مصدر أمني قدر عدد رافعي شعار “الله يحفظج يا كويت” في ساحة الإرادة بعشرة آلاف مواطن (ليس بينهم بدون ولا خليجيون) بينما المنظمون للتجمع ذاته شبه الرسمي، وتحت لافتة مستبطنة بجوفها تحمل عنوان كلمات أغنية لمصطفى أحمد تقول “ترى احنا ما نتغير ويا رب لا تغير علينا”، قدروا عدد المتجمعين بأكثر من عشرين ألف كويتي ثابت الولاء للحكومة وملحقاتها الرائعة، في الاستقرار والتنمية والراحة والبهجة، وباختصار كل أسباب السعادة الكويتية الفريدة.
وعلى أي حال، فرقم حزب “لا تغير علينا” بنحو العشرة أو العشرين ألفاً ليس مهماً اليوم، بل المهم هو الرسالة التي أراد متجمعو “الله يحفظج” إيصالها إلى المعارضة الكويتية، وفحواها يقول بأننا أحزاب “الله يحفظج” أكثر منكم، وإذا كان صوتكم يا أمراء غزوة “احتلال المجلس” عالياً، فأصواتنا يمكن أن تكون أعلى منكم بكثير، ونحن “الأغلبية الصامتة” وأنتم الأقلية المزعجة التي يحرضها ويحركها مسلم البراك ورفاقه المعترضون على شخص رئيس الحكومة، لا على منهج الحكم وإدارة شؤون الدولة، وكأن بينهم وبين الرئيس ثأراً قديماً يريدون تصفيته!
رسالة “الأغلبية الصامتة”، التي لم تعد صامتة، حتى قبل ذلك التجمع الكبير، ببيانات كثير من دواوين وتجمعات “الشيوخ دائماً أبخص”، تصرخ في آذان المعارضين من فرق أحمد السعدون ومسلم البراك ومعهم “الملالوة” مساعد الطبطبائي ومحمد هايف وفيصل مسلم بأننا راضون عن الحكومة وأدائها، ونحن أكثر من راضين عن خدمات التعليم الراقية والعلاج المتقدم والشوارع الفسيحة غير المزدحمة التي تغيب عنها الحوادث والازدحامات، ونحن مبتهجون بالمعاملات السريعة التي تُنجَز في دهاليز الإدارات والمؤسسات الحكومية، بدون محسوبيات ولا واسطات، وأيضاً نحن راضون عن أسعار الأراضي الرخيصة في الدولة، والتي ضمنت مساكن معتبرة لأبنائنا وأجيالنا مثلما ضمنت الحكومة، من قبل، مستقبلهم باستثماراتها الحصيفة في الإنسان الكويتي، لا في جيوب كبارها ثم جيوب السائرين بالهدي الحكومي… ولو استمررنا في عدِّ حسنات الحكومة (أو السلطة الحاكمة – لا فرق بين الاثنتين) لضاقت بنا الصفحات العديدة، هل نذكِّركم بنعم الكوادر المالية لكل أفراد الشعب؟ فكادر عمال النفط، مثلاً، جاء مع “بكج ديل” لكادر الديوان الأميري، وديوان سمو ولي العهد، وسمو ورئيس مجلس الوزراء وأمانته العامة، وهي الكوادر المبادرة التي أمطرت علينا بخيراتها فجأة من غيوم حاتمية ـ من دون اعتصامات أو إضرابات ـ وبمبادرة حكومية، أم نذكركم أيضاً بكوادر غير مرئية ولا أحد يمكنه الكشف عنها، أصاب خيرُها الكثيرين، مثل الكادر الخاص والسري للنواب المؤلَّفة قلوبهم والذي أرَّق مضاجعكم؟! ماذا نحسب وماذا نعدّ من خير دولة “لا تغير علينا”، فمن أنتم وماذا تريدون؟ تريدوننا أن نصبح مثل دول “البلاء العربي” من فوضى وغياب أمن وجوع ومجاميع أصولية تحرك الناس، ومن بعد ستقعد فوق رقاب البشر وتصادر البقية الباقية من الحريات الفردية؟! يكفينا أن نجد الملتحين معكم حتى ندين اعتصاماتكم ومظاهراتكم، جملة وتفصيلاً، من غير أن نبحث في أي سبب آخر يبرر إدانتكم… هل تقرأون مقالات وزوايا كتابنا الواعين حين يدينون ويلعنون أي اعتصام لكم دون بحث عن الأسباب والمبررات الداعية لها… ماذا؟! هل تسمونها “إسلاموفوبيا”… وعقدة مبالغاً فيها؟ فليكن… ولنحرق مئة أو ألف مليون دينار، والله العالم بالغد، لكن المهم ألا تتسيدوا علينا… فنحن الأغلبية الصامتة، ونحن مَن يغني ويترنم أبداً في نشيدنا الوطني “ترى احنا ما نتغير… ويا رب لا تغير علينا”… فهل وصلتكم الرسالة؟!
التصنيف: حسن العيسى
لنهدأ قليلاً
رد الفعل الحكومي على دخول المعتصمين مبنى مجلس الأمة يكاد يطابق إعلان الأحكام العرفية في الدولة، فإغلاق ساحة الإرادة بالحواجز الحديدية (أو الأسلاك الشائكة)، لا يعني إلا سجن الإرادة الحرة وحقها في التعبير والرفض، وهذا هو القليل المتبقي من “الديمقراطية الكويتية”، إن كانت تستحق أن نسميها بالديمقراطية، والسلطة بردود فعلها “الغاضبة” استنفرت كل قوتها المادية لفرض “هيبتها”، والهيبة هنا لا تعني هيبة القانون ولا هيبة الدولة، وإنما فرض سياسة الخوف على المعارضين، وحشر البشر في مزرعة الدواجن، ولا نفهم خروج مانشيتات الصحافة الكويتية بعناوين مثل “أجانب خليجيين” كانوا مع المتظاهرين، وأجهزة أمن الدولة تنبش وتحقق في أشرطة التسجيل المصورة، كي يعرف “الشعب” هؤلاء “المجرمين” الذين كسروا حكم القانون واستولوا على بيت الأمة، وكأنه حقيقة بيت الأمة، وليس ملحقاً تابعاً للسلطة التنفيذية بعد تقنين سياسة دبلوماسية الدينار، وتكريس استقرارها في بيت الأمة… تجييش إعلامي ضد المتظاهرين يهرول بأنفاس متقطعة لنيل بركة السلطة، ثم أحكام متلاحقة من تنظيمات سياسية تدين ما حدث…!
أسهل الأمور الآن، في التعليق على دخول المعتصمين صالة عبدالله السالم، أن ندندن في الكلام المكرر عن حريات البشر وحقوقهم في التعبير، ثم نستدرك بكلمة “لكن”، ونلحقها بعبارات رفض ما حدث من استيلاء بعض المعتصمين على صالة عبدالله السالم، وجلوسهم بسعادة المنتصرين على كراسي النواب والوزراء. أيضاً أعود إلى “لكن” الاستدراكية التي تمسك العصا من النصف، ونسأل أنفسنا عن حقيقة ما حدث فعلاً، ولا نعول في أحكامنا على الصور و”المسجات” والتصريحات الإعلامية التي تفجرت بعد ثورة مجلس “طبقات الشعب” على طريقة الثورة الفرنسية! فهل تمثلت الحقيقة في محاولة المعتصمين التوجه إلى منزل سمو رئيس مجلس الوزراء، وحين تم منعهم من الشرطة (ولا يذكر هنا استعمال القوة المفرطة في الحظر) احتموا بالمجلس، وانفلت العنف بين أجهزة الضبط ومجموعة الرفض…؟! الحقيقة في ليلة الغضب قد تكون مخالفة للصورة التي ترسم في وجدان الناس، وردود الفعل الغاضبة أو التي تتصنع الغضب ثم تذرف دموع الأسى على “استغلال هامش الحريات” من المعتصمين ونواب المعارضة، ليس هذا أو ذاك ما نحتاجه الآن، فالكويت وشقيقاتها الخليجيات ليست سورية أو ليبيا، ولم تكن أياً من دول الربيع العربي، فلنا بركة النفط، وشراء ود الناس ليس صعباً، وعلى ذلك، فليس هناك ما يفترض أن نخشاه من ربيع خليجي في الوقت الحاضر وبأسعار برميل النفط العالية، فصنبور الخيرات مفتوح على الكوادر للموظفين وللنواب التابعين “كادرهم”، ويبقى لطلاب الحرية والأمن الاقتصادي القلقين من المستقبل كادرهم، فهل هناك، بعد ذلك، سبب للقلق من المعارضة مهما كانت صور أشكال معارضتها؟ فلنهدأ قليلاً، فمسلم البراك ليس روسبير، والحربش ليس سان غوست، ولا بقية نواب المعارضة هم نماذج حديثة مستوحاة من “يعاقبة” الثورة الفرنسية، أمورنا أبسط من ذلك، فلماذا كل هذا الضجيج!
كأننا والمال من حولنا…
ما هي السياسية العامة للدولة؟! وكيف نعرفها حتى يمكن بالتالي مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء عنها؟!
مسألة صعبة تشبه مسرحيات صموئيل بيكت العبثية وفلسفة هايدغر الوجودية، لكن المحكمة الدستورية حددتها بأنها “الإطار العام الذي تتخذه الحكومة نهجاً لها في توجيه العمل الذي تسير على خطاه وزارات الدولة ومصالحها، وما تنوي الحكومة النهوض به من أعمال ومشروعات وخطط مستقبلية”… إلخ… الخ.
أفهم كلمات مثل “الإطار العام” و”توجيه العمل”، وأفهم كذلك “المشروعات والخطط المستقبلية في المجالات العامة”، لكن حين أجمع الكلمات معاً، أتوه وأصبح غبياً، فلا أفهم كيف تكون هذه السياسة العامة في الواقع الحي، وكيف يمكن أن نراها… أن نتحسسها، نلمسها، نشعر بها تتنفس، تنبض بالحياة، تسير وتقف، تكبو وتنهض، تبهجنا أحياناً وتغمنا في معظم الأحايين، تعرفنا بنفسها على أنها الآنسة سياسة ابنة العامة، التي تهيمن على عمل الوزارات والمؤسسات وتضبط مجمل شؤون الدولة وتشرف عليها بصورة عامة.
ومن جديد تهتُ وضِعتُ في قفار وفيافي هذه السياسة العامة العميقة حين أثيرت قضية مسؤولية سمو الرئيس عن هذه السياسة العامة، وكيف يجوز أو لا يجوز ـ حسب وجهات نظر فقهاء الديمقراطية الكويتية العليا- اعتبار تفجّر حسابات بعض النواب بالملايين بين ليلة وضحاها في تسونامي “كبت أمه”، من السياسة العامة للدولة، أو من السياسة الخاصة والخاصة جداً، والتي لا يجوز الحديث عنها، أو حتى الهمس بها… هس، سكوت، عيب؛ فذلك مخالفة للقانون، وجرح للدستور، وهو مسألة مرتبطة بحقوق الأفراد الشخصية (والنواب أفراد) والكلام بها (السياسة العامة وحساباتهم) يعني مساساً بسرية حساباتهم الشخصية، كما علمتنا الفقيهة رولا دشتي بجلسة أمس الأول، جزاها الله كل خير، هي ورفاقها من النواب الحريصين على حريات الأفراد وحقوقهم.
الاستجواب القادم لسمو رئيس الوزراء من البراك والمسلم والعنجري، سيحشرنا من جديد في الزنزانة الضيقة للسياسة العامة، ونحن لم نصدق فرحتنا بأننا انتهينا بالأمس من رفع وشطب استجواب السعدون والعنجري حول “السياسة العامة” ومتاهاتها، وكيف كنا “… والماء من حولنا قوم جلوس حولهم الماء” في شروح معاني السياسة العامة ومدلولاتها الغائرة في عمق العبقريات البرلمانية.. فماذا يريد النواب الثلاثة، هداهم الله من استجوابهم القادم، وقد عرفنا من قرار الأغلبية المجلسية الحكم مسبقاً في معاني السياسية العامة؟!
فهل سيعود النواب المستجوبون إلى تفسير الماء بالماء بعد كل هذا العناء، وبعد أن قلنا: ها… دقت ساعة العمل للحكومة، للـ”تيك أوف” لطيارة التنمية الكويتية الواقفة، وقد علاها الصدأ على مدرج المعارضة البرلمانية، كما تروج، بحكم العادة المتأصلة، الأدبيات الحكومية! أي تفسير جديد لـ”السياسة العامة” سيقدمه النواب الثلاثة في ٢٢ من الشهر المقبل غير مقولة “… كأننا والمال من حولنا… قوم جلوس حولهم مال” فلا فرق بين الماء والمال غير إحلال اللام بدل الهمزة.
سورية اليوم على كف عفريت ونحن غداً
سورية ليست ليبيا ولا تونس ولا اليمن ولا أياً من دول “الربيع العربي”، سورية هي قلب العالم العربي، وهي، تاريخياً، مهد حركة القومية العربية، ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث للمنطقة العربية- ودولنا الخليجية لا تشكل استثناء- لو تحولت المظاهرات الشعبية في سورية إلى حرب أهلية، وتصبح هذه الدولة لبناناً أو عراقاً آخر، وبشكل أكثر بشاعة من الاثنين.
ليس لأحد أن ينكر وحشية النظام في قمع المظاهرات السلمية، لكن، أيضاً، لا يمكن أن نغمض العين عن واقع صور العنف الطائفي التي أخذت تتضح ملامحها في الشهرين الماضيين. سورية هي العراق سابقاً ولكن بالمقلوب، في العراق البعثي كانت هناك الأقلية السنية هي الحاكمة والمضطهدة للأغلبية الشيعية، ورغم ذلك كان قناع شمولية القومية العربية يحد من تعرض بقية الأقليات للاضطهاد الديني والطائفي، وبعد “التحرير الأميركي” الأهوج للعراق من سطوة النظام الصدامي أضحت الأقليات العراقية، وتحديداً الطائفة المسيحية، ضحية تفريغ الإحباط من متطرفي الإسلاميين سنة أو شيعة. في سورية الأقلية العلوية هي التي تمسك بمفاصل الدولة وتواجه الآن الأكثرية السنية، وليس البعد الطائفي المسؤول الوحيد عن تحرك شارع الأغلبية السورية الثائرة، فهناك أسباب مثل المرارة الاقتصادية والفساد المالي في النظام السوري، وإن كان عارض الفساد مسألة مشتركة في جل النظام العربي في نادي “الجامعة العربية”، فإن النظام السوري، من ناحية أخرى، حافظ بدرجة كبيرة على الحريات الدينية للأقليات.
خطر التصفيات الطائفية ماثل أمامنا الآن، وكم نخشى أن تصبح سورية صورة مكبرة للبنان ٧٥ – ٩٠، بمعنى أن تكون ساحة الغزوات والحروب بالوكالة لدول المنطقة، والمعركة هي معركة وجود بالنسبة للنظام السوري بصفة خاصة والطائفة العلوية وبقية الأقليات بصفة عامة، وهناك خطر أكبر أن تمتد حرب القبليات الطائفية إلى معظم دولنا العربية (باستثناء مصر وتونس) التي تستمد هوياتها من القبيلة والدين والطائفة، لا من مفهوم الدولة- الأمة.
نخشى أن يكون قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية بمنزلة الإشارة الخضراء لتدويل الأزمة السورية، وفتح جرة بندورا (كما في الأسطورة اليونانية) للشرور ليس في القلب السوري وحده، وإنما في بقية أعضاء الجسد العربي والمنطقة كلها. هناك بصيص أمل لتجنب الزلزال القادم للمنطقة حين يتم تجديد محاولة “الوساطة” العربية بين المعارضة والنظام الحاكم السوري، وساطة لا تهدف إلى بقاء النظام على حاله من دون إصلاح حقيقي، وتحافظ في الوقت ذاته على وحدة الوطن السوري، وتحقق أمل شعبه في الحرية والكرامة.
لنكن أهل عدل وليس طلاب ثأر
مهمة (والأدق أن نقول مهام وأوليات) وزير الداخلية إنهاء حرب الشوارع في الكويت، حتى لا نضع أيدينا على قلوبنا كلما خرجنا من منازلنا خوفاً من مهوسين يقودون السيارات بلا مسؤولية ولا اعتبار للقانون. فقد أضحت شوارع الكويت تشابه شوارع المدن الليبية وبقية حواري دول “الربيع العربي”، تقشعر الأبدان من مشاهد الأجساد المتوسدة أرصفة الطرق تنز دماً وموتاً.
مهمة ومهام الوزير أن يبتر البيروقراطية الغبية في أروقة وزارته التي يلتصق بدروبها المواطن والمقيم لإنهاء أبسط معاملاتهما اليومية. مهمة وزير الداخلية بمجملها هي أن يفعّل حكم القانون، علَّ وعسى أن يأتي اليوم المأمول حين يصبح القانون ركناً في ضمير ووعي الناس؛ يحترمونه ولو لم يكن هناك رجل الشرطة يراقبهم ويحاسبهم.
مهمة ومهام وزير الداخلية كثيرة تبدأ ولا تنتهي، من إنهاء المحسوبيات والواسطات والرشاوى في أجهزة الوزارة المترهلة، إلى قائمة طويلة من الانحرافات في استعمال واستغلال السلطة. فلهذه الوزارة، منذ لحظة ولادتها، تراث طويل وممتد في الفوضى وكل شرور التخلف والفساد، ولها تاريخ سيئ تتجلي فيه أبشع صور رخاوة الدولة بوزاراتها ومؤسساتها التي تضج بالكسل والإتكالية، هذه الوزارة هي مرآة عاكسة لوجه السلطة وأمراضها المزمنة في إدارة الدولة.
إذا تجاوز أحمد الحمود أو أخطأ أو لم يبدأ مشوار الإصلاح في وزارته ـ وهو مشوار طويل ومضنٍ بكل معاني الكلمة ـ فلنواب الشعب أن يحاسبوه، وإذا تعسف الوزير في استعمال سلطاته ولامس حقوق وحريات الأفراد، فهنا، ومن باب أولى، يمكن أن يحاسب حين تخرق قراراته حكم القانون وتنصاع لتطلعات الهوى السياسي.
أمّا أن يُساءل الوزير الشيخ أحمد الحمود لأن تهمة ما (لم تتحقق) ضد أحد الضباط الكبار، مثل العقيد شكري النجار، ربما انتهك القانون، أو لأنه سمح لنائب بحريني سابق من المعارضة البحرينية بالدخول للبلاد، فليس هذا أو ذاك عدلاً، وهو بالتالي أبشع وجه لخرق حكم القانون وتجاوز السلطات، وقبل ذلك يعد انتهاكاً جلياً لمبدأ فردية المسؤولية، فلا “وازرة تزر الأخرى” هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يُقبل أن تكون حادثة خاصة، لا أحد يلم تماماً بتفاصيلها لضابط ما، مناسبة للثأر من هذا الضابط أو الوزير، أو تصبح مناسبة لفرض إملاءات نيابية على الوزير ليحقق أجندات سياسية لبعض الجماعات في المجلس، ومتى أحال الوزير موضوع الضابط شكري النجار على السلطة القضائية فليس لنا أن نحاسب الوزير على سلوك فردي للنجار أو غيره، وليس من حق أي كائن أن يزيح سلطان القضاء جانباً، ليصدر حكماً بالإدانة ضد وزير الداخلية، أو أن يقتنص فرصة سياسية لمحاسبة رئيس مجلس الوزراء علي أي من الأمرين (النجار، والنائب البحريني).
للنواب ولكل كويتي حق محاسبة هذه الحكومة على أمور كثيرة غرقت فيها هذه السلطة وأغرقتنا معها، لكن الآن وفي مثل هاتين الواقعتين لنكن أهل عدل وإنصاف وليس طلاب ثأر.
ماذا لو!
أظن أن المثل المصري يقول “الفاضي يعمل قاضي”، ولو ركبنا المثل على ظهر البعير الكويتي لأصبح أغلبنا قضاة يصدرون أحكاماً بالإدانة أو البراءة بعضنا على بعض لا بحكم القانون، وإنما بحكم الفراغ السياسي والملل الاجتماعي. في حكاية العقيد النجار نائب مدير عمليات القوات الخاصة، والتي من أهم مهامها، وفق الأعراف الاستبدادية “تعقيل” المشاكسين المعارضين للسلطة وتعريفهم بحدود حرية الرأي تحت ذريعة “هيبة السلطة والقانون” حدثت واقعة هرول إعلامنا “الحر” لنشر غسيلها يوم النحر الكبير، وتم فعلاً وحسب الوقائع الإعلامية إصدار الحكم بإعدام العقيد في عمله، وإحالته على التقاعد وحجزه بأمر وزير الداخلية! رغم أنه لا توجد شكوى، بعد أن تنازلت عنها “ضحية اليخت” وقبضت ثمن التنازل مقدماً وأغلق ملف التحقيق، أو هكذا يفترض أن يسدل الستار على مسرحية ساعة فرح “وثرثرة فوق الخليج” إلا أنها انتهت بغم وحزن، بعد أن صار أهل السياسة قضاة أو طلاب ثأر من ضابط القوات الخاصة، وكأنه هو وبأوامره من ضرب المتجمعين في ديوانية النائب الحربش، وهو المسؤول الأول والأخير عن ترويع الآمنين وتخويفهم بعصا الأمن والطاعة، ولم يكن ينفذ فقط واجب “أمرك سيدي ونعم طال عمرك”…
“قضية” العقيد النجار، وهي أصلاً لم تكن قضية، بعد أن قبلت الشاكية بالقدر والنصيب وقبلت الصلح وقبضت المعلوم، أضحت قضية الآن لأن صاحبها يحمل تاجاً ونجمتين على كتفيه، ولأنه قاد عملية الضرب واعتقال د. الوسمي بصورة مهينة في ديوان الحربش! ماذا لو لم يكن ضابطاً يحمل النسر والنجمتين على كتفيه، وكان مواطناً عادياً قدمت بحقه شكوى ضرب وأذى بسيط (أو بليغ) وتم التنازل عن الشكوى أو سحبها حسب القانون، وهو، بالمناسبة، القانون ذاته الذي نسميه أحياناً بالدستور وأحياناً بقانون الجزاء ومنه قانون المرور وقانون جرائم الرشوة واستغلال النفوذ وإلى آخره من قوانين “بيض الصعو” التي نسمع بها ولا نراها إلا أحياناً نادرة حسب مركز الضحية (مثل الدولة وهي مع أجيالنا القادمة ضحايا بيت العز وغير مهمين) أو مركز المتهم الاجتماعي أو السياسي! ماذا لو كان مواطناً بسيطاً هل كنا نتصور أن تحدث مثل تلك “القضية”…! قد نقول بسذاجة إنه لا يمكن أن تصبح قضية، أو قد نقول بسذاجة أكبر إنها قد تصير قضية وقضايا يطرب لها العازفون في فرق الكدر الدائمة على المسرح الكويتي البائس.
ماذا “لو”، سؤال لا يعرفه التاريخ، لأنه حدث وانتهى في الكويت، فاذرفوا دموع الأسى بحرارة على حالكم وقوانينكم.
الدينار مصدر السلطات
هل أصبح الدستور ضيقاً على جسد النظام السياسي في الكويت، أم أنه ما زال صالحاً ويتسع لحريات أكثر للأفراد، وضمانات أكبر للسيادة الشعبية، وعلى ذلك فالعيب ليس في مواد الدستور، وإنما في الممارسة السياسية للسلطة، بعد أن أفرغت الدستور من مضامينه وروحه!
د. أحمد الخطيب كرمز كبير، وأيقونة الحلم الدستوري، ينصح أهل الكويت في مقال افتتاحي في "القبس" بالتمسك بالدستور، كي لا يصبح مجلس الأمة حكومة في حكومة كاملة الدسم، في حين أن زملاء مثل أحمد الديين في "عالم اليوم" وحمد الجاسر في "الكويتية" يخالفان هذا التصور، فالدستور لم يعد صالحاً لضبط الانفراد بالسلطة، فحكم الدينار أضحى أقوى من حكم القانون والدستور، والحد الأدنى من الحقوق والحريات الديمقراطية التي تضمنها الدستور ضاعت وخنقت تحت واقع أن "الدينار مصدر السلطات"، والسلطة الحاكمة تحتكر مخازن الدينار تحت الأرض، ومن ثم، فإنها قد استأثرت بالحكم، وإما بضغوط القوى الدينية المتطرفة التي ولدت في الكويت وبقية دول الوطن العربي من رحم السلطات الحاكمة وتفردها بالحكم!
هل المشكلة في نصوص الدستور بعد أن شاخت ولم تعد تناسب الحاضر، أم أن العيب ليس في النصوص الدستورية بحد ذاتها، وإنما القصور في ممارسات السلطة! فالنصوص الدستورية واسعة وفضفاضة، لكن لم تأت تشريعات تعمق الممارسة الدستورية، أو قد يكون الأمر معكوساً، فتصدر تشريعات تنتهك روح الدستور، فالدستور، مثلا، لم يحرم تشريع الأحزاب وسكت عنها، والأصل أن السكوت يعني عدم الحظر، فأصل الأمور الإباحة، والدستور لم يحرم المرأة من حقوقها السياسية في السابق، ولكن القانون والممارسات "الفعلية" هي التي تصادر الحقوق والحريات للمرأة والمواطن والإنسان، والدستور أكد حق الإضراب والتجمعات وغيرها، ولكنه فوض الأمر في تنظميها إلى التشريع، فجاءت التشريعات لتأخذ باليد اليمنى ما منح الدستور باليد اليسرى!
لكن على الوجه الآخر للعملة ينص الدستور على أن الأمة مصدر السلطات، بينما يقرر قبل ذلك أن الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح، وثلث أعضاء مجلس الأمة من الوزراء، وهم من تعينهم السلطة الحاكمة، وكان ذلك في النص الدستوري، وفي حقيقة "النص الواقعي" فإن الثلث الثاني من نواب الأمة يعينون أيضاً بطريق غير مباشر عبر تفويض "الدينار مصدر السلطات"، فماذا بقي للأمة والصوت الآخر!
لا توجد إجابة بنعم أو لا لتعديل الدستور، أو الإبقاء عليه، ولكن يقيناً الآن أصبح الدستور الكويتي، وبعد خمسين عاماً، نصوصاً في "دساتير من ورق"، وهذا عنوان كتاب لنيثان براون عن الدساتير العربية، لينتهي آخر الأمر إلى أن الإصلاح لا يأتي من النصوص ومن الشكل، بل من المعنى والمضمون، عبر إرادة وعزم الشباب ووعيهم بحاضرهم ومستقبلهم، وهناك ومضات أمل نشهدها في تجمعات ساحة الإرادة، إلا أن ضوءها ما زال خافتاً، ولم يسطع حتى الآن.
سلع للبيع
إذا لم تكن هذه المحسوبية بجسدها وروحها النتنة، فماذا تكون إذن؟! الخبر الذي جاء بالصحافة أن عدداً من الذين رفضتهم إدارة الفتوى رفعوا دعاوى أمام المحكمة الإدارية طالبوا فيها بإلغاء قرار تعيين 22 قانونياً بإدارة الفتوى والتشريع على سند أنهم حصلوا على شهادات من جامعات غير معترف بها من الحكومة وبمعدل أقل من المطلوب! طبعاً، هي الحكومة ذاتها الوصية على روح العدل والمساواة في الدولة، والتي يتنطع أربابها وحواشيهم دائماً بالاستقامة السياسية في إدارة الدولة ورسم "سياستها العامة".
وأياً يكون الرأي الذي ستنتهي إليه المحكمة في تلك الدعاوى، فإن هذا الواقع المخجل يشهد كيف تدير السلطة أمور الدولة، وكيف ينبض بالحياة على أرض الواقع مفهوم "السياسة العامة" لمجلس الوزراء الذي تحصنت سلطاته إزاء مجلس الأمة بعد حكم المحكمة الدستورية الأخير.
المحسوبية هي الواسطة، وهي الفساد يمشي على قدمين، وليت القضية حصرت في جماعة محددة من المجتمع مثل الذين رفضت طلباتهم إدارة الفتوى، أو جماعة أخرى غيرهم لمسوا الظلم باليدين ورفعوا أمرهم إلى القضاء، فعندها سنقول إنها واقعة أو وقائع محددة لا يمكن القياس عليها وسينتهي أمرها حين تطرق أبواب قصر العدل، لكنها ليست كذلك، هي ممارسة عامة للسلطة في جل شؤونها، وهي عرف وأعراف السلطة و"سياساتها العامة".
هي السياسة العامة للسلطة التنفيذية ليست فقط في التعيينات بجهازها الكسلان والمترهل، بل بكل صغيرة وكبيرة في دولة "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر"، وما أكثر الذين عشقتهم عيون السلطة، هم من المعارف والمقربين، هم شعراء المديح وكتاب التبرير، وهم الذين لا يتنازلون أبداً عن شعارهم القديم المقدس الذي كان بالأمس تحت عنوان "الشيوخ أبخص"، واليوم بشعار "الحكومة أبخص". فهي أبخص حين تفصل المناقصات والمزايدات على مقاس "ربعها"، وهي "أبخص" حين تعين أقارب ومعارف "اربيعها" في الوظيفة العامة، وهي أبخص حين تشرع كوادر الهدر المالي وحرق المستقبل لجماعتها وتتناسى غيرهم ومن هم أحق، هي حكومة "البخاصة" المسكينة التي لا تعلم (وحسن النية مفترض) كيف قفزت أرصدة نوابها إلى خانة الملايين بين يوم وليلة، وكيف تفجرت منابع الثروة بالأمس ـ وحتى اليوم- فجأة للعارفين بدروب الخير ومسالك الصالحين في أرض النفط وزمن "من سبق لبق".
هل هناك أي أمل بالإصلاح! وهل ستخيم على أحلامنا كوابيس "البوعزيزي" بتعبير "الشال"، ونضع أيدينا على قلوبنا كلما امتد بنا العمر ونظرنا إلى أطفالنا وماذا يخبئ لهم قدرهم في دولة "سيروا على البركة"! الاجابة غير متفائلة، فمادام سعر برميل النفط ظل مرتفعاً فستبقى معه ضمائر الكثيرين سلعاً للبيع في مزادات السلطة.
ما هو شيء ما ؟
مادامت الحكومة فتحت صندوق الكوادر والمزايا للموظف العام قبل سنة تقريباً وقضت على كل الحوافز للعمل في القطاع الخاص، فعليها أن تعدل وتنصف في توزيع عطاياها، ولا تميز فئات دون أخرى على حساب العدالة، فحسب جدول الرواتب والأجور الذي نشرته "القبس"، نجد أن فئة العاملين في الجمارك والموانئ مظلومة في بند الرواتب إذا ما قورنت بغيرها من الفئات المتكدسة في القطاع العام دون إنتاج وعمل حقيقيين، وإذا كان إضراب موظفي الجمارك قد هز الدولة وآلمها، فالأولى أن تفتح الحكومة صدرها لهؤلاء وتحاورهم علها تصل إلى حلول وسط تنصف أوضاعهم، ويتم في آن واحد تحقيق المصلحة العامة للدولة ولا تختنق جراء الإضراب.
حاول البيان الحكومي حول إضراب موظفي الموانئ أن يمسك العصا من منتصفها، إلا أنه صار مثل الغراب الذي حاول ان يتعلم مشي الحمامة فلم يتعلمها ونسي مشيته، فبيان مجلس الوزراء تغيا سياسة العصا والجزرة وضيع الاثنتين معا، فالبيان يتكلم بصوت غليظ أنه لن يرضخ لأي مطالب في "ظل استمرار الإضرابات أو الامتناع عن العمل والتهديد بها"، وكلف وزير الداخلية لسد مكان المضربين بإحلال الشرطة والحرس الوطني والجيش وهذه عصا المجلس التي تتناقض مع مبدأ حق الإضراب، ثم عاد البيان الحكومي وبالفقرة ذاتها مناديا بفتح "… القنوات القانونية والحوار الهادئ الذي يحقق العدالة والانصاف…"! المضربون يقولون إنهم لم يضربوا إلّا بعد أن أصابهم اليأس من "الحوار الهادئ"، وإن الأذن الحكومية كانت معهم طرشاء، ولم تكن كذلك مع غيرهم الذين أخذوا حقهم وأكثر من حقهم بالإضراب. أين العدل والإنصاف هنا؟! وكذلك أين العدل للعاملين في الإطفاء، وهم مظلومون في رواتبهم. أين العدالة والإنصاف في مهن أخرى تم تناسيها (ربما لأن أكثر العاملين فيها غير كويتيين) كالعاملين في الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وعمال الإسعاف! وهل هناك عدل عندما يكون راتب مدرس في مدرسة أكثر من راتب طبيب قضى أكثر من سبع سنوات دراسية مضنية؟!
وزير الخارجية الشيخ محمد صباح السالم كان موفقاً تماماً حين وصف الإضرابات بأنها "… تعبر عن شيء ما، ويجب معالجة الأسباب لا الظواهر…" ما هذا "الشيء ما" غير غياب العدالة وتفشي الفساد وأن الدولة تسير على البركة.
هل هي نهاية الأقليات؟
خوف المسيحيين وبقية الأقليات من الربيع العربي له ما يبرره، فأحداث أمس الأول بين الأقباط والجيش أمام مبنى ماسبيرو كانت بداية الشرور بين الربيع المصري والأقباط، وإذا كانت بيانات المجلس العسكري الحاكم قد شددت على ذكر وفاة اثنين أو ثلاثة عسكريين في هذه الأحداث، فإن الضحايا الأقباط كانوا أضعاف هذا العدد، حسب ما ذكره شاهد عيان لـ"بي بي سي".
وفي سورية ظهرت بعض أعراض جانبية مخيفة للثورة، حين تعرض بعض الأهالي العلويين لعمليات قتل وتصفيات طائفية في بعض المناطق. ربما، وليس لأحد أن يقطع بالجزم، كانت المخابرات والشبيحة وراء تلك الحوادث الطائفية كي يبيّض النظام وجهه، ويبرز نفسه على أنه الرابط الوحيد بين الطوائف السورية بمختلف أشكالها، لكن مهما كان المشتبه فيهم وراء تلك الجرائم، فمن المؤكد أن الربيع العربي لا يبشر بالخير للأقليات العربية، مسيحية وغير مسيحية، حتى بالنسبة للشيعة، فهم أقليات في المحيط العربي والإسلامي.
إذا كان المسيحيون في الماضي، وقبيل الاستقلال، رفعوا شعارات العروبة والقومية العربية كرفض للحكم العثماني، فهذا كان رابطهم للانصهار وتأكيد مطلب المساواة بين المواطنين حسب القومية العربية، لا حسب الدين والمذهب السني. وذُكِر في كتاب الباحثَين لورانت شابري وأني شابري تحت عنوان "سياسة وأقليات" أنه "… عندما تسعى أقلية إلى التكيف مع موقف بالتعديل الظاهر لهويتها فإنها لا تلجأ بالضرورة إلى وضع التشكل الذاتي للحرباء، أي التستر التام على هوية الأقلية (التقية)، وهذه الاستراتيجية الأخيرة السهلة المنال نسبياً على فرد ضائع في كتلة الأكثرية، ليست كذلك في المقابل على جماعة برمتها. وهذه الجماعة تتصرف بنحو آخر بهويتها لتخفيف تباينها، لمحاولة إزالة الحدود جزئياً، التي تفصلها عن جماعة الأكثرية…".
كيف للمسيحيين، والعلويين أو الأكراد (على الأقل في سورية) أن يجدوا الرابط الذي يوحدهم مع الثورات العربية اليوم، بعد أن زادت حوادث الاضطهاد ضدهم، ففي مصر نفهم غضب الأقباط، حين نعرف أنه منذ عام ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٠ تعرض الأقباط لـ٥٢ حالة اعتداء، ولم يقدم أي مشتبه فيه إلى المحاكمة، كما أن تمييز قانون الأحوال الشخصية ضدهم في مسائل التبني وبناء الكنائس ليس بالأمر السهل عندهم. وفي العراق أصبحت كنائس الآشوريين هي المكان الرخو لضربات "القاعدة" والأصوليين، وذكر أشور كيوا أركيس في جريدة "النهار" أن نسبة الآشوريين كانت ٨ في المئة من مجموع العراقيين أيام صدام، أما نسبتهم الآن فلا تتجاوز ٣ في المئة.
ولو اجتهدنا وبحثنا عن أعداد المسيحيين في الوطن العربي لوجدنا أنهم في حالة تناقص أو "انقراض"، وفي هذه الحالة تجد الأقليات هنا حمايتها من مشاعر الغضب الشعبي التي تتجه إليها بعد أن عجزت الشعوب عن مواجهة الآلة العسكرية للنظام المستبد في النظام المستبد ذاته، فهو، عند تلك الأقليات، أهون الشرَّين وأخف الضررين. من هنا علينا إن لم نقبل تصريحات البطريرك اللبناني الراعي بشأن الثورة في سورية، فإننا يمكن أن نتفهمها في ضوء التاريخ وواقع الحال العربي، فشباب الربيع العربي لم يرفعوا شعار "حرية، إخاء، مساواة" مثلما فعل الفرنسيون في الثورة الفرنسية، بل كانوا حركة رفض غاضبة لأنظمة مستبدة، ولم تكن أرض الفكر عندنا قد أنجبت فولتير وروسو ومونتيسكو كما حدث في عصر الأنوار في أوروبا، فالمستبدون هنا مهدوا أرضنا منذ السبعينيات لعمليات الاستنساخ لمشايخ الصحوة، وتلك فترة، طالت أو قصرت، سيزيلها حكم التاريخ.
***
ملاحظة: ختاماً يراودني شعور مطلق بأن "ليبراليي" الكويت أو بقاياهم حكمهم من حكم الأقليات العربية.