"مالك ومال البداوة يا حكومة"…
في لهجة القبائل يقال "فلان بدوي وأخوه حضري"، ويتحدث قبليٌّ عن ابنه: "ابني الدكتور أحمد تَبَدْوى"، أي أصبح بدوياً، ويتذمر قبَليّ آخر: "لولا الغلاء الفاحش لتبَدْوَيْت". والبداوة في لهجة القبائل ومفاهيمها تعني "امتلاك الإبل"، فقط، لا شيء آخر. لا علاقة للبداوة بالعِرق والنسب، ولا بامتلاك الأغنام، ولا بـ"القنص" ولا بالصقور، ولا ولا ولا. وقد تكون بدوياً وأنت سفيرٌ في واشنطن، أو في جنيف.
ومع دخول بعض أثرياء الخليج حياة البداوة، ارتفعت الأسعار، فتخلّى البسطاء عن البداوة، وباعوا إبلهم. بعضهم باعها بخسارة.
وما أجمل ذاك المواطن الخليجي الجميل الذي التقيته في "فيينا"، وحدثني عن أحد سكان منطقتهم، طيب الطوية بسيط الفهم محدود التفكير، عندما قرر أن يتوب إلى الله من الفساد، ومن "روسيّات" المراقص، فأعلن الاقتداء – حسب فهمه – برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، فأطال لحيته وقصّر ثوبه، واستغنى عن فرشاة الأسنان، واستبدلها بالمسواك، واستبدل "الكنبات" بالحصير، واستغنى عن "الموبايل" ووو… ثم "في فجأة" قرر اقتناء "ذلول"، اقتداء بالنبي المصطفى.
ويستكمل جليسي الخليجي القصة بأسى، وأنا أكاد أموت من الضحك الحزين: "لأنه وزوجته وأولاده يسكنون مع أبيه، فقد أخلى إحدى الغرف لتكون محل إقامة الناقة، فرفض أبوه بشدة، ونهره وزجره، وعبثاً حاول إفهامه أن الدين ليس بالمظاهر، لكن صاحبنا ركب رأسه، فاحتد بينهما النقاش، فطرده أبوه من البيت، فغادر صاحبنا وحيداً وراء ناقته، يطعمها ويسقيها، فهمس في أذنه هامس: (الرسول لم يكن يطعم ناقته علفاً، فمنع صاحبنا عنها العلف، وأخذها إلى الصحراء بحثاً عن المرعى، وهناك رأى ما لم يرَ المعارضون في سجون صدام، إذ شحّ المرعى، فلم تجد الناقة ما تأكله، وأتعبها التنقل الدائم، وأهلكها جهل راعيها في التعامل معها، فهزل جسمها واستوطنتها الأمراض، فجلب لها طبيباً بيطرياً، وتغيّب أياماً عن مقر عمله، وازدادت المشاكل مع مسؤوليه فأوقفوه عن العمل، فاستدان ليرعى ناقته، وكثرت الديون عليه، ووو…، ولا أدري ما الذي حصل له بعد ذلك".
عوداً على بدء، أو بلهجة الصعايدة "يرجع مرجوعنا" إلى حكومتنا التي "تبدوَت"، فاقتنت "رعية" من الإبل، أسمتها "رعية العقلاء". ولجهل حكومتنا بالبداوة، لم تحسب حساب المصاريف الشهرية الباهظة للإبل، ولم تكن تدرك أن العناء يبدأ بعد اقتناء الإبل لا قبله. لذلك فغرت الحكومة فاها دهشة، وارتسمت على جبهتها علامات تعجب لا حصر لها، بعد أن ازدادت مصاريف "رعية العقلاء"، وبعد أن تزاحمت الإبل على أحواض المياه، فهذا بعير "أوضح" يريد تعيين مدير جامعة من أنصاره، فتعارضه ناقة "مجهم" وتطلب تعيين أحد المحسوبين عليها، ويعارضهما بعير "أصفر"، وتتعارك الإبل على "حوض الجامعة"…
وتأتي من هناك ناقة "صفراء" لم تكتفِ بتعيين بعيرها وتطمع في "حوض الفتوى والتشريع"، فيزاحمها بعير "مجهم"، ويتعاركان على الحوض. ويَهدر بعير "أملح" يريد الاستحواذ على "حوض مشاريع بوبيان" وعلى "حوض هيئة سوق المال"، فيغضب البعير "الأشعل"، أكبر "البعارين"، الذي نفخه الغرور فنسيَ نفسه وظنّ أن "خفّه" أكبر من الأرض التي يمشي عليها… وارتفع الغبار…
ياااه… دوشة… ولو كنت مكان الحكومة لعرضت إبلي كلها في السوق منذ اللحظة، ولاقتنيت "كم حمامة". شفيه الحمام. حلو ومريح. رأس ماله "محكر" فوق السطح وحبوب من الجمعية، "ولا معابل هالبعارين والنياق التي استحوذت على مصروف العيال والبيت".