انتهيت هذه المرة مبكراً من ممارسة طقوس الواجب بالمباركة بالعيد لشقيقتي الكبرى وأرملة شقيقي الأكبر، فلم يعد هناك من يفترض أن أعايده وأستكمل أداء الأصول الواجبة، فالبيوت التي كنت أعايد أهلها تتقلص عاماً بعد عام، قبل سنوات طويلة رحلت أمي، وبعدها خالتي الكبرى ثم بقية الخالات والإخوان، وكل مرة يطرق الموت بيت أحدهم تنقص بالتبعية مشاوير الزيارات للمباركة بالأعياد، تلك ميزة وفرها لنا الزمن عبر جسر الموت ليخفف من أعباء الواجبات.
أعيد في كل زيارة مباركة بالعيد بعبارة، “لم يبق إلا أنت وأم عمر”، أقولها مداعباً شقيقتي، وبعدها لا زيارات أعياد، لكن من يدري فقد أسبقكما إلى الفناء، وهنا أيضاً أصل إلى ذات النتيجة، فلا زيارات مباركة وراحة أبدية، الموت مهما كانت أسبابه لن يحملك أي خسارة، ففي النهاية لا فرق كبيراً بين الخواء الروحي والاجتماعي في الكويت والموت، فهما يستويان في ميزان العدم، حقيقة لا تخسر شيئاً حين تموت كويتياً أو ساكناً في هذا البلد.
الطباخ البنغالي محمد سيد القوم في المنزل يأخذ إجازة العيد، إذن لا غداء في المنزل، عندها لابد من العودة الراسخة إلى عاداتي وتقاليدي وممارسة واجب البحث عن مطعم لنعلف به ثم نتجشأ هواء رطباً ساخناً يتلاشى سريعاً في طبقات الغبار الرمادية، والتنقل بين مطاعم “الجينكي” الكثيرة في كل زاوية متربة بالدولة أو مجرد التفكير كيف ستقضي ساعة البلع والزلط في مولات الدولة يعد نوعاً من البهجة، هي حتماً آخر ملامح للبهجة، في بلد الحرام والحرمان.
دخلت مع ابني محمد إلى مطعم علفي عادي، لم يكن معي بقية أبنائى وبناتي، فابنتي الكبرى مرهونة عند ابنها الصغير، وحامد سافر إلى دبي، فهو يقول إن العيد لا يطاق في الكويت، بينما أقول إن الحياة كلها لا تطاق في الكويت، أما الابن علي فقد أغلق على نفسه باب الغرفة، ولا أعرف ولا يهمني ماذا يفعل… آسف نسيت أول الموضوع، بعد أن ولجنا المطعم، فقد حدث… أنه لم يحدث شيء… قرأنا المينيو وطلبنا من الجرسون الفلبيني الأكل المقرر، هو مقرر كأيام الروتين المقررة في بلد اللاقرار، وكالحكومة الموقرة وكالمعارضة المقررة وكالموالين من الأوفياء التابعين، كل أمر هنا مقرر سلفاً، أكلنا، شربنا، نومنا، صحونا، تفكيرنا مقرر علينا، أليس هذا ما “يقرره” المفكر الإيراني داريوش شايغان فقد كتب: “هكذا يظل الفرد ترجيعاً للصدى في سلسلة العلاقات الكلية حيث تعد كل حركة شاذة وكل انحراف عن المجموعة وكل إبداع فردي فساداً للانسجام المسبق، بل وخروجاً على الجماعة…”، لنترك كتاب داريوش “ما الثورة الدينية” ونعد إلى مطعم علفان ستيك هاوس.
كما قلت لكم لم يحدث شيء، والذي حدث حقيقة هو أنني أخذت أعد كم ذكراً وكم أنثى يجلسون في المطعم، الطاولة التي بقربي يجلس عليها ذكران شابان لا يتحدثان، يتأملان ساحة المطعم، يتأملان اللاشيء… مساكين، ومسكين من يكون شاباً يقرر مصيره العجائز، ثم هناك طاولة بعدها جلس عليها مواطنان في منتصف عمريهما، أحدهما له بطن كبير يكاد يسقط للامام ويعلن الثورة والعصيان على “الدشداشة” التي تغطيه… هو أيضا مسكين من مساكين الكويت، فالبلع ونفخ الكرش عندنا هو وسيلة لتمضية أوقات الفراغ، لم يكن الأكل أبدا بدافع الجوع، فنحن نعوض الجوع الروحي بالأكل وتفاهات القيل والقال و”شنو قالوا وما سمعتوا… وما دريتوا…”، بقية الطاولات كلها تحيط بها كتل من الذكور عدا طاولة واحدة جلس عليها ثلاثة أجانب غربيين ذكور ومعهم أنثى واحدة هي فلبينية، كانت تلك الطاولة اليتيمة التي انخرط أصحابها في الكلام مع بعضهم ووجوههم تتفاعل مع الحياة بالابتسامات والضحك… لماذا هم مبتهجون؟ لأن معهم “أنثى” والأنثى هي الفن والجمال، أم تراهم فرحين لأنهم يعلمون أنهم في النهاية سيغادرون قلعة الغبار الكويتية المملة.
مضى الوقت سريعاً أو بطيئاً لا أدري، أعلم أنه في كل ثانية تمر تخصم من العمر وتقربك من النهاية ولا توجد لحظة حاضر، فهذه يقذفها النور إلى الماضى وتلج إلى المستقبل حالاً، ويصبح الحاضر “الآن” ماضياً، وكلما امتد بك العمر تراكمت في خزينتك الروحية أرصدة من لحظات عمر الذكريات، وهي لمن كان في أعمارنا أجمل كثيراً من اليوم، قد يكون السبب أن الشباب دائما أجمل أو أن الكويت كانت أجمل في لحظة الليبرالية التي مرت سريعاً في السبعينيات أم أن كآبة اليوم هي كآبة العمر، فالذين عشت أجمل سنيني معهم والذين ضحكت وفرفشت بمجالسهم، رجب أمين وعبدالله سعود والفنان راشد الخضر ونصر الله النصر الله… وفايز المطوع والقائمة ممتدة، كلهم رحلوا بعد أن اشترى لهم عزرائيل تذاكر سفر سريعة “ون واي”. تذكرت أحد الأحياء من الأصدقاء اقترح بصيغة تساؤل، وبعد أن عزينا بوفاة قريب: ما رأيك أن نسهر الليلة في الصليبيخات (المقبرة) فهناك “اونس” كل الربع موجودون! موجودون كجثث، رمم، كانوا وكانوا مثلنا موجودين، الآن ليس لهم وجود، وسنصير يوماً ما مثلهم.
خرجنا من المطعم، ذهبت للمنزل، جلست وحدي كالعادة، مرت على خاطري عبارة للروائي الياباني “مشيما” من رواية “معبد الفجر” (أعتقد ذلك) بأن الشيخوخة هي الموت بل هي أسوأ منه، لم ينتظر مشيما الشيخوخة ولا مفاجأة الموت، شق بطنه منتحراً على الطريقة اليابانية.
مضى العيد، ومرت عصريته، ويمضي بنا العمر، ولا يبقى لك غير الذكريات، ولوعتها، ولن تجد العزاء مع بروست ولا منازل سوان وستظل تبحث عن “الزمن المفقود”.
التصنيف: حسن العيسى
اعقلوا قليلاً يا فرسان الطوائف
لماذا يكره نواب مثل خالد سلطان العيسى ووليد الطبطبائي شيعة الكويت؟
ولماذا ينظرون إلى الشيعة بنظارة سوداء قاتمة تحجب بصيرتهم عن رؤية حقيقة الهوية الكويتية وتاريخ شيعتها كأساس ثابت وطيد منها؟ ماذا فعل شيعة الكويت لهؤلاء النواب المتشنجين دينياً والمتدثرين بشعار عنصري متغطرس يقول: نحن وحدنا الفرقة الناجية والبقية في النار، وطبعاً “الشيعة” سيكونون وقودها قبل بقية خلق الله من علمانيين وليبراليين ويساريين ونصارى ويهود…! لماذا يقيس هؤلاء من القيادات الفكرية للحركات السنية السياسية الشيعة بمسطرة واحدة، وهي مسطرة عوجاء متآكلة أطرافها غير مستوية، فلا يفرقون بين صادق خلخالي ود. حسن جوهر مثلاً، ويستوي عندهم أشد المتشددين كإمام نكرة في حسينية منزوية بشارع مجهول في طهران وبين الإمام السيستاني الذي ردع جموح الجنون والثأر والانتقام عند شيعة العراق عندما فجرت حثالات «القاعدة» المراقد ومواكب العزاء الشيعية، وحقن هذا الزاهد الكبير دماء الكثيرين من سنة العراق؟
ولماذا لا تفرق قيادات الفكر الطائفي الكويتي بين طائش شيعي يبحث عن الأضواء، ولعن شخصيات من الصحابة واجترّ حوادث سياسية مَضى عليها أكثر من ألف عام، وبين شيعي تقدمي رفض الهوية الطائفية وتمسك فقط بهويته الإنسانية؟
أين مصلحة الكويت ووحدة أهلها، حين تكون العقدة النفسية التاريخية لهؤلاء النواب هي الشيعة والشيعة والشيعة ولا أحد قبلهم ولا أحد بعدهم؟، وأين هي الوحدة الوطنية المزعومة حين يدور محور خطابهم البائس على التشكيك في ولاء شيعتنا وأهلنا الكويتيين ويرمونهم بأنهم “طابور خامس” لإيران وعملاء حسب الطلب للجمهورية الإيرانية؟ لماذا لا تتفهم تلك القيادات السياسية الدينية وضع الأقليات أياً كان موقعها في دول التخلف الفكري والحضاري عندما تنظر إلى ما وراء حدود الدولة حين تشعر بالغبن السياسي والاجتماعي في أوطانها، فتتصور أن إيران كمثال هي الدولة اليتيمة الحامية الوحيدة لهويتهم الطائفية بعدما رسخ غلاة الأغلبية مشاعر النبذ والاستبعاد لها؟
لا نريد من أكثرية “أهل السنة والجماعة” غير أن يدركوا بأن الكويت ليست سورية الجريحة ولا لبنان الملتهب، ولا نريد لهذا الوطن الصغير أن يكون حاضنة تفريخ للكراهيات الطائفية. ليتذكر مشايخ السلفيات الكويتية أن عمر حسينية معرفي أكثر من مئة عام، وأن “جندل و”باسجيل” سقف الحسينية الخزعلية كان يمدنا بشعور عميق بهوية الكويت وبهويتنا التاريخية التي “كانت” متسامحة قبل أن تزال تلك الحسينية الأخيرة ليقوم مكانها مبنى البورصة المالية، كبناء للحداثة المزورة، ففيها تتم المضاربات المادية ووراءها تتم المضاربات الطائفية السياسية التي يقودها “فرسان المناخ” الطائفي المدمر. اعقلوا قليلاً يا فرسان الطوائف، وكفوا عن سكب البنزين على جمر كراهية الآخرين.
أبناؤنا سيجنون حصادكم المر
لا يمكن وصف قرار الحكومة بالذهاب إلى المحكمة الدستورية بغير العنجهية والعناد السلطوي، وكان أولى للسلطة أن تبادر من ذاتها بقراءة الواقع السياسي والتغيرات التي تعصف بالمنطقة، والتي ترشح الكويت على أنها الأقرب لتحقيق “الإمارة الدستورية” أو الملكية الدستورية من بقية دول الملكيات العربية في منطقة الخليج، والمقصود بالملكية الدستورية تفعيل المادة السادسة من الدستور بأن الأمة مصدر السلطات كواقع حقيقي وليس كلاماً على الورق وجدلاً فارغاً بأن الكويت فعلاً إمارة دستورية… فعلى من نضحك…!
كان أولى للسلطة أن تستمع لصوت العقل وتغلق أبواب الأزمة السياسية منذ لحظة حكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الأخير، وأن تأخذ خطاب أغلبية نواب ذلك المجلس على محمل الجد، رغم أن المواطنة الحقة القائمة على مبدأ المساواة واحترام كرامة البشر ترفض الطرح الديني المذهبي المتشنج للقوى النافذة من المجلس السابق، الذي قنن حالة قديمة من بداية الثمانينيات بإعادة خلق الدولة كمثلث للكآبة والملل وأرض خصبة للنعرات المذهبية، تغطيها سماء من الفشل الاقتصادي والفراغ الاجتماعي والسياسي، لكن ما العمل اليوم وقد أضحينا نجني حصاد الأمس المر الذي بذرته السلطة بقصر نظر. ومهما رفضنا ممارسات عدد من نواب الأغلبية اليوم حين ذروا الملح على الجرح الكويتي في المسألة الطائفية فإنه من الواجب أن نرفض قبل ذلك ما حدث من تصرفات سلطوية سابقة متخلفة في “دهان سير” بعض نواب مجلس ٢٠٠٩ مع ما رافقها من سياسة “الجيب المفتوح” من المال العام لإسكات الجمهور وتخدير وعيه السياسي وصرف نظره عما يحدث في الأمة العربية.
ليس هناك من يريد الخروج إلى ساحة الإرادة لممارسة اعتصام شعبي ضد قرار الإحالة إلى “الدستورية”، وليس هناك من يريد للدولة أن تغرق في قضايا هامشية ونتناسى الإجابة عن سؤال فحواه، ماذا خططنا لما بعد حقبة “البندروسا” النفطية؟، وهل استثمرنا بشكل صحيح في الإنسان أم في شراء ذمة هذا الإنسان؟! إلا أن السلطة هي الآن من تفتح الأبواب للتجمعات والاعتصامات حين “ركبت رأسها” واستمعت لنصائح “وعاظ السلاطين” بطرق أبواب المحكمة الدستورية كي تحدد المحكمة مفهوم “العدالة” في توزيع الدوائر الخمس! هل فكرت السلطة عام ٢٠٠٦ في العدالة حين شرع نظام الدوائر الخمس؟، وهل نظرت هذه السلطة في ميزان العدالة حين كانت الأغلبية في جيبها بمجلس ٢٠٠٩؟! سبحان الله… كيف خطرت العدالة على بالها اليوم وكانت بالأمس نسياً منسياً… سبحان مغير الأحوال… هي الأحوال التي تتغير برضانا ورغم أنوفنا، ومع ذلك مازالت السلطة والكثيرون منا للأسف يصرون على بقاء ما كان على ما كان… هم يعاندون قدر الزمن… والخاسر الكبير هم أبناؤنا في النهاية، أما نحن فلم يعد لدينا ما نرتجيه لا من السلطة الحاكمة ولا من يطرح نفسه كبديل عنها.
الظاهرة الجويهلية حالة متكررة
بصرف النظر عما إذا كان “تويت” سب قبيلة المطير والبدون وغيرهم من أهل الكويت، الذين عدهم “من اللفو والهيلق” بعبارة “التويت” المقرفة، موثوقاً بنسبتها للنائب السابق محمد جويهل، أم مختلقة ومنسوبة إليه كما يقول في دفاعه، فليس هذا ما يعنينا، فالإساءة للمطران أو أي قبيلة أو عائلة أو طائفة أو أي جماعة أخرى، وكل إنسان يعيش في الكويت حمل الجنسية أو حمل شقاء عمله في الوطن، “قد” يشكل جريمة حسب قانون الجزاء، أو لا يكون جريمة، وهي مسألة ليست من شأن أحد غير سلطة القضاء في النهاية، وليس لنا أن نصادر اختصاصها مهما كان عمق جرح مشاعرنا وإحساسنا بتفاهة وحقارة من سطر عبارات البؤس السالفة.
همنا الثقيل، ليس الجويهل أو غيره الذين يرتدون “جلباب” الأصالة الحضرية، وأبناء البحر ويرفضون الآخرين، والآخرون اليوم هم أبناء القبائل، وكانوا الشيعة بالأمس وحتى اليوم، أو البدون المبتلين في حياتهم وكراماتهم، وقد يكونون البياسر (كلمة أخذت تزول اليوم ليحل محلها استقطاب الحضر والبدو) أي من غير أبناء القبائل الكبيرة، فهذا الإناء الكويتي اليوم وينضح بما فيه.
همنا هو تلك العقلية الخائبة المؤمنة بحكمة “فرق تسد”، فما قيل بالأمس ويقال اليوم، وقبل “تويت” الكراهية العنصرية المتعالي، إن الجويهل، الذي لم ينزل بصدفة السماء لعالم السياسة وأسن سياسات الجهل بالدولة، ولم يفز في الانتخابات الماضية ببركة وعي وثقافة الثمانية آلاف ناخب فقط (لست متأكداً من عددهم) حين وجدوا (الناخبون) فيه رداً معنوياً لاعتبارهم المنسي، هذا لا يعني أن بقية الناخبين الذين تحلقوا حول القبيلة للحماية ولتعزيز السلطة المتشظية، أو تحلقوا حول الجماعات الدينية المتزمتة، هم أفضل من الثمانية آلاف الذين صوتوا لـ”لوبن” الكويتي، فالحال من بعضه، وإنما هو ومن على شاكلته يمثلون حلقة واحدة من حلقات متصلة لمخطط جهنمي يحيك شباكه أناس كبار في السلطة، يفتت الديرة كي يبقوا وحدهم المهيمنين على الدولة ومقدراتها.
الظاهرة الجويهلية، كما كتبت قبل أشهر، ليست مرتبطة بالجويهل ذاته، هو يعبر فقط بكل فظاظة عنها وعن خوائها وخواء وسخف حياتنا السياسية والاجتماعية. كم أتمنى أن ما يشاع اليوم ليس صحيحاً من أن أفراداً من سلطة الحكم تروج للجويهلية وتنفخ بنفس لا ينقطع على نارها، متوهمة أن هذه وسيلتها كي يكون كلامها مسموعاً، وأن هذا مذهبها القائل إنه “لولانا لتقاتلتم”، فاعرفوا حدودكم يا أهل الكويت إن كنتم لا تعرفون مقامنا، وقد يريد هؤلاء، سواء كانوا من المحرضين على الفتن أو الطامعين في الحكم، استعراض قدراتهم على كبارهم في السلطة، حين شخصوا الحكم على أنه غنيمة يستحقها الأمكر والأذكى… وفي ذلك يتم اختزال الدولة في سلطة الحكم لا أكثر، وتقفل الأمور على استبداد آخر بوجه جديد.
لنحذر… فما يهدد هذه الدولة الصغيرة ليست قوى الخارج، وإنما هو الداخل بالأمعاء المنهكة وهو الداء الجويهلي.
لا خيار غير تجرع علقم المعارضة
هي سلطة شريم تنفخ و”ما ميش برطم”… بكلام ثانٍ السلطة تحفر في البحر، حين تعجز عن هضم مجلس ٢٠١٢ المبطل، وتجهد نفسها في البحث عن بدائل يمكن أن تعيد ذكريات زمان، ومجالس أغلبية شعار الشيوخ أبخص والجيب أوسع. على السلطة أن تدرك في النهاية أنها مهما حاولت اللعب بأوراق الانتخابات، فالنتيجة واحدة، فهي إما أن تنحني لرياح التغيير أو تعاند وتتهشم عندها أغصانها، فبدائرة واحدة أو مليون دائرة وبصوت واحد أو بمليون صوت، شريم الكويتي ابن السلطة سيظل أشرمَ عاجزاً عن النفخ من فم السياسة، وبعض “التحف” النيابية التي نجحت في المجلس المبطل ستغير بدلها ولون جلبابها (ربما) وتعود من جديد. سيعود “فولتير” وروسو” وبقية الرموز التقدمية إلى كراسيهم، ولو بأسماء أخرى، ولا فائدة من محاولات إعادة إخراج مسرحيات تحصين الدوائر الخمس أو تبديل عدد الأصوات في دوائر جديدة، فليس في القدر الكويتي غير أهل الكويت الذين تغير وعيهم السياسي، فسُنة الحياة التغيير والتبديل، بينما تتصور السلطة أن الدولة ثابتة كالطود الراسخ، وهي قمة من القمم العربية في الديمقراطية والحريات السياسية، في حين أن الحقيقة تقرر أن قطار الديمقراطية في دول الربيع سبق الكويت بمشوار طويل، والكويت أكثر الدول الخليجية –المحافظة – الأكثر عرضة للتغيير المقبل بسبب حراكها السياسي في السنوات الماضية قبل ثورات الربيع. التقدميون، أكثر من السلطة، يصعب عليهم قبول مثل تلك المجالس المتطرفة في محافظتها وفي مزايداتها على المشاعر الدينية للكويتيين، لكن هذا لا يبرر أن نتبنى الطرح الحكومي حين تقوم الحكومة بالتشكيك في الدوائر الخمس وتتعذر بغياب العدالة في توزيع أصوات الناخبين بين الدوائر، فهنا سيُظهر التقدميون أنفسهم على أنهم مجرد أبواق “العقلانية” للحكم بالظاهر، بينما هم عملاء مستفيدون للفساد الرسمي، طبعاً هذا غير صحيح، فالكثير من التقدميين مخلصون لقضية بلدهم ولقضية الحريات العامة والخاصة، وليسوا شللاً منتفعة لـ”المناقصات، والتوزيعات الخاصة”، لكن ما باليد حيلة، فهم قلة، وسيبقون قلة في الكويت والوطن العربي لسنوات ممتدة. واليوم حين وجدوا أنفسهم في حالة حصار بين مطرقة الحكم وسندان القوى الدينية السائرة عكس حركة التاريخ، ليس من المفروض أن يحتموا بالنظام، وهذا واقع الأقليات (أياً كانت تصنيفاتها) في جُلّ الدول المتخلفة التي لم تصل بعد إلى مفهوم الدولة الأمة كواقع اجتماعي قبل أن تكون الدولة كواقع سياسي، والتي لم تنضج إلى مستوى مفهوم وحدة المواطنة، وتهميش الانتماءات الطائفية والقبلية والعرقية. السلطة تُغرق نفسها، وليس من مهمة التقدميين أن يرموا بطوق النجاة إليها متى أصرت السلطة على رفض تجرع مرارة مجالس المعارضة…. علينا أن نمد اليد إلى أصوات من القوى الدينية هي خافتة اليوم، لكنها تتكلم ولو بكثير من الحياء عن رفضها لأطروحات المتزمّتين من فصيلة الطبطبائي ومحمد هايف وأسامة مناور، ويمكن أن نجد عند الحركة الدستورية بعض الأصوات الجيدة التي تقف على يسار الحركة، كذلك الأمر حتى مع التجمع السلفي، وهناك بالطبع التكتل الشعبي، الذي مهما قَيدت قواعده الانتخابية القبلية والمحافِظة يديه وطرحه للتحديث، إلا أنه في النهاية ليس محسوباً على المتشددين الدينيين ودعاة الدولة الدينية… ليس لنا خيار آخر… ففي النهاية لا نريد للقلة التقدمية المتقلصة أن تحفر في البحر مثلها مثل الحكومة.
كي لا نجتر أخطاء تجربة أفغانستان
لا يقل خطر إرهابيي “القاعدة” على الثورة السورية عن خطر النظام ذاته الذي يحاربه الثوار، فكل التعاطف والمساندة اللذين يتلقاهما الجيش السوري الحر من الدول الأوروبية والولايات المتحدة سيحترق تماماً مع كل تفجير انتحاري يقوم به أفراد “القاعدة”، أو حين يوزعون شريط فيديو مرعباً يماثل الأشرطة التي كانت تنشرها “القاعدة” في العراق من بطولة الزرقاوي وخالد الشيخ محمد وغيرهما من مهووسي العقيدة الدينية. الخبر الذي جاء بشكل “مانشيت” كبير في “نيويورك تايمز” عدد الأربعاء الماضي عن ضلوع جهاديي “القاعدة” في عمليات ضد نظام الأسد، يثير القلق، فهذه الجريدة لا تنجم ولا تقرأ الفنجان المقلوب كي تعرف ماذا يحدث في المأساة السورية، فلها اتصالاتها مع أجهزة المخابرات الأميركية، وبالتالي فهي تقرع جرس الإنذار لدول الغرب كي تفكر في ما قد تنتهي إليه الأمور في سورية. فيروس مرض “القاعدة” إذا توطن في جسد ثوار سورية، فهذا يعني بداية النهاية للثورة، ما لم يتدارك الثوار خطورة مشاركة جهاديي “القاعدة” معهم، ومهما كانت أوضاع الثوار صعبة حين يواجهون ببنادقهم البسيطة دبابات وطائرات النظام الأسدي فإن تصفية فيروس “القاعدة” من جسد الثورة مسألة يجب أن تكون لها الأولوية عندهم. كذلك يفترض، أن يوجه التحذير من وباء “القاعدة” إلى الدول الخليجية التي تضخ أنظمتها الأموال والدعم للثوار السوريين، فعلى هذه الدول أن تميز بين الثوار والإرهابيين الأصوليين، فالثوار ينشدون الحرية والكرامة، بينما الإرهابيون يبحثون عن الانتقام من أي طائفة أو فريق ليس منهم، والأنظمة الخليجية التي اصطفت مع الثورة السورية للروابط المذهبية والقبلية ولمواجهة الامتداد الإيراني في المنطقة العربية، لابد أن تفتح عيونها جيداً على مصارف التبرعات والمساعدات التي تضخ لسورية، وتنتبه لهجرات الجهاد المتجهة من أراضيها إلى سورية، فالبؤساء الذين شردوا من قراهم ومدنهم وأضحوا لاجئين في تركيا ولبنان، ومعهم كل الضحايا المدنيين في الحرب الأهلية هناك، كل هؤلاء يجب أن تكون لهم الأولوية في المساعدة الإنسانية. على دولنا الخليجية أن تقلق من الغد، ليس من أجل سورية الجريحة التي يتهددها التقسيم الطائفي وتهيمن عليها اليوم الحروب بالوكالات حالها من حال لبنان الأمس وربما الغد، وإنما من أجل هذه الدول ذاتها، ففي الثمانينيات هللت دولنا للمجاهدين الأفغان الذين كانوا يحاربون السوفيات، وباركت لهم ودعمتهم بالمال والدماء، وبعد خروج السوفيات، أزاح المجاهدون قناع الراحل عبدالله عزام ليظهر لدولنا وحش فرانكشتين على هيئة بن لادن والظواهري ومن تبعهما من حثالات الهوس الديني، وغشانا الغثيان بمشاهد قطع رقاب في العراق أو باكستان، وإقامة حد الزنى على فتيات صغيرات في ملاعب كرة القدم في قندهار، والرصاص والمتفجرات التي دفعت دول الخليج ثمنها مقدماً، ارتدت علينا في السعودية وفي الكويت، فهل نتعظ اليوم مما حدث، وهل نقدر أن سورية ليست أفغانستان ودمشق ليست كابول، وليست حلب اليوم قندهار الأمس. دعم الشعب السوري مسألة يجب ألا يكون عليها خلاف، لكن على دول الخليج أن تتعظ من الماضي وتكف عن اجترار الأخطاء.
براقش في حضن الحكومة أم حضن الأغلبية؟
لماذا الحكومة (شيوخ الديرة تحديداً) “تدور الطلايب”، وبين كل يوم وآخر تطلق بالونات اختبار، ماذا تريد بالضبط؟ وماذا يدور في رأس الحكومة ورؤوس مستشاريها! يبدو أن الحكومة تاهت وتوهت أحوالنا معها، أسابيع عدة مضت والدولة في “حيص بيص” بين جس نبض الشارع وقراءة ردود فعل المعارضين للسلطة ومنهجها (هذا إذا كان لديها منهج). الآن، وكالعادة، تتحدث الحكومة همساً على لسان الصحافة والإعلام، وبطريقة “عبر مصدر حكومي رفيع المستوى او موثوق به” (وكلها كليشهات مملة وخائبة تضج بها الخطابات الرسمية حين تتحاشى الشفافية وضرورات المواجهة) بأن الحكومة تدرس تحصين نظام الدوائر الخمس بإحالته إلى المحكمة الدستورية، فقد ظهر للحكومة بالمصادفة، وهي مصادفة حكم المحكمة الدستورية ببطلان المجلس الأخير، أن نظام الدوائر الخمس مخالف للدستور! ما هذا! بعد أكثر من خمس سنوات من العمل بنظام الخمس دوائر، اكتشف حصفاء الديرة أنه يفتقد العدالة، ما شاء الله، وكأن أعلام العدالة ترفرف عالياً على سطوح قوانين الدولة ومؤسساتها… فهل كانت العدالة أوفر حظاً في الخمس وعشرين دائرة، وهل الدوائر العشر التي يبشرون بها ستكون أكثر عدالة غداً حين يرسم فنانو السلطة والسائرون بهديها خرائطها. لا بد من الإقرار بأن مجالس الخمس دوائر لم تقدم جديداً على صعد الحريات أو التنمية البشرية، العكس هو الصحيح، فقد زادت الاستقطابات القبلية والطائفية، وانتهكت حقوقنا الخاصة، واستبدت الأغلبية بخطابها المتحجر ضد الشيعة والمختلفين معها، وزاد الفساد وأمراض مستعصية كالواسطات والمحسوبيات والرشوة، وكل أصناف الرداءة تراكمت في عهود مجالس الخمس… ربما ليس بسبب نظام الخمس دوائر فقط، كي نكون منصفين، وإنما هناك أسباب إقليمية عربية، مثل الربيع العربي وما يصاحبه من هيجان طائفي وعرقي، ألقت بظلالها على هذه الدولة الصغيرة، لكن ماذا يمكن أن نعمل؟ وهل محنة الدولة سببها تقسيم الدوائر، أم أن المحنة كامنة في عقول الكويتيين وثقافتهم وعصبياتهم للقبيلة وللنسب العائلي وللطائفة وللشللية ومصالحها؟ سؤال لا بد أن يسأل اليوم، وهو أولى من حركات “جس النبض السياسي” أو التلويح بالاحتكام للمحكمة الدستورية، فليس من السهل تحديد مفهوم العدالة بالإنصاف والمساواة فقط، وليست هناك أجوبة مطلقة لفكرة العدالة، وليست هناك خطوط قاطعة بين السياسة والقانون. لتدع الحكومة الدوائر على حالها، إن كانت تريد الاستقرار السياسي، وإذا كانت هناك قناعة بأن التقسيم الخمسي غير عادل، فلينطق بهذا الحكم المجلس المقبل، ومن أفواه الأغلبية وليس المحكمة الدستورية، فهم من يعترض على الإحالة إلى المحكمة، وهم من يقول إن الحكومة لا تريد خيراً للديمقراطية حين تتأجل الانتخابات المفترضة لأجل غير معلوم ويبقى مجلس ٢٠٠٩ ببعض نواب الذمم المطاطية هماً على قلوب الناس. فلتترك الحكومة للأغلبية – مهما صعب تجرعها- سلطة تعديل الدوائر، وإذا حدث أن تم الطعن بالتقسيم الخمسي، في ما بعد أمام المحكمة الدستورية، وبفرض أن المحكمة الدستورية قد (وقد مجرد احتمال) تحكم ببطلان التقسيم الخمسي للدوائر لغياب المساواة، عندئذ يمكن للسلطة الحاكمة أن تقول للمعارضة: على نفسها جنت براقش، “وزرع زرعتيه…”.
لا من شيوخنا ولا مشايخنا
إذا كانت الكويت “إمارة دستورية” كاملة الدسم حسب تصريح السيد أحمد السعدون، وكما كتب عدد من الزملاء، فهذا يعني أن الكويت والبحرين والأردن والمغرب لا تختلف بدرجة “الملكية الدستورية” عن النرويج وكندا والسويد، وقبل كل تلك الدول المملكة المتحدة، التي دشنت ثورتها “المجيدة” (كما يصفونها) عام ١٦٨٨ مبدأ الملكية الدستورية، لكن مادام الكثيرون يرون أن الكويت “إمارة دستورية” فليكن، ولنعتبر تصريح السيد أحمد السعدون للشباب نوعاً من الدعوة إلى التهدئة في طرح التكتل الشعبي، الذي مثل خطاب السيد مسلم البراك في الدعوة للإمارة الدستورية أقصى يسار المعارضة، بينما مثل التجمع السلفي أقصى يمين الأغلبية المعارضة حين رفض الأحزاب والحكومة البرلمانية وتقريباً كل برنامج الأغلبية، بينما يقف رئيسه خالد السلطان في موقف مبهم لا نعرف “كوعه من بوعه”، ويبقى نواب حدس في الأغلبية بين البينين، وبالكلام الشعبي بين “المايتين”، ويعرفون تماماً كيف تؤكل الكتف. ويبدو أن الضرب على وتر الإمارة الدستورية لم يعد يطرب آذان دعاة الإصلاح السياسي من الشباب فارتضوا بالدعوة للحكومة البرلمانية، والسماح بـ”الهيئات السياسية”، وهذه “الهيئات” لا يمكن فهمها بغير التصريح للأحزاب السياسية بالعمل العلني الحر، فلماذا غيروا التسمية؟… لا أدري! كيف سننتهي من حالة الضياع الدستوري اليوم، وهل في جيب السلطة الحاكمة، وهم شيوخ الديرة (الدولة العميقة)، أي تصور للمستقبل السياسي للبلد؟ وهل سيقبلون بالتغيرات الحادثة والقادمة في المنطقة أم سنظل على نفس الحال نراوح مكاننا إن لم نكن نتراجع للخلف على جميع الصعد، حالنا من حال الخطوط الجوية الكويتية الداثرة…؟ والسؤال نفسه يجب أن يوجه إلى “الأغلبية” المعارضة… نسألهم في أي ميناء سترسون؟ ميناء محمد هايف وأسامة مناور ووليد الطبطبائي، أي الميناء الرسمي للدولة الدينية المستبدة التي تنفي الآخر وتهدر الحريات الإنسانية، أم ستظلون تجدفون في بحار معتمة لا ترون فيها بر الأمان…؟! هل لكم أي تصورات للوضع الاقتصادي للدولة في وقت تطل على العالم ملامح ركود اقتصادي يرافقه تدني أسعار النفط كبضاعة الدولة اليتيمة، أم ستظلون ترفعون شعارات الفساد والمفسدين كلوحات انتخابية عريضة؟ وهذه دعوات حق لكنها لا يجوز أن تكون ذريعة لإخفاء حقيقة غياب برنامج عمل اقتصادي للمستقبل! أسئلة كثيرة تتردد في رؤوس قلقة من مستقبل غامض، لا أجد لها إجابة لا عند شيوخنا ولا مشايخنا… دعوها تسير على البركة بحكم العادة الكويتية المتأصلة.
بدون جنسية وبدون تلفونات
عرفنا أن “البدون” هم بدون جنسية، لكن ما لم نعرفه إلا مؤخراً ومن تصريح وكيلة وزارة التربية المساعدة للتعليم الخاص أن البدون في الكويت أيضاً هم “بدون تلفونات”، هذا “فنتق” جديد لم نكن ندركه من قبل، إذ إن البدون ليسوا محرومين من الجنسية فقط وإنما من “أرقام تلفونات” تمكن السلطات أن تتصل بهم!
ليس عندهم أو عندهن تلفونات أو أن أرقامهم (وهن) مسجلة بالخطأ، ليست مسألة كبيرة مادام وجود البدون كبشر ليس معترفاً به في الدولة، ويتم التعامل معهم على هذا الأساس، فحقيقة “وجودهم” محددة وفقاً للون البطاقة التي تصرفها اللجنة المركزية للبدون (اسمها طويل وممل لن أتعب نفسي في تذكره)، ويفترض أن “للبدون” رقم تلفون طالما أنه يحمل بطاقة ملونة تحدد مركزه القانوني في سلم أولويات منح الجنسية الكويتية، وبهذا الرقم التلفوني للبدون، وهو ليس رقماً مدنياً موحداً موجوداً في بطاقاتنا المدنية، يمكن الاتصال بالبدون المتفوقين والمتفوقات وتكريمهم (هن) حالهم كحال بقية الطلاب والطالبات من الكويتيين وغير الكويتيين.
لكن هذا لم يحدث حسب تصريح السيدة الوكيلة، فأرقام تلفوناتهم مسجلة “خطأ”، حسب كلام الوزارة، وبالتالي، ورغم أن البدون مع غير الكويتيين كان لهم حصة الأسد في المراكز المتفوقة، وهم أقلية، إلا أن حفل التكريم البسيط لم يشملهم ويشملهن، وأيضاً الحسرات تحرق قلوبهم، فالقبول بالجامعة الكويتية محدد جداً للبدون، وبالتالي مهما كانت درجة التفوق عالية فإن القبول بجامعة الكويت (ويا لله تزيد النعمة على أكسفورد الخليج) سيكون صعباً إن لم يكن مستحيلاً، بكلام ثان ليست أبواب الجنسية فقط، وليس أبواب الرزق معها مغلقة على أكثرية البدون، بل أيضاً أبواب التحصيل العلمي العالي مغلقة أمامهم.
أسعار البترول نزلت ومعرضة للنزول أكثر مع تصاعد أزمة العالم الاقتصادية، وما أكثر ما سمعنا وقرأنا من مسؤولين وغير مسؤولين أن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار بالبشر، وهذا يعني استثمار الكفاءات البشرية وتنميتها وتشجيعها، ومنحها “امتيازات” خاصة، والعادة بالكويت أن الامتيازات الخاصة هي خاصة لأهل البلد، وهذا شيء طبيعي إن لم يمتد لحدود الدلال المفسد، لكن نعرف أيضاً أن العادة جرت على أن الامتيازات الخاصة في دول المحسوبيات والواسطات لا تمنح إلا للخاصة… ماذا لو فكرنا أن نمنح “البدون” المتفوقين والمتفوقات ليس امتيازات خاصة بهم وبهن، فهذه تم “تكييشها” منذ زمن بعيد، وإنما معاملة خاصة في القبول للدراسات الجامعية، وأن نعتبر تفوقهم بالثانوية أو في الدراسة الجامعية أو العمل بالكويت بمثابة “خدمات جليلة” تؤهلهم لكسب الجنسية (تصحبها أرقام تلفونات)، أليس هذا استثماراً بالبشر، وهو أكرم من الاتجار بالبشر.
ماذا تريدون؟… رسّونا على بر
ماذا تريد الأغلبية تحديداً؟ ما هو برنامجها للأيام القادمة؟ هل سيكون تجمعات وخطباً وحشوداً جماهيرية أم تهدئة وانتظار سلطة الحكم في سيرها نحو إجراءات تشكيل حكومة بمحلل ثم تقديم طلب حل مجلس 2009 ثم انتخابات تراعي الإجراء الدستوري المفروض! علام تعترض الأغلبية اليوم وعلام توافق! هل تعترض على حكم محكمة عليا أم تشكك وتعترض على السلطة القضائية كلها ككيان دستوري! لِمَ كان الحشد الجماهيري أمس الأول في ساحة الإرادة مادامت السلطة وعلى لسان وزير الإعلام تعهدت بالقيام بتصحيح الوضع حسب قرار المحكمة، وستجري انتخابات جديدة؟!
التساؤلات السابقة لا بد من طرحها حتى نعرف وندرك في أي طريق نسير، وما هو الممكن المعقول في الظرف الحالي، وما هو غير الممكن! حتى الآن “يبدو” أن السلطة (أسرة الصباح الحاكمة) ماشية مع طلبات الأغلبية على طول الخط، وتكاد تقول لها “يا دهينة لاتنكتين”، مثل طبقته الحكومة أيام المجلس المبطل في الموافقة على جل مشروعات القوانين التي قدمتها القوى الدينية المهيمنة على مسار الأغلبية، وحتى آخر أيام المجلس، وإلى الآن بعد صدور حكم المحكمة الدستورية… فما هو المطلوب إذن!
تصريحات أكثر المتحدثين في تجمع الثلاثاء توهت المراقب المحايد، فمثلاً كتلة الشعبي ممثلة بالسعدون والبراك تؤكد مطالبتها بـ”الإمارة الدستورية” والنظام البرلماني الكامل، أي حكومة تمثل البرلمان، وهذا يعني شعبية منصب رئيس الوزراء، وشعبية ما يسمى وزارات السيادة مثل الداخلية والدفاع، والخارجية وحرية تشكيل الأحزاب… بكلام آخر شيوخ الديرة لن يكون لهم غير”البشوت”، كما سمعت همساً من معارض! بينما خالد السلطان رغم خروجه لحشد الثلاثاء وتحديه للتوجه العام للتجمع السلفي القائم على أيديولوجيا تاريخية فحواها “حاكم غشوم ولا فتنة تدوم” إلا أن أبا الوليد ظل يردد تمسكه بالنظام وحكم الأسرة كما فهمت… فلماذا خرج خالد للحشد أساساً، هل خلع رداء التجمع السلفي ليلبس رداء “الإخوان” أم رداء ثوار السلفية مثل الطبطبائي ومحمد هايف…؟! وأيضاً جماعة الإخوان، والصوت العالي سيكون لهم في النهاية، لا يبدو أنهم واضحون في طرحهم، يعترضون مرة على حكم الدستورية ويشككون فيه، ومرات أخرى يظهرون احترامهم لحكم المحكمة وضرورة الامتثال له! هل يريدون إمارة دستورية كاملة أم بقاء صورتها الحالية؟ لا أعرف موقفهم بصورة قاطعة، لكن يمكن القول إن هذه عادتهم… يلعبون سياسة على أصولها… ويمسكون العصا من نصفها… والزمن العربي اليوم زمنهم!
لنعد إلى البداية… ماذا تريد الأغلبية، وهل روادها متفقون على منهج سياسي واحد، وهدف سياسي واحد… أم أنهم مختلفون وضائعون والديرة قد تضيع مع هذا الحال السائب.