محمد الوشيحي

المسلم والملا… هوبّا هوبّا

و«في فجأة» عادت ذاكرتي الغائبة لتهمس لي بأن حركة المسلم هذه هي ذات الحركة التي عملها عام 2006، وقابلها شباب «نبيها خمس» بالرفض القاطع الساطع والضغط الشديد، إلى أن نجحوا في إقناعه بخوض الانتخابات. وأتذكر أنهم حينئذ فشلوا في إقناع الغائب الحاضر وليد الجري بالعدول عن قراره.

إذاً التاريخ يعيد نفسه مع أبي علي الدكتور فيصل المسلم، والحركة هذه «اشتريناها» من قبل، وهي – في لغة «الشريطية» وباعة السيارات – حركة «مستعملة، ساكند هاند»، لذا نتمنى على دكتورنا المفضال ألاّ يبيعنا إياها بسعر الجديدة، وألا يبيعنا إياها هي ذاتها مرة ثالثة في الانتخابات المقبلة، الصيف الجاي، إذا الله عطانا وعطاه العمر.

ما علينا من السيارات والحركات، الله يرزق عبيده، المهم هو أن لنا عند الدكتور فيصل دَين (افتح الدال وسكّن الياء ما عليك أمر) عليه سداده، وهو الإفصاح عن أسماء النواب المرتشين الذين تحدث عنهم في وسائل الاعلام. ماذا وإلا فسنرفع أيدينا بدعاء يُخجل الأرامل على مَن «سكت عن الحق» وتسبب في عودة المرتشين إلى البرلمان مرة أخرى! صرّح يا دكتور بأسمائهم، حبا في الله وفي الوطن، وأنت متدين وطني. فقضيتك هذه تاريخية، ستتحدث عنها الأجيال.

وأظن أن الأجيال بعدما تنهي سوالفها عن قضية المسلم ستبدأ بالحديث عن «قلْبة» أو انقلاب صالح الملا من معارض لمشروع الحيتان قبل حل البرلمان إلى موافق ومؤيد له، في عملية سطو مسلح على طريقة «حدس» الحصرية.

هل نسي الملا وجود «الأرشيف» في الصحف؟ أم أن «القاعدة» الانتخابية مارست عليه الإرهاب التصويتي فأذعن؟ لا أدري، ولا يهمني أن أدري، المهم عندي فقط أن حكاية «هوبّا يمين هوبّا شمال» مملوكة لحدس، ونحن شهود الله في أرضه، فإذا كان الملا استعارها فعليه إعادتها إليهم بعد «النجاح»، فقد يحتاج إليها في الانتخابات المقبلة، هو أو غيره.

* * *

الأخ وكيل وزارة الداخلية الفريق أحمد الرجيب، الإدارة العامة للسجون، ولا أعرف إن كان هذا المسمى صحيحا أم لا، يحتاج القائمون عليها إلى التذكير بأن المساجين «بشر»، لهم حقوق لا يسلبها السجن منهم، وأهم الحقوق هذه هو حق «الخلوة» مع الزوجة، كي لا يرقص الشيطان في بيوتهم أثناء غيابهم… أرجو الاهتمام أبا طارق، فما وصلني من زوجات السجناء محزن للغاية.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

محمد الوشيحي

كيفك انتا

على وقع أنغام المطارق وموسيقى الجلبة التي يعزفها جهاز الرنين المغناطيسي (MRI) فوق رأسي، تمددت ورحت أقرأ صفحات من ذاكرتي المنهكة، ذاكرة ذلك الكاتب الذي تقوده إلى التمرد صبوة يدعمها جموح بلا نزوة، هنا دعوى قضائية رفعها المسؤول الفلاني، وهناك دعوى أخرى رفعها الوزير ذاك، وثالثة ورابعة وعاشرة، وتساءلت وأنا ممدد داخل أنبوب الأشعة: ترى، لماذا لم تستدعِ النيابة الوزراء والمسؤولين الذي عبثوا بالديرة كما يعبث الطفل بالكيكة؟ لماذا يخرج الوزراء من عجين المسؤولية كما الشعرة البيضاء من غير سوء، ونغوص نحن إلى أخمص حرياتنا في العجين؟ تأثيرهم كتأثيرنا كبير، لكن أقصى عقاب يتهددهم هو «طرح الثقة» فيهم، وهو عقاب شديد لا شك، لكن السؤال السهل هو: كم وزيرا طُرحت فيه الثقة؟ والجواب الأسهل هو: لا أحد يا صاحبي. والسؤال الآخر هو: كم وزيرا أحيل إلى محكمة الوزراء؟ والجواب الآخر هو: يعدّون على أصبع واحدة، البنصر، أو الوسطى إن كانت بنصرك مصابة كما بنصري. وهنا يأتي دور السؤالين الكبيرين: إذاً من الذي عبث بالكويت كل هذا العبث؟ ولماذا لم يحاكم؟ الجواب عند الحكومة ولا أحد غير الحكومة. هل هذا من العدل يا أولي الجلباب؟ وزراء تتحكم أقلامهم في حياة الناس وحياة أولادهم وأحفادهم، ورغم ذا لا يحاسبون على ما تقترفه أقلامهم تلك، ونحن الكتّاب لا حيلة لنا ولا حيل إلا الصراخ ملء أقلامنا، فإذا بهم يسعون جاهدين إلى سجننا وكسر أقلامنا ودلق أحبارها على أرجل كراسيهم! على أمل أن «نرفع أقلامنا ونجفف صحفنا»، وهو أمل – لو يعلمون – بعيد.

والمشكلة الأخرى أن الكويت هالكبر، وأهلها هالكثر، وكلهم داشين في بعض، هذا نسيب ذاك، وأولئك أخوال هؤلاء، وتعال فكك، أو تعال انتقد أحدا في مقالة، ستنهمر عليك أمطار العتب من أناس لم تكن تتوقع أن لهم صلة بالمسؤول الذي انتقدته، والمسؤول أصلا من النوع الغبي الذي يتكاثر في المناطق الاستوائية، وهو يدوبك يفك الخط السياسي: «ألِف بيم جيم طيم»، وجاؤوا به إلى الحكومة إرضاء لطائفته ومكافأة لعمّه أو عمته أو إحدى هاتين العقوبتين، ونحن كشعب لنا حرية الاختيار بين أن نضرب رؤوسنا بهذا الجدار أو ذاك الجدار، الدستور كفل لنا الحرية، ولم تلده أمه بعد مَن يجبرنا على جدار معين.

تدور الأيام، فيعُكّ المسؤول هذا كما جرت العادة، فتنتقده أنت كما جرت العادة أيضا، فيأتيك اتصال من عزيز قوم افتقدته سنوات، فتفرح باتصاله وتبادله الضحك وتغني له أغنية فيروز: «كيفك انتا، ملاّ انتا، كيفك قال عم بيقولوا صار عندك أولاد»، فيرد الضحكة بمثلها والأغنية بأحسن منها قبل أن يفاجئك: أفا يا فلان، ما هقيناك تضرب صاحبنا في مقالتك؟ / ومن هو صاحبكم؟ الوزير فلان / معقولة، الوزير فلان صاحبك؟ / نعم أنا زوج ابنته / أنعم به وأكرم من نسب، لكن لماذا لم تعاتبه هو قبل أن تعاتبني، لماذا لم تقل له: «أفا يا عم، ما هقيناك تضرب صاحبتنا الكويت»؟ فيأتيك رد صاحبك القديم صاعقا ناعقا: يعني وقفت عليه هو بالذات؟! فتستمر أنت في أجواء فيروز وتغني معها: «سلّم لي عليه». سلّم لي على البلد… راح.

محمد الوشيحي

واخا… ابركوا

هنا الكويت، حيث لا يحتاج كتّاب الزوايا إلى الجلوس في البلكونة المطلة على الحديقة أو التمشّي على البحر وضم الأيدي خلف الظهر بحثا عن موضوع أو فكرة مقالة. هنا الكويت، حيث فائض الأفكار، وفائض الأحداث، وفائض الأحزان (وهو الفائض الوحيد الذي يحتقر فائض الأموال العامة وينثر عليه ماي الغسيل من فوق). هنا الكويت حيث لا حل أمام أصحاب الزوايا والأعمدة الرومانية لمتابعة الأحداث اليومية، إلا بالكتابة سبع مرات يوميا إحداهن بالتراب.

هنا الكويت والأجر على الله، حيث ناصر الدويلة هو رجل المرحلة، الذي ستكون حملته الانتخابية الأكثر تكلفة على مستوى الكويت من المحيط إلى الخليج، وأظنه سيقوم بعمل عرض عسكري، وسيُسقط طائرتين للعدو، وسيحتل البحر الكاريبي، وسيتعامل مع الأسرى كما تنص معاهدات جنيف. والدويلة نحبه لأنه «حبة الفراولة» المزهوّة فوق كيكة الأوضاع.

هنا الكويت والحاضر يعلم الغايب، حيث الغيرة من الدويلة تمزق قلب المرشح علي الراشد، وحيث التنافس الشديد بينهما على رئاسة قسم «الدفاع عن الحكومة»، لأسباب لا يعلمها إلا رب الأرباب، الرازق الوهاب.

هنا الكويت، حيث ينوي عبدالواحد العوضي وبكل ثقة ترشيح نفسه من جديد بعد «عملته السوداء» في اللجنة المالية، وقد ينجح لأنه «حكيم» كما تشيع الحكومة وكتّابها، والحكمة هي كتابة البراشيم وترديد الترانيم. هنا الكويت، حيث بلعوم النائب السابق سعد الخنفور مازال في كرتونه، شد بلاده، محفوظا في مخازن الميناء، ثالث مخزن على إيدك اليسار وأنت داش من البوابة.

هنا الكويت، أو هنا الدائرة الخامسة، حيث سرت شائعات مريضة تزعم أن جابر المحيلبي وعبدالله راعي الفحماء وفهد اللميع ومحمد العبيد ومحمد هادي الحويلة وعصام الدبوس كانوا أعضاء في المجلس السابق، ويجري الآن التأكد من مرض الشائعات.

هنا الكويت، أو هنا الدائرة الثانية، حيث تتصارع حقول النفط، جاسم الخرافي، ومحمد الصقر، ومرزوق الغانم، وخالد السلطان، وهيثم الشايع، ومحمد المطير، ووو. ولو انتقل أي حقل منها إلى أي دائرة لضمن المركز الأول. لذا ولغير ذا يحقد أهالي خيطان على أهالي الصليبيخات ويسبون الجغرافيا ومخططي المدن ومقسّمي الدوائر، لأن «الحقول» تطرح طرحا ثريا جدا وذا قيمة، ومن جاور السعيد يسعد ومن جاور الحقل يحقل «ملو شليله مرتين».

هنا الكويت، حيث الحكومة الجلي، إن برّدتها جمدت وإن سخّنتها ساحت. هنا الكويت حيث الشعب الذي اقتنع جزء كبير منه بأن المسؤولية تتقاسمها الحكومة والمجلس، ولأن للذكر مثل حظ الأنثيين، فللحكومة ثلث وللمجلس ثلثان. وحدووووه.

واخا أسيدي، إن أردتم كلمة عاقلة من رأس مجنون فاحرصوا على تشكيلة البرلمان مرة وتشكيلة الحكومة ورئاستها أربعاً وعشرين مرة، فالعلة هناك لا هنا، أو «ابركوا وديروها في يد الله»، كما يقول المغاربة، واكتفوا عن النهضة بالتيمم والمسح على الوجه وظاهر الكفين والقدمين.

محمد الوشيحي

الجري والطاحوس والحبيني … والرسالة الشر

المقالة هذه كان من المفترض أن أرسلها عبر «المسج» إلى الثلاثة أعلاه، عبدالله الجري وخالد الطاحوس ومرزوق الحبيني، ولأن المسج سينفقع لو كتبت فيه كل هذا الكلام، قررت تحميل «آمال» مسؤولية توصيل الأمانة والأمل إليهم وإلى غيرهم، فالرسالة هذه خير لكنها كما الشر… تعمّ.

ومع أن حبل الصداقة يربطني بالحبيني والطاحوس، فإنه ليس طويلا كفاية ليربطني بالجري عبدالله، بل لم يسبق له ولي أن جلسنا معا أو شاهد أحدنا الآخر بالعين المجردة، ومازلت أجهل شكله ومضمونه، وإن كنت أسمع طشاش الثناءات عليه من هنا وهناك، وهذا ما يدفعني إلى ضمّه إلى «اللستة» التي أحب.

واخترت الثلاثة بالاسم لمكانتهم عندي وعند الآخرين، ولأن الأحاديث هاليومين تدور عن عزمهم خوض الفرعيات، أو التشاوريات كما نسميها في زمن الفستق والسيبال، لذا قررت أن «ألبد» لهم خلف سور المدرسة بالسكين لأقطع عليهم الطريق، وقد أنجح وقد لا أنجح. هذا إذا صحت الأقاويل والإشاعات عنهم.

والمصيبة أن نبكي لسقوط اسم الكويت – سهوا مع سبق «الإضرار» والتحفز – من كشف اهتمامات الناس، في حين تبرز بوضوح أسماء أخرى مثل «القبيلة والفئة والطائفة والمصلحة» في أعلى الكشف، ثم نأتي بعد ذلك لـ«نثقّل بالقلم» على حروف الأسماء الصغيرة… ليش؟

والكارثة أن نشارك الناس الحوقلة والحسبلة (لا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل) على البلد الذي يقوده دجالون ومشعوذون كذبوا على الناس وطووا بشت الدولة وارتدوا بشوت «المشايخ»، من أمثال مَن صرّح بأنه صلّى «صلاة الاستخارة» وحسم أمر خوضه الانتخابات، ونضحك بنحيب لأننا نعلم أنه – تقبّل الله منه – لا يعرف الفرق بين صلاة الاستخارة وصلاة الاستسقاء، وقبل أن تجف دموع ضحكنا نفعل مثله فنطوي بشت الدولة ونرتدي بشتا آخر، بشت القبيلة… ليش؟

والخطيئة أن يتفق البعض على وضع اليد باليد وتقييد الأرجل إمعانا في الثبات على الأرض في وجه جحافل «القبيلة السياسية»، وعندما تحين ساعة الجد ويلتقي الجمعان وترتفع البيارق وتلمع السيوف، يتلبّس هذا البعض الرعب فيزحف بعيدا ويفك وثاق رجليه وينضم إلى الجحافل خوفا وطمعا، ويترك صاحبه «الكاتب» وحيدا في العراء الطلق، يشحن قلمه بذخيرة الحبر، ويتصدى لقذائف اللعنات وهو يردد بيت ابن رشيد «عيب(ن) على اللي يتّقي عقب ما بان، وعيب(ن) طمان الرأس عقب ارتفاعه»… ليش؟

سيكذبون عليكم بقولهم: «ما حنا لحالنا، أو لسنا وحدنا، انظروا إلى أعضاء التيارات السياسية وتصفياتهم»، وليتكم تردون على حجتهم بحجة أطهر منها وأشرف: «فلنفترض أن أعضاء التيارات تلك بتصفياتهم أخطأوا بحق الكويت – وهو كلام غير صحيح لكننا سنسير معهم (لحدّ باب الدار) – لنفترض ذلك، فهل سندافع عن الكويت ونصد هجومهم أم سنفتح جبهة أخرى على الكويت المحاصرة؟». قولوا لهم: حجتكم هذه يأنف عن بيعها سوق الجمعة لرخصها.

الجري والطاحوس والحبيني، قد تحرجكم الرسالة الشر هذه، لا أدري، ولكن انظروا إلى جهّال القبيلة ومصبنتها، في أي صف هم، وحكّموا ضمائركم وحبكم لهذه الحزينة التي تدعى… الكويت.

محمد الوشيحي

عذراً… يمّه وضحة

والفرس ومربط الفرس وعنانها والجوكي كلهم في يد الحكومة، ونحن الشعب نقسم أوقاتنا ما بين شوية لعن ظلام على شوية إشعال شموع، إلى أن خلت الأسواق من الشموع، وأضحت نادرة كتصريحات الحكومة.

الكويت اليوم مهزومة، وبالرب أقسم على أن هذه الجملة ليست مبالغة ولا تشبيها ولا كناية، هي هكذا حرف ومعنى، مبتدأ وخبر، «الكويت مهزومة»، بسبب حكوماتها المتعاقبة، لا دخل للبرلمان ولا للشعب في الهزيمة، صدقوني، مهما أشاع حسنو النية وملعونو الخيّر. الكويت مهزومة، والحكومة -قائد الجيش المهزوم- ليست ببجاحة جمال عبدالناصر في 56 ولا «حزب الله» في 2006 ولا «حماس» في 2008 لتعلن انتصارها. هي انتهجت المصداقية وأعلنت الهزيمة، لكنها حمّلت المسؤولية للغبار والطوز! خربط بربط ضب اضبابة الليلة بلاغة بلغت اندر.

يا صاحبي الظمآن، لا تتلفت بعيدا بحثا عن أجوبة لأسئلتك، الأسئلة كلها والأجوبة في يد الحكومة، وإذا لم تقُدْنا حكومة فولاذية فسينتشر الشينكو وستتساقط الأعمدة، وإنْ لم تغير الحكومة خططها البالية فستفنى الكويت عن بكرتها ومغزلها، وما لم يتقدم صفوف الحكومة من يخاف الله ويخشانا في الحق فستبلى الملابس السوداء على أجساد نسائنا. فهل آن لنسائنا ارتداء الوردي ومتابعة آخر صرعات الموضة، أم توّ الناس يا قمرنا؟

وأنا مثلك، أمقت مقالات الخطب كمقتي لأنانية كتّاب السلطة وجشعهم – الذين يكتب أحدهم مقالته، وقبل أن يرسلها إلى الصحيفة يرسلها إلى هناك وينتظر الـ«لا مانع» ثم يتصل على البنك ليسأل عن آخر ست عمليات – لكن كي لا ينسى البعض، اقتضى التنويه ورفعُ السبابة: الكويت أكبر من الأسماء كلها، كلها دون استثناء. الكويت أكبر من أي مسؤول يرفض صعود المنصة. الكويت أهم من تراتبية أبناء الأسرة الحاكمة، وسياسة «الكبير أحق من الصغير» كما كانت جدتي وضحة رحمها الله تردد. الكويت أكبر من حكومة تتعالى على الناس وترفض تخصيص ساعة يتيمة في الأسبوع لتخرج إليهم في وسائل الإعلام وتحدثهم في شؤونهم. الكويت أكبر من البشوت الجوفاء.

أكتب هذا قبل أن أعرف مَن سيرأس الحكومة ومن سينضم إليها، لكنني أعرف أن الكويت أهم من هؤلاء كلهم وأكبر، مهما كانت بيانات بطاقاتهم المدنية، لذا اقتضى التنويه.

***

في زحمة تنويهاتي، لا أريد أن أنسى الخطاب الذي أرسله رئيس الفتوى والتشريع الشيخ محمد محمد السلمان الصباح، موضحا فيه أن «إدارة الفتوى والتشريع التابعة لمجلس الوزراء لم تحضر اجتماع اللجنة المالية، كما ذكرت أنا في مقالتي «اللي اختشوا ماتوا».

فعلا، كلام الشيخ محمد صحيح، والجهة التي حضرت الاجتماع هي «إدارة الإفتاء» التابعة لوزارة الأوقاف. لذا اقتضى التنويه والاعتذار… والشكر.

محمد الوشيحي

الشيك بالشيك يُذكر

الحمد لله استقالت الحكومة، وستأخذ لفة على قطعة أربعة وستعود لنا مرة أخرى بعد شهرين: «بخ، أنا الحكومة القديمة رجعت من جديد»، فنضحك كما الأطفال على محاولتها الفاشلة لتغيير الـ«لوك»، ونكركر ونكعكع ونضرب كفا بكف وسنّا بسن والبادي أظلم! مشهد جميل يتكرر للمرة المليون وسبعة.

لا جديد تحت سقف الشمس. زرقاء اليمامة الكويتية شوهدت في عيادة طبيب العيون تفرك عينيها وتشتكي جفاف القناة الدمعية بعدما أعماها الغبار. والغربان غادرت الصومال الشقيق في اتجاهنا بحثا عن بلد حوّلته حكومته إلى جيفة لا عرق فيها ينبض. وأكْل الميتة حرام، لكن الغراب كافر والجوع أشد كفرا، ثم ان الكويت لم تمت فطيسة، لذا فهي ليست ميتة، هي متردية، كانت على قمة جبل فسقطت، أو أُسقطت، بضم «الألف» على الصدر كما تضم الغندورة كتابها.

وأقسم قسما، لو كانت هذه الحكومة امرأة لمات أبناؤها جوعا، ولامتلأ بيتها ذبابا، ولطلّقها زوجها ليتدارك ما تبقى له من عمر، حتى إنْ كانت أجمل النساء، فما بالك وهي قبيحة دميمة، لا ودود ولا ولود، ولا وجه في المقعد ولا جسم في المرقد.

استقالت الحكومة، إلى حيث ألقت رحلها، بعدما خلفت لنا طبالين وراقصات، من قنوات فضائية تعلمنا الوطنية بالكاسور واللطميات، وصحفا صفراء شاحبٌ لونُها، وكتّابا برائحة الثوم السوداني، ونوابا لشدة ورعهم لا تدري شمالهم ماذا قبضت يمينهم. وهؤلاء كلهم سيموتون جوعا بعد موت وليّهم.

استقالت الحكومة الرفلى الشعثاء، يا ما أنت كريم يا رب، بعدما عجزت عن إدارة دولة هالكبر ذات فوائض مالية كانت تشغل بال خالد السلطان.

استقالت الحكومة، والطريق اللي يودّي، وارفعوا أيديكم معي بالبكاء والنشيج والدعاء: «اللهم يا رب الأرباب، قيّض لبعض النواب القدرة على الاعتذار عن عدم قبول العانية مرة أخرى».

استقالت الحكومة، وسيحل البرلمان وستجرى الانتخابات خلال شهرين، وسنبدأ رحلة جديدة، لأن الرحلة الماضية غير محسوبة، يحسبوها ازاي عليّا، ولن تؤثر نتائج الانتخابات بقدر ما سيؤثر اسم رئيس الحكومة الذي يمتلك سيارات الرحلة ومؤونتها.

استقالت الحكومة، وحذفنا وراءها سبع حصوات، والطق في الميت حرام، أو الطق في المتردي حرام (للمرة الثانية أخطئ)، وانتهت حقبة وابتدأت أخرى، حقبة ما بعد ناصر الدويلة، أعجب نائب مر في ذاكرة تاريخ الكويت.

وفي دستور كوريا الجنوبية هناك مادة تقول: «الحكومة مسؤولة عن بث السعادة في أرجاء البلاد»، وحكومتنا المتردية استطاعت مرة واحدة بث السعادة في الأرجاء، عندما استقالت… بالسلامة، وعيّدي يا كويت.

محمد الوشيحي

اللي اختشوا ماتوا

نوابنا المتدينون تحفة، نواب المناطق الخارجية منهم يتسلحون بفتاوى تبيح شراء المديونيات، ونواب المناطق الداخلية يتحججون بفتاوى تحرّم ذلك، وكأن إسلام الدائرة الرابعة يختلف عن إسلام الدائرة الثانية، وبحسب رغبات ناخبيك اختر فتواك.

هي قاعدة: المتدينون الساسة يتكاثرون بين الشعوب القليلة التعليم، والدليل أن أحفاد الدولة الإسلامية في حركة حماس أرسلوا «ايميل» للمذيعة الأميركية السمراء أوبرا وينفري يقولون فيه: «جربي ارتداء الحجاب يوما واحدا وستشعرين بقيمتك الحقيقية». وأجزم بأن أوبرا لو قرأت الإيميل لكتبت لهم: «جربوا أنتم احترام المرأة، جربوا أن توفروا لها التعليم المناسب والتطبيب المناسب وفرصة العمل المناسبة، جربوا التركيز على لب الموضوع لا قشوره، جربوا عدم الضحك على الناس باسم الدين، دعوا حجابي وركزوا على مصائب شعبكم، وستشعرون بقيمتكم الحقيقية». وستعنون أوبرا إيميلها بالمثل المصري «اللي اختشوا ماتوا».

ما علينا من حماس، نعود إلى الكويت… في السابق كان نواب الحكومة يخجلون من كلام الناس، واليوم يأتي النائب المتدين خالد السلطان ليعلن بالخط الكوفي وبكل ثقة أنه «بإمكان الحكومة الاعتماد على الأغلبية العاقلة في المجلس»! أي أن النواب المعارضين هم مجموعة من المجانين يسيرون في الشوارع ويحذفهم الصغار بالصخر. «يضرب قلبو شو بيذل» هذا الكرسي الأخضر، كرسي البرلمان، يجعلك تهذي بلا شعور. وليت الصديق الرائع بدر ششتري، ذا الأربعة والعشرين عاما، يتبرع بجزء من وقته ليشرح للسلطان أهمية الدستور والدولة المدنية وحق الشعب بالمشاركة في الحكم والاستجواب. وكان بدر قد علم بأن صديقه رُزق مولودا، فاتصل به ناصحا: «كبّر في الإذن اليمنى للمولود، واقرأ المادة السادسة من الدستور في الأذن اليسرى». ما أروعك يا بدر.

يا صاحبي، خزعبلات المتدينين لا تنتهي والناس لا يريدون أن يستيقظوا من سباتهم. خذ عندك أيضا هذه المعلومة، حضرت «الفتوى والتشريع» جلسة اللجنة المالية لمناقشة «شرعية المقترحات الاقتصادية»! فشرعنت مقترح مرزوق الغانم ورفضت مقترح محمد هايف، وقبل خروج جماعة الفتوى والتشريع شكرهم هايف على شرعنة مقترحه! فاحتجوا: «رجاء لا تتقوّل علينا، نحن لم نشرعن مقترحك، ونتمنى أن توجّه سؤالك إلينا كتابة وسنجيبك كتابة، إذا كانت الأمور بهذه الصورة». وليت الفتوى والتشريع تصرّح بفتواها للصحف ليعرفها الناس.

واليوم، لو حُل البرلمان، لحصد هايف الأصوات وتصدر الترتيب بلا منافس، لماذا؟ لأنه حمى مساجد الكويت من «الغزو الصليبي»، وتقدم باستجواب «شينكو» دفاعا عن المساجد. لكن ماذا نقول إذا كانت الحكومة نفسها حكومة شينكو! والمضحك أن خالد السلطان، وهو سلفي أيضا مثل هايف، يرفض الاستجواب، فهل هذا يعني أنه يؤيد هدم المساجد؟ الجواب عند هايف. والدين كان في السابق ينقسم إلى طوائف ومذاهب والآن قسموه إلى مناطق وناخبين. عجبي.

محمد الوشيحي

العدساني… الملط

ملعون أبو من ألّف الحكمة الجبانة: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، أستغفر الله، لعْن الأب حرام، ملعون جده الأكبر لأنه غش الحكومة فصدقته، وسكتت وخرمست، وتركت «السكان» أو مقود السيارة وقفزت تزاحمنا على «الكشن الورّاني».

أيها الحفل الكريم، عليّ الطلاق «ما في الحمض أحد»، وليس لديكم حكومة كما بقية البشر، رغم كل الصحف والقنوات التي تطبل لها، ورغم انضمام «بعض الكتّاب» إلى الفرقة الاستعراضية الراقصة، مرددين حكمة المومس الفاضلة: «ورانا عيال». اللهم أعط كل مومس على قدر نيتها الطيبة، وليّن خصرها لتؤدي وصلتها بما يرضي الضمير. ومن هنا إلى أن تسترد الحكومة منصب «الناطق الرسمي» من النواب الذين استحوذوا عليه بوضع اليد، دعونا ندردش مع رئيس ديوان المحاسبة عمنا الكبير عبدالعزيز العدساني، وهو من أفرحنا خبر توليته المنصب الحساس هذا، ورحنا نبوس أيدينا شعر ودقن، على رأي اللمبي.

شوف يا عمنا أبا يوسف… في مصر، لا يحلف الغلابة هناك إلا برأس الدكتور «جودت الملط»، رئيس جهاز المحاسبة المركزي، وهو ما يعادل رئيس ديوان المحاسبة عندنا. لماذا؟ لأن صاحبنا الملط ملو هدومه. وأتمنى عليك أن تتابع ما يُكتب عنه هناك، وأن تقرأ ما دار في جلسة مجلس الشعب من مشادات بينه وبين بعض الوزراء. هذا الملط الشريف عرّى وكشف مصائب وألاعيب بعض الوزراء، فهاجوا فهاج، وماجوا فماج، لأنه لا يقبل الاعوجاج. وها هم الناس، والشباب خاصة، يرتبون صفوفهم للوقوف خلفه ودعمه وإعلان مساندته في وجوه الغيلان. وبطولة الملط أنه جاء إلى مجلس الشعب يحمل معه ملفاً لكل وزارة، مبيناً فيه «مؤشراً عاماً» لأداء الوزارة هذه السنة، إلى الأعلى أو الأسفل، شوف البطولة! يعني أنت يا الوزير الفلاني تسببت في هبوط أداء وزارتك، بحسب المؤشر، وأنت يا فلان ابن فلانة (بالاسم والمنصب) رفعت أداء الوزارة، فاتضحت الصورة أمام النواب والصحافة والشعب، والدين ممنوع والعتب مرفوع. وليت النظام هذا يطبق في الكويت.

أبا يوسف، هات أذنك لأهمس لك، أو خلّك قاعد، الحق لك، أنا سأنهض لأهمس في أذنك: السيد نشطراوس، رئيس ما يعادل ديوان المحاسبة في إسرائيل، يعلق على حائط مكتبه جملة قصيرة اقتبسها من قانون الدولة «إن الوزراء والمسؤولين خدم للشعب لا سادتُه» (راجع قانون الدولة الإسرائيلي). نشطراوس هذا هو من أحال رئيس الوزراء أولمرت إلى المحكمة الجنائية، ليش؟ لمخالفتين ارتكبهما عندما كان وزيرا للتجارة والصناعة، تم اكتشافهما أخيراً، إحداهما (تخيل)، الحصول على تذاكر طيران مجانية هدية له ولزوجته من إحدى الشركات بما يعادل ألفي دولار، أكرر ألفي دولار، وهنا تبرز شبهة الانتفاع من المنصب الوزاري! شوف جشع ابن اليهودية. وتم إدخال الشركة في القضية كمتهم مشارك في جريمة الرشوة للتدقيق على صفقاتها منذ ذلك الحين إلى اليوم! وفي الكويت لا يقبل سمو رئيس الحكومة الصعود على المنصة لكشف مصروفاته التي تعادل نحو سبعين مليون دولار.

آمالنا و«هقوتنا الطيبة فيك»، قبل عيوننا، شاخصة تجاهك. لا تنسَ أبا يوسف. أرجوك لا تنسَ أنك مسؤول، والوزراء والمسؤولون خدم للشعب لا سادته.

* * *

غداً الجمعة سأكتب معلقاً على توضيح الهيئة العامة للبيئة، الذي بثته (كونا)، والذي نفت فيه خطورة الموضوع… انتظرونا.

* * *

رحم الله العم بو بدر، هيف سعد الحجرف، وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا وآل حجرف الكرام الصبر والسلوان.

محمد الوشيحي

الجهراويون… لا يعيدون الأحذية

الزميل مساعد مدير التحرير سعود العنزي، ذو القلب الوسيم (معذرة بو راشد، كتبت «الزميل الوسيم» ومسحتها بعدما تذكرت أن «حبل الكذب قصير») اقترح علينا، نحن الكتّاب، التعقيب على تعليقات القراء المنشورة في موقع الجريدة، من باب التفاعل مع القارئ.

أثناء حديث أبي راشد تذكرت اللقاء الذي أجراه معي «منتدى الشبكة الوطنية»، أكبر موقع إلكتروني كويتي، وكان ضمن آليات اللقاء «الرد المباشر على أسئلة أعضاء المنتدى مدة ساعتين»، وامتدت الساعتان إلى عشر ساعات، هذا مع الاستعجال. وبسببي أُلغي بند الأسئلة المباشرة نهائيا.

يمينا بالله، سأعُك الدنيا، وأخشى أن تُطلَّق نساء وتترمل أخريات إذا تم الاعتماد عليّ في الكمبيوتر والإنترنت. والزملاء هنا في «الجريدة» يعرفون غشامتي الفاقعة في الكمبيوتر رغم أنني مهندس! لكن هذا لا يمنع متابعتي لأغلبية – أو كل – ما يُكتب عني في الإنترنت واستمتاعي بمعرفة بعض المعلومات عني، التي لم أكن أعرفها من قبل. وقد كتب أحدهم أن «الوشيحي يتعرض للطرد من ديوانيات قبيلته بعد مهاجمته الانتخابات الفرعية»! قرأت ذلك وتذكرت أنني كنت البارحة ضيفا على الشيخ فيصل خالد بن حثلين، وقبلها كنا نفكر في السفر معاً، أنا ومحمد سلمان بن حثلين، وقبلها أيضا وبعدها حاولت وأحاول أن ألبّي أكثر عدد ممكن من الدعوات لزيارة دواوين أبناء العمومة، وأتشرف بذلك. وسرت الإشاعة وتكاثرت ونصحني الربع بالرد والتوضيح فرفضت.

وكتب آخر: «صحافة آخر زمن يكتب فيها الصيّاع، والوشيحي أحد أبناء الشوارع المعروفين في منطقة الجهراء»، وهذا كذب بواح عطره فوّاح، والصحيح أنني «كنت أحد أبناء الشوارع المعروفين في الصباحية العظيمة»، ويبدو أن صاحبنا ضعيف في الجغرافيا. والجهراء زرتها مرة واحدة – أثناء الحقبة الشوارعية – بدعوة كريمة من أحد الأصدقاء للمشاركة في هوشة، وأتذكر أننا عندما وصلنا إلى الجهراء والتقى الجمعان في الموعد والمكان المحددين، وخلال ساعة أو أكثر قليلا، تفرق الأعداء بددا وكانوا أقل منا عددا. وأثناء تقاسمنا الغنائم (أحذية الأعداء)، مرّ بجانبنا ابن عم صاحبي يجري هاربا بأقصى سرعة، وكان سمينا يشار إلى كرشه بالبنان، وقال لنا كلاما لم نفهمه، الله لا يوفقه، وضحكنا على منظر فخذيه أثناء هروبه، ويبدو انه لايزال يجري هاربا إلى اليوم، وخلال دقيقة حلّت الطامة، وكبس علينا الأعداء يرافقهم اخوتهم الكبار (كان متوسط أعمارنا ما بين 12 و 13 سنة، بينما كان الأعداء الجدد على مشارف العشرين من أعمارهم)، وسبحان الله تبدلت الأحوال، وأخذوا هم أحذيتنا غنائم، والأحذية يوم لك ويوم على دماغك، وعدتُ إلى الصباحية مظفرا حافيا أعرجَ بعين زرقاء، لكنني تماسكت، والله على ما أقول شهيد، ولم أبكِ إلا بعدما دخلت البيت.

شطح القلم، وشطحت معه إلى الجهراء، وابتعدت عن موضوع التعليقات والردود عليها. وأظن أنه من باب أولى أن أرد على الإيميلات التي تصل إليَّ، بدلا من أن أكتفي فقط بقراءتها من دون رد، لأن الكثرة تغلب الشجاعة. ثم إننا ككتاب لدينا المساحة لطرح آرائنا فلماذا نزاحم القراء في مساحاتهم؟ ومع ذلك سأحاول أن ألبّي طلب الزميل أبي راشد، وذنبه على جنبه، وسأرد على التعليقات «في حدود موضوع المقالة».

* * *

بعدما دفع الزميل نبيل الفضل آلاف الدنانير تعويضا للنائب مسلم البراك، ضحكت إلى أن انكشف حساب دموعي وأعلنت إفلاسها، وهات يا شماتة على حبيبنا الخارج على القانون نبيل بن فضل، وسرّبت اشاعة بأنه يبيع عفش بيته للوفاء بمبالغ البراك، ثم اتصلت بالنائب البراك مهنئا: «راعي النصيفة سالم يا بوحمود»، ودارت الأيام، وها هو وزير المالية مصطفى الشمالي يرفع ست قضايا على البراك، وهي حادثة تحدث للمرة الأولى في تاريخ الكويت، أن يرفع وزير دعاوى قضائية على زميله النائب وهما متزاملان في البرلمان نفسه!

ولو استشارني النائب البراك لنصحته بأن يجمع الاثنين، الفضل والشمالي، ويطلب من الأول تحويل الغرامات مباشرة إلى الثاني، اختصارا للوقت! ولأن للصاحب على صاحبه حقا، فسأفتح باب المزاد على عفش بيت مسلم البراك: خمسة آلاف دينار… تبيع؟

والأخبار السعيدة لا تأتي فرادى، إذ بلغني أن النائبين عبد الصمد ولاري رفعا دعاوى قضائية ضد الزميل في جريدة «الراي» سعود العصفور، وبما أن أبا عبدالعزيز لا يمتلك بيتا فأنا على استعداد لشراء سيارته على خرابها.

محمد الوشيحي

بيج مقلّمة

كمال أتاتورك – أحد الرجال الذين يستحقون كلمة «والنعم» قبل أن يتم توزيع هذه الكلمة بالمجان على بوابات الأسواق المركزية – تولى رئاسة تركيا وهي مهزومة ومفتتة ومنكسرة تتناهشها الذئاب والأسود والنمور والضباع، فأعلن موعداً لإلقاء كلمته، فاحتشد الناس، فوقف وقال كلاما أبكى الجبال والسحب، وبدأ حديثه بصرخة من أقصى حباله الصوتية: «رددوا خلفي: انهضي… تركيا»، فرددوا. وقال محافظ اسطنبول، أو رئيس بلديتها (لا أتذكر) في كتابه: «كانت خطبته مسائية، وكانت ليلة مهيبة، كنا نردد خلفه ببكاء: انهضي تركيا، كنا نسمع صدى أصواتنا في السماء، كانت الأرض تهتز وكانت الجبال تبادلنا الصوت بصدى، كانت تلك اللحظة بداية تركيا الحديثة، تركيا القوية، الواثقة، المدنية، العادلة، كانت صرخاته وصرخاتنا تعلن بداية نهوض تركيا العظيمة لتعود كما كانت وأفضل».

وبالفعل، انتصرت تركيا في عهد أتاتورك في جميع حروبها واستردت أراضيها المسلوبة، بعدما انتصر الانسان التركي من الداخل على هزائمه النفسية، وبعدما شاهد الناس العرق على جبين قدوتهم أتاتورك. وفي الكتاب ذاته يستغرب المحافظ (أو رئيس البلدية) من نشاط أتاتورك الخيالي: «ساورني الشك أنا ونظرائي في أن أتاتورك ليس شخصا واحدا، كان يتنقل بسرعة بين المدن ليتفقدها، وكان يكرر: قدموا إلى تركيا والأتراك كل ما تستطيعون»، ويشدد على أن «تركيا تتسع لجميع الأديان والطوائف، فتعبدوا كما تشتهون، ويا ويل من يتجاوز على الآخرين»، ونفذ وعيده، فغادرت الطائفية تركيا إلى غير رجعة، ويضيف الكاتب: «قال لنا، سأغفر الأخطاء غير المتعمدة لكنني سأقسو بشدة على الكسالى»، وكان يكرر: «القائد يتحمل المسؤولية لا مستشاروه، فإذا صلح القائد انتقى خيرة المستشارين، لا يحق للقائد إلقاء المسؤولية على مستشاريه»… ونهضت تركيا من الداخل والخارج، وطاولت رقاب الأتراك النجوم. ثم مات أتاتورك، فبكى المتدينون عليه قبل العلمانيين.

الشعوب تتذكر عظماءها من أمثال اتاتورك، بل وتتذكره الشعوب الأخرى. وفي مكتب أتاتورك في أنقرة، سألني «بو عنتر»، ولي عهدي سلمان ذو الستة أعوام: «هذا اللي صورته عندنا بالبيت؟»، فأجبته: نعم، هذا أتاتورك العظيم.

وفي الكويت «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة»، كما ينص الدستور، ومجلس الوزراء يرأسه الشيخ ناصر المحمد، وهو قيادي حازم، في عهده أضحت الدولة كما الزبدة تحت شمس آب، فانكسرت الكويت بعدما انكسرت نفسيات الكويتيين من الداخل، وانتشرت «القوارض» الطائفية والعائلية والقبلية والاقتصادية والفئوية، وارتدت «القوارض» بشوتا، وبكينا دما على ديرة كانت هي الأجمل في السهرة، وكان فستانها الأشيك، وإطلالتها الأميز، فانتُهك كل ما فيها كي لا يصعد ناصر المحمد المنصة، وتحملت، ولم يُشترَ لها فستان واحد يسترها أمام الضيوف، وتحملت، وجاعت رغم غناها، وشحب وجهها، وبانت على خديها آثار دموع القهر.

آخ كم بكينا البارحة على فحوى الرسائل المتبادلة بين الرئيس والنائب محمد هايف. آخ يا بلد. وأخشى أن نقرأ غدا: «سأستجوب الرئيس إذا لم يلبس فانيلة بيج مقلّمة».