بعد قيام "حدس" بعزل أعضاء الحركة الذين سيرشحون أنفسهم لمجلس الـ"زامبي"، تحرك المنبر الديمقراطي وفعل الأمر نفسه، والدور الآن أن يبادر التحالف الوطني بعزل أي عضو فيه سيشارك في المجلس الوطني القادم، الإجراءات التي قامت بها "حدس" و"المنبر" في رفض الأعضاء الخارجين عن توافق الأكثرية بالتنظيمين مسائل مستحقة، فالمشاركة في تلك الانتخابات لا تعني سوى الرضوخ للاستفراد السلطوي في شكل وتوجه المجلس القادم، حين تصبح الفكرة الديمقراطية من أساسها رهينة إرادة السلطة الواحدة تقرر اليوم شكل البرلمان القادم في نوعية الأعضاء المشاركين، وتملي بالتالي قرارات هذا المجلس، وذلك المجلس المسلوب الإرادة لن يكون في أحسن أحواله، وكما كررت أكثر من مرة، سوى صدى للرأي الحكومي، ومرايا عاكسة لشيوخه ووزرائه المحترمين، وإذا قرر نواب الحكومة القادمون ارتداء البشوت السوداء فسيكون مجلسهم صورة طبق الأصل للوجه الحكومي، يمكن أن يستعملوا تلك الصور الفوتوغرافية للمعاملات الرسمية، كاستخراج جوازات السفر ورخص القيادة… وغيرها.
لا أشكك اليوم في صدق نوايا الكثير من الذين قدموا أنفسهم قرباناً للشرعية المصطنعة في المجلس القادم، لهم رأيهم ولهم حقهم المطلق أن يجتهدوا في تفسيرهم في "منافع" الصوت الواحد. إلا أن هذا لن يمنع أن أهمس في آذانهم بأنكم واقعون تحت وهم كبير، فالمحسوبون منهم على الحركة الوطنية يرون أن هذه فرصتهم الكبيرة في "الإصلاح"، أي إصلاح أبواب الحريات المهشمة والتنمية البشرية المنسية التي (يرون ولا أرى معهم) سببها "مناكفات" الأعضاء المشاغبين لحكومات "الشيوخ" بالحق وبالباطل، مع ملاحظة أن كل حكوماتنا، ومنذ ولادة الدولة الدستورية قبل خمسين عاماً حتى اليوم وغداً، هي حكومات شيوخ شكلاً ومضموناً. هذا الوهم المهيمن على وعي الأصدقاء سيتبدد تماماً أمام الأمر الواقع، أمر حكومة "الحكومة" التي تقرر وتفعل في القضايا الكبيرة منفردة، وبقية الوزراء الشعبيين دورهم "ربر ستامب"، أي حملة أختام، وهذا الواقع يملي علينا أن نقرر أن هذه السلطة مع مجلسهم ستمرر قضاياها الضخمة كالسكين في قالب الزبدة.
كتب الكبير د. أحمد الخطيب قبل يومين في "القبس" و"الجريدة"، كما كتب الأستاذ عبدالله النيباري في "القبس" أمس الأول عن هذا الوهم الكبير بصورة غير مباشرة، مع شرح تاريخي للماضي السلطوي للدولة، فالكويت لن تصبح واحة الحريات في المنطقة بالمجلس القادم، ولن تكون باريس الخليج الفكري والثقافي بعد عهود التزمت والتشدد الاجتماعي والديني، ولن تكون سنغافورة المنطقة في التنمية بكل الأحوال.
لم لا يراجع الأصدقاء تاريخ الدولة القريب، وهذا بالمناسبة ليس قاصراً على الكويت (يعم معظم دولنا العربية)، فما حدث في الزمن الذي غاب فيه التيار التقدمي بفعل القهر السلطوي، كما حدث هنا في الكويت عام ٧٦ وقبله (راجع النيباري ود. الخطيب) من إغلاق نادي الاستقلال إلى فتح الأبواب على مصاريعها، وتقديم السند المالي والدعم المعنوي للقوى المحافظة الدينية، وإصدار القوانين المقيدة للحريات، كلها تمت في غياب المجلس التشريعي، ثم إعادة المجلس، مع تفتيت الدوائر إلى خمس وعشرين دائرة حسب التوجهات القبلية والطائفية، وتقطيع لحمة الشعب الكويتي حسب مناطق التصويت دون نسيان القوة المالية للسلطة بشراء ذمم الموالاة… السادات والشاذلي بن جديد وقبلهم جعفر النميري كانوا يسيرون على الدرب ذاته، وتعرفون ما حدث بعد ذلك، حين انقلب السحر على الساحر. قاعدة تاريخية يجب ألا ننساها بأن أي سلطة في الدول الخامدة حين تستبعد التيارات الحية وتنفرد بالحكم تراهن على القوى الدينية لتضفي عليها الشرعية، فبغياب الشرعية الدستورية الحقة (إلا الشكلية) تأتي الشرعية الدينية لتحل مكانها لتسد النقص، في مجتمع يغلب عليه طابع المحافظة والتدين.
فعلى ماذا يراهن الأصدقاء اليوم، وهم يعيشون أحلام اليقظة بأن الساحة السياسية ستكون فاضية لهم بعد أن رفضت "حدس" وغيرها المشاركة في الانتخابات، ذلك كان من جهة، ومن جهة أخرى ليس من حقنا أن نسيء الظن دائماً بالمحافظين من "حدس" وغيرها، فـ"حدس" (أي الإخوان) اليوم غير الأمس، مع ربيعنا العربي لا الحكومي، وحتى التيارات المتشددة المحافظة، مثل عدد التجمعات السلفية لم يعد طرحها كما كان بالأمس، فليس هناك ما يبرر رفض البرلمان بصورة عامة، لأن فيه محمد هايف أو وليد الطبطبائي أو مسلم البراك أو أحمد السعدون، فهؤلاء نختلف معهم أحياناً ونتفق معهم في أحايين أخرى، وعندما نختلف معهم نجادلهم، وننتقدهم، وليس لنا أن نخشى شيئاً، لكن كيف لنا أن نجادل من وضع بيد قنبلة غاز خانقة، وباليد الأخرى عصا غليظة تبحث عن رأس تدميه… كتبت هذا من قبل ولن أعيد.
التصنيف: حسن العيسى
أهلاً بالربيع الحكومي
أرض الكويت ليست ساحة خلفية لكم، تعبثون فيها كما تريدون بشرطتكم وحرسكم وجيشكم، وكل أدوات القمع التي سخرتموها من أجل استفرادكم بالقرار السياسي. أرض الكويت ليست مزرعة أو جاخوراً نقشت عليه عبارات توثيق صك الملكية بالتسجيل العقاري بأسمائكم المفخمة، كي تتعاملوا مع البشر المواطنين على أنهم "رعية" يرعون كالماشية في أرضكم تهبونهم أحياناً، وحسب المزاج، قليلاً من العلف متى شئتم، وتحرمونهم إذا تجاوزت "رعيتكم" خطوطكم الحمراء، وكأن لا حول لهم ولا قوة، هم لا يشاؤون، أنتم فقط من يشاء، هم لا يقررون أنتم فقط من يقرر، هم غير موجودين، أنتم وحدكم الموجودون، هم رعية ونكرات غوغائية عبثية، وأنتم الرعاة الحكماء، وأنتم وحدكم الولاة أهل العلم والفكر والحصافة، لكم دون غيركم، سلطة الوصاية المطلقة على القصر من ناقصي الأهلية الذين لا يعرفون مصلحتهم ولا مصلحة وطنهم.
شاهدت أمس الأول وقبله بفترة الوجه القبيح للاستبداد… قوات خاصة، حرس وطني، آليات عسكرية… وناقصنا سلاح طيران، قنابل صوتية ودخانية تنفجر وسط المتجمعين… ما هذا…؟! هل هو إعلان حرب ضد أبناء الكويت أم ماذا يكون…؟! الشباب يرددون: سلمية، سلمية… وآلات قمعكم تطلق القنابل الدخانية، وتلاحق المتجمعين من مكان إلى آخر بصفارات الرعب والتخويف…! ماذا تريدون أيها السادة يا أولياء النعم؟ ماذا تريدون من شباب اليوم؟! تريدونهم أن يلهجوا بذكر النعم التي أغرقتمونا بها، من رواتب مجزية، إلى دعم عمالة، ومعاشات، وكهرباء ومياه بأسعار رمزية وتوفير للسكن (إن وصلهم الدور)، وغير ذلك من قائمة دولة الرعاية وكرمها وصدقاتها الحاتمية… ماذا تريدون منهم…؟! ألا ينكروا جمائلكم وأفضالكم عليهم، تريدونهم أن يسبحوا ليلاً ونهاراً بشكركم… ثم ليس لهم، بعد ذلك، غير أن يناموا ويصحوا ويأكلوا ويشربوا، ثم يموتوا بعد أن وفرت الدولة لهم حفرة مستطيلة يدفنون فيها من غير ثمن… نيابة عن هؤلاء الذين خرجوا متظاهرين مسالمين، نقول لكم شكراً كثيراً و"ما قصرتوا"… وليتفضل الزميل والصديق عبداللطيف الدعيج ليستمتع هذه الأيام بطقس "الربيع الحكومي". فقد عادت الأمور إلى نصابها ولله الحمد.
دعوهم يتنفسوا بحرية
ستدخل حكومة الشيخ جابر المبارك التاريخ من أوسع أبوابه، إذا قررت اليوم أن ترتدي الزي الحضاري الديمقراطي، وتركت الجماهير تسير في تجمعات سلمية وتمارس حقها في التعبير عن رفضها الصوت الواحد، مثل ذلك القرار لو حدث سيعد نشازاً في تاريخ السلطة السياسي الحافل بقمع الرأي الآخر تحت ذرائع الأمن والنظام والمصالح العليا وحكم القانون، فكل تلك التبريرات السابقة لم تعد تجدي نفعاً، ولم تعد بضاعة قابلة للاستهلاك في الحراك السياسي اليوم، فهي منتهية الصلاحية بنهاية الممارسة الفردية في القرار السياسي في أجزاء كبيرة من المنطقة العربية. ديفيد هيرست كتب في الغارديان البريطانية أن التظاهرات في الكويت تشي بالروح الحقيقية للربيع العربي، فالمتظاهرون لم يخرجوا من أجل تغيير النظام، ولا يمكن وصف حركتهم بالتمرد، ولم يكن الجوع والفقر يدفعانهم للخروج، فالكويت من أغنى دول المنطقة العربية، هم يطالبون فقط بالمشاركة في اتخاذ القرار السياسي في ممارسة حق عدد من سيصوتون لهم في الانتخابات، هم يرفضون أن يفرض عليهم رأي من السلطة.
في مثل الحالة الكويتية الرافضة نتعلم أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وأن أموال عوائد النفط يمكنها أن تشتري الكثير، لكنها لا تستطيع شراء كرامة البشر دائما. وهذا برأي الكاتب جوهر ما يحدث الآن في الكويت.
لم تعد الأزمة الكويتية مسألة خاصة بالدولة، ولم تعد سياسة ضرب المتظاهرين المسالمين مقبولة، فوسائل الإعلام الأجنبية تتحدث عنها، ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية شجبت كل ممارسات القمع الماضية، ولتتذكر السلطة بأن كويت اليوم ليست كويت 89 و90 أيام ضرب تجمعات دواوين الاثنين التي كانت أسمى عملية رفض مسالمة للنهج السلطوي بحل مجلس 85 وفرض مجلس "خيال المآتة" الوطني، الذي سيعود للحياة كـ"الزامبي" في الانتخابات القادمة لو قدر لها أن تصير بالصوت الواحد.
الحل الوقتي الآن كي لا ننجرف نحو الهاوية هو أن توسع السلطة صدرها قليلاً للمسيرات والتجمعات الشبابية، وأن يفتح في ما بعد باب الحوار الهادئ لقيادات المعارضة مع السلطة لننتهي بتوافق سياسي يخرجنا من عنق الزجاجة الذي وضعت به الدولة، فالأزمات لا تحل بالقنابل الدخانية ولا بالعصي الأمنية، وليقل المتزلفون ما يشاؤون في نعت حركة شباب الرفض، قولوا إنهم قبليون، ومحافظون ورجعيون وإن الإخوان يحركونهم، يبقى أن يتذكر السائرون في ركاب قافلة الرأي السلطوي أن هؤلاء الشباب كويتيون، وأنهم أبناء الكويت في النهاية وهم مفخرة لنا.
«الإخوان» فوبـيا
أصبحت حالة "الإخوان فوبيا" ظاهرة يجترها الكثيرون من جماعات السلطة بوعي ومن دون وعي في قراءتهم للأزمة السياسية بالدولة، فالإخوان المسلمون هم من يقفون وراء التظاهرات والتجمعات الأخيرة في ساحة الإرادة، وهم الذين استطاعوا اختراق القبائل التي كانت موالية للحكم في السابق، ثم أضحت في مقدمة صفوف المعارضين عبر انتقاء الأفراد الموالين للطرح الديني المتشدد وضمهم إلى مرشحي "الإخوان" أو دعمهم بصورة غير مباشرة، بل امتد سلطان "الإخوان" اليوم ليخترق القوى الليبرالية، أو ليضعوا بعض الليبراليين على الأقل في صفوف المعارضة للسلطة، كما ذهب الكاتب الزميل أحمد العيسى في مجلة المجلة في تقريره الإخباري لتلك المجلة.
لا جديد في اختراق قوى الإخوان المسلميـــــن لسلطــــــة القبيلـــــة؛ فالراحل د. خلدون النقيب أثار هذه المسألة منذ سنوات في مقالات بـ"القبس" وفي كتابه "المجتمع والدولة في الخليج" على ما أذكر.
الجديد الذي يحدث اليوم هو أن "الإخوان" وشباب القبائل في مجملهم أضحوا قميص عثمان لتعليق كل ما يحدث بالدولة من أزمات سياسية عليه، وانتشرت أدبيات "تويترية" عن مؤامرة "الإخوان" وتطلعهم إلى الاستفراد بالحكم، وهم (الإخوان) يمارسون بذلك الخبث السياسي في معارضتهم، فهم يدفعون الشباب من أبناء القبائل والليبراليين إلى المواجهة السياسية، بينما هم يقفون في الصفوف الخلفية، وكأن الأمر لا يعنيهم، بحيث لا يمكن وصف معارضتهم بغير كونها هادئة ومعتدلة في طرحها.
مثل هذا الرأي المناوئ للإخوان يجد له الكثير من المنصتين في الجانب "الحضري" من المجتمع الكويتي، وبالرغم من تحفظي عن تلك الكلمات المفرقة وليست المقررة للواقع الاجتماعي الكويتي، فإن "فوبيا الإخوان والقبليين" أضحت عقدة كبيرة عند "حضر" اليوم بسنتهم وشيعتهم، مثل هذا الرأي يسفه وجود المعارضة السياسية برمتها في الدولة، ولا يفرق بين معارضة مثل محمد هايف أو وليد الطبطبائي ونواب قدامى مثل د. أحمد الخطيب أو عبدالله النيباري، فالجميع عند أصحاب هذا الرأي صابون، وإذا كان النواب المتزمتون دينياً قدموا مشاريع قوانين تصادر حرية الرأي مثل إعدام المسيء لذات الرسول (بالرغم من أن تهمة الإساءة للرسول كانت حادثة فردية ناشزة لا يصح بناء التشريع عليها على نحو ما بصم أعضاء المجلس المبطل الأخير) وحاولوا إفراغ الدستور من روح المعاصرة حين تقدموا بطلب تعديل، أو إضافة إلى المادة ٧٩ من الدستور بحيث لا يجوز إقرار قانونٍ ما، ما لم يكن موافقاً للشريعة الإسلامية… فإن كل ذلك الطرح لا يمكن قبوله بصفة مطلقة لإدانة فكرة وجود المعارضة برمتها، كي لا يبقى على المسرح السياسي غير الرأي الواحد والسلطة الواحدة وهي سلطة الحكم.
إن التخويف بالفكر الطائفي عند بعض أفراد المعارضة، أو الترهيب من أن الإسلاميين والقبليين قادمون ما لم يتم قبرهم باعتبارهم تهديداً مباشراً لوجود الدولة، وليسوا مجرد معارضة مسالمة للسلطة الحاكمة فقط! لا يمكن قبوله، وتحت ستار الاحتماء بالسلطة كمدافع وحيد عن التقدميين يجب تناسي قضايا الفساد الإداري والمالي التي تتجرعها الدولة منذ سنين طويلة! وتحت غطاء حماية الحريات الشخصية (الفردية) علينا طي صفحة المطالبة بتنمية الممارسة الديمقراطية بالدولة بتشريع الأحزاب والتقدم نحو تحقيق حكومة برلمانية، وخلف عباءة الوحدة الوطنية ورفض الطائفية علينا أن ننسى قضايا الواسطة والمحسوبية والشللية، وتقريب البعض من الذين "حبتهم عيني ما ضامهم الدهر" دون أي اعتبار لقواعد العدالة وتكافؤ الفرص!
مثل ذلك الرأي لا يعني إلا أن التاريخ جامد لا يتحرك، أو فرض ثباته وموته قسراً، وهذا ليس صحيحاً؛ فالتاريخ يتقدم شئنا أم لا، وهو لا يتقدم بخط مستقيم دائماً، بل ينعرج وينحني أحياناً، لكنه في النهاية يتقدم إلى الأمام.
إرهاب رسمي
مارست السلطة إرهاب الدولة وقمعت المتظاهرين الذين خرجوا لممارسة حقهم الدستوري بالتعبير عن رأيهم، فضربت المتجمعين المسالمين بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات وطاردتهم من مكان إلى آخر وكأنهم عصابات لصوص تتخفى عن عيون الأمن الساهرة على حفظ النظام، وهي عيون عمياء لا ترى حقوق البشر وكراماتهم، ورمت السلطة بالعديد منهم في مخافر وسجون الدولة، وكأنهم إرهابيون ومتآمرون يريدون قلب نظام الحكم.
في وعيها المستبد تردد السلطة حكمتها القمعية الأثيرة أنها تطبق حكم القانون، ولا يهم إن كان مثل هذا القانون الذي يحرم التظاهرات السلمية والتجمعات العامة يخترق نصوص الدستور حسب المادة "44".
السلطة المستبدة لم تكن تريد منع تلك التجمعات المسالمة فحسب، بل أرادت بفظاظة قمعها أيضاً أن تعطي المتجمعين درساً لن ينسوه أبداً، بأنها ستكرر ما فعلته أمس الأول وأكثر منه. "لكل من تسول له نفسه المساس بهيبة السلطة وحكم القانون"- وضعت العبارة السابقة بين قوسين لأذكر بأنها من أعظم الأدبيات الترويعية التي تكرر نفسها بلا معنى في الخطاب الرسمي الفج، وهي صيغة خطابية قمعية ليس فيها أي معنى غير الترويع وتخويف المواطن- بهذا الخطاب، حامل العصا الغليظة الذي أدمى أجساد وأرواح المتجمعين المسالمين، تروم السلطة إلى تدجين الروح البشرية الحرة وسجنها في أقفاص الطاعة والولاء الأعمى.
ربما أطربت مشاهد قمع وضرب الأحرار التي حدثت أمس الأول الكثيرين من الذين اختزلوا المعارضة الكويتية بأشخاص السعدون أو البراك أو الطبطبائي وغيرهم من أعضاء مجلس 2012، وأن تلك المعارضة القبلية الدينية "حسب وصفهم" ليس لها من هم ولا غرض غير مصادرة الحريات الفردية للبشر وتكريس الروح الطائفية في المجتمع، ومن ثم يرى هؤلاء الليبراليون المزيفون، في ظل تقلص قواعدهم الشعبية أنه ليس لهم من خيار غير الالتصاق بالطرح السلطوي، بالحق أو بالباطل، فالسلطة هي الحامية لهم ولحقوقهم المتلاشية. الخطأ الكبير في مثل هذا الطرح أنه يقيس المعارضة بمسطرة واحدة، ويتعامى عن فروق كبيرة بين المعارضين، وإذا كان هناك من أراد فرض رؤيته المنغلقة في التشريع، وأذكى بالتالي روح الطائفية وخنق الحريات الفردية، فهم أفراد يمكن معارضتهم وتحديهم عبر الإعلام الحر نسبياً وعبر الممارسة الديمقراطية الصحيحة ذاتها، لكن في مثل حالنا اليوم كيف يمكن لنا الاعتراض إزاء ممارسات السلطة إذا تجاوزت حدودها؟ وكيف لنا أن نتحاور مع من يركب السيارات المدرعة ويحمل القنابل والسلاح ويطارد البشر في الشوارع والحارات؟… هنا يظهر لنا بصيص أمل تمثل في محمد الصقر وصالح الملا ومرزوق الغانم من جماعة التحالف الوطني والمنبر برفضهم خوض الانتخابات القادمة، وبهذا أوصل هؤلاء رسالة صريحة للسلطة أنها أضحت وحيدة في معاركها السياسية، وأن من سيبقى معها ليسوا سوى مرايا عاكسة لها، فهي السلطة التي ستنتخب السلطة في ديسمبر المقبل، فأي ديمقراطية هذه؟!
مجرد وعد بسيط
مجرد وعد بسيط من السلطة بأنها لن تعدل نظام التصويت سينهي صداع الرأس السياسي بسبب التجمعات والاعتصامات في ساحة الإرادة والدواوين، مجرد وعد بسيط من السلطة بأنها ستحترم الدستور هذه المرة، وعلى غير عادتها المتأصلة في نهج انفرادها بالحكم، سينهي حالة التشنج السياسي اليوم، ويغلق الأبواب أمام المزايدين والمندفعين في خطاباتهم في التجمعات السياسية.
مجرد وعد بسيط من السلطة سيضع حداً لحالة التكرار والملل النفسي التي يعانيها الكثيرون حين يسألون أنفسهم من نصدق: السلطة "الصامتة" أم المعارضة التي تتحدث دون كلل عن نوايا السلطة بتعديل نظام التصويت حتى يأتي مجلس نواب يمشي مع "المايه"، مجلس اختم وابصم "ربر ستامب" بيد أهل الحل والعقد؟
مجرد وعد بسيط من السلطة بأنها لن تنفرد وتغير نظام التصويت سيضفي عليها الكثير من المصداقية، وستقف بجانبها تجمعات سياسية، مثل المنبر والتحالف وغيرهما، التي رفضت أي تعديل في نظام التصويت، فهل تريد السلطة أن تخلق المزيد من المعارضين والمعادين أم أنها ستفكر بحصافة في أنها بحاجة في مثل هذا الوقت وأمام التحديات الكبيرة في الداخل والخارج إلى مؤيدين صادقين معها ومع الشعب قبلها، لا إلى منافقين وانتهازيين يدورون في فلكها، والذين تنحصر نصيحتهم في ثقافة "الشور شورك والرأي رأيك"، هؤلاء مجرد مرايا عاكسة للسلطة ومكبرة، تضخم الذات السلطوية وتنفخ بها، ولا تكترث بعدها لما قد يحدث في الدولة، فهي لا تنظر للغير ولا تتأمل قليلاً "غير النظر في الأنا"، والذات الأنانية النرجسية، بلعت الكثير في زمن فات، وتريد أن تهضم ما بقي؟
مجرد وعد بسيط اليوم من السلطة وننتهي من هذه الفوضى السياسية، التي تجر الدولة إلى شلل كامل في الاقتصاد والسياسة… مجرد وعد بسيط من السلطة يخبرنا بأننا في دولة ولسنا في مسرح للعرائس، يتلاعب بخيوطها حفنة بشر تتخفى خلف ستارة عالية، وتفرض علينا أن نشاهد بكل ضجر مسرحية تافهة ليس بها أبطال ومن دون معنى… مجرد وعد بسيط ينبه الناس بأنهم بشر وليسوا دمى.
كي لا تغرق سفينتنا
مراسيم الضرورة الأربعة، التي صدرت، لم تكن في مغزاها السياسي "ضرورة"، إنما بالونات اختبار لجس ردود الفعل المعارضة للمرسوم المحتمل لقصر التصويت في صوتين. ردة الفعل من المعارضين بعنفها الخطابي يفترض أن تكون متوقعة، وتصعيد لغة خطاب المعارضة مسألة عادية، وإن كان هذا لا يبرر خروج بعض الأصوات الخطابية عن الأصول في مفرداتها، ولم تعتد الأذن الكويتية بحكم تاريخها العتيق في مسايرة النظام بحكمة "وين تروحون وياكم" على مثل ذلك الاستعراض الخطابي. كان أولى أن يصرح رموز المعارضة بأن ما تحدث به بعض الخطباء في ديوان النملان يمثل أصحابه في مفردات لغة الخطاب، وكان على هؤلاء الرموز أن يوضحوا أنه لا يوجد هناك "ناطق رسمي" يتحدث باسم المعارضة، وهذا يعني أنه على من يتبنى التجمعات من السادة النواب السابقين المعارضين أن يطلب من المتحدثين المحتملين أن ينتبهوا لانفعالاتهم، وأن يلجموا بعضاً من حماسهم في الندوات العامة، ففي النهاية المعارضة، مهما اختلفت توجهاتها، ستدفع ثمناً هي في غنى عنه في معركة الإصلاح السياسي.
من جهة أخرى، ليس من المقبول أيضاً أن يتم التحريض على المعارضين والمطالبة بقمعهم تحت ستار النصح والتحذير، حين يرتدي الواعظون الناصحون أثواب العقل والاتزان، بينما هم في عالم الفكر خواء بخواء، وهمهم أولاً وأخيراً بقاء ما كان على ما كان. بكلام آخر، هم يقولون جهاراً: دعونا على طمام المرحوم، فهنا مصالحنا وهنا الوزة الثمينة التي تبيض ذهباً… فرياح التغيير القوية قادمة لمناطقنا إن لم يكن اليوم فغداً، وعلينا أن نتعلم الإبحار معها جيداً حتى لا تغرق سفينتنا.
اعترفوا بالجريمة الكبرى
مصدر أمني قال لـ"الجريدة" إن وزارة الداخلية اعتقلت 12 متهماً من "البدون" بتهمة التحريض والدعوة إلى اعتصامات وتجمعات مخالفة للقانون، ومقاومة رجال الأمن، عشرة من "المكاريد" المعتقلين أحيلوا إلى السجن "المركزي"… وأضاف المصدر الأمني أن "المحرضين "اعترفوا" أمام سلطات التحقيق بأنهم كانوا يعقدون اجتماعات دورية ويدعون ويخططون للاعتصامات والتظاهرات بمشاركة ناشطين"، وأن المحرضين "اعترفوا" كذلك بأنهم كانوا على اتصال بزملاء خارج البلاد.
هل لاحظ القارئ لغة الخطاب في تصريح المصدر الأمني لـ"الجريدة"، بأنها لغة لا تتهم فقط، إنما تدين وتصدر أحكاماً نهائية "بجرائم" المحرضين، وتتردد كلمة "اعترفوا" أكثر من مرة، في تصريح المصدر الأمني، موحية لمن يقرأ الخبر أن الجريمة تامة، وأنها خطرة، وتكاد تكون من جرائم أمن الدولة. لغة الخطاب لوزارة الداخلية لم تبق ولم تذر، فماذا بقي للمتهمين كي يقولوا دفاعاً عن أنفسهم بعد ذلك… بعد الاعتراف… بعد الاتصال بجهات خارجية، وبعد أن سالت دماء بعض المتجمعين بتيماء، في مقابل تهشيم زجاج سيارة لوزارة الداخلية…! لغة الخطاب لوزارة "الأخ الأكبر" -تعبير جورج أورويل برواية ١٩٨٤- كعادتها هي مستبدة، وقمعية، ومحرضة، ونصبت المشانق "للمتهمين" بعد أن قطعت تماماً في صحة نسبة الاتهامات الموجهة إليهم، فلماذا المحاكمة بعد ذلك؟!
هل للمتهمين أن يقولوا إن الاستبداد ليس في تنفيذ حكم القانون فقط، وإنما في نصوص القوانين التي تجرم الاجتماعات والاعتصامات أياً كان الغرض منها؟، وإنه لا يهم ولا يختلف الأمر إذا كانت تلك التجمعات "سلمية" تعبر عن تجاوزات لحقوق وكرامات مهضومة لـ"البدون"، أم بغرض قلب نظام الحكم أو التشكيك فيه، وهل للمتهمين أن يسألوا أين كان نواب الأمة طوال سنين ممتدة من تلك القوانين الظالمة؟، وهل سيتحرك هؤلاء النواب إذا وصل المخلصون منهم إلى كراسي النيابة، بعد أن تتضح نوايا السلطة بتحديد عدد أصوات الناخبين بصوت أو صوتين بمرسوم "ضرورة" من عدمه…؟!
في القسم الثاني من خبر "الجريدة" أن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (أيضاً كلمة المركزي تعود مرة ثانية، مرة بالسجن للبدون، ومرة أخرى كنعت لجهاز دولة أتوقراطي، له وحده دون معقب تحديد وضع "البدون" ورصهم في خانة حمراء أو زرقاء أو صفراء… وكلها ألوان ليس بها لون الجنسية الكويتية، أو لون يضمن كرامتهم) يقول إن ملفات ٧٥٠ عسكرياً من الداخلية والدفاع من غير محددي الجنسية من حملة إحصاء ٦٥، والمشاركين في الحروب العربية، وحرب تحرير الكويت ستحال إلى مجلس الوزراء تمهيداً لتجنيسهم…!! ما هذا؟ عسكريون من حملة إحصاء ٦٥ (بعد ثلاث سنوات تقريباً سيمضي عليهم نصف قرن) خدموا الدولة بأشرف خدمة، والتي يبدو أنها لا تعتبر من الخدمات الجليلة في عرف السلطة، ومع ذلك، حتى الآن، هم في مرحلة "الروضة" التمهيدية لدخول جنة الجنسية الكويتية… إذا كان "هؤلاء" لم يبلغوا الحلم لاستحقاق الجنسية والمسألة معلقة على قرار من مجلس الوزراء فمن يستحقها بعد ذلك؟، ومن كسبها قبل ذلك؟، وبأي وجه حق وبأي أبشع صور الظلم؟
معتادون على الدموع
"من السخف مهاجمة البدون بقنابل مسيلة للدموع، هم معتادون على الدمع، أنصح بمهاجمتهم بقنابل فرح، فهم محرومون منه"، كان ذلك "تويت" (تغريدة) لمحمد جار الله السهلي، برأيي إنها أجمل تغريدة "حزينة" لوصف حال كرب البدون المستوطن بهم، لكن د. حاكم المطيري يخترق واقعنا الاجتماعي المخجل مقرراً بـ"تويتر" أن "طغيان المجتمع ضد فئة ما أشد خطراً من طغيان السلطة"، وهذا هو جوهر الفاشية التي يمارسها المجتمع أو أغلبية الناس غير المكترثين لحال البدون، فالسلطة الحاكمة لم تكن طاغية لولا طغيان أكثرية أهل الجناسي، حين نبذوا البدون وسخفوا من كراماتهم وإنسانيتهم، ورفعوا شعارات استبطنت في اللاوعيهم الجمعي، مثل "خلهم يطلعون جناسيهم وجوازاتهم الأصلية… وإذا مو عاجبتكم الديرة شوفوا لكم ديرة ثانية…".
أمس الأول خرج أصحاب الدموع في ساحة تيماء في تجمع سلمي، بمناسبة يوم اللاعنف العالمي، فتصدت لهم السلطة بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات، ولاحقتهم في سكك البؤس بتيماء، وصادرت حريات بعضهم وأودعتهم فنادق أمن الدولة ومخافر الخمس نجوم المظلمة. ولا يمكن وصف رد فعل نواب الضمير إلا بأنه أقل من المتواضع، فالبدون ليسوا قضية بشر محرومين من الحد الأدنى لوجودهم الإنساني، وإنما هم "قضية" جانبية من قضايا الدولة نطالب بحلها…!
الصليب النازي المعقوف، الذي رفع في تجمع مأساة تيماء، لم يكن تبنياً لشعار النازية من أصحاب الدموع، وإنما قصد به الممارسة المتغطرسة المتعالية التي لا تختلف كثيراً في مضمونها عن نازية الرفض للآخرين وعلى غير الأريين الكويتيين، وإذا فرضت النازية على اليهود في ألمانيا والدول التي استحلتها في بداية شهور اضطهادهم أن يضعوا بطاقات معلقة على جاكيتاتهم تبين هويتهم "المختلفة" عرقياً في الأماكن العامة حتى يسهل بالتالي ركلهم منها، فهنا، تم اقتباس الفكرة عبر لجنة البدون، وفرض على بدون الكويت حمل بطاقات من اللون الأزرق أو الأصفر، وهم من لهم أمل الانتماء للوطن والدخول حسب مواصفات اللجنة المركزية لأوضاع المقيمين بصورة غير مشروعة (لدينا لجنة مركزية وسجن مركزي ولله الكمال)، أما البطاقة ذات اللون الأحمر، فليس لأصحابها غير الدمع الأحمر يذرفونه مع دمائهم…
الزميلان غانم النجار وأحمد الديين في مقالين مهمين نبها إلى أن واقع البدون لم يعد مسألة تخص الكويت فقط، فالمنظمات الإنسانية التي كرست نفسها لحقوق الإنسان تبنت بشرف قضيتهم، وبالتالي وفي يوم ما، وإن شاء الله قريب، ستكبر قضيهم، ولعل دول "المعازيب"، التي تحيا الديرة تحت ظلال رماحها الحامية، ستمارس الضغط على الدولة وأهلها لتصل رسالة واضحة بأن عهود النازية والفاشية ولت إلى غير رجعة، وأن أيدي البدون ستلامس بيوم قريب زهور الربيع العربي.
سئمت اختزال الهم الكويتي في الحروب الكلامية ما بين مناورات السلطة لتدجين الممارسة النيابية وردود فعل ربعنا عليها بدعوات الإصلاح السياسي، الذي لا يشمل قضية الحق بالمواطنة كي يكون من اختصاص السلطة القضائية، فمسألة منح الجنسية رخصة لمن يعرف كيف يطرق الدرب "الصحيح" في تيه مسالك البيروقراطية الكبيرة في الدولة المتسلطة. منح الجنسية وسحبها وإسقاطها هو حكر أصيل للسلطة التنفيذية، وهي الخصم والحكم من غير معقب أو رقابة لاحقة، وهو عمل من أعمال السيادة، أي سيادة احتكار دولة الرعاية على الرعية الكويتية، أما البدون فليس لهم غير تخوم صحارينا الجرداء كي يرعوا بها، وليس بالفلاة الحارقة ظل ولا زرع ولا ماء… فليموتوا عطشاً وجوعاً، ولتتقطع أحذيتهم ونعلهم في الهرولة بين دهاليز الدولة البيروقراطية المستبدة باحثين عن "شهادة ميلاد… عن طلب للعلاج… عن طلب للعمل… عن طلب للدراسة…" فقط "سيادتنا" كريمة وحاتمية بمنح شهادات الوفاة وتراخيص الدفن، فليسكب البدون الدموع الساخنة، ليس على مأساتهم فقط، وإنما على مأساة وطن الأنانية والنرجسية المتعالي على الخواء.
كلمة لحزب الشيوخ أبخص
إذا حلت السلطة مجلس ٢٠٠٩، ودعت إلى انتخابات جديدة وفق الدوائر الخمس، وصحت من أحلام اليقظة عن مراسيم الضرورة أو ترتيب وضع مجلس الأمة القادم ليكون في قفص التدجين السياسي بمعارضة صوتية وشكلية لا تخرج عن طوع الولاة، لو حدث كل ذلك، فهل المطلوب بعدها أن تتوقف تجمعات ساحة الإرادة وينتهي الصخب السياسي مرة واحدة وللأبد؟ فالسلطة، كما يقول اتباعها ومريدوها، قدمت كل ما يمكنها حسب رغبات المعارضين، وسارت على الخط المستقيم، فلماذا إذن تلك التجمعات والندوات السياسية المفترضة، وماذا يريد أهلها من مثيري الشغب وأصحاب التطلعات السياسية اللامنتهية؟! هذا ما يحلم به ويتمناه منظرو حزب الشيوخ أبخص، وهذا ما سيرددونه بأصوات عالية ضد المعارضة الشرسة التي يمثلها التكتل الشعبي والإسلاميون، مثل جماعة حدس أو غيرهم من المستقلين! سيتهم “عقلاء” حزب الشيوخ أبخص المعارضين بأنهم “أصحاب طلايب”، وسيقولون لهم، إذا أردتم الاعتراض فلديكم قاعة عبدالله السالم حسب الأصول الديمقراطية، أما الخروج للشارع فهذا حكم الغوغاء والفوضى، وهو مستنقع رمال متحركة ستغطس فيه الدولة اقتصادياً وسياسياً، وكأن السلطة لم تكن يوماً مسؤولة، والسبب الأول والأخير لمعظم خرابنا الحالي بداية من فوضى المرور إلى التقنين الرسمي لحالة “احترامي للحرامي، صاحب المجد العصامي” وكأنها لم تكن يوماً موضع شك في قضايا الفساد المالي والسياسي والمحاباة لجماعات دون أخرى في التوظيف أو توزيع كعك خير الفوائض المالية للمؤلفة قلوبهم. هل المطلوب منا أن نصدق شعارات أصحاب هذا الحزب السائر بخير عطايا السلطة وبركاتها، أو البشر المساكين الذين صدقوا كلامهم، ووضعوا المعارضة في قفص الاتهام بالمسؤولية، ونسوا السبب الأصيل لحالة الضياع الكبير لمعظم قضايانا؟. يجب ألا يكون هناك أي سقف للمطالبات الإصلاحية، فحق تشكيل الأحزاب (سموها هيئات أو لعنات لا يهم)، وإعادة تقسيم الدوائر لدائرة واحدة، والأخذ بنظام التمثيل النسبي، كلها كمحاولات جادة لتحقيق ديمقراطية صحيحة ودولة دستورية شكلاً ومضموناً هي قضايا يجب ألا تكون لها حدود وأسقف، ولا يصح حصرها بقاعة عبدالله السالم، ولو حدث أن عاد أكثر نواب مجلس 2012 إلى مكانهم في المجلس القادم، وحاول بعضهم أن يفرض رؤيته ونهجه بقبر ما تبقى من الحريات الشخصية في الدولة، أو أراد فرض المذهبية الطائفية بحجة أن هذا صوت الشعب وحكم الأغلبية (وهو جوهر الفكر الفاشي)، عندها لابد أن تخلق معارضة للمعارضة، ونقض الأخيرة من أساسها، ولا يعني ذلك الاصطفاف خلف حزب الشيوخ أبخص، باعتباره “أهون الشرين”، فهنا مكمن قصر النظر والسذاجة التي يروج لها الكثيرون بحسن نية أو ربما بسوئها. ساحة الإرادة ليست حكراً على معارضة اليوم، وليس لنا أن نقبل حصرها في “مكان ما مقابل المجلس”. لتكن هذه الساحة وعياً بالحريات الإنسانية، وليكن اسمها “إرادة التغيير” التي يجب ألا تتوقف وتجمد على حال، والقول بغير ذلك لا يعني غير الموت. ملاحظة: ليت وزارة الداخلية توسع صدرها وتتذكر أن اليوم هو يوم مهاتما غاندي، ومارتين لوثر كنج، ومانديلا… وليتها تتذكر، أيضاً، أن “البدون” بشر لا يحملون كرت الجنسية، إنما فقط كروت ملونة… هذا الفرق بيننا وبينهم.