الديمقراطية ليست بحاجة إلى آباء وأوصياء، ومرة تلو الأخرى يظهر الشباب الحر أن شيوخ القبائل مكانتهم اجتماعية ورمزية لكل قبيلة وكفى، ودور هؤلاء الشيوخ لن يتجاوز تلك المنزلة الاعتبارية. وما حدث، قبل يومين، في اجتماع عدد من أبناء قبيلة العوازم عند الشيخ بن جامع من رفض شبابي واع لأي إملاءات أو وصاية أبوية لشيخ القبيلة على أبنائها، وعدم قبولهم انتخابات الصوت الواحد -رغم مسحة القداسة القانونية التي أضفاها عليه حكم المحكمة الدستورية- هو رسالة ليست موجهة إلى بن جامع فقط، وليست لبقية أمراء وشيوخ القبائل، وإنما للسلطة الحاكمة تخبرها بجلاء بأن محاولاتها لاحتواء مؤسسة القبيلة عبر شيوخها وأمرائها لم تعد مجدية، مثلما كانت تجري العادة التاريخية في الكويت وبقية الدول الخليجية، فسلطة "شيخ القبيلة" لم تعد كما كانت ولائية، وإنما وضعت في نصابها الصحيح كرمز "تراثي" روحي لا يتجاوز ذلك.
قبل فترة وقف الشيخ بن جامع بصلابة ضد الممارسة السياسية للحكم، ووجه رسالة قوية إلى السلطة بعد صدور حكم الحبس الابتدائي ضد النائبين الصواغ والداهوم، وقال في تجمع شعبي كبير ما لم يقله أحد من قبل برفض الحكم! وسواء كانت تلك "فزعة" تضامنية من الشيخ بن جامع لأبناء قبيلته أو رفضاً واعياً لمضامين الحكم، إلا أن بن جامع في ما بعد غير قناعاته، ووقف مع الصوت الواحد والرفض القاطع للحكومة البرلمانية، وهذا شأنه، وهذا حقه في التعبير عن رأيه، ولا تجوز إدانته من ناحية، ولا التهليل له من ناحية أخرى. إلا أن الحماس الشبابي للعوازم، بالأخص، وغيرهم من شباب الكويت، بالأعم، الرافض لسياسة الفرض من أعلى السلطوية في تحديد طريقة التصويت، لم يتوقف ولم يتأثر بتغير موقف الشيخ بن جامع، فالنائبان السابقان الصواغ والداهوم وقفا ببطولة ضد الصوت الواحد بعد حكم "الدستورية"، ولم يبصما على رأي شيخ القبيلة، بل مارسا احترامهما له فقط، وهذا الاحترام التراثي لا يعني الخضوع للوصاية القبلية، ولا الاستسلام لها على حساب المواقف المبدئية.
لابد أن نلاحظ هنا أن الصواغ والداهوم محسوبان على التيار الديني، وفي التسعينيات كتب الراحل خلدون النقيب عن اختراق التيار الديني للقبيلة، كما تمثلت تلك الظاهرة في معظم الانتخابات التي جرت، فقد عمدت التيارات الدينية إلى اختيار المرشح الأقوى من القبيلة، بعد احتسابه ممثلاً لها، سواء كانت تلك جماعة "حدس" مثلاً أو التكتل السلفي– قبل أن يصبح "تكتلات" شتى.
الآن، وهذا ليس من شباك التمنيات wishful thinking، الموضوع أصبح أكبر من انتماء ابن القبيلة لهذا أو ذاك التيار الديني السياسي، بل أصبح الانتماء "لنهج" المعارضة هو ما يتجاوز الانتماء القبلي، ورغم أن "أغلبية" النهج المعارض ذات صبغة دينية محافظة، فإنها خطوة مستحقة في رفض الممارسة الوصائية الأبوية، وفي الوقت ذاته تمثل علامة فارقة على تقدم جيد في الوعي الديمقراطي لدى شباب القبائل، إلا أن الطريق أمامنا مازال طويلاً وشائكاً كي نبلغ الأفق، ونجاور مرحلة النضوج لعوالم الديمقراطية والحريات والمساواة الإنسانية، ولنتجاوز ليس الانتماء القبلي وحده، وإنما كل الانتماءات الهامشية المعوقة للتقدم الإنساني، سواء كانت قبلية متخلفة أو طائفية نتنة.
أبناء القبائل قدموا رسالة واضحة في مسيرتهم إلى الأمام، بينما بعض أو الكثير من المترفين "الأرستوكرات" مسحوا كل سطور الرسالة الوطنية المفترضة بالليفة والصابون، خسارة…
التصنيف: حسن العيسى
شارك لا تشارك
ما العمل بعد حكم المحكمة الدستورية: نشارك أم نقاطع الانتخابات؟! تساؤل محير ومنهك للمعارضين. عدد من الأفراد المستقلين وكتل سياسية قررت المشاركة، بينما آخرون تمسكوا "بمثالية" الرفض وعدم المشاركة، هل هي حقاً "مثالية" وطوباوية لا صلة لها بالواقع المفروض؟ أم أنها واقعية تفتح حقائق التاريخ لممارسة السلطة الحاكمة وأزمتها المزمنة مع الدستور، وتحاول بكل وسيلة التقليص من المشاركة الشعبية مهما كانت تلك "المشاركة" محدودة أساساً بحكم الدستور عينه؟!
الأمة مصدر السلطات حسب المادة السادسة من هذا الدستور، لكن المادة الرابعة قبلها تضعها في سياق مقيد بأن "الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح"، ثم تأتي بقية المواد الدستورية التي تخول السلطة التنفيذية المشاركة في التشريع… والتاريخ يخبرنا أن السلطة المشيخية لم تشارك في التشريع فقط، إنما استحوذت على التشريع والتنفيذ، وابتلعت بقية السلطات منذ السنوات الأولى بعد الاستقلال وبعد وفاة الكبير عبدالله السالم.
مرة ثانية ما العمل؟ أم أن السؤال اللغز هو: ماذا يمكن عمله؟! حجة الداعين للمشاركة وحججهم أنه لا خيارات أمامهم الآن، ويرددون في صدورهم عبارة "العوض ولا القطيعة"، والقاعدة المنطقية تؤكد أن "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، وحسب واقعنا- وهم يؤكدون أنهم أهل الواقع والممكن- لا يسرحون في عالم الأحلام، فإن المحكمة الدستورية فصلت، وانتهت وانتهينا مع حكمها مهما اتفقنا أو اختلفنا مع تسبيبها في وضع الحدود الفاصلة بين سلطات الدولة، وعدم تغول سلطة على أخرى.
وحجة عملية أخرى يهمس بها هؤلاء "الواقعيون"، فهم لم يروا جدوى من الضغوط الشعبية على السلطة الحاكمة، فانتهت التجمعات والتظاهرات الكبيرة التي قادتها المعارضة في الشهور الماضية، وأخذت تتلقص يوماً بعد يوم حتى أضحت منتديات ضئيلة يديرها أفرادٌ أصحاب عزيمة ومخلصون لمبادئهم، إلا أنهم كانوا يؤذنون في مالطا، فهراوات السلطة والمحاكمات والزنازين أدت الدور المطلوب.
وأكثر من ذلك تم تفكيك المعارضة وأخذ كل فريق معارض يصف "روشتته" الخاصة للإنقاذ الوطني، بينما كان اللغط والإشاعات تتكاثر وتنقل حكايات بأن أفراداً من الشيوخ الطامحين في مكان بارز تحت شمس الحكم استعملوا قفازات المال الوفير مرة، ومرات استغلوا بعض المعارضين كمخلب قطّ لقتل روح الرفض عند الجماهير.
وإذا لم تكن مثل تلك الاتهامات صحيحة، ولم ينهض لها دليل فإنها في النهاية أنهكت الناس وأتعبتهم من تشرذم تلك المعارضة التي عجزت عن توحيد صفوفها، ولم ترسم خريطة طريق واضحة بفكر منهجي يكون ملهماً للشباب.
الرافضون المقاطعون يقولون إنهم الواقعيون الحقيقيون، ويرفضون اتهامهم بالطوباوية الحالمة، فهم من قرأ واستوعب التاريخ، وهم من يتعلم من تجارب الماضي، وتاريخ السلطة مع الدستور وأحكامه. وقال الاقتصادي جاسم السعدون في مبررات رفض المشاركة ما لم يقله مالك في الخمر، وقراءة رأيه الذي نشر في موقعي "سبر" و"الآن" يوم الأربعاء ضرورة، فلم يهمه أن يعرف بالأيام والتواريخ مواقف السلطة مع الدستور منذ ٦٧ حتى اليوم، فهو يقول لدعاة المشاركة إن "هذا سيفوه وهذي خلاجينه"، فالمشاركة في الانتخابات لن تغير من الإدارة ولن تغير من نهجها، والظروف في المنطقة تغيرت عن الماضي حين كان الكويتيون يغضون النظر عن تجاوز حقوقهم الدستورية، ولم يعد في اليوم مكانٌ لمقولة "عفا الله عما سلف"، وإذا لم نساير الريح فالتغيرات التي تعصف بالمنطقة ستجبرنا قسراً على التغيير، فالكويت اليوم مجتمع الشباب الذين يمثلون الأكثرية، وهم المهمومون في أزماتنا الحاضرة التي ستكبر غداً.
وكلام جاسم صحيح، فالعقول التي تدير الدولة بمنهجها التقليدي قد انتهت صلاحيتها، وفي الغد لن تجد السلطة في جيبها "مسكنات" تخدر بها الوعي، فأزمة السكن والبطالة، وغيرها من أمور حياتية من صحة وتعليم ستكبر وتتورم، وليس هناك ضامنٌ لعمر الذهب الأسود، والحل لن يكون بغير الاستثمار الإنساني، وهو استثمار اندفاع الشباب والعمل معهم لتحقيق تطلعاتهم بغدٍ أفضل، وفتح باب مشاركتهم في الحكم بمشاركة صحيحة، وأدوية العطايا والسخاء من حساب المال العام لن تكون ناجعة غداً حين تجفّ عروق هذا المال من سوء الاستهلاك وتكريس الفساد، فلماذا نراهن على بقاء ما كان على ما كان، فلسنا حالمين بل واقعيين… المشاركون هم الحالمون.
هل وجدنا جواباً للسؤال "اللينيني" (نسبة إلى لينين) ما العمل؟!
ما بعد الحكم
قررت المحكمة الدستورية أن "حالة الضرورة" غير متوافرة في مرسوم إنشاء اللجنة العليا للانتخابات، وبالتالي حكمت بعدم دستوريته، بينما حالة الضرورة متحققة في مرسوم الصوت الواحد، وحكمت بنفاذه، ومقتضى رخصة الضرورة عند المحكمة تتلخص في "توقي خطر يستوجب اتخاذ إجراء تشريعي عاجل ولا يتحمل الإناة والانتظار…".
إذاً عند يقين المحكمة فإن مرسوم "الصوت الواحد" له مبرر "توقي الخطر"، بمعنى أنه خطر داهم لا يمكن رده إلا بمثل ذلك الإجراء، هذا الإجراء السريع "الضروري" عند عقيدة المحكمة مبناه أسباب "سياسية" حين يضمن الصوت الواحد تمثيل الأقلية، وأن الدولة الديمقراطية لا تعرف غير الصوت الواحد، وغير ذلك من أسباب ساقتها المحكمة الدستورية، في اجتهادها.
ويمكن الرد عليها بأن الصوت الواحد في الدول "السنعة" (اصطلاح المرحوم محمد مساعد الصالح) يكون لمقعد واحد في الدائرة، وليس لعشرة مقاعد، وأن الصوت الواحد الذي فاز به مثلاً السيناتور ماكين بمجلس الشيوخ في الـ"سيناتس" يمثل الحزب الجمهوري وليس حزب شيوخنا، بينما كان الصوت الواحد لـ"أوباما" هو لمقعد الحزب الديمقراطي، ولكم أن تقيسوا على غيرها.
أما بالنسبة إلى ضمان حقوق الأقليات فهذا يجب ألا يكون على حساب ضياع حكم الأغلبية، وكيف يمكن تحديد مفهوم "الأقلية"؟ هل ترتبط هذه بالمذهب أو الدين أو العرق؟ وتلك يجب ألا يكون لها اعتبار في المنهج الديمقراطي، إنما تحدد الأقلية في مقابل الأكثرية وفق "الفكر" و"المنهج السياسي"، هذا إذا أردنا أن نتحدث عن دولة "سنع" وليست دولة "بدع"، كما هي الحال عندنا حين يرتبط مفهوما الأقلية والأكثرية بالطائفة والانتماء العرقي أو القبلي.
لم أجد في الحكم "معياراً" يسترشد به لحالة الضرورة، ولم أفهم كيف تتم التفرقة بين مرسوم هيئة الانتخابات ومرسوم الصوت الواحد، لكن كل هذا الحديث في مثل ظرفنا، لم يعد مجدياً، فالمحكمة اجتهدت وقررت وحسمت، ويحسب لها أنها قررت أن سلطة إصدار مراسيم الضرورة ليست مطلقة للسلطة التنفيذية، إنما تخضع لرقابة القضاء، لكن مرة ثانية، لم تضع المحكمة "معياراً" لحالة الضرورة يقيد السلطة التنفيذية في إصدار تلك المراسيم، بل تركت الأمور مطاطة وعائمة تسبح في تيار السياسة وغير مستقرة في يقين القانون المفترض.
ماذا ستصنع المعارضة بعد الحكم، وأي مشوار ستسلكه غداً؟ هل ستظل قضيتها "الأصوات الأربعة" وعدم مشروعية "الصوت الواحد" فقط، أم إنها ستتجاوز هذا وتتقدم نحو تكريس الفهم الصحيح لروح الدستور التي تفترض ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم، والنظر لهذا الدستور على أنه العقد الرابط بين السلطة والشعب؟ وهذا لن يتحقق بغير تجاوز قضية الأصوات الأربعة لتصل إلى الدعوة بالتشريع للعمل الحزبي المنظم، والانتخاب وفق نظام القائمة، وبتعديل الدوائر لتصبح الكويت دائرة واحدة.
وتظل الحقيقة الباقية هي أن أي تشريع لن يكون له أي معنى لتطوير المبادئ الديمقراطية، ما لم يكن هناك "وعي" ديمقراطي شعبي والاستعداد للتضحية من أجل الحرية.
حرب البسوس لا تحل بالمواعظ
لنقل صراحة بأن الكويتيين الذين يذهبون إلى القتال في سورية لا يذهبون لنصرة السوريين من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان المهدرة من النظام الستاليني لبشار، وهم لا يقاتلون هناك الطاغية بشار ونظامه المرعب الذي أحرق سورية ومن عليها، هم يجاهدون ضد بشار العلوي وليس بشار الدموي، هم يقاتلون بشار "الرافضي" وليس بشار الدكتاتوري.
هذه أولويات علينا أن نعيها حين نشخّص الحالة الجهادية الكويتية أو الخليجية التي نحياها اليوم، ونعيدها ونؤكدها رغم علمنا بحجم "الشتائم" والاتهامات للتيارات التقدمية اليسارية الليبرالية بالتواطؤ مع "الشيعة"، وأن تلك التيارات ليس فيها "نخوة" الإسلام، وتتملق شيعة الديرة، وكأن "شيعتنا" أغراب عن البلد، وكأن من المفروض أن ندين كل شيعي في الديرة، لأن حزب الله وقف مع عصابات بشار ضد الثورة وفتك بها، فأصبح كل شيعي مداناً بجريمة حزب الله حتى "يتسنن" وتثبت براءته!
مثلما هناك حرب مرعبة في سورية أشعلها النظام السوري ضد شعب طالب بحقه في الحرية والكرامة ولقمة الخبز النظيفة لتتحول فيما بعد، إلى حرب طائفية كما يريدها النظام السوري، وكما بالمفارقة، نشدتها قوى التطرف من جماعات القاعدة وامتداداتها لدينا في الكويت، حرب اتهامات متهورة طائشة بين بعض السنّة وبعض الشيعة نخشى أن تكبر وتحرق نيرانها بلدنا الصغير.
ومثالها حفلة الاتهامات التحقيرية من مذهب الآخر التي شهدناها في الجلسة الأخيرة لنواب الغم في مجلس التابعين الذي تصورت السلطة الرشيدة أنه سيسير على سكّتها، ويتبع أوامرها ونواهيها في "الوحدة الوطنية" كما تفهمها هذه السلطة.
وطبعاً نتذكر أن من أسباب إجهاض المجلس المبطل، كان عذر السلطة و"علثتها" تجنب الفتنة الطائفية التي برزت في بعض ممارسات المجلس المبطل، وها نحن نرى الآن ممارسات مجلس الحصافة والعقل "والوحدة الوطنية" كيف تكون.
محنة الدولة اليوم في التحزب الطائفي لا تحل بمواعظ ومعلقات إنشائية، أو التهديد بعصا القانون، قد يكون حلها بالغوص في أسباب التخندق الطائفي، ومعنى تقديمه الولاءات الفرعية طائفية أو قبلية على ولاء الوطن، تلك الانتماءات العصبية القبائلية الممتدة إلى ما قبل ألف سنة في التاريخ العربي الإسلامي.
الحلول لن تكون بعصا سحرية، إنما بعمل دؤوب لقلب العقل الكويتي وتشريحه، فمناهج التعليم الرسمية الرثة تقنن العصبيات المذهبية، وسياسة الدولة حين غابت عنها الحصافة وتلاعب عدد من كبار شيوخ البلد بالورقة الطائفية لتكريس حكمة "فرق تسد" أو لخلق موالين لهذا الشيخ أو ذاك على حساب المستقبل، يجب قلبها على رأسها؛ أهم من كل ذلك يجب تعلم ألا أحد يملك الحقيقة المطلقة، وأنه ليس من حق أحد أن يتبجح بأن جماعته هي الفرقة الناجية، والآخرون كفار ضالون.
بغير فكر معتدل واقعي، قد نجد نموذجه في هذه المرحلة، بحكمة شخص مثل راشد الغنوشي في تونس، لا مستقبل للكويت ولا لهذه الأمة غير المزيد من حروب داحس والغبراء بصيغة مذهبية متخلفة كتخلف مجتمعاتنا، فمتى نخرج من أسر التاريخ، ونحيا عالم الحاضر؟!
أسود على المقيمين ومع النخاسين نعام
المغردة نوال ملا حسين انتقدت بمرارة حوادث دخول أفراد من الداخلية منازل مقيمين، بعد أن يتم تفتيشهم وسؤالهم عن أوراقهم الثبوتية، وما إذا كانت لديهم إقامة صالحة أم لا، وتتساءل نوال عن القانون الذي يمنع دخول المنازل من قبل الشرطة إلا بعد حصولهم على إذن بالدخول والتفتيش من جهات التحقيق!
طبعاً في قانون الإجراءات الجزائية هنالك من النصوص ما يفرض مثل هذا "الإذن المسبق"، ولم يظهر عبر الإعلام الكويتي المبتهج بسواد الوجه وتغطياته السيئة لزيادة التوزيع عند جماعات "بلاغة الشف" الكويتيين أن عمليات المداهمة التي تقوم بها وزارة الداخلية، وتفتيش "السكن الخاص" للمقيمين كان حسب القانون أم لا، أو إذا كان للشرطة "كارت بلانش" مسبق بالمداهمة وخرق حقوق المقيمين بالأمن والاستقرار النفسيين!
أياً كانت عليه الأمور، يظهر أن عمليات بطولات مداهمة الشقق والمساكن الخاصة، والتقاط صور لفلبينية "متقلقصة" داخل برميل قمامة خشية كشف جسدها، (أو عورتها كي يرضى بهذه التسمية بعض المشايخ الملهمين الذين يرون أن المرأة عورة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها) أو ربما كانت مختبئة من المداهمة، تطوي الضعفاء والبؤساء بجلباب القانون، وهم دائماً الفقراء من المقيمين الذين لا يجدون سنداً ولا ظهراً يحميهم من العسف أو تجاوز حكم القانون، ولا تمتد يد القانون إلى أسود الدولة المواطنين من الذين استقدموا تلك العمالة، وتاجروا بها، وفرضوا الإتاوات التي يدفعها الأقنان الأجانب كل شهر لهم "بسعر معلوم" باهظ الكلفة، يدفعها المقيم للباشا المواطن المستمتع بمواطنته حين تدر عليه المقسوم من ريع الكفالة، أو من طلب تحويل الكفالة.
أضحى لدينا قانونان للعقوبات، واحد مخصص لطبقة أبناء البلد من تجار الفيز والإقامات وهو في حالة عطالة دائمة، وآخر للعمالة الهامشية وغير الهامشية يتحرك حياً متى عجز الوافد عن دفع مكوس الإقامة لرب العمل "شارلوك" الخليجي فألغى الأخير إقامة المكفول وتركه نهباً للملاحقة القانونية، فيقف القانون متسيداً بالمرصاد للمقيم، ويغض البصر دروشة عن "شارلوكات" الوطن.
حتى هذه اللحظة، ومع كل الثرثرة الرسمية والإعلامية عن تجار الإقامات، لم أسمع عن قضية واحدة منذ التحرير حتى اليوم تخبرنا عن مداهمة شركات النخاسة الكويتية ذات المسؤولية غير المحدودة، والمساهمة بالجرم العام، فكل ما تنقله صحافة "الإثارة" الفرحانة بوجبة اليوم من صيد وكر فساد جنسي، أو مداهمة شقة "بابو وغلام" ضبطا وهما يصنعان بها خموراً محلية، فلماذا تلك الازدواجية في بلاد الريع والحلال والحرام والكفالات ومراسيم الضرورة بين المواطن وغير المواطن، ومرة ثانية لماذا هناك "ازدواجية" قانونية أخرى بين مواطن "ديلوكس" من حزب البارونات والواسطات لا يعرف دهاليز الضياع في إدارات الدولة، وتسير أموره piece of cake في معظم معاملاته، ومواطن مغلوب على أمره تفرض عليه المعاناة "والمرمطة" بإدارات "تعال باجر، ومعاملتك في إدارة أخرى بعيدة وعند مكان عنوانه جهنم".
ومرتبط بهذا الموضوع، نشاط اللواء النجم عبدالفتاح العلي، وهو في قمة حماسه الأمني لضبط اللامنضبط في المرور، فهل نظر اللواء في عمق وداخل إدارته المرورية وفي متاهات وزارة الداخلية (أي وزارة الأخ الأكبر يراقبك الاورويليه) لينظف زواياها، وما تراكم تحت سجادها السميك من طبقات الفساد واستغلال الوظيفة العامة بعون رئيسه وزير الداخلية، في هذا كتب الزميل د. ساجد العبدلي مقاله قبل يومين في "الجريدة"، وقد كفى ووفى.
وأعود إلى تغريدة نوال وتعقيب من المغرد المطيري عن سبب سكوت جمعيات النفع العام عن فضح التجاوزات لحقوق وكرامات المقيمين، وأتمنى أن تسمى تلك المؤسسات الأهلية بجمعيات "الصمت العام" التي ترضع من ضرع السلطة، فهذا أنسب لها.
مجلس «أبولمعة» وإدارة الخواجة بيجو
الكارثة ليست استمرار هذا المجلس بعد حكم المحكمة الدستورية في ما لو قدر أن الحكم القادم سيمد عمر هذا المجلس، الكارثة تتمثل بإحدى صورتيها في استمرار النهج الفكري لهذا المجلس الخائب أو المجلس القادم سواء تحقق هذا النهج في إخراج مجلس "بوصوت" أو "بوصوتين" أو "بو أربع"، والصورة الثانية للكارثة هي أن تظل السلطة على جمودها وتراخيها في النظر للمسألة الاقتصادية، وان تستمرئ بقاء هذا المجلس أو المجالس القادمة مادامت لا تعي أبجديات الاقتصاد، ولا تقرأ بقلق المستقبل القريب، وتبقى تردد في ضميرها "الغائب" اليوم لي وغداً بعلم الغيب…!
الثنائي الكوميدي "أبولمعة والخواجة بيجو"، كان لهما "شو" خاص في ستينيات القرن الماضي، أبولمعة يكذب والخواجة يتظاهر بتصديقه بعد وقفات استغرابية مندهشة من جانبه، ثم يختم فاصل الكذب بينهما بكذبة أكبر يطلقها الخواجة بيجو لينهي حواره مع أبولمعة على ما أذكر.
يصح "شرعاً" أن نسمي هذا المجلس أنه مجلس "أبولمعة" حين يتعامى عدد من نوابه عن مواجهة الحقائق المالية، ويمارس هؤلاء النواب استغفال الناس والكذب عليهم، عندما يغطون أعين البشر بمناديل حريرية كي لا يقرأوا خارطة مستقبلهم ومستقبل أجيالهم.
الزميل بشار الصايغ يقرر مجدداً بجريدة "الجريدة" عدد أمس الأول، أن نواب المجلس يسعون إلى "تلميع" أنفسهم بجلسة اليوم، حين يدخل هؤلاء النواب في سباق مع الوقت لإقرار مشاريع قوانين "شعبوية" تصل تكلفتها إلى 1.8 مليار دينار، يعني أكثر من غرامة الداو عدة مرات، قلوب نواب مجلس "أبولمعة" ليست على العدالة الاجتماعية حين يطالبون بزيادة مخصصات علاوة الأولاد، أو التقاعد المبكر للمرأة، وزيادة بدل الإيجار، وغيرها من مشاريع استنزافية لميزانية الدولة المستنزفة أساساً "بهبشات" مافيات الفساد، فقلوبهم على أنفسهم وعلى مستقبل أوضاعهم السياسية في الأيام القليلة القادمة، فمعظم أبواب الإنفاق اللامسؤول التي يسعى إلى تحقيقها نواب "أبولمعة" ستذهب في تضخم أسعار العقارات والإيجارات والسلع، وستذهب كل تلك البلايين في بالوعة الهدر، بعد أن وضع عليها غطاء حاجات الناس المادية الملحة، وتلك تجارة من النوع الرخيص يمارسها عدد من نواب هذا المجلس اللادستوري.
قراءة بسيطة لميزانية الدولة حسب خطة التنمية تظهر أن عجزاً مالياً رهيباً سيصيب الدولة بعد عقد ونصف تقريباً، حين تزيد النفقات على الإيرادات، وتتبخر الفوائض المالية، بعد استنزافها مسبقاً بالإدارة السيئة للدولة، هي إدارة السلطة، والمجالس التي تخلقها السلطة ذاتها أو تعجز عن مواجهتها بحقائق الغد، مقتدية بحكمة "الهون أبرك ما يكون"، تلك الشاكلة من المجالس النيابية تمارس بشكل جيد دور "أبولمعة"، وبالتأكيد تقف معها على خشبة المسرح السلطة وهي تلعب دور الخواجة بيجو، فهل ننتبه لتلك الكوميديا المفجعة!
لم يكن بحاجة إلى بهرجة الإعلام
لم يكن هناك ما يبهج، ولا ما يبشر بالخير مشاهدة برنامج "تو الليل" لقناة الوطن، وهو يعرض صور متهمين محشورين في أقفاص "النظارة" بجرائم مرورية، لم تصدر بحق أي منهم أحكام قضائية بالإدانة، ولم يكن هناك، كذلك، أي مبرر لمشاهدة صور التوسل والتذلل والتزلف المحزنة لعدد من المتهمين، ينتظرون دورهم للمثول أمام المدير العام للمرور اللواء عبدالفتاح العلي، كي يرحمهم من الغرامة أو الإبعاد، ثم نلاحق بقية الحكاية بمشاهد تلفزيونية تبعث على التقزز، حين يقف البشر بطوابير ممتدة، ينتظرون القرار النهائي من اللواء في مخالفاتهم، ويصبح اللواء عبدالفتاح هو سلطة الاتهام والقاضي في الوقت ذاته! فطالما ارتكب أي من هؤلاء مخالفة ما يتعين أن يسلك القانون مجراه، وفق الإجراءات التي يحددها القانون، ولا يصح أن تتدخل "شخصية" المسؤول أياً كان موقعه في أعمال العقوبة أو الإعفاء منها، ففي دولة المؤسسات لا توجد أسماء أفراد متضخمة بأكثر من المناصب التي يشغلونها، ولا يصح أن تكترث الدولة لـ"صفات" ومواصفات "هذا أو ذاك المسؤول، فهناك أطر وقواعد إجرائية يتعين على المسؤول الذي يشغل المنصب أن يتبعها، كما يفترض أن تلك القواعد ملزمة للسلطة في اختيارها للمسؤول وتحديد مهامه وسلطاته التقديرية، التي بدورها يجب أن تكون محددة سلفاً ومعروفة للكافة، حسب الإجراء القانوني المفروض، وبغير ذلك فلا توجد دولة قانون ولا دولة مؤسسات، وإنما تجمعات عشائرية طفيلية ومحسوبيات تحل مكان اليقين والاطمئنان القانونيين.
يكثر الحديث اليوم عن شخصية عبدالفتاح العلي ودوره لإصلاح ما يمكن إصلاحه من كارثة المرور في هذه الدولة التائهة بين حكم القانون وفوضى مزاج وأهواء السلطة، ويبدو، حتى الآن أن مدير المرور يحمل في داخله روحاً جادة لرتق الكثير من الثقوب التي تملأ الثوب المروري، فالمرور ووزارة الداخلية كلها يكونان المرآة الصادقة لوضع الدولة على سلم حكم القانون، وضمان حريات الأفراد وحقوقهم، وتعهد اللواء عبدالفتاح باستئصال "ورم الواسطة" من الجسد المروري يفرض الاحترام لشخصه متى وفى بوعده، وحتى الآن تبدو أن بصمة اللواء في تعديل الكثير من الاعوجاج بإدارة المرور ظاهرة، وهو على ذلك ليس بحاجة إلى أي نوع من البهرجة الإعلامية، ولا إظهار مدى جديته في إعمال القانون، فالناس ستشهد له أو "عليه" يوماً ما، وما يهم الآن أن يخلق في الدولة واقعاً اسمه "مؤسسة" القانون، التي هي كفكرة تفرض اختيار أشخاصها المناسبين، وتبعد عن دائرتها المتزلفين والوصوليين، الذين تعج بهم معظم هيئات الدولة، فالمطلوب ألا يرتبط أي تقدم أو إنجاز باسم فرد، أو موظف عام قام بواجبه، وإنما بالمؤسسة المعنية، فالأفراد يبقون لفترة في مناصبهم ثم يزولون، والمهم أن يظل وجود المؤسسة القانونية العادلة باقياً، دون النظر إلى أشخاص من يشغلها، وستذكر الناس في نهاية المطاف، حتماً، دور ذلك المسؤول الذي شرف عمله، ورفع من شأن هذه أو تلك المؤسسة، وتركها لتستمر من بعده وفق حكم القانون والعدل دون ظلم للناس أو تهاون بأمنهم، في آن واحد.
في سوق الصفافير
قرار إلغاء اللجنة التشريعية قانون منع الاختلاط بالجامعة والتعليم العالي مثله مثل الذي أطلق ريحاً في سوق الصفافير، وهذا مثل كويتي، حيث يكثر طرق النحاس في هذا السوق وتعلو الضوضاء، فلا أحد يسمع، ولا أحد يكترث بالإنجاز "التقدمي" لقرار اللجنة، فبمجرد إعلان قرار اللجنة تسابق نواب "طالبان"، ومن في حكمهم، إلى إطلاق تصريحاتهم المعادية للقرار، مع تعهٌّد قاطع من قِبلهم برفض القرار في خيمة هذا المجلس الأعور، حتى نعتَه أفذاذهم بأنه في حكم الرذيلة وينتهك أعراف الدولة وقوانينها.
أما الحكومة فهي غير مكترثة أساساً بمثل هذا القرار، وحسب تصريح أحد أعضاء اللجنة فهي (الحكومة) ستترك أمر التصويت عليه لنوابها، بمطلق حرياتهم إزاء "رفض القرار"! فمنذ متى اكترثت السلطة بالتعليم ونوعيته الرديئة؟! فمادامت قضايا التعليم المزري لا تمس مفهوم أمن الدولة، كما يفهمه شيوخنا، ولا سلطان أصحاب السلطان، فستظل، كما كانت، في آخر اهتمامات السلطة، حالها حال الكثير من أحوالنا المتردية بدولة "مو ناقصنا شي".
قرار اللجنة التشريعية لن يؤلف قلوب التقدميين الواعين، ولن تكسب السلطة المتوارية خلف هذا القرار أي شيء منه، فالواعون يدركون أن الشرعية الدستورية الغائبة عن هذا المجلس ولجانه، بداية ونهاية، لن تعود بمثل ذلك القرار، وأن هذا القرار لن يضيف أي مصداقية بشأن عزم السلطة أن تضع الدولة على خط سير التقدم والحريات الغائبة، ويبدو واضحاً أن مثل ذلك القرار قد صدر بعكس التيار الذي يسود الكويت والمنطقة العربية بصفة عامة، التي تتقدم سريعاً نحو الماضي والتراث المحافظ المغلق في أيام "ربيعها" المغبر، ولا يظهر أن شعوب المنطقة بلغت من الوعي الحضارى لتزيح أنظمة الحكم المطلق وتحل مكانها نظماً تؤمن بالتقدم والحريات الإنسانية، فتلك الأنظمة الحاكمة، منذ بداياتها مع استقلال دولها، وجدت في الفكر الديني العوض الكامل عن غياب الشرعية الديمقراطية، وكان الفقه الديني وبرميل النفط بمنزلة العكازين اللذين تسير عليهما تلك الأنظمة المتخلفة والخارجة من جوف مجتمعات عشائرية مفككة عرقياً وطائفياً، ولم يكن لها أي معرفة وإدراك لمفهوم الدولة القومية.
إذا كانت اللجنة التشريعية تريد حقيقة أن تضع لبنة صحيحة في بناء الدولة، فأمامها قوانين تزخر بالظلم واللامساواة وتنضح بالتخلف الحضاري، من قانون يحظر منح الجنسية لغير المسلمين، إلى قانون يغلّ يد القضاء عن النظر في مسائل الجنسية والإبعاد الإداري ودور العبادة، إلى قوانين المطبوعات والنشر، إضافة إلى مواد كثيرة في قوانين الجزاء تضع الأغلال على الفكر وحرية التعبير، وتزج بأصحاب الرأي في غياهب السجون، والقائمة ممتدة بقوانين القهر والتخلف، لكنها كلها أبعد ما تكون عن أنف اللجنة وفكرها.
منكم وليس من غيركم
في تحليل الزميل بشار الصايغ (جريدة الجريدة أمس) يقرر أن هذا المجلس يجد نفسه عاجزاً أمام مشروعات الهدر المالي الشعبوية، بينما يمكنه أن يطرح تأجيل الاستجوابات وهي من الأمور الممكنة عند هذا المجلس، على خلاف مشاريع شراء الود السياسي للناخبين.
ويختم الزميل بشار تحليله بشأن علاقة المجلس بالحكومة في الجانب الرقابي المفروض من المجلس، ويرى أن حالة "العطالة" الرقابية قد تتغير مع صدور حكم المحكمة الدستورية بإطالة عمر هذا المجلس أم بإنهاء حياته.
القضية التي أمامنا الآن أن هذا المجلس التابع أو مجلس المعارضة المبطل لا يختلفان في جوهر الطرح الشعبوي، وسياسة استرضاء الرغبات الاستهلاكية للناخبين، ولا يختلف هذان المجلسان (المبطل السابق والأعور الحالي) ولا المجالس التي سبقته منذ عام 1992 وإلى اليوم من داء الاسترضاء، لكن الفارق الكبير بينهما أن المجلس المبطل ومعظم المجالس التي سبقته بعد التحرير كان لهما دور رقابي على أعمال الحكومة، يصغر ويكبر حسب تشكيلة المجلس التي تتحدد بدورها حسب الإنفاق اللارسمي من السلطة لبعض المرشحين حين تتحيز للبعض دون الآخر. وبلغ هذا الدور الرقابي والمحاسبي قمته في المجلس المبطل الذي جاءت تشكيلته كرد فعل واعية لواقع الرشا السياسي من السلطة لعدد من النواب، والتي لم تصل من قبل في تاريخ المجالس النيابية إلى ذلك الحجم المريع.
المجلس المبطل حقق بعضاً من صحوة الضمير، وشكل تحدياً جدياً للفساد الذي مارسته السلطة، وإن صاحب هذا الجانب الرقابي الجدي لذلك المجلس تشدد وقمع للحريات الفردية، التي لم تدر يوماً بذهن مشرعي الأمس، وكانت أطروحاته تنطلق من تحفظ قبلي وتزمت ديني وجدا لهما طريقاً عند أغلبية شعبية متوغلة الجذور في الانتماءات الطائفية ـ سنة وشيعة- والتقسيمات الاجتماعية – حضر، وأبناء قبائل، ويقطع هذين التقسيمين شرائح طبقية مستفيدة إلى أقصى الحدود أو مهملة ومنسية إلى حد كبير، حسب قربها أو بعدها من سلطة القرار الواحدة والمالكة للثروة العامة، التي تتلاعب في تقريب أو تهميش أي من تلك التقسيمات والشرائح الاجتماعية حسب ولاءاتها للنظام أو مطالباتها بتعديل نهج النظام وسياساته.
في كل الأحوال، لم يكن منهج "وليس سياسة وقتية" شراء الولاءات من نتاج أي من المجالس النيابية، التي حكمت عليها السلطة أن تبقى في حالة دائمة من التهميش حين عارضت بالفيتو التطوير الديمقراطي للدولة، مثل السماح بحرية الأحزاب السياسية، وتكريس انتماءات المواطنة للدولة بدل الانتماءات الفئوية والطائفية، ورفع يد الهيمنة عن مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات تم استتباع أغلبها لتدور في فلك السلطة عبر سياسة العصا والجزرة، وتظل سياسة شراء الولاءات وحقن الوعي السياسي بإبر التخدير المالية، هي منهج السلطة في إدارة الدولة، ومنها انتقلت عدوى هذا المرض الريعي لنواب المجالس، وسكن هذا الوباء في أعمق عظام مجالس ما بعد التحرير، عندها لا يمكننا أن نلوم المجلس المبطل، وإلى حد ما المجلس الأعور، عندما يتسابق رواد أي من المجالس النيابية في مشاريع الهدر المالي وتغيب عنها أي أحلام للعدل الاجتماعي مثل توفير السكن لطوابير المنتظرين، وحل مأساة البدون، ووضع حد لرداءة الخدمات العامة، وعندما تصحو أحياناً بعض الحكومات وتحذر من مغبة الهدر، فالناس لا يأخذون كلامها وتحذيراتها محمل الجد، لأنهم مقتنعون تماماً أن فاقد الشيء لا يعطيه، والسلطة فاقدة المصداقية في قضايا المال العام، فهي مشغولة وغارقة تماماً في صراعاتها الداخلية، وتفصيل كراسي الحكم على مقاسات المتبارين من أبنائها، أما الحديث عن بقاء هذا المجلس أو زواله، أو ما يمكن وما لا يمكن أن تحققه المعارضة بشكلها الحالي، فهذا لا يقدم ولا يؤخر عند أصحاب السلطان.
تكرار «وين رايحين»!
تم تقديم وزير النفط هاني حسين ككبش فداء لقضية الداو، ومع أن الوزير المستقيل لم يكن له أي دور في محنة الداو، إلا أن التضحية بأي رأس غير مذنب في فوضى الأموال العامة تصبح ضرورة قصوى حتى يسلم أكبرها وأسمنها من شبهات المسؤولية، وهذا عرف ثابت ومستقر في وجدان السلطة من أن الكبار جداً لا يحاسبون، فهم فوق الشبهات.
يقولون إن شر البلية ما يضحك، والبلية المضحكة اليوم أن محاور استجواب الوزير، ليس جوهرها "الداو"، وعلى غير ما يزعم نواب الاستجواب، فنواب السلطة يستجوبون الوزير كي يصبحوا نماذج لبروميثوس الرقابة والمساءلة البرلمانية قبل صدور حكم المحكمة الدستورية الذي "قد" يطيح بهم، وإذا كان بروميثوس في الأسطورة اليونانية جلب النار للأرض ليستضيء بها الناس، فإن النواب المستجوبين جلبوا الظلام والعتمة لحكم القانون ومبدأ شخصية العقوبة، وخرقوا أبسط المبادئ الشرعية "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وغلفوا استجوابهم في صناديق زجاجات الويسكي والبيرة وما في حكمهما في دولة المادة 206 جزاء، واتهموا مؤسسة البترول بأنها "تروجهما" في محطات الخدمة النفطية في الدول الأوروبية التي لا تعرف قوانينها المادة 206 ولا عائلتها ولا قبائلها العريقة، ومع أن الوزير هاني حسين ساير مشايخ آخر زمن بمجلس التابعين وقرر حظر "الترويج" للمتفجرات الروحية في محطات بيع البنزين، وقصر عمليات البيع على البنزين النفطي ولا تمتد للبنزين الاسكتلندي أو الألماني أو الفرنسي، ومع ذلك أصر "نواخذة" الاستجواب على سفك دم الضحية في محراب "بروميثوس" الأمة الخامدة.
أيضاً يمضي نواب "أسود علينا وفي الحروب نعامة"، بمعنى أنهم أسود على وزراء محددين وعليهم العين، ربما هي عين بعض الشيوخ الكبار الذين يعملون خلف الستار وفوق الوزراء، والله العالم بخفايا المسرح الكويتي الذي يضج بالكومبارس ومن غير مخرج ولا أبطال، يمضي هؤلاء النواب الحصفاء لاستجواب وزير الداخلية في ما لا يجوز استجوابه به، وصلب استجوابهم يتلخص بعبارة "لماذا لم تنفذ حكم الحبس على مسلم البراك فور صدوره من محكمة أول درجة، ولماذا خولته أن يستعمل حقوقه في رفض تنفيذ الحكم الابتدائي؟" أما الأمن الذي يشغل بال نواب "العين الساهرة" فهو أن الوزير لم يستعمل القنابل الذرية لتفريق التظاهرات وتجمعات الشباب المعارضين، فالقنابل الدخانية وهراوات القوات الخاصة، هي باقات ورد للمتظاهرين وليست آلات قمع لهم كما يراها أسود مجلس السلطة الحاكمة!
من يتأمل مشهدنا السياسي اليوم، ويلتفت حوله لخارج حدودنا، ويرى مأساة سورية، وفي الطريق المأساوي يسير لبنان والعراق وقائمة الفتن الطائفية والحروب الأهلية تتمدد، وبالوقت ذاته تدق أجراس خطر الأزمات الاقتصادية في أوروبا، يرافقها قرب احتمالات استغناء أميركا عن سلعتنا الوحيدة، يسأل كيف بفكر هذه السلطة وهذا المجلس المضحك المبكي يمكن مواجهة الغد وتحدياته القادمة لا محالة، لم أعتقد يوماً ما أنكم كنتم على مستوى التحدي البسيط فكيف في هذا الوقت وأمامنا تحدٍّ وجودي يرتبط بوجود الدولة، ووحدة أهلها، أنتم تسيرون على البركة والصدفة، وهاتان لم تعدا مجديتين اليوم.