محمد الوشيحي

طارط للربع

باسم الله والله أكبر، ودّعوا أطفالكم، سأتحدث عن الاقتصاد، تحديداً عن صفقة بيع 46 في المئة من أسهم زين. وخيشة الحرية عندنا تتسع لكل ذي رأي، خصوصاً أن للمال العام نصيباً من هذه الصفقة، ولصغار المستثمرين كذلك.

ويا عيني على صغار المستثمرين الذين يشترون الطماطم بالأقساط، والذين قسّموا أنفسهم، ما بين متأهب للسكتة القلبية، ومنتظر للسكتة الدماغية في المحطة. وكان الله في عون الجهات الحكومية المعنية؛ هيئة الاستثمار، هيئة سوق المال، وزارتي المالية والتجارة، إدارة البورصة، سعدون حماد (يقال إن الفاضل سعدون ليس جهة حكومية خالصة، هو جهة تشارك فيها الحكومة). وسابقاً كانت هيئة الاستثمار – على طريق المثال – تجد نفسها بين خصمين؛ المال العام من جهة، وعمنا وعم الحكومة ناصر الخرافي حفظه الله من الجهة الأخرى، فترجح كفة عمنا لعدم تكافؤ الخصوم، فالمال العام سلتوح، قزم، شعره منكوش وعهنه منفوش، تخدّر قفاه وتمدد «من كثر اللسع»، أما ناصر فعملاق كقوم عاد، أو كثمود الذين جابوا الصخر بالواد.

هذا ما كان يحدث سابقاً، وهذا هو المعتاد، أما اليوم فالمعركة مختلفة، كان الله في عون الجهات الحكومية، فالمعركة بين عملاقين: عمنا وعم الحكومة ناصر الخرافي، والشاب العصامي خليفة علي الخليفة، وكلاهما «شبكت» له الحكومة أصابعها، فوضع قدمه، ثم أرخت له منكبها، فصعد واخترق الغلاف الجوي. وكلاهما أصدر بياناً (عليّ النعمة لا أدري أيهما أسوأ صياغة. أمرٌ عجاب. تقرأ البيانين فتتذكر حصة التعبير «إننا ذهبنا إلى البر، وإن البرّ شاسع جميل، إنه ممتع، والشمس ساطعة»، شنو هذا؟ ليت كاتبي البيانين يتعلمان الصياغة من «جمال الدين» مستشار غرفة التجارة، اهب يا قلمه، حتى وأنت ضده تصفق إعجاباً بصياغته)، المهم، كلاهما أصدر بياناً أعلن فيه خوفه على صغار المستثمرين، وكلاهما يضم المال العام على صدره ويمسح رأسه ودموعه، وكلاهما حساس، و»كلاي» أنا تأثرَت كما تأثرت «كلاهما»، فبكيت. وكان أسهل من ذلك وأصدق أن يعلنا أنهما يسعيان إلى الربح من دون تجاوز القوانين، وكنا سنصدقهما فوراً، لكنها الرقة المفرطة سامحها الله.

والتقى الجمعان، وارتفعت البيارق، لكن قبل الصدام بلحظات، وصل الإمداد وبانت طلائع الجيش الثالث بقيادة أبناء سمو الشيخ سالم العلي وحامل البيرق السيد علي الموسى، لينضم إلى الجيش الثاني، جيش الشاب العصامي خليفة العلي، لا حباً في زيد بل كرهاً لعبيد.

وهنا دعونا نحلل الأمور من الناحية النفسية… الجيش الأول، جيش ناصر الخرافي، لم يعتد الهزيمة، عاش حياته كلها يتنقل من انتصار إلى انتصار، حتى إنه لم يعد يحتفل بانتصاراته، كذلك الحال بالنسبة إلى الجيش الثاني، جيش الشاب العصامي، ذي الإمبراطورية الإعلامية الفاحشة، لم يُهزم في معركة قط، أما الجيش الثالث فالانتصار والهزيمة بالنسبة إليه كالليل والنهار، يتقلب بينهما، ولا مانع لديه من هزيمة جديدة، سيتدبر أمره، لكنه يريد أن ينتقم، خصوصاً والفرصة مواتية، والظروف ترقص له وتغمز بعينها.

وها هو جيش ناصر يتراجع، وفرسانه يتساقطون تحت حوافر خيل أعدائه، ويبدو أنه سينسحب تكتيكياً ليعيد تجميع جيشه وترتيب صفوفه، ولا ضير في ذلك، فهو يحارب ليكسب أرضاً، لا ليدافع عن أرضه كما يفعل خصماه.

والخشية و»الموت الحمر»، وهو ما أتوقعه، أن يتبادل الجيشان الأول والثاني الرسائل السرية أثناء نوم الجيش الثالث، فيتّحدا تحت بيرق واحد، وينضم إليهما سعدون حماد وبقية الجهات الحكومية، فيفتحا الخزينة ويجمعا كل ما فيها، ويحصل صغار المستثمرين على طارط، كل مستثمر صغير له طارط كبيرة… أي «تورتة» باللهجة المغربية.

ومع أنني لا أفهم سر «نزع» ناصر الخرافي ثيابه الاستثمارية في مجال الاتصالات، قطعة وراء قطعة (يبدو أنه يرى شيئاً لا يراه الآخرون) إلا إنني أصلي كي تتم الصفقة وينتصر، لسببين؛ كي يتم احتساب المكالمات بالثواني، وكي يتمكن الناس من الاحتفاظ بأرقامهم والتنقل من شركة اتصالات إلى أخرى، كما في غالبية دول العالم التي ليس فيها ناصر، ولا حكومة تخشى ناصر، عمنا وعم الحكومة، الذي تتكسر وعود الحكومة على صخرته.

محمد الوشيحي

خليني شوفك 
بالليل


إحدى أهم القواعد العسكرية التي يعرفها صغار العسكريين وكبارهم تقول «الإيمان بالقائد – أي بكفاءة القيادة – يؤدي إلى تنفيذ أوامرها بحذافيرها، والتفاني في تحقيق خططها».

والتاريخ العسكري القديم يقول إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أزاح البطل المخزومي خالد بن الوليد عن قيادة الجيش كي لا يظن الناس أن خالداً هو سبب انتصار الجيوش الإسلامية. والتاريخ العسكري الحديث يقول إن الجيوش العثمانية أصيبت بهوَس الإعجاب بقائد شاب اسمه مصطفى كمال أتاتورك. وتسأل الجندي العثماني فيجيبك: «إذا قادنا مصطفى كمال فلا يمكن إلا أن ننتصر، فقائدنا هو الأعظم عسكرياً على مر التاريخ». وهو قوْلٌ ردده الثعلب الألماني روميل: «أتاتورك يقلب الأحداث العسكرية كما يقلب فنجان قهوته»، وأيّد كلامه عدوه البريطاني مونتجيمري: «أتاتورك هو الأفضل بلا جدال».

وأدركت قيادة الجيش العثماني الأمر فأخذت تبث الشائعات بين جنودها، في المناطق المختلفة، أن مصطفى كمال وصل للتو وتولى القيادة، فيظن عساكر الجيش العثماني المُحاصرين في حيفا أنهم تحت قيادة كمال، ويظن العساكر في القوقاز أنهم تحت قيادة كمال أيضاً، فترتفع روحهم المعنوية ويزداد عطاؤهم، في حين أنه محبوس في سرداب القصر ينتظر تنفيذ حكم الإعدام فيه بعد فشل انقلابه الأول، قبل أن تصدر الأوامر بالإفراج عنه وتسليمه قيادة الجيش الغربي. وبالفعل استطاع في غضون أشهر إعادة الأمور إلى نصابها. ويقول مساعده: «كان يدور على كل القطاعات ليشاهده العساكر فترتفع روحهم المعنوية، وكان يقضي جلّ وقته مع العساكر وهو يردد (سنهزمهم سنهزمهم)، وفي الليل يتفرغ لصياغة الخطط وإعدادها، ويعيد بعض القيادات المزيفة إلى الخلف، وأحياناً إلى إسطنبول، ويزج بالأكفاء في الأمام».

وكانت الأمور قبل وصول أتاتورك قد بلغت حدّ رفض الأوامر العسكرية، وهي المرحلة الأخطر، بعد أن ثبت في أذهان العساكر أن قادة الجيش العثماني يدفعونهم إلى الانتحار الجماعي، من دون أن تتسخ بزاتهم العسكرية (أي بزات القادة).

وما لم يمسك أحد من القراء يدي ويلوِها خلف ظهري، عندما أكتب عن أتاتورك، فلن أتوقف إلا بعد أن يلطم سكرتير التحرير الزميل ناصر العتيبي. لكن دعوني أعود من حيث انطلقت لأقول إن الدول تقودها الحكومات، والكثير من الكويتيين لا يكفرون بحكومتهم فقط، بل يتوجسون منها خيفة ويتحسسون مسدساتهم عند مرورها على مقربة منهم، ولا يعطونها ظهورهم عند مغادرتهم القاعة، بل يتقهقرون إلى الخلف. فالعمر مش بعزقة.

وحكومة تسرّح شعر كبار اللصوص، بعد أن تهتم بحمامهم الساخن، وتأخذ مصروف البسطاء وتضعه في جيوب القراصنة، لا يحق لها أن تطالب بفرض الضرائب علينا. كيف نقتنع وندفع الضرائب ونطبق أوامر حكومة هي لا تطبق القانون، ولم تحبس وزيراً ولا وكيلاً رغم صراخ مؤشر الفساد الذي تقطعت حباله الصوتية و»صفّر» مخزون دموعه؟ كيف نلبي رغبات حكومة حولت البلد إلى غابة ولا غابات الأمازون، ينهش كبارها صغارها؟ كيف نؤمن بحكومة تغني للمستثمرين: «خليني شوفك بالليل، الليلة بعد الغيوبي، والليل بيستر العيوبي».

وآخر صرعة من صرعات الفساد، هي «رحلة مدير مستشفى شركة النفط وصديقيه الإداريين، أكرر صديقيه الإداريين، إلى أميركا في جولة طبية»، وهي رحلة ستنطلق بعد العيد للتعاقد مع المستشفيات هناك. ولمن أراد أن يضحك أقول: «الجولة لن تشمل أفضل خمسة مستشفيات في أميركا، كما فعلت الوفود القطرية والإماراتية، بل ستنصبّ على مستشفيات مجهولة الأبوين، يسهل معها التكتيك والتضبيط»، ولا أدري كيف يمكن لإداريين أن يناقشا أطباء في قضايا فنية! وأظن أن الرحلة هذه ستفتح باب وزير النفط أمام الأعاصير… وسأتابع الموضوع لأكشف تفاصيله. وخليني شوفك بالليل.

محمد الوشيحي

فوائد السلطة الخضراء

إذا كانت الحكومة، أي حكومة، رخوة ولا فقارية و"آي واي ياي"، فلا يمكن لها أن تنزل حلبة المنافسة والعمل الجاد، لأن بشرتها حساسة، وكريمات الـ"بودي لوشن" غير متوافرة مع الأسف، والغبار يُمّه منه.

وأكبر مثال حكومة الكوبة، أقصد حكومة "كوبا"، وهي التي كانت ضد تحرير الكويت الله يغربلها، وهي لرخاوتها المريعة وخيبتها الذريعة ورشاواها الفظيعة استطاعت تكوين "لوبي" من عقلاء البرلمان الكوبي يدافع عنها، وفرّقت الشعب الكوبي مللاً وطوائف كي تسهل السيطرة عليه، وتمكنت من تركيع الصحف ووسائل الإعلام وتكبيل يديها خلفها.

ومع كل ذا لم تنجح، ولن تنجح، والفشل سيكون "للرُّكَب"، إذ حتى لو لم يجد كتّاب المعارضة أمامهم إلا الكتابة عن فوائد السلطة الخضراء، أو مضار التدخين على المرأة الحامل، فقد يُنشئ بعضهم صحفاً إلكترونية، وقد يضربونها وأنصارها بقسوة ولا ضرب المرحومة جدّتي وضحة للأمثال، ضربٌ لا هوادة فيه ولا رحمة، وقد تنشأ صحيفة إلكترونية في كل شارع وخلف كل زقاق، فتحتار حكومة كوبا وتضرب أخماسها بأسداسها، فلا تدري من هو "طقّاقها"، فتصرخ "ياااي يا مامي"… بالكوبي طبعاً.

***

من بين مليون ومئة ألف نسمة، هم تعداد الكويتيين، فقط ستة وعشرون نفراً لم يسألوني عن "سبب عدم الكتابة عن قانون غرفة التجارة؟" وعن "سبب انتقادي رئيسَ البرلمان جاسم الخرافي هنا، في هذه الجريدة، وعدم انتقادي له عندما كنت في جريدة (الراي)"، وهما سؤالان استعباطيان من اللون الأحمر، وأحمر من كذا مفيش. فالسائل، والصلب أيضاً، يعرف، أو يخمّن، موقفي تجاه قانون الغرفة، فرغم يقيني بأن الضباع هي التي ستستحوذ على الغرفة في حال تنفيذ مقترح مجلس الأمة، إلا أنني مع هذا المقترح، أباً عن جد، بل عن جد الجد.

الغريب أن أحداً لم يسأل الكتّاب الرئيسيين في جريدة الوطن، مثلاً، عن رأيهم في قضية اختفاء خمسة مليارات دينار أثناء الغزو. مثلاً يعني. والغريب أيضاً، أنه سبق أن بيّنت وقلت بالصوت والصورة في قناة "العربية"، إن الزميل محمد الصقر، ناشر هذه الجريدة، قد يمنع مقالاتي، ومقالات غيري، إذا تحدثنا فيها عن غرفة التجارة، فهي جريدته التي أنشأها لمثل هذه الأمور، كما أظن، وأنا أفهم ذلك لكنني لا أتفهمه، فالكاتب حر في ما يكتب، ولسنا أعضاء "حزب الجريدة" كي تتوحد أفكارنا، ولا "الجريدة" هي جريدة "الوطن" ولا جريدة "الدار"، كي نكتب ما يمليه المعازيب، ونسير على الخطوط الأرضية المرسومة لنا، فلا معازيب هنا، ولا "شيوخ وفداوية"، معلش يعني.

والكاتب الذي يمشي على "الأوامر" لن تُمنع له مقالة، والكاتب الذي يمشي على نهجه ستُمنع له المقالة تلو المقالة، وعقول الناس في رؤوسها لا في أحذيتها. على أنني أحمد لهذه الجريدة نشر مقالاتي التي لطالما خالفَت توجهاتها وخطها.

***

منتدى الشبكة الوطنية، المنتدى الإلكتروني الكويتي السياسي الأكبر، الذي يضم عشرات الآلاف من الكويتيين، يتبنى شبابه حملة وطنية رائعة بعنوان "يا نواب الأمة… احموا الدستور من الاعتداء"، ويتحدثون عن تفريغ أهم المواد الدستورية من محتواها. تابعوا حملتهم على هذا الرابط، بعد أن تصفقوا لكاتب الموضوع العضو "دستورنا سورنا" وقوفاً:

http://www.nationalkuwait.com/vb/showthread.php?t=148716

محمد الوشيحي

أنت ينّي مينون؟

قسماً بالله لم أضحك منذ سنين كما ضحكت، قبل يومين، على المشعوذ الكويتي الجميل، الذي بدأ نجمه يرتفع في سمائنا الغراء. ولولا الخشية من أن يرفع ضدي دعوى قضائية (كما هي الموضة الآن) لذكرت اسمه، ولولا الخشية من أن تقع المقالة في أيدي الأطفال، لكان عنوان المقالة (+18)، كي آخذ راحتي وأنقل حرفياً ما يقوله هذا المشعوذ الكوميدي. لكنني سأنقل ما خف وزنه وغلا ثمنه من مفردات مشعوذنا الجميل، مصحوبة بترجمة ما يصعب منها على غير الخليجيين.
وسابقاً كان المشعوذون، أثناء تمثيلية إخراج الجني من الإنسي، يختارون كلمات مثل "اتق الله واخرج يا عاصي"، أو "اخرج يا عدو الله، قبل أن أحرقك بقراءة القرآن"، وما شابه، لكن حبيبنا هذا تميز عن غيره، وها هو يصرخ وهو يهدد الجني: "آنا سوبرمان فلان الفلاني بو فلان، ما قالوا لك عني؟ اسأل عني قبيلتك الينانوة (جمع "يني" أي جني)، يا النذل، يا عديم المروّة (المروءة)، تف عليك يا النغـ…".
يقول ذلك وهو يضرب المرأة "الملبوسة" فتبكي وتصرخ: "آآآآي عوّرتني" (أي أوجعتني)، فيصرخ بدوره مهدداً الجني: "لا تتكلم بصوتها يا ابن الكلب، ما تمشي علي هالحركات (أي لن تنطلي عليّ هذه الخدعة) تكلّم بصوتك مو بصوتها لا أعضّك وأزنطك وأنا أبوك" (أي أخنقك)، ولم أفهم كيف أدخل جملة "وأنا أبوك" هنا. على أنه كررها أكثر من مرة وهو يخاطب جناً آخرين، مسبوقة في العادة بجملة "اطلع يا وليدي"، أو "تكلم يا وليدي وأنا أبوك… أنت عاشق أو مبعوث؟ أنت مينون؟".
وتتصفح الموقع الإلكتروني للمشعوذ، فتقرأ عناوين "جني سوري درزي طيّار"، و"جني كويتي من عمار المنازل"، ولا أدري هل يقصد أنه جنّي معماري أم ماذا، أنا لم أفهم مسماه الوظيفي، قد يكون عاطلاً عن العمل، ويكفل على إقامته عدداً من الجنّ من جنسيات عربية وعدداً من جن الهند وبنغلاديش، يتلبسون البشر نيابة عنه، وقد يكون لديه مكتب محاماة وشريك من النواب الجن، هو يتعاقد مع الجن المجرمين بمبالغ خيالية، وشريكه يساوم الوزير. أو قد يكون معمماً متفرغاً لجني الزكوات، ولا عمل له إلا إرسال بيانات طائفية عبر "الفاكس" إلى الصحف. لا أدري.
وكم من مسكين ومسكينة عذبهم هذا المشعوذ. وغالبية من يتلبسهم الجن هم كبار السن معدومو الثقافة. شوف الصدفة. فالجنية الشابة اللهلوبة تتعلق بغرام شايب لم يبقَ من أسنانه إلا واحد يبكي على الأطلال، وتترك شبّان الكويت ذوي البلاك بيري والحسن والوسامة! والجني الشاب العفيّ الذي يرقص التيس على زنده، يترك صبايا الأفينيوز ومجمع (360) ذوات الرؤوس الممطوطة والأجساد الشمحوطة وألوان الماكياج المخلوطة، و"يتولّج" عجوزاً مقعدة، تلخبط كمبيوترها فتداخلت عطستها وكحّتها.
عموماً، "شمّروا" عن أيديكم وتفرجوا على "جمال" هذا المشعوذ، ولا تنسوا أن تكتبوا وصاياكم لأبنائكم قبل أن تموتوا من الضحك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو أن صحافتنا ملبوسة، فقد توقف زميلنا المثقف المبدع، علي الذايدي، الكاتب في جريدة "عالم اليوم" عن الكتابة. والذايدي كاتبٌ تفرغ لتوزيع أطباق الأناناس على المارة وعابري السبيل ومحبّي عموده الصحافي… يا للذة أناناس ذلك الذايدي.
له أقول: عد يا ذا الأناناس. عد كي لا يتجرأ الطقس السياسي الملوث على إفساد بقية الفواكه. عد واكتب عن الثقافة، مثلاً، أو أي مجال تشتهيه إذا كنت لا تريد إدخال السياسة إلى بيتك مرة أخرى. المهم أن تعود، كي لا نفتقد طعم الأناناس.

محمد الوشيحي

نفقة البغلي

الأيام هذه «أيام الوسم»، كما في لهجتنا المحكيّة، وبدلاً من تساقط المطر عليّ فيبلل ثيابي، تساقطت القضايا عليّ حتى أغرقتني وأغرقت شوارعي، وبتّ أمشي وأنا أرفع طرف دشداشتي. آخرها اتصالٌ تلقيته يوم الخميس من وكيل نيابة يطلبني للتحقيق في قضية جديدة رفعتها ضدي وزارة الإعلام.

وكنت لحظتذاك أجلس أمام موظف العدل الذي بشرني: «لديك قضية رفعها النائب سعدون حماد، وقضية للنائب السابق أحمد الشحومي، والصحافي السعودي عثمان العمير، والشيخ طلال مبارك العبدالله، ومقرئ القرآن في السجن المركزي، ومجلس إدارة جمعية أم الهيمان، وقضية إيواء أجنبي، وقضية نفقة، وقضية رفعها النائب…»، فقاطعت استرساله مذهولاً: «لحظة لحظة، تقول إيواء أجنبي ونفقة؟ من هو الأجنبي الذي آويته، وكيف تُرفع ضدي قضية نفقة وأنا للتو تناولت ريوقي «فطوري» من يد زوجتي الوحيدة؟»، وبعد البحث والرفع والضم، تبين أن الأجنبي ما هو إلا سائق البيت، هندي الجنسية، الذي انتهت إقامته ونسيت تجديدها، أما النفقة فقد رفعتها ضدي طليقتي.

قلت: «يا سيدي، لا أحتقر أحداً كالذي يمتنع عن دفع نفقة زوجته وأبنائه، لكن من هي طليقتي، ما هو اسم ستّ الحسن والدلال؟»، سألت الموظف فأجاب: «اسمها… هاه… هاه»، وفغر فاه، فاستعجلته: «شفيك؟»، فأجابني: «اسم طليقتك علي البغلي»، ففغرت فاهي كما فغر، والبادئ أظلم، واستفسرت: «ابحث عندك في الجهاز يحفظك الله، هل طلبتُ منه أنا العودة إلى بيت الطاعة أم لا؟ وما سبب الطلاق؟ يبدو أن حياتنا كانت تبات ونبات فأصابتنا العين».

وفي القرآن «إن بعض الظن إثم»، لكنني أظن أن العين التي أصابتنا هي واحدة من عينين، إما عين الزميل، والصديق المشترك، حسن العيسى، الذي يكتب في الجهة الغربية من هذه الصفحة، أو هي عين صاحب الإبل مبارك الديحاني. وإذا كانت إبل النعمان بن المنذر تسمى «النوق العصافير»، فقد أطلقت على إبل مبارك اسم «النوق الحمير»، لأنها تنهق ولا حمير البصرة بعد أن زهقت من كونها إبلاً في بلد يضطهد الإبل لمصلحة الحمير. ولا تكاد تمر ليلة إلا ويتصل بي مبارك يدعوني لشرب حليب نياقه: «تعال للغبوق»، فأتحجج بمليون حجة كي لا أشرب حليب هذه الإبل الذي ينزل من أثدائها مغشوشاً منتهي الصلاحية. تشربه فتبكي فتنام.

والله يذكره بالخير الصديق اللبناني الذي هاتفني: «أولادي بيعشقوا المغامرات، وبدّهون يركبوا بعران»، فاقترحت عليه: «ما رأيك أن يشربوا حليب البعران أولاً ثم يحلها حلال»، فوافق منتشياً، فأخذته وأسرته إلى حيث النوق الحمير، فتقافزوا فرحاً لرؤيتها، وتبادلوا التصوير إلى جانبها وهم يرددون «يا ما شالله، اشي بياخد العقل»، فهمست لنفسي: «الوعد قدام»، وأجلستهم في الخيمة، وأعطيتهم حليب النوق الحمير، وهم لا يعلمون أن من يشرب حليب الإبل للمرة الأولى يصاب بإسهال شديد، فما بالك بحليب النوق الحمير… ووقعت الواقعة، وما هي إلا ساعة، وإذا بطونهم تتحول إلى ممرات مائية. تخسي قناة السويس. وإذا زوجته «ايريت» تضع يداً على بطنها وتجري في اتجاه الجنوب تبحث عن بيت الراحة، وإذا ابنه «كارل» يتجه شمالاً، وإذا هو يضع يداً على بطنه والأخرى على جبهته ويتأوه: «يفضح عرض الشغلة، هيدا وقود نووي منّو حليب يا خيي». فغمغمت: «الساعة المباركة. أجل تقول عيالك يعشقون المغامرات؟».

***

نسيت أن أوضح أن قضية علي البغلي ضدي «جنح صحافة»، لكن يبدو أن الموظف المسؤول عن تصنيف القضايا صنفها بالخطأ قضية نفقة.

وأمام كل هذه القضايا، سأفكر جدياً في دراسة القانون، فأتخرج محامياً، وأتشارك مع أحد النواب. أنا أتعاقد مع المتهمين وهو يساوم الوزراء، ومن عارض من النواب واحتج فهو مؤزم.

محمد الوشيحي

الأم أبقى من الجنين

اليوم افتتاح دور انعقاد البرلمان. اليوم تتصارع الحكومة مع "المؤزمين" على تشكيل اللجان، ويتصارع أنصار الحكومة بعضهم مع بعض. وكان الله في عون الحكومة، هل تضحّي بالجنين أم بأمه؟ هل تضحّي بالنائب دليهي الهاجري وتعطي أصواتها للنائب علي الراشد في أمانة السر، أم العكس؟ عن نفسي، أرى أن الجنين "بداله" جنين، أما الأم فيصعب تعويضها، خصوصاً إذا كانت "لهلوبة" و"هابّة ريح".
دليهي الهاجري ليس إلا "يداً مرفوعة"، أي أن الحكومة لا تستفيد إلا من عضو واحد في جسمه، يده، فقط، أما علي الراشد فهو "يد مرفوعة، وصرخة مسموعة، وحجة غير مشروعة، وأشياء أخرى ممنوعة وغير ممنوعة"، أي أن الحكومة تستفيد من يده ولسانه وعقله. إذاً الكفة تميل بقوة لصالح الراشد. معلش يا دليهي، الناس مقامات. ولو أن منافسك هو محمد الحويلة أو سعد خنفور أو سعد زنيفر أو غيرهم من فئة "اليد المرفوعة" لكان الاختيار صعباً، وقد يتطلب إجراء قرعة، أما المنافسة مع علي الراشد قائد الجيوش الحكومية فهي منافسة محسومة. نرجو المعذرة.
والبرلمان أصبح خرخاشة في يد نواب الحكومة، يهزّونه لها كي تنام على "خرخشته". وكل المناصب البرلمانية للحكوميين، وكل رؤساء اللجان حكوميون. وإذا اتهمنا الحكومة بأنها تفرّغ البرلمان من دوره، وأنها تقلبه على بطنه وتضرب قاعته لتتأكد من خلوّه، وأنها تتسلل ليلاً لتسرق إرادة الشعب، قالت بعد أن تضع يديها على خاصرتها وتطرقع علكتها وتلاعب حاجبيها: "يا سلام. أعطوني الدليل"، ويبدو أن الحكومة تريدنا أن نبحث في قاعة عبد الله السالم عن فردة حذاء وقعت منها في مسرح الجريمة، أو أن تكشفها كاميرات البرلمان وتلتقط لها صورة ستة في أربعة، أو نعرض بصمات أصابعها، كيف ذلك والحكومة محترفة؛ ترتدي القفازات، وتتلثم عن الكاميرات، وتتسلق المواسير، وتتفقد حذاءيها قبل مغادرة المكان.
والمتشائمون يقولون: "الكويت تخلفت عن القطار"، وأنا أقول: "لا، الكويت حضرت في الموعد، وركبت القطار، لكن أحدهم دفعها وأوقعها على القضبان الحديدية، فتناثرت أشلاؤها، لكن قلبها ما يزال ينبض، وعينيها ترمشان".
لا تبحثوا عمن دفعها وأوقعها، فليس هذا وقته، دعوا هذا لشرطة التاريخ، وابحثوا الآن عمن يتمشى بين قضبان سكة الحديد كي يسرق "الأعضاء" المتناثرة، أو المتناثرين.

محمد الوشيحي

ابناء المطوطح … العاشقون بصمت


تحذير: المقالة طويلة، وهي عن أحد أشجع من وطئت أقدامهم هذه الأرض، عن رجلٍ سيرته برائحة الهيل والزعفران، عن رجلٍ تتمايل لذكره رؤوس الرجال إعجاباً، ويضع كل منصف منهم يده على رأسه كلما مرّ «طاريه»، عن رجل اسمه «سعد بن ماضي بن حشر العجيل المطوطح الدهمشي العنزي»، الذي استشهد في معركة الجهراء سنة 1920 على باب القصر الأحمر، رحمه الله.

وكان كبار السن إلى وقت قريب، وأظنهم ما يزالون، يعلّقون على من يمتدح أحداً ليس بكفؤ: «لا تكثّرون الهرج، (النِّعِم) يستاهلها سعد المطوطح»، وتسأل كبار السن عنه فيجيبونك: «روى لنا آباؤنا عن بطولاته ما يهز القلب، وعن دفاعه عن الكويت ما يوقف شعر الذراع». إذاً فلِمَ لمْ نقرأ اسمه في مادة التاريخ في المدارس؟ ولِمَ لمْ تحدثنا وسائل الإعلام عنه؟ نسأل أحد كبار السن، فيجيب وهو يتبسم سخريةً ويشوّح بيده استهزاءً: «ما درى سعد عنكم وعن مدارسكم ووسائل إعلامكم، كتبتم عنه أم لم تكتبوا، تحدثتم أم لم تتحدثوا. وإن كنتم تجهلونه، فنحن وآباؤنا الذين عاصروه نعرفه، ونعرف كمية الدم التي نثرها هو وربعه الطواطحة على تراب هذه الأرض».

قيل لي إنه فارس الكويت الأبرز في معاركها كلها، وإنه يشحّ بكلامه عندما يصمّ الثرثار آذان الجلوس في المجالس، فإذا ارتفع دخان الحرب، وارتفعت معه «حواجب» الرجال غضباً وتحفزاً، وتهيئوا للصدام والالتحام، وصمت الثرثار واختبأ خلف حليلته، تقدّم سعد المطوطح الصفوف.

سعد وربعه الطواطحة، يبدو أن لديهم سوء فهم شديداً، إذ يعتقدون أن بقاء الدم في العروق والشرايين مدة طويلة يُفسده، ويظنون أن الأرض لا ترتوي من المطر بل من دماء أبنائها، لذلك نثروا دماءهم بسخاء على أرض الكويت، حتى قيل إنهم «العائلة الأكثر استشهاداً».

واليوم، تبحث عن الطواطحة في المناصب الكبرى فلا تجد، اللهم إلا سفيراً واحداً، فلا وزير منهم ولا وكيل وزارة ولا وكيل مساعد. وترفع بصرك تفتش عن «مطوطح» واحد حصل على عقد أو مشروع، فينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير. ولن تسمع من أحدهم كلمة واحدة تفرّق بين أهل البلد. حاشاهم. وستفنى الأرض ومن عليها قبل أن يفكر أحدهم في شراء «فاكس» يبث من خلاله سمومه إلى الصحف. ولن يخرج أحدهم في برنامج تلفزيوني ليفتري على الآخرين فيفتح شدقيه زوراً وبهتاناً «أجدادي فعلوا بأجدادك كذا وكذا»… لن تجد ولن ترى ولن تسمع مثل هذا عند الطواطحة، فهُم «العاشقون بصمت». ولو كان «سعد» بيننا الآن لتلثّم قرفاً من منظر الفتنة التي شققت جلودنا، ولركب فرسه و»لَكَزها» مبتعداً وهو يضرب كفاً بكف ويتمتم: «يا حيف يا ديرتي».

هم هكذا خُلِقوا، وهذه هي طباعهم التي ورثوها كابراً عن كابر. وكنت قد سمعت قبل أيام عمن أعلنوا تسييرَ مسيرة على الخيل، من قصر «دسمان» الشامخ إلى «القصر الحمر» في الجهراء، فسألتُ: «هل بينهم أحد من الطواطحة؟»، فجاء الجواب بالنفي القاطع، فغمغمتُ متنهداً: «أعرف، ولكن ليطمئن قلبي». الطواطحة يسقون الأرض بدمائهم، وغيرهم يركب الخيل في وقت «البراد» وأمام الكاميرات. وعليّ اليمين العمياني لو أن هؤلاء المترفين سمعوا نداء الحرب ليلتذاك لنقضَ كلّ منهم وضوءه، ولارتفع صوت ولولته على أصوات النساء.

وآخ ومليون آخ على خبر نشرَته إحدى صحفنا قبل أشهر عن اقتراح يطلب فيه أحدهم تسمية شارع أو مدرسة باسم «سعد المطوطح»، ولا أظن أن طلبه أجيب. عادي. عادي جداً. ماذا قدم سعد وعائلته كي يستحق ويستحقوا تكريماً كهذا؟ مجرد دمائهم وأرواحهم؟ وشنو يعني؟ ووالله لو كنا شعباً وفيّاً لأسمينا مدينة سكنية بمدارسها وشوارعها باسمه، ولا يكفي.

الأقزام قزّموا سيرته، وحصروها في معركة الجهراء، في حين أنه كان المؤتمن على أسلحة جيش الكويت وذخائره، وهو الذي شارك في كل معارك الكويت التي عاصرها، هو وربعه وآخرون من قبائل وعوائل لا تتسع المقالات لحصرهم. على أنني لا أملك، ككويتي، ما أرد به ولو جزءاً يسيراً من دَيْن هذا الأسد عليّ، إلا أن أكتب عنه وعن سيرته المزعفرة، فالحديث عنه وعنها صدقة جارية، تكسر بؤس هذا الوطن… أنعم به وبسيرته، وأنعم بحمولته الأقربين.

محمد الوشيحي

تسفك دمي 
في الاشهر الحرم

دخيل ربك، دع كل ما بين أصابعك وموابعك، على رأي عبد الفتاح القصري، وتعال اجلس إلى جانبي، وأشعل لنا سيجارة من صنع أحفاد هتلر، نعدل بها الكيف المائل، ونستحضر الفن الإماراتي، وشموخ الشعر الإماراتي، الأفضل خليجياً بلا مصارع ولا مقارع.

ألم تستمع، لا أبا لك، إلى رائعة الشاعر حميد بن سعيد النيادي «مجرم الحب»، التي غناها الصوت الإماراتي القح عيضة المنهالي؟… كنت في لبنان عندما تلقيت «سي دي» هدية من إحدى الكائنات الثديية المترفة، مصحوباً بتحدٍّ شرس»أنتم يا الكويتيين ما ترومون تييبون شراة هاي الأغنية» أي لا تستطيعون الإتيان بمثل مستوى هذه الأغنية، مع توصية بأن أستمع – تحديداً – إلى أغنية «مجرم الحب»… فأدرت «مسجّلة» السيارة، وتوجهت إلى حيث ينتظرني صديقي الذي دعاني إلى الغداء على قمة جبل، ولم أشعر بنفسي إلا ورأسي يتمايل طرباً مع الأغنية المكتملة الروعة، شعراً ولحناً وغناءً، فأعدت سماعها، مراراً ومدراراً، وأخذت الطريق «رايح جاي»، أو رائحاً جائياً، كما في الفصحى، ولولا الحياء ما نزلت من السيارة… خذوا كلماتها دخيل ربكم، واقرؤوها بلهجتها الأصلية التي تفهمونها، وسأتكفل أنا بشرح بعض مفرداتها لغير الخليجيين:

للحرب مجرم وحتى الحب له مجرم

يا مجرم الحب أنا وش ذنبي وجرمي

خلّيت نار الجفا في داخلي تضرم

وارماني* الوقت وانته بالجفا ترمي

رمي الجمارة * بكفّ الناسك المُحْرِم

ترمي وتسفك دمي في الأشهر الحُرْمِ

ماقساك ماغلاك وانت المجرم المغرم

وتقول للنار هيا شبّي وضرمي *

وأنا وفيّ(ن) على العهد الذي مُضرَم

واقول للنفس صوني العهد واحترمي

غرايسٍ يانعة في القلب ما تصرم

ما تشبه التين والرمّان والكرْمِ

والحب فتّاك في العشاق من يعرم

يا كمّ بكّى شجاعٍ فارسٍ قرْم *

وأجزم وأقسم على أن أزهار الشعر لا تنمو في أرض شعبها مفتت، وحكومتها فاشلة، و»كدْشها تُقدّم على أصايلها»، ولا يحلق الخيال في سماء دولة ترى كل مجموعة نفسَها أوْلى من غيرها، وأنها الأكثر «كويتية» من غيرها، فهذه النائبة «حضرية» من «القواعد من النساء» كما يقول رجال الدين، يشاركها الرأي ذكور هم أيضاً من فصيلة «القواعد من النساء»، يسمّون أنفسهم «أهل الكويت»، على اعتبار أن الشريحتين الأخريين من أهل السعودية أو العراق أو إيران، ووالله لا أعرف «حضريّاً» واحداً من ذوي القيمة والشموخ يقول ذلك. ويرد عليهم مجموعة من أبناء «القبائل» يرون أنهم هم «أهل الكويت» والدليل دماء أجدادهم التي أريقت دفاعاً عنها، ووالله لم أسمع عاقلاً قبليّاً له وزنه يقول مثل هذا الكلام.

يا سيدي، أو يا أيها الكائن الفارع الطول الناعم العود الثقيل الرمش، صدقت، نحن «ما نروم» نأتي بمثل هذا الفن، ولا حتى دون ذلك، ففي المأتم يعلو النحيب وتختفي ضحكات الأطفال… سنتحداكم بعد انتهاء المأتم…

ارماني: رماني الجمارة: الجمرات ضرمي: من إضرام النار

القرم: ذو النخوة

محمد الوشيحي

نحن الكفار… ولا فخر

طبعاً الناس تعرف أنني اشتريت هذا العمود الصحافي وخصصته لسلالة "وشيح الكبير"، ودفعت ثمنه "بالتقصاد" على رأي عمي المرحوم منصور صاحب أطيب قلب في الكائنات الحية، الذي لا تخلو أي جملة في حديثه من "البدليات" والأخطاء المطبعية… ولأنني اشتريت العمود هذا فسأنقل الحوار الذي دار بيني وبين ابنتي "الحاجة عزة" واسمها في البطاقة المدنية "غلا".
تستعرض الحاجة عزة – بفرح – معلوماتها أمامي بعد أن صاغتها على شكل سؤال طفولي: "صح أميركا كفار؟"، فصعقتها: "لا. العربان هم الكفار. نحن الكفار السفلة"، وأجهزتُ عليها قبل أن يرتد إليها حنكها الذي هوى إلى الأسفل: "وأكثرنا كفراً ونفاقاً هم الذين يدّعون التديّن، ويتحدثون زوراً باسم الإسلام، لكنهم يهاجمون المصلحين من أبناء جلدتهم"، ثم استدركتُ: "آسف، هؤلاء المزورون ليسوا كفاراً بل منافقون في الدرك الأسفل من النار".
وأجزم أنها ندمت على الاستعراض أمامي بعد أن اندفق سيل حنقي أمامها فأغرقها… شوفي يا بنتي، هناك تجار ليبرالية، يقابلهم تجار دين، يتداولون الوطن بينهم كالسلعة، الفريق الأول صاغوا ليبراليتهم  على شكل عقود لمشاريع ومناقصات، وراحوا يدورون بها بين المسؤولين! يطالبون بالحريات بشرط ألا تمس مصالحهم، كذّابون أفّاقون مطأطئون، وهؤلاء كفار وملاعين خيّر، لكنهم مكشوفون مكروهون، يسيرون عراة في الشوارع… أما الفريق الثاني فهم الأخطر، إذ يمتلكون "القنبلة البيولوجية"، وهي قنبلة لا تهدم المباني بل تتجه إلى داخل الإنسان مباشرة، وتعتمد على الجراثيم والبكتيريا التي تسبب تلوث الدم وأمراض التنفس وانتشار الأوبئة، وهم أعفن من "محطة مشرف" وأنتن.
هؤلاء، أقصد تجار الدين، بعضهم أوهم الناس أن ما يجب فعله الآن هو فتح محاضر التحقيق في جريمة قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، ومعاينة مسرح الجريمة التي حدثت قبل نحو أربعة عشر قرناً. لذلك تباغض الناس وتكارهوا… وبعضهم حمل بضاعته بعد أن غلّفها بورق السولوفان وقدمها هدية إلى السلطة، متجاهلاً هموم البسطاء، ولو أنكِ ناقشتِهم وسألتِهم عن أهم القضايا لأجابوك بصوت واحد: "البنطلونات الضيقة التي ترتديها الفلبينيات هي سبب نكسة الأمة ووكستها. جزاك الله خيراً. وكل من يقول دعوا الفلبينيات ببنطلوناتهن وتعالوا نتحدث عن المظالم والبلاوي والسرقات في البلد إنما هو كافر تغريبي يصد الناس عن دينهم"، فانصرف الناس عن الجوهر وراحوا يطاردون الفلبينيات و"يقايسون" بنطلوناتهن… أما البعض الثالث من تجار الدين فقد أصبحوا "عبيد السلطة"، وراحوا يشككون في دين من ينتقد السلطة، على اعتبار أن رجال السلطة هم ولاة الأمر، وأن ديننا – بعد تزويره وتحريفه – يأمرنا لا بعدم معارضة السلطة فحسب، بل والسكوت والخنوع إذا ضربتنا السلطة على ظهورنا وأخذت أموالنا.
نحن الكفار يا بنتي لا الأميركان الذين يتلفت رئيسهم ألفاً وسبعمئة وثمانين مرة قبل أن يتخذ قراراً خوفاً  من ردة فعل شعبه. وليتكِ تقرئين ما يكتبه كتّابهم وصحفهم عن رئيسهم، وليتكِ تشاهدين ما تبثه فضائياتهم من سخرية وبهدلة للرئيس، من دون أن تُغلق صحيفة أو يحال أحد إلى النيابة، كي تعرفي أنهم ليسوا كفاراً، وإنما الكفار هم من يقلبون السالفة من تهمة في حق المسؤول مدعمة بوثائق إلى جرجرة النائب أو الكاتب الذي هاجمه إلى المحاكم.
الكفار يا بنتي هم أصحاب تلك الديوانية في الدائرة الرابعة، التي زارها نائب إمّعة، عُرفَ عنه تقبيل الأقدام، فأفسح له رواد الديوانية المكان وأجلسوه في الصدر، وراح يتحدث بثقة: هل تريدون مني أن "أبابي" وأصدّع رؤوسكم مثل مسلّم البراك والسعدون، أم تريدون مني إنجاز مصالحكم ومعاملاتكم مثل النقل والدورات الخارجية؟ ولماذا يستشيط البعض غضباً عندما أستفيد تجارياً (لاحظ، قبول الرشوة اسمه "استفادة")، وهل التجارة والمناقصات حلال على "الصقر والخرافي والغانم" وحرام عليّ؟
نحن الكفار يا بنتي ولا فخر.  

محمد الوشيحي

الساخرون والمتمسخرون


أنا رجل لا يضحكه إلا الشديد القوي. أشاهد مسرحية كوميدية فيرمي البطل "افيه" أو نكتة يتضاحك لها الحضور، بينما أتلفت أنا في الوجوه مذهولاً. وأحضر فيلماً يعتبره الآخرون كوميدياً فأضحك مرة أو مرتين، وقد لا أضحك. وأقرأ لكاتب، يُصنف في خانة الساخرين، عشرات المقالات فلا أجد ما يفرّق بين شفتيّ المتلاصقتين إلا نفثة دخان سيجارتي أو نفخة تأفف. وقد تضحكني كلمة عابرة في فيلم فلا أتوقف عن الضحك حتى وأنا خارج قاعة السينما، وقد أتذكر مقالة للسعدني أو لجعفر عباس أو لمحمد مستجاب أو غيرهم، قرأتها منذ سنوات، فأضحك فتنهمر دموعي فتتشكل بحيرات تتمشى فيها البطة وفريخاتها، وتتمخطر فيها البجعة بغرور مستعرضة ألوانها البنفسجية.


على أن أجمل كاتب ساخر وبجدارة في هذا الوطن العربي المعطاء هو رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم المصرية" الزميل ممتاز القط. هذا الرجل ساخر تلقائي بلا تكلف (أتكلم بجدية لا تهكّم). هو ساخر "من المصنع" ومن حيث لا يعلم ولا يريد. إذا كتب تحليلاً سقطتُ على ظهري لشدة الضحك، وإذا امتدح مسؤولاً فقدت الوعي والوزن ونحلت عظامي، وإذا هاجم معارضي الحكومة المصرية أصابتني هستيريا القهقهة وداهمتني نوبة عطس. طريقته محببة إلى قلبي، وأزعم أنني أحد معجبيه. وكان قد كتب في مدح الرئيس المصري حسني مبارك مقالات نووية، قيل إن الرئيس وبّخه بسببها وحذّره من تكرار مثل هذه الكتابات التي تضر ولا تنفع. والرئيس مبارك، كما نعرف، ليس من عشاق تجميع المطبلين والمزمرين من خلفه، ولا هو من فصيلة النميري وصدام.


وما تزال مقالة الزميل ممتاز القط، التي احتلت الصفحة الأولى كاملة في جريدته، تحتل الصفحة الرئيسية في ذاكرتي، عنوانها "ليه بنحبك يا ريس" نشرها في الذكرى السنوية لرئاسة مبارك، وكنت أحتفظ بنسخٍ منها أعطيها لكل من أصابه أرق أو بلغه وفاة عزيز. ولو قرأها أهل غزة لخففت عنهم حرارة القصف والحصار.


من جملة ما قاله في افتتاحيته التي كتبها بالعامية على صدر صحيفة "أخبار اليوم" العريقة التي أسسها الخالدان علي ومصطفى أمين وأممتها الثورة: "احنا ادّلعنا في عهدك يا ريّس"! أي والله. هكذا "احنا ادلعنا". ثم يأسى على حال الرئيس المحروم من المتع والملذات فيقول: "الرئيس ربما يكون المصري الوحيد الذي لا يأكل محشي الكرنب والباذنجان والفلفل، ولا يشم طشة الملوخية أو البامية". صلوا على رسول الله. وكله كوم وحكايته عن كرتون البلح المُهدى إلى الرئيس كوم لا يعادله كوم، إذ منعت الجمارك إدخال الكرتون ما لم يسدد الرئيس الرسوم الجمركية المقررة فسددها الرئيس.


جميل جداً هذا القط الزميل، لكن المصريين، إعلاميين ومواطنين، سامحهم الله دفّعوه ثمن مقالاته تلك باهظاً، وجعلوه يتنقل من فضائية إلى فضائية "يرقّع" ما يمكن ترقيعه، وكتب عنه كتاب الصحف المستقلة، بل والحكومية، ما قد يدفعه إلى الهروب خارج مصر قبل توديع أطفاله.


ولأن القطط من أكثر الكائنات الحية توالداً فقد امتلأت صحافتنا بالقطط الممتازة، التي صمّت آذاننا بموائها وهي تتسلق الجدران… مياو.