حسن العيسى

ألف مرة وين رايحين!

نصبت كتلة الأغلبية في بيانها الصحافي نفسها محكمة سامية تعلو فوق المحكمة الدستورية التي قضت ببطلان انتخابات مجلس الأمة الأخير. وكتبت الأغلبية بيانها بشكل صحيفة طعن قانونية ضد حكم المحكمة الدستورية، وأخذت الكتلة للأسف تعظ الناس وتذكرهم بأحكام الدستور واختصاصات المحكمة الدستورية التي تجاوزتها المحكمة حسب بيان الكتلة.
وبينما تذرف الكتلة الدموع الساخنة على أحكام الدستور، “وتجاوزات” المحكمة الدستورية لولايتها واختصاصاتها، سحقت الكتلة في الوقت ذاته أهم مبادئ الدستور، وسفهت أهم نصوصه الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء واحترام أحكامه.
كان أضعف الإيمان أن تقول الكتلة إنها ضد حكم المحكمة الدستورية، وإنها لا تتفق مع أسباب الحكم جملة وتفصيلاً، لكن من باب احترام مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام الأحكام القضائية واستقرارها فلابد من تنفيذها بنصها وروحها مهما اختلفنا معها، ففي ذلك استقرار الوطن واستقرار دعاماته الديمقراطية، وبغيرها لنقل على الكويت السلام.
كتلة الأغلبية اختارت التهديد باللجوء إلى الشارع، وفي الشارع ليس هناك مكان لحكم القانون والعقل، وإنما هو المكان لاستثمار عواطف الناس البسطاء الحانقين على فساد أجهزة الدولة، والغاضبين على مسارها السياسي، لكنه ليس المكان المفروض للنقاش العاقل الهادئ حين نبحث عن الحلول الواعية للأزمة السياسية التي تراوح فيها الدولة اليوم.
الأخطر من كل ذلك أن سلطة القضاء أضحت في مهب الريح حين أصبحت التجمعات علي أبواب المحاكم، والتظاهر ضد الأحكام القضائية وسائل طعن مرعبة في هذه الأحكام، وبالتالي فالسباحة مع هذا التيار سيغرق الدولة بمن فيها في دوامة الفوضى والدمار المؤكد.
إذا كانت الأغلبية تريد أن تطرح موضوع شعبية رئاسة مجلس الوزراء، والتقدم نحو فكرة الإمارة الدستورية، وتجد سندها بذلك الطرح عبر الشارع وتجمعات ساحة الإرادة، فلتقل ذلك صراحة ودون اللجوء إلى الانتقاص من السلطة الثالثة في الدولة، فالكويت وكل دول الخليج ليست مستثناة من أحكام الربيع العربي، لكن على الكتلة أن تفكر قليلاً، فما قد يتصور أنه ربيع للشعوب قد يكون خريفاً مغبراً يدفن الدولة بمن فيها في أتربة الدمار.
اليوم نواجه تحدياً خطراً، وعلى كتلة الأكثرية أن تعيه جيداً، فالدولة هنا وباحتمال كبير ستجد نفسها في حالة مزرية بعجز مالي كبير، لم نعتده من قبل، أمام واقع تدني أسعار النفط لضعف الطلب، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في معظم دول العالم، وبمثل حالتنا التواكلية على عمل الغير والسفه الإنفاقي والفساد المالي وغرق الشعب في مستنقع الاستهلاك ستنعكس تلك الأوضاع الاقتصادية على الحالة السياسية، وعلى استقرار الدولة… فهل سنكون على مستوى ذلك التحدي أم سنمضي مهرولين بدروب مراهقة سياسية لن تقودنا لغير الخراب الكامل…!

حسن العيسى

ليس لنا غير الانتظار

غيرت المحكمة الدستورية رأيها، وعدلت عن رأي سابق لها يضفي حصانة أعمال السيادة على المراسيم الأميرية، فإذا كان محرماً النظر في الشرعية الدستورية للمراسيم، حسب حكم المحكمة عام 86، فإنها لم تعد كذلك اليوم عندما لا تراعي المراسيم “الإجراء” الواجب اتباعه حسب الدستور، فـ”القيود التي فرضها الدستور على السلطة التنفيذية لا يجوز تجاوزها أو التحلل منها تذرعاً بأنها أعمال سياسية…”، لكن لماذا غيرت المحكمة الدستورية قناعاتها السابقة؟! هذا حق للمحكمة، والأمر الطبيعي في الكويت وحتى في أعرق الدول تاريخياً بالأنظمة الديمقراطية أن تغير المحاكم العليا قناعاتها تبعاً لتغير القضاة والظروف السياسية والاجتماعية التي عبرها ننظر إلى النص القانوني ونفسره، إلا أن محنة الدولة اليوم تتلخص في سؤال ما العمل! كيف يمكن إصلاح الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة بدون تكاليف سياسية باهظة الثمن! خرجت الآن اجتهادات كثيرة، لا يجوز أن يكون مكانها المناسب استعراضات زوايا الصحافة اليومية المتعجلة وإنما مكانها لجان الخبراء القانونيين ودراسات معمقة تنشر في الإعلام، وإذا كان بعض هؤلاء “الخبراء” اجتهدوا فأخطأوا بالأمس، فلا مجال اليوم للخطأ، فقد كان الثمن مكلفاً.
هناك خشية مفهومة من نواب الأغلبية المعارضة في المجلس، بأن ما حدث ليس خطأ اجتهادياً، وإنما كان فعلاً عمدياً من السلطة، دبر بليل، أو ربما استغلت السلطة هذا الخطأ غير المتعمد، حتى تبني عليه واقعاً جديداً ينفي المعارضة أو يخفف من حدتها، كتعطيل المجلس لشهور ممتدة، يمكن خلالها أن تلقي السلطة قنابل صوتية تجس بها نبض الشارع، أو يتم تحضيره لتعديل الدوائر، ويفتت من استفراد الأغلبية بالتشريع والرقابة، يصاحب ذلك ويقويه شعور عارم بالمرارة عند قناعة الكثيرين من الناس، فهؤلاء يرون- وأنا واحد منهم، أن الأغلبية “تفهت” قضايا مصيرية للدولة، وفرضت الجماعات الدينية المتزمتة وصايتها على بقية الأعضاء الذين سايروا أصحاب الفكر المنغلق بالحق وبالباطل خشية غضب المؤمنين، فما لنا والدولة بسخافات من شاكلة اللبس المحتشم، وماذا يحدث في الجزر، حتى تركض الحكومة وتعلن أنها محميات طبيعية حتى “تفتك” من قيل وقال ملالي المجلس، ثم تعديل المادة 79 من الدستور… وفرض تشريعات “دراكونية” تصادر أبسط حريات التعبير والتفكير، وتشريعات طائفية تسحق الآخرين من غير أهل السنة والجماعة… كل هذا كان يمرر ببركات الأغلبية، وتحت بصر حكومة تخشى أن تقول ولو لمرة واحدة كلمة “لا”!
وكان يتم ويمرر بينما التحديات الاقتصادية للدولة تكبر ككرة ثلج، فأسعار البترول تنخفض يوماً بعد يوم، والوضع الاقتصادي في العالم لا يبشر بالخير… فانتهينا الى أن أصبح الحديث عن أن فساد الإدارة – وهذه حقيقة لا يمكن الاختلاف عليها- أداة لابتزاز الدولة وحلبها بمشروعات الهدر وسياسة الرشى التي توافقت عليها الحكومات ومجالس البركة…
لكن يظل في النهاية التأكيد أن “مخاوف” النائب مسلم البراك تجد لها صدى، حين يرى في أحكام المحكمة الدستورية العليا بمصر بإلغاء قانون الانتخابات تعد سابقة هنا في الكويت، فليس مسلم البراك وحده من يقرأ هذه الأحكام بهذا المنظار وحده، فالإعلام الغربي وحتى مواقف دوله ترى أن القضاء في مصر قد يلين أمام سلطان المجلس العسكري، طالعوا، مثلا، افتتاحية مجلة الإيكونومست الاخيرة، وانتبهوا لما حذرت منه وزيرة الخارجية الأميركية المجلس العسكري الحاكم في مصر… لكن رغم ما كتب بحق القضاء المصري يظل له تاريخه المشرف، وهو بالتالي يعد الامتداد التاريخي للقضاء هنا في الكويت.
يبقى أن نقر آخر الأمر بأننا نريد العنب وليس ضرب الناطور، وذلك بتصحيح الخطأ “الإجرائي” وعودة الحياة النيابية بشكل أكمل مما مضى، وهذا ما تعهدت به السلطة فلننتظر بصدر رحب كيف ستحقق تعهدها، فلننتظر ونراقب دون فرض سوء النية.

حسن العيسى

تصريح الخيبة

غير مقبول التغني بقداسة القضاء أو الغرق في بحر المبالغات بنزاهة أحكامه، كما ذهب الكثيرون في التباهي المفرط بتلك النزاهة، لا خلاف في ذلك مع الزميلة إيمان البداح في مقالها المهم بجريدة الجريدة عدد أمس الأول، فلا جدال أنه ليس لدينا حتى الآن قانون متكامل يؤكد استقلال السلطة القضائية، والقضاة أيضاً يكونون، في أحيان كثيرة، بوضع لا يحسدون عليه حين يجدون النص الذي يطبق على النزاع يتناقض مع روح الدستور، وأبسط مبادئ العدل… لكن القاضي لا يملك إلا أن يحكم بهذا النص الظالم، وكما تظهر الأوراق التي أمامه، لأن تلك مهمته وهذا واجبه وليس له خيار في ذلك. وإن كان هناك نص جائر، يغل يد القاضي ولا يعطيه خياراً مثلما فعل نواب الهم والغم في تحديد عقوبة الجريمة المزعومة بالإساءة للذات الإلهية والرسول (أعيد للنظر فيه بحكمة سمو الأمير) فماذا يمكن للقاضي أن يفعل في ما لو قدر لمشروع ذلك النص أن يمضي ويصدق عليه؟!
نتفق مع الرأي القائل برفض عبارة “قدسية القضاء” أو إسباغ نزاهة ملائكية على الأحكام مهما كانت تلك الأحكام “عنواناً للحقيقة”، وهي حقيقة مفترضة أملتها الحضارة الإنسانية لاستقرار حكم القانون والمراكز القانونية للبشر، ونتفهم -من غير أن نرضى- غضب الكثيرين على حكم البراءة في قضية الاتهام بضرب النائب الوسمي من رجال الأمن في ديوان الحربش، لكن هل يعد كل ذلك مبرراً ليس لنقد فقط وإنما للتشكيك في السلطة القضائية كلها؟! فما صرح وتوعد به عدد من النواب لم يكن مجرد رد فعل على حكم ابتدائي يمكن للادعاء العام أن يطعن فيه، وهو سيكون مؤكداً، بل كان اعتداء فجاً على مبدأ الفصل بين السلطات الذي تتصدر عباراته المادة ٥٠ من الدستور!
السلطة القضائية هي أضعف السلطات الثلاث، كما كتب أحد أهم رموز الثورة الأميركية “هاملتون” في الأوراق الفدرالية، فهذه لا تملك السيف ولا كيس الدراهم، فالقاضي ليس له غير أن يحكم في نزاع معروض أمامه، هو لا يملك أن يشرع، ولا أن يراقب التشريع من تلقاء نفسه، وبقدر ما تكون هناك استقلالية لتلك السلطة تصاحبها ثقافة عالية وحس مرهف للعدالة يكون هناك الضمان لحقوق الأفراد وحرياتهم وحمايتهم من جور أي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية.
كان أولى على نواب الأمة بدلاً من أن يطلقوا تصريحات تكرر بشكل فج الحديث عن نزاهة القضاء حين تصدر الأحكام بما يتفق مع توجهاتهم مرة، ومرة أخرى يتم التوعد لهذا القضاء حين تصدر الأحكام على غير شهواتهم، أن يعملوا لتحقيق مبدأ استقلالية السلطة القضائية بصورة متكاملة، وكان أولى على وزير العدل الأستاذ جمال الشهاب، المحسوب على أهل القانون، أن يقف بقوة وصراحة دون مواربة للدفاع عن الجسد القضائي، لا أن يصرح بمثل ذلك التصريح المداهن الخائب بأن أخطاء البعض لن تؤثر في القضاء ووعي الشعب هو الرادع! أي أخطاء وأي وعي يتحدث عنهما جمال، وهو يتلمس مرضاة وشفقة النواب الرافضين للحكم. ليس من حق الوزير (المشرف الإداري على شؤون العدل) أن يتحدث عن الخطأ في الأحكام، فمن يقرر خطأ الحكم أو صوابه هو المحكمة الأعلى، وليس وعي الشعب من يردع القضاة فهم معينون وليسوا منتخبين، بل هو ضمير القاضي وحريته في ممارسة قناعاته القانونية من يردع القاضي ذاته، وهناك المحكمة العليا لتصحيح الأخطاء إن وجدت، وليس وزير العدل محكمة أعلى درجة. كان تصريح الوزير كبوة وغلطة كبيرة لا تختلف عن كبوات وأخطاء وزراء بوزارات سابقة، نهشت من الدستور ومن دولة حكم القانون ومن حرياتنا العامة والخاصة، أراد هؤلاء الاعتذاريون أن يرضوا الجميع فلم يرضوا أحداً، وخسروا وخسرت الدولة معهم.
ملاحظة: وزير العدل في تصريحه الأخير الذي “أزال سوء الفهم” للتصريح الذي سبقه قال لنا: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حوله الماء … خوش حجي وأقبض من دبش!

حسن العيسى

ماذا يخبئ الغد السوري؟

سورية تعيش حرباً أهلية حقيقية، هذا ما ذكره مراقبو السلام في الأمم المتحدة، والسؤال الآن كيف ستنتهي هذه الحرب الأهلية متى سلمنا بوصفها “حربا” وليست ثورة تحرير فقط من أجل إزالة النظام الستاليني المتسلط للعائلة الأسدية، لا نقرأ الكف ولا الفنجان ولا نضرب الودع إذا قلنا إن الحرب في سورية ستنتهي بتقسيمها إلى دولتين سنية وعلوية سواء طال أم قصر أمد الحرب، فالتقسيم لن يكون جديداً على الدول العربية، حين يعيد “ربيعها” مع تدخلات الخارج تقسيم التركة العثمانية وفق الهويات الطائفية والعرقية، وستخلق أمماً جديدة أو بكلام أصح “قبائل ترفع الأعلام” كما كتب الكثيرون، والقبيلة هنا بالمفهوم “القبائلي” أي أولوية الانتماء للقبيلة الطائفية على الانتماء للدولة، وليس قاصراً على الأصل القبلي العرقي.
الأستاذ هاشم صالح ابن سورية الذي قدَّم للفكر العربي خدمة جليلة بترجمة أعمال المفكر الراحل محمد أركون يسأل بيأس في جريدة الشرق الأوسط عدد الاثنين الماضي عن “الخطيئة الأصلية” في شرقنا، ويطرح على نفسه السؤال “الغبي المتهور” بتعبيره الحزين متسائلا “… أما كان من الأفضل الإبقاء على سورية مقسمة إلى عدة دول على أساس جغرافي مذهبي متجانس بدلاً من توحيدها بشكل تعسفي وقبل أن تنضج مكونات السكان وتصبح مؤهلة لذلك؟ أقصد بهذا أن التنوير السوري كان ينبغي أن يسبق التوحيد السوري وليس العكس. أقصد بالتنوير السوري أو العربي القضاء على العصبيات الطائفية أو تحجيمها على الأقل عن طريق تنوير العقول وبث فكر جديد عن الدين…”! تساؤل مشروع نقرأه وفي أدمغتنا يظل يرن طنين الصومال ولبنان والعراق قوياً… والعرض ما زال مستمراً للبقية العربية.
كسينجر، ومهما يثير فينا ذكره من مشاعر النفور يظل رائداً للمدرسة الواقعية السياسية، والتي طبعت معظم تاريخ السياسة الخارجية الأميركية يدعو في مقال له بـ”واشنطون بوست” إلى عدم التدخل الغربي في الحرب السورية، لأنه ليس هناك مصلحة استراتيجية لتلك الدول في التدخل العسكري، والاعتبار الإنساني للتدخل الأجنبي ليس له مقام يذكر حين يكون الحديث عن المصالح الاستراتيجية للدول، وفي ثنايا مقاله يقرر حقيقة مؤلمة، بأن دول الشرق الأوسط باستثناء مصر وإيران وتركيا ليس لها مقومات الدولة الأمة nation state وأن معاهدة وستفاليا للسلام عام 1648 التي قننت مفهوم الأمة ذات السيادة ضمن حدودها الإقليمية وأنهت بذلك حرب الثلاثين عاماً في أوروبا لم يحدث ما يماثلها في الشرق الأوسط.
ماذا يخبئ المستقبل لدولنا! هذا في علم الغيب، لكن الوقائع التاريخية لا تبشر بالخير… للنظر بحذر وقلق “للصوملة واليمننة والعرقنة واللبننة… الخ” في دول “رسمت خطى على الرمال” (عنوان رواية للراحل هاني الراهب) فالكوابيس ستصير حقائق، وليتعظ مخابيل النزعات الطائفية في دولتنا الصغيرة، ويكفوا عن إثارة الفتن المذهبية المتشنجة والمتدفق سيلها من جبال الجهل والتطرف.

حسن العيسى

يارب استر علينا وغير ما فينا

قد يكون مطلوباً من المستشارة الألمانية السيدة ميركل أن تتجنس بالجنسية الكويتية أو الخليجية حتى تتعلم أصول الكفالة، لكن اصبروا قليلاً، فالكفالة المطلوبة من المستشارة ليست على الطريقة الكويتية الخليجية، بمعنى أنه لا حق لغير الكويتي أو الخليجي في العمل أو الدخول للبلاد من غير ضمان شخصي من كويتي، لا يضمن ابن البلد الأجنبي مالياً، لكنه يضمن عبوديته له وربط مصير الأجنبي العامل بمزاج السيد الخليجي الكويتي، وبالتالي يمكن الاتجار بحياة العامل الأجنبي، وتصبح الجنسية الكويتية مصدر رزق لا ينضب لتجار الإقامات، لا، الكفالة المطلوبة من ميركل هي كفالة دول الأطراف الأوروبية بداية من اليونان، التي تعاني الأمرين من الأزمة الاقتصادية، مروراً بالبرتغال حتى إسبانيا التي تتطلع الآن للكفيل المالي الألماني.
الصورة مرعبة، عبرت عنها جريدة الإيكونومست الرصينة بكاريكاتير مقلق، هو مقلق لمن يقرأ ويعي وليس لجماعات البركة، الذين حكمتهم القدرية الغيبية التي تقول “المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين”، الكاريكاتير يصور اقتصاد العالم كسفينة ضخمة تغرق في مياه البحر، والركاب يستنجدون بالسيدة ميركل بعبارة “نرجوك أن تشغلي ماكينة السفينة”، ثم هناك افتتاحية الجريدة تصور واقع الاقتصاد العالمي، فدول الاتحاد الأوروبي عدا ألمانيا تئن الواحدة تلو الأخرى من الكساد، وإذا نظرنا إلى المعجزة الصينية نجد أنه حتى هذه الدولة العملاقة أخذت معدلات النمو فيها بالتباطؤ، ومثلها الهند تسير على الطريق نفسه وبأسرع من العملاق الصيني، أما الولايات المتحدة وهي تمثل ربع اقتصاد العالم تقريباً، فيكفي متابعة مقالات بول كروغمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد والأستاذ بجامعة برنستون، فهو أخذ يكتب يومياً تقريباً في “نيويورك تايمز” منتقداً ومحذراً بصفة عامة من أوضاع البطالة في السوق الأميركي والوضع العالمي بشكل عام (ملاحظة لبعض ربعنا الكتاب والنواب أصحاب شهادات الدكتوراه من جامعات أي كلام، الذين ينتفخون من حرف الدال حين يسبق أسماءهم في مقالاتهم الصحافية، والذين لم يقدموا بحثاً علمياً واحداً يرقيهم لمرتبة أستاذ مساعد، كروغمان يوقع اسمه في المقال دون أن يسبقه حرف الدال، تعلموا منه قليلاً).
من بقي في العالم لم يكتو بشرارة بداية جهنم الكساد الكبير الجديد! هنا في الكويت يظن شعبها ومجلسها وحكومتها أنهم فوق جبل يعصمهم من الطوفان، لم نقرأ أو نطالع كلمة حق واحدة من نواب الشعب والشغب تحذر من سنين العجاف القادمة لا محالة، العكس هو الصحيح، فأجندات النواب على “حطت إيدكم” لم تتغير من “سنين الطواعين”، كلها تعظ عن فساد أصحاب النفوذ من “طبقة التجار” وارتباطاتهم مع سلطة الحكم، ثم تقف تلك الزواجر النيابية عند هذا الحد، وتأخذ في السير بمشوار الانتقام ليس من “أهل الفساد المتنفذين”، وإنما من اقتصاد ومستقبل الدولة، إن كان هناك أي مستقبل لنا مع هذا الفكر السطحي… عرفنا وأدركنا حجم الفساد وأنكم تحاربونه بغير هوادة، لكن ماذا بعد؟! ماذا عن سياسة التبذير والهدر المالي على الناس بعطايا ومزايا من دون حاجة أو رؤية واعية للقادم، هذه صورة أكبر من فساد البعض المتنفذ حين تعمم سياسة الرشا على المواطن، ويتم تخدير وعيه وقلقه المشروع من المستقبل.
في عدد يوم الخميس الماضي بجريدة الجريدة كان هناك “فلاش” على الصفحة الأولى يشير إلى تقرير زميلنا محمد البغلي في صفحة الاقتصاد، وهو بعنوان “البرميل الكويتي خسر ٢٣ في المئة خلال شهر… اصح يا نايم!”، لا أظن أن أحداً سيصحو في دولة “بني نائم” حتى يقع الفأس بالرأس… ويارب تستر علينا وتغير ما فينا!

حسن العيسى

حدث بالأمس

في حفل تخرج مدرسي لأبنائنا وبناتنا سألني صديق بصيغة تذمر وكان جالساً بقربي: إلى متى سيستمر حالنا السياسي هكذا، فالأمور الآن صارت غير معقولة وغير مقبولة؟! كنت سأرد عليه بحكمة مريحة ساذجة تريحه وتريحني من قلق المستقبل بأن الشيوخ أبخص. ومادام لهم الحكم والكلمة الأخيرة، كما يفترض، فلماذا نشغل أنفسنا “نحن الرعية” بهموم الدولة مادام شيوخنا هم الآباء الأوصياء وهم أدرى منا بخفايا السياسة؟ وطبعاً هم “أبخص” منا في “التخطيط للمستقبل” وحل كل مشاكل الدولة بضربة عصا سحرية.  أكثر من ذلك سمعت بأن هناك إشاعات عن حل المجلس ربما بطريقة غير دستورية ولمدة ستة أشهر، يتم فيها تعديل الدوائر من خمس إلى عشر، وماداموا (الشيوخ) أبخص فسيكون هذا لمصلحة الدولة ومصلحة “الرعية”، ألم يعلّمونا تاريخياً ذلك، أليسوا هم من “يشوفون اللي ما نشوفه”؟  لم يمهلني صديقي للرد عليه بجوابي المعلب السائر بالتبعية خلف حكمة أصحاب “البشوت ” الشفافة الداكنة الألوان، مجيباً على نفسه بأن مشكلتنا ليست في الدوائر وتعديلها، ولا في ما يحدث بمجلس الأمة، مشكلتنا في الخلافات بين الشيوخ، والتي زادت على “الجيلة”، إذ لم يعودوا (الشيوخ) متفرغين لقضايا إدارة شؤون الوطن، وأصبح كل واحد يتصيد للآخر و”يحبل له”، ويريد إيقاع ابن عمه في “مطب” سياسي، حتى تصفو له أجواء الحكم، ونتيجة لهذه الثقوب الكبيرة في بيت الحكم، ضاعت “الهيبة” المفترضة عند السلطة، وعبر تلك الصراعات تاه الوقار الواجب للسلطة، وهي في حقيقتها صراعات مزمنة فيها رؤوس وأذناب وأموال هائلة تضخ من حساب الدولة، وليست مجرد خلافات عادية كما يقولون لنا!  سكت صديقي المهموم، فالحفل قد بدأ وأطفئت الأنوار ليشرع عريف الحفل في استهلال البرنامج وشرعت بدوري في عالم التيه والسرحان في حالنا اليوم. فماذا عن حالنا اليوم؟ لا أقصد حالنا هذا اليوم الكامل الذي لا ينقصنا فيه شيء غير وجودنا الروحي والإنساني، فنحن نأكل ونشرب والحكومة، التي لم تقصر، تدفع الرواتب والمعاشات بالتمام والكمال، ونوابنا بدورهم كذلك “ما يقصرون” يطالبون نيابة عنا بالمزيد من حقوقنا في زيادات الرواتب والكوادر، وكلنا، موظفين وتجاراً وعاملين في القطاع الخاص، نحيا ببركة حكوماتنا – من جديد – التي “ما تقصر” تعطي من دون حساب (وأيضا تأخذ من دون حساب)، تعطينا “وتعطيهم” وهم يعني “هم أنفسهم” أهل الحكم والحكومات… فماذا نريد أكثر من ذلك؟! شوفوا حال مساكين أهل اليمن وأطفال ذلك البلد الذي هو مهد العرق العربي الأصيل كيف ينبشون أكوام الزبالة بحثاً عن لقمة تسد جوعهم، شوفوا حرب سورية الأهلية، وماذا صنعت ببلاد الخير، شوفوا العراق بلاد النهرين، الذي كانوا يقولون لنا إنه سلة القمح العربي مثلما السودان سلة الفاكهة العربية، فالأول أضحى سلة متفجرات موقوتة يشعل عود ثقابها من نار الكراهيات الطائفية، والثاني يتضور جوعاً يحكمه عسكر على أكتافهم النياشين والنجوم وفوق رؤوسهم لفائف العمائم الدينية.. ولن ننتهي من كلمة “شوفوا” في بلاد العرب أوطاني… ولا يبقى غير مصر أم الدنيا التي مازالت “تتأمل فنجانها المقلوب”.  ماذا يريد صديقي أكثر من ذلك؟! نحن بخير وألف خير، ليست لدينا مشاكل الآن، ماذا يعني أن يضيع أكثر من مليارَي دولار في صفقة “الداو” ما دمنا نتسلم بانتظام الرواتب والمعاشات، ونهرب من الغبار ولهيب صيف ممل قاتل، وفي رمضان نشاهد المسلسلات الرمضانية “العميقة ” بنصوصها ومغازيها كأنها روائع مسرحيات شكسبير، نشاهدها متوسدين “الكنبات” الوثيرة والبطون منتفخة من خلطة الهريس والتشريب ومحلين بكنافة ولقيمات القاضي.. يالها من حالة انتشاء روحية عظيمة من دون محرمات وتوابع المادة ٢٠٦ من قانون الجزاء، ماذا نريد أكثر من ذلك؟ لماذا نقلق على المستقبل؟ لماذا نقرأ تنبؤات صندوق النقد الدولي وأهل الاقتصاد حين يقولون إن عوائد النفط لن تكفي نفقات الدولة بعد خمسة أعوام؟ لماذا نفكر في ما سيحدث بعد خمسة أعوام واليوم البرلمان ضائع في تصفيات حسابات قديمة، والحكومة المسكينة مضيّعة بوصلتها السياسية بين “حانا ومانا” نواب الأكثرية… لا يهم، غاب وعيي بحقائق قلقٍ مشروع لا في أحلام يقظة عابرة، فجأة… لكزني صديقي كي أستيقظ من كوابيس اليقظة منبهاً إلى أن علي أن أقف وأحيي ابنتي عايشة فهي تتسلم شهادتها، وقفت مصفقاً بينما بداخلي أضرمت نيران القلق على مستقبل أبنائنا وبناتنا الواقفين يتسلمون شهادات تفوق لن تجديهم نفعاً في بلد “إن حبتك عيني ما ضامك الدهر”، فغدهم لن يرحم الضعفاء الاتكاليين، ولن يرحم من يردد أن الشيوخ أو الغالبية أبخص… لا أحد أبخص من أحد غير الحكماء… وهم عملة قديمة غير متداولة في السياسة الكويتية اليوم.

حسن العيسى

لا تهشون ولا تنشون

استقيلا وتوكلا على الله، والمقصود هما الوزيران جمال شهاب ود. نايف الحجرف، فحسب “مانشيت” جريدة عالم اليوم، لو كان صحيحاً، أن الوزيرين أخبرا رئيس الوزراء بأنهما سيستقيلان من الوزارة إذا “رد قانونا الإعدام وجامعة جابر!”.
وزير العدل والأوقاف (وسأقصر المقال عليه) يقول إنه لا يعلم بصحة رد القانونين إلا عبر الجرائد (ولي أن أعلق انها عادة حكومية متأصلة بتسريب الأخبار لبعض الجرائد لجس نبض الشارع السياسي المغبر الخانق كطقسنا قبل تأكيد الخبر أو
نفيه)، ويضيف جمال شهاب أنه تعهد للمجلس وللناس بعدم رد قانون الإعدام، وكأن جز رقبة بني آدم لكلام سفيه ما بالإساءة للرسول يستحق غيرة وبطولة هذا الوزير الإنساني… وان بقاءه سيكون محرجاً نحو المجلس والناس…! وخير يا طير، عساك بهذه الحالة وأزيد، فمن سيكترث بحرج الوزير شهاب أو أي وزير آخر طالما أن سمو الأمير يستعمل سلطاته الدستورية، ومن سلطته إعادة النظر في مشروعات القوانين حسب المادتين ٦٥ و٦٦، فهل يريد الوزير شهاب تحديداً مصادرة سلطة الأمير حسب الدستور كي لا يقع في حرج أمام المجلس…!
حتى لو لم يصح خبر الرد ولم يصح قبله خبر التهديد بالاستقالة من الوزير جمال، يبقى أن مجرد بصم الوزير شهاب على قانون الإعدام، بعد أن عارضه بعقل متفتح في البداية ثم تردد، ثم خضع وقبل (وهذه أيضاً عادة متأصلة لها سوابق تاريخية في السياسة الكويتية) بحجة التعاون، يعد وصمة في جبين مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ العدالة، وكان الأولى بجمال -الذي كان يحتفي في العاشر من ديسمبر بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بغرفة المحامين حين كان محامياً- أن يتمسك بمبادئه ويستقيل حين وافقت الأغلبية على مشروع القانون وباركته الحكومة.
فهو يعلم أن قانون الإعدام ينطوي على نوايا سياسية طائفية ويخترق أبسط مبدأ في القوانين الجزائية بأن تتناسب العقوبة مع الجريمة، ويظهر أن وزير العدل نسي العدل في هذه المسألة… ليستقل معالي الوزير، فاستقالته أو بقاؤه في الوزارة لن يحرك ساكناً في مستنقع سياسة السير على البركة الكويتية.
توقعت من جمال أن يصرح بنوايا الوزارة لتعديل ميزان العدل، وهو يعلم أكثر من غيره بالحالة المزرية التي يعانيها القضاة والمتقاضون، كان لنا أمل أن يصبح شهاب الصوت القوي في الوزارة من أجل العمل والدفع نحو قانون استقلال القضاء وتفعيل مواد التفتيش القضائي، وأن يخبرنا برأيه في مشاريع تدور وجوداً وعدماً مع قضية العدل وحقوق الإنسان مثل تعديل اختصاصات المحكمة الدستورية، أو اقتراح قانون الصقر بالدعوى المباشرة بعدم دستورية القوانين ورد مجلس القضاء عليه… وغير ذلك من قضايا إدارية كإعلان صحف الدعاوى والأحكام الجزائية التي تصدر غيابياً ثم يفاجأ المحكوم عليه بتجميد معاملاته في مؤسسات الدولة، بسبب حكم صدر ضده ولم يعلن به، وغير ذلك من هموم العدالة كالتأخر في طباعة الأحكام الابتدائية، مما يقلص من حق المحكوم عليه في الطعن عليها أمام الاستئناف أو التمييز… وغير ذلك من شوائب كثيرة كان من المفروض أن ينبشها الوزير شهاب، فحكم العدل والقانون يجب أن يكونا لهما أولوية قبل اعتبارات السياسة، فهل كان الوزير يحتسب أمر العدل أم أمر السياسة حين صوت مع قانون الإعدام؟، ولم يقدم استقالته بداية احتجاجاً على ذلك الطغيان المجلسي؟، قدم استقالتك أيها الصديق، فحالك من حال غيرك من وزراء قبلك ومن سيأتي بعدك… أنتم موظفون كبار… لا تهشون ولا تنشون.

حسن العيسى

تعاون أم تهاون؟

رسالة سمو الأمير بإعادة النظر في مشاريع القوانين التي أقرها المجلس واضحة، فمضمونها يقول للأكثرية النيابية إن ممارسة التشريع لا تجوز أن تكون “سلق بيض”، فالتعقل والتدبر حين يغيبان عن المنهج التشريعي تصبح تلك المشاريع كارثية على الدولة ومستقبلها، والأغلبية التي أقرت تلك المشاريع بلمح البصر كانت تستجيب لنداءات ثأرية غير متعقلة من أغلبية قواعدها الانتخابية، وكان من المفروض على هؤلاء التبصر وقيادة الرأي العام بالحوار والنقاش العقلاني لا أن يكونوا مجرد صدى لعواطف جمهور الناخبين.
لا يضير الذات الإلهية ولا الرسول ولا أهل بيته أن تصدر كلمات هوجاء شاذة من أحد يبدو أنه لم يكن في حالة نفسية سوية حين “غرد” ذلك المتهم بالإساءة للرسول، وما أضير فعلاً هي العاطفة الدينية للناس الملتزمين دينياً، وكان يكفي تفعيل قوانين العقاب السارية بالدولة بلا إفراط ولا تفريط، فلا يصح أن يقفز نواب الأمة من كراسيهم متشنجين مقترحين مثل تلك المشاريع” الدراكونية”، وكأن لديهم ثأراً من الآخرين، وتحديداً من المواطنين الشيعة وغير المزايدين على المشاعر الدينية للناس. ولا يمكن أبداً قبول مثل تلك الآراء الساذجة حين ترد على المعارضين لمشاريع القوانين المتسرعة بمقولة: ماذا تريدوننا أن نفعل حين يهاجم أحد ما الرسول، هل نبعث له بباقة ورد! لا طبعاً، لا تبعث له “ببوكيه” ورد، وأيضاً لا تبعثه إلى حبل المشنقة لمجرد أنه قال كلمات سيئة لن تقدم ولن تؤخر من مقام النبي أو أهل بيته، فمثل ذلك المشروع لا يظهر أهل المجلس غير أنهم جماعات انتقامية متعصبة منغلقة العقول، اختلطت عليهم الأمور في العمل التشريعي وانساقوا خلف أهوائهم وأهواء من صوت لهم دون التبصر بعواقب الأمور.
من جهة أخرى هناك مضمون آخر لإعادة النظر في مشاريع قوانين “السلق” موجه هذه المرة إلى أعضاء حكومة الشيخ جابر المبارك بأن لا ترتجف قلوبهم هلعاً من عصي النواب حين يلوحون بها أمامهم ، فترددت الحكومة في البداية، ثم بصمت مع الباصمين على مشاريع السلق البرلمانية، بحجة “التعاون” مع المجلس، فهذا ليس تعاوناً وإنما “تهاون” في حريات الناس ومستقبل الوطن، فدماء جرح هدر مليارات الدنانير ما زالت ساخنة من “الداو”، حين “تعاونت” الحكومة السابقة مع نداءات المعارضة وفسخت عقد الشراكة دون دراسة قانونية واقتصادية وافية لنتائج الفسخ، كانت الحكومة متهاونة وليست متعاونة، كما كانت حكومات سبقتها مثلها، متهاونة حين أقرت قوانين سيئة، على سبيل المثال لا الحصر قانون منع الاختلاط في الجامعات، أو مارست التسويف وترددت في مشروعات كانت يمكن تخطو نحو الأمام لاستثمارات مستقبلية للدولة، أو أقرت مشاريع مجلسية تهدر حقوق البشر وتخترق قلب الدستور من شاكلة حرمان غير المسلم من التجنس، كانت تلك الحكومات “تتعلث” بحجة التعاون مع المجلس أو “الحرص على الصالح العام”، بينما كان منشار النهب والتربح من الأموال العامة يسير على قدم وساق بدراية و”تعاون” ومباركة الحكومات المتعاقبة و”صهينة” من المجالس النيابية، فعلى من نضحك اليوم… وهل فهم الفريقان المجلسي والحكومي رسائل رد المشاريع أو بكلام أدق إعادة النظر فيها كما يقول الدستور! أتمنى ان يكون لهذا المجلس بعد نظر…

حسن العيسى

حلبجة سورية

لم يعد من المقبول أن نردد مقولة: إن بقاء نظام الأسد هو “أهون الشرين”، فالمجزرة الأخيرة في “الحولة” تقطع بأن نظامه هو أسوأ الشرين، وليس هناك فرق بين ما حدث في “الحولة” وبين السابقة التاريخية في حلبجة العراق، فالجريمتان يمكن اعتبارهما من جرائم “جنو سايد”، أي القتل الجماعي الذي لا يفرق بين المدنيين والعسكريين والأطفال والنساء.
الصور التي نشرتها وسائل الإعلام تخبرنا بحجم وحشية النظام، هذا النظام الذي يدفع التهمة عن نفسه باتهام المقاومة الشعبية، فأين تكون مصلحة الجيش السوري الحر في مثل هذه الجريمة؟ بل لو كانت أصابع الاتهام تؤشر إلى مجرمي القاعدة فهنا أيضاً ليس لهؤلاء المهووسين دينياً أي مبرر أو دافع “للحلبجة” الأسدية.
الخوف المشروع أو غير المشروع من أن غياب نظام الأسد سيفتح الباب للحرب الأهلية بشكل عام، وستكون الأقليات الدينية هي أكبر ضحايا مثل تلك الحرب لم يعد مقبولاً لاستمرار المجازر، فسورية تحيا حرباً أهلية حقيقية، وإن كانت في بداياتها، وإن كانت بين طرفين غير متكافئين، فالنظام يملك الدبابات والطائرات، والطرف الآخر ليس لديه سوى الأسلحة الخفيفة، لكن لو انقلبت الأمور، وهذا لن يكون إلا بتدخل خارجي من حلف الناتو، فإنه يمكن تصور أن مقدار العنف الذي مارسه نظام الأسد سيكون له رد فعل بحجمه ومقداره من أهالي وأقارب ضحايا الأمس، وسيدفع الثمن في النهاية طوائف العلويين والمسيحيين وبقية “الموزاييك” السوري، والكثير منهم أبرياء من جرائم نظام يجعلهم حجة للاستمرار كما يشاء في الحكم.
هل يعد هذا عذراً لبقاء النظام الستاليني الأسدي إلى ما شاء الله! طبعاً لا، ولا كبيرة، فكلما امتد عمر النظام في الحكم سنشهد المزيد من “الحلبجات” السورية، لكن في الحلبجة السورية الضحايا لا ينتمون إلى أقلية كردية كما كان عراق صدام، وإنما للأكثرية السنية، ولنا أن نتصور في الغد حجم الشرور التي ستخرج من صندوق “بندورا” السوري.
تسليح المقاومة السورية ليس الحل، فهذه المقاومة غير متفقة بين العسكر (الجيش السوري الحر) وبين المثقفين المنفيين برئاسة المفكر برهان غليون، ولا يبدو أن للاثنين تصوراً مشتركاً للمستقبل السوري غير إزالة النظام، لكن بعد ذلك، ماذا سيكون الحل، ومن البديل؟ فسورية ليست تونس كمثال يحتذى به، وليست مصر وليست اليمن ولا ليبيا، هي قلب الوطن العربي بكل تناقضاته وطوائفه التاريخية، ولا يمكن أن نتخيل سورية وقد أصبحت صومالاً أو يمناً جديدين، فأي إصابة في هذا القلب ستمتد بلا شك إلى بقية الجسد العربي… الضغط على النظام من المجتمع الدولي يجب أن يتزايد، والمساعدات الإنسانية للضحايا يجب أن تتضاعف، ونستغرب هنا طول الحديث الرسمي والشعبي عن المساعدة للشعب السوري، بينما أبواب الفيزا مغلقة في وجوههم، لاعتبارات أمنية كما يبدو، لكن هذا لا يمنع من الاستثناء لاعتبارات إنسانية. يبقى الأمل أن تتوحد وجهات النظر في حل معقول للمستقبل السوري بعد تنحية النظام “الجملكي” (تعبير سعد الدين إبراهيم عن الجمهوريات التوريثية) ويمكن تصور أي نظام بديل بشرط ألا يحيل سورية إلى دولة دينية أو طائفية، وهذا صعب والطريق إليه طويل في منطقة تضج بتاريخ ممتد بالطوائف والإثنيات العرقية المتناحرة، لكن هذا هو حال “الأمة” العربية المتشظية إلى أمم وقبليات وطوائف ليس لها أول ولا آخر.

حسن العيسى

حكومات شبيك لبيك… إلى متى؟!

ليس هذا وقت البحث عن ضحية يسفح دمها على أتربة الجهالة والحماقة والعنتريات الخاوية، من أجل تطهير ذنوب الجناة بعد الحكم في قضية الداو بإلزام الدولة بأكثر من ملياري دولار للشركة المدعية إعمالاً لشرط جزائي وكتعويض عن فسخ العقد.  وبداية، فإن التلويح بمساءلة هاني حسين وزير النفط أو غيره من المسؤولين في النفط هو هروب مفضوح من الاعتراف بالخطأ، والتفاف على حقيقة واقعنا المزري مع حكوماتنا ومجالسنا النيابية، فقد تمت التضحية بالاقتصاد وبالعقل من أجل أهواء السياسة ومن أجل إشباع ذات عابرة للذين أرادوا حفر أسمائهم على صفحات تاريخ الدولة، فنقشوا تاريخ وفاة الدولة على قبر مستقبل أطفالنا. لا يا حكومة ولا يا حضرات النواب يا ضمائر “شعب بوسالم”، لا يا حمزة البهلوان ولا يا أبوزيد الهلالي لا تتعبوا أنفسكم وتتعبونا معاكم في الصراخ والعويل على الملياري دولار، فمليارات أكثر ضاعت وستضيع طالما ظل هذا الفكر الرخو والمتردد يهيمن على أمخاخ أعضاء حكوماتنا، وهو فكر عاجز عن المواجهة والتصدي لحماية اقتصاد الدولة وحقوق الأفراد وحرياتهم في أتفه تحديات سياسية تحدث مع مجلس الأمة، وطالما ظل نوابنا الأفاضل يهرولون في ملاعب السياسة من غير تخطيط ولا دراية بغرض تحقيق أهداف سياسية في مرمى حكام الدولة، والضحية في النهاية هو مستقبل الدولة وأحلامنا التي نسجناها على منوال مجالس حمقاء، وحكومات مثقوبة أثوابها بثقوب لا حصر لها بعثة الفساد، فتداري فضائحها بكلمات “شبيك لبيك… حكومتك بين يديك” حين يفرك علاء الدين مصباحه في مجالس الغم كلما اشتهى وكلما قرص معدته الجوع فبحث عن الوهج السياسي. موسى معرفي العضو السابق في المجلس الأعلى للبترول يقول بالحرف الواحد في لقاء مع جريدة الراي “… إن جميع أعضاء المجلس والوزراء يعلمون الشرط الجزائي للانسحاب من مشروع كي داو، وإن من يقول: لا أعرف بالشرط الجزائي كاذب، والكل شارك في القرار، وكل شيء تم عرضه على المجلس ونعلمه…”، شكراً يا سيد موسى فقد شهد شاهد من أهلها، وأشرت بأصبعك إلى جرحنا النازف، فلم البحث عن “عوير وزوير” كي يكونا طوق نجاة في بحرنا الآسن من مجاري الفساد واللامسؤولية… أنتم يا نواب الأمس ونواب اليوم مسؤولون… وأنتم في حكومة الأمس وحكومة اليوم مسؤولون…! لكن ما الجدوى إذا كانت العقول في المجلسين لا تتعلم من دروس الفشل، وما أكثرها، دروس ومحن مرت مرور الكرام، ودفعنا من مستقبلنا أكبر ضريبة دون جدوى… فهل ستتعلم حكومة اليوم كيف تقرأ… وكيف تواجه وتناقش نواب الأمة وتحسن الأداء في مرافعاتها… وإذا لم ينصت هؤلاء النواب لصوت العقل فهل تخاطب الحكومة البشر الذين انتخبوهم، وتخبرهم بكل شفافية عن كارثة مالية حدثت وكوارث ستحدث إذا بقينا نسير على هذا الطريق وعلى هذا المنزلق دوى عيون تبصر ولا عقول تتدبر…؟ يبقى أن نذكر بالخير النائب السابق ناصر الصانع، فقد قال كلمة حق في مخاطر فسخ العقد، وحذر فلم ينصت له أحد، ومَضى ناصر ومضت الحكومة والمجلس في غيهما وفسخ العقد…! فلنذكره الآن بالخير فهذا أقل ما يمكن أن نقوله له مهما اختلفنا معه في منهج الفكر… فتحية لك يا ناصر ولا عزاء لنا اليوم.