محمد الوشيحي

مصروف إبل الحكومة

"مالك ومال البداوة يا حكومة"…

في لهجة القبائل يقال "فلان بدوي وأخوه حضري"، ويتحدث قبليٌّ عن ابنه: "ابني الدكتور أحمد تَبَدْوى"، أي أصبح بدوياً، ويتذمر قبَليّ آخر: "لولا الغلاء الفاحش لتبَدْوَيْت". والبداوة في لهجة القبائل ومفاهيمها تعني "امتلاك الإبل"، فقط، لا شيء آخر. لا علاقة للبداوة بالعِرق والنسب، ولا بامتلاك الأغنام، ولا بـ"القنص" ولا بالصقور، ولا ولا ولا. وقد تكون بدوياً وأنت سفيرٌ في واشنطن، أو في جنيف.

ومع دخول بعض أثرياء الخليج حياة البداوة، ارتفعت الأسعار، فتخلّى البسطاء عن البداوة، وباعوا إبلهم. بعضهم باعها بخسارة.

وما أجمل ذاك المواطن الخليجي الجميل الذي التقيته في "فيينا"، وحدثني عن أحد سكان منطقتهم، طيب الطوية بسيط الفهم محدود التفكير، عندما قرر أن يتوب إلى الله من الفساد، ومن "روسيّات" المراقص، فأعلن الاقتداء – حسب فهمه – برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، فأطال لحيته وقصّر ثوبه، واستغنى عن فرشاة الأسنان، واستبدلها بالمسواك، واستبدل "الكنبات" بالحصير، واستغنى عن "الموبايل" ووو… ثم "في فجأة" قرر اقتناء "ذلول"، اقتداء بالنبي المصطفى.

ويستكمل جليسي الخليجي القصة بأسى، وأنا أكاد أموت من الضحك الحزين: "لأنه وزوجته وأولاده يسكنون مع أبيه، فقد أخلى إحدى الغرف لتكون محل إقامة الناقة، فرفض أبوه بشدة، ونهره وزجره، وعبثاً حاول إفهامه أن الدين ليس بالمظاهر، لكن صاحبنا ركب رأسه، فاحتد بينهما النقاش، فطرده أبوه من البيت، فغادر صاحبنا وحيداً وراء ناقته، يطعمها ويسقيها، فهمس في أذنه هامس: (الرسول لم يكن يطعم ناقته علفاً، فمنع صاحبنا عنها العلف، وأخذها إلى الصحراء بحثاً عن المرعى، وهناك رأى ما لم يرَ المعارضون في سجون صدام، إذ شحّ المرعى، فلم تجد الناقة ما تأكله، وأتعبها التنقل الدائم، وأهلكها جهل راعيها في التعامل معها، فهزل جسمها واستوطنتها الأمراض، فجلب لها طبيباً بيطرياً، وتغيّب أياماً عن مقر عمله، وازدادت المشاكل مع مسؤوليه فأوقفوه عن العمل، فاستدان ليرعى ناقته، وكثرت الديون عليه، ووو…، ولا أدري ما الذي حصل له بعد ذلك".

عوداً على بدء، أو بلهجة الصعايدة "يرجع مرجوعنا" إلى حكومتنا التي "تبدوَت"، فاقتنت "رعية" من الإبل، أسمتها "رعية العقلاء". ولجهل حكومتنا بالبداوة، لم تحسب حساب المصاريف الشهرية الباهظة للإبل، ولم تكن تدرك أن العناء يبدأ بعد اقتناء الإبل لا قبله. لذلك فغرت الحكومة فاها دهشة، وارتسمت على جبهتها علامات تعجب لا حصر لها، بعد أن ازدادت مصاريف "رعية العقلاء"، وبعد أن تزاحمت الإبل على أحواض المياه، فهذا بعير "أوضح" يريد تعيين مدير جامعة من أنصاره، فتعارضه ناقة "مجهم" وتطلب تعيين أحد المحسوبين عليها، ويعارضهما بعير "أصفر"، وتتعارك الإبل على "حوض الجامعة"…

وتأتي من هناك ناقة "صفراء" لم تكتفِ بتعيين بعيرها وتطمع في "حوض الفتوى والتشريع"، فيزاحمها بعير "مجهم"، ويتعاركان على الحوض. ويَهدر بعير "أملح" يريد الاستحواذ على "حوض مشاريع بوبيان" وعلى "حوض هيئة سوق المال"، فيغضب البعير "الأشعل"، أكبر "البعارين"، الذي نفخه الغرور فنسيَ نفسه وظنّ أن "خفّه" أكبر من الأرض التي يمشي عليها… وارتفع الغبار…

ياااه… دوشة… ولو كنت مكان الحكومة لعرضت إبلي كلها في السوق منذ اللحظة، ولاقتنيت "كم حمامة". شفيه الحمام. حلو ومريح. رأس ماله "محكر" فوق السطح وحبوب من الجمعية، "ولا معابل هالبعارين والنياق التي استحوذت على مصروف العيال والبيت".


محمد الوشيحي

خالتي يا خالتي

كما كان يفعل "الغاليون"، سكان فرنسا في العهود السحيقة، الذين كانوا يتواصلون مع موتاهم بكتابة الرسائل وإحراقها، سأتواصل مع القانون في الكويت بعد أن مات ودُفن وصلينا عليه صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، فأكتب هذه المقالة وأحرقها.

وفرعون الشعر في عصرنا الحالي، حفيد شعراء المعلقات، ناصر الفراعنة يردد في قصيدته السياسية الشهيرة: "ناقتي يا ناقتي"، وهي قصيدة تابعها نحو أربعة ملايين مشاهد على برنامج "يوتيوب" وحده. والشقيقان المجرمان الإيرانيان اللذان داس من أجلهما معالي وزير الداخلية قوانين البلد بجزمته الكريمة، فأفرج عنهما بطريقة مستفزة متغطرسة مكابِرة، يرددان في قصيدتهما الفاسدة: "خالتي يا خالتي"، وهي قصيدة تابعها الناس بذهول وبكاء.

وأصل القصة هي أن وزارة الداخلية قبضت على شقيقين إيرانيين، أحدهما بتهمة "حيازة مخدرات"، والثاني بتهمة "انتحال صفة طبيب"، بعد أن قام بإجراء عمليات إجهاض متعددة، من دون شهادة ولا هم يحزنون، والله وحده يعلم كم روحٍ أزهق… فأفرج عنهما الوزير.

وفي لجنة التحقيق البرلمانية، ماطل الوزير في الحضور إلى اللجنة إلى ما قبل انتهاء التحقيق. وعندما حضر سأله النواب عن سبب إفراجه غير المبرر عن المتهمين الشقيقين، فأجاب جواباً مفحماً: "خالتهما قدّمت لي كتاب استرحام، فأمرتُ بالإفراج عنهما"! ويبدو أن القانون مما ملكت يمين معالي الوزير، وهو حر بعبدِه وبما ملكت يمينه، يعتقه لوجه الله، يبيعه، يفعل به ما يشاء، والشاعر الصنعاني يقول: "ذا رأس عبدك حرّ عندك، ذمتك له تتسع / فاقطع والا امنع والا استملِكه والا فدَع".

وفي سجون الوزارة يقبع الآلاف من السجناء، ومن بكرة الصبح ستتقدم خالة كل سجين بكتاب استرحام عن ابن شقيقتها، واللي ما عنده خالة يأكل هواء وينثبر في السجن. القانون واضح "عندك خالة تراجع الوزير؟ أهلاً وسهلاً، ما عندك خالة؟ يفتح الله".

وسامح الله معاليه، فقد وعد، قبل أكثر من سنة، برفع دعوى قضائية ضدي على خلفية "شبهة اللوحات الإعلانية أم خمسة ملايين دينار" ليوهم الناس أنه مظلوم يا عيني، فراهنتُه فلم يرفع، فاستجديته فلم يرفع، ولعلّه يفعل هذه المرة… وتعال اضحك على خفة دم معاليه عندما سئل في لجنة التحقيق عن سبب قبوله استرحام خالتهما رغم القبض عليهما بالجرم المشهود، فأجاب: "لم أكن أمتلك معلومات تدينهما كالتي تمتلكها لجنة التحقيق، ولو كنت أعرف لما أفرجت عنهما"… هاهاها، وكمان هاهاها، لبّى قلب معاليك.

يعني، النواب الذين لا يملكون صلاحية الوزير استطاعوا الحصول على "برِنت" عن المجرمَين الشقيقين، والوزير الذي بمقدوره وبكبسة زر وهو جالس في مكتبه الوثير الحصول على كل ما يتعلق بالشقيقين، لا يمتلك عنهما أي معلومة.

ثم إن النائب مسلم البراك كان قد تحدث قبل ذلك بيوم عن هذه المعلومات تحت قبة البرلمان، فكيف ينكر الوزير معرفته بذلك؟ وسمو رئيس الوزراء يتحدث عن وجوب تطبيق القوانين، والوزير يحكم ولا حكم الخلفاء العباسيين، والإيرانيان يردد كلّ منهما ورائي:

خالتي يا خالتي لا فتـــــاة ولا عجـــوز

تفرك المصـباحَ والمـارد يلـبّي لَها

خالتي ليست من أهل الدعاية والبروز
تدهن الكتمان بالصمت يا حبّي لها.

محمد الوشيحي

لا توقفوا الغناء

أكتب وأصفق إعجاباً… جميل جداً تفاعل الناس، وهائلة جداً جداً حماستهم وتأييدهم لحملة مقاطعة الخضراوات حتى "تبرك" الطماطم والكوسة والبامية وبقية الشلة على ركبها معتذرة، وتثوب إلى رشدها، بعد أن التبسَ عليها الأمر فظنت أن لا فرق بينها وبين الكافيار الروسي الفاخر… والأخبار التي وصلت إلينا تفيد بأن الأسعار تراجعت بنسبة 25 في المئة في بعض المناطق، وفي مناطق أخرى تراجعت بنسبة 40 في المئة، على ذمة بعض الصحف… حلو. لا يوقّف.

وكان بعض الكويتيين، في بداية الحملة، يضحك مستهزئاً فإذا به يُفاجأ بجدية الأمر وأهميته ومعناه. ويقول أحد القراء في رسالته التي سأعيد صياغتها لتسهل قراءتها: "فوجئت أثناء تسوقي وتنقلي بين صناديق "الخضرة"، في جمعيتنا التعاونية، بشابين كويتيين يرتديان القميص والبنطلون، في بداية العشرينيات من عمرهما، كما قدّرت، يتحدثان معي، بحماسة شديدة، عن ضرورة مقاطعة "الخضرة" كي يتوقف الاستغلال والجشع، وعن رمزية ذلك ودلالته"، ويضيف القارئ: "بيني وبينك، كادت تفلت مني ضحكة عالية مجلجلة على سخافة الموضوع"، ثم يستدرك: "لكنني شعرت بالخجل عندما ذكرا لي أن النساء تفاعلن معهما ومع الحملة، ولفتا انتباهي إلى قلة عدد المشترين في "قسم الخضرة" بعد أن تضامن الناس مع الحملة، فامتثلتُ لرغبتهما وامتنعتُ عن الشراء، وباشرتُ، كما وعدتهما، بإرسال رسائل هاتفية إلى الأهل والأقارب أدعوهم إلى الانضمام إلى الحملة".

اللافت في الموضوع، أن الشبّان القائمين على الحملة، لا يريدون الظهور أمام الناس، ولا إعلان أسمائهم، كما أبلغوني، فهم يرفضون المتاجرة بالأمر. وقد أبلغتهم باتصال ثلاث صحف وفضائيتين لإجراء أحاديث معهم، لكنهم رفضوا ذلك وامتنعوا عن الظهور، على اعتبار أن القضية ليست معقدة و"مو كيمياء" فتحتاج إلى شرح.

ولأنهم طلبة جامعيون، فقد "هندسوا" الأمور بهدوء، وبنظام "حبة حبة" أو كما قالوا "ستب باي ستب". وقد كشفوا لي عن خطتهم لتعديل بعض الأوضاع المائلة، وهي خطة جريئة مغلفة بالوعي والطموح. ولولا أنهم طلبوا مني عدم الكشف عن الخطة لشاركتموني التصفيق والذهول. وهذا هو إيميلهم لمن أراد الاستفسار عن أي جزئية: [email protected] وستجد تفاصيل الحملة في "منتدى الشبكة الوطنية الكويتية"، بالإضافة إلى أن لديهم حساباً على "فيس بوك"، لكن لجهلي لا أعرف كيف أنقل عنوان هذا الحساب.

والجميل أن الحملة بدأت تنتشر في مدونات ومنتديات إلكترونية خارج الكويت، وهناك من يطالب بتدشين مثلها في بلده. والعيون الآن تراقب الكويتيين وتنتظر نتيجة حملتهم، والصحف العربية اهتمت بالأمر، ويجري إعداد تقارير عن الحملة لعرضها في وسائل الإعلام المختلفة.

الله عليكم، الله الله عليكم. حلوين يا أولاد، على رأي المعلق اللذيذ خالد الحربان. فعلاً نحن في مسيس الحاجة إلى من وما يوحدنا، ولو كانت "طماطة" أو "طماطماية" كما ينطقها المصريون.

هذه هي الأغنية / الحملة بكلماتها وألحانها التي تستحق الغناء… فلا توقفوا الغناء.

محمد الوشيحي

الحرب بين الشعب والطماطم

رسالة غاضبة صادقة معبرة وصلتني من مجموعة من "الكويتيين الحفّاي"(1)، كما عبروا عن أنفسهم، أنقل خلاصتها دون أن أسرّح شعرها أو أهندم ثيابها: "الطماط ين وقعد، نبي نقاطع الخضرة، اكتب للناس خلتحركون، الأسعار كلتنا". ولغير المتحدثين باللهجة الخليجية أترجم: "الطماطم أصيبت بالجنون (إشارة إلى الارتفاع الجنوني لأسعارها)، وسنقاطع الخضراوات، اكتب للناس كي يتحركوا، فالتجار التهمونا".
والطماطم "ين وطار" ليته "ين وقعد"، لكن ليش نكبّر القصة وهي صغيرة؟ على بركة الله، سنقاطع الخضراوات بدءاً من الغد، الجمعة. ومن يعتقد أن الطماطم، حتى لو ساندَتها بقية الخضراوات، لا يمكن الاستغناء عنها فهو واهم. الخبز والأجبان تنادي، والعيش (الرز) المسلوق عبقري وجميل، والبيض المسلوق "ماشبوشي"(2) على رأي اللبنانيين، ولن نموت.
ورحم الله جنون البقر أمام جنون الطماطم. وكان الله في عون البسطاء، من المواطنين والمقيمين، المدهوسين تحت عجلات جنون الأسعار، لكنهم يستحقون الدهس إذا لم يتحركوا ويرسموا خريطة الأسعار بأنفسهم.
ستستمر المقاطعة إلى يوم الخميس المقبل، وما لم تخفض الأسعار، فيتراجع سعر كرتون الطماطم الكبير إلى أقل من نصف دينار (سعره الآن أربعة دنانير) فسنعلن بدءَ التظاهرات أمام مبنى البرلمان تحت عنوان "تظاهرات الطماط"، وسنرفع – حينذاك – مطالبنا لتشمل محاسبة وزير التجارة برلمانياً، ومقاطعة تجار الخضراوات بعد أن ننشر أسماءهم وأسماء شركاتهم وعقودها في كل المجالات… وقد تهتز كراسي بعض المسؤولين بسبب "الطماط" وتظاهراته، وقد تتطور الأمور وتنتفخ فتهتز كراسي الحكومة كاملة، وقد تكتب الصحف المحلية والأجنبية بعد فترة: "الشعب الكويتي يسقط الحكومة بالطماطم"، وقد ترسخ نتيجة ذلك في ذهن الحكومة التالية فتشكّل لها كابوساً مرعباً، فتعقد اجتماعاتها، لو تكرر الأمر، في "شبرة الخضرة"، ما بين البقدونس والخيار، لتراقب بنفسها الأسعار عن قرب، وقد تصبح الطماطم سبباً لإعادة تلاحم هذا الشعب المفتت، الذي أيقن اللصوص و"اللهيبية" أن الوقت لدهسه وهرسه قد حان وآن.
وإذا كانت قوة شمشون الجبار في شعره، فلتكن قوتنا في بطوننا لتعرف الحكومة أن الاقتراب من أساسيات المطبخ يجلب الريح العاتية والعواصف الكاسحة، ويسبب تساقط الشعر والمناصب.
وستتحمل الصحف والفضائيات مسؤولياتها وستضع أيديها بأيدينا، فإن خذلتنا فلدينا من كتّاب الأعمدة من يضربون على زنودهم، و"يدقّون" صدورهم… وقبل هذا وذاك، ستشتعل المدونات، وستنتفض المنتديات والمواقع الإلكترونية، وستقرع الديوانيات الطبول.
وكنت، وماأزال، على تواصل مع إحدى الأسر البسيطة المتعففة، التي لا تعرف خطة التنمية، ولا تتابع معرض الكتاب، ولا تهتم بمن يرأس اتحاد كرة القدم… وما إن وصلتني رسالة "الحفّاي" حتى اتصلت بالأسرة تلك، وسألت: "شخباركم مع الطماط؟"، فأجابتني السيدة المتعففة ببساطتها المعهودة: "هذا غضب يا ولدي عسى الله يحمينا. الكويتيون بالتأكيد عملوا ما يغضب الله فانتقم منهم فرفع أسعار الخضراوات التي هي أحد جنوده". تفسير نقي مسالم لكنه يؤكد فداحة الأمر.
عوداً على بدء، سنقاطع الطماطم وبقية الخضراوات بدءاً من الغد، كما طلبتم، وسيتولى البسطاء هذه المرة القيادة، وسنتبعهم… على بركة الله.
***
الحفاي: أي حفاة الأقدام، والمقصود منها البسطاء أو الفقراء.
ماشبوشي: لا يعيبه شيء.       

محمد الوشيحي

«بو عزّوز» الهندوراسي

إلى الحضانة الفرنسية، اصطحبت المدعو "بو عزّوز"، الطفل الطاعن في الشر، صديق الدم وجليس الكوارث، واسمه سعود الوشيحي ذو الشعر الأكرت والأعوام الثلاثة. وهو ابن محمد الوشيحي الذي يجري البحث عنه الآن في مصر، كما يقول أحد المحامين، والذي دوّخ الداخلية المصرية السبع دوخات، وعلى وشك الثامنة. وهو (أي بو عزّوز) ابن حفيد حسين الوشيحي أول مَن جسّد وحدة الخليج العربي على أرض الواقع، عندما طاردته الكويت والسعودية فلجأ إلى البحرين. وهو حفيد حفيد عايض الوشيحي الذي طاردته الدولة العثمانية بعد أن كرّ على موكب "الكومندان العثماني" وطعنه وقتل مساعده، ولاذ بالفرار إلى هذه اللحظة، ويبدو أنه لايزال يجري هارباً إلى اليوم، وربما وصل إلى الهند وتزوّج ورزقه الله بأبناء هندوس، وربما توقف في إيران للاستراحة، فراقت له إحدى النساء فتزوّجها وأنجب أبناء انضمّوا لاحقاً إلى الباسيج، أو ربما اتجه جنوباً إلى اليمن، حيث أجداد الأجداد، فتزوج فأنجب مجموعة من الحوثيين، أو قد يكون اتجه غرباً إلى السودان، فتزوج فأنجب مجموعة من الانفصاليين أنصار "جون غارانغ"… الله أعلم.
اصطحبتُ ابن المطاريد هذا إلى الحضانة الفرنسية وأنا أرفع صوتي بأهازيج الحرب وهو يردد خلفي: "جيناكم والموت جاكم، جيناكم ننتف لحاكم"، اصطحبته وكلّي أمل أن يتعلم الموسيقى وثقافات الشعوب المحترمة وأسباب تطورها، ويتفهم طبيعة اختلاف الأديان والمذاهب والطوائف، فلا يحمل عُقَداً ولا ضغينة على أحد، وكلي عشم أن يُصبح ليبرالياً، فيتهمه أقرباؤه أبناء المدارس الحكومية بالانسلاخ من جلده و"التلزّق" بالحضر، على اعتبار أن "الحضر" هم الذين اخترعوا الليبرالية وهم ملّاكها الحصريون (من بين كل الحضر ستجد سبعة ليبراليين بحق وحقيق، والبقية أدعياء ومزوّرون في أوراق الليبرالية وتجار شنطة، ومن بين كل البدو ستجد تسعة ليبراليين حقيقيين لا غير، ليبراليتهم "منقّبة" لا يظهر منها إلا عيناها، خشية أن يتبرأ منهم أقرباؤهم، ومن بين الشيعة كلهم ستجد ليبرالياً واحداً فقط هو الكاتب أحمد الصراف… آخر قطعة).
وفي قاعة الاستقبال شاهد بو عزوز مجموعة من الأطفال مع أمهاتهم، فاقترح عليّ فكرة: "أطقّهم؟" أي أضربهم؟، فرفضت اقتراحه رغم وجاهته، وتمعّنت في وجوه ضحايا المستقبل، وقرأت عليهم الفاتحة مقدماً، وأدرت عينيّ في المبنى أتفقده قبل وقوع الأضرار… لكن لحسن حظ الضحايا والمبنى اعتذرَت إدارة الحضانة عن عدم تسجيله لامتلاء الفصول، فالتفتّ إليه وقلت بصوت "ينتّع" لم يتبقّ منه إلا قطرتان لا ثالث لهما: "مشينا، وسألحِقك برياض الحكومة ومدارسها، كي تتخرج طائفياً، فتقتل أحدهم وتهرب إلى "الهندوراس" وتتعرف على لصوص استثماراتنا المقيمين هناك".  

محمد الوشيحي

صحافيو الكوافير

الله يرحم تلك الأزمنة السحيقة، قبل أربع سنوات أو خمس، عندما كنا نقصف معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، براً وبحراً وجواً، ونركز على منشآته العسكرية ونتحاشى المدنية، فيتصل بنا مدير مكتبه الفريق صالح الحميضي، وأنعم به من رجل، ليردّ ويشرح ويوضّح، ونلتقي "أبا صباح" مصادفةً في مناسبة احتفالية، فإذا هو شيخ، وإذا هو كبير، وإذا هو يتبسم بثقة ويدردش عن الموضوع ويبيّن وجهة نظره، ويمضي كلّ إلى غايته، والقلوب صحاح.

الله يذكر بالخير تلك الأزمنة السحيقة، عندما كنا نحمّل كل مشاكلنا على بعير الشيخ أحمد الفهد فيحتملها، ونضع أقلامنا في النار قبل كتابة مقال يهجوه، ونستنجد بالشياطين، ونلتهم "تمرة الحرب" ونشرب فنجانها، وننثر الحروف الأبجدية على السجادة أمامنا لننتقي منها أشرسها ونختار أعنفها، فيظهر المقال على صفحة الجريدة شاهراً سيفه، يستعرض على حصانه أمام الجند، محمّلاً بكل مفردات التحدي، فنلتقي أحمد الفهد مساءً في مناسبة اجتماعية، عرس مثلاً، فيبتسم متحدّياً وهو يخفي موقع طعناتنا: "الوعد يوم الاستجواب، هاهاها، ما تقدرون على الوزير". وتنتهي القصة بلا نيابة ولا محكمة ولا هم يحزنون.

الله يمسيها بالخير تلك الأزمنة، عندما كان أحدنا لا يتقدم لخطبة امرأة إلا واشترط أبوها "رأس" قيادي من قادة "حدس"، فتنطلق خيلنا – نحن أعداء التدين السياسي – فنقتل منهم من نقتل، ونأسر من نأسر، فيكرّون علينا – عادة أثناء نومنا – ويخطفون من يخطفون ويلوذون بالفرار، وفي الصباح يسننون افتراءاتهم علينا، لكنها افتراءات داخل حدود الحوش، لا هم نزعوا عنا وطنيتنا ولا نحن نزعنا عنهم وطنيتهم، ولا هم تحدثوا عن أعراقنا ولا نحن تحدثنا عن أعراقهم، ولا هم دخلوا غرف نومنا ولا نحن اقتربنا من صالات بيوتهم الداخلية. كانت حرباً بالأسلحة التقليدية. ثم نتبادل معهم الزيارات والورد المغشوش.

الله يسقي تلك الأزمنة ديمة، عندما كان خصومنا بنقاء أمين سر جمعية الصحافيين الزميل فيصل القناعي… آخ، اشتقت لخصومتك الراقية أبا غازي، خصوصاً بعد أن نشرت صحافة مصر خبراً مضحكاً ذكّرني بجمعية الصحافيين "راقصات وسباكون وسائقو ميكروباص وتاكسي وبائعو كبده من ضمن كشوف النقابة".

قرأت ذلك وتخيّلت أننا فتحنا كشوفات جمعية الصحافيين، عليّ النعمة لنجدن فيها من الكراكيب و"القواطي" وممالك النمل والزيت الناشف ما يشيب له ريش الغراب وهو في ريعان شبابه.

على أن شيئاً لا يهمني بقدر ما يهمني عدد "الكوافيرات" الزميلات. "وهيهات يا بو الزلوف عيني يا موليّا، محلى الوما بالوما ومحلى العزوبيّا".

محمد الوشيحي

لو كانت السعودية امرأة لراقصتها

اليوم يوم السعودية الوطني. اليوم عيد ميلاد الفاتنة. حماها الله من أعدائها ومن دراويشها المهووسين الذين يتصوّرونها ويصوّرونها "دولة لا قضية فيها إلا قضية الاختلاط".

فنقرأ في موقع للمتدروشين المهووسين بالجنس "صاحب محل ملابس داخلية نسائية في منطقة الجوف يعرض بضاعته على الواجهة… الله يسترنا بستره"، ومرفق مع الخبر صورة لبعض الملابس النسائية الخارجية لا الداخلية، وتحت الصورة والخبر خذ التعليقات المهووسة: "أخزاه الله هذا المنحرف / الله يستر على حريمنا / عندما يتم الاستهتار بأعراضنا إلى هذه الدرجة فلا تستبعدون قيام القيامة / أين الهيئة والشرفاء على أعراض هذه الأمة من هذا المنحل المنحرف التغريبي؟…"، هؤلاء هم بقايا المهووسين، الذين يجب أن نتعامل معهم كما نتعامل مع بقايا الطعام.

وجاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وفتح الباب للنساء الراغبات في المساهمة في بناء البلد، وأسس "جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا" وهي جامعة مختلطة، ولم تتساقط جدران الرياض ولم تتهاوَ بيوت جدة ولا احترقت مزارع الأحساء… ولم يتوقف الملك عند هذا، وهو الذي يعلم أن البناء يحتاج أولاً إلى إزالة الركام، وأن التغيير لا يتم هكذا بطرقعة أصبع، لذا أصدر أوامره بقصر الإفتاء على المختصين، فخرست بعض الألسن التي أساءت إلى الإسلام أكثر من القس الأميركي الحقير الذي أراد حرق القرآن. وقد قرأ بعضنا آخر استهبالات المفتين الزعاطيط الباحثين عن الشهرة: "السؤال، ما حكم قتل الذباب بالصاعق الكهربائي الذي انتشر في المساجد؟ الجواب، حرام ويُفضّل قتله بالفليت" أي والله! والمفتي مدرس في المدرسة الابتدائية، وخطيب احتياطي في مدينة شقراء كما يعرّف نفسه. وقرأنا أيضاً: "السؤال، ما حكم ارتداء المرأة (الكت) والتنورة القصيرة بين النساء؟ الجواب، الكت الذي هو قميص بأكمام قصيرة، وكذلك التنورة القصيرة، يُحرم ارتداؤهما على المرأة حتى وهي بين النساء".

ومن يقرأ فتاوى هؤلاء الزعاطيط، يظن أن السعوديين ما إن تطأ أقدامهم أرض دولة حتى يتسابقوا على فاترينات المحلات النسائية، وهات يا لحس وتقبيل الزجاج ليطفئوا شهوتهم وشبقهم… ما هذا العته الذي سيطر على عقول الدراويش.

خلاص، اكتشف الناس ألاعيب الزعاطيط هؤلاء فوبّخوهم وسخروا منهم، وها هي المملكة ترتدي ثياب الليبرالية العاقلة، لتخرج لنا السعودية كما يتمنى محبّوها، سعودية المشايخ الفضلاء الذين يرفعون الدين وينزّهونه عن عبث العابثين… سعودية الأدباء وعمالقة الاقتصاد وعباقرة الفن والطب والهندسة والعلوم، سعودية عبدالرحمن الراشد وتركي الحمد ويوسف المحيميد وعبده خال وزميلي اللذيذ في هذه الجريدة خلف الحربي، الذي يشعرك أن المبدع المصري المرحوم محمد عفيفي لم يمت، وآخرين… سعودية الصعلوك الرائع الكاتب الشاعر محمد الرطيّان، الذي يؤكد ما قلته سابقاً "يجب ألا يكتب في الصحف إلا شاعر، فإن لم يكن فعاشق للشعر، فإن لم يكن فمتذوق له، وذلك أضعف الإبداع"، وأنا هنا أستعين ببلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو رسولي كما هو رسول المتدروشين الذين يريدون احتكاره والتحدث باسمه لشتم خصومهم ولعنهم.

السعودية اليوم… بلد تفرّغ لزراعة حديقة منزله لا للعبث بحدائق الآخرين وبساتينهم، كما يفعل بعض الجيران. ولو كانت السعودية امرأة لكانت فاتنة، ولتزاحمنا على مراقصتها في عيد ميلادها.

سعادة السفير الدكتور عبدالعزيز الفايز… كل عام والسعودية بروعة ورقيّ، وعقبال إلغاء منصبك، لنتوحد كخليجيين في سياستنا الخارجية والمالية والعسكرية… قل: "آمين".

محمد الوشيحي

زعماء تحرير الصحف

الكويتيون شعب مبالغ فيه. يحتاج من يتعامل معنا إلى كاتالوج. ولا يضحكني شيء كما تضحكني اجتماعات "رؤساء التحرير"، مع التقدير، التي هي الابنة الكبرى لاجتماعات "القمة العربية"، والتي هي مثل ذاكرتي، لا يعوّل عليها. على أن صورة رؤساء التحرير مجتمعين كانت مفيدة، فقد عرفت أن رئيس تحرير جريدتنا، الزميل خالد الهلال، دقّ الشنب، أو هو خففه بعد أن كان كثّاً غليظاً، ويبدو أنه قرّر التوغل أكثر في الليبرالية والعياذ بالله (تعريف الليبرالية في الكويت هو "دق الشنب")، أقول ذلك وأنا لم ألتقِه منذ أكثر من شهرين. وعرفت أيضاً أن رئيس تحرير جريدة "الراي" الشقيقة، الزميل يوسف الجلاهمة، هو الأطول بين الرؤساء وزعماء الصحافة. وعرفت أن رئيس تحرير "القبس"، الزميل وليد النصف، مستعجل وعلى وجه سفر، كعادته، ولا وقت لديه لترتيب غترته ووضع نظارته في جيبه. وعرفت من خلال نظرة نائب رئيس تحرير جريدة "الوطن"، الزميل وليد الجاسم (رئيس التحرير الزميل خليفة العلي لا يحضر إلا اجتماعات صاحب السمو أمير البلاد فقط، كما أظن)، أقول وليد الجاسم، من خلال نظراته الواضحة في الصورة، يفكر كيف يوفّر كميات هائلة من البنزين، لزوم المرحلة المقبلة، فهذا هو ملعب "الوطن". وعاش "بو خالد" وعاش من قال.

أما رئيس تحرير "عالم اليوم"، الزميل عبد الحميد الدعاس، ذو الابتسامة الشاسعة، فيبدو أنه كان أسعد الحضور في هذا الاجتماع (حديثي كله عن اجتماع رئيس مجلس الوزراء بالنيابة معالي الشيخ جابر المبارك مع رؤساء التحرير)، ولا أدري ما سبب كل هذه الابتسامة المترامية الأطراف على وجه "أبي يوسف" في حين أن الأخ الواقف على الطرف، الذي هو أقصر الموجودين، والذي لا أعرف من هو، كان في حالة تكشيرة مرعبة، "دير بالك عليه بو يوسف".

أما الأخ قبل الأخير، الواقف بجانب الأخ المكشر، فيبدو أنه الزميل بركات الهديبان، رئيس تحرير جريدة "الصباح"، أو الجريدة التي تخصصت في أمرين لا ثالث لهما، مدح سمو رئيس الحكومة الشيخ ناصر، والهجوم على النائب الدكتور فيصل المسلم، وقد قرأتها مرة وتبت توبة نصوحاً.أما رئيس تحرير جريدة "النهار" الزميل عماد بوخمسين، فكان كجريدته تماماً، مبتسماً مسالماً محترماً، في حين أثبت الزميل عدنان الراشد، نائب رئيس تحرير جريدة "الأنباء" أنه "قريب من السلطة"، حتى في الصورة… ويذكرني بالرواية الروسية "الحياة أجمل في الدفء".

ولا أدري أيّ الحضور هو رئيس تحرير جريدة "الدار"، كي أستفسر منه عن سعر البنزين بعد أن استحوذ عليه كله، وترك نائب رئيس تحرير "الوطن" وليد الجاسم في العراء. يالله معلش يا بو خالد… "قزّرها بالقاز"، ومن لم يجد الماء فليتيمّم.

محمد الوشيحي

ولج الجمل 
في سَمِّ الخياط

هل أنا في حلم أم في علم؟ هل توقفت الأرض عن دورانها فجأة أثناء مرور الكويت بجانب فرنسا فأصابتنا عدوى الديمقراطية وقبول الرأي الآخر؟

كنت قد اعتدت، بعد كل مقالة أكتبها أنتقد فيها شخصية ما، على عدة ردود أفعال (وأظن أن الزملاء يتعرضون مثلي للحالات التي سأسوقها)… إما أن تبعث هذه الشخصية رداً مكتوباً تبين فيه موقفها فأنشره في عمودي الصحافي، وهذه حالة نادرة، لا أظنها تكررت أكثر من خمس مرات أو ست… أو تهاتف هذه الشخصية ناشر الجريدة أو رئيس تحريرها متذمرة شاكية باكية، دموعها كالساقية، وهذه الحالة تتكرر باستمرار… والحالة الثالثة هي أن تهاتف الشخصية التي انتقدتها أحد معارفي أو زملائي لتصبّ عليه «التشرّه» والعتب: «قل للوشيحي أنني منه وفيه، وصحيح أنني حضري لكن شقيقي مناسب العجمان، فهل يفعل العجمان بأنسبائهم ما فعله الوشيحي بي؟»، على اعتبار أن «مَن ناسبَ العجمان فهو آمن»… أو يهاتفني المسؤول الذي انتقدته مباشرة معاتباً ولائماً ومكذّباً ما جاء في المقالة… أو يأخذها المسؤول من قصيرها ويرفع عليّ دعوى قضائية… أو يتجاهل المسؤول مضمون المقالة ويطنش، وهذه حالة نادرة… أو ينتقم المسؤول فيهاجمني في كل مناسبة (النائب حسين القلاف مثالاً)… بالإضافة إلى تعليقات المعلقين وتدوينات المدونين الذين ينتفضون دفاعاً عن هذا المسؤول أو ذاك…

لكنّ أمراً ما حدث صباح الخميس الماضي كان أقرب إلى المعجزة. أمر جعلني أقف حائراً مشدوهاً، فاغراً فمي «كأنّ على عقلي الطير» كما يقول الأديب العميق يوسف إدريس رحمه الله. إذ بعد أن نشرت «الجريدة» مقالتي الماضية «شوية نفاق بالفستق واللوز» في موقعها الإلكتروني منتصف ليل الأربعاء – الخميس جاءني اتصال من هاتف لا أعرفه، فأهملته، فجاءني اتصال صباح الخميس من المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العميد محمد هاشم الصبر… «أهلاً أبا هاشم»، قلت ذلك وأنا أتحسس مسدسي وأتفقد طلقاته، فإذا هو يضحك ضحكته العملاقة التي تتناسب وحجمه الماردي العملاق «هاهاها الله يغربل ابليسك يا بو سلمان على مقالة اليوم»، فتذكرت عمنا «نيوتن»، فرددت بضحكة عملاقة مساوية لها بالمقدار مخالفة لها في الاتجاه، والجروح قصاص… فصعقني: «معك حق، أنا أخطأت، ما كان يجب أن يكون تصريحي بهذا الشكل»! فاستفسرت بصوت مذهول مهزول: «عفواً أبا هاشم، كرر ما قلت، لم أسمعك»، فكرر وأعاد، وقبل أن يسترسل قاطعته: «يا حبيبنا العميد، نحن في الكويت فكيف تعتذر وتقرّ بالخطأ؟ ألا تعلم أن مسؤولينا لا يخطئون ولا يفسدون، الكويت هي التي فسدت من تلقاء نفسها، ومن دون فعل فاعل»، فواصلَ حديثه، وهو ما لا يهمني (مع التقدير)، بقدر ما أذهلني قبوله الانتقاد بروح رياضية، واعترافه بالخطأ، وثقته بنفسه…

والحمد لله الذي أحياني إلى هذا اليوم، وأنا الذي كنت أقول «لن يعترف مسؤول كويتي بخطئه إلا إذا ولجَ الجمل في سَمِّ الخياط»، وها هو الجمل يلج.

***

ما فعله الخاسر الخسيس يهزّ الأبدان والأوطان، لا شك، لكن رئيس الوزراء بالنيابة معالي الشيخ جابر المبارك ليس من المسؤولين الذين يتربحون من التفرقة والفتن، وقد أعلن أنه سيتخذ الخطوات اللازمة، فلنثق به ولنعطه الفرصة ولنهدأ قليلاً فنلتفت إلى مصالح الناس. أرجوكم ضعوا نقطة في آخر السطر.

محمد الوشيحي

شوية نفاق 
بالفستق واللوز

الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العميد النشط محمد الصبر صرّح أن عدد المسافرين عبر منافذ الحدود البرية، خلال عطلة العيد، بلغ نحو مئة ألف مسافر. لكنه كعادة الناطقين الرسميين في الكويت، بل كعادة كبار مسؤولينا الذين يجيدون استخدام زيت الزيتون الأصلي لدهن الرؤوس، أضاف حفظه الله: «معالي وزير الداخلية وسعادة وكيل الوزارة تابعا كافة الإجراءات الأمنية، وأصدرا أوامرهما بالتعامل الحضاري مع المسافرين»! والحمد لله أن صاحبنا العميد اكتفى بذلك ولم يضف «بعد سهر وسهاد، رأى معالي الوزير بنظرته الأبوية الحانية، وإحساسه المرهف بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه…».

«أشطفت وانا أبو الأسلم»، فقد كان الموظفون في الحدود على وشك خلع أحزمة بنطلوناتهم وأحذيتهم، وهات يا «تمحّط وتلشّط» وضرب ظهور المسافرين وجنوبهم، قبل أن يدخلوهم في أفران كأفران هتلر، لولا أن رحمة ربك تداركتهم بتوجيهات الوزير والوكيل. يا ما انت كريم يا رب… المسألة كانت مسألة ثوان معدودة، إذ ما إن رفع موظفو الداخلية أيديهم بأحزمتهم إلى الأعلى كي يهووا بها على المسافرين المجرمين حتى صدرت التوجيهات فتجمّدت أيديهم، إلى لحظة كتابة هذه السطور.

ونفسي ومنى عيني أن أقرأ في صحف النرويج أو السويد أو فنلندا أو هولندا أو أي دولة محترمة تصريحاً للناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية يتحدث عن توجيهات وزيره، كما يفعل الناطق باسم وزارة الداخلية عندنا، الذي صوّر الوزير وكأنه ملك الحيرة «النعمان بن المنذر بن ماء السماء» ونحن رعاياه. يجلس هو على العرش، ويقف خلفه عبدان حبشيان برمحيهما، وعلى يمينه ويساره تقف جاريتان تهفهفان عليه بريش النعام، ونحن الشعب راكعون على ركبنا، فإن غضب جلالته علينا أمر بحزّ رؤوسنا، يا ويله من الله، وإن فرح خلع علينا العطايا والجواري وصُرر الذهب وحادا بادا.

الرائع في هذه المسرحية، أن من يقرأ تصريح الأخ العميد النشط (هو فعلاً نشط) يتخيل أن منافذنا البرية تتدفق بانسيابية نهر الأمازون وسلاسته، في حين أنها صورة مصغرة ليوم الحشر العظيم… شيوخ ونساء طاعنون في السن وبكاء أطفال وتكدّس نساء بالساعات تحت «لواهيب» شمسنا الحارقة الحانقة. ولا أدري لمَ لا تضاعف وزارة الداخلية عدد موظفيها وعدد كبائنها لتقضي على مشكلة الزحمة. والظن أنها إن فعلت ذلك فلن تكون هناك حاجة إلى الواسطة التي يحرص عليها وزراؤنا، والأهم لن تكون هناك حاجة إلى «توجيهات معالي الوزير وجسّاس وسالم الزير».

ولولا تصريح الأخ الناطق الذي بيّن لنا أن الوزير والوكيل هما من تابع الإجراءات الأمنية، لما عرفت المسؤول الذي عليه متابعة الإجراءات تلك، ودقي يا مزيكا.

سحابة نفاق تمطر فوقنا بغزارة، تزاحمها سحابة فشل، وسحابة كذب، وطق يا مطر طق، بيتنا جديد ومرزامنا حديد… وكم سعر الزيت اليوم أيها الأخ العميد؟