يردد بعض أهل الحكم، بين بعضهم ومع المقربين منهم، خطاباً سطحياً يعيّر المواطنين المتذمرين من ركود المستنقع السياسي الحالي، برغد حياتهم، ونعيمها، وكمالها، فهؤلاء من أهل الحكم يشكون مستغربين، مرددين عبارات متعالية ومتغطرسة، من صنف "… شنو يبون هالكويتيين… هم بخير ونعمة، ياكلون ويشربون، وعندهم بيوت وسيارات مكيفة، وعلاج ببلاش، ويسافرون بالإجازات أوروبا وأميركا… شنو يبون بعد… الحكومة تدعمهم بالأكل والماء والكهرباء، وتوفر لهم الوظيفة براتب جيد، ولو كانت من غير عمل حقيقي".
ويمضي هذا الخطاب المعاير بمنّة الحكم على الناس والمُستغرِب من تذمر المعارضين دون توقف عارضاً القوائم الطويلة للكرم المشيخي… ليصل في نهايته إلى عبارات كالصفعات المهينة تبغي لجم "المتحلطمين": "شوفوا غيركم… شلون عايشين… حمدوا ربكم…"! هكذا تختصر الحياة والوجود الإنساني بـ"الصدقات" المادية التي توفرها السلطة للمواطنين، وطبعاً الدولة هنا مختصرة بأشخاص الحكم لاغير، وما توفره الدولة من بقالة النفط الاقتصادية هو "إكراميات" من أهل الحكم للناس، وكأن أهل السلطة يدفعون من "جيبهم" الخاص، لذا فليخرس الجميع ويقبلوا أكفهم بالمقلوب.
أما القضايا الحياتية "المادية" الأخرى التي يعانيها المواطن، مثل ارتفاع إجارات السكن، ومشاكل المرور، وسوء الخدمات الطبية والتعليمية، وسلطوية دولة الموظف العام وغير ذلك من شؤون تتكرر في المقالات اليومية وعلى مسامع المسؤولين، فلا قيمة لها، لأنها تتضاءل وتنكمش في ثقافة أهل الحكم أمام حكمة "شوفوا غيرنا…" كلما أثير الحديث عن قضايا، مثل خنق الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، وفرض صور لديمقراطية شكلية على مقاس الحكم.
ثم هناك الصمت المُخجِل عن قضايا الفساد الكبرى والالتفات عنها، والاستسهال والتعامي عن الفساد اليومي في دوائر الدولة المتجسد بالرشا وتكريس المحسوبيات والواسطة، ولنمض، بعد ذلك، ونتذكر أوضاع "البدون" المنسية، وغياب التشريعات للعمالة المنزلية الخاصة (على سبيل المثال)، والممارسة البالغة التعسف في قمع المعارضين عبر تشريعات وممارسات لا تتناسب مع الحد الأدنى لما استقرت عليه الأمم المتحضرة في أحكام العدالة، كل ما سبق يعد ترفاً زائداً عندهم، ولا حاجة إليه.
كيف يمكن مواجهة مثل تلك القناعات السابقة المستقرة عند فئات من أهل الحكم، التي أوصدت الأبواب من خلفها، ولم تعد تنصت لأحد، ولا تمد النظر إلى الغد وما بعد الغد…؟ هل يفترض أن يترك الواعون الأمور على حالها، وينتظروا مترقبين لحظة انفجار الصمت، وهي رجم بالغيب… وليحدث ما لا أحد يريده لهذا الوطن؟ وهل سيبقون أسرى المراهنة على الزمن والقدر؟!
طرق أبواب أهل الحكم لن يضير أحداً، ولا يعني ذلك، التخلي عن كرامة ما ولا التضحية بشيء، الخسارة اليوم ألا نجد بضعة أصوات من أهل الحق المعارضين يقرعون أجراس الإنذار حين تنحرف السلطة في قراراتها السياسية أو تتخبط في إدارة الحياة العامة، وتخضع لأصوات "عوير وزوير" النشاز المتحلقين حولها، بعد أن فرضوا رؤيتهم وحققوا مصالحهم الذاتية، وأخذوا يصولون ويجولون وحدهم على خشبة المسرح الحكومي، وكأن الكويت عزبتهم الخاصة.
كم نائباً صدح بالحق حين حُبِس المغردون وأصحاب الرأي؟! وكم نائباً امتعض – غير راكان النصف – عندما أوقف ضاربو الدفوف تعيين سعد العتيبي في منصب رُشِّح له بعد أن قرر مجلس الوزراء مباركة تعيينه، ثم فجأة "تنحرت" الحكومة في مكانها، وجمدت تعيينه خشية ضجيج أبطال الورق، أو حين تم تخطي حق مواطن ما في سلم الترقية، أو ظُلِم غيره، أو فُصِّلت مناقصة أو مزايدة على مقاس زيد وعبيد…؟ أعلم أن المخلصين للوطن والقلقين على مستقبل أجياله، وما أكثرهم، لهم موقف مبدئي من عدم الحوار مع السلطة أو مشاركتها، وهذا مستحق، لكن نسأل إلى أين وصلنا بعد ذلك…؟ فنحن نسير من سيئ إلى أسوأ.
التصنيف: حسن العيسى
اجلسوا مع بعض
حوار وطني، مشروع للتفاهم، محادثات ومصارحة… لكم أن تختاروا ما شئتم من العناوين السابقة، مادام المعنى واضحاً عند السلطة (الشيوخ) والمعارضة من طلاب الإصلاح السياسي بجميع أطيافها ودون استبعاد أي منها، المهم أن يجلس كل الأطراف في مكان واحد، ويتحدثوا مع بعضهم، ويفكروا في إخراج الوضع العام بالدولة من حالة الاختناق الراهنة، وإذا كان بعض الشيوخ من الذين في السلطة (هناك شيوخ نأوا بأنفسهم عن المشاركة في الحكم، بعد أن أدركوا المنزلق الذي تنحدر فيه الدولة) لا يشعرون ولا يدركون حال الدولة السيئ، فأفضل لهم أن يقعدوا في بيوتهم وينزلوا من على كراسيهم العالية، ومن الأولى أن يدركوا أنهم على تلك الكراسي بحكم أسمائهم لا لكفاءاتهم الذاتية، وهذه مصيبة التعيينات في الدولة بكل إداراتها ومن غير استثناء، فشعار "من صادها بالأول عشى عياله" من ركائز الإدارة السياسية هنا.
أفضل، حين يجلس المعارضون مع الشيوخ و"مستشاريهم"، ألا يقدم أي طرف منهما شروطاً مسبقة للحوار، الكل يدرك، مثلاً، أن ائتلاف المعارضة قدم رؤيته للإصلاح قبل فترة، وأهم ما ورد فيها وبتعبير بسيط "حكومة منتخبة" أي أن يكون تشكيل الحكومة من أعضاء المجلس ومن كتلة الأغلبية وبرئيس وزراء "شعبي"، أي من حزب الأغلبية رغم أن كلمة "حزب" من المحرمات في ثقافة كتل عريضة من المعارضين مثل السلف، لا حاجة إلى فرض مثل ذلك الشرط للحوار، ولا يصح أن يُطرَح غيره من شروط، ورغم اليقين بأنها مستحقة فإن اشتراطها بداية سيعني إلغاء الحوار المطلوب في هذه المرحلة من التفاهمات.
في المقابل، على الطرف الآخر في السلطة، ألا يفرض سلطانه وخطوطه الحمراء، كأن يقول إنه لا عودة عن "الصوت الواحد"، ويضع محرماته المسبقة، بألا يقترب أحد من حدود الممنوع في المشاركة السياسية الحقيقية لا "الشكلية"، كالتي نحياها الآن ومنذ عقود ممتدة.
المطلوب الآن فتح الأبواب لكلام صريح بين الطرفين، كلام يعي أصحابه ــ وما أكثر ما أردد هذه العبارة ــ أن الدولة في خطر، خطر من الخارج والداخل، فالمنطقة حولنا تغلي بالصراعات المذهبية، وهي نزاعات اختلطت فيها مصالح لدول كبرى، ولا نعلم إلى أين ستنتهي هذه المخاضات المخيفة، وأي مخلوقات فرانكشتاينية غير "داعش" ستولد طالما ظلت ثقافتنا على حالها، واستمر حكام المنطقة يديرون دولهم بقناعاتهم القديمة رافضين حركة التاريخ وجدلية التغيير الحتمية.
وفي الداخل، هناك أزمة اقتصادية تطل علينا برأسها، غير السياسية الحالية، تتحدث عنها السلطة وتحذرنا من عواقبها، لكنها لا تفعل شيئاً حيالها، أو ربما تخشى ردود الفعل الشعبوية من فواتيرها… وهناك أزمة فساد تستفحل، وأزمات من غير عدد تحيط بنا من زحمة مرور خانقة، إلى أسعار سكن مرتفعة خيالية، إلى بطالة مقنعة وحقيقية، وتدهور في نوعية الخدمات العامة من صحة وتعليم وغيرهما، وهناك رخاوة ولا مبالاة في الوظيفة العامة مع عدم اكتراث لحقوق وكرامات المراجعين للمرفق العام لإنجاز معاملة ما دون روشتة الواسطة أو دون رشوة، وهناك تدنٍّ في مخرجات التعليم… ومع خلطة تلك الأزمات "المغيثة"، يقبع فوقها كابوس قمع الحريات العامة والخاصة، ويتمثل في قوانين وممارسات سلطوية تحاول أن تجتث أحلام الشباب في التغيير والتعبير.
لمَ لا يجلس أهل السلطة وأهل المعارضة مع بعضهم، ليفكروا في حاضر الدولة ومستقبلها الذي لا نقبل أن يكون مجهولاً؟! فلدينا أطفال، نخشى أن ترمى مصائرهم للعبة "القدر"، أو نقول بكلام أوضح، أن يتركوا للعبة العبط والاستغفال والإهمال والجهل.
مع أو ضد الحوار؟
دعوات الحوار الوطني مسألة محيرة وإشكالية، ويصعب علي تبني موقف قاطع يحسم بين "مع أو ضد".
الحوار مع السلطة أو ضد الحوار، كقضية مبدئية؟! إذا فكرت بصوت عالٍ، محدثاً نفسي بحجج المعارضين لفكرة الحوار، كحركة العمل الشعبي ورمزها مسلم البراك ورفاقه، بكل ما يمثله مسلم من ثقل سياسي ونضال عنيد ضد الفساد، ومواقف صلبة بالدفاع عن حريات المواطنين إزاء هجمات القمع السلطوية الأخيرة، فسأنتهي إلى عدم جدوى أي حوار مع سلطة فاقدة المشروعية الدستورية، حين تفردت بحل مجلس 2012 الأول، وفرضت الصوت الواحد، وهمشت شرائح عريضة من المجتمع الكويتي ممثلة في أبناء القبائل، وهي الأغلبية في الدولة شئنا هذا أم لا.
وأتصور أن المعارضين مقتنعون بأنه لا معنى للحوار خارج الدستور، وإذا كانت هناك فسحة للحوار مع السلطة فلتكن في الأطر الدستورية التي تصر السلطة على عدم الاعتراف بها، وماذا قدمت هذه السلطة منذ حل ذلك المجلس، غير المزيد من القوانين القمعية مثل قانون الاتصالات على سبيل المثال، ومحاولات حشر الكويت مع الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون المناقضة لدستور الدولة لتضحى الكويت بلون واحد مع شقيقاتها الخليجيات في عالم رأي السلطة الأوحد.
وقد يضيف رافضو الحوار أن السلطة لم تقدم شيئاً عملياً يفتح الأمل لافتراض حسن نيتها، فأين هي بشائر الأمل حين نشهد ممارسة منهجية لقمع الشباب المغردين لأبسط الأسباب، حين وضعت قفازات اللكم القانونية على قبضتها، وباشرت توجيه اللكمات وضرب الشباب، بلا رحمة، مدمية وجوههم وأجسادهم.
وشهدنا جلداً قاسياً للمواطنين في التظاهرات السلمية المعارضة، وطالعنا وقرأنا أخباراً يومية عن حملات لا تتوقف بزج مغردين في السجون، ثم تناسيهم في معتقلات الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، لا يصح أن يقال بعدها إنه كان حبساً احتياطياً حسب القانون، بل كان تعسفاً وقسوة بالغة في أعمال قانون الإجراءات الجزائية، وهو عقوبة قاسية رامت قطع أيدي المغردين كي لا تلامس لوحة مفاتيح أجهزة الاتصالات… وننتهي اخيرا باستعراضات سحب الجناسي، وهنا أيضاً يقف هذا القانون مع "حق السلطة" بهدر الوجود الإنساني لمواطنين، وترك ذريتهم من الأبرياء منسيين في صحارى المجهول.
ماذا بقى بعد ذلك! الزميل وليد الرجيب عرض بقوة في مقاله بـ"الراي" أمس بعض أسباب رفض الحوار؟
بالمقابل، يسأل الداعون إلى الحوار، وحسن نياتهم مفترض، أين الحل؟! فالحراك السياسي المعارض أضعف من أن يفرض رأياً مثلما حدث في زمن مضى بعد التجمعات الضخمة في قضايا الإيداعات، وهل نتخيل مثل ذلك العسف في إجراءات القمع التي يذكرها المعارضون للحوار، لو وجد في صالة المجلس أحمد السعدون ومسلم البراك وفيصل مسلم وغيرهم من نواب سابقين! فمن المؤكد أنهم (النواب المقاطعين المعارضين) سيضعون سقفاً لتفرد السلطة بإجراءاتها الأخيرة، من سجن المغردين إلى سحب الجناسي وغيرها مثل قضايا المال العام السائب، ومهما ضعف صوت المعارضة بحكم فرض قانون الصوت الواحد، فإن القليل أفضل من العدم.
وإذا كان رياض العدساني النائب السابق الذي طرق باب الصوت الواحد، ووجد نفسه، في ما بعد، مع المجلس الحالي، أنه في سكة "سد" واستقال بعد خيبة أمله في هذا المجلس، ماذا لو كان هناك بعض رموز المعارضة في المجلس وشدوا من أزر رياض في طرح قضايا المحاسبة للحكومة؟
خذوا مثالاً آخر، فنحن لم نسمع غير صوت النائب راكان النصف حين رفض انسياق مجلس الوزراء لجماعات الضغط البائسة لوقف تعيين سعد العتيبي في منصب وكيل وزارة مساعد، هل كان يحدث مثل ذلك اليتم في مواقف الحق، لو وجد أكثر من صوت راكان النصف بمجلس الصوت الواحد، ففي النهاية يردد الداعون لإنهاء المقاطعة للمجلس، مثل "العوض ولا القطيعة"، ويؤكدون قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، فهل يعد طرحهم معقولاً ومتماشياً مع فقه الواقع أم من الواجب قلب هذا الواقع على رأسه كما يطالب المقاطعون… مازلت محتاراً!
مسألة سعد أم قضية دولة؟
قضية سعد العتيبي بوجهك يا سمو الرئيس، والخطاب موجه إليك أساساً وإلى السادة الوزراء الستة عشر، فإما أن نقول إن لدينا دولة ومؤسسات قانونية وقدراً من ثبات ورسوخ قرارات سلطاتها الدستورية، مهما كان هذا "القدر" بسيطاً، ومهما تضاءل في السنوات الأخيرة، وإما أن نقر بأن قراراتكم هي لعبة أطفال هشة تتهشم حين يتلاعب بها حفنة من الأشقياء، يتخفى أتباعهم تحت أسماء وهمية مضحكة بوسائل الاتصال الاجتماعي، يفرضون رغباتهم وأمراضهم على الدولة، ويضربون بحكم العدالة عرض الحائط.
أعرف أن قراراً صدر من مجلسكم يا سمو الرئيس "مشروع مرسوم" بتعيين سعد العتيبي في منصب وكيل وزارة مساعد لشؤون الشباب، وأن هذا القرار اتُّخذ بعد مداولتين من مجلسكم يوم الاثنين الماضي، ويفترض أنه نهائي، ولم يبقَ غير صدور المرسوم، وفجأة، شنّ شلل من الانتهازيين والمزايدين الذين يعلقون على صدورهم لافتات "نحن ملوك أكثر من الملك" حملة على قرار تعيين سعد، بحجة أنه كتب تغريدة قبل أكثر من سنتين يدعو فيها، بكل براءة، إلى إعمال أحكام العدل والمساواة في العمل الرسمي بمناسبة إضراب عمالي، ماذا فعل سعد؟! وأي جريمة ارتكبها، حين عبر عن رأيه في مسألة حق وأراد بها حقاً؟! وهل يصح أن تكون هذه التغريدة فرصة لشنّ حملة بشعة من القوى الانتهازية لوقف قرار تعيين سعد؟! أين نجد معايير الطمأنينة والثقة والرسوخ القانوني حين تصبح قرارات مجلس الوزراء ريشة في مهب ريح، ينفخ عليها جماعات ضغط ومصالح بائسة كيفما شاؤوا، وحسب ما تمليه مصالحهم وشروط لعبة المزايدات؟!
ما أمامك، يا سمو الرئيس، ويا أصحاب المعالي، ليس واقعة "فردية" تتحدث عن سعد العتيبي، بل هي "قضية" تشمل سعد العتيبي وغير سعد، القضية هنا تحمل معنى العمومية، ولا تخص فرداً أو تروي حكاية عابرة، بل هي قضية تشي بمصداقية مفترضة في قرارات المؤسسات التي تدير الدولة، وثباتها واليقين الذي يفترض أن يكرس الطمأنينة والثقة بنفوس المواطنين. هي مسألة لا تخص سعد أو غيره من المواطنين، هي قضية الدولة بالدرجة الأولى، واحترام مؤسساتها لنفسها وثقتها بقراراتها. هي قضيتنا وهي قضية هواجسنا وقلقنا من هذا التردد السياسي عند مجلسكم، ندعوكم إلى التوقف والتأمل بعض الوقت في ما تبقى من هيبة حكم العدل، في هذه الدولة، أمامكم تحديات كبرى قادمة، فماذا ستصنعون عندها؟!
قانون حورية سامي
صور الفنانة حورية سامي، الله يذكرها بالخير، على شاشة التلفزيون أيام الستينيات ماثلة أمامي، فهي "كومبارس ردادة" إذا كانت هناك وفرة في الصوت النسائي للأغاني الكويتية، ثم تصبح مغنية "سولو" إذا عانى التلفزيون ندرةَ المغنيات، ثم تعود، مرة أخرى "كومبارس" حسب الظروف، وتظل تتنقل بين مهام الكومبارس إلى وضع مطربة الشاشة المنفردة حسب الظروف.
وزراء الدولة، لا يختلفون عن وضع الفنانة حورية سامي، فالمرشحون للوزارات، يظلون في مستودع ذاكرة أهل القرار من شيوخنا دائماً، يتم اختيار بعضهم اليوم، ثم يُستغنَى عنهم في تشكيل وزاري آخر، ثم يعود هؤلاء إلى الواجهات الوزارية في تشكيل جديد، وتعاد دورة تبديل الكراسي من وزير احتياط يجلس بهدوء وترقُّب في صالة منزله منتظراً مكالمة تلفونية تستدعيه، مادام من فرقة المرضي عنهم، ولا يصدّع رؤوس الكبار، ولا يبارح منطقة "الموظف الكبير"، بمسمى وزير لينتقل في ما بعد، حسب حظه، من حالة الاحتياط إلى حالة الوزير الفاعل بسلطات الموظف الكبير المحدودة، وتظل حركة "ري سايكل" للوزراء (إعادة التدوير للمنتجات الصناعية) مهيمنة على عقيدة أصحاب القرار، ويبقى الوزراء، ومَن في حكمهم، يراوحون في مكانهم الثابت، دخولاً وخروجاً من الوزارة عبر بوابة "رفولفر" في قصور شيوخنا الكرام، بالوجوه ذاتها، وبالفكر السابق ذاته، لا يتغيرون، فمستودع الاختيار بنموذج قانون حورية سامي، يبقى على حاله مهما تغيرت الظروف وتحديات الدولة.
وعلى هذا لا نستغرب ذلك الإقرار من أهل التخطيط بأن خطة التنمية الأخيرة فشلت، ولا يقبل التعذر بطول الدورة المستندية مثلاً، أو غير ذلك من أسباب لا تشير بإصبع المسؤولية مباشرة إلى علة الديرة وداء الدولة المزمن منذ عقود طويلة، التي تقول إن الخطة فشلت لأن مَن أشرف على وضعها وعجز عن تحقيق أغراضها هو ذاته فاشل، وعاجز عن مواجهة الواقع وتحدياته، فمادام "قانون حورية سامي" لا يتمثل في اختيار الوزراء فقط، بل في اختيار معظم المسؤولين في مؤسسات الدولة كذلك، مع بقائه على وضع "يارب لا تغير علينا"، فلا جدوى من كل الأحاديث المنمقة عن خطط التنمية ووعود الغد، فليست تلك النهاية سوى أحلام يقظة عند الواهمين بقدرة الإدارات السياسية الحاكمة على نقل الدولة من هذا الحال المتردي.
لنقر بأن المصيبة تتجذر في أشخاص القياديين وفكرهم المفلس من الحدود الدنيا للثقافة والعلم الإنسانيين، وعجزهم عن المبادرة الخلاقة والتجديد الأصيل في الإدارة، هم، لا أحد غيرهم، مَن خلق هذا المرض المزمن في الدولة، بكل ما يمثله من رخاوة في تطبيق سيادة حكم القانون، وانتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم، إلى تدهور مؤسسات الدولة وخدماتها في الصحة والتعليم، والأمن وغيرها.
ونتأمل بحسرة وحزن سوء الحال المتجسد في كل مرافق الدولة من مطار بشع وخدمة نقل تافهة، إلى مرور خانق، ومستشفيات ومراكز صحية في حالة يرثى لها في الإدارة، ولو وجد فيها أفضل الأطباء، إلى مدارس ومناهج تعليمية متكلسة تدار بفكر القرون الوسطى وتشكل وصفات ممتازة لتخريج كوادر "داعشية"، وجيل رخو متواكل على عمل الغير، هو جيل شبابي ضحل الوعي الاجتماعي والسياسي، وهو نتاج حتمي للحالة الريعية في الدولة، أما القلة الواعية منه فهي إما في السجون، أو مهدَّدة به، لأنها سرحت بتغريدة أو تظاهرت دون الموافقة المباركة من السلطة، وهناك "فيض من غيض" متمثل في أزمة مرور خانقة، إلى غلاء غير معقول للأراضي السكنية، وهناك المشروعات المتوقفة المنسية من استاد جابر إلى مستشفاه إلى جامعة الشدادية، وقوائم النسيان واللامبالاة السياسية طويلة ممتدة، تتوه في دهاليزها ذاكرة الحسرات، ويكاد يكون عدها وحسابها ضرباً من الخيال.
وتبقى أحوال الفشل والفساد على حالها، أبوابها مشرعة، للطامحين المقربين مع تهميش للغير وقضايا الغد، ويصبح المستقبل مجهولاً تغشاه وساوس القلق و"اللا يقين" والخوف على مستقبل وحلم الأجيال، مادامت تلك الجماعات المستفيدة تنظر إلى الدولة كما ينظر أصحاب المخيم إلى مخيمهم بعد انتهاء وقت التخييم الربيعي، فهذا له الثلاجة، وذاك سيأخذ خيمة الجلوس، بينما قبض الآخر الملايين واستثمرها في الخارج وضمن مستقبله ومستقبل سلالته من بعده قروناً قادمة، إن لم يكن حرز عليها في "كبت أمه"، وتُرِكت أرض المخيم يباباً مهجوراً، إلا من أكداس قمامة مهملة، يتحلق حولها أطفال الغد، يجلسون من غير غطاء خيمة يظلهم من وهج شمس الصيف الملتهبة، فقد طارت، بالأمس، الطيور بأرزاقها، فهذا هو قانون حورية سامي، وهذا دستور مخيمات ربيع القلة الشطار.
هل وصلنا للقاع؟
لم يكن، في يوم من الأيام، احترام الدولة الكويتية وثقلها في المجتمع الدولي راجعاً لثرائها ولا لحجم إنتاجها النفطي أو غير ذلك من الأسباب، فلم تكن هناك أي ميزة لهذه الدولة عن غيرها من دول الجوار بالمنطقة، سوى دستورها وما يقرره هذا الدستور من مبادئ الحريات وما يفرضه من الحدود الدنيا لديمقراطية مقيدة بسلطات أسرة الحكم، ديمقراطية تخلو من معيار تداول السلطة وتحرم الأحزاب وتفوض السلطة التنفيذية التي كانت دائماً تحت هيمنة الأسرة الحاكمة بسلطات "واقع" ممارس بعيد عن نصوص الدستور.
أياً كان الوضع السياسي بالكويت في سالف الأيام، من محدودية هذا الواقع الديمقراطي إلا أنه تصدق عليه مقولة "مفتّح بين عميان".
هذا الاستثناء الكويتي لم يعد قائماً اليوم، وأصبحت الدولة "عمياء بين عميان" ليست من أفضل من شقيقاتها الخليجيات، ولا تتميز عنها بأمر ما، وإن تميزت عنها في مضمار التنمية الاقتصادية ونوعية الخدمات التي تقدمها تلك الدول لمواطنيها، أصاب الدولة هذا "العمى" منذ لحظة حل مجلس 2012 الأول، وما أعقبه من فوضى انفراد أسرة الحكم بتسيير مقادير الدولة دون رقيب. بطبيعة الحال، لا يعني ما سبق الحل الأول لمجلس 2012 أن الدولة، كانت تحيا "يوتوبيا" الديمقراطية، وكانت واحة للحريات، فقد كان الوضع العام، وبالتحديد، مع عمر ذلك المجلس القصير، صورة من "شعبوية" الأكثرية، وجهدت تلك الأكثرية لفرض رؤيتها المتزمتة من خلال بعض مشاريع القوانين التي تناقض الحد الأدنى لحرية التعبير، إلا أنه يحسب لذلك المجلس بعمره القصير، وقوفه بصلابة لقضايا الفساد المالي وجرائم استغلال النفوذ في الدولة، ومحاولاته للحد منها، ويدفع، في هذا الوقت، رموز ذلك المجلس المنحل ثمناً غالياً لتك المواقف الصادقة.
الآن، تحيا الدولة بعتمة قاتمة لحريات الضمير، فقد أصبح أمراً عادياً أن نطالع خبراً، بين يوم وآخر، عن حبس مغرد حبساً احتياطياً وحجز حريته، وتمديد فترات الحبس دون حكم القانون، حين "يتناسى" أصحاب السلطة الضبطية إحضار المتهم بجرائم الرأي في الوقت المحدد أمام المحكمة للنظر في أمر حبسه الاحتياطي.
وتحت ذرائع واهية مثل "الأمن الوطني، المصلحة العليا للدولة، النظام العام، المساس بالثوابت الدينية"، وغيرها من عبارات "الغموض الاستبدادي" التي تحفل بها قوانين الدولة، وهي قوانين "دراكونية" لا أكثر، خلقتها السلطة بداية، وتعذرت بها لمصادرة الحريات السياسية للمعارضين، أضحينا في هذا الزمن الكئيب في جحيم الشك واللايقين من كل كلمة تسطر على شاشة تلفون أو آيباد أو كمبيوتر، وما يترتب عليها من احتمال ترويع أصحابها وفق مزاج أهل السلطان.
قضية اليوم لا توجز في احتجاز كاتب ساخر من مرارة الوضع بالدولة، كأن يكون مغرداً له "كاريزما" (تعبير محطة بي بي سي عنه) قوية في عالم "تويتر"، مثل محمد العجمي (بوعسم)، بعد أن وجدت السلطة ضالتها في اتهامه بازدراء الدين، حين أصبحت هي أكبر مشايخ السلفية والمدافع الأعظم عن الأحاديث النبوية، أيا كانت قوة إسنادها أو تعارضها مع مقاصد الشرع، فالكثيرون يدركون أن جريمة "بوعسم" هي نقده لفقهاء السلطان لا أكثر، لكن ليس بيت القصيد "بوعسم" ولا غيره من الشباب القابعين في السجون، لمجرد أنهم عبّروا عن فكرهم بجمل بسيطة محدودة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليست القضية الآن محدودة بسحب جناسي مواطنين معارضين، تحت بند النصوص الاستبدادية الغامضة، محور الألم اليوم والقضية هي البحث عن إجابات عن أسئلة من شاكلة ما إذا كنا قد وصلنا للقاع في قضايا حقوق وحريات الإنسان، أو مازالت ممرات الغرق أسفلنا عميقة! وماذا بقي من رصيد الكويت وسمعتها في المجتمع الدولي!
وهل نحيا اليوم في دنيا رواية أورويل 1984 بشعارها المخيف "الأخ الأكبر يراقبك"، بعد أن أضحت دولتنا "ليست استثناء للحال العربي والخليجي"، بل تجسيداً لهذه الحال المزرية، يا خسارة..
أين موقعنا من الإعراب؟!
كتب طارق عثمان في دورية "فورن أفيرز"، العدد الأخير، مقالاً موجهاً إلى الطبقة الوسطى في العالم العربي، مخاطباً إياها (ربما يقصد الفئات الواعية المثقفة من تلك الطبقة) بأنه لا يوجد طريق وسط أمامها، فالأنظمة العربية ومع بدايات الربيع العربي ثم الانقلابات المضادة عليه، بدأت سياسات رفع الدعم عن سلع وخدمات، وبدأت فرض الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة، وطرحت مشروعات للبنية التحتية التي تستفيد منها القلة التي تدور في فلك السلطات الحاكمة، وصاحَب تلك التغيرات جهد كبير من السلطات الحاكمة لتقليص حقوق وحريات الأفراد وقمع كل صوت معارض لها، رافقه تدهور في وضع الفقراء، أمام ذلك ستجد الطبقة الوسطى أنه لا خيار أمامها سوى الاصطفاف مع المحرومين، ومواجهة جماعات الفساد المتحلقة حول الأنظمة، وأهم من كل ذلك عليها تقبُّل تضحيات اقتصادية حين يبدأ مشوار الإصلاح الاقتصادي.
ويضرب الكاتب مثلاً بدول شرق أوروبا في التسعينيات من القرن الماضي، حين قدمت الطبقة الوسطى فيها تضحيات كبيرة من أجل الإصلاحات الاقتصادية، وبدأت الآن في قطف ثمار التضحية.
أياً كان موقف الكاتب طارق عثمان في طرحه الضمني بأن الإصلاحات الاقتصادية تعني إطلاق قوى القطاع الخاص، وتقليص الهيمنة الاقتصادية للدولة، يبقى القول بأن الكاتب يشخص، واقع دولنا العربية، ويحدّد مرضها المزمن بأنظمتها المحتكرة للقرار السياسي واستشراء قوى الفساد المتنفذة فيها.
واقعنا يشي بأن الفوضى المدمرة (لا الخلاقة) ستكون مصير دولنا، بعد أن تركزت فيها الاستقطابات الطائفية الدينية وتقاطعت مع النعرات القبلية، مع انحياز السلطة الحاكمة إلى طائفة وقمعها للأخرى، وغذت بحماقة، روح العصبية لهذه الطائفة أو تلك كي تلتصق كلتاهما بنظام الحكم حين ترى فيه حبل نجاتها الوحيد، ولو أنه حقيقة حبل سيلتف حول رقبتها ورقبة مستقبل الدولة.
نشهد اليوم، في عدد من الأقطار العربية انتكاساتها عن مسار الربيع، لتقع في خريف وجودها ببركة تحالف أنظمة حكم الثورة المضادة، ودفعها إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 2011، إن لم يكن أسوأ، والنتيجة الحتمية هو ما نشاهده اليوم في العراق وسورية، وفي الطريق دول أخرى إن ظلت الأمور على حالها، حين اختلطت بذور الجهل والتخلف الفكري والنعرات الطائفية بأنظمة حكم جاهلة ومستبدة في وعاء واحد، فتمخَّض الرحم العربي ليلد لنا مسخ العصابات الداعشية وما سبقها في مضمار الرعب الإجرامي، وكلها نتاج التهميش الطائفي، وقبل ذلك نتاج أنظمة الحكم التسلطي، وغياب المشروع الحضاري التقدمي عن فكر تلك الأنظمة، التي هي أقرب ما يكون إلى قطاع الطرق، وقبائل تغزو وتسلب غيرها من القبائل، من أن تكون سلطات حاكمة.
أين موقع الكويت مما حدث وسيحدث؟ وهل ستبقى حالة الصمت واللامبالاة والخدر من "طبقتنا الوسطى" إلى أن ينزل الفاس بالراس.. لا قدر الله؟!
مازلنا على طمام المرحوم
مضى أكثر من ثلاثة أشهر على نشر تقرير "الشال" الاقتصادي، الذي يمكن اعتباره أقوى جرس إنذار للحكومة ولأصحاب السلطة، والذي حذّر من الكارثة الاقتصادية القادمة في ما لو ظلت أمور الدولة على حالها من الميوعة السياسية وغياب الأولويات عندها وعند مجلسها النيابي، فلا يبدو أن أمراً ما يشغل هواجس الحكم، في أشهر صيفنا الثقيلة غير قضايا ملاحقات أصحاب الرأي، مع تزايد نشاط سلطة الحكم لإصدار المزيد من التشريعات لقمع الرأي وفرض الرقابة المسبقة عليه، كمشروع قانون الرقابة الالكترونية، أو سياسة تكريس استتباع جمعيات النفع العام لهيمنة وزارة الشؤون، التي تصبح، يوماً بعد يوم، ومثلها بقية وزارات الدولة ومؤسساتها، مرآة عاكسة لوزارة الداخلية، بما لها من سلطة بطش وقمع.
يستشهد تقرير "الشال" برأي كل من الشيخين د. محمد صباح السالم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية السابق، والشيخ سالم الصباح محافظ البنك المركزي ووزير المالية السابق، حين حذّرا من تصاعد الإنفاق العام للدولة مع ثبات أسعار النفط، والنتيجة هي "تآكل حتمي للاحتياطيات المالية خلال خمس سنوات…" وأيضاً، وهنا مربط الفرس، أكد د. محمد الصباح، مستشهداً بتقرير المجلس الأعلى للتخطيط، حقيقة أن هناك فساداً في القيادات الإدارية للدولة، يرافقه قصور تشريعي في ملاحقة من انتفخت جيوبهم من المال العام.
وينتهي تقرير "الشال"، بعد أن أوجز قناعة الشيخين الحريصين، بعبارات تلخص واقعنا، إلى أن "ثالوث الهدر والفساد وسوء الإدارة قد يودي بمستقبل البلد، ومعه يبقى كل الحديث عن التنمية مجرد سراب".
من يذكر اليوم ذلك التقرير، أو يتذكر محاضرة الشيخ محمد الصباح أو تحذيرات الشيخ سالم الصباح؟ هذان الشيخان خرجا من الوزارة، وربما، من العمل السياسي، بعد أن أزكمت قضايا الفساد الأنوف، ولم يعد بإمكان أي منهما البقاء على كرسيه العالي و"الصهينة" واللااكتراث، مع تصاعد صخب دوي صوت أجراس ثالوث الدمار "الهدر والفساد وسوء الإدارة"، أما صاحب تقرير الشال جاسم السعدون، فينطبق عليه قول الشاعر "لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً".
مضى أكثر من ثلاثة أشهر على تحذيرات التقرير وأصحابه، لم نقرأ، ولم نطالع خلالها خبراً يتيماً من أهل القرار يطمئن العقول القلقة على مستقبل الدولة، وأضحت أحلام الواعين من شبانها وشاباتها، كوابيس تحرقهم ببطء على جمر القلق والمجهول.
ماذا حدث في أشهر الصيف الملتهبة غير تناقل أخبار قمع الرأي بسياسة الملاحقات القضائية أو بسلاح سحب الجناسي الخطير؟! غير ذلك، لم يحدث شيء، فنحن على حالنا القديم، مازلنا على طمام المرحوم.
نضحك أم نبكي على الخيبة؟
هل هي "جناسي" أم أكياس "قرقيعان" رمضانية وُزِّعت على أطفال في منتصف الشهر الكريم… التعليق هنا يخص تصريح النائب صالح عاشور عن قيام الحكومة بتجنيس 200 ألف مواطن منذ التحرير، والذي تصدَّر "مانشيتات" صحيفتي القبس والوطن أمس، هل مثل هذا الرقم المخيف (أو ما يقاربه) صحيح أم أنه من وحي خيالات وأوهام النائب؟! وأين نحن اليوم، هل نستظل بطمأنينة ويقين أكيدين تحت غطاء راسخ لدولة تحتكم إلى سيادة القانون، أم أننا في جاخور أغنام يتاجر أربابه بقطعان الغنم كما يحلو لهم؟!
تصريح خطير، يفترض أن يُحاسَب عليه سياسياً كل المسؤولين السابقين والحاليين، في ما لو صحت معلوماته، دون أن ننسى المساءلة القانونية، هذا إذا كان لدينا قانون ومؤسسات!
ما مناسبة مثل هذا التصريح الفضيحة؟ وإلامَ يرمي من ورائه النائب عاشور؟ ربما وُفِّق في تصريحه، عند أصحاب القرار، إذا كان يقصد أن "يبرد" للسلطة، ويسوِّغ ما يجري الآن في "شو" حفلات سحب "الجناسي" من معارضيها، وكأنه يقول إن آلاف الجناسي مُنِحت لمن ليس له حق فيها، وهذا ليس بأمر جديد في الثقافة السياسية، وما يتم هذه الأيام من عمليات السحب هو "تصحيح" لوضع قديم منحرف، كانت الحكومات السابقة ووزراء الداخلية المتعاقبون تسببوا فيه، والآن يتم تعديل المعوج، بسحب "الجناسي" من مواطنين اغتصبوها على خلاف القانون، لذلك يطلب (عاشور) الصمت وغلق الأفواه من جميع المعترضين على أفعال السلطة، حين تسحب جناسي البعض، أم يريد النائب، "القريب" من مؤسسة الحكم، أن يضع الأمور في نصابها الصحيح، وبالفعل يريد كشف حقائق مؤلمة كي تتم محاسبة مَن تسبب في تلك الجريمة، ويصعب عليّ أن أبتلع مثل تلك "النخوة" المفاجئة لحكم القانون من حضرة النائب، ويا ليتني على خطأ في تقديري.
مهما كانت مرامي النائب، فسنجد أنفسنا مفجوعين بما حدث ويحدث، فإذا صحت معلومات النائب، فهذه جريمة كبرى تضرب خاصرة "المصالح العليا" للدولة، كما تتكرر تلك العبارة، دون كلل، في الخطاب السلطوي حين يبطش أصحابه بحريات الناس وحقوقهم تحت أي ذريعة يجدونها في نصوص قانون يتوسع ويضيق في تفسيره كما يريد فقهاء السلطة، وإن لم تكن تلك المعلومات صحيحة، بل كانت مختلقة، أو مبالغاً فيها، فهذه مسؤولية النائب وناخبيه.
ما مشاعر آلاف "البدون" من المنسيين والمستحقين للجنسية وهم يطالعون مثل هذا الخبر عن الاتجار الحقيقي أو الوهمي بوثائق الانتماء إلى الوطن؟ وكيف لنا أن نطمئن إلى مستقبلنا ومصير أبنائنا، في ظل هذا الفكر السائد في الدولة.
العقل زين
يكفي الكويت في هذه الأيام البغيضة سياسة العقاب اللاإنساني من السلطة بسحب الجناسي عن غير المرضي عنهم سياسياً من المواطنين وبحجج العبارات المطاطة التي يضج بها قانون الجنسية، والتي تخرق الشرعية الدستورية، يكفي الكويت مثل تلك الممارسة التي يجب أن يوضع حد لها، فلا يصح أن تكون تلك السياسة العقابية باباً للاستثمار الطائفي من قبل بعض النواب أو السياسيين المنزوين تحت ستار المذهب، حين ينفخون في جمر الطائفية تشفياً وتحريضاً للسلطة على الغير، ولا يشفع لهؤلاء المتحمسين لسياسة سحب الجناسي أن يكون هذا "الغير" من المواطنين كانت له مواقف، هي بدورها، طائفية، فحين يمتعض شيعة الكويت من خطب المواطن نبيل العوضي على سبيل المثال، التي، تدور، عادة، في فلك إدانة "الصفوية" وأتباع الصفوية، وكأن شيعة الكويت يتحملون وزر جرائم بشار الأسد، أو كأنهم فقط جماهير متحمسة لحسن نصر الله، لا يصح أن تكون واقعة سحب جنسية نبيل، الذي يمكن وصم عقوبة السحب عليه باللامشروعية، مناسبة للتذكير بسحب جنسية ياسر حبيب، أو يتم استحضار وقائع من سحبت جناسيهم في الثمانينيات من القرن الماضي من الشيعة، نتيجة مواقف سياسية من الثورة الإيرانية في ذلك التاريخ، فالمبدأ واحد هنا، هو إدانة عقوبة سحب الجنسية بالمطلق سواء كان موضوع العقاب ياسر حبيب أو سليمان بوغيث أو غيرهما، ولا يصح أن يستثنى من هذا المبدأ غير حالات "التزوير أو الغش" في الحصول على الجنسية، وحتى في هذا الاستثناء يجب أن يكون سحب الجنسية خلال زمن معقول من كسبها، فلا يصح أن يترك العلم بواقعة "الغش والتزوير" لزمن طويل، ويصبح أبناء وذرية من كسبها ضحايا لا ذنب لهم بما فعل الأب أو الجد منذ عقود طويلة، أو يكونون موضوعاً للابتزار السياسي من السلطة في حالة اعتراضهم على ممارساتها.
الكويت لا تتحمل اليوم هذا الاستقطاب المذهبي الذي يمارس من جماعات غير مسؤولة من بعض البارزين عند السنة والشيعة على حد سواء، فما يحدث حولنا خطير، فمع بداية الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حين فتح صندوق "بندورا" لشرور الحرب الأهلية هناك، وما تبع ذلك من نتائج الربيع العربي، المتمثلة في تفجر الأورام العرقية والمذهبية في المنطقة، والتي لا يمكن إعفاء أنظمة الحكم من التلاعب بها واستغلالها تحقيقاً لمبدأ فرق تسد، أضحت المنطقة على كف عفريت. تعقلوا، وكونوا على مستوى المسؤولية في هذه المرحلة الحرجة.