محمد الوشيحي

أيها الصالح


اثنان لا واحد، أدين لهما بدَين لا خلاص لي منه ولا فكاك. دَين مثل دين بنوكنا الذي تسدده فيكبر، فتسدده فيكبر، فتموت وتورّثه لأجيالك القادمة، ويموت أصحاب البنك ويورّثون دينك لأجيالهم، وهكذا تنقرض أجيال وتعيش أجيال ليس لها في الحياة إلا تسديد قرضك الذي «انطسيت على عينك» واقترضته قبل ثلاثمئة وأربع وخمسين سنة. وفي الكويت، من يقترض كمن يدخل سجن أبوغريب، يقف عارياً على الكرتون، وتسحبه امرأة مربعة ضئيلة، تشبه بيوت المنقف. وهذه هي الحياة، قاتل ومقتول، وآكل ومأكول. والتسمية الحقيقية لقانون إسقاط الفوائد هي «قانون فك رقبة».

أقول، اثنان أدين لهما، الأول هو أستاذي أحمد الديين (لاحظ أن اسم «الديين» هو تصغير لـ»الدين» من باب التلطيف وجر الرجل إلى أن توقّع على عقد الاقتراض فتروح في ستين داهية)، والثاني هو المهاجر صالح الشايجي. وصالح سيصحح لك إذا ناديته بكنيته «أبو ناصر»، وسيسألك: لماذا ألغيت اسمي ونسبتني إلى ابني؟ لذا نحن نناديه «الصالح». وأقول «نحن» لأن للصالح مريدين ومحبين وعشاقاً ودراويش من الكتّاب وغيرهم، لو أني عددتهم لما انتهيت. لماذا؟ لأنه صادق، نقي، مثقف بلا تنطع، كويتي القلب بلا استعراض «سكوبي» ولا «عدالي».

الصالح، كتب يوم الثلاثاء مقالة ينصح فيها «الزملاء وعلى رأسهم الصديق محمد الوشيحي» أن نبتعد ما أمكننا عن السياسة، باعتبار أن السياسة في الكويت لم تعد سياسة. وهو صادق. وسأضيف إلى كلامه: والإعلام لم يعد إعلاماً، والشعر لم يعد شعراً، والاقتصاد لم يعد اقتصاداً ووو، إلى أن نصل إلى «الكويت لم تعد كويتاً». وكل شيء في الكويت أصبح سياسياً، الإعلام والرياضة والاقتصاد والشعر والتمثيل، ووو. حتى الحديث عن الزهور، وهي الزهور، حديث سياسي. فالزهور مسؤولية «هيئة الزراعة»، والهيئة تتبع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء. ونقد قذارة الشوارع هو نقد للبلدية، وفوق أنه حديث سياسي هو حديث طائفي، أجارنا الله وإياك. ومن ينتقد البلدية «يشق الوحدة الوطنية شقاً» لأن الوزير شيعي، واسأل سماحة السمح محمد باقر المهري.

أيها الصالح، أنت في منفاك الاختياري، لا أظنك تابعت سعي الفجّار إلى السيطرة على الإعلام، ومن ثم السيطرة على السياسة، فالسيطرة على البلد كله. وقومي مشغولون بالتوافه. ولك أن تقرأ «سقوط الأندلس» بعدما انشغل كبارها بأنفسهم وبثرواتهم وبالتافه من الأمور، وصار التنافس على اختيار أفضل الألقاب، فهذا «صمصام الأمة»، وذاك «شمس المعالي»، والثالث «زين الأيام والليالي»، ووو، وسقطت الأندلس.

لكن على هامش الحفل، دعني أفضفض لك… شعرتُ في الفترة الماضية أنني اقتربت شيئاً فشيئاً من قرص الشمس اللاهب، بلا ذنب مني، فكل ما أكتب يُتداول بشراسة وينفد بسرعة من على أرفف المحلات التجارية، ويباع في السوق السوداء، فحاولت الابتعاد قليلاً لأتفادى الحرق، وكتبت عن الجراد في البراري والربيان في «البحاري»، وخففت التوابل الهندية في المقالات، وحجبتُ المفردات المترفات، كي أهدأ قليلاً، ويهدأ الضجيج والصخب من حولي، فأستمتع بقراءة دواوين الشعر التي تستجديني استجداء الأيتام المعوزين، لكن الضجيج علا والصخب طغى والوطيس حمي أكثر وأكثر… فما الحل وما الحيلة؟ 

محمد الوشيحي

هنجمة وسمسمة

الهوى يماني. وإلى اليمن واليمنيين يجذبني جاذب. ما هو؟ لا أدري، لعلّه عرْق أجدادي الأولين، أيام بلقيس وسبأ، قبل الهدهد بأسابيع عدداً. الأكيد أنني أعشق لهجتهم اللصيقة بالفصحى، الجدار على الجدار، وينعشني صدقهم وأمانتهم وبساطتهم، وأهيم بأشعارهم وتراثهم الفني الفاحش الثراء. وأجزم وأقسم «وحق الله» أن تراث اليمن الغنائي يعادل تراث الخليج العربي كله، من عقاله إلى حذائه.

ويا سلام على جلسات السمر مع الطلبة اليمنيين، عسكريين ومدنيين، أيام الدراسة الجامعية في القاهرة، والله الله على رقصة «البَرَع» التي درّبوني عليها فأدّيتها معهم على صوت مغنٍّ مراهق نحيل، يتلاعب بعودٍ متهالك عليل، ويرتدي فوق دشداشته الرخيصة جاكيتاً أسود، يضع في جيبه الأعلى – من باب التزيّن بما يليق بالسهرة – قلمين بائسين أحدهما أحمر والثاني أزرق، ويسرح شعره على أحد الجانبين بكثافة لافتة. وهات أشوف «يا أحبة ربى صنعاء، عجب كيف حالكم، وهل عندكم ما حلّ بالعاشق المضنى، وهل تذكرونا مثلما ذِكْرنا لكم، وهل تسألوا مَن جاء إلى أرضكم عنا، لِأنّا وحق الله من شوقنا لكم، نسائل نجوم الليل عنكم إذا جنّا»، يليها جلوس وهدوء واستماع بعيون مغلقة وأفكار طائرة لمراهقين يمنيين مغتربين يهزون رؤوسهم على أحزان العزف المتباطئ ويرددون جميعاً خلف المغني: «وامغرّد بوادي الدور من فوق الأغصان، وامهيّج صبابتي بترجيع الألحان، ما بدا لك تهيّج شجو قلبي والأشجان؟ لا أنت عاشق ولا مثلي مفارق للأوطان»، وهات لنا «خطر غصن القنا»، وهات «لا النوم يشتيني(1) ولا أشتي النوم»، وهات «قد كنت شاصلّي(2) ولا أدركته إلا حين نكع»، وهات وهات وهات… الله على اليمن وعلى شعب فنان بالسليقة.

استمعوا إلى الفن اليمني كي تغسل قلوبكم من الفشل والتراجع والخيبة في كل شيء تقع عليه أعينكم في الكويت، باستثناء فراشة هنا، وعصفورة هناك. استمعوا إلى «لِمَه لِمَه يا منى قلبي لِمَه (3)، تردّ بابك على عابر سبيل، ذا كِبْر منكم وإلا هنجمة، والّا معاكم على هذا دليل؟، ولّا قده طبعكم ذا سَمْسَمة، تعذبوا عاشقاً صبّاً نحيل»، واستمعوا إلى الفنان الرائع علي بن محمد الذي لا أعرف جنسيته، ولا أدري هل هو إماراتي أم سعودي أم يمني، لا يهم، المهم أن «ارتجافة» صوته التلقائية تطرب وتشنّف، خصوصاً في أغنية «مسكين أبو الحضارم».

استمعوا وتهنجموا وتسمسموا وترنموا فـ»كثر السياسة يقل المعرفة».

* * *

أحر التعازي للزميل سعد العجمي لوفاة والدته، تغمدها الله بواسع رحمته وألهم ذويها الصبر والسلوان.

(1) يشتيني: يريدني، وأظنها اختصار «يشتهيني».

(2) شاصلّي: سأصلّي.

(3) لِمَه: لِمَ، أداة استفهام. 

محمد الوشيحي

عمرو موسى… شلونك؟


الله أكبر والعزة للعربان. السيد أمين عام جامعة الدول العربية، عمرو موسى، يهدد أميركا بخصوص القضية الفلسطينية: «سنمهل أميركا أربعة أشهر وبعدها سنقرر ماذا سنفعل». وأرجو أن يعذرنا البيت الأبيض والبيت الذي خلفه إذا ما امتلأت المحيطات بالفرقاطات الكويتية، وحاملات الطائرات البحرينية، والغواصات الموريتانية، والحرب الإلكترونية الصومالية، والصواريخ الذكية الجيبوتية، والتكنولوجيا المصرية، ووو، فقد بلغ السيل الزبى، وقد أعذر من أنذر. واللي يخاف من الدم يقعد في بيته ويتلمّ.

على بركة الله. خلاص، حانت ساعة الصدق. اعتبروا لوس أنجلس سقطت بعد الحصار والمنجنيق، وامسحوها من الخارطة وضمّوها إلى والي الكوفة، واعتبروا أهل تكساس يدفعون الجزية وهم صاغرون. مرحى مرحى. عليّ النعمة لنقصفنهم بالدعاء قصفاً مبيناً، فهزّوا رؤوسكم معي وأمّنوا: اللهم زلزل الأرض تحت أقدام الأميركان، اللهم واجعل نساءهم سبايا للعربان ورجالهم طعاماً للغربان، اللهم واجعل الفاتنة السمراء، كونداليزا رايس، أمةً من إماء الزميل جابر الهاجري، تعجن العجين وترضع الجنين، وتنظّف الحنطة وترتّب الشنطة، يا حي يا قيوم.

لا شك، هناك «لَبْس تفاهم» عند العرب وأمينهم العام. ولو كنت مكان عمرو موسى لتركت أميركا في أميركاها، ولتوجهت إلى العرب فأمهلتهم أربعين سنة، يقومون خلالها بإعادة ترميم أرصفة شوارعهم، ويمنعون الغش في الرغيف، ويراجعون طريقتهم في اختيار الوزراء، وفي التعامل مع المسؤولين. ففي الكويت، مثلاً، قامت حملتان متضادتان، الأولى ضد رئيس الحكومة بعنوان «ارحل»، والثانية مع رئيس الحكومة، يؤيدها بعض الوافدين بعنوان «غير السّوباح ما نبي»، أي لن نقبل أحداً غير أسرة «السّوباح»، التي هي أسرة الصُّباح الحاكمة. وهم بذلك يريدون تصوير الأمر وكأن حملة «ارحل» تسعى إلى الانقلاب على الحكم.

وكان من ضمن حملة «ارحل» محامٍ في إدارة الفتوى والتشريع، اسمه فيصل اليحيى، وفي حملة «السّوباح» المضادة، كانت تقف زميلته في نفس الإدارة. فماذا حدث في بلاد العربان؟ لا شيء جديد… المحامي تعرض للبهاديل والغرابيل، وتم تأخير ترقيته، وأوقعت عليه عقوبات شرسة، إحداها خصم نصف راتب الشهر الأول، ثم خصم ربع الراتب مدة سنة. في حين تعرضت زميلته للهواء المنعش.

فيا عمّنا عمرو موسى، دع عنك الأميركان فهم ليسوا خصوم الشعوب العربية، ووجّه فرقاطاتك إلى الحكومات العربية التي تعتبر الشعب كالكمنجة، تحزّ رقبته فيصرخ ألماً، فتتمايل هي طرباً، وحرّك غواصاتك إلى القياديين العرب الذين ما إن ينتقدهم أحد، حتى يسقط على رأسه جلمود صخر من علٍ، أكبر من جلمود الأستاذ امرئ القيس.

يا عمنا عمرو موسى، لن تستعيدوا فلسطين إلا إذا استعدتم كرامة الشعوب، فرتّب أولوياتك، ولا تكن كتلك الصبية الجامعية التي اتفقت مع زميلها على الخروج إلى أحد المقاهي، وسألته: «هيّه سيارتك نوعها ايه؟»، فأجابها: «هناك خطأ في ترتيب الأسئلة، كان يجب أن تسأليني (هل تمتلك سيارة أم لا؟) وستوفّر إجابتي عليك طرح السؤال الثاني».

يا عمنا عمرو موسى، قبل أن نهدد أميركا ونحتل كندا، أظن أن علينا توفير طبيب واحد، أكرر «طبيب واحد»، يدور بين القرى الصومالية ليعالج الفقراء والمعوزين بدلا من انتشار «المعالجين بالبصق» الذين أثروا بفحش فاحش.

يا عمنا عمرو موسى… شوي شوي على الأميركان الله يرضى عليك، وإذا دعتك قدرتك على ظلم «الناتو» فتذكر قدرة الله عليك… وحدووووه. 

محمد الوشيحي


جسد امرأة

عندما كنا صغاراً، أرعبنا «علماء الدين»: «من يضع (الدش) في بيته، فهو ديوث، عليه لعنات الله»، وازداد هلعنا عندما حذرونا: «هذا غزو صليبي يحتل البيوت وغرف النوم، وهو أخطر من الغزو العسكري الذي يحتل مناطق». وكنت أمرّ في شارعنا أحسب عدد «الديايثة»، فأيقنت أن الغربيين احتلوا غرف نومنا، خلاص، وقررت المقاومة، على بركة الله، فالإسلام كما فهمته مبني على «جسد امرأة»، شعرها وخصرها وحيضها وعينيها وصوتها، ووو، هذا جل ما كانوا يتحدثون عنه… شرّف الله الدين عن دنسهم.

وكبرت، وابتلاني الله بآفة لا شفاء لي منها، القراءة. فاكتشفت أن علماء الأزهر في مصر طردوا إمامهم الأكبر الشيخ العلامة محمد عبده من الأزهر، ومنعوه من الإفتاء وكفروه، بعدما أفتى أن «خلع الطربوش وارتداء البرنيطة حلال»، واتهموه بأنه يقبض أموالاً من الإنكليز ليغير الثقافة العامة المصرية ويساعدهم في غزوهم الثقافي. ثم أصدروا فتوى مضادة: «ارتداء البرنيطة كفر». ثم قرأت في كتب الثورات أن أحمد عرابي طلبَ من أتباعه تعلّم اللغة الإنكليزية، على أساس أن «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم»، فأصدروا حكمهم: «خرج عرابي عن الملة»، فانصرف أنصاره من مجلسه وبقي وحيداً مع أولاده.

وقرأت أن تدريس البنات في السعودية كان محرماً، وجهاز «التلكس» كان محرماً، بحجة أنه «استخدام للجن»، ومن صدّق باختراع «الإِمطار»، أي المطر الصناعي، كافر، ومن «ادّعى» معرفة ما في الأرحام كافر، طقة واحدة، فـ»الغيث وما في الأرحام» لا يعلمهما إلا الله، وهلمّ جرا على أشواك الفتاوى.

وكبرت أكثر، للأسف، فشاهدت «العلماء» ينتشرون في الفضائيات بواسطة الدش، واكتشفت أن بناتهم أصبحن جامعيات، وقرأت فتاوى لهؤلاء «العلماء» يأتي في أسفلها رقم «الفاكس والتلكس» الخاص بهم، وهو دليل على أن الجن يتطور، فبعدما كان على شكل تلكس، أصبح فاكس رول، واليوم صار الجني على هيئة إنترنت 3 ميغا بايت، وصارت شركات الاتصال تؤجر لنا الجن بالشهر، وأصبحت هناك صيانة للجن، واقتنع «العلماء» اليوم أن أي طبيب في «طيبة كلينيك» بإمكانه اكتشاف جنس المولود منذ الشهر الرابع للحمل، بل وبإمكان الأبوين التنسيق مع طبيب الولادة لتحديد جنس المولود. ثم شاهدت المصريين يرتدون البرنيطة، وعلمت أن أبناء علماء الأزهر أصبحوا بلابل إنكليزية، ووو…
ويقول الدراويش لنا: «ما العائق الذي وضعناه أمام العلم، نحن على العكس نطالب بالعلم»، فنجيبهم: «أنتم تفسرون الدين خطأ وتزرعونه عائقاً أمام العلم والاختراعات، وحكاية (الإمطار) شاهدة عيان، وحكاية جنس المولود، بل وحتى الزلازل والأعاصير والبراكين أنتم تدّعون أنها (غضب إلهي) وتطوون الصفحة وتنامون، ولو صدقكم الأميركان واليابانيون لما استطاعوا اكتشاف فورة البراكين وأجلوا الناس قبل انفجارها، ولما استطاعوا اكتشاف الأعاصير والزلازل، في الغالب، قبل موعدها، ولو بفترة وجيزة، فتقلص بذلك عدد الضحايا. وانظروا إليهم الآن وهم يرصدون مليارات الدولارات لمحاولة اكتشاف الزلازل ومهاجمتها تحت الأرض، لقتلها في مهدها، ومازالوا يحاولون، وسينجحون بالتأكيد. في حين أن علماء الطبيعة والجيولوجيا المسلمين لم يبحثوا في الأمر وصدقوكم واتكؤوا على تفسيركم (غضب إلهي)، وناموا».

واليوم، يصرخ أحمدي نجاد وشركاؤه، أثناء انتظارهم المهدي، كما يدّعون: «إسرائيل وأميركا والغرب يغزون إيران ثقافياً»! الحجة الأزلية ذاتها، وهي تشبه لعبة شعبية كويتية يمارسها الأطفال «أنا الذيب باكلكم، أنا أمكم باحميكم»، والغرب هو الذئب، ونجاد هو الأم الحنون التي تُجلس خصومها السياسيين على خوازيق، وتنتهك أعراضهم في السجون، وتُطلق عليهم الكلاب في الشوارع.

وأنا أصدق نجاد، وأظن أن الموساد الإسرائيلي، فعلاً، غزا إيران والأمة العربية، ونجح في أن زرع لنا أعداداً هائلة من «المفتين، ومفسري الأحلام على الطريقة الإسلامية، ومشعوذي البصق على وجوه المرضى»، الذين شغلونا وانشغلوا بجناح البعوضة، فانشغل الغرب وعلماؤه بجناح طائرة الشبح وجناح المكوك الذي وصل إلى القمر… والجناح بالجناح والبادئ أظلم.

وفي مقالة الغد سأضع براهيني على أن بعض علماء السنة والشيعة مِن صُنع الموساد، أو على الأقل، هم يفعلون ما يرضي الموساد. 

محمد الوشيحي

لا بطاطس ولا طماطس يا ياسمين

هذه فكرة سبق أن كتبت مثلها في الأزمنة السحيقة، في أول شهر كتابة، عندما كان لا يقرأ لي إلا المصحح وشقيقي منصور وذوو القلوب الرحيمة. واليوم أعمل للفكرة "ريسايكلنغ" وأعيد تكريرها وتصديرها مع بعض الإضافات والتوابل…
نحن الشعوب العربية – أجلكم الله – الأقل ولاء لبلداننا، ونحن الأكثر تنطعاً وتغزلاً في حبها بين الشعوب. خذ عندك أغاني  وطنية، وخذ احتفالات برغوة، وخذ مسيرات ورفع أعلام، وخذ مقالات كتّاب، في حين أنك لن تلاحظ مثل هذا التصنّع بين الشعوب التي تحتل بلدانها المراتب الأولى عالمياً، كفنلندا وآيسلندا وهولندا والنرويج، التي ترتفع فيها مؤشرات الإنتاج والتنمية الإدارية والحقوق المدنية والشفافية والاستقرار النفسي وبقية المؤشرات الدالة على الرفاهية. وهنا أرجوك ألا تقنعني أن ولاء الفنلنديين لوطنهم يعادل ولاء العربان لأوطانهم.
خذ الكويت والكويتيين مثالاً، ثم ارمِ المثال وارم الكويتيين واغسل يديك جيداً… فبعض الكويتيين لا يشعر فقط بعدم الولاء لبلده، بل يكرهه. ولا تصدق ما نقوله عن اشتياقنا أثناء السفر إلى الكويت، واللهفة على غبارها ورمالها وطوزها وكوسها فهذه "كليشة" نرددها كالببغاوات والغربان والخفافيش.
ولا أظنني في حاجة إلى سَوْق الأمثلة على كره هؤلاء الكويتيين لبلدهم، ولا على سوء إدارة الحكومة التي قادت إلى إضعاف الولاء في صدور الناس، فالأمثلة تسوق نفسها بنفسها وتكفيني العناء، وهي أكثر من التفاح في تشيلي، ومن الفضة في الأرجنتين، ومن أكياس الزبالة في مصر.
ولو نظرنا إلى دول العالم الثالث، لشاهدنا بوضوح كيف يجيّر الحاكم دولته وشعبه وخيرات البلد لأبنائه وأقربائه، إذ هم الوزراء وهم الوكلاء والمسؤولون والتجار. والأجهزة والمؤسسات الحكومية في خدمتهم. وستجد – يا للطرافة – هؤلاء هم الأكثر حديثاً عن الوطنية وعن الولاء ووجوب التضحية وحقوق الدولة على المواطنين. وهنا تذكرت اللقاء الذي أجرته إحدى المجلات المغربية مع ممثلة أفلام بورنو وخلاعة، وهي فرنسية من أصل مغربي اسمها ياسمين، إذ قالت ياسمين رداً على سؤالها عن نظرتها إلى الفتيات المغربيات: "لا مانع من أن يواكبن العصر، لكنني للأسف أراهن في طريق الانحلال، ويجب على الدولة توعيتهن وتذكيرهن بالعادات والتقاليد المغربية المحافظة". أي والله، هذا ما نقلته مجلة "تيل كيل" المغربية عن ياسمين، وهذا ما نقلته الصحف عن أولئك الوزراء. ومفيش حد أحسن من حد.  
ومن الجهة الأخرى، يرفع المشعوذون والحواة أيديهم في خطب الجمعة: "اللهم أصلح بطانة وزرائنا"! على اعتبار أن الوزراء، اسم الله عليهم، تقاة غرر بهم رفقاء السوء، المستشارون الفاسدون المحيطون بهم. ولطالما حاول الوزراء، يا كبدي، إبعاد مستشاريهم لكنهم عجزوا، ولطالما صرخوا في وجوههم: "ابعدوا عنا يا أشرار يا ويلكم من الله"، لكن لا حول ولا قوة، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به. وإذا صرخنا: "بعض الوزراء أفسدوا في الأرض وأضرّوا بالناس وقتلوا الولاء"، صرخ الحواة: "هذه الخادمة الآسيوية تلبس البنطلون الضيق… واإسلاماه"، وارتفع صوتهم فغطى على صوتنا… كلهم أعضاء فريق واحد، المستشارون والدراويش، عيال الـ… ياسمين.
وزراعة الولاء كزراعة الخضراوات، ما لم تتوافر الشمس والماء والطقس المناسب، فلا بطاطس ولا طماطس ولا جرجير ولا لياليَ حمراء، وما لم تتوافر الحكومات القدوة فلا ولاء. ولا أظن أن الولاء سيملأ الصدور ما دام أكثر الأمثال شيوعاً عند الحكام الظالمين هو "جوّع كلبك يتبعك"، على أساس أن شعبه كلب… وهو ابن شعب.

محمد الوشيحي

. وجه من الحفل

آه لو يعود الزمن القهقرى. شوية قهقرى يعني مش أكثر. أي إلى وقت طفولتي. لكنت حرصت على تعلّم الإنكليزية والفرنسية بدلاً من اللف والدوران ما بين أساطير الزير سالم وعنترة العبسي وأبوزيد الهلالي. وإذا كان لدي من اللغة الإنكليزية ما يسد رمقي بخبزة حافة جافة، يأنف من التهامها اليتيم الفقير، ففرنسيتي "لا غيمة فيها ولا بارق ولا رعّاد".

ولو كنت أعرف الفرنسية لالتهمت صحافتها هناك وتلذذت بحرية كتّابها ومحرريها، ولتفسحت بين سطور أدبائها وخبرائها وهم يصلبون المسؤولين صلباً ويقصلونهم قصلاً (بالإذن من اللغة العربية)، ويقلّبونهم على جمر الغضا، فأستعيض بها عن صحافتنا العربية المنافقة الغبية.

والله الله لو "مشت معاي" وأصبحتُ كاتباً فرنسياً، وأصبح الشيخ أحمد العبدالله وزيراً للنفط والإعلام الفرنسي، على افتراض أن الفرنسيين أغبياء همج بَجَم، يقبلون وجود وزارة إعلام، ويستمتعون بمشاهدة "استقبل وودّع وكان في معيّة معاليه".

تخيلت ذلك، وتخيلت ماذا كنت سأكتب عن طريقة معاليه في إدارة الوزارات التي يتسلمها، والتي لم أرَ فيها أو أسمع عن إنجاز واحد نفاخر به وتغيظ به بناتنا قريناتهن الفرنسيات. فكل ما يفعله معاليه هو إطفاء الأنوار، ودعاء النوم، وقراءة المعوذتين، هصصصصص! وتخيلت ماذا كنت سأكتب عن النائب البطل علي الدقباسي الذي يعادل في سوق الصرف السياسي مئة وسبعة وثمانين وزيراً من أحمد العبدالله، ورغم ذا يتعالى النباح حول الدقباسي، وتتعالى الزغاريد حول العبدالله، الذي يُكتب تحت اسمه في الصورة الجماعية للحكومة "وجه من الحفل"، وتنسى أنه وزير، وإذا به بعد عامين أو أكثر "يفجؤك"، كما يقول طه حسين، بتصريح في حفل لإحدى السفارات الأجنبية عن علاقة الكويت المتينة بتلك الدولة، فتتساءل: "مَن هذا؟".

ولو أننا نتعامل مع الاستجوابات كما تتعامل فرق كرة القدم في مباريات النهائي، فنحضر "حكّاماً" أجانب يديرون مباراة الاستجواب، بعدما فقدنا الحيادية في برلماننا. تُرى كم ستكون النتيجة؟ وماذا سيكتب مراقب المباراة عن النائب والوزير والحكومة، وعن النواب الذين يعيشون في المناطق الرطبة المظلمة، ويقتاتون على استجوابات ضعاف الوزراء؟

على أنني لو كنت مكان النائب الدقباسي لاكتفيت بمحور واحد أسأل فيه معاليه أسئلة شاطئية لا تتطلب إتقان الغوص والخبرة البحرية: كم قطاعاً في كل وزارة؟ وكم وكيلاً مساعداً؟ وما هي طبيعة أعمالهم؟ وكم مادة في قانون المطبوعات الذي لم تطبقه وتسبب في كارثة كادت تقود إلى فتنة؟ وبس. ثم أجلس وأتركه يغرد بإجاباته، ويرسم البسمة الداكنة على وجوه الناس وهم يرون مستقبلهم في أيدي وزراء بهذه "العَظَمة". وإذا جاء دوري للتعقيب، فسأكرر ما قاله الفنان المصري محمد نجم وهو يقلد اللهجة الخليجية: "حياك الله بالخير"، ثم أتوكل على الله فأنوح وألطم.

وقد بلغني أمس، أن معاليه للتو أدرك أنها خطة حكومية مرسومة لقمع الحريات، وللتو انتبه أنه من سيدفع الفاتورة وهو لم يشترِ شيئاً، فغضب! وسّع صدرك طال عمرك وانزل إلى الميدان، فلم يعد يهم الناس غضبك ولا رضاك.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

الدين يسحب لها الكرسي


معلش. أو بالأحرى «معلشّان» اثنان. المعلش الأول هو أنني سأكتب عن مقالتي السابقة «تزويج غير الأصيل». المعلش الثاني هو أنني سأستشهد بمقالة لي قديمة، تحدثت فيها عن تجارة الأوروبيين بالعبيد الأفارقة، وما كتبه البحارة الأوروبيون عن ذلك.

وكان التنافس على أشده بين بريطانيا وهولندا والبرتغال، في القرون الماضية، على جلب الأفارقة صحاح الأجسام، وتسخيرهم للعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم، مقابل الأكل والشرب، فقط. وأثناء رحلة جلبهم من بلدانهم، كانت المعارك تنشب في عرض البحر بين «العبيد» أنفسهم لأسباب مضحكة مبكية، أهمها «ادعاء الأفضلية العرقية على الآخرين»، فيصاب بعضهم بجروح خطيرة، يضطر معها البيض إلى ربط المصابين منهم بأثقال ورميهم في البحر، على وقع الضحكات، فلا وقت لعلاج العبيد.

كتب أحد البحارة ما معناه: «أمرهم غريب هؤلاء الأفارقة، نبيعهم ونشتريهم، ويفاخرون بأنسابهم العريقة. والمدهش أننا استطعنا تغيير معتقداتهم الخرافية ودينهم الغريب، لكننا فشلنا في إلغاء عاداتهم الغبية وتفاخرهم بأنسابهم».

العرْق مصيبة، تسهل دغدغته وحكحكته. ولا تقلّ خطورة استغلاله عن الدين. انظروا إلى هتلر و»آريّته» التي استغلها للوصول إلى الحكم، فألقى بألمانيا في جحيم الاحتلال، ودفع الألمان العظماء إلى الاصطفاف في طوابير أمام المحتل الاميركي والبريطاني والسوفياتي للحصول على قطعة خبز، واقرأوا ماذا فعل بهم الجنود السوفيات، من هتك أعراض واستعباد وغير ذلك من مهانة. (مونتجيمري وروزفلت تحدثا عن ذلك).

وأميركا، إلى هذه اللحظة، لايزال بعض محافظيها، من أنصار الحزب الجمهوري، وهُم قلة، يرفضون تجنيس المهاجرين بحجج عديدة، منها وضاعة أعراق المهاجرين واختلاف عاداتهم، بينما يطالب الليبراليون، أنصار الحزب الديمقراطي، بتجنيس من تنطبق عليه الشروط فوراً (لاحظ الاختلاف بيننا وبينهم، إذ يعارض الليبراليون عندنا تجنيس البدون، في حين يطالب به المحافظون).

طيب، أو حسناً حسناً، على رأي العظيم عباس العقاد. كل هذا أفهمه جيداً وأحفظه عن ظهر قرف. إنما الجديد هو أن البعض يرى أن «الدين يجلس في المقصورة الرئيسية، كالسيد المطاع والآمر الناهي، لا شك في ذلك، لكن ما إن تأتي الإمبراطورة، وهي العادات والتقاليد، حتى ينهض الدين مرتعداً لتجلس هي مكانه، فيقف خلفها، ويهف عليها بمهفته إذا شعرت بالحر». وهذا ما قلته لمجموعة من الأصدقاء فخالفوني في الرأي، فكتبت مقالة الثلاثاء الماضي، فهبّت العواصف والأعاصير، وقرأنا معاً التعليقات كلها، وصفقتُ لنفسي ألماً بعدما ثبت صدْق وجهة نظري.

شرعاً، فقط الدين والأخلاق هما الشرطان الرئيسيان للزواج، وأما حكاية «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس»، فهو حديث مكذوب، كعادة العرب في الكذب والتزوير. والرسول، صلى الله عليه وسلم، زوّج بنات أشرف أشراف مكة من الموالي والخدم، زيد بن حارثة، وابنه أسامة، وبلال الحبشي الأسود، وغيرهم. لكن الناس اليوم ليسوا على استعداد للتخلي عن عاداتهم من أجل الدين، سوري. وفي مجتمع كهذا، وعنصرية كهذه، بالتأكيد سيحقق المرشح العنصري أرقاماً أولمبية في الانتخابات، وسيتساقط دعاة الوحدة الوطنية.

وأمس، هاتفتني امرأة طُلّقت بعد زواج استمر شهرين فقط، وأبلغتني أنها الآن تجاوزت الأربعين بسبب نسبها العريق الذي حال دون زواجها مرة أخرى من رجل من «ساير الناس». ثم أضافت ما معناه: «حقي سآخذه من أخي المتدين المتجهم يوم القيامة، فهو يتمتع بزوجتين، ويتركني أتمتع بدموعي. ليتني لم أكن بهذه الأصالة والعراقة».

وحادثني صديق «أصيل» مثقف، بصوت يتلفت هلعاً: «نحن مثلك نؤمن بما تؤمن به في هذا الجانب، لكننا لا نجرؤ على إعلان ذلك. نحن ننتظر من يرفع البيرق ويتلقى الطلقة الأولى كي نواصل مسيرته، وليس أنسب منك لتلقي الطلقات والصدمات! وتغيير العادات يحتاج ما لا يقل عن خمس عشرة سنة من الجهد المتواصل، وها أنت بدأت، أعانك الله وأعاننا».

والأدلة على أن «العادات أهم من الدين» كثيرة تستحق الذكر، لولا أن المقالة طالت وتمددت بحرارة الموضوع. والسؤال هنا: «هل من فرق بيننا وبين العبيد الأفارقة؟ فكروا جيداً… وقبل أن أنسى، أؤكد إيماني بما قلته في مقالتي السابقة. نقطة. 

محمد الوشيحي

سأزوّج ابنتي من عَوَج دخّان … شتبون؟

مَن يتذكر حكاية الزوجين السعوديين اللذين تم فصلهما بحكم قضائي بسبب "الفارق في الأصل والنسب"؟. ولمن لا يتذكر، فقد رفع إخوة الزوجة دعوى قضائية يطالبون فيها بتطليق أختهم من زوجها "غير الأصيل" نسباً، بحجة أنهم كانوا يجهلون ذلك قبل تزويجها! علماً بأنها رزقت منه طفلين. فصدر الحكم وتفرقت الأسرة… هذا الأسبوع، حكمت المحكمة العليا في السعودية بإعادة لم شمل الأسرة المنكوبة وألغت حكم الطلاق.

وقبل سنوات، وقعت حادثة طريفة أثناء احتفالات رأس السنة في الجزائر أو المغرب. فأثناء تجمع الناس حول "بابا نويل" لالتقاط الصور معه، فوجئوا بـ"بابا نويل" يرمي لحيته وقبعته ويصرخ بأعلى صوته: "يا ابن الكلب" قبل أن يهجم على عاشقين متعانقين في انتظار التصوير معه، فهربت البنت بعد أن اكتشفت "السبب"، وتعارك الرجلان، بابا نويل والعاشق، وتبين لاحقاً في قسم الشرطة أن البنت هي أخت بابا نويل، ولم تعرفه بسبب تنكّره باللحية والقبعة، وتبين أن حبيبها الذي كان يقف معها في الطابور ما هو إلا خطيبها المهندس الذي رفضته أسرتها لعدم تكافؤ الأنساب. وانتهت القصة بزواج العاشقين خلسة، وهروبهما حتى الساعة.

هذا الأمر، أي أهمية العرق، موجود عند الأوروبيين أيضاً، لكنهم بدأوا يتخلصون منه حتى كاد يتلاشى، فخفّ حملهم وانطلقوا يسعون في مناكب الأرض. أما نحن الغلابة، أهل الخليج العربي (بالإذن من إيران)، حيث "لا شغل ولا مشغلة"، وحيث التوافه أساسيات، والأساسيات توافه، فلا يمكن أن نتغير بسهولة، وستجد بيننا الأصيل وغير الأصيل، وما بين بين، وهو "عوج دخان"(1). على اعتبار أن دخان الأصيلين دايركت، مستقيم، بينما غير الأصيلين لا دخان لهم، في حين يستطيع الأخ "عوج دخان" إنتاج الدخان، لكن دخانه ينحرف قليلاً! يبدو أن لديه خطأ هيكلياً في التصميم.

وفي الكويت، الحضر ينقسمون إلى أصيلين وبياسر (2)، والأصيلون الحضر مستويات وطوابق متعددة، بينما ينقسم البدو إلى "أصيلين" و"غير أصيلين". والرجل الأصيل يتزوج من مصرية أو سورية أو عراقية أو تركية أو حتى هندية، لكنه لن يتزوج كويتية غير أصيلة يسكن أهلها معه في نفس الشارع! بينما لا يمكن لأخته أن تتزوج إلا من أصيل، أو فالعنوسة في انتظارها. وما أكثر العانسات، وما أكثر المطلقات الأصيلات اللواتي فقدن الأمل في الزواج. فالطلب هنا أقل كثيراً من العرض. (تذكرت حكاية التلميذ البليد الذي سأله معلّمه: اذكر أسباب الطلاق، فاجابه: "الزواج"… صحيح، فالعزاب لا يطلّقون).

والمصيبة، أنه حتى في داخل القبائل الأصيلة، هناك قبائل أعلى مستوى من أخرى (معلش، الزعل ممنوع). بل، في القبيلة ذاتها، هناك مستويات ودرجات، وهكذا تستمر الأمجاد… والغريب أن "علماء السنة والشيعة"، أي رجال الدين، ذوي الكلمة المسموعة شعبياً، لم ينهوا عن ذلك، بل على العكس، أغلبيتهم يشجعونه.


ولهذا، سأصعد أعلى هذا العمود الصحافي – أنا الأصيل بحسب تصنيفهم – لأعلن: لن أمانع من تزويج ابنتي من أي إنسان، أصيلاً كان أو غير أصيل، عوج دخان أو مائلاً قليلاً، أردنياً أو هولندياً، لكن بشروط ليس من بينها الأصل بالتأكيد. فإن قامت المظاهرات ضدي، وقفتُ أمام بيتي متأهباً برشاش أوتوماتيكي صنعه "عوج دخان" سوفياتي اسمه "كلاشينكوف".


 


 


 



(1): أعدادهم كبيرة في الجزيرة، وقيل إنهم سلالة أصيل تزوج من غير أصيلة فنبذه قومه، وقيل بل هم قبائل أصيلة لكن عاداتهم مختلفة. وتعددت الروايات، وتمددت السخافات.



(2): مفردها بيسري، وهو غير الأصيل.

 


 


 


كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء


يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة


 


محمد الوشيحي

ليس على النائم حرَج

في السفارات الأميركية في الدول المصنفة "من مصادر الإرهاب"، أي أن شعوبها إرهابية لا حكوماتها، عند تعبئة طلب تأشيرة الدخول إلى أميركا، تقرأ سؤالاً مدهشاً: "هل تعتزم القيام بأعمال إرهابية في أميركا؟ نعم أم لا؟"! لا إله إلا الله، ثم تقرأ بجانبه سؤالاً آخر: "إذا كانت الإجابة نعم،؟ فلماذا؟". الله على هذين السؤالين العظيمين، والله الله على العبقري الذي وضعهما محتقراً صاحب المثل: "قالوا للحرامي احلف… إلخ".
ولا أدري هل الأميركان – الذين يذهبون إلى القمر ويعودون كما نذهب نحن إلى المستوصف، والذين صنعوا الطائرات والغواصات والصواريخ الذكية والصواريخ النص نص التي تصيب المدنيين غالباً – هل هم دراويش يمتلكون كميات هائلة من الغباء المستفز، أم أنهم صادقون وشفافون حتى الموت ويعتقدون أن الآخرين مثلهم، و"كلٌّ يرى الناس بعين طبعه"، كما في المثل، وأن الإرهابي سينهار أمام هذين السؤالين ويجثو أمام القنصل الأميركي على ركبتيه وينتحب وهو يعترف ويشرح خطته في التفجير وتوقيتها وأسبابها قبل أن يطلب الغفران والسماح… وات از ذيس يا أميركا؟ ريلي، ماي آي أُن يو كولد.
وفي الكويت، التي يبدو أن تعيين الوزراء فيها يتم بالقرعة كما تفعل قبيلة الطوارق، حيث يجمع شيخ القبيلة آباء المواليد الجدد، ويضع أمامهم الأسماء، ثم يجري القرعة، وأنت ونصيبك، فقد تكبر فتجد أن اسمك "حنتاشي"، وقد يكون حظك أفضل ويرزقك الله باسم حديث، "حلاكة" مثلاً، أو "رغيط"، وقد تسوء الأمور معك فتُرزق بـ"قسلوط"… ولسوء حظ الشعب الكويتي، ولحسن حظ الشيخ أحمد العبدالله، صارت "النفط والإعلام" من نصيبه في القرعة، فاجتمع معاليه – كما يبدو – مع وكلائه ومساعديه في الوزارتين، وطرح عليهم سؤالاً من الطراز الأميركي: "هل ستعبثون بالوزارتين؟"، فأجابوه: "لا، طال عمرك"، فشكرهم وأمرهم بالانصراف: "تصبحون على خير، أيقظوني وقت المهمات الخارجية وافتتاح المعارض"، وغطّ في غيبوبة سياسية وإدارية، وترك الحبل على غارب الجمل، وارتفع الشخير.
لذلك، عندما صرخ الناس غضباً: "ما هذه القناة الوقحة التي تستهزئ بالناس وعاداتهم وبيئتهم، قبل افتتاحها"، وواصلوا: "أوقفوها قبل أن تندلع النيران"، لم يرد عليهم أحد. والخطأ هنا لا يتحمله الوزير، بل الوكلاء والمساعدون الذين لم يوقظوه من نومه، والنائم مثل الغائب عذره معه، إلى أن استيقظ معاليه بنفسه مذعوراً  على دوي الانفجار، وهرول إلى وزارته قبل أن يغسل وجهه.
واليوم، هناك من يطالب باستجوابه كي يدفع ثمن نومته، وهناك في المقابل فريق يجنح إلى التهدئة لأسباب وجيهة، منها أن معالي الوزير مرفوع عنه القلم سياسياً، وأن الحكومة اليوم أدركت خطورة ما تم. لكن الفريق هذا يشترط أن تحاسب الحكومة وزراءها في المرات المقبلة ولا تنتظر إلى أن يحاسبهم البرلمان، أما إذا اغترّت  الحكومة بأغلبيتها "العاقلة" وتمادت في قهر الأقلية واستفزازها بتعمد ارتكاب الأخطاء، فقد لا تضمن لها الأيام ما سيحدث، إذ ليس مستبعداً أن يخرج الأمر من باب البرلمان إلى الشارع العام، حيث الفوضى والفتنة تنتظران على أحر من الفرن.
كلا الفريقين حجته ودوافعه مقبولة، ولا مانع من مناقشة الحجتين برويّة قبل اتخاذ القرار.

محمد الوشيحي

لثم الشفايف… خطر

يفتح النقاش معك، فتفتحه معه، والبادئ أظلم: "بأمانة، قل لي ماذا استفدنا من الديمقراطية؟"، وقبل أن ترد عليه يواصل قصفك: "يا أخي، نحن لسنا أهلاً للديمقراطية، نحن شعوب لا تستقيم إلا بالعصا الغليظة. انظر إلى صحافتنا وفضائياتنا، انظر إلى الحرية ماذا فعلت بنا، انظر انظر انظر…".
تجيبهُ: أنا معك، أسأنا استخدام الديمقراطية، لكننا أيضا أسأنا استخدام الكهرباء واسأل سكّان الجهراء، وأسأنا استخدام الإنترنت، وأسأنا استخدام الشعِر الوطني، واقتحم المستشعرون المجال فتدحرج الشعراء الحقيقيون إلى سفح الجبل، وأسأنا للتمثيل والمسلسلات، وغابت موهبة الإبداع، وانتشر المنتجون في سوق الجمعة يبحثون عن الأرخص من الممثلين والمؤلفين والمصورين ومهندسي الديكور والمخرجين، فكانت النتيجة مسلسلات مشوهة، وأسأنا استخدام كلمة "خبير"، فإذا كل من تمتلك محل كوافير إيجاره الشهري 300 دينار "خبيرة تجميل"، وأتذكر أنني في بداية عملي العسكري، تم تعييني في "مكافحة المتفجرات"، فإذا بي أُفاجأ برقم هاتفي متربعاً  على مداخل مخافر المنطقة الجنوبية تحت اسم "خبير المتفجرات"، فضحكت حتى جعت عطشاً بعد أن حصلت على لقب "خبير" بالمجان المريح! فخبير المتفجرات الفرنسي – الذي تدربنا على يديه، والذي يتقاضى أجره الباهظ بالساعة، ويعادل ما يقبضه في الساعة سبعة أشهر من راتبي – حصل على لقبه بعد أكثر من ثلاثين سنة، وبعد أن أصبح يعرف أنواع المتفجرات بحاسّة الشم، بينما حصلت أنا على اللقب في غضون سنوات خمس، وبنظام "احفظ وسمّع"، خير البر عاجله، وأنا – إلى يومي هذا – لا أفرق بين الألغام الألمانية والأميركية إلا بعد حكّ الجبهة والقفا. وعندما أخبرت زميلي عن لقبي الذي حصلت عليه، صعقني: "أنت على الأقل، أمضيت خمس سنوات متنقلاً بين المتفجرات والعبوات والألغام، أما أنا فحصلت على اللقب بعد دورة تدريبية مدتها ستة أشهر، هاهاها".
ما علينا، نعود لإساءة الاستخدام… نحن أيضاً أسأنا استخدام النفط، وأسأنا استخدام الكبريت، وأسأنا استخدام السيارت فملأناها بالمتفجرات واقتحمنا بها جثث الأبرياء ودهسنا بها المارة، وأسأنا استخدام الموبايلات، وكاميرات الموبايلات، وأسأنا وأسأنا وأسأنا…
ما رأيك لو استغنينا عن الديمقراطية وعن كل ما أسأنا استخدامه، فنستغني عن الكهرباء والإنترنت والشعر والمسلسلات والممثلين والمنتجين والنفط والصحف والفضائيات والكبريت والسيارات والموبايلات والكاميرات، ونعود كما كنا، سلط ملط؟
يا سيدي، إساءة الاستخدام تتم برعاية حكومية، ولأدلل على كلامي، سأضرب لك الأمثال ضرباً مبرحاً، على رأي الشاعر المبدع الغائب فهد عافت… دعك من الانتخابات والنواب، وتعال معي إلى بحري الذي أعرفه، تعال إلى الصحافة. هنا، في الكويت، عندما يكشف كاتب صحافي ما عن فضيحة في إحدى الوزارات، تنهمر عليه الانتقادات: "تباً لهكذا صحافة تنشر غسيل بلدها"، "هذا الكاتب يقبض من الخارج ليسيء إلى بلده"، وتتزاحم التّهم في شليلك(1)، وتتناهشك الدعاوى القضائية، فتتساءل دهشة: "أليس الأولى أن يُحاسب المسؤول؟ كيف انقلبت الأمور لأُحاسَب أنا؟"، ثم تتذكر أن صحافياً أميركياً اسمه "سيمور هرش" احتاج إلى مدير أعمال يرتب له مواعيد تكريمه ولقاءاته التلفزيونية التي يقبض مقابلها أموالاً  طائلة، واحتاج إلى تخصيص إحدى غرف بيته ليكدس فيها الجوائز والشهادات التي حصل عليها، وأصبح يمهر توقيعه على أوتوغرافات المعجبين والمعجبات، وتنافست عليه الصحف. فما الذي فعله هذا "الهرش"؟ الجواب: هو من كشف فضيحة سجن "أبو غريب" في العراق، وهو من صور الأميركان وهم يعذبون العراقيين… فيا عجباً لهؤلاء الأميركان، يكرّمون المصور الهرش الذي "أساء إلى بلده"، ويعاقبون كبار مسؤولي السجن وقيادات الجيش. وهذا هو الفرق بين حكومات "البوس" وحكومات "خد بخد"، والشاعر العراقي يقول: "بوس الشفايف سحر، مو مثل بوس العين"، وأنا أقول: "لثمِ الشفايف خطر، أخطر من النهدين".

(1) الشليل: أسفل الثوب.