حسن العيسى

نهاية دور أحمد رمزي

مات النجم السينمائي أحمد رمزي، أحد كبار فتيان الشاشة العربية، من أنور وجدي إلى عماد حمدي ورشدي أباظة وكمال الشناوي وغيرهم، رحلوا من المكان وليس الزمان، وتركوا للناس أفلاماً تسحب ذكريات الخلق إلى زمن الأمس، وحفروا لمن هم في منتصف العمر، أو أكثر قليلاً، صور الجمال “بأيامنا الحلوة”، هي أيام الشباب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. شباب الأمس ويسميهم الغربيون “بيبي بومرز”، وهم الذين ولدوا بعد الحرب الثانية، عاشوا (بصفة عامة) حياة جميلة، في بحبوحة اقتصادية كانت تنمو وتجري لبناء أوروبا بعد خراب الحرب، صاحبتها حركة فكر وفن تتوهج وترفض مسلمات القديم التي قادت إلى كارثة الحربين الكونيتين، وكانت حركة “بيتس” في الخمسينيات، ومن أشهر رموزها الشاعر الأميركي غينزبيرغ، بشذوذه الجنسي، وغزارة شعره مع ثقافة عميقة في البوذية، التي تصور الحياة على أنها شقاء دائم ونهر جارف لا يثبت على حال، ولا حل للإنسان الشقي بعبثية الوجود بغير “التأمل الوجداني” (meditation) حين تجلس القرفصاء مستقيم الظهر، وتخلي ذاتك من كل ما يجري حولك، لتغوص في أعماق نفسك البشرية لتصل إلى مرحلة “النرفانا”؛ أي البهجة السامية الخالية من الرغبات والطموحات المادية الزائلة… ثم كان تمرد “الهيبيز”، و”ثورة الشباب” أو الثورة الجنسية كما سماها البعض، وتجلت في الدول الأوروبية، وفي باريس تحديداً (موطن المثقفين الكبير) أطاحت في ما بعد ببطل الدولة الجنرال ديغول، وفي الولايات المتحدة تمثلت صورتها الفنية، بصخب حفلات “وود ستوك” في نيويورك، وصوت فنان البيتلز السابق جون لينون يصدح بأغنية مثل “تخيل” (imagine)، أما صورتها السياسية فقد تمثلت بمظاهرات عنيفة ضد حرب فيتنام في الخارج، وحركة رفض التمييز العنصري في الداخل الأميركي… في الكويت وصلت إلينا “ثورة الشباب” متأخرة زمنياً سنة كاملة، حين خرجت المظاهرات الطلابية من مبنى الجامعة في الخالدية باتجاه مجلس الأمة تطالب بحرية الاختلاط في الجامعة الوليدة، لم تخرج مظاهرات على ما أتذكر ترفض مجلس الأمة المزور!
انتهت تلك الأيام، مات “مكانها” وليس زمانها، ومات كبار كثيرون، ومن بقي منهم اليوم ينتظر لحظة فراق الدنيا، وهي دنيا كرب وسأم من عالم الشيخوخة، تضرب بمثلها أربع أو ألف مرة بشكلها الكويتي بسماجة البلد وسخف الحياة الثقافية والاجتماعية.
مات أحمد رمزي مرتاحاً بعد أن تهاوى وسقط في شقته، ولم يتجرع عذاب مرض الموت من سرطان أو أمراض كبد أو قلب، تجعلك تموت مئات المرات في أسرة المستشفيات والعلاج الكيماوي أو عمليات غسل الكلى أو نقل الأعضاء… منتظراً زيارة عزرائيل الأولى والأخيرة، فهذا يزورك مرة واحدة، مثلما تولد مرة واحدة، وبين اللحظتين الولادة والموت تحيا “المكان” الذي يتغير دائماً، أما الزمن فيظل مطلقاً بلا بداية ولا نهاية، وبينهما يبقى شريط سينما تدور بكرته بلا توقف في سجل الزمن، يعرض فيلماً بعنوان “الذكريات” ونجومه أنت وغيرك من الفانين، وتدور بكرة الشريط 24 ساعة باليوم، في دار سينما الوجود، سينما لا تخضع لرقابة وزارة الإعلام، ولا لحرس عاداتنا وتقاليدنا. وفي “النهاية”، آسف، لا توجد نهاية للشريط، بل هي نهاية دورك فقط بالفيلم، سواء كنت “كومبارساً” ثانوياً أو نجماً عظيماً.

حسن العيسى

هراوات على رؤوس الأطفال

كله عند هراوات القوات الخاصة صابون، فلا فرق بين رأس د. الوسمي في تجمع ديوان الحربش، أو رأس الطفل البدون الذي لم يبلغ 12 عاماً، فالكل سواسية أمام هراوات الشرطة، الرأس منبع التفكير والتعبير، وأفضل موقع للتأديب والتعذيب، حين تنزل الهراوة عليه للردع وتعليم الناس، ولو كانوا أطفالاً، أصول الأدب واحترام القانون، وهذا الاحترام “الواجب بدولة القانون” في أدب الضحايا لا يعني غير الترويع من أنياب الدولة حين يكشر “فامبير” (مصاص الدماء) عن أنيابه على المساكين.
الصور التي نشرت في جريدة “الكويتية” عدد أمس الأول بعنوان “مجموعة 29: الكويت تنتهك حقوق الأطفال البدون…” مقرفة، مثيرة للغضب ومستفزة لكل من يملك ذرة ضمير في دولة “الدستور والقانون” ولا بارك الله، لا بدستوركم ولا بقوانينكم إذا كان هذا تعاملكم مع الأطفال، وبالتأكيد مع الكبار لنا أن نتخيل كيف يكون هذا التعامل “الإنساني”، كانت صورة لطفل صغير يقف في تيماء وهراوة رجل من القوات الخاصة، (خاصة لقمع الناس) يهوي بها على رأس الصغير، وبقية سباع القوات الخاصة كانوا واقفين من الخلف، وكأن شيئاً لا يعنيهم، عندهم المشهد عادي، وهو مجرد حلقة تأديب بسيطة لطالب (وهو طالب هوية إنسانية) في مدرسة “أولفر تويست” للأيتام في رواية تشارلز دكنز.
لا فائدة من إعادة ترديد حوادث “اللااعتبار” التي نشرت في التقرير، وأعادت ذكرها ابتهال الخطيب في جريدة الجريدة، من تناسي وضع طفل ذكرت أمه أنه بلغ 14 ربيعاً، ولا يحمل من وثائق رسمية غير “بلاغ الولادة”، إلى العسكري الذي خدم في الجيش وأُسِر أثناء الاحتلال، وبعد التحرير طالبوه بتعديل وضعه القانوني حسب متطلبات البقاء في “الجنة الكويتية”، ودفع 4 آلاف دينار لجواز أردني، ثم تبين لجهات الاختصاص أن الجواز “مزور”! تهمني كل تلك الانتهاكات “لكرامة” البشر، والكرامة هنا أسمى من كلمة “حقوق” وأغلى، إلا أن صورة الطفل المعدوم الهوية والهراوة التي نزلت على رأسه، تتطلب الكثير من التفسير من وزارة العين الساهرة على الأمن، فهل ستحقق تلك الوزارة في سلوك أبطالها؟ وهل ستتحرك الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، وأيضا جمعية المحامين الكويتية لتقديم بلاغ عن جريمة “الأذى البليغ” ضد الجاني والجناة؟ وشكراً لمجموعة 29 فقد كفوا ووفوا… وسننتظر ولن ننسى.

حسن العيسى

وهمنا الكبير

كتاب غربيون وعرب تساءلوا متعجبين عن المظاهرات العنيفة غير المعقولة التي خرجت للشوارع تحرق وتدمر وتقتل بعد نشر شريط اليوتيوب المسيء للرسول من أحد النكرات في أميركا… لماذا خرجت تلك الجماهير قبل ذلك احتجاجاً على صور كرتونية نشرت بمجلة دنماركية، ثم قتل أحد المهووسين المخرج “فان غوغ” لعمل سينمائي، وقبل ذلك بسنوات أهدر دم الكاتب سلمان رشدي بعد فتوى من الإمام الخميني.
ما حكاية هذه الشعوب العربية والإسلامية (بالتحديد باكستان، موطن الإسلام الجهادي منذ الثمانينيات)؟ ولماذا لا تعرف هذه الجماهير الفرق بين ممارسة الأفراد حرياتهم في التعبير مهما كانت مسيئة لمعتقد أو دين ما، وبين خطاب الكراهية المجرم في عدد من الدول الأوروبية (ليس في الولايات المتحدة) مثل إنكار محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية؟
لماذا لا تفصل تلك الجماهير بين الأمرين وتخلط الحابل بالنابل، و”يتشاطر” بعض أشباه المثقفين والكتاب بأن تلك الدول تكيل بمكيالين في حرية التعبير، فحلال عندهم الإساءة للمسلمين وحرام إنكار المحرقة الكبرى لليهود!
ويسأل هؤلاء الكتاب: لماذا لا تعرف تلك الجماهير معنى التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يقدس ممارسة حرية التعبير، ويمنع كل عمل يحد منها، ولماذا لا تدرك تلك الجماهير الفرق بين عمل الدولة كذات سيادة حين تسيء لمعتقدات البشر، وبين عمل الأفراد مهما كانت عنصريتهم وتغطرسهم ضد المسلمين وغير المسلمين وكل غير المنتمين إلى العرق الأبيض الأوروبي!
هل كسب العرب من قتل السفير الأميركي في بنغازي؟ وهل انتصرنا حين رفع المتظاهرون في مصر والكويت وغيرهما أعلام القاعدة ورددوا شعارات التعظيم لأخطر مجرم عقائدي في العشرين سنة الماضية وهو أسامة بن لادن؟ هل ردود الفعل، مهما كانت أسبابها، تبرر مثل الشعارات! أليس هذا يؤكد نظرية مفكر متعال مثل “غوستاف لوبون” حين وصف سيكولوجية الجماهير بأنها غير عاقلة ومتطرفة؟ ثم لماذا نتهم الغربيين بالكيل بمكيالين بينما نحن نكيل بألف مكيال، فما أكثر الأفلام والأدبيات الكتابية التي أساءت للمسيح ولليهود، ولم تخرج جماهيرهم تقتل وتدمر هناك مثلما حدث في دولنا، هل السبب هو الفقر، فمتظاهرو العرب طالبوا (كما كتب كاتب إنكليزي متهكماً) بأن تصير حالهم مثل حال أهل النرويج في البحبوحة الاقتصادية…! مع أن دول الخليج أكثر بحبوحة من تلك الدولة الإسكندنافية.
أيضاً، لماذا صمت البوذيون وغير البوذيين عن تدمير تمثال بوذا (وهو من الآثار التاريخية التي هي ملك الإنسانية) في أفغانستان من السلفيين الجهاديين قبل سنوات بسيطة، واليوم يدمر رفاقهم مساجد الصوفيين التاريخية في الشمال الإفريقي، وهي كذلك ملك التاريخ الإنساني وليست خاصة بالصوفيين الذين يتعرضون هذه الأيام لحملة اضطهاد رهيبة من الجماعات التي تدعي أنها وحدها صاحبة الإسلام الصحيح! وكيف لنا أن ندين الغربيين وعندنا دعوات فاشية دينية تطالب بهدم كنائس المسيحيين في الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى تمارس كل صور الاضطهاد للشيعة في خطاباتها اليومية.
شارلس كرثمور في البوست – مهما اختلفنا على يمينيته – يقرر في مقال له سقوط مبدأ أوباما، الذى دعا إلى حريات وديمقراطية الشعوب العربية عام ٢٠٠٩ في جامعة القاهرة، ودعت إدارته إلى تكريس الديمقراطية في دولنا، ووقفت هذه الإدارة مع ثورة مصر وتونس، وساندت ثوار ليبيا، فردت تلك الجماهير التحية بأجمل منها كما حدث في بنغازي والقاهرة وعدد من العواصم العربية…! ألا يتحسر الأميركان اليوم على الأيام الذهبية للديكتاتوريات الفاسدة قبل الربيع العربي، ألا يوسوسون مع أنفسهم ويقولون: إن هذه الجماهير مازالت غير مستعدة لعصر الحريات ولاسيما مبدآ التسامح، وحرية الضمير.
لا يبدو اليوم أن حلولاً سحرية ستأتي في القريب لحالة “الخراب العربي” أمام التعصب الديني والمذهبي… ويبقى الأمل أن تتحرك القوى الإسلامية المعتدلة (والإخوان المسلمون هم خير من يمثلها بما يملكون من رصيد شعبي كبير في عالمنا المفتت) لنشر الوعي الإنساني في مسألة الحريات والديمقراطية، وأن يبادر العقلاء منهم لتصفية القوى المتطرفة المحسوبة عليهم، فأوروبا قبل الثورة الفرنسية مرت بما نمر به اليوم، وكانت بداية طريق التنوير هي شعلة أنارها جماعات وأفراد الإصلاح الديني، ولا حل بغير هذا… فليتحمل الإخوان عبء المسؤولية التاريخية، فالطريق طويل ونحن مازلنا في البداية… أما الرهان على أنظمتنا كما يتوهم الحالمون فهذا هو الوهم الكبير.

حسن العيسى

لمن ستنتصرون؟

قفز عدد من المشايخ والنواب إلى خشبة مسرح الفتاوى، وأدخل كل واحد منهم يده بجيبه، وأخرج من محفظته فتوى جاهزة أو رأياً شرعياً يحرم دخول المرأة إلى سلك القضاء بمناسبة انتصار مجلس القضاء للدستور، وفتحه الباب لتولي المرأة العمل القضائي. هذا رأيهم وهذا اجتهادهم سواء كان مبنياً على رأي فقيه أو فقهاء (يسمونهم علماء حالهم من حال علماء الفيزياء والطب إلخ) أو كان سبب رفضهم “حكارة” (تحفظاً) اجتماعياً حصر خيالهم بأن المرأة التي تحيض وممكن أن تصير محلاً للوطء لا يمكن قبولها جالسة على كرسي القضاء، وتفصل في خصومات، وتحكم بحبس أو براءة رجال بشارب ولحى. هذا رأيهم وهذا اجتهادهم الذي يدفع المجتمع والدولة إلى أحط عصور الظلام، لكن لا يمكن مصادرته مادام في دائرة الرأي والاجتهاد ويدخل في باب حرية الرأي. الخطورة ليست في ما أبداه هؤلاء، وإنما ما توعد به النائب هايف بإصدار تشريع يلغي قرار مجلس القضاء، ويحظر عمل المرأة بالقضاء.
لنتخيل أن مثل هذا التشريع ممكن أن يصبح واقعاً في غد ليس ببعيد، ماذا سيقول الناشطون المدافعون عن الدستور عندئذٍ، إذا ما عرفنا أن الجماعات المحافظة تشكل مساحة كبيرة في جسد الأغلبية المعارضة للسلطة، وكيف سيواجه هؤلاء قواعدهم الانتخابية وضغوطها لقبر قرار مجلس القضاء. هل سينتصرون للدستور وأحكامه بالمساواة في المواطنة لا فرق فيها بسبب الجنس أو الدين،،،! هل سيقفون مع الدستور اليوم أو مع “اجتهاد فقهي” أو رغبة محافظة يقبران الدستور، بينما قوام حراكهم السياسي هو الانتصار للدستور، وتأكيد مبدأ الفصل بين السلطات الدستوري بما يعني عدم الزج بالقضاء في عالم السياسة في قضية تعديل الدوائر الانتخابية، بينما نجد أن من بينهم من يريد اليوم الإطاحة بهذا الفصل بين السلطات من أجل تغليب رأي شرعي لا يعرف أساسه ومعقوليته، وإنما فصلوه حسب هواهم… لمن ينتصرون… ننتظر الجواب.

حسن العيسى

هل سيندم الأميركان؟

هل ستعض إدارة أوباما إصبعها ندماً وتوسوس نفسها وتتحسر على وقوفها مع حركة الربيع العربي في تونس ومصر بالبداية، بعد أن أعطت الضوء الأخضر لعسكر مصر بأن يرفعوا الحماية عن حسني مبارك ويتركوا الشعب المصري يختار مصيره؟!
هل ستندم أميركا على مساندتها – المعنوية على أضعف الإيمان- لحركات الشعوب في المنطقة بعد أن شاهدت سفيرها المسكين في ليبيا يموت مختنقاً بسبب هجوم عصابات “القاعدة” أو “فلول” القذافي على القنصلية الأميركية في بنغازي؟ وكأنه هو وأوباما أنتجا الفيلم الساقط، ورأت تلك الإدارة مشهد الجماهير التي تحتشد من أقصى الجنوب الإسلامي حتى أبعد نقطة في شماله، ومن شرقه إلى غربه، ضد “شريط “يوتويب حقير يحط من قدر الرسول، يبدو أن أنذالاً متعصبين من اليمين الأميركي نشروه، وتلقفه برحابة صدر متعصبون سلفيون في الأمة العربية، ووجدوا فيه فرصة لإحراج حكومة الرئيس مرسي، ولتمسح، بالتالي، كلمتي “إسلامي معتدل” من قاموس الحكام الجدد القادمين إلى المنطقة! هل ستتذكر الإدارة الأميركية اليوم عبارة “برنارد لويس، وجورج دبليو بوش” بعد 11 سبتمبر “لماذا يكرهوننا؟”، وتعيد بمرارة مثل هذا السؤال بعد أن قدمت إدارة أوباما “هدايا” صواريخ “توم هوك” القيمة التي دمرت قواعد القذافي. مثلما قدمت سابقاً صواريخ ستنغر للمجاهدين الأفغان، والآن تسلمت جزاء سنمار؟
هو قصر نظر لمن يتصور أن إدارة أوباما أخطأت في مساندتها لبعض دول الربيع دون البعض الآخر، وصاحب وعي غائب ومسطول من يتصور أن الحال العربي السابق (أيام الدول التسلطية) كان أفضل من حالنا اليوم، وبالتالي سيقول للغرب ولأميركا “زرع زرعتيه يا الرفله اكليه”.
فتلك الدول تعلم أن الإرهاب والتطرف الديني بداية لم ينزلا من السماء، وإنما هما حركة تاريخ مستمرة وأمراض معدية كامنة في الجسد العربي المتخلف، وأن الأنظمة التسلطية في دول العرب مع أميركا ساندت وقوّت شوكة التطرف واستغلته في ثمانينيات القرن الماضي لتصفية حسابها مع الإمبراطورية السوفياتية… والأنظمة العربية وجدت، مرة، في جماعات الإرهاب وسيلة لتبرر استمرارها كحليف للغرب حين تضرب تلك الحركات، ومرات أخرى زايدت مع القوى الدينية المتزمتة لتسند بها شرعيتها الدينية وتعوضها عن فقدانها للشرعية الديمقراطية.
حرية الشعوب العربية مهما التصق بها من شوائب التشدد الديني أحياناً، أو التعصب العرقي والطائفي والقبلي في أحايين أخرى، ستبقى، والأميركان قبل غيرهم يعلمون ذلك جيداً، وليس لنا من خيار غير أن نتعود ونتقبل التغيير بقضه وقضيضه، ويبقى الأمل أن القوى الإسلامية المتزنة ستقف حائلاً ضد جماعات الهوس الديني، ومقالة خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان في مصر (نشرت بنيويورك تايمز عدد الخميس) كانت ملهمة، وشخّصت واقع ثورات الربيع مهما كرهنا الكثير من نتائجها، فلنصبر، فليس لنا سكة أخرى نسير بها، فالطريق الليبرالي مغلق تماماً اليوم، فالنخبوية لا تحرك الشعوب حين يكون الفقر أو الجهل هما سيدَي الأحكام.

حسن العيسى

أوصدتم الأبواب على أنفسكم

لماذا أوصد الكثيرون الأبواب على أنفسهم ورفضوا المساهمة في تشكيل الجبهة الوطنية لحماية الدستور؟! أعتب على هؤلاء الكثيرين سواء كانوا في التحالف الوطني أو المنبر الديمقراطي أو الجمعية الثقافية، أو غيرهم من الأفراد المستقلين الذين لهم لمسات بارزة في المسيرة الديمقراطية.
ما حدث أنهم أغلقوا على أنفسهم في غرف عازلة للصوت الآخر، وأصدروا أحكاماً مسبقة تدين مجرد “فكرة” خلق الجبهة! اتخذوا مواقف برفضها دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة الحضور والتعديل (وفرضه) على مسودة إعلان مبادئ الجبهة. لم تكن تلك المسودة كلاماً مقدساً غير قابل للحذف أو الإضافة أو قبول أي مقترح يقدم من المجتمعين، كانت الصدور مفتوحة، والرأي الآخر له مكانه متى تم التوافق عليه، وقدم عدد من الحاضرين الكثير من الاقتراحات، من أهمها في رأيي النص على الحريات الفردية مثل الحرية الشخصية وحرية العقيدة، بما يعني رفض الفكر الإقصائي، وكانت لحظات رائعة أن يتقدم محمد الدلال ومحمد جوهر حيات بالتأكيد على هذا المضمون، وصوتت أغلبية الحاضرين بالموافقة عليه، ذلك كان مثالاً واحداً من عدة أمثلة تم فيها تعديل مبادئ، أو ربما بلغة أصح “التشديد” على مبدأ الوحدة الوطنية، فماذا كان يضر الذين غابوا واعتذروا عن عدم الحضور لو أنهم ساهموا بكثير أو قليل في صياغة مشروع اللجنة؟
لا أجد أي عذر في ذلك، غير “التعلث” بوجود ناشطين سياسيين مثل الكاتب محمد الجاسم أو أحمد الديين، أو ربما مشاركة نواب مثل مسلم البراك أو فيصل المسلم أو غيرهما من النواب من مجلس 2009 أو المجلس المبطل ساهموا، كثيراً أو قليلاً، في إنشاء اللجنة. هنا أسأل هل نختلف مع البراك والدمخي أو غيرهما كأفراد (أشخاص) أو مع أفكارهم التي تبناها هذا أو ذاك؟ المفروض أن نرفض أو نقبل طرحهم ومسلماتهم في مواقف محددة، لكن لا يعني هذا رفضهم كأشخاص وإدانة أي تصور يصدر منهم مهما كان مضمونه، فحين طرح البراك في مداخلة وحيدة أمنيته أن يجد سنياً يقف ويدافع بشراسة عن إخوانه الشيعة، أو العكس، أو يقف بدوي مدافعاً عن حضري، أو العكس…” فتلك أمنية على بساطتها تبقى جليلة، في ظروف يظهر فيها التشتت والتشظي الاجتماعيان على أبشع صورهما اليوم، بالتأكيد اننا بحاجة إلى العمل بهذه الروح الوطنية المتسامية في إطار مؤسسي أكبر، وستكون اللجنة الوطنية هي المكان المناسب، دون قصره عليها طبعاً.
لماذا تخلفتم؟… ولماذا تمت إدانة اللجنة دون سماع رأي المشاركين؟ أسألكم!

حسن العيسى

البحث عن المعنى

كانت “فيزا” الهجرة إلى الولايات المتحدة جاهزةً لـ”فكتور فرانكل” فهو طبيب نفسي مشهور وأستاذ جامعي، لكنه أيضاً يهودي نمساوي، وجيوش هتلر تدق أبواب النمسا، ولم يكن سراً ماذا يعني أن تكون يهودياً تحت الاحتلال النازي. لكن فكتور آثر التضحية ورفض الهجرة إلى أميركا لأن والديه المسنيين كانا بحاجة إلى رعايته، وكانت النتيجة المحتومة، فقد أسره النازيون ونُقِل إلى معسكر “أوشفيتس” الشهير، وهناك إما أن تعمل كعبد في بناء سكك الحديد، وهذا يفترض أن تكون بكامل صحتك الجسدية، وإلا فغرف الغاز في انتظارك.
يجتهد ويتظاهر السجناء مهما كانت حالتهم الجسدية مزرية، بأنهم بصحة جيدة حتى لا يرحلوا إلى غرف الغاز، فإصابة “الغرغرينا” بأصابع الأقدام بسبب العمل في إزاحة الثلوج، وشيوع مرض التيفوئيد بين السجناء كلها مسائل عادية طالما لم يلاحظها “الفورمان” ويبلغ عنها الحراس الألمان. “الفورمانيه” هم من اليهود ضعاف النفوس الذين اختاروا أن يعملوا بتلك الوظيفة كعملاء للنازيين مقابل بعض الميزات كالإبقاء على حياتهم إضافة إلى ميزات مادية، وهنا يفرق فكتور بين الخنازير والقديسين في أنواع البشر، فالخنازير هم الذين فقدوا الأمل بالمستقبل، واستسلموا لواقع القهر في المعسكر وارتضوا أن يعيشوا كطفيليات وجواسيس للنازيين على عكس أصحاب الهمم العالية للقديسين.
يبدأ الطبيب فكتور بتشريح النفس البشرية، فعنده الحياة ليست بلا معنى مهما كانت قسوة الظروف، وتحت وطأة العذاب في المعسكر تهمش بل وتتلاشى الضرورات الإنسانية، فالجنس ليس له مكان، فغريزة البٍقاء تظل هي المهيمنة، وحتى تبقى وتتحدى الواقع المر، لابد من الأمل، والأمل هو الحب والإيمان بغد أفضل. السجناء الذين فقدوا هذا تهاووا بسرعة واستسلموا للموت، بينما ظل فكتور يقاوم بالعمل بمساعدة وعلاج المرَضى نفسياً وجسدياً بالمعتقل وسلاحه حلمه بأن يلقى زوجته يوماً ما.
بعد التحرير، وضع فكتور أسس علم نفس العلاج بالأمل والعمل لكسر تمحور الإنسان حول ذاته، أسماه logo therapy، فهناك دائماً معنى للوجود الإنساني، وبهذا يقف فكتور على طرف نقيض من الفلسفات العدمية، التي لا ترى أي معنى في الوجود، وأن وجودنا هو صدفة القدر، والحياة مجرد عبث لا معنى له. “اللوغو ثرابي” ينبش معنى الوجود في النفس الإنسانية ويحرك الصراع الدائم في الذات البشرية لإقامة التوازن فيها وليس تركها لتحطم ذاتها. الفراغ هو كارثة تصيب النفس الإنسانية، ويذكرنا فكتور بمرض الأحد العصبي sunday neurosis في الولايات المتحدة. حين يكون الفراغ والبطالة من نتائج أيام العطل (ملاحظة لم يدر فكتور عن حالتنا بالكويت)، هذا الفراغ الروحي يسبب الاكتئاب والملل النفسيين، وهنا ندخل بالدائرة المفرغة بالعلاج عن طريق المخدرات والمسكنات النفسية، أو حين يترصد الفارغون لأحاديث مثل: ماذا يفعل فلان؟ وماذا قالت فلانة؟ كما هو الحال عندنا، بينما لب المرض يكمن في عمق الذات، اسمه الفراغ الوجودي existential vacuum، هذا الخلاء الوجودي يولد العدوانية وإدمان المخدرات، ويمضي فكتور مقرراً أن للإنسان مهمة في هذه الدنيا وعليه أن يحققها حسب ظروفه، فلا مكان لافتراض الشروط التي يتوهم البشر أنها تحد من قدراتهم الذاتية، وإنما هي القرارات الحاسمة هي التي يعول عليها.
عاش فكتور طويلاً ودرس بالجامعات الأميركية ومارس العلاج النفسي حتى أيامه الأخيرة وتوفي عام 1997 تاركاً لنا، مهما اختلف معه الكثيرون في معنى الوجود، فكراً حياً يزودنا بالأمل ومعنى التضحية وحب الإنسانية.
عنوان الكتاب “بحث الإنسان عن المعنىman’ s search for meaning

حسن العيسى

جربناكم جربونا

جربناكم كثيراً جربونا قليلاً، هذا ما صرح به النائب مسلم البراك في ندوة التيار التقدمي، ففحوى خطابه أن الدولة دفعت ثمناً كبيراً مدة خمسين عاماً في استئثار أسرة الصباح للسلطة، فماذا يمنع أن “تكون الأمة مصدر السلطات” شكلاً وموضوعاً مدة أربع سنوات؟ وهي عمر الفصل التشريعي، وماذا نخسر في هذه التجربة بعد أن خسرنا الكثير في تجربة الخمسين عاماً من الحكم الدستوري، تخللها أكثر من مرة سنوات قطيعة للدستور مثل عام تزوير الانتخابات 67، وحل المجلس عام 76، وعام 86؟ وفي بقية العمر الدستوري ظلت أسرة الحكم تمسك بمفاصل الدولة، وكان (ومازال) هناك “حكومة الحكومة” (وزراء الأسرة) الذين لهم حق النقض “الفيتو” على أي قرار داخل مجلس الوزراء. البراك يطالب صراحة بالإمارة الدستورية، التي لا تكون بغير رئيس وزراء شعبي ليس له الهالة الصباحية، ويدعو كذلك إلى كسر احتكار وزارات “السيادة” للأسرة. في المقابل، هناك من يقول إننا جربناكم “أنتم مجالس النواب”، وكانت كارثة على حريات وحقوق البشر وعلى مشوار التنمية، فقد خرقتم أهم المعايير الدستورية، فأنتم من وضع شرط الدين الإسلامي لمنح الجنسية عام 81، وأنتم من عزلتم الجنسين في مقاعد الدراسة الجامعية، وأنتم من خنق حياة الفكر والثقافة بالدولة حين تسلط التيار الديني على الحياة الاجتماعية، وأصبح شعار الفكر وحرية التعبير والنقد “الأصل في الأمور المنع لا الإباحة”، والمسرح ومعارض الكتاب المزرية تنهض دليلاً على ذلك، حتى أصبحت الدولة خاوية من المعنى، خالية من أي لمسة جمال. وأنتم من وقف ضد مشاريع التنمية والتطوير مثل حقول الشمال، أو المصفاة الرابعة، وخلقتم أجواء من الرعب المالي الذي “طفش” كل أحلام الاستثمار والتطوير. لن أزيد في عرض الكثير من ردود أصحاب هذا الرأي، فقد قال فيه عبداللطيف الدعيج، وإيمان البداح، وإقبال الأحمد على سبيل المثال، ما لم يقله مالك في الخمر. وأهم من كل ذلك أن الرؤوس الكبيرة لممثلي الشعب أقامت الحواجز الطائفية في المجتمع الكويتي، وشككت ظلماً وتعالياً عنصرياً بولاء الشيعة للدولة، وكأنهم ليسوا من أهل البلد، ولم يكن لهم دور كبير في تحقيق هويته الوطنية. هناك أيضاً كثيرون، يرتدي بعضهم أثواب “الانتلجنسيا” (يعني أهل فكر) لا يترددون في إثارة ذلك السؤال الخاوي حين تنتصر مثلاً لمسلم البراك أو فيصل المسلم في قضية الإيداعات مثلاً: هل تريد أن يحكمك مسلم البراك أو أحمد السعدون! أرفض مثل هذا الرأي، فالحكم الدستوري الصحيح لا يعني أن يحكم البراك أو السعدون، ولا يعني أن تستبد الأغلبية المتزمتة في طرحها وتهدم أمن الدولة بعد أن أحرقت حياتنا الاجتماعية، ففي النهاية فإن عبارة “الأمة مصدر السلطات” تعني كل الأمة، وليس فريقاً دون آخر، والبراك يمثل الشعب مثلما يمثله عدنان عبدالصمد أو غيرهما من ممثلي الشعب، والسؤال ليس من “هو” الذي سيحكم الشعب، وأي إلى قبيلة أو عائلة ينتمي؟ فهو الشعب الذي سيحكم نفسه بنفسه كأولى أوليات الحكم الديمقراطي، وإنما السؤال الواجب هو كيف يمكن أن تدار أمور الحكم؟ فالسنوات القليلة الماضية أوضحت بجلاء سوء الإدارة السياسية في الدولة التي تمثلث في تردي الوضع المالي للدولة رغم وفرة الاحتياطي، والمسؤولية هنا مشتركة بين مجلس غابت عنه الأولويات وغرق في خرق أبسط الحقوق الدستورية للمواطنة، وحكومات ضعيفة مفككة ليس لها رؤية للمستقبل، ووقفت لا مبالية أمام الخطاب المتزمت الأصولي، فماذا فعلت تلك الإدارة السياسية حين سلط المتزمتون سيوفهم على رقاب الناس وصادروا الحريات الشخصية للبشر، وأمعنوا في طرحهم الطائفي أحياناً، وهمشوا فئات (ونخباً) اجتماعية من الوجود، لم تفعل تلك الحكومات شيئاً وكأن الأمر لا يعنيها، وفي الوقت ذاته لم تقف تلك الحكومات بقوة تدافع عن مشاريع التطوير والتنمية، إن قدمت أياً منها! لنستطرد قليلاً هنا، ونعيد ما ذكره النائب الداهوم في ساحة الإرادة، قبل فترة، بأن الكويتيين هم البحارة والبدو الفرسان! فماذا يعني ذلك غير نفي الطبقة التجارية وتاريخها بكامله، ويبدو أن عبارة “الفساد والمفسدين” خصصت لهم في خطاب المعارضة، وماذا يعني خطابه غير نفي كل أصحاب الحرف والمهن التي أسست هوية الدولة من قلاليف وأستاذيه، وهم من بنوا سفن الغوص وبغلات التجارة وغيرها من خبابيز وصناع وصفافير! إذا لم يكن مثل هذا الخطاب فاشياً متغطرساً من ألفه إلى يائه فماذا يكون؟! الحكم الديمقراطي بمقتضى الدستور مسألة واجبة، ولكن قبل ذلك يتعين على دعاته تصفية صفوفهم من شوائب العنصريين والطائفيين قبل الحديث عن الحكم الدستوري الكامل الدسم.

حسن العيسى

لم يغسل مرسي يده سبع مرات

سلم مرسي على الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بحرارة، وألقى كلمة متزنة في مؤتمر قمة عدم الانحياز بطهران، منتقداً ممارسات النظام السوري نحو شعبه، ووصفه بالنظام الظالم، ولم يكترث الرئيس المصري، عضو حركة الإخوان المسلمين، بمواقف الجمهورية الإيرانية الداعمة للنظام السوري، وعبر مرسي بكلماته القوية عن مأساة الشعب السوري مع نظامه المتسلط، وانتصر مرسي لقضية الحرية والديمقراطية، وملك عقول وقلوب الكثيرين، إخواناً كانوا أم غيرهم، من المؤمنين بحريات الشعوب.

لم يقل الرئيس المصري القيادي بحركة الإخوان بعد مصافحته للرئيس الإيراني إنه نادم على السلام، وإنه غسل يده سبع مرات إحداهن بالتراب وكأن نجاسة ما أصابته. كان مرسي جريئاً شجاعاً قوياً واثقاً من نفسه، مستنداً بذلك إلى إرادة الشعب المصري التي أوصلته إلى الرئاسة، ولم يكن بحاجة إلى المزايدات العنترية.

لماذا لا يتعلم كثير من القياديين الإسلاميين في الكويت من إخوانهم المصريين الذين دفعوا أثمانا غالية من حرياتهم عبر تاريخ طويل من القمع والاضطهاد لحركتهم، قبل ثورة يوليو وبعدها، لماذا “ثقافتهم” هناك -في مصر- منفتحة “نسبياً”، إذا قارناها مع ثقافة الانغلاق والتعصب الطائفيين وكره الآخرين عند عدد من الإخوان بالكويت، ولا أشملهم كلهم. ليس مرسي “ستيوارت مل” فيلسوف الليبرالية الإنكليزي، وليس هو فولتير الذي يختلف معك لكنه سيدافع بحياته من أجل أن تقول كلمتك، ليس مرسي ولا راشد الغنوشي في تونس هذا أو ذاك، لكن إن وضعنا أياً منهما على مسطرة النائب الحربش أو الوعلان فسيكون مرسي “غاندي” مصر، وسيكون الغنوشي الذي رفض تعديل الدستور التونسي لتكون الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع توماس جيفرسون.

هموم هؤلاء القادة الإسلاميين الجدد في مصر وتونس تبدو حتى الآن هي إزاحة ركام عميق من تاريخ الاستبداد في دولتيهما، همهما الوضع الاقتصادي البائس بعد عقود من النهب المبرمج من الأنظمة الحاكمة السابقة. الجوع والفقر والطغيان والفساد هي قضاياهما الكبيرة. ماذا يدور في رؤوس مشايخ الحركة الدينية في الكويت، غير تصفية الآخرين! كل شيعة الكويت هم طابور خامس، وهم مدانون حتى تثبت براءتهم، كل الليبراليين (أكرر ليس كل ممثلي الحركة الدينية) عندهم فاسدون، ملحدون، دعاة رقص وطرب ومجون. طبعاً بين ثنايا الخطاب الإسلامي لا بد أن يضع هؤلاء القادة المتعصبون “شوية بهارات” في قدورهم وطبخهم، فالمال العام والمفسدون والدستور والعادات والتقاليد الحميدة هي الكركم والهيل والفلفل والزعفران حتى يهضم الناس طبخهم “البايت”، وبفضل تدني الوعي السياسي والثقافة التي أضحت سخافة ببركة هيمنتهم الممتدة على الحياة الثقافية والاجتماعية بلع و”زلط ” الناس أكلهم. وانتهينا إلى هذه الحال المخيفة المتمثلة في مجتمع صغير غابت عنه روح التآلف والوحدة الوطنية لتحل محلها النزعات الطائفية والعرقية.

كلمة أخيرة، نقولها لهؤلاء “الملاقيف”، إن الإنسان الكويتي الحر الواعي لابد أن يتعاطف ويساند الشعب السوري في نضاله، ويحلم بشعلة الحرية تتوهج في الأوطان العربية، لكنه لا يقبل أن تحملوا أصابع الديناميت الطائفي لتفجروها في وطننا الصغير. انتبهوا…

حسن العيسى

هاي هتلر… هاي مشايخنا

كيف يمكن هضم تصريحات النائبين خالد السلطان ووليد الطبطبائي عن خطف المواطن عصام الحوطي في لبنان، وهل تحتاج عائلة المخطوف الغارقة في همها وقلقها على مصيره المجهول أو نحن ومعظم أهل الكويت إلى مثل تلك التصريحات الفجة الخرقاء التي تغيب عنها أبسط أصول اللياقة السياسية، وتتفجر بكم هائل من الكراهية والاحتقار نحو الشيعة، أينما كانوا، وتزخر بعبارات استغلال مأساة أهل المخطوف للتكسب السياسي! وهل وصلنا اليوم إلى هذا الدرك من الإسفاف والمضاربة في مشاعر الآخرين بغرض تحقيق انتصارات طائفية خرقاء، تطعن عميقاً في خاصرة الوطن ومستقبل وحدته… هل هذا يتم من أجل  كرسي النيابة البائس، أم من أجل استكمال الفصول الأخيرة من معركة صفين! أو القفز إلى خندق آخر في حروب العثمانيين مع الصفويين. بأي يحق يتهم الطبطبائي الوزير د. فاضل صفر بالعمالة لحزب الله اللبناني، كي يملي عليه السعي للإفراج عن المخطوف الحوطي وإلا فعلى رئيس الوزراء طرده من الوزارة… “عاد هذي حجي” يصدر عن نائب يمثل كل الأمة! أنا واحد من هذه الأمة لا يشرفني أن يمثلني في المجلس السيد وليد الطبطبائي، ولا صنوه ابن عمي خالد سلطان العيسى. والأخير، يصدق عليه قول العرب “شر البلية ما يضحك” ودعوته إلى تسفير (طرد) كل اللبنانيين الذين لهم “علاقة” من الكويت ما لم يتم الإفراج عن  الحوطي… هي البلية المضحكة حتى البكاء! مزايدة “بو وليد” هي النكتة التي تضحك قهراً من شدة وقع هبلها السياسي، خوش حجي يا ابن العم… نلغي إقامات اللبنانيين (أصحاب العلاقة وإلا من يكون غيرهم) الشيعة ونطردهم، نحن أمراء الكفالات والإقامات للعرب وغير العرب الذين بنوا هذه الديرة بشقائهم وكدهم، ونهددهم بمصدر أرزاقهم، لأن حفنة مجرمين خطفت مواطناً كويتياً…! إذا لم تكن هذه النازية تطل علينا بوجهها الخليجي الطائفي الجديد، المتخفي خلف اللحى الطويلة… وإلا فكيف تكون النازية! عصابة خطفت مواطناً كويتياً، والنائب خالد يطالب بطرد كل اللبنانيين من “أصحاب العلاقة”! ببساطة، أصبح  أبو الوليد “دبلوماسياً” حذقاً، فهو لم يعمم بالتهدديد بالطرد  كل إخواننا اللبنانيين، بل تحديداً “أصحاب العلاقة”… أي علاقة؟ لم ينور خالد المحكمة… لكني أتصور أنه يقصد اللبنانيين الشيعة… يحيا يحيا العدل… كل كلامك سنع بسنع… حفنة خاطفين ارتكبت جريمة خطف في لبنان، وتدعو أنت إلى طرد كل الشيعة اللبنانيين من الكويت… لماذا لا نلزم الشيعة اللبنانيين – وحتى شيعة الكويت – وضع شارات على أكتافهم، وكذلك أن يضعوا قبعات طويلة على رؤوسهم حتى يمكن أن نميزهم عن غيرهم  في الأماكن العامة… ولنا أن نضطهدهم كما نشاء بعد “النياشين” التي تميزهم… بالمناسبة كانت تلك ممارسات أوروبا مع اليهود أيام الحروب الدينية ومحاكم التفتيش وقبل عصر التنوير، ثم تبنتها بعد قرون الدولة النازية الألمانية مع يهودها والدول التي احتلتها… فهل هذا ما تريدونه في النهاية؟… وهل هكذا تفهمون “ولا تزر وازرة وزر أخرى”؟… هاي هتلر… هاي مشايخ الكويت…!