محمد الوشيحي

احمد الفهد سيشربك قريباً


هو أحمد الفهد، أو الشيخ أحمد الفهد (بالإذن من النائب عادل الصرعاوي الذي يذكرنا بلاعب نادي الفحيحيل في الثمانينيات، المدافع الأسمر العملاق ربيع سعد، ذي القلب الجميل النقي، الذي يطلب منه المدرب مراقبة المهاجم طوال المباراة فيراقبه طوال الحياة). وكم من شيخ لا يُرى بالعين المجردة، في حين يسد أحمد الفهد الشمس بكتفيه، وإذا «تمغّط» اصطدمت كفّاه بالنظام الشمسي. وكم من شيخ يمشي على الرصيف، في حين «يتمشى» الفهد في منتصف «الهاي وي» إما لتنظيم السير أو للخبطته، بحسب ما يُطلب منه. وهو صياد يرمي شباكه في عرض المحيط، إذ لا تشبعه أسماك السلمون الصغيرة.

وهو في الشأن المحلي نجم شباك من الطراز الهوليوودي، ذو حضور سينمائي لافت ولا شكري سرحان أيام عزه. وهو لفرط ثقته بنفسه ينام وأبواب بيته مفتوحة على مصاريعها، ولفرط هيبته تسرح إبله في الفلاة بلا رعاة، كما كان يفعل فرسان البادية الأشداء. وهو كائن من خيال، يرأس اجتماعات خطة التنمية في البنك المركزي، ثم يجد متسعاً من الوقت لحضور حفلة طهور في الجهراء. وهو بسبعة أذرع، لذا يشاهده الناس يحمل سبع بطيخات، وللدلالة على تمكّنه يداعب الكرة برجله ورأسه كما يفعل «رونالدينهو» دون أن تقع بطيخة واحدة.

وجوده في الحكومة أعطى صورة مغشوشة لكتلة العمل الوطني، وأظهر بعض أعضائها بمظهر المعارضين، وهم ليسوا كذلك. ولولا وجود الفهد لما استطعنا تمييز بعض نواب «العمل الوطني» عن النواب عسكر والخنفور ودليهي.

وللفهد هواية جميلة، هواية تربية صغار النواب (سأطلق عليهم اسم «بتوعه»)، إذ يدربهم على القفز من خلال فتحة الإطار المحترق، ودحرجة الكرة لإضحاك الجماهير، وبضربة سوط واحدة يصطف بتوعه بعضهم وراء بعض ويدورون في الحلبة، وبضربة سوط ثانية يغادر بتوعه الحلبة فيبقى هو وحيداً في المنتصف، فينحني للجمهور ويفتح يديه بطريقة مسرحية على وقع التصفيق، ويغادر فتُزال الخيمة.

وهو يتعامل مع بتوعه كما كان يتعامل الديكتاتور السوفياتي ستالين مع أنصاره المخلصين من صغار الموظفين (مع الفارق)، إذ يختم ستالين على ظهر كل مخلص من أنصاره، فيستمتع المخلص بكل شيء في الدولة بالمجان، ويدخل الحانة ويحتسي ما شاء، وإذا جاءته الفاتورة خلع قميصه وأشار إلى «ختم الزعيم» فتحال الفاتورة إلى «الرئاسة»، ويدخل السوق ويشتري ما شاء ويخلع قميصه، ووو… كذلك حال «بتوع» الفهد.

وكان إلى وقت قريب، كلما عثرت بغلة في الكويت استنجدت الحكومة به، فيفرك بلورته السحرية فيتعبّد الطريق، وتسير القوافل بأمان. وإذا اشتعلت حرائق في الغابات، استنجدت به الحكومة، فيفرك بلورته السحرية فتنطفئ الحرائق… واستمرت الأوضاع على هذا سنوات… لكن دوام الحال من المحال يا صاحبي.

إذ قرر الرئيسان، رئيس الحكومة سمو الشيخ ناصر المحمد ورئيس البرلمان معالي جاسم الخرافي، الاستحواذ على «بتوعه» الذين ربّاهم وصرف عليهم دمَ قلبه. ونجحا في ذلك، وها هما اليوم يحكّان «ختم الزعيم» ليمسحاه من على ظهور «البتوع» كي يضعا ختميهما مكانه.

وقريباً جداً، ما لم ينتبه الفهد، سيشاهد الناس في جميع دور العرض الشيخ أحمد الفهد بلا ختم ولا بطيخة ولا سوط. وستتحرر كفّاه، وسيكون بإمكانه حينئذ الانضمام إلى أقرب فرقة شعبية للتصفيق و»الشربكة»، وحدة وحدة وحدة جك جك جك جكجك.

هوَ ذا أحمد الفهد، وهيَ ذي الكويت… هو نائب رئيس الوزراء اليوم، وغداً قد تقرأ اسمه في كشوفات الباحثين عن عمل. وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء. 

محمد الوشيحي

بنت اوناسيس

أعود إلى ذاكرتي الضعيفة أتخبط… كان ذلك في بداية عشرينياتي، وكنت أصرف وقتي ببذخ على مطاردة الصبايا. وفي بهو فندق في القاهرة، قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، توجهت إلى طاولة مجاورة تشغلها فتاتان، إحداهما شقراء تتحدث اللهجة الكويتية، فاتنة فارعة باسقة، وأنا لا أميل إلى «الشقار»، لكنني احترمته يومذاك، واقتربت منها أسألها: «كم عدد أخوتك الشبّان؟»، فدهشت: «ليش؟»، فأطفأت دهشتها، أو لعلي أشعلتها أكثر: «كي أقتلهم وأخطفك. فقط أخبريني كم أحتاج من الطلقات؟». قلت ذلك وأفسحت لها مجالاً للضحك بأعلى دموعها، هي وصويحبتها.

لحظات وكنت بجانبها في سيارتها الرياضية حديثة الطراز، وصويحبتها خلفنا – ما شاء الله على صاحبتها، فوجودها مثل عدمه. أسميتها (مودموزيل بلاس) أي (زائد) – نبحث عن مقهى لا يزوره الخليجيون، كما طلبت هي، فداعبتُها: «اختطاف؟»، فردّت ضاحكة: «طبعاً. أعطني رقم هاتف أمك كي أخبرها أين تضع الفدية»، قلت أصحح فكرتها: «لن تدفع لك أمي فلساً واحداً، وستحمد الله على اختفائي وانقطاع مصائبي»… تواصل ضحكنا إلى أن استأذنتها: «أكره الأسئلة لكن سؤالاً ثقيلاً أنهكني حمله، وسأرميه عليك؟»، فربّتت على زندها دلالة القوة والعافية: «هات سؤالك»، فرميته عليها: «كويتية وشقراء؟»، فأجابت: «أعرف صديقة كويتية شقراء، ما الغريب في ذلك. عموماً أنا فلسطينية عشت طفولتي وصباي ومراهقتي في الكويت، وابتعثني والدي إلى هنا للدراسة بعد أن اشترى لي بيتاً ستشاهده قريباً». قلت وأنا أجاهد لأعيد حاجبيّ المذهولين إلى مكانهما: «تزاحمت الأسئلة على كتفي، لكنني لن أسمح لها بالعبور». قالت: «هذه المرة دوري أنا… أين تسكن في الكويت؟»، قلت: «الصباحية سقاها الله»، فاستنكرت: «بعييييدة»، فأيّدتها: «صحيح. من هنا بالطائرة نحو ثلاث ساعات»، فاستدركت ضاحكة: «لا. أقصد من منطقة (حولّي)»، ثم أضافت: «وماذا تفعلون في الصباحية؟ لا سينما ولا أسواق ولا مطاعم… ماذا تفعلون هناك؟»، فأخبرتها صادقاً: «نتخانق. فالصباحية ساحة حرب، ينقصها بئر ماء وجبل، كي يلتف أحدنا من خلف الجبل ويحول بين الأعداء والماء».

هرولت الأيام، واعتاد صديقاي اللذان يشاركاني الشقة على مرور «الباسقة» بسيارتها لتصطحبني… إلى أن جاء يوم دعتني فيه إلى عيد ميلادها الذي سيقام في قاعة فندق، وكانت المرة الأولى التي أُدعى فيها إلى عيد ميلاد. سابقاً كنت أُدعى إلى «هوشة»، خناقة، وفي أحسن الأحوال «تمايم»، عقيقة، لكن عيد ميلاد؟ لا. هذه تجربة جديدة… أبرك الساعات.

يومذاك لم أكن أعرف أن الإيتيكيت يأمرك أن تحمل معك هدية إلى صاحب أو صاحبة عيد الميلاد، ففي مناسباتنا لم نكن نحمل معنا شيئاً لصاحب الدعوة… وذهبت إلى الفندق، حيث الاحتفال، وأنا أفكّر في عذرٍ أقدّمه لأبيها أو لأي أحد يسألني عن سبب مجيئي.

ودخلت القاعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا بي أمام جمع من الرجال المهمّين، من الذين نشاهدهم في التلفزيونات والصحف، وحولهم نساء من اللواتي نقرأ تحت صورهن: «حرم فلان»، وكل من يدخل القاعة بعدي يحمل معه علبة، وتبلّمت، وشعرت بألم في بطني، فشاهدت «بنت إبليس» مودموزيل بلاس، فصرخت فيها مستنجداً: «تكفين يا بلاس… الفزعة». فسحبتني من يدي إلى حيث تقف داليا بين الجموع تتلقى علب الهدايا، فشعرت بحرج شديد، فخلعتُ ساعة يدي التي اشتريتها من قيصرية الفحيحيل وقدمتها إليها بدون علبة.

بعد أيام سألتها: «من أنتِ؟ بنت المياردير اليوناني أوناسيس؟» فأجابت: «لا. أنا بنت أحد كبار قياديي منظمة التحرير الفلسطينية، فتح»، فأفلتت مني ضحكة مدوية غطّت على كلماتي: «يا بنت الكلب». 

محمد الوشيحي

رجال المطنزة 
والعازة


… ويستمر «أبو جعل» في سخريته من أعراق الناس في الكويت، ومن أصولهم وجذورهم، فيدعمه الفأر والضبعة، ويحميه الخنزير، وينشر أخباره الطفل المترف… وتتسرب الدولة من قبضة الحكومة، فتشتعل «فلاشرات الخطر» في أوساط المناطق الخارجية، ويعلو صوت «الجهّال»، ويطرق العقلاء ويصمتون، وتبدأ الاتصالات تحت بند «إلى متى؟»، وتتجه أصابع الاتهام في المناطق تلك إلى بعض أعضائها، أمثال دليهي الهاجري، سعدون حماد، عسكر العنزي، غانم اللميع، سعد خنفور، خالد العدوة، محمد الحويلة، حسين مزيد، شعيب المويزري، وغيرهم.

وترتفع الدول المجاورة، فتدفع الغيوم بيد والنجوم بيد كي تحصل على موقع لها في السماء، والكويت تصارع الدود، رحماك يا ربنا المعبود. والدول تتوحد، والشعوب تنزل الملعب على طريقة منتخب البرازيل، اليد باليد، وتعتمد الخطة الهجومية بحثاً عن الكأس…

ويدخل الشعب الكويتي الملعب، فيتبادل لاعبوه اللكمات والركلات والصفعات فيما بينهم، يا رافضي يا مجوسي، يا ناصبي يا وهابي، يا بيسري يا قليل الأصل، يا بدوي يا مزدوج، يا حضري يا حرامي، وترتفع فقاعات الصابون، فتكتب السفارات الأجنبية في الكويت تقاريرها إلى قياداتها، والحكومة تتفرج على زراعة الفتن، وقيل هي من يوفر السماد والماء والشمس… ويردد العقلاء: «راحت رجال تنطح الدروازة، وبقت رجال المطنزة والعازة».

وكلما ازداد الأغبياء غنى، قلّت حاجة بعضهم إلى بعض، وتفرقوا، فاستغنى الأخ عن أخوته وابتعد عنهم، واستغنت المرأة عن زوجها وطالبته بالطلاق، وتمرد الشاب على أبويه واستقل عنهما، وتلفّت الناس بحثاً عما يشغل أوقات فراغهم، فلا يجدون إلا التصارع، دينياً وعرقياً…

وكان التنابز و»المعايَر» وظيفة النساء العاطلات عن العمل كل ضحى، «يا أم شوشة»، «يا الحولة»، «يا الداثرة»…، فأصبح الرجال الكويتيون عاطلين عن العمل، فزاحموا النساء على صنعتهن، وهزموهن، وأخجلوهن، وعلموهن كيف يكون التنابز على أصوله، ليس في أوقات الضحى فقط، بل على مدار الساعة، كما الصيدليات المناوبة.

وكل من يطالب اليوم بزيادة الرواتب يساهم في صبّ البنزين على الحرائق، ويدفع البلد إلى مزيد من التمزق والتشقق، عن جهل أو قصد…

البطر و»الفسقة» هما السبب. ولأن لا أمل في تغيير نهج الحكومة، فليس لنا إلا البحث عن حلول لتغيير نهج الشعب، ولا حل أفضل من تخفيض الرواتب إلى النصف، كي يلتهي الناس في البحث عن مصادر دخل إضافية، والقاعدة تقول «الطبيعة تكره الفراغ».

❊❊❊

رحمك الله أيها الإعلامي الجميل سلمان العتيبي، وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان، و»إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». 

محمد الوشيحي

فعلا كريم


مبارك عليكم الشهر…

كل شيء عندنا مزوّر، كل شيء مغشوش، وإذا كانت هناك استثناءات فهي لا تُرى بالعين المجردة. وحتى العين المجردة ذاتها مزوّرة ومغشوشة في عالمنا العربي. فهل وقفت الأمور عند رمضان ولم تشوّهه أو تزوّره؟ الإجابة لا. بل أظن أن أكبر عملية تزوير وغش وخداع هي التي تعرّض لها رمضان الكريم نفسه.

المسيحيون العرب يصومون خمسين يوماً في السنة، ولم نسمع عن مسلسلات تُغرِق أيام صيامهم، ولا حتى مسلسل واحد، ولم نسمع أن تجارهم يستغلون أيام الصوم فيرفعون أسعار السلع بشكل مبالغ فيه، ولم يخرج راهب أو قسيس أو خوري (أقصد المفتي المسيحي، ولا أعرف ما هي درجته اللاهوتية) كل يوم يجيب عن أسئلة مكررة كما يحدث عندنا: «فضيلة الشيخ أحسن الله إليك، ما حكم من احتضن زوجته وقبّلها قبل أذان المغرب؟»، فيجيب فضيلة الشيخ عن السؤال الذي انسحك لونه لتكراره كل عام: «لا ضير في ذلك، ديننا دين يسر»… «فضيلة الشيخ جزاك الله خيراً، أنا إنسان مقتدر، وسّع الله عليّ، فهل يمكن أن أدفع زكاتي نقوداً وملابسَ وما شابه بدلاً من الطعام؟»، وعليّ النعمة لو كانت الأسئلة تشتكي لاشتكى هذا السؤال تحديداً، ومع ذا يجيب الشيخ، الذي هو شابّ في ضحى الثلاثينيات من عمره، ويضع على رأسه غترة خشبية حادة: «الشافعية يجيزون كذا ويكرهون كذا، أما الحنفية فيرون كذا وكذا»، وتتكرر الأسئلة… وكان بإمكان السائلين أن يستعينوا بالإنترنت، أو بأحد يجيد استخدام الإنترنت، حيث فتاوى كبار المشايخ متوافرة لكل سؤال يخطر على البال.

ولهذا أظن أن غالبية برامج الإفتاء التي يقدمها الشبان على الفضائيات تمّ تحضير أسئلتها مسبقاً، بمعنى أن المفتي لا يظهر على الشاشة إلا بعد أن يطلب من أصحابه ومعارفه الاتصال به في البرنامج.

وليتنا نعرف كم يتقاضى رجال الدين في البرامج الرمضانية… الداعية المصري عمرو خالد مثلاً، أو المصري الآخر خالد الجندي الذي أصبح الآن يقدم مع صديقه محمود سعد برامج مسابقات، أو شيخ الدين الكويتي نبيل العوضي الذي سمع ورأى أشياء لم ولن يسمعها أو يراها أحد غيره، أو الشيخ سلمان العودة، جنبلاط المتدينين، الذي لا يثبت على فكر، أو الدكتور طارق السويدان، أو غيرهم، حتى نعرف هل نحن أمام «مشايخ دين» فنصدقهم ونتعلم منهم إيماننا، أم أمام «تجار بورصة» فنتفقد جيوبنا وبطاقات ائتماننا؟

وفي الزمن هذا، لن تجد أثرى ولا أغنى من أنصار الحكومة الكويتية من النواب، إلا مشايخ الفضائيات الذين يرون رمضان موسماً تجارياً فيرفعون أسعارهم كما في الشقق المفروشة في المصايف.

وإذا كانت أسعار الممثلين ترتفع في مسلسلات رمضان، فلأنهم «أهل دنيا»، يبحثون عن ملذاتها وزخرفها، لكن ماذا عن رجال الدين، الذين لا تساوي الدنيا في عينهم جناح بعوضة؟

السؤال برسم المواطنين المسلمين المغشوشين… ورمضان فعلاً كريم. 

محمد الوشيحي

هذرلوجيا


اقتحمتُ غرفته دون أن أطرق الباب، بدفاشتي المعتادة. أدرتُ مفاتيح الأضواء كلها، وصرخت فيه كما يصرخ ضباط طابور الميدان بنبرة جافة: «انهض»، فاستيقظَ المسكين بتأفف وكسل، ثم تمتم وهو يحمي عينيه بكفّه من نور الإضاءة: «يالله صباح خير، عسى ما شر؟»، فواصلت صراخي: «طالت فترة نومك، وحان وقت الكتابة»، فواصل تمتمته المتذمّرة: «يا أخي مَن منعك من الكتابة؟»، فنزعت بطانيته وألقيتها هناك، وقلتُ وأنا أرفع رأسه من على مخدته: «أحتاج إليك. لا أريد أن تكون مقالاتي مثل الدخان الملون الذي تنفثه الطائرات الاستعراضية، وسرعان ما يتلاشى»، فسخرَ: «إذاً تريد أن تنفث مقالاتك بدلاً من الدخان الملون صواريخ مدمّرة»، قلت وأنا أفتح شبابيك غرفته: «وقنابل نووية إن أمكن»… فنهض خيالي المرهق، وراح يعيد ترتيب شعره المنفوش ويردد جملة الفاكهاني المصري: «يا فتّاح يا عليم يا رزاق يا كريم».

لحظات قليلة قضاها خيالي يغتسل ويعدّل هندامه قبل أن ينضم إلينا، أنا والورقة والقلم وفنجان القهوة العربية الشقراء وعلبة الدخان، وما كاد يستوي في جلسته حتى كرّر سؤاله الممجوج: عن الفشل والتشاؤم والإحباط والدموع ستكتب كعادتك؟، فأجبته: أنت تذكّرني بحكاية الفنان بيكاسو، عندما رسم لوحة لمدينته المدمّرة، لم يذيّلها بتوقيعه، فأبهرت الناس وأذهلتهم، وتداولوها بينهم، فقبض عليه الفاشيّون، وسأله ضابط التحقيق وهو يشير إلى اللوحة: «أنت من فعل هذا؟»، فأجابه: «لا. بل أنتم»… وأنا لم أزرع التشاؤم ولا الإحباط ولا الدموع في قلوب وعيون الناس، الحكومة ونوّابها وكتّابها هم الذين فعلوا هذا. أنا مجرد حكواتي، أو «كتباتي» إن أردت الدقة، أو رسّام، أو مصوّر يلتقط الصور من زاويته الخاصة وبكاميرته الخاصة، ومن الظلم محاكمة الصورة بتهمة بشاعة المحتوى وكآبة المنظر.

زحزح الخيال كرسيه واقترب مني هامساً: «الضباع تكمن لك خلف الجدار، تنتظر منك زلة، كي تهاجمك وتلتهم رأسك»، قلت مصححاً معلومته: «الضباع لا تهاجم الأحياء عادة، هي تأتيك غدراً بعد مماتك أو أثناء نزفك مصاباً، وأنا لست ميتاً ولا مصاباً، ثم إنها لا تلتهم الرأس، بل تفضّل البطن والأمعاء ومجمع الدماء، أجلك الله. الأسد هو من يأكل الرأس ويلتهم الأذرع والأرجل، ويقرف من البطن والأمعاء، لأنفته وشموخه». قال: «الناس تلحلحت والرزق يحب الخفّية، فهذه منحت زوجها منصب وكيل وزارة، وذاك حصل على عقد مليوني، ووو، وأنت وأشباهك مصرّون على ترديد النشيد الوطني وارتداء القبعة لتوهموا الناس أنكم أحفاد الثائر تشي غيفارا. ثم يا سيدي هل هذا هو جزاء الحكومة التي درّستك وعلّمتك، فلما اشتدّ ساعدك رميتها؟».

قلت: «دونك فصيلة دمي لتتأكد أنني لست من أحفاد الأرجنتيني تشي غيفارا، بل من أحفاد البدوي حمد بن وشيح، أما عن حكاية تدريسي وتعليمي فسأردد معك كلمات الشاعر الصعيدي الرائع هشام الجخ (طب كنتو ليه بتعلّمونا نحفظ البِرّ وجمايلُه، طب كنتوا ليه بتعلمونا نكره الظلم وعمايلُه، لما انتو ناووين تسجنونا ف أرضنا، كان ايه لزوم العلم ورموزه ومسايلُه؟ مش كنتو سبتونا بهايم كنا نمنا مرتاحين؟).

طال الجدل بيننا فأشعلت سيجارتي ورسمت بدخانها خطاً ينهي الحوار: «حلّق وأنت ساكت»، فرفع أصبعه محتجاً: «قل (لو سمحت)»، قلت: «تستاهل… لو سمحت»، فتبسّم وفرد جناحيه يتفقدهما استعداداً للقادم من الأيام والمشاكل والنكبات…

❊❊❊

لم أجد عنواناً للمقالة هذه أفضل من «هذرلوجيا»، وهي الزمرّدة التي كان يزيّن بها الصعلوك النبيل سليمان الفليّح عنق زاويته في جريدة «السياسة»، في سالف العصر والأوان. وآه ما أجمل ذلك الصعلوك.

الآن، عمنا الصعلوك يكتب في جريدة «الجزيرة» السعودية… لكن، ومن دون زعل، أظن أنه ترك خاتمه وجنونه وقلبه وشقاوته هنا، وأحرق ابتساماته، قبل أن يغادر الكويت مجروحاً، فابحثوا عن خاتم سليمان وجنونه وبقية أدوات شبابه علّكم تجدونها فتبشّرونه فيعود إلينا ضاحكاً فوضوياً كما كان.

افتقدناك… سليمان.

❊❊❊

النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، الشيخ جابر المبارك، أمر برش «معطّر جو» في فضاءات الكويت بعد أن أزكمت أنوفنا روائح بعض الإعلاميين… شكراً أيها الكبير. 

محمد الوشيحي

قرّبوا مربط الحَجْباء مني


بعد انكشاف حكاية المجلس الأعلى للبترول واستفادة أعضائه من المناقصات البترولية بطريقة "مصلّعة"، وبعد صمت الحكومة ووزير نفطها، وطبعاً بعد صمت "النواب العقلاء"، اتضح لي بما لا يدع مجالاً لحكّ الجبهة أن آبار النفط سيجف ريقها، وستعود الكويت إلى عهد ما قبل النفط.


ويا سلام لو تم ذلك، بشرط أن يمتهن كلّ منا مهنة أجداده التي كانوا يمتهنونها قبل اكتشاف النفط، فالذي كان أجداده طباخين يمتهن الطبخ، والذي كان أجداده حلاقين يمتهن الحلاقة، والقلاليف يصبح ابنهم قلافاً (القلاليف هم صنّاع السفن)، والنجارون يمسك ابنهم المنشار، والحدادون يتعامل سليلهم مع الحديد، والتجار وسيّاس الخيل وبقية المهن يمتهن أحفادهم صنعتهم. وما جرى على الأجداد يجري على الأحفاد، بشرط ألا يهرب التجار إلى الخارج بعد أن يهرّبوا أموالهم… هذه هي اللعبة وهذه شروطها، واللي أوله شرط… الخ.


وطبعاً سأمتهن أنا مهنة أجدادي، فأتحوّل إلى قاطع طريق، فجدّي لأبي "حسين الوشيحي" كان يرأس مجموعة من أبناء القبائل تخصصت في قطع طرق القوافل. منحهُ أصحابه رتبة "عقيد". و"العقيد" هو اسم الدلع لرئيس عصابة. على أن الرتبة هذه لا يحصل عليها من هبّ ودب، بل تنظّمها شروط ولوائح داخلية، منها أن يكون العقيد ذا رأي سديد، ويكون حازماً حاسماً في قراراته، عادلاً في توزيع الغنائم، سريع البديهة، ملمّاً بالطرق والأعراق والقبائل والأفخاذ، شجاعاً غير متهور، واشتراطات أخرى كثيرة. وكم من فارس فشل في "العقادة"، وأولهم جدي لأمي، "بريمان"، واسمه الحقيقي "محمد الوشيحي"، وهو ابن عم "العقيد". لم يحصل حتى على رتبة "عريف" رغم اعتراف الجميع بأنه "الأشجع"، لماذا؟ لأنه متهور أرعن. بل إن "العقيد" طرد ابن عمه بريمان من "الخدمة" بعد أن تسبب في فضح كمينهم أكثر من مرة، وكاد يوردهم المهالك، فهام على وجهه في الصحاري يقطع الطريق بمفرده.


وذاع صيت "العقيد حسين" فطاردته الحكومتان السعودية والكويتية، فترك أطفاله في "الوفرة" (منطقة كويتية تقع على الحدود السعودية) وركب البحر ولجأ إلى البحرين، ومات. وذاع صيت ابن عمه "بريمان"، فطاردته حكومات مجلس التعاون الخليجي كلها، واليمن، والعراق، ولا أدري عن الاتحاد الأوروبي ودول الكونكاكاف، وأخشى أن اسم "بريمان" ما يزال متربعاً على رأس قائمة "المطلوبين" هناك. ومع ذا مات معمراً في مستشفى الأميري.


إذاً على بركة الله، سأقطع الطرق. ولأن "الأقربون أولى بالمعروف"، فسأبدأ بـ"ذي الجيرتين"، الدكتور غانم النجار، جاري في الصفحة، وجاري في مبنى "الجريدة"، وسأفرض أتاوة على كل مسمار في منجرته، وليراجع منظمات حقوق الإنسان إذا أراد. ثم أعرج على جاري الآخر، حسن العيسى، حفيد الأدباء والتجار، فأشفط منه ما تيسّر. أما جاري الثالث عبدالمحسن الجمعة فسأركله على معدته وأتركه، فلا خير وراءه ولا أمامه. وسأسرق مصاغ لمى العثمان، فإذا صرخت وولولت خنقتها. ولن أقترب من الشاعر "وضاح" بسبب تحالفٍ قديم عُقدَ بين أجدادي وأجداده. وسأستعين ببعض الزملاء الكتّاب في الصفحة الداخلية لغزو جريدة "القبس"، جريدة التجار. ابشروا بالخير، وابشروا بالعدل في توزيع الغنائم. وخذوا ما راق لكم واتركوا لي الكاتب علي البغلي، رئيس جمعية حقوق الإنسان، الذي أثرى ثراء مهولاً. ثم "نحرف خيلنا" بعد ذلك على جريدة "الوطن" وكتّابها، وابشروا بالخير، وخذوا ما راق لكم، فإذا وجدتم الكاتب أحمد الفهد فارموا عليه "كسرة خبزه" وامسحوا على رأسه، معلش عشان خاطري، فهو في حمايتي. وأنجزوا أموركم بسرعة قبل أن تتدخل الـ"سي آي إيه"، والـ"إف بي آي"، والـ"خا را طي"، وكل منظمات الاستخبارات العالمية نصرة لعميلها الكاتب الفضائي.


هانت. سنوات قليلة وسيعيدنا المجلس الأعلى للبترول إلى عصر ما قبل النفط، فقرّبوا مربط "الحَجْباء" مني.


محمد الوشيحي

العجلات خلفية والدفع أمامي


العلم بحر. راقت لي سيارة مرت أمامي في الشارع فقررت أن أشتري شقيقتها، بحيث تكون أكبر منها سناً، وأقدم منها في معترك الحياة، وبشرط أن تكون رخيصة غير بخيصة. فنهاني الأصدقاء عنها. ليش؟ لأنها تسير بنظام "الدفع الأمامي". ولأنني أسمع عن هذا النظام البائد ولا أعرفه عن قرب، سألت: "ما الفرق؟"، فأجابوا: "الدفع الرباعي يعني أن ما يدفع السيارة للتحرك هو العجلات الأربع، وهو ما يعطيها قوة أكبر، ويحافظ عليها، أما الدفع الأمامي فيعني أن ما يدفع السيارة هو العجلتان الأماميتان فقط، وتتبعهما الخلفيتان على غير هدى، فالخلفيتان مثل زوج الست"، قلت: "يعني بالمصطلح السياسي نستطيع أن نقول عن نواب الحكومة إنهم عجلات خلفية والدفع أمامي؟"، قالوا: "فتح الله عليك يا مولانا"، قلت: "لنبحث إذاً عن نظام أخو شمة، نظام الدفع الرباعي كحال سيارتي السابقة، وكما قال الفارس ابن رشيد (عيبٍ طمان الرأس عقب ارتفاعه)"، فبحثنا وأعيانا البحث، فتهكم أحد الأصدقاء: "نصحناك أن تغيّر قلمك "الجاف" بقلم "سائل" يتشكل بحسب الوعاء الموجود فيه، فتهز النخلة فتساقط عليك رطباً جنياً، فأبيت" يقصد أن أصحاب الأقلام السائلة استفادوا من بعض الشركات والتجار والسياسيين. قلت: "وجه الفقر ما يعرف الغناة"، كما في المثل.


حينها، تذكرت سيرة كليوباترا (أكثر امرأة استهلكت عطوراً على مر التاريخ) حين كانت ترش أشرعة سفنها بالعطور المعبأة في براميل كي تخفف نتانة رائحة البحر، فيتسابق الخدم والحشم لتطويقها، هذا يرفع طرف فستانها، وذاك يقبل حذاءها، وذيّاك أصبح كالمظلة ووقف بينها وبين الشمس، ووو، كل هذا للظفر بما تبقى في البراميل من عطور، ومن يظفر ببرميل يحلّق في فضاء المال والأعمال، إذ إن برميل عطر من عطورات كليوباترا يعادل بلغتنا اليوم مشروع بي أو تي.


مساء اليوم التالي توجهت بمفردي إلى مكتب سيارات آخر، فرحّب بي الموظف بشدة (هذه المرة كان كويتياً لا مصرياً كبائع الأمس) وراح يناقشني في مقالاتي، فاستبشرت خيراً، لكن الأمور التبست عليه، وظن أنني أبحث عن "ما غلا ثمنه" من السيارات، بحكم أنني كاتب، فتركته يهذي ويحدثني عن أنواع "البورش"، وتحمس فاستصحبني، على رأي نجيب محفوظ، لرؤيتها على الطبيعة، وراح يحدثني عن الفروقات بينها، فهذه "بانوراما" وهذه "سنسر" وهذه "نافيغيشن" وهذه "خنصر"، ولم يكن بينها فرق واضح، وكلها بألوان غامقة إلا واحدة كانت بيضاء من غير سوء، وتبسمت بعد أن تذكرت زيارتي لكهف "أهل الكهف" مع أبنائي، عندما توقفت بجانبنا حافلات ملأى بالسياح اليابانيين، فذهل ابني وصرخ بكل ما أوتي من تناحة: "كلهم أخوان؟"، فأشرت إلى السائق: "هذا ليس أخاهم، لو خليت خربت".


وأسهب البائع في الشرح فقاطعته بصوت مبحوح مجروح وأنا أنظر إلى سيارة أعرفها وتعرفني: "شوف لي سيارة كهذه يصل سعرها بعد تقسيطها إلى ستة آلاف دينار، حفظك الله"، فرمقني بنظرة تختلف عن نظرة الاحترام في الشكل والمضمون، فرمقته بمثلها، فرمقني فرمقته، وأنا أبو سلمان، فاستأذن بجلافة واستدعى لي العامل الآسيوي الذي جلب لي قبل قليل فنجان الشاي ليشرح لي مواصفات السيارة…


فخرجت غاضباً، وهاتفت صاحبي: "خلاص، سأكتب بالقلم السائل، وسأهاجم النائب مسلم البراك منذ الصباح الباكر، وسيكون عنوان مقالتي القادمة (غير السّوباح ما نبي)".


***


يبدو أنني سأشوي البصل الإيراني على جفون الكاتب الفضائي، وسيكون للبصل نكهة الكمّون والكاري. بالهناء والشفاء. وقد أبيع التذاكر لكل من أراد الضحك عليه في الجمعيات التعاونية.


***


الحرية لسجين الرأي خالد سند الفضالة.


محمد الوشيحي

حامل العلمين… 
خالد الفضالة

الشاب خالد الفضالة، أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي (التيار الليبرالي في الكويت) صدر ضده، أمس الأربعاء، حكم أول درجة بالسجن ثلاثة أشهر وغرامة مالية، في القضية التي رفعها ضده سمو رئيس الوزراء، بعدما قال الفضالة في حملة «ارحل نستحق الأفضل» إن «تخريجات» مصاريف ديوان الرئيس تعتبر غسل أموال.

أذكر المعلومة هذه لمن يقرأ صحافتنا من خارج الكويت…

ومعلش، كنت قد وعدت صديقي، شهر يوليو، بعدم الحديث عن السياسة، إلا أنه سيعذرني وهو يعلم ما حدث للفضالة… والفضالة، لمن لا يعرفه عن قرب، ذو نَفَس طويل يبزّ نفَس المقرئ المرحوم عبدالباسط عبدالصمد إذا تجلّى على مقام النهاوند، وهو صبور كالسدرة(*)…

وبعدما تهاوى التيار الليبرالي في الكويت، وسقط «العَلَم» من أيدي فرسانه، وانقلب بعضهم فانضموا إلى الخصوم، وولى الغالبية الأدبار أمام سطوة ذوي القرار والدينار، التفّ هو ومجموعة معه عائدين، فحمل العلمين، الكويتي والليبرالي، وتقدم الجموع، فتعرض لطعنات في صدره من الخصوم، وأخرى في ظهره من بعض الليبراليين الرخوم، الذين اعتادوا ربط فانيلّاتهم على مؤخراتهم كما تفعل حسناوات أوروبا أثناء التسوق. خالد الفضالة، بحسب موقعه، كان بإمكانه أن يقف أمام المرآة ويعتني بتسريحة شعره، ويتعلم الجلوس على الركب أمام الكبار، فيجني الثمار. كان بإمكان «بو سند»، خالد الفضالة، أن يتبادل الغمزات والتنسيق مع بعض جمعيات النفع العام التي نعرفها ونعرف غمزاتها، ليكنز أموالاً يغار منها قارون، لكنّه سيكون شخصاً آخر غير خالد الفضالة. على أن أول من سيعارضه ويتبرأ منه لو فعل ذلك هو والده الوطني الشهم الدكتور سند الفضالة. فهذا الخالد من ذاك السند.

وأمس الأربعاء، بعد صدور الحكم بسجن الفضالة، تلقيت اتصالاً من زميل عربي: «ماذا لديكم أيضاً؟ ما حكاية (سجن ناشط سياسي كويتي) التي وصلتنا تواً؟»، فأجبته: «الكويت تعاني الزحمةَ، ويبدو أن الحكومة قررت تخفيف الضغط عن الشوارع، فباشرت رفع القضايا على معارضيها. والفضالة ليس ناشطاً عادياً كما هو حال المكدّسين على أرفف الجمعيات، الفضالة يا سيدي أحد أبرز السياسيين بحسب موقعه. والكويت ستستمر تدور في الساقية كما يدور الثور، ما لم تتغير الأوضاع. الكويت يا زميل تتأرجح على حبل غير مشدود، وتفرد ذراعيها كي لا تسقط من علٍ وترتطم بالأرض فيتهشم رأسها، والفضالة وبقية المعارضة يشدون الحبل ويحبسون أنفاسهم ويتضرعون إلى الله أن يحفظها». وأكملت: الفضالة، مذ كان طالباً في أميركا، بدأت صافرات إنذار الفاسدين تنطلق محذرة منه، وبعد عودته إلى الكويت صرخ بأعلى وطنيته «إلا الدستور»، فأزعجتهم الصرخة، وأنيس منصور يقول: «لا يصرخ الإنسان بصوت منخفض»، ثم ساهم في حملة «نبيها خمس» التاريخية، وقاتل لإقرار حقوق المرأة، ولم يكُ يوماً عنصرياً ولا طائفياً، ووو، فأدركوا أنه سيزعجهم، فقرروا أن «يخرّبوا عشّه قبل أن يكبر طيره».

ويا خالد الفضالة ماذا أصاب الكويت؟ وبمَ سنجيب إذا قرأ أمامنا أحفادنا: «بأي ذنب قُتلت»؟

ومنذ اللحظة سيبدأ التنافس على الفزعة لخالد الفضالة وللحريات، ضد نهج الحكومة القمعي، بين أنصار «التكتل الشعبي» وأنصار «التحالف الوطني». والغلبة طبعاً كالعادة ستكون لأنصار الشعبي الذين سيتحملون مؤونة السفر، ويصبرون على وعثائه. وليعذرنا الأصدقاء في التحالف، فالسموم واللواهيب تحرق الجلود وتجفف الحلوق.

***

(*) السدرة: شجرة صحراوية تصبر عن الماء فترات طويلة. 

محمد الوشيحي

إلى لقاء…


شهر يوليو وأنا كهاتين، السبابة والوسطى. والشهور تتشابه شكلاً وتختلف مضموناً، تماماً كما يتشابه الذئب والكلب في الشكل، فقط في الشكل، ويختلفان في كل أو جل ما عدا ذلك. فالكلب يبحث عن كفيل يرمي له العظم، ويوجهه ويأمره ويوقّع معاملاته، فهو لا يجرؤ على الكسب بمفرده، وإذا لم يجد كفيلاً سرح في الشوارع مع آخرين من فصيلته، سمّاهم الناس «الكلاب الضالة». وهو يخشى صعود القمم، وتجده دائماً بين الرمم، وقد يتربى في حضن أرملة عجوز، وقد يتربى في حضن ولد مترف، أو تحتضنه وتداعبه راقصة ثرية، أما الذئب فلا كفيل له إلا نابه ومخلابه، وهو يسرح وحيداً، عادة، في البراري لا في الشوارع، وإذا تاه وسرح في الشارع اختبأ الجبان خلف حليلته، وولولت الحليلة واحتضنت أطفالها وأغلقت الأبواب وتأكدت من قفلها، وتدخلت الشرطة والمطافئ وسيارات الإسعاف والكاتب أحمد محمد الفهد (هو كاتب يتمتع بسخافة مرعبة، أساساته مائية، لكنه أشرف مليون مرة من بعض الكتّاب الذين يتطاولون على أهل خصومهم، ويفجرون في الخصومة. وهو كاتب ما أحلى مداعبته، وما أظرف مناغشته، فبين حين وآخر أرميه بكلمة أو جملة فتصيبه في جبهته، وأتعمد أن أبعدها عن ترقوته، ثم أتركه يئن في مقالة كاملة، فأضحك حتى أتألم، وأتساءل وأنا أضع يدي على بطني: من أين له كل هذه السخافة؟).

ويا سلام على شهر يوليو في السنين الخوالي، عندما كنت أتسلّم «ميزانية السفر» من الأصدقاء، مئتي دينار من كل واحد بخلاف التذاكر، فنرمح ونتصرمح ونسهر سهرات لا يسهرها «أغا خان» بجلالة بذخه، فتجف الميزانية خلال خمسة أيام، فيلعنون الساعة ويلعنون أنفسهم التي سوّلت لهم الاعتماد على مجنون يحترم التبذير ويحتقر التدبير، وأشاركهم اللعن، ونعيش في ضنك، إلى أن نعود إلى الصباحية سقتها «المزون» السود.

واليوم، أسمع دويّ أقدام شهر يوليو مقبلاً، مرحبا الساع، على رأي أهل الإمارات. ولك عليّ يا يوليو العزيز ألا أشغلك بالسياسة عن السياحة، ولي عليك، قبل أن تصحبني إلى قمم الجبال، أن تستأذن لي القراء وإدارة التحرير بالغياب شهراً أو يزيد، على أن أكتب كل يوم خميس طوال المدة هذه إما استراحة أو مقالة، بدءاً من الخميس المقبل.

في أمان الله… 

محمد الوشيحي

زواحف الجيش 


بعض العراقيين مايزال يهذي كما يهذي الممسوس، ويرى الكويتَ صبية عقت أمها العراق. ولو كانت الكويت مفلسة يتزاحم الديّانة على بابها لما طالب بها هذا العراقي ابن العراقي، ولكنه الجشع العراقي المعهود يا سيدي.

وسيكون مجنوناً المسؤول العراقي الذي يفكر، ولو مجرد تفكير، في احتلال الكويت مرة أخرى، وسيكون نهاره «أسود» من النفط الخام. لا أقول ذلك من باب الفشخرة البلّونية، بل لأنني كنت شاهد عيان بيان على «كمية النار» التي يمتلكها الجيش الكويتي، وعلى حداثة أسلحته، وسرعة الصيانة. فما إن تتعطل آلية حتى يهرول إليها أربعة، كما في مباريات كرة القدم، فيحملوها إلى كتائب الصيانة التي تبلسم جراحها، وتسهر على راحتها وصحتها. ولا أقول إن جيشنا سيهزم الجيش العراقي، لو لا قدر الله فكّر في الهجوم علينا، لكنه لن يدعه يصل إلى الجهراء إلا ليراجع عيادة الحوادث المتهالكة في مستشفى الجهراء.

فعلاً لا قولاً، يعيش جيشنا أزهى عصوره، ويفتل أشنابه، ويضرب زنوده لفرط الصحة والعافية، اللهم زد وبارك… وفعلاً لا قولاً، يتمتع عساكرنا بلياقة قتالية عالية أنتجتها التمارين المتتالية… وفعلاً لا قولاً، معالي النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك يتعامل مع الجيش كما يتعامل الجد مع حفيده الوحيد، ويركض لجلب كل ما يريده الحفيد، لذا كان شديد الإلحاح على زيادة رواتب منتسبي الجيش، وقد تم له ما أراد، فله التحية ولهم التهنئة.

أما رئاسة الأركان فهي في يد القائد الروماني الذي لا يبتسم، الفريق الركن أحمد الخالد. والله يشهد أنني أحد الذين لا يحبون قسوة هذا الرجل المفرطة، ولا جفافه الزائد على الحد، ربما أقول ذلك لأنني عاطفي من سلالة فريد الأطرش، إلا أن الأمانة تقتضي قول ما يردده الجميع من أن الخالد «قائد عادل لا يعترف بالواسطة»، وهذه تجبّ ما قبلها وما بعدها.

وأتذكر عندما كان الخالد مديراً للكلية العسكرية، وكنت طالباً أقرع الرأس والعقل، وكنا نحو ثلاثين «مذنباً» صدرت الأوامر إلينا بالزحف على صدورنا العارية مسافة ليست بالقصيرة، فوق صخر الأسفلت المدبب، وطال الزحف، وتجرّحت أجسادنا، فهاضت قريحتي، فنظمت أبياتاً رحت أغنيها وأنا أزحف، بصوت منخفض، ويرددها معي الزملاء وهم يزحفون:

صرنـا زواحف يـا عريبيـن الأنســـاب أكــواعها متساوية مع ركبها

الضـب قــدّامـــي ومــــــــن خــلفـــــي الـــــداب والعقربة يمّي* تهزهز ذنبها

ونتضاحك، و»في فجأة»، أثناء انشغالي بشيطان الشعر، إذ بركلة عنيفة من رِجل الخالد على ضلعي الأيمن قذفت بي إلى هنااااك، وألصقت كليتي بكبدي بمعدتي، فتلخبط جهازي الهضمي، وفقدتُ التنفس، واختفى الأكسجين من الأسواق، وضاعت قريحتي، وكدت أموت، عادي البيت بيتي، لولا أن عزرائيل أمهلني…

ومبروك يا أبطالنا العلاوة، وفي انتظار دعوات العشاء.

***

لم أستغرب تطاول النائب دليهي الهاجري على وزير الصحة الدكتور هلال الساير، فمثله أهل لمفردات كهذه وأدب كهذا.

***

شكراً لكل من راسلني أو اتصل يعدني بتزويدي بمقالات العملاق إحسان عبد القدوس، وعلى رأسهم زميلنا الجميل خالد الصدقة رئيس قسم التصحيح في هذه الجريدة. وشكراً لمن وعد بتزويدي برواياته، رغم أنني تحدثت عن مقالاته لا رواياته، وقد وصلني كتاب مقالاته، وها أنذا أمزمزه وأتذوقه وأتلمظه. ألف شكر، غمرني فضلكم.

***

الحرية لسجين الرأي الزميل محمد عبد القادر الجاسم.

***

* يمّي: بجانبي.