بالأمس كانت ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تتذكره الدول والشعوب الواعية، أما في مثل دولنا فهو مجرد يوم عادي من الأيام، "وترف" سياسي لا معنى له في مزاعم خصوصيتنا العربية الإسلامية، كما تتنطع بهذا أنظمتنا الحاكمة التي اهتزت قليلا بالربيع العربي، ثم عادت بأقوى مما كانت وبانتهاكات أشد لحقوق الإنسان باستثناء تونس الرائعة.
من صدف الذكرى أنه في مكان ولادة الإعلان بالولايات المتحدة، والذي خرج للدنيا بجهد كبير لأرملة الرئيس فرانكلين روزفلت بعد ولادة الأمم المتحدة، أن تحدث الآن زوبعة كبيرة على تقرير لجنة الكونغرس الأميركي لعمل "سي آي إيه"، وانتهاكات الأخيرة حقوق الإنسان في تعذيب المتهمين بقضايا الإرهاب بواسطة "ووتر بورد"، أي بخلق شعور الغرق عند المتهم المستجوب، ولأن لديهم صحافة حرة ولجاناً نيابية تعمل وتكترث للإنسان، وليس مثل معظم لجان مجلسنا التي لا تحترم ولا تلتزم بجداول أعمالها ولا يحضر الأعضاء اجتماعاتها، هناك عاصفة رهيبة في مسائل الشفافية حول عمل أجهزة الأمن الأميركية، ومحاسبة مستحقة من الواعين، مفادها أنه لا يجوز خرق معايير حقوق الإنسان، بحجة ضرورات الأمن القومي والمصلحة العليا للدولة.
وأيا تكن نتائج التحقيق في أعمال المخابرات الأميركية، فالقضية لا تصلح لتعيير انحرافات الإدارة الأميركية بذلك، وتشمت الكثير من المزايدين الانتهازيين عندنا بأوضاع حقوق الإنسان هناك، فنقد مسلك وجرائم السيد الأميركي يصح أن يصدر من دول وجماعات تحترم حقوق الإنسان على أرضها بداية، وليست دولنا منها، فلا هي الدنمارك أو السويد في معايير حقوق الإنسان، وليست محاكمها تحاكي محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.
لمثل هؤلاء الشامتين يمكن أن نقول لهم تحسسوا الجرار الضخمة (وليس البطحة الصغيرة) التي على رؤوسكم قبل نقد الآخرين، تحسسوا، مثلاً، جرة سحب الجناسي عن مواطنين لا لسبب غير مواقفهم المعارضة للسلطة، تحسسوا جرة المحاكمات والملاحقات لأصحاب الرأي من المغردين حين قبع بعضهم أياماً وليالي في السجن لكلمات عابرة، تحسسوا الأكياس الثقيلة فوق رؤوسكم حين أودع في السجون عدد من الشباب الذين خرجوا في تجمعات سلمية يطالبون بوضع حد للفساد، ولمجلس حامل الأختام الحكومية، تحسسوا الأكياس الثقيلة حين حرم أطفال البدون من الدراسة بحجة عدم تقديم شهادات الميلاد، رغم توافر بلاغات الولادة… تحسسوا أوضاع ومعاناة البدون، تحسسوا مشاريع القوانين من حكومة "لا تجزع إحنا بخير"، ومجلس البصامين كمشروع الرقابة على الإنترنت، وخياطة أفواه شباب الجامعات من حق التعبير عن آرائهم السياسية.
تحسسوا كل ما سلف وأكثر من ذلك في بلد المركز الإنساني… قبل أن تحاضروننا عن أوضاع حقوق الإنسان بدول الغير… اصمتوا رحم الله والديكم… فقد شبعنا رياء.
التصنيف: حسن العيسى
مر ظبي سباني
أين تبدأ في تحديد العطب في هذه الدولة! تتوه، ولا تعرف، فمثلاً مع مانشيتات جرائدنا أمس الاثنين أصبح حالنا مثل حال السيد «خراش»، الذي تكاثرت عليه الظباء، فضيّع بوصلة صيده، ولم يصطد ظبياً واحداً، وتكاثرت «مانشيتات» الأخبار الصحافية، التي نقلت حالة الضياع، فأصبحت خراشاً كويتياً ضائعاً مع ضياع الإدارة للخروج من نفق كارثة أسعار النفط، فمثلاً «الوطن» تنقل عن مصدر حكومي مسؤول (بينما، حقيقة، لا يوجد عندنا مسؤول يتحمل عبء المسؤولية، ولو وجد لما كان مسؤولاً أصلاً في جهاز الدولة) أن الحكومة ستراجع «مخصصات القياديين»، مع ان واقع أزمتنا ليس مخصصاتهم… أزمتنا هي القياديون أنفسهم، فموقع «دروازة» ينقل لنا أن عدداً من القياديين تجاوزت خدمتهم 30 عاماً وأحياناً 43، من بينهم عشرون في الديوان الأميري، وثلاثة عشر في مجلس الوزراء… ومع ذلك مازال «الشباب» القياديون «مجلبين» (متمسكين) بمراكزهم، يعني هم مسمار بلوح، وجبال لا تهزها الرياح. وبالمناسبة، من منا يذكر وكيل وزارة خدمات تمس طرق الدولة ودوربها المتعرجة، مر عليه وزراء كثيرون، وتشكيلات وزارية عديدة، وقضايا فساد ليس لها أول ولا آخر، ومع ذلك ظل صامداً جبلاً لا تهزه الريح، على ذلك، لماذا يقولون إنه لا توجد جبال في الكويت، إذا لم يكن هؤلاء جبالاً فماذا يكونون إذن؟!
أما مانشيت «الجريدة» فيتحدث عن فشل اجتماع السلطتين، وكان اجتماعهم غير مثمر…! غريب، أنا كنت أتصور أنها سلطة واحدة بوجهين، حكومي ومجلسي، فكيف تفشل السلطة مع نفسها، ما لم يكن الفشل في تشخيص العلة هي أنفسهم؟، وأكرر من جديد هي القياديون بذواتهم العالية، وهم ليسوا قاصرين على جهاز الإدارة المذكور، بل نجد نماذجهم تتكرر في أعلى المراكز الإدارية والسياسية، وتغير أسماء الوزراء أو الوكلاء لا يعني تغير الفكر المهيمن في إدارة الدولة، فما جدوى منصب «قيادي» إذا كان هو في النهاية موظفاً كبيراً عند موظف أكبر، والأخير بدوره موظف عند آخر أكبر منه… ثم تنعكس صور المرايا للأسفل، ولبقية كل الجهاز الإداري في وظائف الدولة، عطالة وفقدان روح المسؤولية وتواكلية، ومن يلوم الصغار، إذا كان قدوتهم مثل هؤلاء الكبار؟!
أما «القبس» فنقلت، تقييم البنك الدولي عن ميزانية الدولة وغياب الرؤية الاستراتيجية عنها، وقد أسمع البنك الدولي لو نادى حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.
جريدة الراي، كذلك نقلت عن مصدر «مسؤول» في دولة المسؤولين تصريحاً يطمئن المواطنين، بأنه لا ضرائب ولا رسوم، وأن سد العجز لن يكون من السحب من الاحتياطي، إنما بالاقتراض الدولي، «خوش حجي»، اقترضوا من الخارج والضمان المالي (الرهن) قد يكون من الاحتياطي.
قبل «مانشيتات خراش» كنت أقرأ في كتاب رصين عن تجربة دول شرق آسيا، ومثالها الفذ، اليابان، وكوريا، والصين، وسنغافورة، وفيتنام، هي دول قفزت للحداثة والتنمية المستدامة عبر سلم أجهزتها الإدارية، ومن بوابة عنصر «الجدارة» والكفاءة في الوظيفة القيادية، وليس من ثقوب «هذا ولدنا»، ففي اليابان، الأفضل تعليماً، وبعد اختبارات صعبة يتم اختيار الشخص للقيادة في الجهاز الإداري، وقبل التعليم هناك عنصر الإخلاص للوطن والولاء للإمبراطور الذي يسود ولا يحكم، لكن أين نحن من اليابان… هي بلد مصانع تويوتا، ونحن من بلدان مزايين الإبل؟ خراش الياباني لا يتوه، ويصيد كل الظباء دفعة واحدة بمصانع سوني، بينما «خراشنا» مازال يترنم بصوت «مر ظبي سباني» في بلد لم يعد فيه ظباء، فقط تتمدد فيه مرتاحة القطط السمان!
درب المرض
إذا لم تكن مريضاً فستمرض، حتماً، في الطريق إذا كنت ذاهباً لزيارة مريض في منطقة الصباح الطبية، وهذا ما حدث لي يوم الخميس الماضي حين زرت مع ابن عمي قريباً مصاباً في حادث سيارة في مستشفى الرازي للعظام، تهنا في الطريق، أعتقد أنه كان شارع جمال عبدالناصر، لم يكن شارعاً تحت التصليح، وإنما كان تعرجات بشكل مسار حلزوني تتخلله مطبات وحفر أسفلتية، ومن دون لوحات إرشادية تسبب دوخاناً وشعوراً بالاستفراغ من الطريق ومن الفكر الذي يدير بلد هذا الطريق المجهول. قضينا أكثر من ساعة نحاول البحث عن المستشفى، وثقنا بـ«الهقوة» للاستدلال على المكان، و»الهقوة» تعني التخمين بلهجتنا العامية، كأن تقول مثلاً «تهقه» ماذا سيكون مصير الدولة إذا استمرت حالة انخفاض برميل النفط… والإجابة المعروفة أن نترك الأمور على بركة المصادفة، وهو النهج الذي تسير عليه العقلية الحاكمة منذ عقود، بأن تترك الأحداث تقودها، مقتدية بحكمة تواكلية مفادها «اللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»… فماذا تشوف العين الكويتية للغد غير الكسافة؟
ظل رفيق درب الأفعى الحلزوني عادل السلطان «يتحلطم» (يشكو) من ناحية، ويقارن حالنا بدبي من ناحية أخرى، فهو يقول إنه لو كان مثل هذا المشروع لبناء جسور خط سريع في دبي لوجدت هناك خلية نحل تعمل ليلاً ونهاراً لإنجازه في زمن قياسي، لكن انظر لعدد العمال الذين نراهم يعملون الآن هنا… كم عددهم،، عشرة أو خمسة عشر عاملاً… على ذلك بعد كم قرناً سينتهي هذا المشروع وغيره من المشاريع المنسية؟ وأين جواب وزير الأشغال عن موضوع طرح في جريدة «الوطن» قبل فترة، حول أسباب تعطل المشاريع الحكومية؟ كما كشفت عنها هيئة القوى العاملة «… أن أعداد العمالة المسجلة على تلك الشركات كبيرة، إلا أن الموجودين منهم قلة. فكيف يمكن لشركة أن تنجز المشروع المكلفة به، والذي يتطلب 523 عاملاً بحسب تقديرات الشركة، وتم منحها فعلاً تصريحات عمل لهذا العدد من العمالة، بينما من يعمل في المشروع 24 عاملاً فقط؟»…، ويقفز عادل متسائلاً بسخرية: ماذا تعرف عن استاد جابر؟ أين هي المشكلة؟ أين الخطأ؟ ماذا قالت الحكومة عنه؟ هل نسيته أم نحن نسينا؟ ماذا و«ماذات» كثيرة دون حصر لكل هذا الكم من الرثاثة واللامبالاة في الدولة، من مرور إلى تعليم، إلى خدمة طبية… ويضيف عادل أنه عندما كان سعر البرميل مئة وعشرين دولاراً مثلاً، كانت الحالة العامة مزرية، فماذا يكون وضعنا اليوم مع سعر الستين دولاراً للبرميل… «اقبض مشاريع وإدارة من دبش»…!
فكرت أنه في الماضي كانت السلطة تعلق جرس التأخير والعطالة على رقبة النواب المعارضين، وكانت تقول لنا ضمناً إنه لا توجد برلمانات مزعجة عند أشقائنا الخلجيين…! والآن تغير الوضع… المجلس في جيب الحكومة تقريباً… فما هو عذر السلطة؟!
وصلنا إلى مستشفى الرازي في النهاية، كان المستشفى الرث عبارة عن ورشة ضوضاء مزعجة لتصليحات لا تنتهي، هي تعمل لراحة المرضى المكسرة أطرافهم في حرب الشوارع… وحرب الشوارع اسم فيلم في الثمانينيات للمخرج المبدع عبدالمحسن حيات… لا أعلم لماذا توقفت إبداعاته…؟ ربما وجد التقدير الأكثر من مناسب من بخصاء الإدارة الكويتية… وليس هذا جديداً علينا في زمن «أم أحمد العجافة»، وهو زمن الذين يتم تقديرهم وتبجيلهم، ويصلون إلى المراكز العليا في ديرة «حاضر طال عمرك».
شاهدت ابن أخي نايف المصاب متمدداً على السرير، والضمادات تلف كل مكان من جسده العليل، بحثت عن سرير بقربه ألقي نفسي عليه بعد إعياء درب المرض الكويتي… متى نشفى منه…؟ ومتى تشفى هذه الدولة من أمراض الفساد وسوء الإدارة… الديرة «دمرت» يا سادة.
يقرأ ويكتب
عنوان خبر مانشيت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمس «أشتون كارتر من عالم الجزيئيات (Particles) إلى وزارة الدفاع»، كان الخبر بمناسبة تعيين كارتر وزيراً للدفاع بعد إقالة هيغل، الوزير الجديد باحث أكاديمي وأستاذ فيزياء، وأيضاً يحمل شهادة عليا في تاريخ العصور الوسطى، وبدأ العمل في البنتاغون منذ بداية التسعينيات، وله بحوث وآراء متشعبة في قضايا الأمن القومي… هل يعد أشتون كارتر فريداً بتاريخه الجامع بين دفتيه البحوث العلمية والعمل السياسي؟ لا، لو نظرنا، مثلاً، إلى معظم أشخاص الإدارة الأميركية، أو غيرها من الدول التي حفرت اسمها في التاريخ من الغرب أو الشرق «أي من دول السنع»، وهذه تسمية المرحوم محمد مساعد الصالح عن الدول المتقدمة، نجد أن سجلاتهم الشخصية مدون بها إنجازات علمية وأكاديمية كبيرة، مثلاً الرئيس أوباما ذاته أيضاً هو محام وأستاذ بكلية القانون جامعة هارفرد، التي تعد أعرق جامعة في العالم، ومن سبقه من رؤساء وعاملين في الإدارات السياسية لا تقل شهاداتهم وبحوثهم العلمية عن كارتر أو أوباما، انظروا أيضاً إلى معظم جنرالات الجيش هناك تجدوا أغلبهم لم يصلوا إلى مراكزهم العليا عبر تحية العلم ووصفات وعبارات مثل «حاضر سيدي»، أو «آمر طال عمرك» على الطريقة العربية أو الكويتية، وإنما قدموا البحوث والدراسات العميقة في مجالات كثيرة، وهم يحملون أيضاً شهادات عليا من جامعات راقية، وليست دور «كتاتيب» جامعات خاصة أو عامة، هي أقرب ما تكون إلى بقالات مزرية بدولنا، والتي يتراكض إليها الكثير من شبابنا حتى يجدوا الوظيفة الإدارية المريحة في مؤسسات دولة «تعال باجر المدير باجتماع».
النقطة الأساسية في الموضوع هي أنه في العالم المتقدم، تكون معايير الاختيار للوظيفة القيادية وحتى العادية هي «الجدارة» (مريت سيستم)، وليس فيها اعتبار الموازنات العرقية والطائفية والقبلية والعائلية، وهذا محسوب على الشيخ الفلاني، وذاك الوزير، أو القيادي من «معية» ذلك الشيخ… إلخ… حتى لو افترضنا أن من يتم اختيارهم، عندنا، من أصحاب الجدارة إلا أن جدارتهم سرعان ما تذوب سريعاً، مثل الملح بالماء في كوب المشيخة… بكلام آخر تظل علاقة «الزبائنية» والمحسوبية لصاحب السلطة أقوى من حكم القانون والمؤسسات إن صح أن نطلق على هاتين الكلمتين نعت «قانون ومؤسسة» بتجرد!
في مثل ظرفنا اليوم، مع مواجهة خطر نضوب مالية الدولة لتدني أسعار النفط مع إدارة «حيص بيص» المحتارة، هل سنصلح من أمرنا، ونواجه الواقع وتحدياته بفكر وعزيمة أشخاص من أهل الكفاءات والإخلاص للوطن، أم سنظل على «طمام المرحوم» ونكتفي بشهادة «يقرأ ويكتب»؟ وهي الإجابة التي جاءت على لسان وزير سابق في التسعينيات، حين سأله عضو مجلس أمة عن شهادة رئيس إدارة حساسة بالدولة، يوكل إليها إرساء مناقصات الدولة… من يتذكر تلك الإجابة الصريحة! الله يذكرهم بالخير… يقرأ ويكتب.
حتى لا نتوه
في مثل ظرف الدولة المالي الصعب، من المفروض أن نرتفع ونسمو قليلاً في طرح القضايا العامة، أو ما نعتقد أنه القضية الأولى الآن، وهي تهاوي أسعار النفط، والنتائج الخطيرة المترتبة على سقوط سعر البرميل، غير الآثار الاقتصادية لهذا السقوط التي سنشعر بها، وسنكوى بلهيبها بالتأكيد، ستكون هناك آثار اجتماعية مدمرة على صعيد الأفراد والأسر، وسلوك المواطنين والوافدين، فنقص الأموال لن يترك أحداً إلا القلة التي أخذت المعلوم في زمن مضى، وخبأته في مكان آمن بعقارات وبنوك في الخارج.
ما نلاحظه حتى الآن، وليس الأمر قاصراً على الخطاب العام المتردد بين شعار "وصل السكين للعظم" للوزير العبدالله، ولافتات "لا داعي للقلق" من مجلس الوزراء، بل يمتد إلى الخطاب الخاص وتصفيات حروب داحس والغبراء الخليجية، أول مرة كتبت خطأ "داعش" بل "داحس"، ولا فرق بين الثقافتين الداعشية والداحسية غير ألف وخمسمئة سنة تقريباً، فليس هذا وقت جلد الذات وجلد الغير، ورمي كل الأخطاء والانحرافات التي نعانيها اليوم على الآخر الذي نختلف معه، فمع كل تقديري، مثلاً للصديق الكاتب عبداللطيف الدعيج في طرحه الفكري، إلا أنني لا أعرف الجدوى من رمي كل وزر واحمال همومنا على "المجاميع القبلية- الدينية"، وتحميل المعارضة الحالية أو ما تبقى منها، (وهي بالتأكيد لها أخطاء كبيرة) آثار الفشل الذي نتجرعه اليوم، وكأنها التي كانت تحكم الكويت، وشيوخنا كانوا هم المعارضة! رغم أن عبارة "اللي يبونه الشيوخ يصير" كانت تتردد في مقالات عبداللطيف في الماضي على ما أذكر! فما الذي تغيّر بين الأمس واليوم، ومتى كانت الكلمة النهائية للمعارضة (القبلية- الدينية) مهما كانت قوتها، ومهما كانت تحدياتها بالأسئلة والاستجوابات وغير ذلك ماضياً وحاضراً!
النقاش حول "جنس الملائكة" من ناحية، وإسباغ ثوب الحصافة والتقدم الحضاري على جسد الإدارة السياسية، ورمي معارضتها بالتخلف والانتهازية، وحشر وعي الناس بمثل هذا الطرح، من ناحية أخرى، ليس ما نريده اليوم، وهذا لا يعني نقد وتهميش الرأي الآخر بقضايا الضمير، لكن لنهمس بأذن الزميل عبداللطيف، بأنه إذا كان رصيد المعارضة في مجلس 2012 أو المجالس التي قبله ضئيلاً، بمسألة حريات الضمير، فإن ما تفعله السلطة هذه الأيام بمشروعاتها القانونية مباشرة (الاتفاقية الأمنية ومشروع الرقابة الإلكترونية على سبيل المثال لا الحصر)، أو عبر وكلائها النواب، أو بممارسات القمع بالحبس لأصحاب الرأي وسحب الجناسي عنهم وعن أهلهم وأبنائهم ضاربة عرض الحائط بحقوق الإنسان ومعيار شخصية العقوبة، ومع غياب هذه المعارضة "الدينية- القبلية" قاتل لحريات الضمير، بل هو مجزرة لها.
التسامي والارتفاع لتحديات المرحلة هو ما نحلم به الآن، والكلام هنا موجه إلى البعض من أصحاب الرأي الذين غرقوا، وربما من غير قصد، أغرقوا وعي البشر في وطنهم بالمسائل الجانبية، وفي معارك وغزوات أصحاب النفوذ والسلطة على كعكة الأمس الكويتية، أو كانوا يقومون بدور مخلب القط لهم، نتمنى عليهم أن يقفوا مع أنفسهم قليلاً، ويراجعوا أولوياتهم… يكفينا ضياع الدولة لعقود ممتدة مع ضياع الأولويات… الوقت الآن لا يحتمل المزيد من التيه.
رحم الله دولاً عرفت قدر نفسها
المقلق أن تصبح الأمنيات السياسية قناعات حقيقية عند السياسيين بالخليج، وبالتالي يعملون بهذه القناعات بكل ثقة، وكأنها مطلقات ثابتة، ويتركون أمورهم لمصادفة القدر والحظ، فهناك قواسم مشتركة يمكن ملاحظتها في أكثر من تصريح لهؤلاء السياسيين، أمام واقع تدهور أسعار النفط، تنضح تلك الملاحظات بتفاؤل عجيب وأحلام وردية ليس لها معنى، أساسها أن سقوط أسعار النفط وضع مؤقت، ولن يدوم، فلابد أن يتغير الطلب، في يوم قريب، وتتعدل الأمور. إضافة إلى هذا يحاول أصحاب القرار السياسي طمأنة المواطنين في دولهم بأن أوضاع دولهم الاقتصادية اليوم أفضل من غيرهم، فنحن أفضل من إيران ونيجيريا وفنزويلا وروسيا، فتكلفة إنتاج النفط عالية نسبياً بهذه الأخيرة، وهذه الدول لا تملك صناديق استثمارية سيادية بحجم التي تملكها دول الخليج، والتي يمكن أن تكون رافداً للدخل القومي يسد تناقص دخول النفط، وبالتالي فنحن نسقط على وسادة ناعمة، بينما هم (في إيران، أو روسيا مثلاً) يسقطون على صخور مؤلمة.
الإعلام في الغرب يروج أيضاً لمثل هذا التحليل، مطمئناً الأنظمة الخليجية وشعوبها النائمة في العسل بمثل هذا التصور، هو يحلل واقع السوق اليوم، لكنه يفترض أن أنظمتنا في النهاية تملك قدراً من الحصافة لتغير سياساتها إذا ساءت الأمور يوماً ما، وهذا قد يكون بعيداً عن الواقع أمام حقيقة جمود عدد من أنظمتنا للتغيرات السياسية والاقتصادية بالعالم، الأقرب للمعقول هو أن تدهور سعر النفط لن يكون لمرحلة قصيرة، فكان، تبعاً لذلك، قرار الأوبك (بالأكثرية الخليجية) بالاتفاق على عدم خفض الإنتاج بغرض تقنين وتحديد إنتاج النفط الصخري من الولايات المتحدة، حين تصبح تكلفة إنتاجه أعلى من سعر النفط المنتج، وبالتالي، فدول الخليج، وما شاء الله عليها، ستخضع الأميركان وشركاتهم لسلطاننا اليوم، وأسعار نفوطنا غداً. أيضاً نحن نضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية أخرى، وبما أننا متحالفون مع الغرب، فنفطنا سيكون السلاح الاقتصادي لتأديب روسيا التي تقضم من الجسد الأوكراني، وتقف مع النظام السوري، وكذلك، فإن (دولنا) ستؤدب الجمهورية الإيرانية التي أيضاً تدعم النظام السوري، وتثير مواجع دولنا في اليمن والبحرين، وفي الوقت ذاته ستجد إيران نفسها مجبرة على مرونة أكثر وتنازلات مطلوبة، بمفاوضاتها، مع الغربيين على النووي… ويمكن أن نضيف لما سبق أنه، من الناحية الاقتصادية البحتة، وبغياب الثقة بين دول الأوبك بعلاقاتها بعضها مع بعض ومع بقية الدول المصدرة، تخشى كل دولة في الخليج خسارة زبائنها لو خفضت الإنتاج، بينما غيرها خارج الخليج يغشون ويستفيدون من الخفض.
لا أدري، ما صحة مثل تلك السياسات؟ وأين ستنتهي بنا حين نقرأ الواقع عبر نظارة زجاجها وردي جميل وحالم، بينما الحقيقة هي نيران ملتهبة. فدولنا، مع كل التبجيل لصناديقنا الاستثمارية السيادية، عليها أن تدرك أن غير النفط لا تملك شيئاً غير أتربة صحاري الجفاف، والاستثمار بالإنسان المنتج لم تكن له أولوية بثقافتها، فكيف لها مناطحة غيرها سواء إيران أو روسيا أو غيرهما… من جديد نتذكر القول المأثور «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه»، والأفضل أن نعيد صياغته بـ «رحم الله دولا عرفت قدر نفسها».
راحت السكرة ولم تأتِ الفكرة
عجزتُ عن فهم لغز تصريحات وزير المالية أنس الصالح، فمع أزمة تدهور النفط و"حوسة" الحكومة في ترقيع وضع الدولة المالي، ومحاولاتها إظهار نفسها بالجدية في الإصلاح المالي، جاءت تصريحات الوزير تقرر أن الحكومة بصدد غربلة الكثير من أوجه الهدر في ميزانية الدولة، إذ قال إن "هذا التوجه لا يتضمن ما من شأنه أن يمس دخل المواطن" (جريدة الراي).
أما عن رفع الدعم عن سلع استهلاكية رغم ارتفاع أسعارها، فذكر الوزير "أن قرار رفع الدعم لم ولن يتم، إلا بعد دراسته بشكل مستفيض، حتى لا يترتب عليه أي مساس بالمواطن"! أتعبنا الوزير بكثرة ترديد عبارة "عدم المساس بدخل المواطن"، فهذا الشرط المقدس عند الوزارة غير قابل للنقاش "الآن"، لكن بعد الدراسة المستفيضة من خبراء حكومة "هارفرد بيزنس سكول"، يمكن أن يتغير الوعد الحكومي.
الحكومة هنا "مشتهية ومستحية"، فهي تريد وقف الهدر، ولا أدري كيف يمكن أن يتم ذلك بدولة يقوم اقتصادها أساساً على فلسفة الهدر المتحقق بكل صوره، سواء تمثل بالفساد الكبير للمؤلفة قلوبهم من هوامير الدولة، أو بالفساد الصغير لأصحاب الأجر من غير عمل، وأولوية مبدأ المحسوبية بدل الجدارة في تولي الوظيفة العامة والخاصة؟!
ولكنها (الحكومة) في الوقت ذاته، وللاعتبارات السياسية، وأيضاً الأمنية، تسعى إلى عدم إثارة قلق المواطن- مع أني أرى أن مثل هذا القلق يعد ظاهرة صحية لإيقاظ وعي المواطن بحاله وحال الدولة في الأزمات- فتعدنا الآن ماما الحكومة "الحايسة اللايصة" في ظل تناقص دخل الدولة أن هذه الإجراءات لن تمس دخل المواطن! فهمونا كيف لا يمكن المساس بدخل المواطن، إذا حدث، مثلاً بعد "دراستكم المستفيضة" (تعبير الوزير) رفع الدعم، أو تم خفضه، عن سلع الجمعيات، أو البنزين أو الكهرباء والماء؟! كيف يمكن تصور عدم تأثر دخل المواطن في هذه الحالة؟! أو إذا قررت الحكومة، مثلاً، إعادة النظر في سياسة الكوادر التي خلقت طبقات ثرية من أصحاب بعض المهن الحكومية وظلمت أصحاب مهن أخرى، ألا يتأثر هذا المواطن بكل تلك الأمور؟!
هناك مسألة ومسائل أخرى، غير مفهومة، مثلاً "أي مواطن" تتحدث عنه الحكومة، هل هو صاحب المجمعات التجارية والاستثمارية الذي يقبض من الدعم مثله مثل الموظف البسيط الغارق في سداد أقساط الديون الاستهلاكية من أصحاب الدخل المحدود، أم أنه ذلك الموظف الذي "يضرب كرت الدوام" ولا يلتزم بالوظيفة، ثم يخرج يرتزق من وظيفة أخرى في القطاع الخاص، أو يجوب الشوارع "يقز"… فعن أي فئة من المواطنين تتحدث الحكومة؟
وأمامنا، أيضاً، تصورات من اللجنة التشريعية بمجلس الأمة لحل أزمة الاقتصاد الريعي، بحلول ريعية "إنسانية" عبر تحديد إقامة الوافدين بما لا تتجاوز خمس سنوات، وألا تزيد نسبة أي جالية على 10 في المئة من سكان الكويت! ماذا تريد هذه اللجنة تحديداً، هل تحلم أن يحل المواطن الكويتي محل الوافد في العمل الخاص والعام، أم تبغي تحديد عدد هذه العمالة الوافدة بجعل إقامتها محدودة ومن غير عوائلها… يعني إحالة الكويت إلى معسكر عمل عزابي أكثر مما هي عليه الآن؟!
لا أفهم سر تحديد الـ"خمس سنوات" كحد أقصى للإقامة… وعلى أي فئة من العمالة سيطبق؟… وما الهدف منها؟، وإذا رحلت هذه العمالة فمَن سيحل مكانها، هل سيخلق المجلس والحكومة النجار والحداد والسباك والبناء الكويتيين، أم سيستطيع الإداري الكويتي أن يجلس على كرسيه ويبحث ويكتب مذكرة قانونية أو يعد دراسة علمية من غير الاستعانة بـ"محول" عربي مصري في الغالب…؟! وهل يقبل الكويتيون العمل في بعض المهن؟، ولنسأل مثلاً، كم مضمداً ومضمدة من الكويتيين يعملون في خدمة الصحة؟ وكم عدد الكويتيين العاملين في معظم المهن الحرفية؟ وهل يمكن أن يسدوا قليلاً من النقص في اليد العاملة الأجنبية؟
انسوا كل ما سبق… ودعونا نثير سؤالاً عن التواكلية في حياتنا في كل صغيرة وكبيرة، هل لنا أن نتخيل منازلنا، يوماً ما، من دون خدم آسيويين مغلوبين على أمرهم؟… يا ساتر من هذا اليوم… يقول المثل التراثي رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، فلتعرف الحكومة ومجلسها قدرهما وقدر ابن البلد، قولوا "الشق عود"، وأنتم يا جماعة السلطة من مزق الثوب الكويتي وحرقتم تراثاً عظيماً بتاريخ الوطن في قيم العمل المنتج، والآن راحت السكرة مع رحيل برميل المئة دولار ولم تأتِ "الفكرة" مع برميل السبعين دولاراً…حلوها.
طلال جدَّ واجتهد بالنهج الكويتي
علمونا صغاراً، أن من جد وجد ومن زرع حصد، والشيخ طلال جد ووجد وزرع وحصد، على ذلك لماذا هذه الثورة الإعلامية (والشعبية كما أتصور) على الشيخ طلال الفهد والاتحاد الكويتي لكرة القدم؟ الشيخ طلال يحمل اليوم مسؤولية الهزيمة الكبيرة لمباراة عمان مع المنتخب، وكأن هذه أول هزيمة للمنتخب "الألماني" الكويتي، وليست أمراً قديماً متأصلاً منذ سنوات في تاريخ الكرة، ومنذ أن أصبحت الرياضة حالها من حال بقية مؤسسات الدولة حكراً على شيوخنا الأفاضل وذريتهم الكريمة يتوارثونها أباً عن جد؟ هم يختارون تنظيمها وإدارتها، ولهم الكلمة الأولى والأخيرة. طبعاً، وعلى الهامش، ليس كل الشيوخ من فريق المحظوظين في التركة الكويتية، بعضهم، وهم بالعادة الأجدر والأفضل، مكانهم في ركن منسي من مؤسسة الحكم.
إذن لماذا نصنع استثناء للرياضة، ونغض الطرف عن بقية إدارات الدولة، لماذا الفشل في إدارة بقية مؤسسات الدولة لا يعني شيئاً عند هؤلاء النواب الغاضبين الذي فتلوا عضلاتهم على الكرة ورئيسها "الشيخ ولد الشيخ" وصمتوا عنها، مع أن تلك المؤسسات، دون استثناء، تدار من شيوخ وأبناء شيوخ أبا عن جد، فلمَ تم تناسي "نجاحاتها الباهرة" لعقود ممتدة من ثوار اليوم الغاضبين؟ أعود لـ"من جد وجد" والشيخ طلال الذي عمل بجد واجتهد، وزرع والكويت حصدت، فهو لم يفرض نفسه على الكرة، ولم يأتِ للاتحاد على ظهر دبابة، بل وصل بعمله واجتهاده وبالانتخابات الحرة، وإذا وضعتم علامات استفهام على كلمة "حرة"، فأيضاً، من حق الشيخ ولد الشيخ أن يرد متسائلاً عن مدى حرية انتخابات مؤسستكم التشريعية، ومعها الكثير من المؤسسات الأخرى في دولة البراميل النفطية و"من صادها بالأول عشى عياله". هل نواب اليوم، ومع كل تقدير، لجدهم واجتهادهم وزرعهم وحصادهم، هم صورة خليجية لنواب مجلس العموم البريطاني مثلاً، فهم وأحزابهم الذين اختاروا الحكومة و"شكلوها" أم هي شكلتهم! لا أدري! مادام الشيوخ يشكلون وجه البلد وقوامه، لماذا نستكثر على شيخ ولد شيخ أن يضطلع، بجزء بسيط من مشيخته، بمسؤولية بعض مهام الدولة! لماذا هي حلال على أولاد عمه، وحرام عليه؟ ألم تكن سلالم الوصول واحدة، سواء كانت في المجلس النيابي وغيره من مؤسسات الدولة، أم في الاتحاد الكروي!
مرة ثالثة، ورابعة، أعود لمن جد وجد، مذكراً جماعات فقدت الذاكرة الوطنية وتعاني الزهايمر الاستغلالي، أن مفردة "وجد" أو عبارة مثل، زرع الغبار وحصد الرمال، يجب أن تكون شعار الدولة، بدلاً من شعارات كثيرة تفيد المعنى ذاته وتسير عليها الدولة منذ لحظة ولادتها النفطية، مثل إذا هبت الرياح فاغتنمها، فبمثل ظرفنا الرديء اليوم مع تهاوي سعر بضاعتنا، يحق لهم أن يتشبثوا بمثل تلك الشعارات الانتهازية، فمن وصل بالأمس، عبر بوابة هبوب الرياح المالية، والمحسوبية والزبائنية، من حقه، أن يرتاح الآن في مركزه الإداري، فهو ليس استثناء للقاعدة الكويتية، بل هو مجرد صورة لها، فلم الغضب على طلال الفهد؟ اغضبوا على أنفسكم، وتحسسوا البطحات التي على رؤوسكم أولاً.
هل أضحت المشاركة ضرورة الآن؟
الناس اللي فوق، أي الطبقة السياسية التي تدير الدولة، كيف تفكر الآن مع أزمة الاقتصاد والعجز الحتمي للميزانية، مفهوم الطبقة هنا المقصود به الشرائح العليا من أهل الحكم والدائرون في حلقات ذكرهم، يعني زبائن الحكم بتحالفاتهم وصراعاتهم مع هذا الشيخ أو ذاك، كيف يرون الأمور الآن؟! الكعكة الكويتية، صغرت، يجوز أنها انكمشت واقعاً، لكنهم قد لا يرونها مثلنا، قد توسوس لهم نفوسهم بترك "القرعة ترعى" والاكتفاء بما غنموا في الماضي، وهم في أمان نفسي مستقر بفضل الأرصدة المتخمة في الخارج، وليسوا مثلنا قلقين على واقعنا المر ومستقبل أطفالنا، أو ربما يفكرون بجشع ويعملون لتقسيم باقي "الماجلة" الكويتية، الماجلة هنا بمعنى المساهمة المالية والعينية في المخيمات، التي تقسم بين أهل المخيم الكويتي بعد انتهاء فترة التخييم.
صراع على السلطة، وليس خلافاً كما يروج السلطويون إعلامياً، أين سينتهي؟ وكأن الدولة قطعة أرض خاصة بهم، توفي صاحبها ويتنازع عليها ورثته، لا يصح أن ننشغل بهذا الصراع، ويتم، بالتالي، تغييب وعينا بحاضر الكارثة المالية في الدولة، فقد اعتدنا أن نراقب هذه الصراعات بين الأقطاب، لا مباشرة، بل عبر أطروحات من يمثلها في المجلس أو في الإعلام، وفي الأخير، أي في إعلامنا الخاص هناك دائماً بشر مستعدون للعمل في وظيفة "المشاحاة" (ربما لها أصل لها بكلمة مُشاحَّة العربية أي المماحكة)، ومن كان يوماً ما في الماضي قطباً محل شبهات فساد أصبح الآن بطلاً يتحدث عن المال العام والوطنية عبر "مندوبه" الإعلامي الذي يشاحّ به.
المفروض ألا يشغلنا هؤلاء أو وكلاؤهم بمسرحيات التشهير والغمز واللمز، ولا نضيع بطوشة صراعات "معازيبهم" من الأقطاب، فالآن، الهم الكبير للمخلصين في الوطن، وهم كثيرون، رغم قمع أصواتهم وتهميشهم من السلطة، يجب أن ينحصر في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والنظر إلى المستقبل، فلا يكفي الضرب على وتر الفساد المالي والإداري الضارب في أعمق أعماق جذور الدولة، ولا يكفي، من ناحية أخرى، ترديد مقولة "الشق عود"، وبالتالي ننعزل عن المشاركة في الشأن السياسي العام عبر الحوار المفترض مع السلطة وفتح آفاق إصلاح ما يمكن إصلاحه اليوم، فمثل ظرفنا الحالي يلزمهم بالمشاركة، أياً كان حكم المحكمة الدستورية في دعوى الزميل صلاح الهاشم.
البقاء خارج المشاركة، مهما تصورنا أن مثل تلك المشاركة السياسية قد "تشرع" للوضع الخطأ، وأن أصوات المعارضين ستكون "ضايعة" مع "خبيصة" جماعات السلطة، لم يعد مجدياً، فقد جرب المعارضون الابتعاد عن المشاركة في الفترة الماضية، وتحريك الشارع السياسي، إلا أن قبضة السلطة كانت قاسية بالقمع، وبسحب الجناسي المخجل لشرعية الدولة، وردود الفعل الشبابية تكاد تنحصر اليوم في "التغريدات التويترية"، والتي هي الأخرى أضحت موضوعاً للملاحقة القمعية… فما العمل؟ الوضع السياسي- الاقتصادي لم يعد يتحمل إقصاء أحد… فماذا ينتظر المخلصون!
هل أنتم «أبخص» اليوم بالكوارث؟!
ليتها أزمة وتمر بسلام، فالأزمات عادة ما تكون وقتية، وعارضة، ترحل إذا ما رحلت أسبابها، فتدهور سعر برميل النفط، ليس أزمة، بل كارثة اقتصادية ستدوم طويلاً، لمن يستوعب معنى الكارثة، وهو كارثة كبيرة مادام الوعيان الرسمي والشعبي على حالهما.
فالحكومة على «حطة ايدكم» خائفة أو خجولة من مصارحة الناس بحجمها، لا أقصد هنا خلق حالة من الذعر والارتباك، فليس هذا المطلوب، لكن، من باب أضعف الإيمان، يُفترَض أن يصرح مسؤول حكومي بحقيقة وضع الدولة المالي الآن، وبالخيارات القادمة للسلطة، لمواجهة أمورنا. فالتصريحات المترددة الدائرة في ثرثرة خاوية مثل لن نمس أصحاب الدخل المحدود، وهناك تفكير في رفع الدعم عن بعض السلع، إلى غير ذلك من تطمينات سياسية، لا تقدم ولا تؤخر، ولن تجدي نفعاً، لأنها مسكنات وقتية لا طائل منها، وتصرف نظر الناس عن قراءة واقعنا الحالي، واقعنا الريعي السيئ، والفساد المستشري بالدولة، بينما المواطن بحاجة، قبل أي شيء، إلى المصارحة، هو بحاجة لأن تقول له أين يقف اليوم، وماذا ستفعل هذه السلطة غداً، وكيف ستدير أمورها معه، وهل سيظل هذا المواطن على «الهامش» في مستقبله ومستقبل أبنائه أم سيشارك لأنه هو من سيدفع الثمن في النهاية؟!
هل قضيتنا محصورة في صرف رواتب ومعاشات فقط؟ وإذا استمر هبوط سعر البرميل مع وفرة المعروض في السوق العالمي فـ»ستكيش» الحكومة من الاستثمارات وصناديقها السيادية لسداد نفقة البيت الكويتي، وبعدها، «وبعدين» ما العمل؟! نصرف ما في الجيب حتى يأتي ما في الغيب!
شيوخ ويحكمون منفردين سواء اتفقوا أم اختلفوا مع بعضهم، فهذا ليس من شأننا نحن «الرعية»، والكلام به محظور وتحت طائلة العقاب بقرارات عليا من أهل «المؤسسات»، «فهم أبخص» لأنهم قرروا أن «البخاصة» أي الدراية في إدارة الدولة مسألة امتياز تخصهم وحدهم، ومعهم وخلفهم مجلس نواب يهلل وراءهم، وتغلق الأبواب، بهذه الصورة، وتسكت شهرزاد عن الكلام المباح!
لم يكن كفاية أبداً، تصريح رئيس الحكومة، قبل شهور «إذا ما كنت غلطان» عن نهاية دولة الرعاية، وشد الحزام… وكان هذا قبل تهاوي أسعار برميل النفط، فماذا ستفعل الحكومة الآن؟ وفيم تفكر لاستيعاب الكارثة… غير الوصفات التقليدية كرفع الدعم أو وقف الزيادات والتعيينات؟ ما تصور أهل «البخاصة» ومستشاريهم لميزانية الدولة وأبوابها المشرعة للهبش والعطالة، مع فرض أسوأ الأمور هل يفكرون، في ترقيع أم في تصحيح واقعنا الاقتصادي، وتعديل شكلي له أم قلبه رأساً على عقب؟!
في الأمر السياسي، ما هي تصورات السلطة، للقادم، هل ستشرك الغير بصورة جدية في مؤسسة التشريع والرقابة، وبالتالي تحملهم مسؤولية المشاركة في الحكم والمشاركة في التفكير بحلول لكارثة السقوط، أم ستظل على وضع «نحن الأبخص» مهما كثرت ثقوب السفينة الكويتية…؟ عند الكثيرين منا، قناعة، بأن هذه الإدارة كانت تغرق في «شبر ميه» فماذا ستصنع اليوم مع «تسونامي» النفط؟! ليتها تكون قناعة غير صحيحة.