محمد الوشيحي



تكنكني ولا تعشيني

يقف أحدهم مزهواً أمام الجمهور ويمسك المايكروفون ولا موسوليني أيام عزّه، ويفتح فمه لتتساقط منه الدرر: «لكي ينهض البلد من كبوته، يجب الاعتماد على وزراء التكنوقراط، فيتسلم وزارة الصحة طبيب مختص يفقه شؤونها الفنية، ويتسلم وزارات الأشغال والطاقة والبلدية والمواصلات مهندسون، ويتسلم وزارة العدل قاضٍ، والأوقاف شيخ دين، والداخلية والدفاع للضباط…»، وهلمّ جرّا وسحلا في الشوارع العامة والأزقة! يا عمنا البليغ حمدي ترفق بنا يرحمنا ويرحمك الله، وحاول أن تفهم أولاً طبيعة مهام الوزراء قبل أن تتحدث.

شوف يا عمنا بليغ، رحمة الله عليك، صحيح أن البلد كبا ووقع في حفرة لا قرار لها، وصحيح أن لديه تذكرة درجة أولى وأن الـ»بوردنغ» في جيبه لاستكمال رحلة السقوط الميمونة، أو المينونة كما يقول الحضر، لكن السبب ليس في شهادات الوزراء الجامعية، بل في المنهجية كلها.

فحكومات التكنوقراط تضطر إلى اللجوء إليها الدول الخارجة للتو من كوارث، حرب أهلية مثلا، أو احتلال، أو ما شابه أباه، بحيث يضطلع الوزراء بمهام الوكلاء، وبحيث المطلوب حينذاك المحافظة على الموجود على الأرض، لا رسم سياسات التطوير ولا التنمية ولا التخطيط، ولا التعامل «السياسي» مع الأحداث، ولا مشاركة بقية الوزراء في «الهيمنة» على مصالح الدولة. أكرر «فقط المحافظة على ما هو موجود على الأرض ووقف التدهور إلى حين تشكيل حكومة من الساسة».

ولعلم صاحبنا البليغ حمدي، وكل البلغاء والبالغين، أن من صلاحيات الوزير، أي وزير، مناقشة زملائه الوزراء في أمور وزاراتهم، والتصويت على أي قرار ينوون اتخاذه. وأتذكر جيدا ما أبلغني به المرحوم د. أحمد الربعي – أمام شهود – أنه ومشاري العنجري، عندما كانا وزيرين، رفضا شراء طائرات لمصلحة الخطوط الجوية الكويتية بحجة الشك في التنفيع والاشتباه في دخول مصالح خاصة في الموضوع. والعنجري حي يرزق، أطال الله عمره، وبالإمكان الاستفسار منه للتأكد من صدق المعلومة.

هذا مثال لصلاحيات الوزراء ومهامهم، ونسيت أن أشير إلى أن الربعي متخصص في الفلسفة، وكان وزيرا للتربية يومذاك، والعنجري في المحاسبة وكان وزيرا للعدل، ولو أن أحدهما قاد طائرة لدفعت «الكويتية» التعويضات لأسر الركاب الضحايا في اليوم التالي مباشرة، لكنها «مصالح الدولة» التي كفل الدستور لهما المشاركة في الهيمنة عليها. وقس على ذلك.

ومن ينادي بالتكنوقراط كمن ينادي بأن «يبتلش كل وزير بوزارته»، أو أن يدخل الوزير اجتماع مجلس الوزراء رافعا شعاراته «محد له شغل فيني» و»سيب وأنا أسيب»، وهذا إخلال بمواد الدستور ومبادئه وطعنة له في الترقوة، وخمبقة في ليلة خميس.

وما يفعله بعض الوزراء الآن يُسمى في علم قيادة الدول «هجص بأجنحة مطاطية تمنع التسرب»، لأن الموافقة على نقل موظف من إدارة إلى أخرى هي من صميم صلاحيات الوكيل والوكيل المساعد، لكن الوزراء «شفطوا» هذه الصلاحية وأدخلوها في حساباتهم الجارية ليقايضوا بها النواب.

ثم تعال لنتخيل وزير الصحة، الطبيب، وهو يتحدث مع وزير المواصلات، المهندس، عن الألياف الضوئية وضرورة تناولها ثلاث مرات بعد الأكل! للمرة المليون، القضية مش قضية تخصص بقدر ما هي قضية سعة الاطلاع واستشارة المختصين ثم القدرة على اتخاذ القرار، وضرورة توافر الغطاء النيابي للوزير، وأمور أخرى. فاكتشاف انهيار الخدمات الصحية، على سبيل المثال، لا يحتاج إلى سؤال طبيب ولا مجرب، الفراش البنغالي يعرف ذلك، ويعرف ان الأمر لا يتطلب أكثر من زيارة واحدة لمستشفيات النمسا ومحاكاتها إداريا وفنيا، لكن ماذا نقول غير «الله يكون بعون كل العاشقين».

الحديث يطول، واختصاره أن وزير الصحة، على سبيل المثال أيضا، مسؤوليته أن يناقش الوزراء في عدد المستشفيات المطلوبة ومساحات الأراضي الواجب توافرها والميزانيات المطلوبة، ويضع ذلك كله في خطة الدولة (لا ادري لماذا تضحكني كلمة «خطة الدولة»)، بينما يهتم وكيل الوزارة بالتفاصيل الفنية، ويتفرغ الوزير بعد ذلك لمناقشة بقية الوزراء في شؤون الدولة كلها. 

محمد الوشيحي


 قرر… فأصبح

خمس عشرة قناة فضائية محلية، ونحو ثلاثة برامج عن الانتخابات في كل قناة، أي خمسة وأربعون برنامجا عن الانتخابات تُعرض يوميا. والمصيبة ليست هنا، أبدا، فالتنافس جميل، المصيبة هي أن البعض استيقظ من نومه فوجد نفسه بلا عمل وهو في «عز الموسم»، وعن طريق الأصدقاء عرف أن القنوات تبحث عن معدين فقرر أن يصبح معدا للبرامج، وعرض خدماته على أصحاب القنوات، فاستقبلوه بالطبلة والمزمار، على اعتبار أن «معدي البرامج» عملة نادرة، وهكذا… «قرر فأصبح».

والمصور فجأة وفي غمضة عقل «قرر» فتحول إلى مخرج، والنجار قرر فأضحى مهندس ديكور بين نكسة وضحاها، والكاتب أصبح مذيعا، والمحرر معدا، و»تك تك تك يا ام سليمان، تك تك تك جوزك وين كان، تك تك تك كان في الحقلة، عم يقطف خوخ ورمان». والحمد لله أن أحدا لم يقرر أن يصبح فيروز.

وتعال شوف إعلامنا هذه الأيام واضحك حتى تنفقع أسنانك، تعال شوف أحد المذيعين وهو يتمنى أن ينجح المرشحون كلهم! الأخ لا يريد أن يُغضب أحدا. وتعال شوف مذيعا جلس على كرسيه، حفظه الله، (الدعاء بالحفظ للمذيع وليس للكرسي) من دون إعداد ولا تدريب ولا تخصص ولا موهبة، وبدأ بالكليشة الغبية «مشاهدينا الأعزاء»، ولا أدري متى نشأت المعزّة بينه وبين المشاهدين، قبل أن ينثر أسئلته الجوهرية على الضيف: هل هذه أول مرة ترشح نفسك فيها؟ فيرد الضيف: شلون أول مرة وأنا نائب سابق! فيحاول المذيع ترقيع الموقف: لا، أنا أقصد هذه السنة؟ فتخرج إجابة الضيف من بين ثنايا قهقهته مترنحة سكرى، ومن يلومه: «كم مرة تبيني أترشح؟»! فيكحّل المذيع مصيبته ويعميها: «ما شاء الله شكثركم، لخبطتونا». لخبط الله مصارينك مذيعنا العزيز.

على أن أسهل الأسئلة وأغباها (اثنان في واحد) هو: «ما رأيك في…؟»، ما رأيك في تدهور مؤسسات الدولة؟ ما رأيك في تردي الخدمات؟ ما رأيك في صراخ النواب؟ واسحب معي «ما رأيات» لا حصر لها ولا خصر، أسئلة يستطيع طرحها مذيع من أي جنسية، وصل للتو إلى الكويت، ولا يعرف شيئا عن شؤونها الداخلية… وتتوالى الـ»ما رأيات» هذه إلى أن ينتهي وقت البرنامج، و»نلقاكم غدا أعزاءنا المشاهدين»، ثم نفاجأ بعد انتهاء البرنامج وظهور أسماء فريق البرنامج بوجود أربعة معدين! هل كيف؟

يا سيدي، يرحم الله تخبيص الحكومة مقارنة بتخبيص بعض الفضائيات. نقول ما نقول بعدما ضاع سمين الإعلام بين قطعان الغث؛ الديكور غث، والإضاءة أغث، والتصوير وإلاخراج أغث من الغث، والإعداد والتقديم كارثة تمشي على غث. لطفك اللهم وعطفك، اغفر لنا جهلنا يا رب فقد كنا نظن أن انقطاع الكهرباء نقمة، فتبين لنا اليوم أنها نعمة ينقصها الشكر. اللهم اقطع عنا الكهرباء عاجلا غير آجل، اللهم واقطع عنا بعض الوجوه، اللهم – وأنت القادر – خفف عنا الغباء… آمين. 

محمد الوشيحي


الكوع…
مجرّم صحافياً

كي يُخرجنا من الجدية والكآبة المسيطرة علينا، كما ادعى، قال أحد الأصدقاء للموجودين في الديوانية: «هناك موقع إلكتروني يحدد للانسان متى سيموت إن هو أجاب عن الأسئلة بدقة، ولنبدأ بك يا بوسلمان»، فوافقت، فشرع يسأل وأنا أجيب، وجاءتني النتيجة: «مبروك، ستموت عن عمر يناهز 63 عاما، بالرفاء والبنين».

الأسئلة – للأمانة – كانت دقيقة وعلمية ومقنعة، وكل سؤال مكتوب بجانبه سبب طرحه. على سبيل المثال: اختر الاجابة الصحيحة، هل تتناول الفواكه بشكل يومي، أم شبه يومي، أم أحيانا، أم نادرا؟ ويأتيك الشرح بأن الفواكه تطيل العمر وتحافظ على الصحة وما إلى ذلك من تفسيرات علمية، وسؤال آخر: هل تعيش في المدينة أم في الريف؟ وسبب طرح السؤال هو أن سكان الريف أطول عمرا من سكان المدينة، وهكذا… لكن العباقرة الذين اختاروا الأسئلة نسوا أسئلة في غاية الأهمية: هل تعيش في دولة شعبها مفتت ومتشظٍّ، كل شظية فيه تحقد على الشظية الأخرى وتكمن لها في الظلام؟ لأن الشعوب المتشظية أقصر عمرا من الشعوب المحترمة، والشعب المتشظي يموت موتة كلب. وسؤال آخر: هل تعيش في دولة لا يعرف أحد مرشحي برلمانها كيف ينتقد النائب الأول لرئيس الحكومة؟ لأن نقد ضيف الله بورمية للشيخ جابر المبارك يقصف العمر قصفا عشوائيا، وكثير منا انتقد المبارك لكن ليس بهذه الصورة المحروقة. يا عمنا بورمية، في المرة المقبلة «خذ نَفَس» قبل أن تنتقد.

وسؤال آخر مهم: هل تكتب زاوية صحافية وتشعر أحيانا بأن جزءا يسيرا من القراء يقرأ بكوعه فلا يفهم؟ لأن المخ في الرأس لا في الكوع، أي والله، والشهود عندي أربعة. والسؤال الأخير الأهم: هل جحظت عيناك وفنجلتا على مصراعيهما وأنت تترحم على قراء الكوع بعدما اكتشفت أن أحد أجمل الكتاب وأوسعهم اطلاعا وثقافة استخدم كوعه في قراءة عمودك الصحافي قبل أن يطعنك – بكوعه أيضا – في الفقرة الثالثة من عمودك الفقري بتعليق أكوع؟ لأن الزميل الجميل سامي النصف فهم مقالتي السابقة «يالله بسرّاية» فهما كوعيا لا مثيل له، فعلق تعليقا عرفت بعده أنه أتعب كوعه بالتفكير.

بوعبد اللطيف يكتب في صفحة توزن بالذهب المعتّق. الله على الصفحة الأخيرة في جريدة «الأنباء»، وياااه على كتابها ما أجملهم، الشايجي والساير والنصف والزامل. هي صفحة تؤكل نيّة، ولا حاجة للملح معها ولا الفلفل. والصفحات الأخيرة نوعان: صفحة تأكلها وصفحة تأكل عليها. لكن يبدو أن «أبا العَبِد» – سامي النصف كما أحب أن أناديه – أراد أن يريح مخه لحظة قراءة مقالتي تلك، فوضعه على الصامت – «ميوت» – وامتشق كوعه، وهات يا قراءة، وهات يا تعليق يقتطع من العمر خمسا وأربعين سنة مما تعدون. حرام على كوعك يا رجل، أعد قراءة المقالة مرة أخرى، وكوعك كفاية. 

محمد الوشيحي

يالله بسرّاية

مستانسة يا سلطة الحين؟ بعدما كانت فترة الانتخابات عيدا نلبس له الجديد، وبعدما كانت العَبرة تخنقنا إذا ما تصادفت ندوتان لاثنين من المرشحين المفوهين في ليلة واحدة، وبعدما كان يوم استجواب الوزير، أي وزير، يوما مشهودا، يُشار إليه بالرأس والرقبة، ويتصادم فيه الناس على بوابة البرلمان، وتترك كل ذات شغل شغلها، وتضع الديرة يدا على عينيها والأخرى على قلبها، كمن تنتظر نتائج الثانوية العامة، وبعدما كنا وكان وكانت، وصلنا إلى مرحلة نقول فيها للنائب الذي يعتزم استجواب وزير: «عيب عليك، شكبرك شعرضك حاط رأسك برأس وزير، ما عندك خوات تخاف عليهم»، بل إنّ استجواب رئيس الحكومة بشحمه وعظامه لم يعد خبرا يهم المستلقي على ظهره ليعتدل في جلسته.

إحباط ألماني مكفول من المصنع وبقطع غيار متوافرة في الأسواق يخيّم على الناس، إحباط دكر، احباط بشنب شامي يصل إلى الأذنين استطاعت السلطة ادخاله بيوتنا. وهو، بالمناسبة، الشيء الوحيد الذي استطاعت السلطة عمله على مدى عقود.

السلطة سعيدة بسيطرة هذا الألماني الخبيث، وتدرك أن الأمر لم يعد يتطلب أكثر من حلّين دستوريين آخرين للمجلس وسيكفر الناس بالديمقراطية ويملّون الانتخابات، وسيرجمون المرشحين بالحجارة رجما جما، وسينسى بعض المرشحين موعد الانتخابات، وسينجح حينئذ من يحصل على سبعة أصوات، هي أصوات أختيه الشقيقتين ونسيبه وجاره وثلاثة آخرين اشتراهم.

السلطة سعيدة بذلك وتعتبره انجازا صحح غلطة عبدالله السالم، وأعاد الأمور إلى غاباتها. السلطة تعلم أن النجاح والبطولة والصعوبة تكمن في التنمية والتطوير، لكن ذلك بعيد عن شواربها.

والآن ماذا نقول وقد جفت حلوقنا وبحّت أقلامنا؟ ماذا نقول بعدما أوصلنا أعداء الديمقراطية إلى هذه الحالة ونجحوا في إبكائنا؟ ليس لنا إلا الدعاء ونحن في موسم «السرّايات»، وهي لمن لا يتحدث الكويتية، نوع من العواصف الشرسة، سريعة الحركة، لا تنشط إلا في الجو الصحو كجو هذه الأيام. سنرفع أيدينا بالدعاء: «يالله بسرّاية سياسية شعبية تأتينا من هناك عاقدة حاجبيها، تعض طرف فستانها بأسنانها وتجري نحونا بأقصى سرعتها وهي تشتم وتلعن، تجري جري يتيمة رأت قاتل أبيها أمام عينيها، فتنسف خيامنا وتكسر الأعمدة، وتفضحنا، وتتطاير بسببها دواشقنا وتوانكي المياه وقدور مطابخنا… يالله بسرّاية شعبية مثل السراية التي أفشلت تنقيح الدستور، أو سراية دواوين الاثنين، أو سراية نبيها خمس. يالله بسراية أقوى من السرايات الثلاث تلك وأشرس»… أمّنوا خلفي فلا أمل لنا إلا بسرّاية تنبّهنا وترش الماء على وجوهنا وتنتقم للكويت منا. أمّنوا خلفي فقد جربنا السرايات الشعبية وجربتها معنا السلطة وأعداء الديمقراطية وعرفوا أن «الله حق». أمّنوا خلفي فالشعوب تربح الرهان دائما.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

محمد الوشيحي

محمد الصقر … «بِطْعَمه»

قبل سنوات، عندما كنت أكتب في جريدة "الراي"، العزيزة على قلبي، انتقدت محمد الصقر على جزئية لا أتذكرها الآن، أعتقد أن لها علاقة بالبرلمان العربي أو ما شابه، فجاءني اتصال عاتب من الصديق، البرلماني السابق والإعلامي الحالي، خميس العجمي ختمه بجملة: "يا بوسلمان، أنا تعاملت مع أعضاء كثر عن قرب بحكم وظيفتي، وسأصف لك محمد الصقر في كلمتين يستخدمهما كبار السن، (الصقر… رجّال بِطْعَمه)"، أي أنه من الرجال ذوي النكهة، ثم راح يعدد لي صفات يراها هو في محمد الصقر، فقلت لخميس: "والله لو كان بطعم المندي، هو يستحق النقد".
والمقالة التي يكتبها الكاتب عن مالك الجريدة هي مقالة "ملعونة صلايب"، تسبب الصلع الكلوي. ولم أكن أنوي الكتابة عن "بو عبدالله" بخير طوال عمله البرلماني، إلا أنه "خانني" واعتذر عن عدم خوض الانتخابات، رغم إدراك الجميع أن نجاحه "بهالشارب".  وهنا لم يبقَ لي خيار إلا أن أذكّره بأن بعض البيوت القائمة على شتيمته والافتراء عليه أضحت الآن مهددة بالزوال بسبب قراره هذا، وسيتشرد الكتّاب – أصحاب البيوت تلك – في الشوارع، وقد تدهسهم السيارات المسرعة على الخط السريع. آه كم بيتٍ بُني على شتيمتك، لكنها بيوت بلا أساس،  ليتك «تميت جميلك» وأكملت عضويتك إلى أن ينتهوا من التأثيث، حرام عليك يارجل، ذنب هؤلاء كلهم في رقبتك اليسرى.
وليتك ترتدي القميص رقم عشرة وشارة الكابتن، وتأتي هنا لتقود منتخب "الجريدة" المقبل على النهائيات، فمحمد الصقر الإعلامي أفضل من محمد الصقر السياسي، بصراحة، مهما علا كعبه سياسياً، فتعال إلى هنا لنتبادل الباصات الصحافية، ولننفرد بمرمى السبق، ونسجل الأهداف ونحتفل بالفوز معاً. تعال فقد عرفناك صحافياً قبل أن تكون برلمانياً، وقبل أن تكون رئيساً للبرلمان العربي، وقبل أي منصب آخر تقلدته، تعال فـ"ما الحب إلا للحبيب الأولِ".
تعال يا بو عبدالله لتشاركنا صناعة صحافة تحترم عقلية القارئ، صحافة عليها القيمة، ليس فيها تجنٍّ ولا فجور ولا مداهنة ولا فتور، صحافة تقدم "المفطّح واللازانيا وشاي الفحم وستروباري جيز كيك" على أطباق من الوطنية والمصداقية والمسؤولية.
تعال لتفض الهوشة ما بيني وبين رئيس التحرير خالد الهلال على ملكية "رسمة الكاريكاتير"، فكل منا يشدّها ناحيته حتى كادت تتمزع بين أيدينا، هو يصر على أنها تمثل رأي "الجريدة" وأن "لك يا الوشيحي زاويتك فاكتب فيها ما لذ لك وطاب"، وأنا أصر على أن رسمة الكاريكاتير هي زوجتي الثالثة بعد أم سلمان وزاوية آمال، وأنني المسؤول عن زوجاتي الثلاث! وللأمانة، هو عرض عليّ صفحة كاملة في الداخل أضع فيها أفكاري كلها ويرسمها الرسام، لكنني ترددت لضيق الوقت، فتعال لتقلّب الرأي معنا على بطنه وظهره.
أبا عبدالله، "أرواح نخدموا صحافة"، كما يقول الجزائريون، فوجودك بيننا سيرفع سرعة المحركات التوربينية.

محمد الوشيحي

محمد الصقر … بِطْعَمه

قبل سنوات، عندما كنت أكتب في جريدة "الراي"، العزيزة على قلبي، انتقدت محمد الصقر على جزئية لا أتذكرها الآن، أعتقد أن لها علاقة بالبرلمان العربي أو ما شابه، فجاءني اتصال عاتب من الصديق، البرلماني السابق والإعلامي الحالي، خميس العجمي ختمه بجملة: "يا بوسلمان، أنا تعاملت مع أعضاء كثر عن قرب بحكم وظيفتي، وسأصف لك محمد الصقر في كلمتين يستخدمهما كبار السن، (الصقر… رجّال بِطْعَمه)"، أي أنه من الرجال ذوي النكهة، ثم راح يعدد لي صفات يراها هو في محمد الصقر، فقلت لخميس: "والله لو كان بطعم المندي، هو يستحق النقد".

والمقالة التي يكتبها الكاتب عن مالك الجريدة هي مقالة "ملعونة صلايب"، تسبب الصلع الكلوي. ولم أكن أنوي الكتابة عن "بو عبدالله" بخير طوال عمله البرلماني، إلا أنه "خانني" واعتذر عن عدم خوض الانتخابات، رغم إدراك الجميع أن نجاحه "بهالشارب". وهنا لم يبقَ لي خيار إلا أن أذكّره بأن بعض البيوت القائمة على شتيمته والافتراء عليه أضحت الآن مهددة بالزوال بسبب قراره هذا، وسيتشرد الكتّاب – أصحاب البيوت تلك – في الشوارع، وقد تدهسهم السيارات المسرعة على الخط السريع. آه كم بيتٍ بُني على شتيمتك، لكنها بيوت بلا أساس، ليتك «تميت جميلك» وأكملت عضويتك إلى أن ينتهوا من التأثيث، حرام عليك يارجل، ذنب هؤلاء كلهم في رقبتك اليسرى.

وليتك ترتدي القميص رقم عشرة وشارة الكابتن، وتأتي هنا لتقود منتخب "الجريدة" المقبل على النهائيات، فمحمد الصقر الإعلامي أفضل من محمد الصقر السياسي، بصراحة، مهما علا كعبه سياسياً، فتعال إلى هنا لنتبادل الباصات الصحافية، ولننفرد بمرمى السبق، ونسجل الأهداف ونحتفل بالفوز معاً. تعال فقد عرفناك صحافياً قبل أن تكون برلمانياً، وقبل أن تكون رئيساً للبرلمان العربي، وقبل أي منصب آخر تقلدته، تعال فـ"ما الحب إلا للحبيب الأولِ".

تعال يا بو عبدالله لتشاركنا صناعة صحافة تحترم عقلية القارئ، صحافة عليها القيمة، ليس فيها تجنٍّ ولا فجور ولا مداهنة ولا فتور، صحافة تقدم "المفطّح واللازانيا وشاي الفحم وستروباري جيز كيك" على أطباق من الوطنية والمصداقية والمسؤولية.

تعال لتفض الهوشة ما بيني وبين رئيس التحرير خالد الهلال على ملكية "رسمة الكاريكاتير"، فكل منا يشدّها ناحيته حتى كادت تتمزع بين أيدينا، هو يصر على أنها تمثل رأي "الجريدة" وأن "لك يا الوشيحي زاويتك فاكتب فيها ما لذ لك وطاب"، وأنا أصر على أن رسمة الكاريكاتير هي زوجتي الثالثة بعد أم سلمان وزاوية آمال، وأنني المسؤول عن زوجاتي الثلاث! وللأمانة، هو عرض عليّ صفحة كاملة في الداخل أضع فيها أفكاري كلها ويرسمها الرسام، لكنني ترددت لضيق الوقت، فتعال لتقلّب الرأي معنا على بطنه وظهره.

أبا عبدالله، "أرواح نخدموا صحافة"، كما يقول الجزائريون، فوجودك بيننا سيرفع سرعة المحركات التوربينية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

محمد الوشيحي


 ارتاحي… زِيَم

تريدون الصدق أم ابن عمه اللزم الطوفة على الطوفة؟ لولا الصحافة والإعلام لبقيت أنا في حال ترثي لها الأحوال، تمضغني الضبعة وتبصقني… كان اليوم الثالث والعشرون من كل شهر هو يوم عيدي السعيد ونحسي المجيد، واليوم هذا – لمن لا يتحدث لغة الفقر – هو يوم تسلم المعاشات، هو اليوم الوحيد الذي أبتسم فيه لتحلى الصورة، وهو اليوم الذي أدفع فيه إيجار منزلي وقسط سيارتي بعدما يهبر البنك قرضه الذي يعادل نصف راتبي، واليوم الذي أرتدي فيه بزتي العسكرية وأشد وثاق المسدس على وسطي، وأرتب النجوم على منكبيّ، وأتفقد جيبي فإذا هو صحراء جرداء لا نبات فيها ولا ماء.

في الثالث والعشرين من كل شهر، وفي الدقيقة الأولى من بعد منتصف ليل الثاني والعشرين، أتقدم متلثما متبخترا متمخطرا إلى فرع البنك، فيأتيني صوت ماكينة السحب الآلي الأجش: «اهب يا وجهك، ما يمديهم يحطون معاشك جيتني تركض، تتلثم أو تتعرّى، أعرفك من بعيد، من مشيتك»، فأرد على الصوت بصوت أجش منه وأبش: «أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا، متى أضع البطاقة تعرفيني، جيتك وجاك الموت يا تارك الصلاة»، وأمتشق البطاقة من غمدها، ولا دريد بن الصمّة وفرسان هوازن، وأطعن الماكينة في مقتل، أسفل الترقوّة، فإذا هي تئن وأنا بوسلمان، وتنقّ راتبي صاغرة فاغرةً فاها، وإذا بالفلوس في يدي تغمغم وتتمتم: «أرجوك ضع فاصلة بين (السلام عليكم) و(مع السلامة)، لا يجوز دمجهما هكذا». فأزجرها وأنهرها: «صه، ولا كلمة، ما عندنا فلوس تسولف تالي الليل».

ودارت بي الأيام، من تلكيعة إلى تلكيعة أنكى منها وألكع. الديون تتوالد كما الأرانب والقطط، خذ من هذا وسدد ذاك فيكبر الدين، وخذ من ذاك وسدد ذيّاك فيتضاعف الدين، ويا دارة دوري بينا، ضلك دوري بينا، تا ينسوا أساميهن وننسى أسامينا. فتضيق بي الأرض، فأمتطي صهوة الأدعم (كابريس موديل 92، مضى على سنة صنعه أحد عشر عاما، ليس في جسمه موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح أو دعمة تويوتا، ولا نامت أعين الجبناء)، ولا سجائر في الجيب تعين على الحزن، ولا معلبات في الثلاجة تحمي ظهر أطفالي من غزوات الجوع، وأتجه إلى الوفرة، حيث معشوقتاي تنتظرانني على الموعد كالعادة، السماء والصحراء، فأستلقي على ظهري بعدما أشبك أصابعي خلف رأسي وأثني رجلا على الأخرى، وهات يا غناء بصوت عال لا يردده ورائي سوى الظلام والصدى والوحشة.

وذات ليلة وفراوية مقمرة، وبعد أن استلقيت وتشابكت أصابعي خلف رأسي، مرّ بي الحجاج بن يوسف الثقفي، الداهية الخبيث الفصيح، داء العراق ودواؤه، يغنّي مخاطبا فرسه: «هذا أوان الشدّ فاشتدي زِيَم»، فتسلّمت منه زمام المبادرة، واستدعيت شياطين شعري ومردة ابن داود، فأتتني تتمايل حبواً، ونثرت جواهر الأبجدية أمامي وبجانبها العقد، فصففت الجوهرة تلو الجوهرة، في قصيدة طويلة أنشدْتها مرة على لحن «المسحوب» ومرة على «الهجيني»: «يا كيف جاع الذيب في وسط الغنم، هل طاحت أسنانه ونابه من فمه؟ / وإلى متى والجوع له مثل الصنم، يتْعبّده ويحب كتفه واقْدمه؟ (قدمه)…».

وقبل أن تكتمل قصيدتي نهضت واقفا بعدما قررت اقتحام الإعلام بكتفي، وتقدمت باستقالتي من العسكرية واتجهت إلى شارع الصحافة مباشرة، لأجد نفسي وجها لوجه أمام خزائن الأرض، حي هالشّوف، وأضحيت الإعلامي الأعلى أجرا في الكويت خلال سنوات ثلاث، كما قيل لي، وازدحم منزلي بالهدايا من كل فج عميق، وتوالت الدعوات إلى الغداء والعشاء في منازل الكويت من المحيط إلى الخليج، وفاض درج مكتبي بالعروض المقدمة من الصحف والقنوات الفضائية… يااااالله، شوي شوي عليّ يا زِيَم تكفين، قلنا اشتدي لكن ليس إلى هذه الدرجة.

لن أتظاهر بالمسكنة كما اعتاد البعض لطرد عين الحسود، خصوصا بعدما بات دخلي الشهري أضعاف أضعاف دخل الوزير (اقصد الوزير الذي يعتمد على راتبه فقط)، وبعدما أدخلت ابني أغلى المدارس الأجنبية، وبعدما أهديت الأدعم (أهديته برفسة كريمة) واشتريت بدلا منه سيارتين موديل السنة في أسبوع واحد. والآن يمرني يوم الثالث والعشرين بملامح لا تختلف عن ملامح اليوم الذي قبله أو الذي يليه، وأمر على الديار، ديار ماكينة السحب الآلي، فأراها تضرب إحدى كفيها بالأخرى تارة وتلوّح بهما تارة، تلعن الحظ وتغني متهكّمة: «يا ناسينا يا ناسينا، من لقي شيكاته نسي بطاقاته، الله يرحم أيام ابن جلا ومتى أضع البطاقة تعرفيني»، فأتوقف وأحك رأسي متسائلا: «عفوا، هالوجه ما هو غريب عليّ، ذكريني بنفسج لو سمحتي يا حقيرة».

خلاص يا زِيَم، شددتِ بما يكفي ويفيض فارتاحي، وتعالي معي إلى معشوقتيّ الوفيّتين، السماء والصحراء، لتنضمي إلى الظلام والصدى والوحشة وترددوا خلفي، هذه المرة مع خالد الفيصل: «إلى صفالك زمانك علّ يا ظامي، واشرب قبل لا يحوس الطين صافيها».

أقول ذلك وأنا أدرس العروض المقدمة من أربع قنوات كويتية، وأضحك على ردة فعل صاحب إحدى القنوات أمس بعدما حددت له أجري، إذ قال: «ما تطلبه أكبر من رأسمال القناة بكبرها، نحن نريد منك أن تحرق الساحة السياسية لا أن تحرق جيوبنا»… هاهاها، والله يرحم أيام ابن جلا وعمامته. 

محمد الوشيحي


 «طالعة من بيت أبوها»

حباني الله بـ»عُقد» لا مثيل لها، أهمها الوقوف أحيانا أمام تفاصيل أصغر من الصغر، رغم عدائي للتفاصيل… من هذه التفاصيل/ العُقد كلمات أغنية «طالعة من بيت أبوها»، الله يهد حيلها وحيل أبوها كما هدّت حيلي. دقق معي يا صاحبي على الكلمات ثم لمني بعد ذلك: «طالعة من بيت أبوها، رايحة لبيت الجيران»، تمام؟ يعني أخونا الشاعر يتحدث عن «أنثى» وبصيغة التأنيث: «طالعة»، «أبوها»، «رايحة»، ثم فجأة تنقلب الأنثى إلى ذكر والعياذ بالله، ويأتي البيت الثاني بشنب وسكسوكة: «مرّ ما سلّم عليّه، يمكن الحلو زعلان»، لاحظ صيغة المذكر: «مرّ، سلّم، الحلو، زعلان». وبعيدا عن كلمات البيت الثالث المصابة بكسور من الدرجة الأولى، دعونا نتساءل عن سبب خلود هذه الأغنية واتساع شهرتها رغم الكسور المتفرقة في جسمها والخطأ الهيكلي في بنائها من ناحية التأنيث تارة والتذكير تارة أخرى، وهو ما يعرفه أصغر الشعراء سنا وعقلا!

أمر آخر صغير شغلني ولايزال، لماذا تنطق «الكويت» بصيغة المؤنث، و»لبنان» بصيغة المذكر، فنقول مثلا «الكويت حرة» و»لبنان حر»، لماذا؟ هل رأى علماء اللغة العربية الكويت وهي تسير مرتدية تنورة ولبنان يسير إلى جوارها كما يسير القبضاي مع خطيبته؟ سألت أحدهم وهو شخص بارد غائم جزئيا على أنحاء متفرقة من البلاد، فأفتاني: «هي هكذا أُنزلت». يا سلام، هكذا أُنزلت؟ طيب ولماذا أُنزلت هكذا؟ لا جواب غير الدوران واللت والعجن في ما لا يسمن ولا يغني من جوع. سألت الآخر، وهو أيضا غائم جزئيا لكنه أكثر عمقا من الأول، فأجاب: تماما كما أن «الشمس» مؤنث و»القمر» مذكر! الله أكبر، طيب ولماذا الشمس مؤنث والقمر مذكر؟ أنت أجبتني بمثال آخر، وسؤال آخر.

ما علينا، هذه أمور لا تؤثر سلبا في الصحة العامة، ولا تشغل إلا بال المعقدين من أمثالي. في حين أن ما يشغل البلد والناس والصحة العامة هو «تكبيل البلد بالفتاوى»، بلد مدني يحكمه دستور، يضم ديانات وطوائف مختلفة، ومع ذا وفوق ذي يجرونه جرا من ياقة قميصه إلى ميدان الفتاوى. ليش؟ لأن عقولهم جوفاء، وقلوبهم يملؤها الخواء… هل يجوز للعسكري الرجل تحية المرأة العسكرية؟، أفتنا يا فضيلة الشيخ يرحمنا ويرحمك الله حلال بشرط، حرام بالكلية، وعطني شليلك وتعال شيل.

كلنا نتذكر حكاية تحريم «دراسة البنت» في السعودية التي أصبحت ماضيا مبنياً على الفتح، والآن نشاهد تسابق بنات «علماء الشريعة» – الذين حرموها في السابق – على الجامعات، فما الذي تغير؟ لا شيء يا صاحبي، لا شيء سوى زيادة وعي الناس… أيضا حكاية «حقوق المرأة السياسية» عندنا في الكويت، كانت «كُفرا إلا ربع»، وباتت الآن حلالا زلالا. طيب ليش يا الربع أضعتوا كل هذه السنوات في أمور مفروغ منها؟ معلش، حقكم علينا.

قلناها ملايين المرات ونعيدها: «الدين أسمى وأرقى من السياسة، ونحن نحترم الدين أكثر منكم، لذلك لا نسحبه إلى وحل السياسة»، ولم تصدقونا… والحياة تمشي وتكشف لنا كل يوم صفحة جديدة، فنفغر أفواهنا ونتمتم ونحن نضع كفوفنا على جباهنا: «أها… أثاريها»، لكن بعدما نستنزف المال والجهد والعرق الزحلاوي.

وفي السياق ذاته تدخل قضية الفرعيات. وكان من يعارض الفرعية «كافر إلا ربع» لأنه «شذ عن الجماعة» ومن شذ شذ في النار، لا إله إلا الله ما أشرس هجومهم على من يعارضهم وما أفجر خصومتهم. والآن تغير «الكفر» إلى «اختلاف في الرأي»، بعدما أدركوا أن الفرعيات تضر القبيلة، أولاً وقبل كل شيء… وها نحن اليوم نقرأ بفخر بيان ثلاثة من أبناء قبيلة العوازم الكريمة يؤكدون فيه خوضهم الانتخابات العامة خارج فرعي قبيلتهم. كفو يا سعد الشريع ويا مناحي الحباج ويا بدر ناصر. كفو لأنكم لم تجرجروا قبيلتكم إلى المحاكم والنيابة العامة. كفو لأنكم مسحتم دمعة من دمعات الكويت المنهمرة بغزارة، كما مسح أبناء عمومتكم عوازم الدائرة الأولى قبلكم دمعة أخرى برفضهم إجراء انتخابات فرعية. وليت قبيلة العوازم تقود بقية القبائل إلى جهة… الكويت.

وسأعلنها هنا والرزق على الرزاق، كثير من مرشحي قبيلتي والقبائل الأخرى يطلبون مني بإلحاح أن «أضغط أكثر» حتى تتفركش الفرعيات ويمضي كلّ إلى غايته، وعندما أسألهم عن سبب خوض الفرعية رغم رفضهم لها، تأتيني إجابة واحدة بصيغ مختلفة: «نعلم مضار الفرعية، لكننا نخشى غضب القبيلة»! إذاً القضية قضية شجاعة وخوف، ليس إلا… هانت إذاً.

هانت، غداً سيؤدي العسكري التحية لقائدته العسكرية من دون فتوى، وستغادر الفرعيات إلى حيث ألقت رحلها، وسنتساءل جميعا: «طالعة من بيت أبوها، رايحة لبيت الجيران/ مر ما سلم عليّه، يمكن الحلو زعلان»، ليش انقلب المؤنث إلى مذكر بلمح البصر ومسافة السكة؟ 

محمد الوشيحي

بكّير يا كويت

وفي لحظة مشهودة، أنهى الرعد والبرق مهمتيهما بنجاح وتراجعا إلى الخلف، واختفيا وبقي صدى صوتيهما «ألا هل بلغنا، اللهم فاشهد». وتقدمت الغيوم الصفوف، يد على ظهرها والأخرى على بطنها، تتمايل كتمايل الحامل، ثم تربّعت وأطلقت آهاتها، وهات أشوف…

لأول مرة أشاهد منظرا كهذا. السماء كانت غاضبة، تبكي بحرارةِ مَن فقدت ابنها الوحيد، أو كأنها أكلت لقمة سامة فوضعت أصبعها في فمها واستفرغت كل ما في جوفها. يا الله سيجف مخزون السماء بالتأكيد بعد هذا الصباح. كانت تنثر ماءها بانتقام وإسراف، وأظنها لن تجد ما يكفيها للطبخ، وستستجدي الجيران. الإسراف عواقبه وخيمة، وبعدما رفعت المظلات الرايات البيضاء… تسابقنا نحن المارة إلى الجدران طلباً للرحمة سباقَ حياة وموت، والتصق بعضُنا ببعض لشدة الزحام، وكأننا نتواصى بالثبات في وجه هذه الغاضبة العنيفة… لحظتذاك، حبكت معاي السوالف في عز المعمعة فالتفتّ إلى صاحبي وقلت: «سحقا لكم، لماذا أغضبتم السماء إلى هذا الحد أيها الفرنسيون الفسقة؟» فأجابني ضاحكا: «يا عمي حساسة كتير هالسماء، هيئتها جابت معها سماوات تانيين يساعدوها بكبّ المييّ»، قلت: «تفقد المحيطات يرحمني ويرحمك الله، يبدو أن أحدها ذهب في مشوار سريع إلى السماء وها هو يعود إلى موقعه على الأرض»، ووعدني ذلك، سيتفقد المحيطات وسيخبرني… وبعد نحو ساعة من الغضب المدرار، استقر المحيط في موقعه، واكتفت السماء بما فعلته بالأرض، فمسحت دموعها وأغلقت فمها الشاغر ولوّحت لنا سحبها بكفوف الوداع، فودّعناها بزفرات ارتياح صادقة: «بحفظ الله، ما تشوفين شر».

ما هالني، هو أن الشوارع لم تتوقف أبدا، وأن الحياة عادت إلى طبيعتها، للدرجة التي دفعتني إلى التساؤل؛ هل ما حدث قبل قليل كان حفلة تنكرية، أو كاميرا خفية، ويجب الآن أن نتبادل الضحك والأحضان بعدما عرفنا موقع الكاميرا؟. قلت لصاحبي: «لو عطست السماء عندنا في الكويت، عطست فقط، لعقدت الحكومة جلسة طارئة ولتوقفت الشوارع عن التنفس، ولتسابق شيوخ الفتاوى مئة متر حواجز «هذا غضب رباني بسبب ستار أكاديمي، لا بسبب سوبر ستار، لا بل هلا فبراير»، ولتقدم بعض تجارنا بعروضهم لحل المشكلة واستيراد شوارع لا تعمل، كما فعلوا في طوارئ الكهرباء… بينما تشرب شوارعكم كل هذه الكميات من الماء وهي جالسة في المقهى تواصل حديثها على الموبايل مع حبيبها، وكأن شيئا لم يكن!». فقال: «هون ما تعتل همّ خيّي»، ثم أشار إلى عقلة أصبعه «الكويت هالقدّ وفلوسكن يا ما شاء الله»، قلت: «هذا بلا أبوك يا توني».

قلت له ذلك وأنا أتخيل شوارعنا الغارقة، وأتخيل حكومتنا مجتمعة كالعادة، وتلفزيونها يبث الأغاني الوطنية، وقنواتها الخاصة تلقي باللوم في حضن «نواب التأزيم». هاهاها.

بالتأكيد ستغرق الكويت في شبر ماء، أو عطسة سماء. فحكومة تحارب الفرعيات، أو تدّعي ذلك، على اعتبار أن اختيار القادة يجب ألا يرتبط بصلة القرابة، ثم تختار (الحكومة) ستة من وزرائها من أسرة واحدة، الأسرة الحاكمة، بالتأكيد ستغرق وستغرقنا معها. ولا أدري هل يظن الشيوخ أنهم يحبون أبناء عمومتهم أكثر مما نحب نحن أبناء عمومتنا. يجوز. ثم تختار بعد ذلك أحمد باقر (هذا الوزير، لو مات لا قدر الله بعد عمر طويل، لأغلقت الحكومة أبوابها ولباعت أثاثها مستعملا)، ثم تختار بعد باقر عبدالهادي الصالح ليقوم بتوزيع كتيبات فضل صيام عاشوراء، أو قصة معركة الجمل، وتختار عبدالواحد العوضي الذي سيدخل الحكومة مرتديا قفازاته حتى لا تبقى بصماته على الباب، وقس على ذلك يا صاحبي… بالتأكيد ستغرق الكويت، وستبقى كذلك لأنها «صغيرة» في عيني حكومتها، و«بكّير بعدك يا صغيرة، بكّير تتصيري كبيرة، بكّير بعدك ع الغيرة، بكّير».

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

محمد الوشيحي


ملبوس العافية

يميناً بالله لو قدّموا لي – في أجواء كهذه – عضوية البرلمان على بشت من ذهب لرفضتها، شكر الله سعيكم جميعاً ولا أراكم مكروهاً في عزيز. ولو جاءتني رئاسة البرلمان بنفسها وجلالة قدرها وبروز صدرها تتغنج وتتمايل، ترفع خصلات شعرها بيد وترفع طرف فستانها بالأخرى من باب الإغراء، لصفعتها على معدتها، ولألحقت الصفعة بشلّوت من باب الاحتياط، والباب بالباب والبادي أظلم. وأتذكر عندما قال النائب السابق عصام الدبوس – شفاه الله وعافاه – في لقاء صحافي أجرته معه الزميلة «الرؤية» أن «محمد الوشيحي يحارب بعض النواب بهدف إزاحتهم عن طريقه كمنافسين له في الدائرة». أضحك الله سنك يا أبا نايف وفك كربتك. خذوها أنتم، ملبوس العافية.

ربعنا الناخبين – في الغالب – فاهمين السالفة خطأ، ولا فرق عندهم بين النائب والسائق الآسيوي إلا بالتقوى. وأغلبية النواب لا مانع لديهم من توصيلك إلى وجهتك والانتظار في السيارة إلى حين خروجك، بشرط أن «تحتكم» على ستة أصوات وما فوق.

ياعمي بلا هَم يجبرك على التعامل مع ناخبين بعضهم لا علاقة له بالاحترام. سامعين عنه بس ما شافوه من قبل. ولو كنت – لا قدر الله – في محل النائب الذي يتعرض يوميا لبوفيه مفتوح من الشتائم، أخفها «يا كذاب»، لكَمنت للناخب الشتّام في رأس العاير بالشوزن.

العضوية في بعض الدوائر تحتاج إلى أشخاص من معادن خاصة. ألسنتهم تطول جباههم للوازم اللحس. فقد تقول اليوم كلاما تحتاج إلى لحسه غداً. والنائب الحدسي السابق مبارك الدويلة، خيّب ظني فيه وطيّر أبراجاً من دماغي عندما انتقد رئيس مجلس الأمة السابق جاسم الخرافي قبل يومين. «يا ناس كيف تستوي هاي؟»، كما يقول الإماراتيون. الدويلة ينتقد الخرافي؟ منذ متى؟ ماذا حدث في الدنيا؟… لكن الرحمن أعاد أبراج دماغي بعد تصريح الدويلة «الاستدراكي» الذي صرح به أمس وامتدح فيه الخرافي «حتى ظننت أنه سيورّثه».

ومربّو الحَمام يفرحون كلما اشتدت سرعة الرياح التي تتيح لحمامهم «القلّابي» استعراض مهاراته، وهذه الأيام أصيبت الرياح بلوثة جنون فخرجت من بيت أهلها تجري بأقصى سرعة، ففرح «مربّو الحمام السياسي» وأخرجوا حماماتهم من المحَكَر، وهات يا «تقلّب»، دون أن يدركوا أن الصحافة قاعدة لهم مثل القضاء، هناك خلف المحوّل، مصوّبة فوهة بندقيتها إلى الأعلى، وأي حمامة تطير وتتقلب في الهواء، ستحصل على طلقة بالثلاث.

* * *

وصلني فاكس من النائب السابق صالح الملا يرد فيه على ما جاء في مقالتي المنشورة يوم الأحد الفارط، جاء فيه:

«الأخ محمد الوشيحي المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… أخي العزيز ورد في مقالتكم بتاريخ 29 مارس 2009 أنني قد غيرت رأيي بالنسبة إلى قانون الاستقرار المالي من مُعارض إلى مؤيد، وأنا أود أن أوضح أنني لم أحِد عن رأيي المعارض لذلك القانون منذ الحديث عنه حتى اليوم، وكان آخرها ما ذكرته خلال لقائي بقناة العدالة يوم الجمعة 27 مارس 2009.

وأؤكد أنني سأظل متخذا مواقفي وفق قناعات وطنية بحتة بعيدة عن أية مصالح انتخابية أو غيرها. ويطيب لي في هذا المقام أن أشير إلى أن مَن يبحث عن المصالح الانتخابية فعليه أن يعارض القانون الآن لا أن «ينقلب» ويؤيده».

تقبل مني التحيات… صالح محمد الملا

شكرا للنائب السابق على توضيحه، وإن كنت أستغرب عدم نفيه ما جاء على لسانه في وسائل الإعلام واتكأت أنا عليه. وليتك يا أبا محمد تعود إلى عدد جريدة «الجريدة» يوم الأحد، أمس الأول، وخدمات الرسائل الإخبارية، وخبر جريدة «نون» الإلكترونية المنشور بتاريخ 27 مارس 2009، ودعني أقرأ لك بعض ما جاء فيه: «أكد النائب السابق صالح الملا أن قانون الاستقرار المالي الذي شرعه مجلس الوزراء أمس، هو قانون ضروري للبلاد وتنطبق عليه شروط مرسوم الضرورة، في إشارة منه إلى موافقته (لاحظ كلمة موافقته) على هذا المرسوم الذي لاقى اعتراضا من بعض النواب السابقين».

وهذا التصريح لاحق للمقابلة المذكورة، لذا، «عاتب الوقت لا تعاتبني أنا» يا أبا محمد. وقبل عتاب الوقت ليتك توضّح لنا – وأنت في طريقك – هل هذا هو موقف المنبر الديمقراطي كله، أم موقفك الشخصي؟ لأن موقفك وموقف زميلك في المنبر الديمقراطي محمد العبد الجادر متساويان في القوة متضادان في الاتجاه. هاي شلون.