاص دوراً محورياً، لكنه مشوه، فهو اقتصاد رأسمالي «بطركي» (ابوي ويهيمن عليه الأب الحاكم) تحت قبضة السلطة الحاكمة التي تهب وتغني من تشاء وتحرم من تشاء، وهناك القيود البيروقراطية المعقدة مع دعم كبير للسلع. كل هذا شرع الأبواب لعالم الفساد وجمود التنمية، وترك ملايين الشباب بلا عمل، وهيأت أسعار البترول العالية الوسيلة لنفخ جيوب وتسكين الناس (وربما تخديرهم مؤقتاً) أما الدول العربية الفقيرة فلها حكم آخر» الفقرة السابقة اقتبستها وترجمتها بتصرف من العدد الأخير لجريدة الإيكونومست، وكأن خطابها وتحليلها موجه إلى دول الخليج ويهمنا القول إن الكويت كنموذج ديمقراطي بالنسبة إلى بقية دول الخليج يصيبها خطاب الجريدة في الصميم، فكي لا تنطلق حناجر وتطالب بتحقيق ديمقراطية صحيحة وتواجه الفساد والإدارة السيئة انهالت العطايا «الكاش» وهدايا تمويل السلع الأساسية وغير الأساسية تصرف كل شهر من مراكز الجملة في الجمعيات التعاونية، والتي تشعر أي إنسان لديه القليل من المسؤولية وبقايا إحساس قلق بأن ما يحدث هو جريمة بحق مستقبل الدولة، ويؤكد أن السلطة ومن يدور في فلكها غارقون في هموم تصفية حساباتهم الخاصة أو أنهم لا يرون في الدولة غير أنها حالة مؤقتة! فليغتنم هؤلاء رياح النفط بعد أن هبت عالية، وللغد والقادم المجهولين حين يتخرج مئات الآلاف من المواطنين في الجامعات وتتناقص ثروة الدولة ولا يجد هؤلاء غير دهاليز البطالة فعندها يحلها ألف حلال… بهذا المنطق القاصر تسير الدولة تحت ظلال الملل اليومي واللامبالاة، فلخصت كل قضاياها وهمومها بحكايات هذا الشيخ ومن معه، وذاك الشيخ ومن والاه أو من عاداه، وبين الاثنين تسير قافلة من الاستجوابات نحو رئيس الحكومة بعضها ممتلئ وبعضها فارغ، لكن في النهاية سنردد مقولة: يا جبل الحكومة ما يهزك ريح.
ملاحظة: تصورت أننا انتهينا من عنتريات النمور والنسور لضباط الداخلية وأفرادها بعد حظر وزيرها الجاد الشيخ أحمد الحمود نشر أخبار وصور عالم «ناشنال جيوغرافك» في الصحافة، إلا أن خبر مقتل الرائد العسكري علمنا أن لـ«الداخلية» أذناً من طين وأخرى من عجين!
الكويت ليست إقطاعية خاصة بكم
فوضى وصراعات بيت الحكم وجدت صداها في بيت الأمة اليوم، وغداً سنحصد خراب الدولة زيادة على فساد إدارتها في الحاضر، ليس سراً أن عدداً من أبناء الشيوخ اشتروا لهم منصات إعلامية في الصحافة والتلفزيون لتوجيه معاركهم كل نحو الآخر، فلم يعد كافياً في إدارة صراع الشيوخ المنح والعطايا والتسهيلات التي تمنح لنواب الذمم الواسعة، وأصبح من الضرورة عند الطامحين من شيوخنا مد الاستقطابات السياسية إلى الشارع وإلى الناس الحائرين والتائهين في ما يحدث. وكأن هذا «اللي ناقصنا»!
خلط الأوراق أصبح ضرورة عند نواب يريدون رأس الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء بأي ثمن، وصراعات القصور توفر لهم أفضل الفرص، فإذا كان من الواجب نقد حكومة الشيخ ناصر لفشلها في قضايا كبرى، مثلما صرح النائب خالد السلطان بأن هذه الحكومة متهمة بالكثير من الأمور مثل ارتفاع ميزانية الدولة من 2006 إلى 2010 من عشرة مليارات إلى عشرين ملياراً، وتدمير القطاع الخاص، وتراجع مؤشر الحريات… (جريدة الراي عدد أمس) إلا أن هذا الفشل لحكومة الشيخ ناصر لا يبرر لزملاء النائب خالد السلطان تقديم استجواب ينضح بالروح الطائفية، فاستجواب الوعلان والطبطبائي وهايف يرمي إلى محاسبة الدولة كلها على موقف الحكومة في أحداث البحرين، فهل كان يفترض أن تعلن الكويت الحرب على إيران وأن يقمع شيعة الكويت ويتم «تخزيمهم» حتى يرضى مشايخ المجلس؟ إذا كان مثل هذا الاستجواب يرمي إلى محاولة الإطاحة بالشيخ ناصر المحمد فقد وقع طلابه في وهم كبير، وأصبح هؤلاء النواب بقصد أو بدون قصد مخلب القط لمعارك القصور.
واقع الدولة اليوم مزر، وأمورها تسير من سيئ إلى أسوأ، وليس لبيت الحكم المشغول بصراعاته الداخلية رؤية ولا منهج لحل صراعاتهم أو مشاكل الدولة المزمنة، فالعقلية التي تدار بها الأمور على حالها وعلى طمام المرحوم، ليت شيوخنا يمدون رقابهم إلى خارج حدود الدولة ويطالعون ما يجري الآن في دولنا العربية، ليت شيوخنا يقرأون التاريخ وعبره، فنحن لا نريد في النهاية غير الأمان لليوم والغد، وما يحدث بينكم الآن لا يخلق غير القلق والريبة، وتذكروا أن الكويت ليست إقطاعية خاصة بكم كي تتنازعوا على صكوك الملكية.
إدارة دولة أم إدارة فريج
ما شأننا بخلافات الشيوخ وصراعاتهم؟ وكيف تدار هذه الدولة؟ وكيف سننظر إلى المستقبل وتحدياته الأمنية والاقتصادية مادام كل شيخ «كبير، ويحكم» لا عمل ولا هدف له غير نصب الفخاخ للشيخ الآخر الكبير والمرشح للحكم، لأنه أيضاً من «ذرية مبارك» وله أحلامه العريضة بالسلطة والتفرد بها مع حاشيته التي تحمل المباخر، وتهرول خلف بشت الشيخ المعزب لتعطيره؟.
قضية الصراع القديم بين رئيس الحكومة سمو الشيخ ناصر المحمد ونائبه للشؤون الاقتصادية الشيخ أحمد الفهد قبيحة وخطيرة من ناحيتين، فخلاف الشيخين لا يجب النظر إليه على أنه محصور في حشد وتجييش هذا النائب أو ذاك «ويالله تزيد النعمة على تلك الشاكلة من النواب الهباب»، بل يجب قراءتها على أنها صراع من أجل التوحد بالسلطة وعزل الآخر، وأسلحة أطراف النزاع هي ذمم خراب لها سعرها وثمنها في أسواق النخاسة السياسية، الوجه الآخر من قباحة هذا الصراع أنه بعد نصف قرن من الحكم «شبه الدستوري» نجد أنه لم يعد كافياً لبعض الشيوخ الامتيازات «المشيخية» التي شرعها لهم القانون، وغيرها التي شرعوها لأنفسهم من غير حكم القانون، وأضحوا عبرها شيوخاً فوق حكم القانون، وكرسوا ودونوا أعراف الفساد في الدولة، فلم يعد مهماً أن نعرف أن هناك فساداً في شراء رخص قيادة المرور أو رخص بناء مخالف في بلدية الكويت، بل أصبحت هناك أسعار «شبه رسمية» لبعض نواب الأمة، أثمان نواب البؤس هي إما «كاش» أو تمرير معاملات غير جائزة أو الاثنان معاً، وفي كلتا الحالتين نجد أنفسنا أمام جرائم مشهودة نعرف الفاعلين وندرك تماماً حجم جرائمهم بحق الوطن ومستقبله، ورغم ذلك لا تتم مساءلتهم حسب القانون! لأنهم وضعوا أنفسهم فوق المساءلة القانونية، وسكتنا عنهم حين سلمنا أمورنا لقدر الفساد وأحكامه. مللنا يا سادة من الشكل الدستوري والدمية «الديمقراطية» فتحت جلبابها هناك فضائح تجري كل يوم، ويتم حرق أرصدة الغد وضمان حلم الجيل القادم من أجل أن يسعد البعض بكراسي السلطة منفردين، كل هذا يجري وهناك من يقف متفرجاً ضاحكاً، وكأنه أمام مسرحية هزلية هو مخرجها ومبدعها بداية ونهاية.
وكلاء الأمة ووكلاء الشيوخ
صراعات القصر ليست مسألة جديدة على التاريخ الكويتي بصفة خاصة، وعلى تاريخ الحكم الملكي بصفة عامة، قبل أن تعرف هذه الأنظمة مبدأ الملكية الدستورية، فشغف الاستئثار بالحكم وتنحية المنافسين المرشحين للخلافة عبر المكيدة والحيلة أو من خلال انقلابات دموية، كلها مسائل يضج بها تاريخ الملوك والأمراء. في التاريخ القريب كانت هناك خلافات وصراعات بين أفراد الأسرة الحاكمة على منصب الإمارة، فلم يكن سراً التنافس بين المرحومين الشيخ جابر العلي والأمير الراحل جابر الأحمد حتى قبل أن يتولى الأخير منصب الإمارة، وبعدها، وحتى اللحظات الحرجة قبل تولي المرحوم الشيخ سعد منصب ولاية العهد، وقبل هذا التاريخ وقبل العصر الذهبي للدولة مع عبدالله السالم وأثناء حياته كانت هناك خلافات بين أفراد الأسرة بشأن مَن سيكون الرجل الثاني والثالث على سلم الحكم بالدولة.
بعد العمل بالدستور وقانون توارث الإمارة يفترض (والافتراض لا يطابق الحقائق التاريخية) أن تنتهي الدولة من صراعات الطامحين إلى منصب الرجل الثاني أو الثالث في أولويات القادمين إلى الحكم، لكن هذا لم يحدث، وليس لأحد أن يحاكم التاريخ، وإنما لنا كل الحق اليوم أن نطالب بوقف هذا العبث السياسي في صراعات القصر، فليست الكويت اليوم هي كويت الأمس وما قبله، والتحديات التي تواجه الدولة الآن ليست كما كانت بالأمس، والمنطقة العربية تعيش فوق بركان يغلي بتغيرات في أنظمة الحكم، وحطمت شعوب المنطقة حاجز الخوف الذي حال دون تغيير الأنظمة القمعية، وعلى النظام الذكي الذي يريد إطالة عمره أن يقرأ التغيرات ويستوعبها كي يتواءم معها، وإلا فنهايته ونهاية الدولة مسألة محسومة، فاحتمال «صوملة» اليمن و»بلقنة» ليبيا ليست بالمسائل البعيدة، والقادم في دول أخرى مثل سورية أمره مجهول وفي علم الغيب السياسي. في الكويت لولا الدستور ووجود نظام شبه ديمقراطي لما اختلفت أمورنا عن الغير، ومن يتصور في الدول البترولية الثرية أن سياسة العطاء المالي ورشوة الشعوب، ومن يمثلها في برلمانات الأتباع من دون حساب غير حساب إفلاس المستقبل، ستضمن له البقاء فهو واهم.
بعد جلسة أمس الأول، على المتشدقين بوحدة مواقف الأسرة الحاكمة أن يكفوا عن هذا الابتذال الخطابي، فقد رأينا كيف يدار صراع الاستجوابات بالوكالة عبر نواب الأمة ووكلاء الشيوخ. فكان هناك شيخ يستجوب وآخر يستجوب ضده من ابن عمه وقريبه أو يتملص من مشروع استجوابه عبر الوكلاء أيضاً، فهل انتهت تحديات وجود الدولة ومستقبلها الآن لنتفرغ لمشاهدة مسرحيات شكسبيرية عن صراعات القصر؟! ارحموا مستقبل البلد فالتاريخ لا يرحم أبداً.
بالحوار لا بالوعيد
قبل أسابيع بسيطة تجمعنا، وكان عددنا لا يتجاوز ثلاثين فرداً، في شارع محمد مساعد الصالح (شارع الصحافة سابقاً)، كان الغرض من الاجتماع «لم يكن عاما بأي معنى» إظهار رفضنا قرار وزير الأشغال الدكتور فاضل صفر إلغاء قرار المجلس البلدي بتسمية الشارع باسم المرحوم محمد مساعد، الذي أعيد تسميته في ما بعد باسم المرحوم بمبادرة من حضرة سمو أمير البلاد حفظه الله. في ذلك الاجتماع البسيط لاحظنا استنفاراً غريباً من وزارة الداخلية وسيارات البلدية، كانت هناك حالة «فوبيا» واضحة من وزارة الداخلية من أي تجمهر ولو كان عدد المتجمهرين، الذين كانوا كتاباً وأصحاب فكر، بسيطاً، فقط كانت هناك «أوامر عليا» من وزارة الداخلية بمنع كل تجمع عام أيَّاً كان، وكان الضباط الحاضرون أصدقاءنا ومن معارفنا القديمة مثل طارق حمادة ومصطفى الزعابي، كانوا يشعرون ببعض الحرج، فلم تكن المسألة تستاهل مثل ذلك الاستنفار الأمني واستعراض قوة السلطة ولا أقول نيتها البطش. انتهى الاجتماع بثرثرة بيننا وبين الضباط رافقتها لحظات حنين استرجعنا فيها ذكريات قديمة انتهت من عقود جميلة.
اليوم تعود «فوبيا» (مرض الخواف) إلى وزارة الداخلية في دعوة تجمع ساحة الصفاة، وأخذت وزارة الداخلية تتلو البيانات الواحد تلو الآخر، تهدد من الاجتماع وتذكرنا بنصوص القانون وعقوباته، كان خطاب وزارة الداخلية يحمل الوعيد والتهديد، ويدخل في روع الناس بأن مثل تلك الاجتماعات هو بمثابة انقلاب على نظام البلد وأمنه، ورافقه حالة استنفار أمني من أجهزة العصا الغليظة التي تلوح بها الوزارة، ولم يكن مثل هذا متوقعاً من الوزير الشيخ أحمد الحمود الذي يراهن الكثيرون بأنه يحمل آمالاً كبيرة في إصلاح الأجهزة الأمنية بالوزارة، وهذا أملنا فيه. أيضاً، فليتسع صدره قليلاً، فالمجتمعون الشباب لا يريدون سوى التعبير عن أنفسهم، لا يريدون غير ممارسة أبسط الحقوق الدستورية في «الاجتماعات العامة»، هم ملوا الاثنين معاً، تركيبة مثل هذا المجلس «البصام» ورب عمله الحكومي.
فما الضير في ممارسة سعة الصدر الآن، فليس الشباب الداعون إلى التجمع من أصحاب السوابق في الإخلال بالأمن، وليسوا حفنة أشرار ستقلب أمن الدولة.
حجة وجود قوانين تمنع مثل هذا الاجتماع العام رغم صدور حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية عدد من مواد وفقرات القانون، لا يعني إضافة قداسة على المواد الباقية التي تحظر «المواكب والتظاهرات والتجمعات المقامة في الميادين؛ فأشد أنواع الظلم والاستبداد هو الذي يكون مدوناً بنصوص القوانين، فهي قوانين لها صفة الشرعية، إلا أنها في الوقت ذاته تفقد صفة المشروعية حين تتعارض مع روح الدستور ومبادئ العدالة الإنسانية.
لا حاجة إلى الخوف من أن تكون ساحة الصفاة هي نسخة كويتية لساحة اللؤلؤة بالبحرين، وهي ليست ميدان التحرير بمصر، ولن تكون أياً منهما، فالظروف مختلفة تماماً، والخشية هنا غير مبررة تحت أي ظرف كان.
من ناحية أخرى، ماذا يمنع الشيخ أحمد الحمود أن يفتح حواراً عاقلاً بينه وبين نائب مثل مسلم البراك –بغرض الخروج بصيغة تفاهم حول مكان الاجتماع– ولو كان البراك يمثل نفسه كمواطن وليس كنائب للأمة.
لا أجد فرقاً هنا بين ساحة الصفاة «المحرمة» أو ميدان التحرير أمام مجلس الأمة، مادام الغرض السامي هو ممارسة حق الشباب في التعبير عن رأيهم في سياسة الدولة الغائبة عن الأولويات والغارقة في «تكتيكات» و«تضبيط» نوابها… بالحوار الهادئ وبالخطاب العاقل يمكن بسهولة تجاوز لغة الوعيد إلى لغة الأمل والعمل للإصلاح.