حسن العيسى

«شنو» المطلوب!

"شنو المطلوب منا" ماذا نعمل، القبس نشرت (الجزء الأول) من الخطة المالية الرابعة للدولة، وبالخط العريض ورد تحذير بأن مالية البلاد في خطر بين عامي 2020 و2030، والأسباب المعروفة لهذا الخطر وكما تعارفت عليه الأدبيات المالية، مثل: تضخم بند الرواتب والأجور في القطاع العام، والذي يستهلك 57% من الدخل، ضعف القوى العاملة الكويتية في القطاع الخاص والتي لا تتجاوز نسبتها 6%، اختلال التركيبة السكانية لصالح الوافدين، الذين يشكلون ثلثي سكان الدولة! أين الجديد في ما سبق، وماذا تريدون من الناس أن تصنع؟! فرئيس الحكومة حذر من قرب نهاية دولة "الرفاه"، بمعنى أن السنوات العجاف قادمة لا محالة… ما لم… وهذه الكلمة (ما لم) التي يطلب منا أن نفك شفرتها. يعني هل المطلوب من الناس أن تتوجه إلى العمل بالقطاع الخاص (وكأن قطاعنا الخاص يصنع طائرات البوينغ والإيرباص وليس مجرد مولات وبوتيكات وكيل كويتي عن شركات أجنبية) وتترك وظيفة التوقيعات الحكومية وسندويشات الضحى وبكل ميزاتها الاتكالية؟ هل المطلوب من المواطن المستريح أن يتخلى عن ميزات الخادمة والطباخ والسائق بالنسبة لبعض الشرائح الاجتماعية؟ وقبل كل هذا، هل المطلوب ان يتعلم المواطن تقديس العمل أياً كان نوعه؟ وعلى ذلك هل يفترض أن تتخلى الدولة عن جيوش الخدم والعمالة الأجنبية التي لو توقفت عن عملها يوماً واحداً "لفطست" الديرة بمن فيها؟
لا أحد يجادل بأن لدينا إشكالية في قيم العمل، فكويتي سنة 2000 ليس كويتي ما قبل عصر النفط بصفة عامة، ولا أحد يعترض على أن الدولة وفرت الكثير من التسهيلات للسكان، مثل التعليم والصحة والإسكان (الأخيرة لم تعد متوافرة)، وبذخت من حساب المستقبل حتى ينسى الناس المشاركة السياسية، ويشغل المواطن عن هموم المستقبل وأخطارها السياسية والاقتصادية… أيضاً هي الدولة السلطة ذاتها التي لم تعدل في ميزان العطاء والسخاء، فبعض المقربين للبلاط الحاكم "هبشوا" المليارات، أما غيرهم من الأكثرية فتم إلهاؤهم بهدايا إسقاط فواتير الكهرباء، ودعم السلع الاستهلاكية من الجمعيات التعاونية، وعطايا جزئية متناثرة لم تعوض أبداً رداءة الخدمة العامة في معظم أجهزة الدولة… أين هي العلة؟ هل هي قطاع عام مترهل أم قطاع خاص هامشي، أم إدارة الدولة؟!
مرض الدولة معروف، وليس المواطن سببه، بل هو ضحية له، المرض عندكم أنتم لا غيركم أنتم السبب، أنتم الذين تسيرون الدولة، فأنتم ولا أحد يشارككم، لا مجلس أمة ولا بطيخ من اتخذ بالأمس ويتخذ اليوم القرارات السيادية، وأنتم المسؤولون أولاً وأخيراً عن محنتي الفساد الصغير المتمثل بعطايا الإلهاء السياسي ونهج "اجلس في بيتك ويصلك الراتب"، وتضخم الوظيفة العامة وترهلها والفساد الكبير وصورته غياب حكم القانون في الاختلاسات العامة الكبرى بشتى صورها… ما هو المطلوب الآن بعد أن عرضتم خطتكم المالية…؟ ماذا يصنع المواطن؟ هل بيده القرار؟ هل يشارك فيه حتى تبشروه بالخطة إياها عن حالة الدولة المريضة…؟ ماذا يصنع وأنتم كنتم ومازلتم تدعون "البخاصة"، أي العلم الجامع لكل صغيرة وكبيرة في دولة السير على البركة… ولأبنائنا الغد المجهول ببركة إدارتكم.
حسن العيسى

كم أنتم مضحكون

القمع وتكميم أفواه الناس بحجة حكم القانون أو حكم القيم والعادات لا يأتيان دائماً من الدولة (السلطة)، إذ يحدث في أحيان كثيرة أن يمارَس من هيئات ومؤسسات "ملحقة" بالسلطة وتابعة لها، لا مادياً فقط بل فكرياً كذلك، حين تحيا وتطفو تلك المؤسسات التابعة على سطح مستنقعات القمع السلطوي للدولة. 
حالة د. هيفاء الكندري تعد مثالاً حياً على نوعية ذلك القمع والإرهاب الرسميين حين تحدّ وتكبت حرية التعبير، ويصبح حال الأستاذ الجامعي الذي يحاول أن يعبّر عن رأيه غير مختلف عن حال الكاتب أو المغرد حين يعبّر أي منهما عن رأي خاص في قضية عامة، فيتم توظيف النص القانوني القمعي ليركَّب على الواقعة (المقال، التغريدة… إلخ) ويتم قهر صاحب الكلمة بالمحاكمات أو تحقيقات النيابة حتى يعرف صاحبها، في ما بعد، أصول مهنة التدجين الفكري، ويتم ذلك عبر قانون الجزاء أو المطبوعات، ومن خلال أقنيتهما القاهرة، أو من خلال العقوبات الإدارية والتهميش الاجتماعي.
 هيفاء الكندري لم تقل شيئاً، إلا أنها أبدت رأيها في واقع جامعي كما تراه حين يشهد أحياناً سلبيات أخلاقية وبعض حالات الجنوح الخلقي في مجتمع المحافظين، لم تتهم هيفاء أحداً ما، لم تدن هيفاء طرفاً ما ولم تشتم أو تقذف أحداً، لكن ما العمل في مجتمعات ودول الرياء والنفاق حين يروم أبطال المشهد المسرحي تصوير حياتهم وممارساتهم على أنها ملائكية، فيتم تزوير الواقع المعيش؟! ومن خلال هذا التلفيق يتم تزوير التاريخ عمداً وبسبق إصرار.
 لا أدري أين الفرق الفكري في عالم الرياء الاجتماعي بين الإدارة الجامعية، ممثلة بأعضاء هيئة التدريس، واتحاد طلبة الجامعة حين أدانا وأبديا أسفهما بشأن فحوى مقابلة هيفاء في جريدة الراي، فالإدارة الجامعية، في بيانها المضحك، وشر البلية ما يضحك، أو ربما يثير الغثيان، تقرر أن "أعضاء هيئة التدريس والهيئة الإدارية مثال يحتذى به!!! (علامات التعجب الاستنكارية من عندي) وأن طلبة الجامعة على مستوى عالٍ من التربية والأخلاق الحسنة"!. 
لاحظوا كيف صيغ البيان المأساة، هيئة التدريس "مثال يحتذى" وطلبة الجامعة على "مستوى عالٍ من التربية والأخلاق الحسنة"! هل اتهمت هيفاء، التي شُكِّلت بحقها لجنة تحقيق من الجماعة ذاتها، التي تتهمها اليوم، أحداً ما؟! هيفاء لم تتحدث قط عن "كل" أعضاء هيئة التدريس، ولا عن "كل" الطلاب أو الطالبات، وإنما أبدت رأياً في "بعض" الممارسات السلبية، التي يجب أن تكون محل بحث وتدقيق، فأين الخطأ وأين الجريمة في مثل هذا الرأي؟ هل تريد أن تقول لنا هيئة التدريس إن جماعتها من جنس الملائكة، وإن الطلاب والطالبات لا يختلف حكمهم الملائكي عن جماعة هيئة التدريس… فهل أنتم الكمال؟ وهل أنتم شهب السماء العالية… أم أنتم أسطورة من اساطير "هوميروس" في اليونان القديمة؟! أرى أنكم بالفعل أسطورة، لكنها أسطورة نفطية خليجية مضحكة، وأعيد مكرراً بأن شر البلية ما يضحك… فكم أنتم مضحكون…
حسن العيسى

«كاملين ما خلو شي»

بعد قراءة خبر "مباركة" اللجنة الصحية في مجلس "تابعه قفة" النيابي لقرار الوزير "الشيخ" محمد العبدالله بنقل د. كفاية من قسم العناية المركزة إلى الأمراض السارية، قفز بذهني المثل الشعبي "ناظر وجه العنز واحلب لبن"، فالذين تصوروا أن مثل هذه اللجنة في مثل هذا المجلس يمكن أن تنصف المواطنة د. كفاية لم يتمعنوا في وجه العنز قليلاً قبل أن يبنوا وهمهم الكبير على حكمة تلك اللجنة تحديداً والمجلس بالأعم، وجاءت هذه النتيجة المتوقعة تماماً من اللجنة الصحية في مجلس الحكومة التي ضربت بحقوق المواطنة كفاية في الكرامة والعدل عرض الحائط. 
اللجنة الصحية والاجتماعية في مجلس "قفة" قررت بحكم ظالم صحة قرار الندب المزعوم، وأعطت معاليه "الشيخ محمد" صكوك البراءة والحصافة والعدل حين فرض عقوبة الندب الإداري لكفاية، وبرياء فج أسس أعضاء اللجنة باستثناء د. قويعان حكمهم الأعوج بأن قرار الندب جاء متفقاً مع قرار مجلس الخدمة المدنية، وأن  د. كفاية تم انتدابها بكل امتيازاتها الوظيفية… "الامتيازات الوظيفية" التي أسس فقهاء اللجنة قرارهم الجائر هي الامتيازات المادية، والتي تعني "المال النقدي" لا غير ذلك، أما مسألة "الكرامة" وتعسف السلطة الإدارية في النقل، فلم تعن شيئاً عند "موظفي اللجنة"، بل إن قضاة اللجنة لم يلتفتوا إلى وقائع سبقت قرار الندب المزعوم، مثل المكالمة الهاتفية من وكيل الصحة للدكتورة يطلب منها عدم نقل المريض من العناية المركزة بناء على الأوامر "العليا" لوزير الصحة الشيخ محمد الصباح، والتفتت اللجنة عن أبسط دفاع قدمته المسكينة د. كفاية، والذي يقطع بأن قرار نقلها جاء كعقوبة إدارية على عدم انصياعها لرغبات الوزير، ولم يكن أبداً تحقيقاً للصالح العام، كما يتنطع أعضاء اللجنة مع وزيرهم.
الأطباء المعتصمون اليوم (وقت كتابة المقال) لرفضهم قرار اللجنة السيئ يوصلون رسالة فحواها عدم جواز تدخل السياسي بالعمل الفني والمهني، لذا تصبح المسألة ليست خاصة بموضوع د. كفاية ولا بالأطباء المعتصمين ولا بأي جماعة مهنية أخرى، بل تصبح "قضيتهم" هي قضية كرامة أي مواطن وهي قضية وطن وغياب العدالة، وهي قضية رفض ممارسة الجمع بين صفتي القاضي والخصوم في آن واحد، فالوزير الشيخ واللجنة كانوا القضاة والخصوم، فأين لكفاية وغير كفاية أن يلجأا بعد أن سدت أمامهما سبل العدل، وما شاء الله على شيوخنا وأتباعهم يفهمون بالسياسة والاقتصاد والإدارة والطب والهندسة والقانون… إلخ "عيني عليهم باردة ما خلو شي" فماذا تركوا للناس!
حسن العيسى

ماشية «سماري»

اعتذر الوزير الأذينة عن حادث إزالة بلدية البعارين لموكب عبدالله الرضيع، وأقرّ بخطأ عملها البربري في ذكرى عاشوراء، تلك الإزالة أعطت تصوراً حقيقياً أو وهمياً أن هناك مهووسين طائفيين يسبحون في مجاري الدولة، ويتحيّنون الفرص لقمع الطائفة الأخرى بأي وسيلة كانت، وهؤلاء قد يكونون من الخارجين عن طوع الوزير أو حتى مدير البلدية، ويعملون على طريقة "حارة كل من ايدو الو" لغوار الطوشة، وهم يتمسكون بأي سبب مهما كان واهياً لإظهار تعصبهم المذهبي وفوقية الأكثرية المهيمنة، ويتسترون في ذلك بحكم القانون، وبحنبلية شكلية لتطبيق قرارات الإزالة. 
 أياً كانت حقيقة الأمر، فالوزير الأذينة "السُّني" اعتذر للشيعة ولنوابهم وسار مع "الماية" لبيان مجلس الوزراء الذي تأسّف لحادث الإزالة وأعرب عن سخطه لما حدث من استفزار لمشاعر "البعض"، وكأن مجلس الوزراء هنا قد ارتدى ثيابَ منظمةٍ من منظمات حقوق الإنسان التي تدين التجاوزات لمبادئ المساواة بالاستهجان الإعلامي ولا تملك أكثر من ذلك، فليس لها سلطة الضبط ولا الربط بالعقاب كالتي تملكها السلطات السيادية في الدولة، ولهذا يصرح مجلس الوزراء ببعضٍ من الخجل أنه لا حول له ولا قوة فيما حدث بالأمس القريب، ولعله يقول لنا أكثر من ذلك، ويخبرنا أن الأمور "فارطة" في الديرة، وأن شقوق جدرانها أكبر من أن يصلحها مجلس الوزراء، رغم العدد الكبير من أسرة الصباح في تشكيل هذا المجلس، فهي دولة الأسرة وأسرة الدولة، بداية ونهاية، بتناقضاتها وتنازعاتها.
   لنعد الآن إلى الوزير المعتذر، فقد ظهر من الصحافة أن النائبين الشيعيين التميمي والدويسان في مجلس نواب السمن على العسل السلطوي يصرّان على استجواب الوزير، فلماذا يستجوب وهو الذي تأسف للحادث واعتذر عنه؟ فماذا يريد المستجوبان أكثر من ذلك؟ فهل مثل هذا الاستجواب يضع الأمور في نصابها "الصحيح"؟! فالوزير في النهاية عضو في حكومتهم، أقصد حكومة الشيوخ والنواب معاً، فهل من المعقول أن تُسائل الذاتُ ذاتَها؟! لهذا لا أفهم هذا الاستجواب تحديداً، الذي لا يشبه استجوابات آخرين لرئيس الوزراء التي تثير شكوكاً ووساوس أن "أولاد العم" من الحالمين بالعودة إلى المكانة السامية في الأسرة يقفون وراءها، والتي يختلط فيها الحابل بالنابل، فتضيع الحسبة، ولا نعرف الاستجواب المستحق على سوء إدارة الدولة، من استجواب حروب التصفيات السلطوية، فنضيع "بالحوسة" وتضيع معها أولويات الدولة كالعادة. فهل نفهم من استجواب النائبين للوزير أنه، كما يُفترَض، يراد به إصلاح القضايا السائبة في البلدية ووضع حدٍّ لهوس المهووسين  الطائفيين في مؤسسات الدولة، وهذا الاحتمال بعيد، إن لم يكن ضرباً من الخيال، أم يمكن القول إن الغرض من الاستجواب هو امتصاص ردود الفعل الشيعية الغاضبة الآن، والتي، بارك بعضها في زمن مضى، إجراءات السلطة حين قمعت المعارضة وخلقت بالتالي مجلس السمن على العسل الحالي والمجلس الذي سبقه الخاليين من الروح الطائفية على زعم الزاعمين وقتها، بحجة أن كثيراً من المعارضين السابقين كانوا طائفيين في مواقفهم ضد شيعة الكويت؟ الله العالم بالحقيقة، لكن المؤكد أن السياسة في الدولة كلام فارغ، وكلمات المقالات الصحافية والتغريدات هي الأخرى لملء فراغ  بـFill in the space وإضاعة وقت لا أكثر، فالديرة "ماشية سماري".                     
حسن العيسى

كلاكيت ألف… فراش البلدية هو المسؤول

هذه المرة يمكن تغيير "كليشيه" المقولات الرائجة في سوق السياسة الكويتية، فبدلاً من ترديد عبارة "شيوخ يستجوبون شيوخاً"، والحكومة تستجوب الحكومة، يصح شرعاً أن نقول الآن، وبعد حادثة إزالة موكب (كشك، كيربي، خيام…!) عبدالله الرضيع في ذكرى عاشوراء، براحة تامة، إن الحكومة تدين الحكومة، كما جاء في خبر موقع الآن الإلكتروني، فقد استمع مجلس الوزراء بالأمس "… إلى تقرير قدمه وزير الدولة لشؤون الإسكان وزير الدولة لشؤون البلدية سالم الأذينة عن الأحداث التي صاحبت قيام بعض العاملين في بلدية الكويت مؤخراً بتصرفات مستنكرة تنطوي على استفزاز غير مبرر لمشاعر إحدى شرائح المجتمع الكويتي، وذلك في إطار تنفيذ إزالة الأكشاك التي تمت إقامتها في ذكرى عاشوراء…"! ما هذا؟ حكومة تستنكر عملاً حكومياً قامت به إدارة حكومية وتصفه بأنه استفزازي لمشاعر "إحدى شرائح المجتمع"، الحكومة هنا لم تنتظر رأي لجنة التحقيق التي شكلت كما كتبت هذه الجريدة، بل سارعت وأصدرت حكمها "بعبثية" إجراءات البلدية في قرار الإزالة… لا يهم هذا، فعشوائية القرارات والقوانين في هذه الدولة، التي تستعصي على الفهم، في عهد هذه الحكومة ومعظم الحكومات التي سبقتها، ليس بالسابقة الأولى، وليست بالأمر الغريب، فلنترك هذا جانباً الآن، فالضرب في الميت حرام، وقد أسمعت لو ناديت حياً لكن…
على الساحل الحكومي المضحك الآخر، نجد أن هناك اتهامات متبادلة بين مدير البلدية "الصبيح" والوزير "الأذينة" في تحمل مسؤولية قرار الإزالة، والعسف في تطبيق القانون (إن كان لدينا قانون بمعنى صفاته، كالعدل، والثبات واليقين، والعمومية والحياد)، وكأن الاثنين، الوزير والمدير، يتحدثان من معسكرين متخاصمين، أين الهرمية القانونية وتدرج سلم السلطات في إصدار القرارات، وأين تبدأ سلطات أي مسؤول في هذه الدولة وأين تنتهي؟ ومن سنصدق الآن الوزير أم مدير البلدية؟
بتلك الصورة المعيبة، تسير الأمور في البلد، بهذه الفوضى السياسية والإدارية تدار الدولة، ورغم كل التكرار لا يظهر أن هناك من يتعلم، ولا يبدو أن هناك من يستفيد من بدهيات التجربة والخطأ كي لا يعاد تكرار الخطأ نفسه… أما أصبحت مثل هذه المواضيع في الكتابة مكررة لدرجة السماجة في حظائر "المسموح الصحافي" فلم يعد هناك جدوى من التكرار؟ فجلود المسؤولين أضحت ثخينة لا ينفع معها هذا النقد المدجن، وبطبيعة الحال، لن تهزها تلك الرقابة الشكلية لنواب السلطة التابعين، ويبقى سؤال واحد لابد أن يجد "بخصاء" الدولة إجابته، وهو، كيف يمكن لتلك العقليات البسيطة التي تمسك بزمام الأمور في الدولة أن تحل قضايا وتحديات سياسية واقتصادية عويصة قادمة دون شك؟ ماذا ستفعل غداً إذا وقعت الكارثة؟ هل ستقول حينئذٍ إن فراش البلدية كان هو المسؤول…؟ شر البلية ما يضحك.
حسن العيسى

مرة ثانية… ابدأوا بأنفسكم

هل هي مسألة وصفة من وصفات صندوق النقد المثيرة للمتاعب التي قد تتطور لأعمال عنف وشغب، وأحياناً ثورات كما يراها الكثيرون من أهل اليسار، أم أنها مجرد نصيحة "صادقة" للسلطة ولأهل الكويت، إما أن يأخذوا بها أو يرفضوها؟! ردود الفعل الشعبية، بصورة عامة، التي جاءت بعد تصريحات مديرة الصندوق عن ضرورة ضبط الدولة لباب الإنفاق على الأجور في المرفق الحكومي، ووقف الدعم لبعض السلع والخدمات… إلخ، جاءت رافضة لطرح الصندوق، ورأت فيه مجرد وصفة مكلفة يدفع ثمنها أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة ولا تمس الأغنياء، فمتوسطو الحال، هم الذين يلتحقون بالعمل الحكومي عادة، وهم من يعتمدون بدرجة كبيرة على الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وهم الأكثرية، وهم يرون أن أبواب العمل في القطاع الخاص (في الأغلب والأعم) مفصلة لأبناء أصحاب هذا القطاع بحكم وراثة الثروات ووراثة فرص العمل، كان ذلك الوجه الأول للعملة، أما الوجه الآخر فهو أنه لا يوجد في الحقيقة قطاع خاص حقيقي مستقل يمكنه أن يستوعب القادمين إلى سوق العمل، فهو تابع لإنفاق الدولة، وفي كل الأحوال لا يستطيع ذلك القطاع أن يجاري الوظيفة الحكومية في كرم الرواتب، ولا أيضاً في "التسيب" الوظيفي.  
 هي دائرة مغلقة لا يمكن كسرها بتحليل أحادي يعتقد أصحابه أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة للواقع الكويتي الريعي، فلا يجوز النظر إلى الأمور من زاوية واحدة، أي قراءة رأي الصندوق على أنه وصفة طبقية تزيد من تعاسة البؤساء وتتناسى أصحاب الثراء، فالحديث ليس جديداً، بل مضى عليه عقود طويلة منذ التحرير قبل عشرين عاماً تقريباً، وهو حديث يترجم اليوم مسرحية "الكويت سنة 2000" القديمة لمَن يذكرها، والتي تتناول بأسلوب ساخر حال الكويت حين ينتهي عصر النفط، فليس صندوق النقد وحده من قرأ وحلل واقع الدولة، فعشرات ومئات المقالات تحدثت عن الأمر ذاته كتقارير الشال إلى آراء العديد من المختصين الاقتصاديين الذين نبهوا إلى خطورة الاعتماد على النفط كمصدر يتيم للدخل القومي، وحذّروا من تنامي باب النفقات العامة في باب الأجور والدفاع وغيرها من أبواب التبذير، فقد كانت نفقات الباب الأول "للمكاريد" وهو حصتهم من الثروة النفطية، وباب مخصصات الدفاع وأبواب المناقصات للمحظوظين من أهل اليسر، وهو حصتهم الوراثية، لكن، في كل الظروف، لم يستمع أحد من السلطة لأجراس الخطر التي تقرع، والتي نبهت مرات كثيرة إلى ضرورة الاستثمار في الإنسان بالتعليم الجيد وباحترام قيم العمل كخلاص وحيد لضمان مستقبل مجهول.
 المجهول لم يعد مجهولاً، فالدراسات في الخارج، والله أعلم، تتكلم بإسهاب عن النفط الحجري والغاز اللذين يكتشفان ويستخرجان في الولايات المتحدة، وبالتالي لن يكون هناك حاجة إلى سلعتنا الوحيدة. وفي الداخل، لم يعد الكلام عن البطالة، مهما كانت بسيطة، اليوم أمراً غير معروف، فهي تتزايد، والدولة تقر بعجزها عن استيعاب القادمين إلى سوق العمل الإداري، فهي تقر بأنه ليس عندنا غيره في إقطاعيات الورق والتواقيع والواسطات والمحسوبيات في التعيين والترزق من باب الوظيفة العامة.
 أي مشروع يقدم من السلطة، المنقسمة على نفسها والغارقة في خلافاتها، نحو إلغاء الدعم وزيادة الرسوم وربما فرض ضريبة تصاعدية، مع تقليص فرص العمل في الوظيفة العامة، سيكون كارثياً على أمن البلاد، حينئذ قد تفكر السلطة في إنهاء الحالة "شبه الديمقراطية" بالدولة ويصير الأمر حكماً مطلقاً مثل حال بقية الأشقاء، حتى يمكن أن تواجه عصياناً مستقبلياً، لا يتعلق هذه المرة بالصوت الواحد بالمجلس، بل بأرزاق الناس وقوت يومهم، و"قد" (الاحتمالية) تفكر السلطة في فتح أبواب الديمقراطية على مصاريعها وتقول للناس تحمّلوا مصيركم فلن أتحمله وحدي، وهذا مستبعد عن فكر الجماعة، لكن لا يمكن نفيه تماماً. وفي كل الأحوال، فبداية التحضير للغد "المعروف" هو، كما نكرر، أن تبدأ السلطة بنفسها وتشرع في إصلاح حالها، حتى يتقبل الناس فيما بعد ما يُطلَب منهم من تضحيات، وسيكون من الأفضل التحدث عن الشروع في إنهاء دولة الفساد قبل الحديث عن نهاية دولة الرفاه.
حسن العيسى

يا جبل ما يهزك ريح

وزير الصحة الشيخ محمد العبدالله حتى الآن ثابت في مكانه، فحاله من حال الوزراء "الشيوخ"، هم جبال "ويا جبل ما يهزك ريح"، والريح هو النقد المر والطويل من الصحافة والمغردين والأطباء لقرار الوزير المتعسف بنقل د. كفاية من قسم العناية المركزة بالمستشفى الأميري إلى مكان ما يعتقد معاليه أنه أفضل للعمل، هذا طبيعي فهو شيخ، والشيوخ، كما نقول ونكرر بكل ملل دائماً ابخص. الوزير "الجبلي" لم يعلِّق على ردود الفعل على قراره الجائر بغير عبارة أن ما فعله مجرد إجراء عادي روتيني يخضع له الكثيرون كفاية وغير كفاية، وانتهى معاليه، وأغلق ملف القضية عنده وعند حكومته التي تحاضرنا وتعظنا عن الإصلاح وتنبهنا أن الأيام الحلوة في الدولة قد ولَّت، وشعار الحكومة في القادم سيكون "يا شعب شد الحزام" والشعب المتحزّم هو أنتم، لا "الناس اللي فوق"، ويا كافية كفاية علينا وعليك وتقبلي القدر والمقسوم في دولة الوزراء الجبليين!
  المثل يقول مَن أَمِن العقوبة أساء الأدب، ومع أن الوزير الشيخ محمد العبدالله لا يستحق أن نصفه بأنه أساء الأدب إلا أنه أساء استعمال السلطة، وانحرف عن الغرض المطلوب بتحقيق المصلحة العامة في قرار النقل وابتغى المصلحة الخاصة بإرضاء أحد النواب العاملين في الإدارة الحكومية واسمها اليوم مجلس الأمة! ومع ذلك يصح القياس على المثل السابق ونقول إن هذا الوزير ومن معه من الوزراء الجبليين يصنعون ما يريدون ولا يكترثون لأي حساب برلماني مزعوم أو صحوة رفض شعبية يمكن أن تهز أركانهم، فالوزارة (والدولة بمعنى أكبر) هي مزرعة خاصة، ولهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون، فمهما كثر النقد أو التذمر من عمل هذا المسؤول أو ذاك الوزير، ومهما ساءت أحوال "الرعية" من ممارسة استبداد الأقلية "الأولغارشية" المهيمنة على مقادير الدولة والمجتمع فلن يكون هناك مساءلة حقيقية تضع الأمور في نصابها الصحيح كما يُفترَض في دولة حكم القانون لا في دولة حكم الأمزجة.
  للتذكير فقط، أقول إنها ليست قضية الوزير الشيخ محمد العبدالله، وليست هي كذلك حكاية نقل طبيبة لا حول لها ولا قوة من مكان عملها، بل هي قضية غياب روح المسؤولية عند أصحاب البشوت السوداء ومَن في حكمهم من الدائمين على الكراسي العالية، فلا أحد يحاسبهم ولا أحد يجرؤ على تحريك شعرة من مقاماتهم السامية، والقضية أيضاً هي غياب الحراك الشعبي الفاعل، فكل ما حدث ويحدث ليس أكثر من زوبعة في فنجان، هو رفض لاستبداد سلطوي قصير النفس، وهو ردود فعل متواضعة، تنفعل في لحظات، ثم تنسى بعدها في لحظات أخرى، وهذه هي المصيبة الحقيقية.

حسن العيسى

استجواب رياض تشخيص لأمراض الدولة

لماذا هذه الحساسية الزائدة وما رافقها من كلمات استهزاء ووعظ متعالية ضد النائب رياض العدساني حين قدم استجوابه لرئيس الحكومة من جماعات ملوك أكثر من الملك، كأن الاستجواب يصادر منابع أرزاقهم، أو يتهمهم بالخيانة والعمالة! شلل التابعين و"المتمصلحين" من بقاء الأوضاع السيئة على حالها ينطبق عليها المثل الشعبي "اللي على راسه بطحة يحسس عليها"، وبالتأكيد فإن على رؤوسهم بطحات عظيمة، وإلا فما معني ذلك الانتقاد المر والتوبيخ السخيف ضد رياض لمجرد تقديمه الاستجواب حتى قبل أن ينطق رئيس الوزراء أو مكتبه بكلمة واحدة عن نقاط الاستجواب. 
 رياض في استجوابه لا يتهم رئيس الوزراء بقضايا محددة، بقدر ما يعرض استجوابه أمراض الدولة التي يتجرعها المواطنون عبر عقود ممتدة منذ ما قبل تكليف الشيخ جابر المبارك بمنصبه، وحتى قبل الذين سبقوه، فمن منا لا يشكو الإسكان وقضاياه المتشعبة من ارتفاع جنوني في أسعار الأراضي حتى أضحى أصحاب الملايين هم القادرين وحدهم دون غيرهم على شراء قطعة أرض بسيطة لسكن أبنائهم، ومن منا لا يتألم من فترات انتظار مأساوية تمتد عقوداً حتى يحصل على بيت العمر أو يُقدَّم له القرض مع شروط مجحفة لا تتماشى مع الواقع. سبعون ألف دينار تقدم لمن يريد شراء شقة العمر بشرط ألا تقل مساحتها عن 280 متراً مربعاً (على حد علمي) فهل توجد شقة بهذا الحجم وبذلك السعر في الإقطاعيات الكويتية في دولة مخصصة للأثرياء؟ أما القائمون على شؤون الإسكان فيبدو أنهم في عالم آخر، فهم لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله تنزل، ونبقى على هذا الحال إلى ما شاء الله. 
 من نقاط الاستجواب الرئيسية الصحة والتعليم والإسكان، فهل هناك من يجادل في أن "ثالوث" الأمراض المزمنة تتمثل فيها، وهل قدمت هذه الحكومة خطة لحلها، وهل سنصدق وعودها، كما كانت وعود سابقاتها، بأن لها القدرة على حلها، فهذا حلم لا نملكه يطفو في غيوم الأوهام، لكننا نتمنى بتواضع اليائسين أن يكون للحكومة، القدرة علي التخفيف من شدتها. 
 يثير رياض أيضاً قضايا محورية كلها تدور وجوداً وعدماً مع محنة الفساد واستغلال النفوذ مثل استاد جابر أو مستشفاه وجسره، ومعظم مشاريع البنية التحتية المنسية، وكلمة "تحتية" تعني هنا تحت البلاط، أي تخبئة أتربة الفساد المالي السياسي تحت السجاد، وهناك مسائل مثل تجارة الإقامات وغرامة "الداو"، كلها أتت، على سبيل المثال وليس الحصر، فهي أمور حياتية تثير قلقاً من بقائها واستمرار دورانها في حلقة ليس لها أول ولا آخر، فهل هناك جريمة إذا سأل عنها رياض؟ ولماذا لا نقرأ الاستجواب على أنه فرصة لرئيس الحكومة لتوضيح برامج حكومته ونياتها لحل معضلات الدولة التاريخية؟ فهل المطلوب من المواطن الصمت وطأطأة الرأس حتى لا يصدع دماغ الحكومة بمثل هذا الاستجواب؟!
حسن العيسى

الغائب الكبير

حكم القانون هو الغائب الكبير عن دول الشرق الأوسط، فالكاتب بورزو دراغاهي في "فايننشال تايمز" (عدد ٣١ أكتوبر) ينقل لنا هذه الصورة القاتمة عن خرافة استقلال القضاء، وسيادة حكم القانون في دول الشرق الأوسط، فمن مناطق صغيرة في المغرب، إلى مصر، ثم إلى معظم الدول العربية يذكر الكاتب عدة حوادث عن مهزلة غياب حكم القانون.
امرأة مطلقة في مدينة مغربية حكم لها القاضي بأقل من 5% مما تستحق من نفقة العدة والمتعة وأجرة الحضانة، لأن القاضي يعرف أن طليقها ذو مكانة عالية في جهاز الشرطة، ويضرب الكاتب أمثلة عدة غيرها، ففي مصر التي يحاكم بها اليوم مرسي في محاكمة سياسية، بينما للمفارقة التاريخية هو الرئيس المخلوع ذاته الذي عزل المدعي العام، وحاول تحصين قراراته من سلطة القضاء قبل عام، في محاولته لإصلاح السلطة القضائية، محاولة لم تكتمل حسب رأي الكاتب، يخبرنا هذا الأخير ويصف قذارة المباني التي تجرى فيها المحاكمات بصورة عامة، وينقل شكاوى محامين عدة، أحدهم يشكو أن الحراس يرفضون إحضار السجناء للمحاكمة في الموعد المقرر حتى يقبضوا "المقسوم" من المحامي، وأتصور أن أكثر من محام أيضاً يشكو في مصر وغير مصر من مثل حالات الفساد هذه، كأن يتراخى مندوبو الإعلان عن القيام بواجباتهم في المواعيد ما لم "تكيش" جيوبهم مقدماً، وقضايا غيرها يمكن تصورها تحكي لنا عن فساد السلطة الثالثة في دول الشرق الأوسط.
هل هناك صحيح سلطة قضائية مستقلة لا تتأثر بالحاكم السياسي للبلاد، كما تنطق معظم دساتير دول الشرق الأوسط العربية؟ الإجابة بالنفي، فتلك السلطة عادة يتم استتباعها للحكومة أو السلطة التنفيذية (لاحظوا أن كلمة حكومة في الولايات المتحدة تعني السلطات الثلاث)، وينقل عن نيثان براون مؤلف كتاب دساتير من ورق أن القضاة لا يملكون سلطة اعمال حكم القانون، فهم تابعون بحكم الواقع للجهاز التنفيذي بالدولة يأتمرون بأوامر الحكام أو أصحاب السلطة من النافذين، وعندها يصبح الحياد المفترض في تطبيق حكم القانون غائباً تماماً عن عوالمنا المستبدة.
يكرر الكثيرون عبارة رئيس الوزراء البريطاني وبطل الحرب الثانية تشرشل، حين شكا إليه البعض رداءة الوضع في بريطانيا، فكان رده، كما ينسبون إليه، "انه ما دام القضاء والتعليم بخير فليس هناك ما يخشى منه على بريطانيا". لا يمكن أن نتصور أن يكون رد تشرشل بغير ذلك، فقد كان يدير أعرق بلد بالحكم الديمقراطي، ولولا هذا "التراث" الديمقراطي المتجذر في بريطانيا، الذي يعني أول ما يعني مساءلة الحكام، لما تصورنا أن يكون القضاء البريطاني بخير، فاستقلال القضاء وسلطانه ينبعان من قوة التقاليد الديمقراطية في أي بلد.
في دول الاستبداد المتخلفة، لا يمكن الحديث عن استقلال القضاء، مهما تم حشو الدساتير بنصوص مستوردة من بيئات ديمقراطية، فتراث دولنا يطلق كلمة "الحاكم" على كل صاحب سلطان دون تفرقة بين الحاكم السياسي والحاكم القضائي، والواقع المعيش يختلف تماماً عن النصوص الورقية، فالحاكم في تراثنا هو من يحكم في السياسة وفي القضاء معاً. ففيه "الخصام وهو الخصم والحكم"، فأي عدالة نتحدث عنها؟ وأي حكم قانون نتشدق به؟!

حسن العيسى

هكذا تدار الدولة

 "خذها من قاصرها" وتوكل على الله واستقلْ من الوزارة، تلك العبارة يجب أن يسمعها ويعمل بها الوزير الشيخ محمد عبدالله المبارك وزير الصحة وشؤون مجلس الوزراء وغيرهما من مرفقات تابعة لمعالي الشيخ، ولا شأن لموضوع الحديث هنا بالاستجواب المقدم من د. القويعان للوزير، فهذا الوزير وبقية زملائه من الوزراء أدرى بنوع العلاقة التي تربطهم بنواب المجلس، فمهما اختلف مع الوزارة عدد من أعضاء المجلس إلا أنه (المجلس النيابي) يبقى منهم وفيهم، ولا شأن لي بهذا الخلاف الداخلي في بيت السلطة الواحدة.
 الحديث الآن عن واقعة نشرتها أخبار التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، عن قيام "الشيخ" الوزير بنقل د. كفاية عبدالملك من مكان عملها كمسؤولة عن قسم العناية المركزة والتخدير، إلى مكانٍ ما في وزارة الصحة، ولا يهم مكان النقل، فالوزير الشيخ بصفتيه المشيخية والوزارية يعتقد أنه "أبخص" بتابعيه من الأطباء، وكأنهم خدم مغلوبون على أمرهم يعملون بقصره الخاص، وليسوا أطباء أقسموا قسم "أبوقراط" على الإخلاص والتضحية لشرف مهنتهم.
 الوزير الشيخ لم يعجبه أن كفاية، والتي أسست وطورت قسم العناية المركزة وبشهادة زملائها من الأطباء تعد من أفضل الأطباء الذين خدموا في القسم، تجاوزت تعليماته السامية، حين قررت نقل مريض قريب لعضو من مجلس التابعين من غرفة العناية إلى الجناح العادي ليحل مكانه مريض آخر من عباد الله المنسيين هو أشد حاجة إلى العناية المركزة، ولأن خاطر هذا العضو أهم عند الوزير الشيخ محمد عبدالله الصباح من الاعتبارات الطبية، وأهم من رأي الاختصاصيين الأطباء، قرر معالي الوزير "الشيخ" أن يمارس مشيخته بكامل عضلاتها المفتولة وينفي كفاية بعقوبة النقل لعصيانها أوامره التي لا يجوز أن تعصى في فقه المشيخات.
 طبعاً من البديهي أن د. كفاية لها حق الطعن على قرار النقل الإداري أمام المحكمة الإدارية، ولها بعد ذلك أن تتبع الطريق القانوني لحفظ حقوقها المهدرة باستبداد الوزير الإداري، لكن هذا ليس محل النقاش الآن، فما يحزّ في النفس هنا ويتجذر يوماً بعد يوم هو الطريقة والمنهج اللذان تدار بهما الدولة وتصرّف أمورها وهي أمورنا وحياتنا وكراماتنا ومستقبل أبنائنا، فلم يخرج ولم يشذّ الوزير الشيخ محمد العبدالله مبارك الصباح في سلوكه عن المبادئ العامة التي تحكم سياسة الدولة وإدارة الدولة، والتي أخذت تتكرس مع تفرد السلطة تماماً بالحكم بعد فرض تلك النوعية من المجالس الأخيرة وبعد الملاحقات الأمنية والقضائية للمشاكسين المعارضين لها.
اليوم نشهد تقنيناً رسمياً لحالة الطغيان الإداري والسياسي بعد أن أيقن أبطاله أنه لم يعد هناك من يقف أمامهم في قاعة المجلس ويقول لهم كلمة لا، لم يعد هناك في تلك الديمقراطية الشكلية من يصدّع رأس الكبار "المتسيدين" على مقدرات الدولة وتابعيهم الدائرين في حلقات ذكرهم… الساحة "فاضية" لهم.. يعملون، يقررون، ينفذون ما يشاءون، هم يلعبون كما يريدون… وكأننا غير موجودين… بهذا النهج ستواجه الكويت تحديات الغد، وبهذا الفكر التسلطي يريدون أن يوهمونا أنهم سينقذون مستقبل الدولة من أيام سوداء قادمة… هل سنصدقهم؟