وصف د. سعد الدين إبراهيم، وهو في أوج حماسه، الحالة الديمقراطية التي تخطو نحوها مصر بأنها مثل البوفيه يختار المواطن منها ما يشتهي. تشبيه د. سعد الدين الذي جاء في مجلة “المصري” جميل ومثالي، ويمكن تفهم حماسه للحالة المصرية اليوم بعد أن ذاق هذا الأكاديمي الكبير مرارة السجن أيام حسني مبارك، لا لشيء غير أنه مارس حقه في نقد النظام. الآن يجب ألا ننسى، سواء في مصر أو في الكويت وفي كل المشاريع المستقبلية لدول “الربيع العربي”، تجارب الغير ممن سبقونا في المضمار الديمقراطي، بأن هناك مَن سيلتهم كل أصناف الطعام من سطح البوفيه الديمقراطي، حين يتمكن من الاستحواذ على أغلبية الأصوات ولا يترك للآخرين غير سموم الطغيان، وفي مثل دولنا التي ليس لها تاريخ يستحق ذكره في الديمقراطية علينا أن ننتبه إلى أن قوى الأصولية، أياً كانت، دينية أو غير دينية، ستنحي جانباً الآخرين تحت حجة الأغلبية الشعبوية، كي نشهد حالة ما يسمى “الاستبداد الديمقراطي”.
أوروبا العريقة في التاريخ الديمقراطي تجرعت هذا السم في التجربتين النازية والفاشية، وكان هَمّ المفكرين والفقهاء القانونيين، بعد اندحار دول “المحور” أن يخلقوا آليات قانونية لدرء أي مخاطر متصورة مما سماه الفقيه لونستين “الديمقراطية الأصولية”، وله عبارته المشهورة “يجب محاربة النار بالنار”، وكانت دعوته إلى الديمقراطية المنضبطة disciplined democracy، والطريق إلى هذه الديمقراطية المنضبطة ليس كما يتوهم البعض بفتح أبواب احتكار الحكم للسلطة التنفيذية، بل يكون من خلال “التقنيات الدستورية”، وهذا لا يكون إلا عبر خلق المحاكم الدستورية عند الفقيه الكبير هانز كلسن صاحب النظرية البحتة للقانون، فمثل تلك المحاكم يمكن أن تفرمل اندفاع “السيادة الشعبوية” popular sovereignty كي لا تسحق حقوق وحريات الأفراد أو الأقليات “بصفة عامة”، وكان بعد ذلك أن انتشرت وتوطدت أركان المحاكم الدستورية في أوروبا الغربية، فهنا سلطة حكم القانون والشرعية الدستورية تقف حائلاً دون تمدد التيارات الشعبوية.
لنقف عند هذا الحد، حيث فصّل كثيراً في هذه المسألة الباحث جان ميلر في كتابه “contesting Democracy” (الديمقراطية المتحدية كما أترجمها)، ويبقى أن ننظر هنا في الكويت ونقرأ تجربة المحاكم الدستورية في أوروبا مع الأخذ في الاعتبار الفارق أو “الهوة” الكبيرة بين الحالة الأوروبية بعد الحرب والحالات العربية ومنها الكويت. ويظل مشروع النائب محمد الصقر نحو تعديل نظام المحكمة الدستورية بقبول الدعوى المباشرة خطوة مستحقة إلى الأمام، من دون أن ننسى عدم كفايتها، بضرورة العمل نحو قانون كامل للاستقلال القضائي وإقرار نظام مخاصمة القضاء، مع الأخذ في الاعتبار ملاحظات الزميل محمد الجاسم التي دوَّنها في كتابه “المحكمة الدستورية… نحو إصلاح جذري”، ففي النهاية ليس هناك من ضمان لحريات الأفراد هنا في الكويت أو أي من الدول التي تحبو على أرض “الربيع ” أو “الخريف” العربي غير سلطة الشرعية الدستورية، فحين تنص الدساتير على الحد الأدنى من حريات البشر، فبالتالي ليس من سلطان المجالس النيابية أو الحكومات الافتئات عليها تحت حجة هذا القانون وهذا حكم الشعب، ومن لا يعجبه فليشرب ماء البحر… فهذا “بوفيه” لا يسمن ولا يغني من جوع.
التصنيف: حسن العيسى
اهدأ يا شيخ…
الشيخ نبيل العوضي “سلبرتي” (يعني من أهل البهرجة الإعلامية) مثله مثل الكثيرين من مشايخ بني نفط الذين تناسلوا وتكاثروا في وسائل الإعلام وأصبحوا كفاتن حمامة وهي سيدة الشاشة العربية، والشيخ نبيل وكثيرون مثله، من دكاترة الجامعة الذين همهم الأول والأخير الإعلام والبروز الإعلامي، وبالتحديد الشاشة الصغيرة كي يتألقوا فيها، هم أيضا “سادة” الشاشة الصغيرة، ولكن باختلاف الشكل والمضمون عن سيدة الشاشة، وأصبحنا نخشى، كما كَتب مرة فؤاد الهاشم، أن نفتح صنبور الماء فيخرج علينا هذا أو ذاك الداعية بدلاً من الماء.
لسيد الشاشة الصغيرة اليوم أن يمارس حريته في القول والكتابة كما يشاء، فهذا من أبسط حقوقه، رغم تصلُّب وانغلاق خطابه السياسي المغلف بالنعرات الدينية المتزمتة، إلا أنه في إحدى خطب الجمعة، وبعد أن باركت وزارة الأوقاف أخيراً لخطباء مساجدها أن يحرضوا ويلعنوا مَن يريدون، مِن منابر المساجد التي تملكها الدولة وتديرها حكومة “الشجعان”، صبَّ الشيخ الداعية جام غضبه وألهب مشاعر المصلين بأحداث سورية، وهذا أيضاً من حق سيد الشاشة، ولو أن المصلين جاءوا تلبية لواجب ديني لا ليكونوا ضحايا تحريض وكراهية للآخرين، أو أن يَضحوا مشاريع تفجيرات وأدوات انتقام من النظام السوري.
في تلك الخطبة تحدث سيد الشاشة عن المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد “الموحدين” من قِبَل الصفويين والنظام الإيراني في قم، ومن جديد نؤكد حق “رشدي أباظة” في أن يوجه اللكمات القوية إلى النظامين في إيران أو سورية، ويصفهما كما يريد بصرف النظر عن الأغلال الرهيبة التي يضج بها قانون المطبوعات الكويتي، لكن أن يبطن نقده وتحريضه، ليس ضد النظامين الحاكمين بل ضد الصفوية، فهنا كان على نبيل أن يرتفع ويترفع عن مثل ذلك السفه الطائفي المتحيز، فهو يعلم أن الصفوية كنظامٍ سياسيٍّ فرض المذهب الجعفري على بلاد خراسان قبل أكثر من خمسة قرون، ليست موجودة الآن، فقد كانت مرحلة تاريخية وانتهت، أما الصفويون الذين وصفهم الشيخ نبيل بـ”عباد القبور” والذين في قلوبهم “حقد وكراهية” للإسلام (عبارات الداعية سيد الشاشة الصغيرة) والذين يعدون المؤامرة لذبح مئة ألف موحّد في الحرم المكي -من خطبة شيخ التسامح نبيل ولابد أن للشيخ مركز استخبارات متقدماً يفوق السي آي إيه – وكتبهم “تنضح بالشرك”، و”يعقدون المزارات والنذور ويسبون الصحابة” (من عبارات الخطبة) فنحن ندري أن المقصود بهم هم أهلنا وإخواننا في “الإنسانية” قبل المواطنة وقبل الدين وقبل الطائفة وإلى ما لا نهاية لسرطان الاستقطابات في الجسد العربي، هم الشيعة في الكويت وفي أي مكان.
ماذا تريد يا شيخ نبيل؟! هل تريد معركة صفين جديدة أو إعادة الروح للحروب العثمانية الصفوية؟ أو ربما تريد، كواحدٍ من الأغلبية السنية، أن تمسح من الوجود المذهب الجعفري، عن بكرة أبيه، ونفني الأقليات الشيعية هنا وفي كل مكان، كي تبقوا أنتم وحدكم كفرقة ناجية في الكون الكبير؟! هل لديك يا شيخ نبيل العدد الكافي من الأفران الكبيرة التي بنيت في “أوسوتش” في الخليج، لا في ألمانيا النازية، كي نزج بها أهلنا الشيعة حتى يشفى غليلكم ضدهم وضدنا وضد كل إنسان في الأرض لا يبصم معكم، ويرضى “بجهلكم المركب” (عبارة للراحل محمد أركون ذكرها في محاضرته بالكويت)؟! ماذا تريد يا شيخ وأنت تشاهد بجهازك المحبب (إن كنت تتابع البرامج الإخبارية التحليلية) أن أحداث سورية لم تعد ثورة فقط بعد تفجيرات “القاعدة” الأخيرة بل بدايات حرب أهلية ونيرانها امتدت إلى طرابلس لبنان بالأمس؟… فهل تريد أن تبارك تلك “النار المقدسة” الأرض الكويتية بعد أن عشنا فيها عقوداً ومئات من السنين إخوة متحابين قبل أن تولد أنت، وقبل أن يصيبنا داؤكم المتزمّت والمكفر لخلق الله؟ اهدأ يا شيخ وتعقّل.. فلن يترك أهل الكويت بلدهم في النهاية لتصبح قندهاركم الجديدة، ولن يرضى الكويتيون، مهما ابتُلوا بكم وساد في بلدهم جهالكم، وتمدد على أرضها فاشيُّو بني نفط الجدد، أن يشعلوا “هلوكوست” لأهلهم الشيعة من أجل لحاكم الكريهة… دع عنك ذلك الإسفاف وتفرغ للرد على أهل الرقى والبصق في “توانكي الماي” وأهل السحر وتفسير الأحلام وخلق الأوهام، وكل جماعات الخرافات التي ستوصلنا ببركتكم إلى مركز “ناسا” لعلوم الفضاء…. اهدأ يا شيخ وأوصل كلامي، لو سمحت إلى جماعاتكم وربعكم، فقد أصبحت الحياة معكم لا تطاق.
تغريدة السعدون
“تغريدة” رئيس المجلس أحمد السعدون عن موضوع الوحدة الخليجية تشرف كل مؤمن بالشرعية الدستورية وحكم القانون وحرية التعبير المقدسة، ولم يكن أحمد السعدون منغلقاً رافضاً كمبدأ الوحدة الخليجية، وإنما كان تحفظه الرصين ينبع من قناعة راسخة بأن أي مشروع وحدة يجب أن يكون بين أنظمة ترتفع في قوانينها وممارستها إلى مستوى الحريات السياسية في الكويت كحد أدنى، بمعنى أن تكون دولنا متشابهة في أنظمتها الدستورية، وهذا غير متحقق الآن.
ومربط الفرس في فكرة الوحدة الخليجية هو القضية الأمنية في دولنا، وأن هذه الوحدة وقوامها الاتفاقية الأمنية، التي تحفظت عنها الكويت حين وقعت بين دول الخليج في الرياض عام ٩٤، تخترق أحكام الدستور الكويتي في ما يتعلق بقضية حرية التعبير، والأهم من ذلك اختراقها مبدأ “إقليمية القوانين الجزائية”، بمعنى أن القوانين الجزائية لدولة ما، وكما استقرت عليه الشرعية الدولية لا يجوز أن تمتد إلى خارج إقليم الدولة (أرضها أو مياهها الإقليمية)، وهذا مبدأ لا يجوز أن يخضع للاستثناءات إلا في أضيق الحدود.
وفي مثل الاتفاقية الأمنية يصف أحمد السعدون بعض بنودها “بالمهزلة”، فالمادة ٢٨ تنص على التسليم الوجوبي للمتهمين حتى ولو كان الفعل “… غير معاقب عليه في الدولة المطلوب إليها التسليم أو حتى لو كانت العقوبة المقررة للجريمة في الدولة الطالبة التسليم لا نظير لها في الدولة المطلوب منها التسليم…”، يعني لو ارتكب كويتي –في الكويت- فعلاً يعد جريمة في أي من الدول الموقعة على الاتفاقية لكنه ليس جريمة في قانون الجزاء الكويتي، تلتزم الكويت بتسليم مواطنها للدولة صاحبة الاتهام…!.
هذا يعني أن قانون الجزاء الكويتي سينتفخ لدرجة الانفجار، ليضم كل قوانين الجزاء في دول الخليج… وهذا آخر ما ينقصنا ونحن نتجرع اليوم مرارات علقم الإسهال التشريعي الجزائي من مجلس الأوصياء البرلماني، وهذا بالمناسبة وبالمفارقة المحزنة معاً قد يقلل فروق حدود الحرية بمعناها العام الذي نتبجح به في الكويت بيننا وبين بقية دول الخليج…! لكنه من ناحية يبقى هناك الجزء الضئيل المتبقي من حرياتنا حسب الدستور المنتهك من رعاته وليس من أنظمة الخليج، ومن ناحية أخرى لنفهم ونتعلم من التجربة الأوروبية في مسار وحدة أممها بعد الحرب الكونية الثانية، فإجراءات الوحدة لم تكن رد فعل لتهديد أمني مباشر فقط من دولة مثل الاتحاد السوفياتي سابقاً، وإنما نشأ بداية من قناعة مفكرين كبار آمنوا بحرية الفرد مطلقاً، وأن ذلك الفرد الأوروبي لا يجب أن يتعرض لمحن الفاشية أو النازية أو الستالينية.
فكان بداية العمل الدؤوب لمفكرين مثل كونراد ادناور وكاسبري وشومان، ولخص المفكر الفرنسي جان مونيه كأحد أكبر مهندسي الوحدة الأوروبية الموضوع بعبارة “… نحن لا نريد أن نربط بين دول وإنما بين شعوب…”، واتحاد دولنا الخليجية إنما هو مشاريع أمنية لأنظمة حاكمة وحريات شعوبها ليست مسألة ذات أهمية عندها… فالدولة هي النظام الحاكم والنظام الحاكم هو الدولة، وهذا ما استعرناه من لويس الرابع عشر من فرنسا قبل الثورة العظيمة، وحتى الآن يعد فكر جان مونيه الفرنسي بعيداً عنا تماماً.
حين يغيب سانتا كلوز
هذه المرة صندوق النقد الدولي يحذر من أن الكويت ستستنزف جميع مدخراتها المالية من إيرادات النفط بحلول عام ٢٠١٧، أي بعد خمس سنوات من الآن.
ومن هذه اللحظة التي تبدع فيها –على سبيل المثال- كتلة التنمية بمشروعات قوانين الحشمة، وحظر “بكيني مايوهات” جزيرة كبر، وتحذير الجامعات الخاصة من حفلات الاختلاط في “كباريهات” حفلات التخرج، كما شرعت تلك الجماعة “التنويرية”، بالتحالف مع كتلة الأغلبية وبتواطؤ من المحسوبين على التقدميين مع استثناء محمد الصقر، بإقرار عقوبة الإعدام لجرائم الإساءة إلى الرسول، وبطبيعة الحال قائمة المشاريع المنقذة للاقتصاد في الطريق بعقول طلاب الراحل كينز من “فلتات” المجلس وحكومة شعار “حاضرين لطلبات المجلس”، من هذه اللحظة (الآن)، التي تمضي وتصبح ماضياً، سنشهد بعد خمس سنوات عجز الدولة عن توظيف القادمين لسوق العمل، وسنشهد بطالة متنامية، مع توقف عن مشروعات البنية التحتية، من دون الاخلال، بطبيعة الحال بحقوق المؤلفة قلوبهم -في أسهم البقية الباقية من رثاثة الميزانية، وأيضاً من دون المساس بنفقات الجهاز الأمني لمواجهة أعمال الشغب القادمة لا محالة حين يصبح حال الدولة من حال دول مثل اليونان والبرتغال، إن لم يكن مثل حال مصر أو اليمن أو أي من دول “الجوع” العربي.
هو صندوق النقد الدولي الذي يقرع الجرس هذه المرة، وليس جاسم السعدون أو غيره من رجال الاقتصاد الذين بحت أصواتهم، ولم يجدوا غير الطرش واللامبالاة من حكومات ومجالس “عش ليومك فقط”، الحكومات لاهية بتوزيع الكعك على ربعها والمقربين، والمجالس النيابية مشغولة بملاحقة الفساد عند كبار رجال الدولة، وقبل ذلك تغرق تلك المجالس وبمشاركة من حكومات الحصفاء الناس بهدايا الكوادر والزيادات المالية للمستحقين وغير المستحقين، ولا فرق بين الاثنين غير عشوائية الاختيار، المهم أن يتبلد وعي البشر من مخاطر الغد، وهكذا يتم الاقتصاص العادل من الذين سبقوا في بلع كعك الدولة، والمقصود تجار اليوم ووكالاتهم عند ثوار مجلس طبقات الشعب، والإنصاف في الثقافة النفطية يعني المساواة في الغنم حتى آخر فلس من الميزانية المثقوبة، وهو دائماً غنم بلا غرم في دولة “سانتا كلوز” الكويتية.
بعد خمس سنوات لن يجد سانتا كلوز (بابا نويل) شيئاً في كيسه الأحمر كي يوزعه كهدايا لأطفال الكويت في أعياد ميلاد الدولة، مساكين أطفالنا فقد حكم عليهم الآباء بالضياع والعدم، ماذا سنفعل حينها، فسانتا كلوز سيغيب من آبار نفطنا، وليس لنا من موارد أخرى غير لحى ممتدة للكثيرين من طالبان الدولة، وهؤلاء لا يعرفون كيف يوزعون “الهدايا”، فهم لا يحملون على ظهورهم غير المواعظ والعصي، ماذا سيفعل أطفالنا غداً، هل سيفكرون مع العسر بطريقة إبداعية كأن ينشئوا مصانع للغزل والنسيج ينسجون من لحى حزب “ويحك يا هذا” الحاكم بأمر الانغلاق، بطانيات وبلوفرات يصدرونها للخارج، وينافسون بها الصوف الكشميري… سيكون صوفاً ممتازاً بلون الحناء الضارب للأحمر الباهت، أو باللون الأسود الداكن والمغم كحياتنا الاجتماعية اليوم… ماذا سيفعل أطفالنا غداً! فنحن لم نفعل شيئاً لهم.
الظاهرة الجويهلية
هناك نصف مليون “جويهلي” في الدولة، معظمهم يردد بإيمان مطلق أن “الكويت للكويتيين”، وكأن الكويت أضحت غير مملوكة للكويتيين، ماذا تعني الكويت للكويتيين في الثقافة الجويهلية غير رفض الكويتيين “الجدد” في مضمون خطاب نائب الأمة، فـ”الإيرانيون والعراقيون واللفو والهيلق والطراثيث على الجنسية الكويتية” (من خطاب نائب الأمة الجويهل) كلهم عند الجمهور الجويهلي لا يستحقون شرف الجنسية، فهم “دخلاء” على الجنة الكويتية التي يجب أن تكون حصراً بنعمها وخيراتها “الزائلة” لـ “أبناء الديرة”! ماذا قال حضرة النائب بحق “اللفو والهيلق والطراثيث” غير الإفصاح عما في صدور الكثيرين من الكويتيين، فاستبعاد هؤلاء “اللفو والهيلق” رغم جنسياتهم الكويتية مسألة واجبة في دولة “الرايخ الثالث” الكويتية.
في الأدب الجويهلي تعتبر التابعية السعودية عند الكثيرين أو القليلين من أبناء القبائل سبباً للحرمان من الجنسية الكويتية، فقانون الجنسية يمنع ازدواج الجنسية الكويتية مع أخرى، حتى لو كان ذلك الفرد الذي هو من أصل سعودي ليس له الحق في رفض “التابعية”، حسب النظم السعودية على نحو ما فهمت، كما ليس من حق الكويتي المولود في الولايات المتحدة أو تكون والدته أميركية أن يرفض الجواز الأميركي، ولم يكن الزج بالكويتيين الأميركان عند الجويهل إلا حركة «حاوي» بثلاث ورقات وتضليل وذر للرماد في العين، والمقصود بطبيعة الحال هم “المزدوجون” من التابعية السعودية، الذين غيروا معالم البلد وغيروا هويتها التاريخية، وفق الأدبيات العنصرية المتعالية. ماذا يريد الجويهل وأنصاره، هل يريد سحب الجنسية عن هؤلاء ورميهم في صحراء الربع الخالي، أم حشرهم مع “البدون” في مأساتهم كي يصبح سكان الديرة “أهل سبارطة” في القرن الواحد والعشرين؟
الثقافة الجويهلية ولو ارتدت ثوب “المدنية الحضرية” أضحت وباء يسري في الجسد الكويتي لا يفرق بين ابن الحضر وابن القبيلة وابن الطائفة، اسمه وباء الفاشية. في بدايات القرن السابق ومع صعود نجم الحزب الفاشي الذي تبنى مفكروه “مبدأ الوحدة الوطنية” كسلم للنهوض بالحزب لاحظ المفكر الإيطالي الكبير غرامشي أن “الطليان قساة، يخلون من العاطفة والإحساس بالغير” وصدقت ملاحظة ذلك المفكر الماركسي حين اكتسح الحزب الفاشي الانتخابات!
الظاهرة الجويهلية لا يصح قصرها على صاحبها وأتباعه، فكل فكر يقوم على استبعاد الآخرين أياً كانوا نساء أو بدوناً أو ليسوا من أصحاب الحظوة هو بالنهاية مرض جويهلي بالصميم، وحين يقدم بعض النواب منهم خالد السلطان والعميري ومرداس مثلاً اقتراحاً بقانون بقصر وظيفة القضاء والنيابة على المسلم الذكر…! ويقصدون حرمان المرأة من تولي تلك المناصب فهم يظهرون الوجه الآخر للعملة الجويهلية… وهي عملة مثقوبة صدأة… وليسأل حكامنا أنفسهم: في أي مصنع سلطوي تم صكها وترويجها؟!
شيلمهن
الدعوى المباشرة بعدم دستورية القوانين ليست جديدة في تاريخ المجالس النيابية، على ما أتذكر، فقد قدم مثل ذلك المشروع في مجلس ٩٢ أو ٩٦ من النائب السابق عبدالعزيز المطوع، ولم يكتب لمساعيه النجاح، والآن يتقدم النائب محمد الصقر من جديد لإحيائه بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد تدهور العمل التشريعي حين هيمنت روح العصبية والتزمت والانغلاق الحضاري على ممارسات المجلس، وأضحت مشاريع القوانين ردود فعل خرقاء تهدف إلى المزايدة على عواطف الغضب الديني للجمهور، واستثمارها على حساب العقلانية المفترضة في روح الدستور وفي القوانين بصفة عامة، ولم يكن مشروع عقوبة الإعدام للمسيء للرسول والذات الإلهية غير قطرة من محيط فوضوية التشريعات الانتقامية والمتشفية من القلة.
في الدعوى المباشرة بعدم دستورية قانون ما ليس على الفرد الواعي أن ينتظر حتى يطبق عليه هذا أو ذاك القانون اللادستوري، فيدفع بعدم دستورية القانون، ويتعين على المحكمة التي تنظر الموضوع أن توقف النظر في الدعوى، وتحيل “الدفع” للمحكمة الدستورية إذا وجدت أن هناك جدية ما في الدفع بعدم الدستورية، أيضاً دعوى عدم الدستورية كما يجري العمل الآن هي حكر على المجلس النيابي أو الحكومة، وهما بثقافتهما القانونية أبعد ما يكونان عن الدستور. هنا في دعوى الإلغاء المباشرة يتحرك الإنسان أو الجمعية أو النقابة (على حسب المشروع) الذي يرى عدم دستورية مادة ما من تلقاء نفسه وبطريق الدعوى المباشرة، وليس عليه انتظار “دورة مركب” طويلة حتى ينصفه الدستور من جور قانون ما.
بينما أكتب الآن هذا المقال خطرت ببالي نكتة “شيلمهن” العراقية عن صور صدام حسين، وكيف يمكن تجميع صوره التي كانت في كل زاوية وكل بيت في عراق صدام بعد رحيله، كصور صدام يمكن القول دون مجازفة “شيلمهن” عن تلك القوانين اللادستورية بدولة “إلا الدستور”، ويا ترى ماذا بقي لنا اليوم من دستور ٦٢ غير فتات من ورق. ليست بعض مواد قانون أمن الدولة التي تحرم نشر إشاعات في الخارج بغرض تقويض النظام الاجتماعي والسياسي… إلخ هي التي عليها علامة استفهام دستورية، أجزم بأن معظم قوانينكم غير دستورية، غير قوانين أمن الدولة فهذا تحصيل حاصل بعدم دستورية معظم موادها، لنا مثلاً في قانون المطبوعات والنشر حين صادر حرية الفكر والتعبير، وإلى كثير من المواد في قانون الجزاء والإجراءات الجزائية التي تجيز حبس المتهم أربعة أيام دون تهمة ثم ٢١ يوماً بناء على أمر النيابة وليس قاضي التحقيق (ليس له نظير في القانون الكويتي)، ولكم أن تعدوا وتحسبوا صور صدام الكثيرة في قوانين الدولة! فهل يعقل أن دولة تدعي أنها مدنية وتحتكم للدستور تحرم النظر في قوانين الجنسية والإبعاد ودور العبادة؟ وهل نتخيل أن دولة تشرع بحظر منح الجنسية لغير المسلم على ما حدث في مجلس ٨١، وكان الحظر من بركات الفكر السلفي أيامها، ولم يعترض عليه في البداية غير المرحوم جاسم الصقر؟! ليس هذا وقت عد الثقوب الكبيرة في تشريعاتنا اللادستورية، فكلمة “شيلمهن” تعني أن جمع تلك النفايات التشريعية يكاد يكون نوعاً من المستحيل، كي ننتهي اليوم “بدساتير من ورق”- تعبير الكاتب الأميركي جوناثان- لا تقدم ولا تؤخر، أكثر من ذلك يمكن أن نتصور أنه حتى دستورنا الذي يتسابق دعاة “الحرية” إلى تعديله يمكن أن نصمه باللادستورية، فحين ينص الدستور مثلاً في المادة ٣٥ “… حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب…”، العبارتان الأخيرتان تخول المشرع أن ينفي مبدأ حرية الاعتقاد تماماً، فعلى أي حرية اعتقاد يتحدث المشرع الدستوري؟ وليست كلمة عدم دستورية الدستور من عندي، بل من الثقافة القانونية في دول تحترم دساتيرها، ويكون مقياس الدستورية معايير العدالة والقانون الطبيعي، وبكل تفسير يأتي به المشرع أو المحكمة في تلك الدولة تضاف لبنة أخرى لمزيد من الضمانات الدستورية… هل تجدون في الدستور الأميركي وتعديلاته مثلاً ما يقابل نص المادة السابقة… لنترك نقد بعض مواد الدستور الكويتي إن بقي منه شيء ما، ويبقى الأمل أن يشرع النواب الدعوى المباشرة بعدم الدستورية، مقابل أن تتوطد الثقافة الدستورية الإنسانية عند رجال القانون قضاة أو محامين وعند كل مهتم بحقوق الإنسان.
يتيم البرلمان
تصويت النواب الشيعة ضد عقوبة الإعدام للمسيء للرسول أو زوجاته ليس من باب الرفض للجريمة وإنما بوعي منهم بأن مثل هذا القانون هو تهميش كامل لوجودهم، واستخفاف مطلق لتفسيرهم لبعض الحوادث التاريخية في بدايات العصر الإسلامي التي يحصد المسلمون ثمارها المرة منذ ألف وأربعمئة سنة ظلت فيها العقلانية مغيبة، وساد مكانها التفسير الديني للتاريخ بكل نزعاته ونزاع طوائفه المستوطن في العقل الباطن للشعوب العربية.
وليس هذا مهماً الآن طالما أقررنا بأن هذه الدولة بمجلسها الطائفي وحكومتها هذه تسير “تحت الساس”، لتنال رضا وبركات نسل الحجاج بن يوسف الثقفي من أعضاء المجلس، فكان يكفي أن يهدد النائب فيصل المسلم بأن عدم تصويت الحكومة مع مشروع قانون محكمة التفتيش الكويتية سيعني عدم التعاون مع المجلس، فسارعت الحكومة بلحس وعدها السابق برد القانون، ووقف وزير الأوقاف وكأنه نسي تماماً مواعظه السابقة في غرفة المحامين، حين كان محامياً يستغل كل مرة مناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليذكر زملاءه المحامين بتلك المناسبة وماذا تعني، فهذه المرة تدثر تماماً بالجلباب الديني المتناسق هذا اليوم مع بشت الوزارة، ويالله تزيد النعمة على بشوتكم غريتونا فيها جنكم صج، وأخذ يعظ وينصح بمكارم الدين وتمجيد العقوبة.
النائب محمد الصقر هو يتيم المجلس حين وقف وحيداً رافضاً تلك الثورة المضادة لتقدم التشريع وتقدم الدولة بتصويته ضد ذلك القانون المسيء للدين وللرسالة الإسلامية وللحرية الإنسانية، وهو على إيمان مطلق بأن فاتورة تجارة الدين رخيصة وتجلب بركات أصوات انتخابية مغيبة عن حقيقة واقعها، إلا أن يتيم المجلس، وهو يشرف كرسي النيابة بمجلس الاستبداد ولا يشرفه هذا الكرسي، آثر أن يقف مع قناعاته ومبادئه، فقد كان مدركاً أن العملية التشريعية لا يجوز أن تكون رد فعل على حادثة أو حوادث فردية شاذة، وأن التشريع ليس أداة انتقام من الغير والآخر، ولا يجوز أن يكون وسيلة “لتركيع” الآخرين بحجة حكم الأغلبية، فهو يعلم أن هذه فاشية جديدة غيرت ثوبها هذه المرة لتلبس العقال والدشداشة، بعد أن ركلتها أمم العالم بعد الحرب الكونية الثانية، وما تبعها من موجات الثورات الديمقراطية التي اجتاحت بقية العالم إلا عالمنا العربي الذي استبدل فاشيات بفاشية… تضحية الصقر كبيرة، فهو ان يخسر أصواتاً بائسة خير من أن يخسر نفسه… كويت اليوم في أسوأ أحوالها… رجل واحد فقط يقف رافع الرأس في برلمان الغثيان… أما هذه الحكومة التي بين “حانا ومانا” فلننسها ولنطو صفحتها جانباً.
نحو وطن قومي للبدون
اضربوهم واقمعوهم في كل تجمع وكل مظاهرة سلمية حتى يصرخ البدون ويقروا، وهم بكامل وعيهم وأهليتهم القانونية، أمام لجنة السيد صالح الفضالة، وأمام كل كويتي متنعم بالجنسية المباركة بأنهم ليسوا بدوناً، وأنهم من دول الجوار سواء كانوا من السعودية أو العراق أو إيران، وكأن بقية الكويتيين من فئة “الممتازة” أو “سوبر ديلوكس” قدموا من بافاريا أو النمسا!
أصبح عرفاً مستقراً أن تقابل كل مظاهرة للبدون بعصي وعضلات القوات الخاصة، حتى يمكننا تصور أن تقوم وزارة الداخلية بخلق قوات خاصة من القوات الخاصة، قوات خاصة الخاصة تتخصص في عمليات ردع وتأديب البدون ويكون مركزها الدائم في تيماء بالجهراء، ثم هناك القوات الخاصة غير الخاصة بالبدون وتتخصص في إعمال قانون منع التجمعات المحكوم بعدم دستورية بعض بنوده، ووسائل تلك القوات الخاصة وغير الخاصة بالبدون يفترض أن تكون أكثر رحمة بالمشاغبين من أهل الكويت، فيمكن أن نتخيل أن تستعمل تلك القوات الخاصة غير الخاصة قفازات من حرير لضرب المتجمعين أو توزع عليهم منشورات من الحكومة والمجلس بهبات وعطايا جديدة حتى يتخدر وعيهم “وينسطلوا” بعالم النعم وينسوا بالتالي لماذا كانوا أساساً متجمعين.
تلك مجرد اقتراحات لوزارة الداخلية، أتمنى أن تنظر إليها “بعين العطف والرعاية”- كما جاء في وعد بلفور المشؤوم بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين، مثلما علمونا في المدارس أيام زمان- فالنظرة البلفورية ربما ستعد غدا بإنشاء وطن قومي للبدون – ولا ندري بأي خرابة يمكن نفيهم فيها- طالما أن الأستاذ صالح الفضالة متأكد أن لديه الأدلة الدامغة على الجنسيات الأخرى لأكثر من 67 ألفاً من البدون، فهو قد قام بزيارات مكوكية لبعض دول الجوار لكشف الأصول العرقية للبدون مثلما فعل “ألكس هيلي” في رواية “الجذور” حين تقصى الكاتب الأميركي عن جذوره الإفريقية وتاريخ عائلته في العبودية! والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن، إن كانت الحكومة ممثلة بالسيد صالح الفضالة تملك الأدلة الدامغة على “أصول الـ67 ألفاً” فلماذا لا يتم كشف هذه “الأدلة الدامغة” للإعلام ولنواب التكتل الشعبي للقضاء على أي أمل “لهؤلاء البدون” بالدخول لجنات الجنسية الكويتية، وبفرض أن أصولهم معروفة وكأن أصول بقية أهل الكويت غير معروفة، فماذا ستصنع الحكومة معهم، فهي تدري الآن أنهم لا يستحقون الجنسية – حسب أدلة السيد الفضالة الدامغة- ولا أمل لهم فيها مهما تظاهروا وتجمعوا، بالمقابل لا أمل لهذه الحكومة ولا لغيرها سواء بسياسة العصا الغليظة أو بسياسة الوعود بالإقامة الطويلة أن تستنسخ “بلفور كويتي” يمكنه أن يحقق الحلم الاستحواذي الكبير لإنهاء شعار “هذي ديرتنا وفيها اللي نبي” بخلق وطن قومي للبدون غير هذه الدولة التي ولدوا وقضوا جل حياتهم بها… ماذا ستصنعون مع البدون غير ضربهم وملاحقتهم؟!… أنتم أدرى.
خلونا على حطتنا
كلام رجعي ومتخلف وضد إرادة الأغلبية التي تمثل الأمة ويسير بعكس رياح الربيع العربي، بهذا يمكن ويجوز أن يصف الكثيرون هذا الرأي الآن، المخالف للمطالبة برئيس وزراء شعبي ليس من أسرة الصباح المالكة، وهذا يعني ضمناً تعديل احتكار ما يسمى وزارات السيادة المفصلة على مقاس الأسرة الحاكمة، وأيضا أن يصبح أبناء الأسرة المالكة، وتحديداً من ذرية مبارك حالهم من حال بقية الشعب ليس في حكم القانون فقط، فهذا أمر مفروغ منه، وإنما بحكم الممارسة الواقعية، لا امتيازات في الوظائف العليا ولا استثناءات في حصاناتهم من المساءلة. وبصيغة مختلفة ولكن بالمعنى ذاته، يصبح المطلوب هو تعديل الدستور كي تكون الكويت “ملكية دستورية” بالمحتوى الحقيقي وليس الشكلي، أي أن الوزراء ورئيس مجلسهم يتم اختيارهم من الأغلبية البرلمانية، وبكلام أدق وأوضح “من حزب الأغلبية”، وتستبعد بالتالي أي امتيازات سياسية للأسرة الحاكمة المالكة، كي تصبح أسرة مالكة فقط وليست حاكمة، أي أن الملك أو الأمير “يسود ولا يحكم”، وعندما نصبح في نظام برلماني صحيح كامل الدسم فكل هذه أمور مستحقة وواجبة، ومن أبجديات الديمقراطيات الحقيقية عندما، واكرر وتحتها خط أسود عريض عندما، نصير على مستوى تلك الديمقراطيات، وعندما نفهم أن الديمقراطية ليست صناديق اقتراع فقط، ولا تعني فرض رأي الأغلبية على الأقلية، أياً كان وصف هذه الأقلية، وإنما يحترم وجودها وحقوقها في ممارسة شعائرها ولا يتم اضطهادها بحجة سيادة الأغلبية، وأن تقبل وتؤمن الأغلبية – وهي أغلبية لا يجمعها الآن غير معارضتها للحكم- بأن الحريات الفردية هي عماد الديمقراطية، فأي ديمقراطية منتخبة بدون وعي إنساني أصيل بالحرية وبدون ثقافة ليبرالية تؤمن بحق الرأي الآخر في التعبير عن نفسه وتفسح مجالاً لمبدأ التسامح لا تعد هذه ديمقراطية، وهي بالتالي “فاشية حديثة” جاءت برغبة الشعب الذي يقدم ولاءاته الخاصة عائلية، وقبلية، وطائفية، ومصالح ذاتية كانت أو غيرها قبل الولاء الأصيل للأمة ومستقبلها. مجلسنا الأخير وتقريباً كمعظم مجالسنا المتحجرة التي سبقته وبشكل أوضح مجالس ما بعد التحرير التي ارتفع نجمها مع صعود تيار الإسلام المسيس هو مجلس فاشٍ، مستبد، لا هم له ولا هدف غير ملاحقة البشر في أبسط حرياتهم، ماذا تلبسون، لماذا تتفسحون في تلك الأماكن… ماذا يحدث في الشقق الخاصة، شوفوا جزيرة كبر وما يحدث فيها، لماذا لا تتم مراقبة الحسينيات ومساجد الشيعة، اقطعوا رقبة اي مسيء لقيمنا الدينية بدون كلام… ماذا ننتظر من هذا المجلس الذي نسي مشايخه المطالبة بفرق “جستابو” ديني محافظ، أم انه فعل ذلك باقتراح النائب رياض العدساني للشرطة الدينية…! ما جديدكم وماذا تريدون؟ وحكومة “الصباح” بمجرد ان أشّرتم بأصابعكم لها هرولت لترضيتكم، فوزير الداخلية بدلاً من أن يعلن الأحكام العرفية على كارثة المرور –وهي فعلاً في حاجة إلى إجراءات استثنائية –أعلن الحرب على الشقق الخاصة ومن يرتادونها، وهل كانوا سكارى أم لا…! وليحشر رجل المباحث أنفه في أفواه الداخلين والخارجين يتشمم رائحة السكر أو عفن الملل في الدولة… إلخ، ولكم أن تقيسوا الأمر ذاته مع بقية الوزراء. إذن، لماذا رئيس وزراء شعبي… طالما “كل شيء حاصل لكم”! وماذا تتوقعون منا، نحن الأقلية المتحررة أو الليبرالية أو اليسارية… أو أي وصف يناسب قواميسكم المتخشبة… هل تريدون أن نصفق لطلبكم بشعبية منصب رئيس الوزراء، حتى تكتمل ديمقراطية “موسليني وهتلر”… لا يا سادة… دعونا على حالنا… فلا نريد أن نكون كالمستجير من الرمضاء بالنار. فحكومتنا الصباحية هي الرمضاء وأنتم النار، لكنها نار مظلمة لا تنير ولا ترينا ليل الغد.
قول غيرها يا شيخ!
ياالله تخلف علينا، دار أوبرا في الكويت مرة واحدة!
أين نحن الآن في حلم ولا بعلم!! وزير الإعلام الشيخ الشاب محمد عبدالله المبارك، الذي تهمس لنا هيئته بأنه من بطن أهل الحداثة و”العصرنة” ويقدر الفن والأدب، وليس هذا بغريب على مَن تكون والدته الشاعرة الكبيرة سعاد الصباح، شيخنا الشاب زف إلينا قبل يومين خبر عزم الدولة على إنشاء دار أوبرا! ومع أن مثل هذا الوعد الحكومي ليس جديداً، فقد وعد به المرحوم الشيخ سعود الناصر حين كان وزيراً للإعلام في منتصف التسعينيات، وكان من المتصور أن في الشيخ سعود الناصر الحاسم إزاء رفضه للفكر الأصولي المُحنَّط، القدرة على تحقيق وعده، إلا أن الواقع كان أقوى من حلمه، ولم يستطع أن يحقق وعده، فحتى في تلك الأيام كان مشايخ النهضة الكويتية “يحلون ويربطون” ويشكلون الوعي العام الشعبي مثل العجين الرخو.
ماذا عن يومنا الكئيب؟ وأي وعد وأي حلم يقظة مضحك ينطق بهما الشيخ محمد المبارك؟! هل كان يسخر منا؟ أم كان ساهماً في عالم الأوهام؟!
كيف ستصمم دار الأوبرا؟ على شكل بيوت الشعر كي تصبح أكثر اتساقاً مع جفافنا الصحراوي؟ أم أنها ستكون مثل دور الأوبرا في الدول الأوروبية، ومن سيحيي لياليها؟ وأي صوت “أوبرالي” سيلعلع فيها؟ وأي فرق باليه سترقص على أنغام موزارت الشرقاوي وفرانس لست وهو يجر الربابة؟! الله يحفظك يا شيخ ويحرسك من العين الحارة… إلى مَن تسوق كلامك؟! ومن سيصدق وعدك في مثل حالتنا الاجتماعية المحصورة بمشاريع قوانين الحشمة والبوليس الديني وملاحقة النساء “العاريات” في جزيرة كبر ومداهمة أوكار المقاهي النسائية؟!
أراهنك يا شيخ لو حدثت معجزة “بناء الأوبرا” لخصصت لحفلات المسابقات الدينية وتوزيع الجوائز على المبدعين منهم! لا أعتقد أنك يا شيخ “مثلهم” أقصد “الإنتلكجول” الخليجي والكويتي الذي يختزل الحضارة والثقافة في أسمنت ماديات أطول عمارة وأكبر مجمع تجاري وأوسع شارع وأكثر الكروش استدارة، وعليك الحساب في تعداد منجزاتنا ومساهماتنا للفكر الإنساني، أتصور أنك تدرك أنه في مثل حالة “الكسافة”، التي نتجرعها كل لحظة تمضي من العمر من كؤوس الملل والفراغ والسأم في الكويت التي كانت بالأمس جميلة واليوم أضحت تشبه إطلالة وجوه مشايخنا البهية، يصبح الكلام عن المسرح والأدب والثقافة والفنون بمجملها بدعة وفجوراً من صنع الشيطان، ومستقره جحيم مجلسنا النيابي.
دار أوبرا… في الكويت وفرقة “بولشوي” ترقص “الفريسة”… قول غيرها يا شيخ!