حسن العيسى

هل كان محافظاً أم هارباً؟

هل «نفد» محافظ البنك المركزي الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح بجلده، واستقال قبل أن يبدأ مجلس ثوار كبد محاكمته على الإيداعات المليونية في رشاوى نواب الأمس، أم أن المحافظ كان يعلن احتجاجه ورفضه للسياسة المالية للدولة، أي سياسة اقتصاد الدكاكين، حين ارتفعت النفقات في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة تماشياً مع حكمة “ادهن سيرهم وسكتهم”!
كما أن المحافظ وهو فعلاً محافظ في السياسة النقدية وبسبب محافظته هذه فهناك من ينتقده بأنه لم ينه إعداد مشروع قانون الاستقرار المالي، وتسبب ذلك في إطالة معاناة شركات الاستثمار بعد أزمة عام 2008 المالية، وبالمناسبة بعض شركات الاستثمار وجدت في تلك الأزمة “زلقة بطيحة”، حين قامرت بأموال المستثمرين وبلعت مدخراتهم، ومع ذلك لم تتم المساءلة المدنية أو الجزائية لشركات بنات الذوات.
أياً كان سبب استقالة الشيخ المحافظ الذي قضى 26 عاماً على رأس الجهاز المركزي، وهي مدة تقارب عمر بقاء غرين سبان محافظاً للبنك المركزي في الولايات المتحدة، كان يبدو فيها شيخنا المحافظ مغلوباً على أمره، كلما ثار الحديث عن “فسفسة” أموال الدولة في شراء الولاءات السياسية تحت عشرات البنود الاستهلاكية للصغار من شعب الموظفين، أو هدر الأموال العامة في تعميم الفساد المالي بنفخ كروش الكبار بتفصيل المناقصات على مقاس خصورهم العريضة!
في أي حال كان الشيخ سالم محافظاً في عالم شيوخ غير محافظين، وكانوا مهادنين يريدون إرضاء الكل، والنتيجة أن الكثيرين رفضوا سياسة الترضيات، وكانت تجمعات ساحة الإرادة تعبيراً حياً على ذلك، فالشباب لم يطالبوا بمزيد من “الكوادر” وإنما نشدوا العدل والأمانة في إنفاق الدولة.
لا يمكننا الآن نبش صدر المحافظ المستقيل لمعرفة سبب الاستقالة الحقيقي، فغير تكهنات المعترضين عليه بأنه هرب من مواجهة مسؤوليات مستحقة عليه بسبب الإيداعات، هناك الأسباب الصريحة التي أوضحها المحافظ عن التسيب المالي للدولة وعجزه عن معالجتها بسبب أولاد عمه، وعلينا كما يقول القانونيون افتراض حسن النية، وان المحافظ كان ينفخ بقربة مقطوعة حتى وصل إلى درجة اليأس من إصلاح الحال، وأذكر هنا كلمة قيمة سمعتها من النائب السابق أحمد النفيسي في ندوة أحد المرشحين الشباب، حين قال إن الكارثة الكبرى ستحل على الكويت بعد ثماني سنوات حين يدخل سوق العمل حوالي نصف مليون من الشباب الكويتيين، ولن تكون أسعار النفط كافية لسداد الرواتب ما لم تبلغ 300 دولار للبرميل! مثل هذا الكلام الخطير كرره مئات المرات الاقتصادي جاسم السعدون وغيره، لكن هو وغيره كانوا مثل حال المحافظ اليوم ينفخون في قرب الكويت المقطوعة.
اليوم بإمكان رئيس مجلس الوزراء استغلال استقالة المحافظ ليوضح لنواب ثوار كبد المطالبين بإسقاط القروض، وإلغاء نظام فوائد البنوك، وتعديل المادة الثانية من الدستور، وإزالة الكنائس وغير ذلك من قضايا “مصيرية” حقيقة الأمر، وليفتح لهم ولنا أوراق المستقبل المالي للدولة، عل وعسى أن يدركوا أن النيابة ليست صندوق انتخابات وحكم الأكثرية بل هي قبل كل شيء حماية الحريات وضمان أموال الأجيال.

حسن العيسى

طريقنا للصوملة

معارضة تورا بورا الكويتية بمجملها رفضت المشاركة في حكومة الشيخ جابر المبارك، عذرها الذي لا يتحدث عنه صراحة الرافضون إلا أنه أصبح “من عاداتنا وتقاليدنا” السياسية المفضوحة أن الوزراء العاديين (الشعبيين) “لا يهشون ولا يكشون”، وأنهم واجهة سياسية لاستكمال الشكل الدستوري، وأن الإدارة الحقيقية بيد الوزراء الديلوكس من أسرة الصباح الحاكمة، فهم بيدهم مقاليد الأمور، ويمسكون الدولة بمفاصلها من صغيرة وكبيرة، فالقضايا اليومية العادية تترك للوزير الموظف، أما المسائل الكبيرة والقرارات المهمة فهي اختصاص مغلق على مجلس الوزراء المصغر، وكما سميتها من زمان حكومة الحكومة (يعني عيال الشيوخ فقط).
ولأجل ذلك وجد نواب مجلس “طبقات الشعب” الكويتي أنه لا داعي أن يشاركوا النبلاء في الحكم (على غرار مجلس طبقات الشعب الفرنسي قبل الثورة الفرنسية) ما دامت أمور الدولة لن تكون بأيديهم.
رأي ثوار كبد لا معنى له اليوم، وفي مثل الظرف الكويتي الدقيق والحساس، بسبب حالة الاستقطاب الفئوي والطائفي الحادث بالدولة – وببركة فيروسات الجهل والانغلاق الثقافي والديني عند أغلبية الجمهور الكويتي من دون أن ننسى الدور السلطوي الحاكم في نشر عدواها- فقياس جابر المبارك بنفس المسطرة التي قيس بها من قبله فيه ظلم كبير عليه، وفيه افتراض سوء النية بجابر المبارك على غير وجه حق، ونلاحظ كثرة الأدبيات الإعلامية التي حملت رئيس الوزراء الجديد تبعات وزر من سبقه لمجرد كونه نائباً، وكأنه مجرد امتداد لمن سبقه، وإن كان لمثل هذا الرأي أي صحة فلم لا يعطى جابر المبارك فرصة إثبات نفسه، على الأقل، والمحك في النهاية عمله وإنجازات وزارته في دولة تاه عنها الإنجاز والتقدم منذ زمن طويل، بسبب تبادل الاتهامات بين الطرفين المجلسي والحكومي، وكلا الاثنين اسوأ من الآخر للأسف.
جابر المبارك في وضع لا يحسد عليه، فهو مطالب بالكثير في دولة وإقليم تضطرم فيه نيران التمردات والحروب الأهلية التي تطل بوجهها القبيح أحياناً لتعيدنا إلى الحالة القبلية حين تتجسد الدولة بالنظام الحاكم، وعندما يسقط النظام تتهاوى تلك الدول المصطنعة وتتفتت قبائل بعقيدة واحدة مهيمنة، وتضطهد الطوائف الأخرى المستضعفة، والكويت تضج “بالمطفقين” والتفهاء الذين يهرول إليهم من في قلوبهم مرض، مثل محمد المليفي وأصحابه، ومن هم على شاكلته المنتظرون دون ملل على أبواب المحاكم لتقديم شكاوى الحسبة سيراً على نهج شيخ طريقتهم يوسف البدري في مصر. يبحثون عن الشهرة من أظلم أبوابها!
ندرك العوار الكبير في النظام شبه الديمقراطي في الكويت، حيث لا أحزاب، ولا تداول للسلطة، مع غياب الفصل الحقيقي للسلطات، وانعدام الضرائب، وتركز الثروات العامة بيد السلطة الحكومية وضرب الدفوف خلفها، إلا أنه رغم ذلك يمكن ومن خلال المشاركة في الحكومة من خلال النواب وأحزابهم غير المعلنة يمكن (ربما) نجد مخرجاً من حالة الضياع التي نجابهها اليوم، ولنقر تماماً بأنه لولا ورقة التوت النفطية لكشفت عوراتنا على الجميع، فهل نمد اليد إليه أم نترك النار قرب فتيل الانفجار ينفخ فيها العنصريون الذين يسبحون بنعم السلطان وبركاته من جهة، ومن جهة أخرى يسكب الزيت عليها أطفال روضة بن لادن والظواهري يريدون جلد خلق الله وقطع رقابهم بحجة أنها حدود الله، وكأن لديهم وكالة حصرية من الحق دون النظر إلى اختلاف الظروف والزمن، أم نترك الكويت نهباً لحروب الطوائف والتناحرات القبلية – القبلية والحضرية – القبلية، وننسى معايير المساواة وحكم القانون وأبسط مفاهيم وحدة المواطنة التي يفترض أن نحيا بظلها، وننسى التنمية المستدامة والسنوات العجاف القادمة لا محالة، فنضحى صومال الخليج بعد أن كنا درة الخليج.

حسن العيسى

صفقة فاوست في ياخور كبد

بيت الشعر في ياخور كبد لن يقدم تنمية ولن يقدم إصلاحاً حقيقياً في السياسة والاقتصاد والوحدة الوطنية، ياخور كبد سيفرض الدولة الدينية المستبدة عندما وضع السياسيون العمم الدينية على رؤوسهم، ونجحوا بامتياز في كسب قلب الشارع الكويتي الغارق بنهم الاستهلاك والسابح في ثقافة سطحية خاوية من أي معنى، بيت الشعر في كبد سينسف خمسين عاماً من العمل من أجل الدولة المدنية بمؤسساتها وقوانينها المختلفة رغم ما أصاب الأخيرة من ثقوب عميقة في مسائل الحريات الشخصية، والمساءلة السياسية تمت كلها بفضل تحالف الأمس بين أهل اللحى وأهل السلطة، واليوم نعود في الكويت حالها من حال دول الربيع السلفي العربية حين تهرب من الدكتاتوريات الحاكمة لتحشر في فخ الدولة الدينية التي يقودها كهنة القرن الواحد والعشرين، ليقع طلاب الحرية والثقافة الإنسانية بين مطرقة النظام وسندان الدولة الاستبدادية الدينية، وهي دولة تطيح بالنقاء الروحي للدين جانباً لتفرض رؤى الجماعات الدينية المنغلقة على ذاتها والرافضة للفكرين الحضاري والعلمي، ففشلت في استيعاب سنن التطور، وصعقت بصدمة الحداثة فارتدت على أعقابها تنشد الأمان في يقينيات الموروث التاريخي، فهي عجزت عن فهم الحاضر فانتكست للماضي وأعلنت الحرب على المستقبل. لم تكن هناك حاجة ليوافق التكتل الشعبي على صفقة الياخور بالبصم على تعديل المادة الثانية من الدستور مقابل ضمان صوت تحالف الياخور الإسلامي بالتصويت للنائب أحمد السعدون للرئاسة، فللأخير مكانته العالية سواء كان على كرسي الرئاسة أو على مقاعد النواب، وإذا كان هناك من يلتمس للتكتل الشعبي عذره بقبول الصفقة بسبب ضغط الشارع المحافظ في مناطقه الانتخابية إلا أن الطريقة المتعجلة في تمرير مثل صفقة البؤس هذه تذهب بكل عذر للتكتل الشعبي، فحزب الياخور يعقد صفقته مع الشعبي ويتغدى معه اليوم وبالغد سيتعشى به. كأن مأساة  فاوست في الأسطورة الألمانية تتشكل من جديد في السياسة الكويتية، إلا أن فاوست غوته في صفقته مع الشيطان كان يبحث عن العقل الرافض للمطلق المستبد فباع باقي عمره مقابل نعم ولذائذ وقتية عابرة، بينما صفقة الياخور ستسحق العقل وكل معاني العقلانية وحقوق الإنسان، وستؤجج الصراعات المذهبية، في الوقت الذي نكاد نختنق فيه من عفنها. كل هذا يتم باسم الدين، والدين منه بريء، ولن يكسب اليوم من مبايعات الكرب غير تجار العواطف الدينية والمرتزقة المستثمرين في تجارتهم حين يرتدون ثوب المحتسبة ويهرولون إلى النيابة العامة ضد أصحاب الفكر والقلم بشكاوى الحسبة شكلها يدافع عن العقيدة وباطنها يقيم أسس محاكم التفتيش المرعبة كما كانت في قرون أوروبا المظلمة، التي يعاد إنتاجها اليوم في شرقنا العربي. ويا خسارتنا في الشعبي بصفقات الجواخير.

حسن العيسى

نواب النكاية وصكوك الوطنية

الذين تجمعوا في ساحة الإرادة وخطبوا وهتفوا ضد حكومة الشيخ ناصر المحمد وأدانوا الإيداعات المليونية لحسابات بعض النواب أو “رشوتهم” من مصدر “غير مجهول”، هم الذين فازوا بالانتخابات أو على الأقل نجح الكثير منهم من دون تسمية. أما نواب العمل الوطني، فقد كانوا “متخاذلين” في مواقفهم من الحكومة السابقة، ولم يكونوا حاسمين في إدانتها، وتم عقابهم من الشعب وحرموا من كراسي النيابة! مثل هذا التفسير أو التصور يتبناه الكثيرون، وفيه بعض الصدق وليس كل الصدق، فمثل هذا الفكر يختزل المواقف الوطنية في تجمعات ساحة الإرادة وينفي ضمناً كل المواقف الوطنية الأخرى في الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها.  القول بوطنية عدد من رموز ساحة الإرادة مثل مسلم البراك وأحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري مسألة لا يختلف فيها الكثيرون، لكن إطلاق وتعميم مثل هذه الرؤية لا يمكن قبوله، فلا ينتقص من وطنية صالح الملا أو أسيل العوضي على سبيل المثال ان لم يتواجدا في اعتصامات ساحة الإرادة في كل الأحوال، ولا تضفي تجمعات الساحة الوطنية على غيرهم، فما أكثر أمراء المزايدات الشعبية الذين كانوا في تجمعات ساحة الإرادة، وما أكثر الراغبين في التألق السياسي وتمهيد الطريق للمجلس أيضا ممن كانوا في تجمعات الإرادة، بينما عمل نواب العمل الوطني بصمت في كشف أصل وحقيقة الإيداعات المليونية، واقترحوا تشكيل لجنة للتحقيق فيها، وكان يمكن (مجرد احتمال) أن ينتهي عمل اللجنة بالكشف عن “المصدر المجهول” لتلك الإيداعات، وعندها يمكن تبرئة أو إدانة أيٍّ من المشتبه فيهم، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن. لم تكن “القضية الوطنية” هي معيار النجاح أو السقوط في الانتخابات، بل كانت وستظل “الشعبوية” هي المعيار الفاصل في نتائج المعارك الانتخابية، وبمثل ذلك الوعي القاصر وصل إلى المجلس نواب لا يمكن وصفهم بغير كونهم نواب النكاية، بمعنى أنه تم انتخابهم من باب “ليس حباً في علي بل كرهاً في معاوية”، فنجح بعض من هم أبعد الناس عن الوطنيات والحرص على المال العام، بينما لم يوفق المخلصون والأمناء.  انتهت الانتخابات بفرز عنصري وطائفي حاد، وإن لم تكن جديدة على المجتمع الكويتي هيمنة الروح العنصرية والطائفية، إلا أن هذه المرة وبفعل الظروف المحيطة بالدولة وغياب الرؤية التاريخي عند أصحاب القرار، مع ما صاحبه من نزق بعض الطامحين في الحكم من أبناء الأسرة الحاكمة أصبح الاستقطاب العنصري (حضراً وأبناء قبائل) والطائفي (شيعة وسنة) من سمات المجتمع الكويتي اليوم، وهنا الخطر الكبير الذي يهدد وجود الدولة. فلننتبه ولنقل إننا لسنا بحاجة إلى غزو صدامي آخر كي نشعر بوحدة الهوية الوطنية.

حسن العيسى

نكسة للحرية أم مرحلة حتمية!

صحيح، كما كتب الزميل محمد الجاسم في موقعه، أن نتائج الانتخابات كانت “رسالة غضب” تحدث عبرها الشعب الكويتي عن استيائه من أداء السلطة حين كان يطالب عبر الندوات والتجمعات بإقالة الحكومة السابقة، ووجد في هذه الانتخابات فرصة لا تعوض لرد الاعتبار لما سبق من تجاوزات في استعمال العنف والقسوة ضد التجمعات الشعبية.
ومهما تكن الأسباب المفسرة لتألق نجم التيار الديني والسقوط المروع للقوى التقدمية – إن صحت التسمية- فإن رسالة الغضب الشعبية جاءت في غير مكانها الصحيح، فلم يكن ضحايا السقوط فقط هم “ربع الحكومة” المتعيشون من صدقاتها وكرمها، بل إن الضحايا الحقيقيين هم دعاة الحريات الاجتماعية من مطالبين بإعمال روح الدستور الذي تخنقه اليوم حبال الأصوليات المحافظة بتحالفاتها الانتهازية مع قوى التخلف الرجعية، فصالح الملا وأسيل العوضي وحسن جوهر على سبيل المثال لم يكونوا يوماً من الواقفين في طوابير باب النفقات الحكومية، بل لعلهم دفعوا أثمان مواقفهم الصلبة في قضايا الحريات ومعارضة السلطة في الحق؛ تفسير نتائج الانتخابات على أنها رسالة غضب صحيح جزئياً، ولكنه لا يمثل حقيقة الواقع في الكويت، وما يجري في المنطقة مع صعود المرحلة الخمينية (تعبير توماس فريدمان)، فما حدث في الكويت، وقبلها بدول الربيع “السلفي” هي نتائج حتمية لتشوهات في بنية هذه الدول، وعجز أنظمتها عن وضع مجتمعاتها في مضمار الحداثة الحقيقية، إذ آثرت تلك الأنظمة في سبيل ديمومة بقائها أن تبقى النزعات الرجعية المتخلفة في المجتمعات العربية على حالها، ما دامت هي بمنأى عن المساس بالنظام الحاكم، وكان نظاما السادات والنميري قدوتين صالحتين تقتدي بهما بقية الأنظمة العربية وتستلهم تجربتهما، ووجدت الولايات المتحدة ضالتها في الإسلام السياسي بالأمس لتقويض الاتحاد السوفياتي، وكانت تجربة المجاهدين الأفغان التي عاشت على البترودولار مثالاً حياً في حرب الوكالات ضد العدو الشيوعي، أما اليوم، فبالتأكيد لن تكترث دول الغرب إن صعد التيار الأصولي- القبائلي وأمسك بخناق الحكم وتمت التضحية “بالقلة” التقدمية ونحرت الثقافة وجزت رقاب المثقفين والأدباء والفنانين على مذابح منصات حفر البترول، فلعل دول الغرب مقتنعة بأن المرحلة التي تمر بها شعوبنا حتمية في مسارها التاريخي، وتذكرها بالتاريخ الأوروبي في نهايات القرن السابع عشر، أو لعل الدول الغربية تأست بما نسب لسعد زغلول في يأسه من الواقع “مافيش فايدة ياصفية”، وهي صفية العرب اليوم… لنتأمل ما حدث في العراق، ثم ليبيا والآن سورية، ولنترك اليمن التعيس، فهو يمثل نموذجاً رائعاً لما قد تؤول إليه دول منطقتنا تحديداً.
لنعد إلى الكويت، فنتائج الانتخابات “شبه” الديمقراطية هي هزيمة للديمقراطية ذاتها. الديمقراطية لا تذهب إلى حفلات تنكرية ولا تضع القناع الديني ولا الطائفي ولا العنصري أو العرقي على وجهها كما حدث الخميس الماضي، إلا إذا كنا مؤمنين بصناديق الاقتراع التي أتت بالنازيين في ألمانيا والفاشيين بإيطاليا قبل الحرب الكونية الثانية. ليس للديمقراطية غير الوجه الليبرالي الإنساني، أما غيره فليس سوى أقنعة كاذبة.

حسن العيسى

كي لا نقول زرع زرعتيه

حرق المخيم الانتخابي للمرشح محمد الجويهل عمل غير مسؤول بحد ذاته، والاحتكام إلى لغة العنف وتنحية حكم القانون وسلطة الدولة جانباً لا يعني سوى الإذعان لقانون الغاب وشريعة الثأر للذات ونفي الدولة كلياً. وبقدر ما نعد عمل إتلاف المخيم فعلاً غير مسؤول، لا يقل عنه وبالقدر ذاته تلك النغمة العنصرية الاستعلائية التي تبناها المرشح الجويهل، ومن يسير على نهجه في حملاتهم الانتخابية، وقبلها حين تبنوا عقيدة سياسية منغلقة متكبرة تتعالى على أبناء القبائل مثلما تعالت من قبل بروح طبقية متغطرسة على الغير متبنية عنصرية حمقاء تفرق بين الكويتي الأصيل وغير الأصيل، وبين الكويتي السني والكويتي الشيعي.
ومن داخل تلك التقسيمات تمت تنمية عقلية جاهلة تقوم على تقسيم أدنى، يقوم على تراتبية الأكثر عراقة والأكثر جاهاً.
لم ينزل ذلك التشرذم القبائلي والطائفي من السماء، بل كان متأصلاً في المجتمع الكويتي بداية، وبدلاً من قيام السلطة الحاكمة بتبني ثقافة ورؤية تحققان الوحدة الوطنية بإعمال مبدأ المساواة بين طوائف المجتمع في توفير الخدمات وفرص العمل في الوظائف العليا بالدولة، نجدها كرست سياسة التقسيم الاجتماعي ورعته على مدى عقود ممتدة، ولم يكن تقسيم الدوائر الخمس والعشرين القديم إلا صورة (ليست الوحيدة) لسياسة “فرق تسد”، وتنقلت السلطة في تحالفاتها بين فريق وآخر لخدمة مشروع الانفراد بالحكم بدلاً من مشروع وحدة أبناء الوطن.
لم يعد من المجدي الآن الثرثرة بإنشائيات الوحدة الوطنية، ومن الصعب ترقيع الشقوق الكبيرة في الثوب الكويتي بمواعظ خطابية ونصائح خاوية تتردد في الخطاب الرسمي للدولة ونجد صداها في خطابات كثير من المرشحين.
ليس المطلوب العمل على إصدار مزيد من التشريعات المجرّمة لما يعد تهديداً للوحدة الوطنية، فمثل تلك التشريعات التي يضج بها قانون الجزاء أضحت أداة في النهاية لقمع الفكر وحرية التعبير والبحث العلمي، بل المطلوب أن تتبنى السلطة ثقافة تقدمية تحررية تستبعد كل أنواع التمييز الديني والاجتماعي في الوطن، وليست تلك مهمة سهلة بعد أن ضربت الثقافات الأصولية جذورها في التربة الكويتية، ولكنها ليست مستحيلة، وعلى السلطة الحاكمة أن تقرأ جيداً مخرجات انتخابات اليوم، فليس من مصلحة الوطن الآن التشفي من واقع الحال بمثلنا الشعبي “زرع زرعتيه”.

حسن العيسى

مشاحاة أم انتخابات؟

تبدو أنها أقرب إلى “مشاحاة” (تهويش لمعركة كلاب) من كونها حملات انتخابية، لا فكر ولا منهج ولا اعتبار لأبسط أدب الحوار والاختلاف نجدها عند مرشحي “المشاحاة”. ما يحدث الآن في حملات البؤس ليست له سابقة في مقدار الضغائن والإسفاف في الطرح السياسي، فعدد من المرشحين يقدمون أنفسهم على أنهم طلاب ثأر وأداة انتقام من نواب المعارضة في المجلس السابق، فهل ستصير قاعة المجلس حلبة مصارعة لعبيد روما من دون سبارتكوس كرمز بطولي للحرية!  ليس مهماً اختلاف وصراع تلك الشاكلة من المرشحين، فهم وشأنهم، وكل إناء ينضح بما فيه، لكن الواقع المر يخبرنا بعبارة فصيحة عن حجم وكم الاستقطابات الطائفية (شيعة وسنة) والاجتماعية، ولا أقول العرقية (حضر وأبناء قبائل). ثم هناك الفرز الأكثر ضيقاً وعنصرية عندما نسمع عن تجمعات “بلوكات” محسوبة على قوى التسيس الديني تتفق في ما بينها مؤججة الروح الطائفية  ومشاعر التخلف عند الكثير من أهل البركة، بهدف استبعاد أبناء الطائفة الشيعية وقصر عددهم إلى الحد الأدنى!  وبطبيعة الحال يقود معارك التحريض والتآمر بالاستبعاد والقصر أمراء العنصرية وملوك الطوائف، فهل سيتحمل مستقبل الدولة كل هذا الكم من التفتيت والتشظي؟ العراق قريب منا ونرى كيف تجلت النزعات الطائفية إلى حرب أهلية مدمرة، عندما فرضت الديمقراطية من أعلى وفهمتها الأغلبية على أنها حقها المطلق في الحكم، وسورية الأخرى يقيناً تسير على الدرب العراقي، بعد أن انقلبت الاحتجاجات السلمية إلى شرارات بداية حرب أهلية محزنة، وقبلهما لنا في  لبنان والجزائر عبر، فهل نتأسى من غيرنا أم سنبقى معاندين مقربين فتيل نيران الكراهية من ديناميت الجهل؟!

حسن العيسى

وزارة الداخلية وملابس خلود الداخلية

هل يعاني بعض شرطة الكويت أزمة حرمان وجوع جنسيين أم أن  لديهم زيادة في هرمون “تستيرون” الفحولي الذكري، ووجدوا متنفسهم للإشباع الجنسي في (الهوموسكتشول) أي المتحولين جنسياً؟ سؤال واتهام لابد أن يوجه إلى سلطات التحقيق في وزارة “حاضر سيدي” عن “ظاهرة” استغلال هؤلاء جنسياً وتعذيبهم بتحريض من مجتمع هيمنت على قيمه وعاداته عصابات وأد البنات ومن يتشبه بهن في القرن الواحد والعشرين!  في المؤتمر الصحافي لممثلي “هيومن رايتس ووتش” لمنطقة الشرق الأوسط ذكر كل من رشا مومنة ونديم حوري فضائح شائنة عن “ظاهرة” الإساءة والاستغلال الجنسي للمتحولين، ذكرا وكررا وصف “ظاهرة”، وأكررها الآن معهما أكثر من مرة لأنها تعني أن تلك الجرائم ليست حالات فردية، وإنما تشكل تكراراً وتواتراً متزايداً، ولا يبدو أن أحداً ما يكترث لجرائم استغلالهم وانتهاك آدميتهم في مخافر “قندهار سابقاً” بكويت “الرجال والفحولة والخصوبة”. هناك واقعة  ذكرتها، أو ذكرها، أحد الضحايا عن التفسير الذاتي من رجال الشرطة في تحديد جريمة “التشبه بالجنس الآخر” التي أقرها مجلس البؤس النيابي عام 2007 وبصمت عليها حكومة الحصفاء الإنسانية. مجموعة من الشرطة اعتقلت أحد هؤلاء “هومو” واسمه (ا) خلود، وذكرت عن خمسة رجال شرطة لا بارك الله فيهم “… أخذوني إلى غرفة صغيرة… ضربوني وأجبروني على خلع ملابسي، وتلمسوني في كل مكان، خلع أحدهم سرواله وحاول أن يجعلني ألبسه، كنت أبكي… فشغلوا الموسيقى، وأجبروني أن أرقص عارية، وكانوا يقومون بلمسي ويقولون إني جميلة جداً، ثم يضربونني ويطلبون مني أن أكون رجلاً، وقد طلبوا مني ممارسة الجنس معهم مراراً… إلخ”، عيب أن أكمل الرواية التي نقلتها الصحافة، وما هو أكبر من العيب، أن حاميها حراميها، فمن يدعي تطبيق ذلك القانون المعيب يرتكب أبشع جرائم هتك العرض والتحريض على الفجور والمواقعة بالإكراه… لكن كل شيء يهون مادامت خلود لا تملك دليلاً مادياً يؤثم رجال الأمن الخمسة، ومادام لدينا قطاع أو قطيع واسع من البشر المرضى في ثقافتهم وإنسانيتهم يتشفون من مثل تلك الجرائم ولا يترددون أن يقولوا في سرهم وجهرهم “زين يسوون فيهم”. من حسن حظ البشرية أن عباقرة الفن والأدب مثل رامبو وأندريه جيد وأوسكار وايلد وغيرهم كثيرون لم يولدوا في كويت الفحولة ولا بقرنها الذكوري الواحد والعشرين… لكن ليس هذا مهماً الآن، فما يهمنا هو ردود فعل المسؤولين الكبار في وزارة الداخلية لما حدث “لظاهرة” خلود ورفاقها وكيف نزعت كراماتهم وملابسهم الداخلية!

حسن العيسى

جمعة سواد وجه

حدثت يوم الجمعة بقعة سواد غائرة في الوجه الكويتي بمنطقة تيماء، استعملت فيها الحكومة سكاكين البلطجية وهراوات الأمن، وتوهمت الحكومة أنها تفرض سلطة الأمن وحكم القانون على مساكين البدون حين أرادوا الخروج في تجمع سلمي يعبرون فيه عن مأساتهم مع هذه السلطة الحاكمة التي خلقت أزمتهم بداية وأدامتها إلى غد مجهول.  عقدة “هيبة” الأمن الجوفاء حركت جحافل القوات الخاصة ورجال المباحث حين تخفوا في المسجد بشكل مصلين، بينما هم “شبيحة” الكويت اليوم، فما الفرق بين شبيحة الشام وشبيحة الخليج، والإنسان المقهور واحد تلاحقه عصا الظلم والاستبداد هنا أو هناك. رفضت وزارة الداخلية الإصغاء إلى صوت العقل وأبسط مبادئ حق التعبير الإنسانية، وركبت رأسها وعلقت على صدرها “يافطات” تقول “حذرناكم ولا تلوموا إلا أنفسكم”، وبنعرات الغطرسة الأمنية تم ضرب وملاحقة المتجمعين من البدون، وخرجت معظم مانشيتات صحافة الظل المتكسبة من بركات السلطة لترينا جرحى رجال الأمن وقوات الرعب الخاصة…! ندعو بالسلامة لهؤلاء “المتعورين” من شباب الأمن الأشاوس، فهم عبد المأمور وينفذون الأوامر حسب “كليشهات” وتلقينات الكبار، لكن إعلامنا الموقر لم يقدم خبراً أو صورة واحدة تظهر حال المضروبين المصابين من البدون، مروا عليهم مرور الكرام، وهكذا يكون الحياد والموضوعية في نقل الأخبار “ولا بلاش”…! لوسائل إعلامنا عذرها في ريائها وتكبرها في غض الطرف عن نقل الصور لمصابي البدون، فالناس على دين ملوكهم، وأهل الديرة أصحاب الجناسي العتيقة على ملة حكومتهم في تعاملها مع البدون، فهم الدخلاء (البدون) على جنات العطايا والسخاء الكويتية. ما حدث أمس الأول عيب كبير ووصمة قبح على جبين الكويت، فهل تدرك السلطة اليوم ما قد يحدث غداً، بعد أن أزهقت كرامات وحريات البشر على مذابح نعرات الأمن!

حسن العيسى

وسعوا صدوركم

منذ الأسبوع الفائت والصحافة تردد كل يوم تقريباً تهديدات وزارة الداخلية للبدون بأنها لن تسمح لهم بالمزيد من المظاهرات والتجمعات، وأن تجمعهم (البدون) في تيماء في الجمعة الماضية كان “العشاء الأخير”، فالوزارة يبدو أنه قد نفد صبرها من تلك التجمعات، ولم تعد تتحمل المزيد وكأنها في كل تجمع للبدون كانت تفرش لهم الورود وتبسط لهم السجاد الأحمر، ولم تكن تلاحقهم بعصي وهراوات القوات الخاصة في حواري مساكن البؤس لجماعات البدون. وزير الداخلية بدوره قدم وعوداً وتعهدات شخصية لحل أوضاع البدون، ولا أحد يذكر أن وزيراً قبل الشيخ أحمد الحمود قدم مثل تلك الوعود بتجنيس المستحقين لها من إحصاء ٦٥ وأبناء الكويتيات من المطلقات والأرامل، ومن خدموا في السلك العسكري… إلخ، وهذه نقطة يجب أن تحسب في ميزان الوزير، إلا أن الكثير من البدون -ولهم عذرهم– تتملكهم مشاعر اليأس من مثل تلك الوعود، فهم يرون أن الدولة وعدتهم بالكثير في السابق، ولم يتحقق الكثير من وعودها في الحصول على الجنسية لمن يستحق، ولا بتوفير الحد الأدنى من المساواة في المعاملة الإنسانية مع إخوانهم الكويتيين، فأكثر ما تم تحقيقه لهم هو مجرد تأكيدات الجهاز “المركزي” لمعالجة أوضاع غير محددي الجنسية، بتوفير شهادات الميلاد والوفاة والعلاج الطبي ومنح دراسية في المدارس الخاصة لبعضهم تكفل بها بيت الزكاة وبيوت الخير…! ولابد هنا من وقفة صغيرة تظهر حجم اليأس من صدقات الدولة لهم، فقد ذكرت جريدة الراي قبل فترة عن أحد البدون الذي ذهب للعلاج في أحد المستشفيات الحكومية، فتم رفض علاجه – حسب خبر الراي – بالرغم من أنه قدم جواز سفره الكويتي، لكن إدارة المستشفى لم تعترف به، فما كان من ذلك البائس إلا أن مزق جواز سفره أمام “سلطات” المستشفى، عندها تم إبلاغ الشرطة واقتيد المريض “البدون” إلى سجون أمن الدولة، ربما لاستكمال علاجه في غرفها المظلمة…! تلك كانت حكاية محزنة تخبرنا عن الكم الكبير لحالة الإحباط النفسي لفئات البدون، وتظهر أزمة الثقة الكبيرة بين السلطة والبدون، وأزمة البدون الأكبر أن متنعمي الجنسية الكويتية لا يشاركونهم همهم، وقلة من يكترث لهم من أصحاب الأقلام ومدعي الحريات حسب الوصفات الكويتية، والمطلوب الآن أن يتسع صدر السلطة بعض الشيء، فلن يهتز أمن الدولة ولن تزلزل أركانها إن خرج بعض البائسين غداً للتعبير عن بؤسهم، فقليلاً من “وساعة الصدر” يا وزارة الداخلية.