حسن العيسى

لم نعد استثناء

لم يعد هناك استثناء خليجي تمثله الكويت في قضايا الحريات بصفة عامة وحرية الضمير تحديداً، أصبحت الدولة “حالها من حال غيرها”، فهي ليست أفضل من شقيقاتها الخليجيات أو العربيات (دول مثل لبنان وتونس أو المغرب أفضل منا بمراحل)، وعلينا أن نصمت ولا نتفاخر على غيرنا في دول الخليج بهامش حريات التعبير، فالقوانين القمعية التي فعّلت بكل كفاءة في السنوات الأخيرة مثل قوانين أمن الدولة والمطبوعات، والملاحقات السياسية للمعارضة، وهيمنة المصالح الخاصة، وسلطان قوى الفساد كلها، معاول هَدمت وسوّت بالأرض بناء الاستثناء الكويتي في حريات الضمير، وإذا كان الإعلام الغربي يشهد للكويت بهامش تلك الحريات، فأحرى به أن يراجع أدبياته على ضوء القوانين ومشاريع القوانين والأحكام الأخيرة.
كنا نتوهم أن سنوات ما بين 86 وحتى انتخابات مجلس 92 هي الأسوأ لحريات الضمير والصحافة، حين فرضت السلطة رقيباً في كل صحيفة وظيفته مراجعة كل ما يُكتَب قبل النشر، وبحكم الثقافة المحدودة لجهاز الرقابة في وزارة الإعلام وهيمنة الجهل بجهازها الإداري، كان أسهل الأمور أن يشطب الرقيب، لا فقرةً أو فقرات فقط من المقال أو الخبر، بل كل المقال أو الخبر، كان إعدام الفكرة كلها أفضل وصفة لتجنب أي “استنتاجات محتملة” نقدية للواقع السياسي قد يتوصل إليها ذكاء القارئ، كانت ممارسة الإعدام الفكري أسهل ما يكون عند “عشماوية” وزارة الإعلام التي خلقت في دولنا أساساً لتمارس دور الأخ الأكبر على عقول المواطنين.
متابعة قراءة لم نعد استثناء

حسن العيسى

ماذا بقي بعد؟!

حتى القليل الباقي من حريات خلق الله في الدولة أخذت السلطة تنتزعه منهم شيئاً فشيئاً، مرةً عبر سيف القوانين، وهي بطبيعتها قوانين سيئة مثل قوانين أمن الدولة أو المطبوعات، وأخرى من خلال مشروعات قوانين يتم إعدادها الآن في مطبخ المجلس الملحق بالسلطة مثل الرقابة وملاحقة وسائل التواصل الاجتماعي، أو يتم القمع عبر إجراءات بوليسية تحركها جماعات متنفذة في جوف السلطة يتمدد نفوذها وجبروتها لجل مؤسسات الدولة، وفي كل الحالات السابقة تصور تلك الإجراءات القمعية على أنها متفقة مع حكم القانون، حين يضاف لها “رتوش” الشكل القانوني، ويتم وضع مكياج الشرعية على الوجوه القبيحة للدولة التسلطية.
كتب جاسم السعدون بنبرة يأس حزينة: ” … لم يعد كافياً أن نهبط بطموحاتنا من الأمل في إنجاز شيء ما، إلى مجرد الإبقاء على الوضع ثابتاً على نفس مستوى السوء، ولا حتى القبول بمجرد خفض التسارع إلى الانحدار، وإنما بات مطلوباً قسراً مشاركتنا كلنا، ودون استثناء، بالرقص في حفلة بائسة تشهد سقوطاً حراً لبلد جميل وكريم” (مدونة سبر). فالوضع المحزن اليوم يتلخص في عجز الواعين عن المحافظة على الحد الأدنى من الحريات والحد الأدنى من حالة التدهور والفساد في مؤسسات الدولة، فلم نعد نملك حلم الإصلاح والارتقاء من الحال السيئ إلى وضع أفضل، بل حتى المحافظة على القليل الباقي لم يعد ممكناً اليوم، فالمطلوب من الجميع اليوم مواصلة الرقص مع فرق “أم أحمد العجافة” حتى يسلموا ويصبحوا بالتالي من المرضي عنهم.
متابعة قراءة ماذا بقي بعد؟!

حسن العيسى

مزاج السيادة

تجسّدت حالة فرح غامر، لا يمكن وصفها، لعبدالله البرغش حين علم أن المحكمة الإدارية ألغت قرار السلطة الجائر بسحب الجنسية عنه وعمن معه بطريق التبعية، فسجد بتلقائية وعفوية على أرض المحكمة يشكر الله، ملتصقاً بأرض ضربت جذوره أعماقها.
يمكن أن نتصور حالة نفسية مشابهة كتلك التي اجتاحت عبدالله غمرت أيضاً أكثر من خمسين فرداً ما بين رجال ونساء وأطفال هم أقرباء عبدالله، والذين اكتسبوا الجنسية بطريق التبعية وسُحِبت منهم فجأة أيضاً بطريق التبعية الظالمة، بغير ذنب، ودون سبب غير رغبة السلطة في عقاب عبدالله البرغش، ومد سلطان العقوبة إلى كل أهله، مما يعد أخطر انتهاك لمبدأ شخصية العقوبة.
حكم المحكمة الإدارية الابتدائي، الذي قامت الحكومة باستئنافه فور صدوره، أشعل نور الأمل في قلوب المظلومين، الذين سُحِبت جنسياتهم بحجة “الغش والتزوير”، كما تقول وتبرر السلطة قرارها السابق الذي لم تُقِم الدليل عليه، أو أُسقِطت عنهم لاعتبارات الأمن والمصلحة العليا للدولة، وغير ذلك من عبارات جوفاء توسلت بها السلطة لسحب الجناسي عن عدد من المواطنين لأسباب سياسية خالصة، وغطّت واقعة السحب والإسقاط بعبارات قانونية لتستر عورات الاستبداد وتفرد السلطة بشؤون العباد.
متابعة قراءة مزاج السيادة

حسن العيسى

السلطة هي السلطة

السلطة هي السلطة التي تدير الدولة الآن بأسعار نفط تتراوح بين الأربعين والخمسين دولاراً، هي السلطة ذاتها (ماكو غيرها ولا يهم تغيير شكل الحكومات وأسماء الوزراء) التي كانت تدير الدولة وتحكم كل السنوات الماضية، وكانت أسعار النفط تتجاوز المئة دولار. هي السلطة الواحدة (ماكو غيرها) حين كان الناس يشكون من رداءة الخدمات العامة وتدنيها في الصحة والتعليم والمرور وفوضى المرافق العامة، حين يغرق المواطن أو المقيم في دهاليز الإدارات العامة المتخمة بعدد هائل من الموظفين دون عمل (بطالة مقنعة) لإنجاز أبسط معاملة، وطبعاً نتيجة الإنجاز في معظم الأحوال محبطة، فالرشوة أو الواسطة ضروريتان دائماً، هي السلطة ذاتها اليوم التي تدير الجهاز الإداري السيئ السابق، لكن مع دخل عام انخفض للنصف تقريباً، وبجهاز إداري فاشل رديء ينتظر المزيد من الاسترضاءات والكوادر المالية، وإن انخسف الحال بالموارد المالية للدولة.
متابعة قراءة السلطة هي السلطة

حسن العيسى

هل نتعلم من تاريخ الغير؟!

التاريخ لا يعيد نفسه، مقولة ماركس، لكن إيقاعات التاريخ ودروسه تعيد ذاتها، مثلما تعيد كتابات ودراسات كثيرة في الإعلام الغربي تذكيرنا بأن ما يحدث اليوم في شرقنا من حروب دينية وطائفية ليست بالأمر الجديد في التاريخ، فأوروبا عاشت تلك المرحلة قبل 450 سنة، وعرضت دورية “فورن أفيرز” تلخيصاً لكتاب السفير هنري تيلور والأستاذة موريسون تيلور بعنوان “مواجهة الإسلام السياسي، ستة دروس من ماضي الغرب”، لا جديد يقدمه الباحثان عن تاريخ الحروب الدينية في أوروبا، إلا أنها تلقي بعض الضوء على واقع الدول وأشباهها في الشرق العربي الإسلامي.
متابعة قراءة هل نتعلم من تاريخ الغير؟!

حسن العيسى

أسوأ أيام الحرية

نحيا هذه الأيام، وتحديداً منذ حل مجلس أمة ٢٠١٢ الأول، في أسوأ وأظلم مرحلة للحريات العامة في الدولة. فحريات الضمير تم سحقها تماماً، وتشهد سجون “أمن الدولة” أعداداً متزايدة من الشباب الذين عبروا بسخرية بريئة عن وقائع سياسية معينة، مثل حالة محمد العجمي (بوعسم)، الذي صودرت حريته الثلاثاء الماضي بقرار الحبس الاحتياطي مدة شهر من المحكمة الجزائية، أي قبل أن يصدر بحقه حكم بالإدانة أو البراءة! وهناك شباب غير أبوعسم مازالوا في السجون لتغريدات بسيطة أو باتهامات مثل تجمع غير مشروع أو غير ذلك من جرائم التعبير والرأي التي تضج بها القوانين الكويتية، وأيضاً هناك محاكمات قادمة للكثيرين الذين رددوا خطاب النائب السابق مسلم البراك، الذي حكم عليه مؤخراً بالحبس مدة عامين. متابعة قراءة أسوأ أيام الحرية

حسن العيسى

زرعتم الريح…

ليت الأنظمة العربية المتحجرة تتذكر حكمة: زرعتم الريح فحصدتم العاصفة، فمع كل الضربات الجوية المستمرة وتحالف ستين دولة، يحقق تنظيم “داعش” انتصارات في شرقنا المستوطن زمانياً في العصور الوسطى رغم مظاهر الحداثة الخاوية، فحين يستولي “داعش” على مساحات شاسعة من سورية والعراق، ويقتل ويفجر في مصر والسعودية، ولا يمكن استثناء أي قطر عربي آخر من لعنة سرطان داعش، على الأنظمة العربية أن تتساءل ولو لمرة واحدة، هل “ظاهرة داعش” حالة غريبة استثنائية، وتمثل شذوذاً في الوضع العربي الآن، أم إنها تحصيل حاصل لواقع المجتمعات والأنظمة العربية، ونتيجة طبيعية له.
اسم المرض السرطاني الذي ينخر في العقل العربي الإسلامي اليوم “داعش”، وقبل فترة بسيطة كان اسمه القاعدة، وقبل ذلك كان له اسم “الأفغان العرب” أو “المجاهدون”، وكم كان مثل تلك الأسماء مصدر فخر واعتزاز عند الكثيرين في المجتمعات العربية المتعصبة، وتظل عنونة القتال والفتك باسم الدين تارة والطائفة تارة أخرى تتغير، لكن يبقى مضمونها واحداً، وهو رفض الآخر المختلف، مع الإيمان بخرافة متجذرة عند دعاة الدولة الدينية ومفتيها بأنهم وحدهم أهل الحق وأصحاب الجنة، وبقية الدنيا بمن فيها من أهل الباطل والنار. متابعة قراءة زرعتم الريح…

حسن العيسى

كسافة

بالقانون وأجهزة القانون يمكن للسلطة الحاكمة أن تسير أمور الدولة، وأن تضبط الفارق بين الصح والغلط، وما هو صالح وما هو طالح للناس المحكومين، وبحكم القاعدة القانونية، العامة المجردة، أي عدم الانحياز لطرف ضد آخر، وتساوي الجميع أمام النص ومحاكم النص، أي لا تفرقة بين كبير وصغير، أو وجيه ووضيع، بهذا القانون “المشرع” (ولا يهم كيف تمت عملية التشريع) والذي بأجهزة الدعاية والهيمنة السلطوية يزرع ويغرس في روع الناس (روعهم هو الأرض الخصبة السهلة فلا عقل فيها ينكر ولا إرادة تتحدى) بأنه الحقيقة والحق المطلق، ترتفع السلطة فوق الناس، وفوق الطبيعة، وتضفي قداسة على النص القانوني الذي خلقته حسبما تريد، من أجل الجميع وللمصلحة العامة، وبهذه القداسة والتحصين النفسي للنص وعبر تفسيره الأوحد يتم حشر المواطنين بالأقفاص، فلا حريات غير تلك المحددة بالنص، والنص هو القفص، وهو الساحة المسيجة بأسوار عالية تراقبها عيون الأخ الأكبر.
متابعة قراءة كسافة

حسن العيسى

ما العمل بعد إغلاق الوفرة والخفجي؟!

ماذا بعد إغلاق حقلي الخفجي والوفرة؟ ومن المسؤول في الجانبين الكويتي والسعودي؟ وكيف بدأت الخلافات بين الطرفين في المنطقة المقسومة؟ ولماذا لم يتم تداركها منذ البداية؟ وما هي وجهة النظر الكويتية؟ وما حجم الخسائر تحديداً للاقتصاد الكويتي جراء الإغلاق؟ وما الذي نفهمه من وجهة النظر السعودية؟ وهل هناك تشدد من أي طرف لحلحلة الجمود القاتل في الحقلين؟ وهل هناك “تعنت”، إذا صح مثل ذلك التعبير، في حل “الأزمة”؟ وهل القضية سوء فهم بين الإداريين النفطيين “شيفرون السعودية” و”نفط الخليج الكويتية” في منطقة الخفجي ترتب عليه وقف الإنتاج أم أنه فرض وهيمنة سياسية من أحد الطرفين على الآخر…؟

متابعة قراءة ما العمل بعد إغلاق الوفرة والخفجي؟!

حسن العيسى

كيف نواجه التحدي؟!

سواء قرر أوباما أن يذكر القيادات الخليجية، التي يجتمع معها هذه الأيام، بـ”النصيحة” السابقة الواردة في لقائه مع توماس فريدمان، بأن ما يهدد دولنا هو “الداخل” وليس الخارج، أو أهمل التذكير بها لاعتبارات دبلوماسية أو غيرها، تظل هناك قناعة ثابتة تقرر أنه بقدر ما تكون الجبهات الداخلية متماسكة وصلبة، تضعف الأخطار الخارجية ويصبح من الصعب على هذا “الخارج” أن يجد له منفذاً في الداخل، والعكس صحيح، فكلما ضعفت الجبهة الداخلية واهتزت ثقتها بقياداتها أصبح من السهل اختراقها. تقوية الجبهات الداخلية وتحصينها لن يكون بغير انفتاح قيادات دول الخليج على شعوبها، وتعزيز الحريات الإنسانية بها.
لا يعني هذا بالضرورة القفز لتحقيق الديمقراطية الكاملة الآن، فقد يبدو هذا سابقاً لأوانه في عدد من دول الخليج التي لم توفر دولها أسس المجتمع المدني كخطوة أساسية لقيام الدولة المدنية الديمقراطية، (باستثناء الكويت وحتى هذه تعمل بجد لقبر ما تبقى من مؤسساتها) وإنما يفترض أن تشرع دول الخليج بإصلاحات داخلية من الآن دون تأخير، الإصلاحات المطلوبة تتمثل على سبيل المثال في توطين دولة القانون بمعنى المساواة المطلقة أمام حكم القانون للمواطنين، وفتح نوافذ حريات الضمير، وتقبل النقد بصدر رحب، دون افتراض أن الذين يعبرون عن نقدهم أو رفضهم يمثلون خطراً على النظام، أو يريدون شراً بالدولة. متابعة قراءة كيف نواجه التحدي؟!