تسير سلطة الحكم حثيثاً لابتلاع ما تبقى من أشلاء شبه الحالة الديمقراطية الكويتية، أسميها "شبه" الحالة الديمقراطية لأنه لم تكن لدينا يوماً ما -حتى في أيامنا الحلوة من منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي تقريباً- ديمقراطية صحيحة، فلا تداول للسلطة، ولا أحزاب سياسية، ولا مشاركة سياسية للمرأة بالبداية، كان كل ما لدينا أن شيوخ الأسرة الحاكمة يقررون، بحكم العادة بعد مشاورات مع النافذين السياسيين الذين كانوا يجلسون على المقاعد النيابية، وتصدر القوانين بعد ذلك، وكان يستحيل أن تشرع تلك القوانين ما لم تكن قد أسبغت عليها المباركة المشيخية، فالشيوخ كانوا دائماً لهم حق "الفيتو"، ولم تكن الضوابط الدستورية في مسائل حقوق الإنسان، التي نص عليها في الباب الثالث من الدستور، ذات أهمية عند تشريع القوانين أو في تنفيذها، ولم يكن مبدأ الفصل بين السلطات حقيقياً ينبض بالحياة على صعيد الواقع، كانت هناك نصوص دستورية عامة هي ديكور شكلي لاستكمال شكل الدولة دون معنى جوهري.
الآن، وبعد المجلس الأول الذي حل قبل عامين، انتهت تماماً حالة "الشبه" ديمقراطية، هناك لابد من التوقف لملاحظة أن ذلك المجلس مارس استبداداً "شعبوياً" حين انتشى بظاهر حالة الأغلبية في تشكيله، ولم يراع حقوق الأقلية، وحاول صبغ الدولة باللون المذهبي الديني، لكن يبقى في النهاية، أن نقول إن ذلك المجلس كان ممثلاً للمجتمع الكويتي بكل علاته وبكل التشوهات التي طرأت عليه (تشوهات وعاهات بفعل فاعل)، وانه، رغم ذلك، كان "يفرمل" كثيراً لممارسات السلطة، وقام عدد من النواب بفضح قضايا فساد ورشا كبيرة كانت تنخر في جسد الدولة، ولم يكن لنا أن نتصور مثلاً أن قضايا سحب وإسقاط الجنسية يمكن أن تحدث بتلك الصورة المرعبة (أشدد على تلك الصورة) في ذلك الزمن، كما يجري أمام أعيننا الآن، إلا أنه، من الناحية الأخرى، لم تتوقف يوماً ما أوبئة الواسطة والمحسوبيات في التعيينات أو توزيع حصص "الهبش" في مؤسسات الدولة وتوابعها، فدولة الموظف العام الريعية المستبدة وأمراضها كانت على حالها تسير بتكاسل ولا مبالاة لمصالح وحقوق الناس، ولم يحد من تصاعد جرائم استغلال النفوذ، لكن في كل الأحوال، وبكل أسى يمكن القول إن ذلك المجلس كان يمثل "العوض ولا القطيعة".
الآن أهيل التراب على قبر "الشبه ديمقراطية الكويتية"، فلا رقيب، ولو محدود الإمكانية، لممارسات سلطة الحكم، ولا يشفع لمجلسها النيابي اليوم أن يتذرع بإنجازه العديد من القوانين، أهمها قانون دعوى عدم الدستورية المباشرة، الذي أول من طرحه النائب السابق عبدالعزيز المطوع في مجلس 96 -ولا أحد يذكره له اليوم- فالعبرة في النهاية ليست بكثرة التشريعات، وبشكلها الحضاري، وإنما بالممارسة على أرض الواقع الحي.
وأخذت سلطة الحكم تمارس سلطانها من غير حدود، فنصبت منصات مشانق سحب وإسقاط جناسي مواطنين، وتحججت بأنها تحيي قانوناً نسيته في أدراج قديمة، هي بالطبع أدراج الاستبداد السلطوية، وتعد العدة للرقابة الكاملة على الإنترنت، كما أنها تستكمل هيمنتها الكاملة على "شبه" مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات النفع العام، التي كانت تحت سلطانها منذ البداية، إلا أنها اليوم، وتحت حجة وثيقة العمل بين وزارة الشؤون وجمعيات النفع العام، (مانشيت جريدة الجريدة عدد الأربعاء) تستكمل السلطة مشوار الابتلاع الكامل لتلك المؤسسات، فماذا بقي من "شبه الحالة الديمقراطية" التي كانت تتباهى بها الكويت أمام شقيقاتها الخليجيات، هي اليوم حالها من حالهن، ولا أحد أفضل من أحد والسلام.
التصنيف: حسن العيسى
تحت ظلال دولة قانون أم ماذا؟!
المادة 33 من الدستور تقرر مبدأً قانونياً عاماً، وهو أن "العقوبة شخصية"، لكن المادة 13 من قانون الجنسية قررت جواز سحب الجنسية… "إذا استدعت مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي ذلك، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون كسبها معه بطريق التبعية…" وفي الكويت سُحِبت جنسية أحدهم، ودفعت ذريته أثماناً غالية من كرامتهم حين عدتهم السلطة أصفاراً على الشمال.
القانون الأبكم ينص على أنه "يجوز" سحب الجنسية بالتبعية، وهنا تم استغلال "الجواز" لإيقاع عقوبة لا إنسانية على ذرية المُدان وأهله- دون محاكمة- فهل تحقق هنا إعمال مبدأ "شخصية العقوبة" الدستوري حين أوقعت السلطة عقوبة النفي من الهوية الوطنية على أحمد وأولاده وبناته لأن "مصلحة الدولة العليا أو أمنها الخارجي" يستدعي ذلك؟! وهل بث برامج تلفزيونية أو نشر مقالات مخالفة لنهج السلطة يعد خطراً على "مصلحة الدولة العليا وأمنها الخارجي"؟! وإذا كان بعض "شيوخنا مختلفين ومتهاوشين" على السلطة مع بعضهم، فما شأن بقية خلق الله كي يدفعوا أثمان ذلك الصراع؟!
مثل تلك الفقرة من القانون "المصلحة العليا"، ونجد مثلها الكثير في نصوص قوانين الرعب بالكويت وشقيقاتها العربيات، مستوحاة من أنظمة تسلطية مستبدة، إذ استغلها ستالين لتصفية خصومه في ثورة أكتوبر 1917 بعد وفاة لينين، وكانت تهمة "التروتسكية" المحددة بمصلحة الدولة العليا المثال الفج للمحاكمات الصورية في ذلك الوقت (شو ترايلز)، وللأسف، عندنا لا توجد "محاكمة" ولو شكلية، بل سُحِبت الجنسية وأُسقِطت عن المدان وأهله (دون محاكمة) بمرسوم من السلطة دون أي رقابة قضائية لاحقة تتحقق من مشروعية أو عدم مشروعية مرسوم السحب أو الإسقاط، فهل مصطلح "المصلحة العليا" يعد متسقاً مع مبدأ "شخصية العقوبة"؟ وهل استفراد السلطة بقرارات سحب الجنسية وإسقاطها يتفق مع مبادئ المشروعية واستقلال سلطات الدولة الثلاث عن بعضها مع افتراض أن كل سلطة تحد من السلطة الأخرى؟! أين نحن؟ وأين موقعنا الزماني؟! هل نحن بدولة ومؤسسات يهيمن عليها سيادة القانون ومبدأ المساواة أم أننا نستظل بخيمة قبيلة ومزاج شيوخها المتقلب؟!
استغفال النائمين في العسل
تعود إلينا من جديد السلطة الحاكمة – وكأنها لا تريد أن تتوقف – عبر تصريحات وزير الداخلية بالتهديد والوعيد عن قرب سحب جناسي لمواطنين، وكأن المواطنين أحمد جبر الشمري وعبدالله العجمي أو من سبقهما في باب العقوبات دون أحكام من قضاء محايد قد قُذِف بهم إلى هاوية النسيان، وكأن المواطنين الذين لم يعودوا مواطنين مجرد كلمات أو أرقام كُتِبت خطأً من طالب على سبورة صف أطفال بمدرسة، وقرر الأستاذ الولي إصلاحها ومسح الأسماء بالممحاة، فلم يعد لهم وجود قانوني، ولم يعد لهم مكان في هذه "الدولة"، كانوا كلماتٍ وأرقاماً مُسِحت من لوح الوجود. قرر أصحاب السعادة من شيوخنا، فجأةً، أن هناك خطأً ما وقع، حين مُنِحت الجناسي للبعض في زمن قديم، وصحت سيادة القانون من غفوتها الطويلة لتضع الأمور في نصابها الصحيح!
غريب أمر هذا القانون، فهو كان ومازال غائباً عن مصائب كبرى، سرقات ونهب واستغلال نفوذ حدثت منذ عقود طويلة ومازالت تسير على قدم وساق، ومحسوبيات في تنفيع "المُؤلَّفة قلوبهم" من المال العام ومن أملاك الدولة، لم يكن أولها، لا آخرها، توزيعات كعك الأراضي الزراعية، ومع ذلك كان القانون ينظر إليها بعين الرضا، وهي "عن كل عيب كليلة"، مهما كانت ضخامة هذا العيب الجارح، ومهما استنزف من رصيد الباقي من عمر الدولة وأعمار أطفالنا، لكن عين "السخط" على المخالفين للرأي السلطوي المنفرد بالقرار السياسي هزت رجال السلطة كي يصحوا من غفوتهم ليحركوا سياط القانون الآن…
كيف يمكن وصف ما يجري وما يتداوله الناس اليوم عن سحب وإسقاط الجناسي بغير ممارسة الاستغفال من أصحاب القرار على الناس الغافلين، ليس وصف التخويف أو الترويع كافيين لمن "تسول له نفسه" الاعتراض على أهل الحل والعقد، بل استغفالنا بثرثرة بأن "هؤلاء" الذين "تنعموا" بالجنسية دون وجه حق في السابق، سيدفعون أثمان نكران الجميل عندما تمردوا على النعم.
بهذا الاستعباط لوعي الناس تمرر السلطة مسوغاتها لإعدام الوجود القانوني لمواطنين معارضين، هم وحدهم – حسب موسوعة الحكم القانونية- ودون شريك من كبار السلطة، من قاموا بالتزوير والتلاعب بملفات الجنسية وحصلوا على مفاتيح جنات الجنسية دون معرفة وعلم من الكبار، الذين ندري وبيقين مطلق أنهم هم "أهل القرار السيادي" وليس غيرهم من تلاعب بهويات المواطنة بتاريخ مضى بمنحها لمن لا يستحق أو منعها عمّن يستحق وفقاً لسياسة مصلحة الحكم دون مصالح الأمة… بهذا اللامنطق والتصغير لعقولنا تمرر السلطة أسبابها لإيقاع تلك العقوبات على حرية الرأي… فهل نصدقها؟! كفاية واصحوا يا ناس!
أيُّ عيد؟
ماذا سيفعل النائب السابق عبدالله البرغش والإعلامي أحمد الجبر في أول أيام عيد الفطر وبقية أيام القهر، كيف سيتلقى كل منهما عبارات التهنئة والتبريكات في صبيحة العيد من أبنائهما وأهلهما، وبأى جمل يتيمة سيردان على تحية العيد؟، هل يشعر من ألقى التحية أو من تلقاها ببهجة العيد وفرحته، هل هذا العيد وكل عيد مجرد مناسبات زمنية تتكرر في شريط العمر؟، أم أن تلك المناسبات الجميلة ملتصقة بالمكان؟! لكن أي مكان هذا الذي تمضي فيه مناسبات مشاعر الفرح؟! هل هو الوطن؟! أي وطن هذا الذي تمر عليه مناسبة العيد؟، هل هناك مكان اسمه الوطن، بعد أن سحقت هويتهما القانونية لهذا الوطن بمرسوم هبط من مكان عال، جاء فيه فجأة ومن دون سابق إنذار أنهما وأبناءهما وكل من كسب هذا الانتماء بمناسبتهما ليسوا مواطنين من الآن وصاعدا، وحتى يوم غير معلوم عند المحكومين بقضاء السلطة وحكمها اللذين تنسجهما كيفما تشاء ومتى أرادت، فلا سلطة فوق هذه السلطة، ولا سيادة فوق تلك السيادة؟!
أليست هي صاحبة السيادة، وهذا عمل جليل من أعمال السيادة، كما يهلل ضاربو الدفوف من بعض المواطنين أهل المقامات العالية وأهل "الرخاوة"، حين هللوا لسحب هوية عبدالله وأحمد وينتظرون، الآن، برجاء مبتهج كي تكمل صاحبة السيادة مشوارها الدامي بسحب وإسقاط جناسي البقية، حتى تتعدل تركيبة المواطنة كما يريدون وكما يدبرون، وكي يصبح الوطن جنتهم الموعودة؟، وبناء عليه تم حذف رقمي المواطنين عبدالله وأحمد من سجلات الوطن!
فمن كان يمثّل الأمة في يوم مضى، مثل عبدالله البرغش، لم يعد مواطنا ولم يعد أهله مواطنين بدورهم، ومن كان يملك جهازاً إعلامياً يدوي في الوطن لم يعد، هو الآخر، من أبناء الوطن، والحكم ذاته يسري على أهله وأقربائه. كيف حدث ذلك، ولماذا؟
لا تقل كلمة "كيف"، فقد قررت صاحبة السيادة واتخذت قرارا من أعمال السيادة، فالسيادة في مفاهيم تلك الشاكلة من الدول، هو أن تصنع "الدولة" ما تشاء برعاياها المشمولين بعطفها وكرمها الساميين، تهبهم أرقام الوجود حين ترضى، وتمسح تلك الأرقام وتنفيهم للعدم القانوني حين تغضب، وحين تسمع عبر البصاصين والوشاة ما لا تريد عن أصحاب الأرقام "الموهوبة" لهم مواطنيتهم وهوياتهم، أليس المواطنون مجرد أرقام عند أصحاب هذه اللعبة؟!
ماذا سيفعل عبدالله وأحمد في أول أيام العيد، وهل سيسمعان كلمتي "عيدكم مبارك" من أبنائهما؟ هل هناك عيد، وهل من حق المظلومين أن يفرحوا بالعيد؟، وهل من حقهم أن يشتكوا من الظلم؟، ولمن يشتكون؟!
عيب يا حكومة
بيان مجلس الوزراء الأخير المُهدِّد بسحب الجنسية عمن لا تتوافر فيهم "شروط ومتطلبات شرف المواطنة" هو سواد وجه، ولا يجوز أن يصدر عن السلطة العليا المهيمنة على شؤون الدولة وتزعم أنها تتمسك بالدستور والقانون، نظرياً على الأقل، مثل ذلك البيان المُخجِل.
فالخطاب الابتزازي المُستعمَل في البيان يمكن أن نتخيله من جماعات تعمل خارج أطر شرعية الدولة، ومن فرق "فتوة" وعضلات تبتز وتهدد الناس الذين لا ينصاعون لأوامرها، لا من سلطة تنفيذية لدولة ذات سيادة ترفع علماً، وهي عضو في المجتمع الدولي بكل مؤسساته.
ما هو "شرف المواطنة" الذي جاء بالبيان، وكيف يمكن تعريفه وضبطه، ومَن يحدد تخوم هذا الشرف غير مجلس الوزراء ذاته الذي هو الخصم والحكم في قضايا الجنسية بعد أن منعت قوانين الدولة المُخجِلة القضاء من النظر فيها باعتبار أنها من "مسائل السيادة"؟! والسيادة التي تخرق الدستور لا تعني غير الاستبداد ونفي للسيادة الشرعية بحد ذاتها.
ما مناسبة مثل هذا البيان الذي يفوِّض فيه مجلس الوزراء إلى وزارة "المطاعات الألمانية" بحث "توافر شروط ومتطلبات شرف المواطنة" لتسحب "صدقة" الجنسية الكويتية عمن تشاء وتهبها لمن تشاء، حسب الظروف وحسب امتثال المواطن لأوامر صاحب السلطان أو خروجه عن طوعه؟ وكأن الجنسية مكرمة وصدقة جارية من الدولة وليست حقاً للمواطن متى توافرت فيه شروط كسبها.
مجلس الوزراء يقر ويقطع، لننتبه لهذا، بأن السلطة تعلم أنها منحت الجنسية في السابق لبعض الناس الذين كسبوها بـ"الغش أو التزوير" مثلما يقول قانون الجنسية، لكن السلطة سكتت عنهم، "وصهينت" عن الأمر لغرض في نفسها إلى يومٍ معلومٍ كمثل هذا اليوم الذي تمارس فيه نهج الابتزار، أليس في سكوت السلطة وعلمها، كل تلك السنوات الطويلة، بواقع الذين كسبوها دون وجه حق يعد بحد ذاته اشتراكاً من السلطة في الجريمة أي "جريمة الغش والتزوير"؟! ألم تكن هي المساهم والشريك بالمساعدة في الجريمة؟ ثم تأتي اليوم لتقول لأبناء وأحفاد مَن كسبها في تاريخ قديم، إنكم مازلتم تحت رحمتنا، وظهوركم مكشوفة للجلد، وكأن السلطة ذاتها لم تشارك في الجرم سابقاً.
سحب الجنسية كعقوبة سياسية يخالف أبسط الأعراف والقوانين الدولية، وإذا كنا في الماضي، منذ ثمانينيات القرن الماضي، بعد حوادث مسجد شعبان أيام تجليات الثورة الإيرانية كمواطنين سكتنا، ولا أستثني نفسي، ببلادة حس وغياب وعي وطني ولجنوح في الهوى السياسي عن الذين سحبت جناسيهم في ذلك الوقت، أو الذين سُحِبت منهم فيما بعد مثل سليمان بوغيث بعد اتهامه بالاشتراك مع قيادة "القاعدة" في جرائم 11 سبتمبر، أو حتى في تاريخ قريب، حين سُحِبت جنسية مواطن لتعبيره عن رأي جانح أو مخالف للقانون، فنحن في كل تلك المناسبات المُخجِلة مُدانون بصمتنا وعدم اكتراثنا، مثلما هي الحكومة اليوم مُدانة ببيانها السيئ، حين ضربت بمبادئ حقوق الإنسان عرض الحائط… نقول لك عيب كبير يا حكومة.
تحية لحكم القانون
ليتك يا شيخ تنورنا وتضيء عقولنا البسيطة عن "المخطط الكبير الذي كان يحاك للكويت"، الخطاب موجه هنا للشيخ محمد خالد الصباح نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الذي تحدث في لقاء بهرجة و"تزهلق" إعلاميين لتلميع الذات "بغبقة" ممثلي القمع من أصحاب البدل الزرقاء المموهة والمطاعات الألمانية وهم القوات الخاصة! اشرح لنا يا شيخ عن "المخطط الكبير" الذي كان يهدد الدولة في تجمع المسجد الكبير حين تظاهر بعض الشباب من أبناء الوطن بتعبير سلمي هادئ مفصحين عن رفضهم للتعسف في ممارسة سلطة الاعتقال والحجز للنائب السابق مسلم البراك.
بوهم إعلامي ساذج لـ"المخطط الكبير" تم ضرب الشباب بلا رحمة، وتم تهشيم رأس الهاجري، وسالت دماء عدد من الأبرياء المتجمعين، وحدث أن وضع أحد ضباطكم الكبار حذاءه على رقبة أحد المتظاهرين، وضربه مع توجيه عبارات تحقير ماسة بكبريائه، طبعاً من غير قول آخر كان ضباطكم وشرطتكم ينفذون "حكم القانون" حين تجمع الشباب وتظاهروا دون الحصول على ترخيص مسبق! وبالتأكيد ان مثل تلك التجمعات تمثل "مخططاً كبيراً يحاك ضد الكويت" وينفذه مواطنون مشاغبون مثل عباس الشعبي أو محمد جاسر الجدعي وغيرهما من مواطنين تم اعتقالهم وحبسهم احتياطياً، ربما ليتعبدوا في العشر الأواخر في سجونكم، مثلما ينصح محمد خالد الصباح في غبقة حراس الأمن والعين الساهرة على تطبيق حكم القانون.
كم تغيظني عبارة "تطبيق حكم القانون" حين أسمعها منكم، من ناس طبقوا "الشرعية" وأعملوا نصوص الدستور عام 76 حين حل المجلس، ثم تمت إعادة توزيع الدوائر حسب قواعد التفتيت القبلي والطائفي، كنقيض أهوج ضد "الوحدة الوطنية" التي تتشدقون بالحديث عنها بالأمس واليوم، وبحكم العادة المتأصلة في خطابكم السياسي، ثم، مرة بعد مرات ومن غير حساب أعملتم حكم الشرعية الدستورية بحل مجلس 85، وحركتم بعدها جحافلكم الأمنية في تجمعات دواوين الاثنين عام 89، نعم كنتم تطبقون حكم القانون بالأمس، مثلما طبقتموه في قضايا استثمارات إسبانيا والناقلات بعد التحرير، وليمتد العمر بنا وبكم لقضايا الإيداعات المليونية وشيكات "كبت أمي"، ثم تفصيل المناقصات والعطايا على قد المقامات السامية ثم محسوبيات توزيع أراضي كبد، وبعدها اليوم نسمع إشاعات أم حقائق عن هبات مزارع الوفرة… نعم كنتم تطبقون حكم القانون، ولا أعرف أين أبدأ وأين انتهي حين نتحدث عن تاريخ الدولة ومبدأ المشروعية الدستورية وحكم القانون؟ ولن تكفي صفحات هذه الجريدة لنشره… كم هو مثير حكم القانون في وطني الذي تعجز عن حمله البعارين… فقد وصلنا إلى الكمال لله الحمد بفضل إدارتكم للدولة… شكراً لكم.
التحريض على المعارضة… أين ينتهي؟
أكثرية من النواب التابعين للسلطة ومعهم بعض جمعيات النفع العام، يرددون بلا خجل، الحديث عن المؤامرة التي تحاك ضد الدولة، ويذرفون الدموع الساخنة على الوحدة الوطنية، وكأن الكويت تقترب اليوم من هاوية حرب أهلية مدمرة..!
هذا الوهم الكاذب الذي يروجه هؤلاء له مقاصد خبيثة باختلاق الأسباب وتلفيق التهم الكاذبة كي تضرب السلطة جماعات المعارضة وتقصم ظهورهم بالوسائل البوليسية، وإذا لم تنفع الأخيرة (وهي تفعل ذلك الآن عبر القوات الخاصة والتعسف في قرارات السجن الاحتياطي)، فلتعلن السلطة الأحكام العرفية، مع تفويض كامل لها من هؤلاء النواب، وهنا يتم إسباغ ثوب الشرعية الدستورية "الكاذبة" على أعمال السلطة في قمع المعارضين.
بهذا التسويغ وهذه الانتهازية السياسية تتم اللقاءات هذا الأيام بين هؤلاء المحرضين من نواب وسياسيين تجدهم دائما في ردهات قصور الحكم ومعهم كتاب الخيبة، بهدف بث مشاعر القلق وعدم الأمان عند الناس كي يعلّق الجرس على رقبة المعارضة، وكأن هؤلاء غير راضين عن درجة القمع التي تمارس حاليا، ويريدون زيادة الجرعة كي يصبح المسرح السياسي حكرا لهم ولـ "معازيبهم".
مثل هذا الخطاب المحرض على معارضة سلمية أكدت في كل مناسبة لها أن هدفها الإصلاح السياسي ووضع حد لفوضى الفساد وإهدار الحدود الفاصلة بين السلطات إذا تحقق بأن جرت السلطة الحاكمة خلف ذلك الخطاب الانتهازي وضربت المعارضين بسند من شرعية الرياء عن الوحدة الوطنية والتآمر المزعوم عليها، فهذا يعني أن صندوق "بندورا للشرور" قد فتح في الدولة، ولن يغلقه أحد، وعندها ستحقق فعلا ما كان يروج له شلل المرجفين في السابق، فليتق هؤلاء الله في وطنهم.
ملاحظة: هناك وحدة فكر انتهازي بين المحرضين على المعارضة والمتشفين وغير المكترثين من بؤس ومعاناة أهالي غزة بسبب العدوان الإسرائيلي… عيب عليهم…
نصيحة شيخ الشباب للشباب
المواعظ والنصائح المشيخية للناس مضحكة، وتذكّرني "بحزاوي" (حكايات شعبية) أمنا حبابة أيام زمان، فالشيخ سلمان الحمود وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب ينصح الشباب ويحذرهم "اقرأوا ما يحدث في الجوار"، ليمتنعوا عن التجمعات والتظاهر.
والجوار الذي يقصده الشيخ سلمان هو دول "المأساة العربية"، بتعبير افتتاحية "الإيكونومست"، والتي من بينها دول تنحرها وتفتتها الحروب الأهلية مثل العراق وسورية، وأخرى فاشلة مثل ليبيا واليمن، وثالثة عاد إليها الحكم العسكري التسلطي مثل مصر، بعون ومباركة نعمة "البترو دولار"، والكويت أحد رموز العون التي قادت الثورة المضادة.
المهم أن شيخنا الوزير يريد من الشباب أن يتعظوا ويتعلموا من حالة الكرب في دول الجوار حتى لا نصبح في مثل وضعهم، الذي وصل إلى حالة اللادولة المأساوية وإلى الاقتتال الداخلي الذي يُغذَّى بعون الخارج، والتي ما كان لها أن تصل إلى تلك الحالة، لو أنها سمعت كلام حكامها "الديمقراطيين" البعيدين عن عوالم الفساد، والذين حكموا دولهم بمسطرة سيادة القانون، أي بالمساواة أمام حكم القانون!
نصيحة الوزير أسمعها كثيراً من "عجايز" مساكين "على نياتهم" وسذاجتهم السياسية، فكثيراً ما "يتحلطم" الأمهات والآباء والجدات على ممارسات الرفض الشبابية وتظاهراتهم بتعبيرات مثل: ماذا تريدون؟! شوفوا غيرنا، احنا بخير ونعمة وأمان…! وتختم رسالة التوبيخ العجائزية بالختمة التقليدية بأن "شيوخنا ما قصّروا"! صحيح أن عدداً من شيوخنا ما قصّروا حين استحوذوا على كل مفاصل الحكم في الدولة، وأخذوا يتنازعون فيما بينهم على كعكة الحكم.
أما دول الجوار التي يتعين على شباب الكويت المتذمرين أن يقرأوا حالها اليوم، كما يريد شيخنا الوزير، فهي وإن اختلفت تركيبتها السكانية عن الكويت إلا أن ما حدث ويحدث فيها اليوم، كان نتيجة حتمية لحكم عسكري أو تسلطي امتد عقوداً طويلة، واستبعد حكامُها كلَّ صور المشاركة الشعبية، وجلسوا على صدور الشعوب، وقتلوا "اللحظات الليبرالية" التي توهجت قليلاً بعد حقب الاستعمار، وأجهضوا كل محاولات بناء المجتمع المدني، وكرّسوا الفساد السياسي والإداري لجماعات "أم أحمد العجافة"… فإذا كان علينا أن نقرأ حالهم اليوم، فمن باب أولى أن نمد النظر إلى تاريخ تلك الدول المفككة المتناحرة اليوم، وأن نستوعب ماضيها الذي أوصلها إلى هذا الحاضر المزري، فهل هذا الدرس الذي يريد معالي وزير الشباب أن يتعلمه شبابنا اليوم ليسيروا على مسطرة الحكومة؟ وهل عليهم أن يغمضوا أعينهم عن المستقبل، وأن يكبحوا جماح قلقهم المشروع، ويسلموا أمرهم لشيوخنا بالكبيرة والصغيرة مرددين شعار "أنتم أبخص" و"يارب لا تغير علينا…" أم ماذا يا معالي الوزير؟!
دعوهم يتنفسون
رد فعل السلطة بقمع تظاهرة مسجد الدولة يوم الأحد الماضي لا يمكن وصفه بغير كلمات مثل الحماقة والتشنج واستعراض القوة الوحشية وممارسة القمع، التظاهرة كانت سلمية ومنضبطة، لم يرد المتظاهرون القيام بأي عمل من أعمال العنف أو التخريب للممتلكات العامة، كما حدث على سبيل الاستثناء في أحداث حرق حاوية قمامة أو إطلاق الألعاب النارية على رجال الأمن أو إلقاء قنبلتي مولوتوف على السجن المركزي قبل أيام في ضاحية صباح الناصر، والتي تسمى الآن ضاحية مسلم البراك، من المتظاهرين الساخطين على الوضع السياسي العام، والناقمين على عجز السلطة عن وضع الأمور في نصابها بقضايا فساد تتنامى ككرة الثلج، وتلك كانت أعمال مراهقة صبيانية خرجت عن الطوع في وقتها، أيضاً ليست هي حكاية الحبس الاحتياطي للنائب السابق مسلم البراك رمز المعارضة سبب التظاهر، بل كان الحبس مجرد مناسبة لإطلاق بركان الغضب في نفوس الرافضين لهذا الواقع.
لم تكن هناك مناسبة ولا سبب كي يطلق قناص القوات الخاصة رصاصة مطاطية على رأس الناشط السياسي عبدالهادي الهاجري، ويدخل الضحية في وضع صحي خطير، وكأن هناك معركة دامية بين السلطة الشرعية وجماعات إرهابية أو غوغائيين "هيلق لفو"، كما يحلو لدوائر أهل المصالح المتحلقين حول السلطة وتوابعها أن يصفوهم، ولم يكن هناك أي مبرر، قبل ذلك كي يهشم ساق الشاعر أحمد سيار لمجرد أنه "شاعر" يهز وجدان المجتمعين بأهازيجه، ولماذا القنابل الدخانية والصوتية والقبض على العشرات من المتظاهرين لتفريق جماعات شباب متألمين من أوضاع الدولة أتوا كي يعبروا عن رأيهم، بعد أن سدت أمامهم قنوات التعبير، وأضحى الشباب على قناعة بعدم جدوى المطالبات الصوتية المتناثرة بالإصلاح السياسي، بعد أن وضعت السلطة أصبعيها في أذنيها كي لا تسمع ولا تكترث لصوت العقل.
الخيبة واليأس من تلك الأوضاع الرخوة قادت المتظاهرين للتظاهر، كي يقولوا كلمة "لا" كبيرة للسلطة، ويصرخوا بصوت عال بأنهم مواطنون يقلقون من القادم وواعون لقضايا تصيب مستقبلهم، وليسوا قطيعاً من الأغنام يقادون للمسالخ، ولا معنى كي يتذرع بعض مدعي "الحكمة" السياسية بأن ساحة الإرادة كانت مفتوحة للمتظاهرين كي يقولوا كلمتهم هناك "حسب القانون"، الذي صاغه هؤلاء الحكماء أنفسهم، أو أن يفسر "حكماء الاستقرار" بأن التظاهرات غير مرخصة (أيضاً حسب القانون)، فرسالة المتظاهرين بحد ذاتها هي تحد لتلك القوانين القامعة للحريات واللادستورية، ولا معنى لرسالة الغضب هذه متى قيدت بأغلال الامتثال لأوامر السلطة.
لا يهم أن نتفق أو لا نتفق على مطالب جماهير المتظاهرين، المهم أن تقتنع السلطة بحقهم في التعبير السلمي عن مطالبهم حسب المضامين الدستورية، لا حسب قوانين "حاضر يا أفندم" السارية.
«اقبضوا من دبش»
قضية ضحلة بقدر ضحالة من تبناها وكرسها، كأنها قضية الساعة في بلد لا يعرف ساسته "كوعهم من بوعهم" (مثل كويتي ينطبق على الخواء والضياع في تحديد أماكن الزلل) هي ما أقرته لجنة الظواهر السلبية، من منع التعري في الفنادق والأماكن العامة… إلخ.
بطبيعة الحال لم أكن اعرف أن التعري في الكويت يشكل "ظاهرة"، بمعنى أنه مسألة عامة ومتكررة كظاهرة المزايدات السياسية على الأحزاب الدينية شبه الرسمية أو التكسب السياسي من المشاعر الدينية المحافظة في دول الكويت، لكن لجنة الظواهر السلبية، وهي بحد ذاتها ظاهرة سلبية، ودمل بشع من دمامل كثيرة في وجه الدولة، اعتبرت التعري بالكويت ظاهرة مساوية، في الوضع المتخيل في تجاويف أدمغة مشايخ اللجنة، للشواطئ الأوروبية، متناسية في الوقت ذاته، مقولة وزير الداخلية الأسبق، الله يذكره بالخير، الشيخ جابر الخالد بأنكم "لو درتم شواطئ الكويت من شمالها إلى جنوبها ما لقيتم حريم يلبسون حتى وزرة".
ورغم الإحساس الطاغي الذي ينتابنا حين نتجول في شوارع الدولة ومشاهدة مناظر الأخوات المنقبات (وهذه مسألة تخضع لقناعتهن وحرياتهن) وهن يقدن سيارات الغرب المنحلّ أخلاقياً بأننا أقرب إلى قرى مناطق القبائل بين أفغانستان وباكستان، التي منعت فيها حركة "طالبان"، وهي منتج بترول دولاري بامتياز، الأهالي من ترك أطفالهم يتلقون جرعات التطعيم ضد شلل الأطفال عبر منظمة الصحة العالمية.
أعود إلى أهل لجنة "الظواهر السلبية" الذين يريدون اليوم أن يثبتوا أنهم لا يقلون شراسة وشجاعة في الدفاع عن القيم الإسلامية المحافظة، كما يدّعون، عن مواقف الكثير من النواب الإسلاميين السابقين في المجلس المبطل الأول، بينما في الواقع، كان لعدد من هؤلاء النواب المحافظين الذين قاطعوا مجالس الصوت الواحد، مواقف واضحة وجريئة في قضايا الفساد المالي والإداري وما تفرع منها من قضايا في الدولة ودفعوا ثمناً كبيراً مقابل هذا الدفاع، بينما جماعات "ملالي" اللجنة هم في الواقع لا في العير ولا في النفير في تلك المسائل، فما حاجتهم إلى تبنّي مثل تلك القضايا، ماداموا يخوضون في أماكنهم المحددة المفروضة في البحيرة الحكومية، وكان أولى أن يعرف أهل اللجنة أن قانون الجزاء الكويتي (لا النمساوي) يحرم ويعاقب التعري في الأماكن العامة تحت باب "الفعل الفاضح المخل بالحياء العام"، لكن ماذا نفعل بذلك الإنتاج النيابي وهذه البضاعة السلطوية؟!
كلمة أخيرة لبني "ليبرل" على طريقة خطاب الزميل عبدالرزاق الشايجي، وهم الذين "هيصوا" وهللوا لمرسوم مجلس الصوت الواحد متوهمين أن السلطة فتحت لهم أبواب الحريات الشخصية على مصاريعها، أقول لهم اقبضوا بعضاً من بركات الصوت الواحد… "اقبضوا من دبش"…