التصنيف: حسن العيسى
كم أنتم مضحكون
«كاملين ما خلو شي»
ماشية «سماري»
كلاكيت ألف… فراش البلدية هو المسؤول
مرة ثانية… ابدأوا بأنفسكم
يا جبل ما يهزك ريح
وزير الصحة الشيخ محمد العبدالله حتى الآن ثابت في مكانه، فحاله من حال الوزراء "الشيوخ"، هم جبال "ويا جبل ما يهزك ريح"، والريح هو النقد المر والطويل من الصحافة والمغردين والأطباء لقرار الوزير المتعسف بنقل د. كفاية من قسم العناية المركزة بالمستشفى الأميري إلى مكان ما يعتقد معاليه أنه أفضل للعمل، هذا طبيعي فهو شيخ، والشيوخ، كما نقول ونكرر بكل ملل دائماً ابخص. الوزير "الجبلي" لم يعلِّق على ردود الفعل على قراره الجائر بغير عبارة أن ما فعله مجرد إجراء عادي روتيني يخضع له الكثيرون كفاية وغير كفاية، وانتهى معاليه، وأغلق ملف القضية عنده وعند حكومته التي تحاضرنا وتعظنا عن الإصلاح وتنبهنا أن الأيام الحلوة في الدولة قد ولَّت، وشعار الحكومة في القادم سيكون "يا شعب شد الحزام" والشعب المتحزّم هو أنتم، لا "الناس اللي فوق"، ويا كافية كفاية علينا وعليك وتقبلي القدر والمقسوم في دولة الوزراء الجبليين!
المثل يقول مَن أَمِن العقوبة أساء الأدب، ومع أن الوزير الشيخ محمد العبدالله لا يستحق أن نصفه بأنه أساء الأدب إلا أنه أساء استعمال السلطة، وانحرف عن الغرض المطلوب بتحقيق المصلحة العامة في قرار النقل وابتغى المصلحة الخاصة بإرضاء أحد النواب العاملين في الإدارة الحكومية واسمها اليوم مجلس الأمة! ومع ذلك يصح القياس على المثل السابق ونقول إن هذا الوزير ومن معه من الوزراء الجبليين يصنعون ما يريدون ولا يكترثون لأي حساب برلماني مزعوم أو صحوة رفض شعبية يمكن أن تهز أركانهم، فالوزارة (والدولة بمعنى أكبر) هي مزرعة خاصة، ولهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون، فمهما كثر النقد أو التذمر من عمل هذا المسؤول أو ذاك الوزير، ومهما ساءت أحوال "الرعية" من ممارسة استبداد الأقلية "الأولغارشية" المهيمنة على مقادير الدولة والمجتمع فلن يكون هناك مساءلة حقيقية تضع الأمور في نصابها الصحيح كما يُفترَض في دولة حكم القانون لا في دولة حكم الأمزجة.
للتذكير فقط، أقول إنها ليست قضية الوزير الشيخ محمد العبدالله، وليست هي كذلك حكاية نقل طبيبة لا حول لها ولا قوة من مكان عملها، بل هي قضية غياب روح المسؤولية عند أصحاب البشوت السوداء ومَن في حكمهم من الدائمين على الكراسي العالية، فلا أحد يحاسبهم ولا أحد يجرؤ على تحريك شعرة من مقاماتهم السامية، والقضية أيضاً هي غياب الحراك الشعبي الفاعل، فكل ما حدث ويحدث ليس أكثر من زوبعة في فنجان، هو رفض لاستبداد سلطوي قصير النفس، وهو ردود فعل متواضعة، تنفعل في لحظات، ثم تنسى بعدها في لحظات أخرى، وهذه هي المصيبة الحقيقية.
استجواب رياض تشخيص لأمراض الدولة
الغائب الكبير
حكم القانون هو الغائب الكبير عن دول الشرق الأوسط، فالكاتب بورزو دراغاهي في "فايننشال تايمز" (عدد ٣١ أكتوبر) ينقل لنا هذه الصورة القاتمة عن خرافة استقلال القضاء، وسيادة حكم القانون في دول الشرق الأوسط، فمن مناطق صغيرة في المغرب، إلى مصر، ثم إلى معظم الدول العربية يذكر الكاتب عدة حوادث عن مهزلة غياب حكم القانون.
امرأة مطلقة في مدينة مغربية حكم لها القاضي بأقل من 5% مما تستحق من نفقة العدة والمتعة وأجرة الحضانة، لأن القاضي يعرف أن طليقها ذو مكانة عالية في جهاز الشرطة، ويضرب الكاتب أمثلة عدة غيرها، ففي مصر التي يحاكم بها اليوم مرسي في محاكمة سياسية، بينما للمفارقة التاريخية هو الرئيس المخلوع ذاته الذي عزل المدعي العام، وحاول تحصين قراراته من سلطة القضاء قبل عام، في محاولته لإصلاح السلطة القضائية، محاولة لم تكتمل حسب رأي الكاتب، يخبرنا هذا الأخير ويصف قذارة المباني التي تجرى فيها المحاكمات بصورة عامة، وينقل شكاوى محامين عدة، أحدهم يشكو أن الحراس يرفضون إحضار السجناء للمحاكمة في الموعد المقرر حتى يقبضوا "المقسوم" من المحامي، وأتصور أن أكثر من محام أيضاً يشكو في مصر وغير مصر من مثل حالات الفساد هذه، كأن يتراخى مندوبو الإعلان عن القيام بواجباتهم في المواعيد ما لم "تكيش" جيوبهم مقدماً، وقضايا غيرها يمكن تصورها تحكي لنا عن فساد السلطة الثالثة في دول الشرق الأوسط.
هل هناك صحيح سلطة قضائية مستقلة لا تتأثر بالحاكم السياسي للبلاد، كما تنطق معظم دساتير دول الشرق الأوسط العربية؟ الإجابة بالنفي، فتلك السلطة عادة يتم استتباعها للحكومة أو السلطة التنفيذية (لاحظوا أن كلمة حكومة في الولايات المتحدة تعني السلطات الثلاث)، وينقل عن نيثان براون مؤلف كتاب دساتير من ورق أن القضاة لا يملكون سلطة اعمال حكم القانون، فهم تابعون بحكم الواقع للجهاز التنفيذي بالدولة يأتمرون بأوامر الحكام أو أصحاب السلطة من النافذين، وعندها يصبح الحياد المفترض في تطبيق حكم القانون غائباً تماماً عن عوالمنا المستبدة.
يكرر الكثيرون عبارة رئيس الوزراء البريطاني وبطل الحرب الثانية تشرشل، حين شكا إليه البعض رداءة الوضع في بريطانيا، فكان رده، كما ينسبون إليه، "انه ما دام القضاء والتعليم بخير فليس هناك ما يخشى منه على بريطانيا". لا يمكن أن نتصور أن يكون رد تشرشل بغير ذلك، فقد كان يدير أعرق بلد بالحكم الديمقراطي، ولولا هذا "التراث" الديمقراطي المتجذر في بريطانيا، الذي يعني أول ما يعني مساءلة الحكام، لما تصورنا أن يكون القضاء البريطاني بخير، فاستقلال القضاء وسلطانه ينبعان من قوة التقاليد الديمقراطية في أي بلد.
في دول الاستبداد المتخلفة، لا يمكن الحديث عن استقلال القضاء، مهما تم حشو الدساتير بنصوص مستوردة من بيئات ديمقراطية، فتراث دولنا يطلق كلمة "الحاكم" على كل صاحب سلطان دون تفرقة بين الحاكم السياسي والحاكم القضائي، والواقع المعيش يختلف تماماً عن النصوص الورقية، فالحاكم في تراثنا هو من يحكم في السياسة وفي القضاء معاً. ففيه "الخصام وهو الخصم والحكم"، فأي عدالة نتحدث عنها؟ وأي حكم قانون نتشدق به؟!
هكذا تدار الدولة
"خذها من قاصرها" وتوكل على الله واستقلْ من الوزارة، تلك العبارة يجب أن يسمعها ويعمل بها الوزير الشيخ محمد عبدالله المبارك وزير الصحة وشؤون مجلس الوزراء وغيرهما من مرفقات تابعة لمعالي الشيخ، ولا شأن لموضوع الحديث هنا بالاستجواب المقدم من د. القويعان للوزير، فهذا الوزير وبقية زملائه من الوزراء أدرى بنوع العلاقة التي تربطهم بنواب المجلس، فمهما اختلف مع الوزارة عدد من أعضاء المجلس إلا أنه (المجلس النيابي) يبقى منهم وفيهم، ولا شأن لي بهذا الخلاف الداخلي في بيت السلطة الواحدة.
الحديث الآن عن واقعة نشرتها أخبار التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، عن قيام "الشيخ" الوزير بنقل د. كفاية عبدالملك من مكان عملها كمسؤولة عن قسم العناية المركزة والتخدير، إلى مكانٍ ما في وزارة الصحة، ولا يهم مكان النقل، فالوزير الشيخ بصفتيه المشيخية والوزارية يعتقد أنه "أبخص" بتابعيه من الأطباء، وكأنهم خدم مغلوبون على أمرهم يعملون بقصره الخاص، وليسوا أطباء أقسموا قسم "أبوقراط" على الإخلاص والتضحية لشرف مهنتهم.
الوزير الشيخ لم يعجبه أن كفاية، والتي أسست وطورت قسم العناية المركزة وبشهادة زملائها من الأطباء تعد من أفضل الأطباء الذين خدموا في القسم، تجاوزت تعليماته السامية، حين قررت نقل مريض قريب لعضو من مجلس التابعين من غرفة العناية إلى الجناح العادي ليحل مكانه مريض آخر من عباد الله المنسيين هو أشد حاجة إلى العناية المركزة، ولأن خاطر هذا العضو أهم عند الوزير الشيخ محمد عبدالله الصباح من الاعتبارات الطبية، وأهم من رأي الاختصاصيين الأطباء، قرر معالي الوزير "الشيخ" أن يمارس مشيخته بكامل عضلاتها المفتولة وينفي كفاية بعقوبة النقل لعصيانها أوامره التي لا يجوز أن تعصى في فقه المشيخات.
طبعاً من البديهي أن د. كفاية لها حق الطعن على قرار النقل الإداري أمام المحكمة الإدارية، ولها بعد ذلك أن تتبع الطريق القانوني لحفظ حقوقها المهدرة باستبداد الوزير الإداري، لكن هذا ليس محل النقاش الآن، فما يحزّ في النفس هنا ويتجذر يوماً بعد يوم هو الطريقة والمنهج اللذان تدار بهما الدولة وتصرّف أمورها وهي أمورنا وحياتنا وكراماتنا ومستقبل أبنائنا، فلم يخرج ولم يشذّ الوزير الشيخ محمد العبدالله مبارك الصباح في سلوكه عن المبادئ العامة التي تحكم سياسة الدولة وإدارة الدولة، والتي أخذت تتكرس مع تفرد السلطة تماماً بالحكم بعد فرض تلك النوعية من المجالس الأخيرة وبعد الملاحقات الأمنية والقضائية للمشاكسين المعارضين لها.
اليوم نشهد تقنيناً رسمياً لحالة الطغيان الإداري والسياسي بعد أن أيقن أبطاله أنه لم يعد هناك من يقف أمامهم في قاعة المجلس ويقول لهم كلمة لا، لم يعد هناك في تلك الديمقراطية الشكلية من يصدّع رأس الكبار "المتسيدين" على مقدرات الدولة وتابعيهم الدائرين في حلقات ذكرهم… الساحة "فاضية" لهم.. يعملون، يقررون، ينفذون ما يشاءون، هم يلعبون كما يريدون… وكأننا غير موجودين… بهذا النهج ستواجه الكويت تحديات الغد، وبهذا الفكر التسلطي يريدون أن يوهمونا أنهم سينقذون مستقبل الدولة من أيام سوداء قادمة… هل سنصدقهم؟