محمد الوشيحي

زعماؤنا الأتقياء… بركة

الأوروبيون واليابانيون والأميركان بطبيعتهم لا يعتمدون على الخدم، وليس لعماراتهم التي يقطنونها حراس. قد تجد رجل أمن، أو رجال أمن على مدخل البناية، لكنك لن تجد "عم زينهم" بجلابيته وعمامته يمسح الدرج ويسكن في بئر السلم، وروح يا عم زينهم للسوبر ماركت، وتعال يا عم زينهم شيل وحط.

وقبل نحو أسبوع، اصطحب الرئيس الألماني كريستيان فولف زوجته وراحا يبحثان عن حضانة يضعان طفلهما فيها، ليقضي هناك الفترة الصباحية، أثناء انشغالهما في وظيفتيهما، كحال غالبية الألمان، لكنهما لم يجدا مقعداً للطفل، فسجّلا اسمه في قائمة الانتظار، فراحت الصحف تسخر منه: "كاك كاك كاك تستاهل أنت وحكومتك التي لم توفر حضانات بعدد كاف"… ورغم "بروتوكولية" منصبه فإنّ الصحف سنّت رماحها "وزعْفَرَت" خيلها وشنّت عليه غاراتها الساخرة إلى هذه اللحظة.

وقبل نحو سنة، فقدت المحللة الاقتصادية "سوزان شميت" ابنة مستشار ألمانيا الأسبق (أي رئيس الوزراء) هيلموت شميت وظيفتها الصحافية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، فبحثت عن وظيفة أخرى، وبحثت، وبحثت، فأعياها البحث، فألّفت كتاباً أسمته "سوق بلا أخلاق"، فرزقها الله من حيث لم تحتسب.

وفي أميركا، عجز صاحب المنصب الأكبر في العالم، الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن الحصول على فيزا لعمّته كي يدخلها أميركا ويتولى رعايتها وعلاجها.

ولو لعب أحد الرئيسين، الألماني أو الأميركي، بذيله واستخدم نفوذه بصورة غير قانونية لأخذ على قفاه الكريم، ولعلّقته الصحف من كراعينه، ولضحك عليه المارة وعابرو السبيل إلى أن يتساقطوا على ظهورهم وجباههم وجنوبهم… معلش، أنت تتحدث عن شعوب لها كبرياؤها وأنفتها وشموخها المرعب، وتتحدث عن قانون له أشناب وهيبة مخيفة. وإن كنت "ناسي" أفكرك بما فعله الفرنسيون في رئيسهم ساركوزي، الذي تهوّر ومنح ابنه جان، رغم أحقيته وأهليّته، منصب محافظ مدينة "لاديفانس"، وقد كتبتُ عن هذا سابقاً في هذه الجريدة، وكتبتُ عن مانشيتات الصحف الفرنسية وكاريكاتيراتها الساخرة في مقالة بعنوان "البطيخ أحلى من التفاح". ابحث عن المقالة إذا كان الأمر يهمك، وستجدها في أكثر من مئة موقع عربي، لتكتشف شدة عطش العرب.

وفي بلداننا العربية، حيث يتشدق الزعماء بالدين وتعاليم الدين والحلال والحرام، وتلتقط الكاميرات صورهم في صلاة العيد (أخذتُ جولة على الصحافة العربية ثاني أيام العيد فهالني منظر صور الزعماء العرب الأتقياء وهم يتصدرون الصفوف الأمامية في المساجد، فضحكت وضحكت وضحكت حتى جفت دموعي)، أقول، في بلداننا المتديّنة يفعل سكرتير الوزير (لم أقل الوزير ولا الرئيس) ما لا يفعله باراك أوباما وساركوزي وميركل مجتمعين، فتطأطئ الصحف ويركع الصحافيون، فيعارض صحافي "مقرود" فتتهمه "صحافة هياتم" بالخيانة وقلة الأدب والتطاول على سكرتير وزير ولاة الأمر… هاهاها.

وفي اليابان، اخترع العلماء أثاث بيت تكنولوجياً متعدد الاستخدامات، فاخترع زعماؤنا المسلمون ديناً متعدد الاستخدامات، فهو مرّة قناع، ومرة "بشت"، ومرة عصا، ومرة إبرة مخدر، ومرة حبل مشنقة، ومرة مفتاح خزينة… أعز الله دينه عنّا، نحن المسلمين، وعن صحافتنا الراقصة.

محمد الوشيحي

سحقاً لأم بندر

عيدكم مبارك…

أحياناً أحسد «العجايز» (أقصد النساء الطاعنات في السن)، فالواحدة منهن اشترت دماغها وحفرت لها بئراً أسمتها «عين الحسود»، وألقت فيها كل ما يسوؤها… ليش الكويت تتراجع وتتقهقر يا جدة؟ عين يا ولدي… خلاص، العين هي السبب، لا علاقة للفساد بالموضوع ولا للمسؤولين غير الأكفاء الذين عُيِّنوا بالترضية والمحاصصة، ولا حاجة إلى تقارير ديوان محاسبة ولا لجان تحقيق ولا ولا ولا، عين وخلاص، وكل واحد يروح بيتهم.

وفشل الدول مثل تساقط شعر منيرة… سببه العين. طيب لماذا لا تراجع منيرة طبيباً متخصصاً، فقد يكون الخلل في بصيلات شعرها؟ لا، هي ستراجع «المطوّع» ليقرأ عليها ويزوّدها بـ»ماء مقري عليه، وزيت مقري عليه»، ويجب ألا تخرج منيرة أمام النساء ذوات الأعين الحارة.

وقبل سنوات، كانت الطائرة في الجو، تحلق بنا إلى أوروبا، عندما لفت نظري، أو لفت سمعي، صوت شخير لم تسمع أذني مثله من قبل، شخير يجمع بين حرفي «الغين والباء»، غبغبغبغب، مصدره امرأة كبيرة في السن تجلس إلى جوار شاب يفصلني عنهما الممر، واضح أنها والدته، فالتفتَ إليّ وتبسّم بخجل: «آسف، شخير الوالدة أزعجك؟»، فتبسّمت له: «عادي، لكن كان الله في عون ركّاب الطائرة اللي تطير جنبنا»، وعلت ضحكاتنا، وعلا شخيرها، فالتفتّ إليه مداعباً: «يبدو أن الوالدة تستعيد أيام الحرب العالمية الثانية، وتشارك في دك معاقل الحلفاء بالقنابل اليدوية»، وواصلنا الضحك، وبدأنا مسرحيتنا، لكن هجومها بالقنابل كان أعلى من صوت ضحكاتنا، وما هي إلا دقيقة، وإذا صوت شخيرها يتضاعف بطريقة مرعبة، لكن هذه المرة مع فواصل «غب غب غب غب»، فشرحت له الأمر: «والدتك حفظها الله، بعد أن أنهت الهجوم التمهيدي بالقنابل اليدوية، دخلت الآن مرحلة الهجوم بالدفعات الذي تعقبه مرحلة الحسم والهجوم البري الشامل»، ورحت أشرح له تطورات المعركة بحسب معلوماتي العسكرية الضئيلة، وطمأنته بأن العدو سيستسلم قريباً…

وشرح لي ابنها القصة: «والدتي لم تنم إلا ساعات معدودة طوال الأيام التي سبقت السفر، لشدة هلعها ورعبها من الطيران، وهذا هو سبب إرهاقها وشخيرها المرعب، وهي مصابة بأمراض عدة، وترفض العلاج في المستشفيات، وتصر على العلاج عند مطوع، وبسببها تركتُ كل شيء وتفرغت للتنقل بها من مطوّع في الكويت، إلى آخر في «الخفجي» إلى ثالث في الأردن، إلى رابع في عُمان، وكل رحلاتنا بالسيارة، إذ ترفض السفر بالطائرة رفضاً قاطعاً…».

ويكمل: «المشكلة هي أنني بعد سنين من اللأي والتعب استطعت إقناعها بالسفر للعلاج في المستشفيات المتطورة، لكنها اشترطت أن تحمل معها أكياس البلاستيك التي تحوي (الماي والزيت المقري عليهم)، فرفض موظفو حماية الطيران ذلك، وصادروا الأكياس لخطورة السوائل على الطيران كما تعرف، فغضبت الوالدة وكادت تتراجع عن فكرة السفر، فطمأنتها بأنها ستتسلم أكياسها بعد الوصول… الله يستر».

أعطيته اسمي واسم الفندق وتوادعنا، وبعد أيام تلقيت اتصالاً منه والتقينا في مقهى، فسألته: «بشرني عن أخبار قائدة الفيلق»، فقال وهو ينتزع كلماته انتزاعاً من بين ضحكاته: «تخيّل، سألتها: يمّه ما رأيك بهذا البلد المنظم وحكومته التي وفرت للشعب هذه الحدائق والمتنزهات وأفضل المستشفيات ووو؟ فأجابتني: ما مرّت عليهم أم بندر»! ويضيف: قالت ذلك ثم توجهت بالدعاء إلى الله أن يحميهم من عينها.

سحقاً لأم بندر ولعينها التي لعبت في حسبة الكويت…

محمد الوشيحي

منعي من دخول مصر


لا أحب الحديث عن نفسي إلا متهكماً، ولا أحب أن أتقدم بشكوى ضد أحد، ولم يسبق أن اشتكيت أحداً، وأتمنى أن يزورني عزرائيل بأوراق جرده قبل أن أفعل ذلك، وربما هذا ما شجع بعض صحف البلاط، أي الصحف التي كالبلاط، وكتّابها اللعاقين على اختلاق أكاذيب عني. وعندما اكتشفوا أنني مخلوق من الأسمنت المدعوم والحديد المسموم، وبلا إحساس، وأنني أعتبر شتائمهم كماليات، توجهوا إلى شتم والدي رحمه الله والتطاول عليه وعلى أسرتي بأقذع السباب.

على أن ذكرى والدي ومكانته في قلبي هما نقطة ضعفي ويدي التي تؤلمني. أعترف بذلك. لكنني أعترف أيضاً أنني كلما قرأت مقالات تشتمه، رغم أن لا ناقة له في الموضوع، ضحكت وتخيلت لو أن عمر المختار (الوالد كما كان يسميه الأصدقاء، فصورته تشبه إلى حد التطابق صورة شيخ الشهداء الثائر الليبي الخالد. واللافت أن المختار أُعدمَ في السادس عشر من سبتمبر، وشبيهه توفي في السابع عشر من سبتمبر، رحمهما الله)، أقول تخيلت لو أن والدي التقى شاتميه وجهاً لوجه في «صحصحٍ خال» كما يقول الشاعر خالد الفيصل، أي في صحراء لا أحد فيها، ولا قوانين دولة تحكمها، كيف ستكون ردة فعلهم أمام ذلك الوحش المتهور عندما يرتفع حاجباه غضباً ويعضّ شفته السفلى كعادته؟ أتخيل ذلك فأضحك حتى تدمع عيني.

ولا أدري كيف جرّني الكلام إلى ذكرى الوالد بعد أن كنت أنوي الرد على ما نشر في بعض الصحف الكويتية والمصرية، وبعض الصحف الإلكترونية العربية، عن منعي من دخول مصر، وعن استدعائي إلى النيابة المصرية للمثول أمامها على خلفية مقالاتي التي أنشرها في جريدة الدستور المصرية.

والمضحك أنني آخر من يعلم عن قصة هذه الرحلة المزعومة التي تدّعي أنني «سافرت من بيروت إلى القاهرة، لكن السلطات الأمنية في مطار القاهرة رفضت دخولي وأعادتني إلى حيث أتيت». والمضحك أكثر أنني والصحيفة المعنية آخر من يعلم عن استدعائي للنيابة! أما المضحك إلى درجة الهبل فهو أن غالبية هذه الصحف صاغت الخبر بهذه الصورة «ذكرت مصادر أمنية موثوقة رفيعة المستوى لصحيفتنا أن…»، ويبدو أن المصادر «الموثوقة» كانت «مرتخية» لسوء الحظ، ويبدو أن المصدر الأمني الرفيع هو العسكري الذي ينظم المرور أمام باب المطار.

وللحق… الصحيفتان الوحيدتان اللتان احترمتا مهنيتهما واتصلتا بي قبل النشر هما صحيفة «رقابة الإلكترونية» وصحيفة «المصري اليوم»، لكنهما اصطدمتا بموبايلي المغلق فنشرت الأولى خبر استدعائي إلى النيابة، ونشرت الثانية خبر منعي من دخول مصر.

والخبر الصحيح هو أن آخر رحلة لي إلى القاهرة كانت منذ نحو أربعة أشهر، وكانت للمشاركة في عزاء عم الكتّاب الساخرين محمود السعدني. والصحيح أيضاً أنني لم أتلقّ أي استدعاء إلى النيابة، لا أنا ولا صحيفة الدستور المصرية التي أكتب فيها، إلى ساعة كتابة هذه المقالة. وسلامتكم.

محمد الوشيحي

بين ياسر وراضي


معلش، المقالة هذه تتنقل من شارع إلى شارع، وكي تصل إلى شارع البساتين ستمر مُكرهة بشارع المجاري. والحديث عن دناءة المعمم الهارب، أو المُهَرَّب، ياسر الحبيب، وافتراءاته وطعنه في شرف أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم، ومن قبلهم الرسول صلى الله عليه وسلم، يشبه السير في شارع مملوء بالقاذورات، أجلكم الله، فأغلقوا أنوفكم كلما مر ذكره.

هذا الدنيء استقى أفكاره من المجاري فلوّث العمامة التي يرتديها قبل أن يلوّث أي شيء آخر. وأتحدى أكبر مخرج أفلام خلاعة أن يتخيل ما يتخيله هذا الشاذ المقزز في خطبه ومحاضراته. سوّد الله وجهه.

يأتي هذا في وقت يتقدم فيه المعمم الشيعي الفاضل راضي الحبيب بكبرياء الواثق المتواضع نحو المسجد الكبير، ليشارك إخوانه السُّنة صلاتهم، لذا فالحديث عن راضي الحبيب كالتنقل ما بين بستان وروضة، فافتحوا أنوفكم وصدوركم لاستنشاق أزكى الروائح. ومن الظلم أن نضع الشيخ راضي في مقارنة مع الدنيء المنتن ياسر الحبيب، فالشوارع مختلفة.

خطوة الشيخ راضي الحبيب، أقصد مشاركته أهله السُّنة صلاة القيام في المسجد الكبير، تؤكد لنا أن الراحل العظيم السيد محمد حسين فضل الله لم يمت، وأن بذور أفكاره نبتت وتدلّت ثمارها… وكنا في لبنان لتصوير حلقات برنامجي المقبور «مانشيت»، المخرج والزميل سعود العصفور، رئيس فريق إعداد البرنامج، وأنا، عندما خطر ببالنا استضافة السيد فضل الله في الغد للحديث عن تشرذم المسلمين، فاتصل الزميل سعود العصفور بمنزل السيد، وتحدث مع سكرتيره، فطلب سكرتيره إمهاله دقائق ليبلغ السيدَ الأمرَ، وبالفعل، تلقينا اتصالاً من السكرتير خلال أقل من أربع دقائق يخبرنا فيه بموافقة السيد وترحيبه بنا صباح الغد.

الجميل في الموضوع، أن السكرتير سأل: «هل تعرفون عنوان بيت السيد؟»، فأجابه سعود: «لا»، فأخذ يصف له الطريق: «… وعندما تصل إلى الجامع الفلاني تسأل وسيجيبك المارّة». إذاً هكذا؟ لا حراسة ولا بوابات أمنية ولا مسلحون ولا ولا ولا… إنها كبرياء التواضع وعظمة البساطة يا سيدي.

ولسوء حظنا وقفت الظروف عائقاً بيننا وبين مهمتنا، فاتصلنا نعتذر وطلبنا تأجيل اللقاء… رحمك الله يا سيد يحبه الجميع، ويحرص على إسقاء بذوره العقلاء، ومنهم الشيخ راضي الحبيب.

على أن الشيخ راضي الحبيب لم يزعج الناس بفاكساته الصفراء المسمومة، ولم يحرّض الجهّال على شق الصفوف ويعلن دعمه لهم في الانتخابات، بل تعامل مع وطنه كما تتعامل الأم مع وحيدها الذي رُزِقَتْهُ بعد طول انتظار، وكما يتعامل النحّات مع تحفته الثمينة، ينظفها بفرشاته صباح كل يوم، ويغطيها قبل النوم خوفاً عليها من ذرات الغبار.

***

وكما أن أهل الدين مختلفون، كذلك يختلف أهلُ السياسة بعضُهم عن بعض، فمنهم من قاتلت لتعيين زوجها بدرجة وكيل وزارة، ونجحت، ومنهم من يطلب من ابن عمه عدم قبول المنصب الذي حصل عليه عن طريق الانتخاب لا التعيين الحكومي.

مسلم البراك وأحمد البراك… لم تأتيا بجديد، لذا لم نندهش من موقف بطولي كهذا، فإذا أنتما لم تفعلا ذلك فمن يفعله. معلش، الهامات ليست متساوية، والنفوس كذلك.

محمد الوشيحي

الدكتور رفعة

الحاخام اليهودي الذي دعا على الزعماء العرب بالطاعون، وتحدثت عنه في مقالتي الماضية فقلت: «يبدو أن جذوره عربية»، تبيّن فعلاً أن جذوره عربية، على ذمة رسالة من أحد القراء، وأنه عراقي بصراوي، تنقل ما بين مصر والعراق قبل أن يستقر في فلسطين المحتلة. الله يغربله.

الجينات العربية في الغالب تعلق بثوب صاحبها، وحتى لو ذهب إلى أستراليا أو تشيلي لَبَقِيَتْ الجرثومة العربية متشبثة بدماغه. وقريبنا الحاخام البصراوي رغم أنه يعيش في إسرائيل، الدولة المتطورة طبياً، لم يدعُ على أعدائه بتليّف خلايا الدماغ مثلاً، أو بأي مرض اكتُشف حديثاً، بل دعا بالطاعون، لأنه مرض مذكور في تراثه الديني.

ما علينا… سابقاً كانت قبائل جزيرة العرب تتعمد اختيار أسماء مرعبة لأبنائها خوفاً من الحسد، فتجد «حديحيد وجعيشان وقريشيع وفجيحي وهضيبان وطنيقر وسحيلي وقنيبر…»، والأخير هو أحد أجدادي الأفاضل، ولو أنك أعدت النظر وركّزت قليلاً لاكتشفت أن «ياء التصغير» تنتشر في غالبية الأسماء، من باب التدليع والتغنيج، فـ»قريشيع» هو اسم الدلع لـ»قرشع» أو «قرشيع»، و»طنيقر» اسم الدلع لـ»طنقر». ولا أدري كيف كانت زوجاتهم يدلعنهم في لحظات التجلّي، وبالذات الأخ حديحيد… يا حدحودتي؟ كارثة.

على أن المصريين وبقية العرب ليسوا عنا ببعيد، فجولة واحدة على أسماء لاعبي منتخب الجزائر الذين شاركوا في كأس العالم ستجعلك تشعر بالشفقة تجاه «قريشيع» وأشقائه. وفي مصر كان معنا أثناء الدراسة مجند يحمل شهادة الدبلوم، رُزق بولد فأسماه «النص»، ليش؟ سألته، فاجاب: «أمّال عايزني أسميه تامر أو رامي أو أي اسم ناعم؟ أنا عايزه يطلع راجل خشن، والبداية من اسمه»! لكن رحمة ربك دفعت الهيئة المسؤولة عن شهادات الميلاد إلى رفض الاسم وأجبرت الأب على تغييره.

ويقول الوالد رحمه الله: كنت في منتصف عمري (توفي عام 2005 بعد أن بلغ نحو مئة عام)، عندما أُبلغت بمرض خالي «زنيفر» رحمه الله، الذي يقطن في الجهراء، فأتيت لنقله بسيارتي إلى المستشفى، إذ لم يكن في عائلتنا من يمتلك سيارة سواي… وفي المستشفى، قلّب الطبيب أوراق خالي، وارتدى نظارته الطبية مذهولاً وتمعّن في الأوراق، ثم خلع نظارته وأخذ يحدّق بنا، ثم ارتدى نظارته وراح يتمعّن في الأوراق ويحدّق بنا فاغراً فاه، ثم خلع نظارته وسألني بلهجته المصرية: «المريض اسمه ايه؟ زنْيَفَر؟»، فصححت له: «زنيفر»، فهمهمَ: «ليه بس، هيّه الأسامي بقت بفلوس؟» (الترجمة المصرية من عندي أنا، إذ نقل الوالد الرواية بلهجته)، فبرّر الوالد خجلاً: «أجدادنا كانوا يعتقدون واهمين أن الأسماء الصعبة تبعد الجن، ومنهم توارثت الأجيال هذه الأسماء»، فسأله الطبيب: «وانت اسمك ايه؟»، يقول فأجبته: «عايض»، فهز الطبيب رأسه غاضباً: «أستغفر الله العظيم، ايه ده، زَنْيَفر وعايض، وامبارح كان عندي واحد اسمه بعيجان وواحد اسمه شلْيَويح، ووو، دي أسماء كوارث مش بني آدمين، وكله كوم وشحيبر كوم لوحده»، وراح الطبيب مستنكراً يعدد الأسماء الغريبة التي واجهها في الكويت. يقول الوالد فسألته بصوت كسير: «وأنت ما اسمك؟»، يقول فأجابني بزهو: «رفعت»، فصرخت في وجهه: «آبو لحيتك، توقعت أن اسمك (إبراهيم باشا)، أو أي اسم آخر فخم، فإذا أنت (رفعة)! على الأقل أسماؤنا أسماء رجال أما أنت فاسمك على اسم جدتي، يا رخمة».

محمد الوشيحي

حاخامنا

نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، وأتذكر مقالة كتبتها بعنوان «مشايخ آل كابوني»، استنكرتُ فيها طريقة تفكير بعض جهّال الدعاة الذين تحوّلوا إلى قناصة، يختبئون فوق السطوح في انتظار مرور يهودي أو بوذي أو مسيحي، بل إنهم قصفوا أوروبا وأميركا واليابان وبقية سكان الكوكب من غير المسلمين في عقر ديارهم بما لذ وطاب من الأمراض والزلازل والبراكين والشلل ووو، والحمد لله أن الحيوانات والنباتات سلمت منهم: «اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم» ليش يا شباب؟ لأنهم أعداء الله (على اعتبار أننا أحبابه)، «اللهم دمر بلدانهم واجعل عاليها سافلها»، «اللهم سكّن ما تحرك منهم وحرّك ما سكن»، والجملة الأخيرة تعني أن يصيب العدو مرضٌ يجعل كل عضو ساكن من أعضائه يتحرك، كالأنف مثلاً، فيقف العدو أمامك وأنفه يرفرف، وأذنه تدور، في حين تثبت الأعضاء المتحركة وتسكن. وأتحدى أكبر «كونسولتو طبي» أن يعالج مرضاً كهذا.

وأتذكر أنني تلقيت رسالة مؤدبة، بعد كتابة المقالة، من عمي الكاتب السوداني الجميل «جعفر عباس»، الذي لا أدري كيف يجد وقتاً لشرب الماء، دع عنك التنزّه مع الأسرة أو مشاهدة التلفزيون، إذ إنه، ما شاء الله، يكتب في خمس صحف أو ست، إضافة إلى منصبه الذي يشغله في قناة الجزيرة كمدير لإدارة الجودة… أقول راسلني يستأذن في نشر مقالتي في عموده الصحافي، فأجبته فوراً: «الفضل لك لا لي». وأزعم أن مقالتي تلك هي أكثر مقالاتي انتشاراً، أو فلنقل «من أكثر مقالاتي انتشاراً»، في المنتديات العربية والصحف والمدونات، فقد نشرها كاتبان في أعمدتهما الصحافية، والعهدة على ذاكرتي…

المهم، كتبت المقالة من هنا، وعينك ما تشوف إلا النور من هنا، كتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يهتم المسلمون بالمختبرات والبحوث؟»، فجاءتني الردود: «عليك لعنة الله، وهل دعا بذلك محمد بن عبدالله الهاشمي (صلى الله عليه وسلم)، أو أحد من صحابته، وهل كان في وقتهم مختبرات وإدارات بحوث، لعنة الله عليك يا مبتدع؟!»، وكتبت: «لماذا لا يدعو الدعاة بأن يساهم أطباؤنا في اكتشاف أدوية للأمراض المستعصية؟»، فجاء الرد: «يا عدو الله، ألا تعلم أن العسل وحبة البركة والرقية الشرعية فيها كل الشفاء، ولا حاجة إلى مختبراتك ومختبرات أعمامك اليهود، شلت يمينك»، فبيّنت لهم: «حتى لو شُلّت يميني، سأكتب باليسرى على الكمبيوتر، لا فرق، ادعوا على الكمبيوتر (شُل كيبوردك)»، وكتبوا وكتبت وكتبوا وكتبت، وكانت كتاباتهم تبدأ باللعن، وتنتهي بالدعاء الأسود.

وهذه الأيام خرج إلينا في الفضائيات دعاة ما أجملهم على القلب، منهم الشاب السعودي الرائع أحمد الشقيري، الذي كتب عنه الزميل الهادئ العميق الجميل «حمد نايف العنزي» في هذه الجريدة يمتدحه… الشقيري استنكر مثل هذا الدعاء على غير المسلمين، ووضع اقتراحات أخرى للدعاء أجمل من دعاء القصف والدمار الشامل. كذلك فعل الشيخ سلمان العودة، والدكتور طارق السويدان الذي أعتذر إليه عن ظلمي إياه، إذ حسبته من هذه النوعية من الدعاة الأفاقين (حقك عليّ يا دكتور فقد أخطأت في حقك).

وليت دعاتنا يغيّرون دعاءهم ليصبح: «اللهم علّم الشعب كيف يتظاهر ضد الفساد والمفسدين تظاهراً سلمياً، اللهم سكّن يد النائب المرتشي وهي قابضة على الفلوس وحرّك لسانه للخارج والداخل وهزهز أكتافه كي يتجمهر عليه الصحافيون بكاميراتهم فيفضحوه، اللهم أعد كرسي رئاسة «برلمان الشعب» إلى الشعب، اللهم وافضح أهداف الضباع والثعالب، وهكذا»، فيدعو كل شيخ ما يهم مواطني بلده.

وكما ذكرت في البداية، نحن واليهود «الحال من بعضه والجيب واحد»، إذ خرج قبل أيام حاخام أهبل – يبدو أن جذوره عربية – يدعو على زعماء العرب بالطاعون. 

محمد الوشيحي

ينصر دينك 
يا البدوي

بالعربي المشبرح، حريتنا الصحافية والإعلامية في الكويت، كما نفطنا، تتناقص، وما لم نبحث عن «مكامن» أخرى فستنضب. وغالبية صحفنا تتسابق وتتزاحم على حوض الحكومة ومائدتها. والصحف الكويتية (لمن لا يعرف من غير الكويتيين) صحف خاصة لا حكومية، بيد أنها في الفترة الأخيرة تجاوزت الصحف الحكومية في البلدان العربية القمعية في الدجل والنفاق والرقص حافية القدمين على بلاط الحكومة طمعاً في النقوط.

وقريباً سنبكي عند قبر حرياتنا كما تبكي الخلوج ابنها (يدّعي الشعراء أن بكاء الناقة الخلوج على ابنها ليس كمثله بكاء)، وسيجرّنا الناس ليبعدونا عن القبر، فنقاومهم فنعجز، فنغادر ونحن نلوي رقابنا إلى حيث قبرها.

وفي مصر، اشترى رئيس حزب الوفد «السيد البدوي» و»رضا إدوارد» وشركاؤهما جريدة «الدستور»، وهي الجريدة المعارضة الأكثر شراسة، والثانية انتشاراً، والتي تخلو من الإعلانات وتعتمد على البيع المباشر واشتراكات القراء. وقد دخلتُ مبناها المتواضع جداً، فأدركت أن الصدق والهمّة والشجاعة تستطيع أن تبقى على قيد الحياة حتى وإن لم تجد ما تأكله. وإذا كان الساسة ينقسمون إلى «صقور وحمائم»، فجريدة «الدستور» من أشد الصقور شراسة. (لا أدري هل هذه مقالة أم عالم الحيوان!).

المهم، اشترى «البدوي» و»إدوارد» الجريدة من مالكها ومؤسسها عصام إسماعيل فهمي، على أن يبقى «إبراهيم عيسى» رئيساً لتحريرها، ويبقى «إبراهيم منصور» رئيساً للتحرير التنفيذي كما كان، ويبقى بقية الطاقم كما هو… وهنا ثارت ثائرة القراء الذين يدعمون الدستور كما يدعم المشجعون الإنكليز أنديتهم، بجنون وحُب، فهاجموا إبراهيم عيسى وعنّفوه بل وشتموه بتعليقاتهم على موقع الجريدة، خوفاً من أن يتغير خط الجريدة، فتتحول إلى طبلة في يد حزب الوفد، وهو ما أنكره «عيسى» فصدّقوه وصدّقناه.

وكل هذا لا يهم بقدر ما يهمني تصريح المالك الجديد «السيد البدوي» الذي أعلن أن الملّاك لن يتدخلوا في السياسة التحريرية للجريدة إطلاقاً، إذ لا يجوز – وهذا كلام البدوي أو معنى كلامه – أن يفرض ذوو الأموال آراءهم على الناس.

وما إن قرأت التصريح حتى صرخت: «ينصر دينك أيها السيد البدوي»… فعلاً، هذا ما كنت أردده للأصدقاء من الزملاء الكتّاب: «لا يروّضنكم ملاك الصحف ورؤساء التحرير»، قلت هذا بعد أن تزايد تذمر الزملاء الكتّاب من تناقص الحرية (في بالي الآن أكثر من ثمانية كتّاب، من ذوي الوزن الثقيل والمتوسط، من مختلف الصحف، يشكون منع مقالاتهم أو تقطيعها وتشويه جثثها). والخطر والموت الحمر هو أن يكتب الكتّاب ما تمليه عليهم صحفهم، فيصبح المال هو صاحب القلم، وتتحول الصحف إلى حظائر، ويصبح الكتّاب قطيعاً من الخرفان التي لا تغادر الحظيرة خوفاً من فقدان العلف.

طبعاً هذا لا يمنع أن ينظر الكاتب إلى مؤسسته الصحافية التي يعمل فيها كما ينظر إلى أهله، فيدافع عنها ويحميها من هجمات الجراد، ويتجنب الصدامات مع إدارتها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. أما إن وصلت الأمور إلى منتهاها، فليحمل «عزبته» على ظهره وليغادر، فلن يجوع، واسألوا الشاعر السعودي الأمّي الحكيم سعد بن جدلان الأكلبي الذي صاغ قصيدة شامخة، لطالما أزعجْتُ آذان الأصدقاء وأنا أغنّي عجز أحد أبياتها: «الفول بريالين والخبز بريال».

فيا زملاء، ثوروا لا أبا لكمُ، ثوروا بمقالاتكم وإن مُنعت، ثوروا قبل أن يُدخلكم الراعي الحظيرة.

***

الإعلامي الجميل تركي الدخيل، أهلا بك زميلاً في رحاب هذه الجريدة الليبرالية… الدلة يا ولد.

محمد الوشيحي

دبور… يا ديبورا


إذا سألتني عن أسعد شخص في الكويت، فسأصحح لك سؤالك كي يصبح «من هما أسعد شخصين في الكويت اليوم؟»، والجواب: وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد ووزير المالية مصطفى الشمالي. ليش؟ لأن النائب النشط خالد الطاحوس، من دون أن يقصد، أهدى للوزيرين «علبة مسامير» ثبّت بها كلّ منهما كرسيه المهزوز، عندما طلب إقالتهما، فالسياسة في الكويت تقوم على العناد وتنام على «الحَرَّة»، والنائب الطاحوس يحتاج إلى كيس مملوء بالمكر والخبث والدهاء يحمله على كتفه في رحلته السياسية.

والطاحوس أحد الذين طرحوا الثقة بالوزراء في كل الاستجوابات، بل هو من الذين يملكون «استجواباً أحمر»، أي استجواب سمو رئيس الوزراء، وإن لم يكتمل. إذاً هو في عين الحكومة، أو ذوي القرار، عدو ظاهر، أو فلنقل «خصم معلَن». ولو كنت أنا مكان الطاحوس، لاستعنت بالنائب مرزوق الغانم، الذي تربطني به صلة رياضة، وهمست في أذنه برغبتي، وتركت الغانم يرتّب حروفه مع زميله النائب صالح الملا، ويضعان مطلبهما أمام كتلتهما «الوطنية»، وخلال يومين ثلاثة سأقرأ خبر «إقالة الوزيرين».

الطاحوس وهو يطلب إقالتهما لم يكن يعلم أنه حتى لو كانت هناك نية لإقالتهما فعلاً فقد أُلغيت. خلاص. على أن الوزير الشمالي كان الأسبق في تثبيت كرسيّه، عندما دخل معه النائب الفذ مسلم البراك في سجال نشرته الصحافة بالطبلة والمزمار. مع أن البراك أدهى وأذكى سبعاً وثلاثين مرة من الشمالي، لكن حكم مباراة الملاكمة رفع يد الشمالي إلى الأعلى، فالبراك كان يبحث عن الضربة القاضية، ولم يجدها، بينما الشمالي كان يجمع النقاط فملأ شليله بها، إذ إن المطلوب الآن هو إشغال المعارضة عن قضية تمويل الخطة التنموية.

والحكومة، أمام قضية التمويل، مثل الزوجة التي وقفت على السلّم، وهددها زوجها بالطلاق إن هي صعدت أو نزلت، ولو كنت أنا مكانها لتزحلقت على «الدرابزين»، وهربت إلى بيت أمي. ولو كنت أنا مكان الحكومة لفعلت ما يمليه عليّ ضمير التجار، فالتجار أقوى من البرلمان، واترك عنك الوهم والحديث عن الدستور والمادة السادسة «الأمة مصدر السلطات…»، فالتجار هم مصدر السلطات، هم المنبع والمصب. وكما يقول السوداني: «الفلوس عليك الله تشدّ الهواء من قرونه».

***

يبدو أن السفيرة الأميركية ديبورا جونز «من الربِع»، أي من جماعتنا. فمن يقرأ لقاءها في منتدى الشبكة الوطنية الكويتية الذي جاء قبل يومين، بعد تأخير استمر نحو ستة أشهر، يشك أنها عضو في حكومة الكويت.

ولو أن أحداً أخفى اسمها من على شاشة الكمبيوتر وسألني من هو صاحب هذه الإجابات، لأجبته مباشرة: «واحد من ثلاثة، إما الوزير روضان الروضان، أو الوزير الدكتور محمد البصيري، أو هو الإطفائي الحكيم رئيس البرلمان جاسم الخرافي». لم يكن ينقص السفيرة إلا أن تطالب بعدم تسييس السياسة، ثم تعيّن زوجها وكيلاً في حكومة الكويت.

ماذا دهاك يا حاجة ديبورا؟ ما هذه الإجابات المدهونة بالـ»نيفيا»؟… دِبور*.

***

لمن تابع المسلسل المحلي التاريخي «اخوان مريم»، الذي يروي سيرة الأسرة الحاكمة، والذي أساء إلى الفن، وأكّد نظريتي «السلق» و»البحث عن الأرخص»، فأظهرنا صغاراً «فنياً» أمام سورية وعملها الدرامي العملاق «باب الحارة»، وغيره من المسلسلات الفخمة… أقول، لمن تابع هذا المسلسل فبكى، اقرأ ما كتبه الزميل الرائع «عامر الفالح» في جريدة الراي يوم أمس الأربعاء، فقد «غسل كبودنا»… شكراً عامر.

* دبور: كلمة بدوية شبه منقرضة، وتعني الخزي، أو الفشل. 

محمد الوشيحي

الازرق لا يكتب احمر

معظم المسؤولين ذوي الشخصيات «الوازنة» – على رأي إخواننا المغاربة – الذين تشاهدونهم في البلد غلابة غلب ما يعلمه إلا الله سبحانه، يغرقون في شبر ماء، إلا في كيفية حلب الدولة من خلال اللجان والمهمات الرسمية. وليت أحد النواب يطلب من ديوان الخدمة المدنية تزويده بتكلفة اجتماعات اللجان الحكومية والمهمات الرسمية، ثم يبيّن نسبتها من ميزانية كل وزارة، ويقارنها مع ميزانية التدريب والتطوير في الوزارة تلك، ثم يعرضها على المارة وعابري السبيل من المواطنين، فالناس هنا يعرفون منبع النفط لكنهم يجهلون مصبّه.

وأمس، تابعت حديث الحاضر الغائب النائب السابق وليد الجري، وكان من ضمن طلباته أن تضع الحكومة استراتيجيتها ولا تكتفي بالخطة التنموية، وقطعَ الجري، الذي هو فعلاً «جريء» كما كان جده الأكبر، بأننا لو سألنا الوزراء عن الاستراتيجية لتلقينا ست عشرة إجابة، بعدد الوزراء، لا علاقة لإجابة هذا الوزير بإجابة ذاك. وأنا أقول يا أبا خالد، إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، وطلبك «الاستراتيجي» لا يُطاع ولا يطاق.

وسأطرح فكرة أخرى أسهل من فكرة الجري الاستراتيجية، وهي فكرة مجربة، جربَتها الحكومة ونجحت إلى حد ما… فبعد أن حصلتُ على شهادة الثانوية العامة تقدمت إلى «الطيران المدني» لدراسة الطيران، وكنت أمنّي النفس بالصياعة في كوكب الأرض، فأتناول الغداء في بروكسيل والعشاء في نيودلهي، وأرتدي اليوم جلد نمر، وغداً «بنجابي»، وبعد غد تنورة الأسكتلنديين، هكذا كنت أفكر. (تذكرت حادثة لشاب سعودي، كتبها في مدوّنته، يقول إن مدرسته أقامت حفلة، وطلبت من التلاميذ أن يرتدوا ملابس الشعوب، وكان نصيبي اللباس الأسكتلندي، التنورة. يقول استغرق الأمر مني نحو ثلاثة أيام لتجهيز التنورة، وجاء يوم الاحتفال، فارتديتها وخرجت سعيداً بها إلى الوالد الذي كان يجلس في «الحوش» مع مجموعة من أصدقائه كبار السن كي أضحكهم وأحدّثهم عن الشعب الأسكتلندي، لكن شيئاً ما ارتطم بجبهتي وأحرقني واسودّت الدنيا في عيني، وفي المستشفى تبيّن أن الوالد حفظه الله رماني بـ»الدلّة» المليئة بالقهوة بعد أن ظن أنني تشبهت بالنساء! وفوق كل هذا لم يزرني طوال مكوثي في المستشفى، إلى أن شرح له المدير والمدرّسون حقيقة الأمر، فعفا عني بلا نفس).

أعود إلى موضوعي، عندما تقدمت إلى «الطيران» فاستقبلتني اللجنة وطرحت عليّ أسئلة «اختبار الذكاء»، منها أن قام أحدهم بإعطائي قلماً قائلاً: «هذا قلم أزرق، ونبيه (أي نريده) يكتب أحمر»، فكتبت كلمة «أحمر»، وحصلت على الدرجة، لا لذكائي بل لأن من سبقوني تعرضوا لمثل هذا السؤال، فنقلوه إلينا.

وكل ما نريده الآن من المسؤولين، قبل تعيينهم، أن يقرأوا هذه المقالة، ثم نمد لهم قلماً أزرق، ونطلب منهم أن يكتبوا «أحمر»… وأدي دقني. 

محمد الوشيحي

اعلان تبرع

مقنع جداً ما ذكرته الروائية الجزائرية الرائعة أحلام مستغانمي على لسان بطل روايتها: «الإنجاز الوحيد بالنسبة إلى كاتب، هو ما يتركه في مساحته من بياض».

ولطالما راودتني هذه الفكرة عن نفسي. لطالما أغرتني وأغوتني وأثارتني بجمالها، حتى قبل أن أقرأ ما كتبته أحلام، فأنا رجل يضعف أمام الجمال… و»ياما» فكرت في أن أكتب مقالة بعنوان «فراغ»، وأترك المساحة فاضية، ثم أذيّلها بتوقيعي، لكنني أتراجع خوفاً من ألا يفهمها البعض، أو أن يساء فهمها، بل خوفاً من أن أسيء أنا نفسي فهم مقصدي من «كل هذا» الفراغ.

من خلال هذا العمود، أعلن وأنا بكامل قواي العقلية تبرعي بكل أجزاء جسمي بعد مماتي، بدءاً من شعر رأسي وانتهاء بأصابع قدمي، وفي ما يلي تفاصيل قطع غياري…

شعر رأسي غير قابل للتساقط والصلع – صادقاً أتحدث – فقد ورثت من والدي رحمه الله قوة الشعر، إذ أجلس متربعاً ويأتي من يشد شعري وهو واقف بيديه الاثنتين فلا أشعر بألم، وكأنه يشدني من ذراعي، لكنني منذ فترة بدأت أشعر بآلام في جلدة رأسي، وينتابني شعور أنها تزحزحت عن مكانها، وتحتاج إلى إعادة «تعيير».

أما من أراد الاستفادة من أصابع قدميّ، فلا أملك إلا أن أحذره، وذنبه على جنبه بعد ذلك، فالأصبع الوسطى في القدم اليمنى مطأطئة الرأس بشكل دائم كحال «عقلاء السلطة»، تحيط بها أصابع كرؤوس الشياطين، والسبب جنون اقترفته أثناء طفولتي المترفة، عندما تحدّيت الجميع بأن أضع قدمي تحت عجلات أول سيارة تمر بنا، فكانت النتيجة أن تهشم رأس أصبعي الوسطى، وانكسرت ركبتي، لكنني قاومت الألم ولم أبكِ، إلا بعد عودتي إلى البيت… بكيت بنحيب، وأكملت مسيرة بكائي في المستشفى.

وما دمنا في الأصابع، فسأذكّر بأن أصبعي الوسطى في اليد اليمنى كانت قد تعرضت لكسر شديد، أدى إلى انحنائها من أعلاها على شكل حرف (L)، وبقيت على وضعها هذا فترة، وكنت كلما رفعت يدي لتحية أحد كأنني أشتمه شتيمة قبيحة، ولولا تدخل الطبيب الشعبي «عبدالعال العتيبي» الذي كسرها مرتين وأعاد تجبيرها، لاستمرت أصبعي في الشتم القبيح.

أما بالنسبة لصدري ورئتيّ وكل ما يمكن أن يتأثر بالتدخين فالحذر الحذر لا أبا لكمُ، أي والله، فأنا أدخن أكثر من ثلاث علب دخان يومياً، وأكبسها بـ «دلّتين» من القهوة النيبارية المرّة. وقد أعذر من أنذر.

وعلى من أراد الاستفادة من لساني وأصابع يدي اليمنى أن يقصّ منها قليلاً، وإلا فسيهلك.

قسماً، أتحدث بصدق، «قيموا المزح هلّق» على رأي السوريين… إذا متّ فأعضاء جسدي كله حلال لكل محتاج من أي مذهب ودين وملة.