محمد الوشيحي

عبيد وخالد وخالد

قصة حقيقية…

هنا كان يجلس ثلاثة من الطلبة الكويتيين، هنا كانت تفوح رؤوسهم حماسة وتشتعل قلوبهم وطنية. هنا في عام 1999 كانوا يجتمعون في هذا المقهى الذي يتوسط "جورج تاون"، قلب العاصمة الأميركية "دي سي"، في شارع "ام ستريت"، وعلى مقربة من المكان الذي تم فيه تصوير فيلم الرعب الأميركي الأشهر "ذي اكسورست" عام 1973، الذي يتحدث عن "جنّي" يأتي من صحراء الشرق الأوسط ليسكن جسد فتاة من أهل هذه المنطقة الأميركية، ويقال إنه أثناء التصوير وبعده حدثت مصائب غريبة أطلق عليها الناس وصف "لعنة جورج تاون"… هنا كان الثلاثة يتسامرون ويتناقشون عن الشأن الكويتي، وعن أوضاع أهلهم وديرتهم.

الأول هو الدكتور عبيد الوسمي، الخبير الدستوري، والثاني خالد الطاحوس، عضو مجلس الأمة، والثالث خالد الفضالة، أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي السابق… عبيد، الأكبر سناً، كان يدرس الدكتوراه، وكان حديثه منصبّاً على أهمية تطبيق القوانين واحترام الدساتير، وكان يشدد على أنه لو تم تطبيق مواد الدستور الكويتي لكنّا وكانت الكويت، وخالد الطاحوس كان يتحدث عن حرية الرأي والتعبير وحقوق العمال والبسطاء، وخالد الفضالة، الأصغر سناً، كان يتحدث عن حقوق الإنسان وعن أهمية الوحدة الوطنية وعن وجوب حماية المال العام والدفاع عنه.

الطريف أن كلّاً منهم كان ينتمي إلى قائمة طلابية مختلفة، في انتخابات طلبة الجامعة، فالوسمي كان عضواً في قائمة "المستقلة"، والطاحوس كان عضواً في "المعتدلة"، والفضالة كان عضواً في "الوحدة الطلابية"، إلا أنهم الثلاثة كانوا يحرصون على الخروج سوياً، يسعون في طرقات أميركا ومناكبها.

والطريف أيضاً، أن كلّاً منهم نجح في انتخابات الجامعة، واحداً بعد الآخر، وهو أمر نادر الحدوث، إذ اعتاد الطلبة أن تسيطر قائمة ما على الانتخابات لسنوات، ثم تتفوق عليها قائمة أخرى تستمر لسنوات، لكنّ "الثلاثة" كسروا القاعدة… فعبيد نجح عام 98، ونجح الطاحوس عام 99، ونجح الفضالة عام 2002 في الانتخابات الجامعية. أما الأطرف، فهو أنهم، الثلاثة، بعد تخرجهم، ورغم اختلاف توجهاتهم، لا يؤمنون بهذه الحكومة.

كانت أجسادهم في أميركا، على بعد تسع أمانيّ وسبعة أحلام من الكويت، حيث قلوبهم. كان الواحد منهم، وهو هناك، يتظاهر بحاجته لتعديل قميصه وشدّه إلى الأسفل، كي ينهض من كرسيه ويمد رقبته إلى الكويت فيسرق نظرة يطمئن بها على أوضاعها.

جمع الثلاثة رصيداً من العلم، ليصرفوه في الكويت وعلى الكويت… تخرّجوا وعادوا إلى حيث حطت عصافير أحلامهم، لكنهم نسوا، يا للأسف، أثناء رحلة العودة أن يرموا أمانيّهم وأحلامهم من نوافذ الطائرة، أثناء عبورها فوق المحيطات لتلتهمها الأسماك… لم يدركوا وقتذاك أنهم سيصطدمون بجزاري الأماني وسفّاحي الطموحات… لم يعرفوا أن الشهادات والعلم والوطنية والحماسة والنبوغ وطموح الشباب كلها ستتكسر على حدود "الفاكس الطائفي" الذي كلما استعرت طائفيته انحنت الحكومة له ولصاحبه… لم يتخيلوا أن الجاهل الذي يشتم أعراض الناس ستعتبره الحكومة "شخصية مهمة في الرأي العام"، وستتعامل معه – الحكومة – كما يتعامل الحلّاق مع "المعرس"، فتتكفل بتفريكه وتدليكه… لم يتوقعوا أن قنوات العهر الدرامي التي تحولت إلى قنوات عهر سياسي تخصصت في بث الأكاذيب والافتراءات، ستتعهد الحكومة "بتقشير" الموز قبل أن تمدّه إليها… لم يتصوروا أن "الرِّمّة ذا العِمَّة" سيكون "سيد" الأحداث.

لم يتخيلوا كل ذلك ولم يتوقعوه، فتم سجنهم، هم الثلاثة، تباعاً، الواحد تلو الآخر، كما حدث في انتخاباتهم الجامعية… فهل تلبّسهم "جنّي" الشرق الأوسط وأصابتهم لعنة جورج تاون؟ أم هي لعنة حب الكويت؟

***

أستاذنا محمد عبدالقادر الجاسم لم تغب عنا، وأنت الحاضر الغائب، لكنه الغبار الذي أعمى أعيننا فطلبنا ماءً لتنظيفها فأعطونا مزيداً من الغبار… كم اشتقناك واشتقنا قلمك يا رجل.

أبا عمر، سيصلك فارسنا الدكتور عبيد الوسمي لمؤانستك، تدبّرا أمرَكما إلى أن يصل بقية "الربع"… عن أوضاعنا تسألان؟ نطمئنكما، انقلبت الحياة ملهىً لا يحتمل ضجيجه إلا الراقصات وأزواجهن والطبالون وبقية أعضاء الفرقة، ونهض الجمهور يرقص فامتلأ المسرح بـ"النقوط".

***

رحم الله الإنسان وائل جاسم الصقر، هادئ الطباع خفيض الصوت بطيء الحديث نظيف السريرة، وألهم ناشر هذه الجريدة وآل الصقر الكرام وأصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان.

محمد الوشيحي

اليوم… الحجاب ليس لأسيل

كان يلزمنا مثل ما حدث من ضرب وسحل كي نميز الذهب من النحاس. ولطالما صرخنا: "لا تغركم اللحى ولا العمائم، ولا تضيعوا أوقاتكم في نوع لباس هذه ولون حجاب تلك، ركزوا على البأس والفكر والمواقف والعطاء وحب الوطن، واتركوا ما خلا ذلك"، ولم يصدقنا إلا القلة، إلى أن تبين الرشد من الغي، وأثبتت أسيل، تلك "المهرة الأصيل"، أن شعرة واحدة من رأسها الشامخ المكشوف تعدل شعرات لحى "التيوس" المطأطئة على المرعى… كلها.

وما أكثر حصى النقد الذي رمينا أسيلَ به، لكننا لم نشتمها ولم نفترِ عليها وعلى حياتها الخاصة كذباً، فهي في أعيننا حرة ابنة أحرار، في حين تقيأ أنصار الحكومة في حقها كلمات عفنة، أجلكم الله عن كلماتهم وعنهم! بعضهم من أرباب التدين واللحى والعمائم.

واللحية، أيها الناس، مجرد شعيرات أسفل الذقن، يستعين بها بعض اللصوص ليتسلقوا المنازل، ويتربح من ورائها تجار الشنطة. أطالها النائب الشجاع محمد هايف – وما أكثر اختلافي معه – وثبت في صف الرافضين لضرب الناس وسحلهم، وأطالها آخرون فكانت كبذلة الرقص الخليعة. تكرم لحية هايف عن لحى "الراقصات"، وتكرم لحى الحربش والمسلم والصواغ والطبطبائي وكل من فرد ذراعيه وأبرز صدره ليتلقى الطعنات نيابة عن الناس ودفاعاً عنهم.

اللحية لم يعفها (أو يطِلها) الدكتور أحمد الخطيب، أطال الله عمره، لكنه ما إن ينهض عن كرسيه حتى تصفق قلوب عشاق الوطن، ويتناول اللصوص الحبوب المهدئة. وكم كفّره البعض، هو والطود الشامخ عبدالله النيباري ومشاري العصيمي (هذا الرجل، تحديداً، خُطَبه في الندوات والتجمعات كالطلقات التي لا تخطئ أهدافها) وقلم الدستور، أستاذنا أحمد الديين، وآخرون، وتبين لاحقاً أن هؤلاء كفرة فعلاً، كفرة بمنهج تحويل الشعب إلى قطيع يُقاد بالحبل ويُساق بالعصا. هم كفرة بدينِ الكذب والتربح على حساب الناس. كفرة بتزوير الحقائق على ألسنة قادة وزارة الداخلية.

وستجد في هذه الصفحة الليبرالي المعتق، أستاذنا الجميل حسن العيسى، يبهرك بصدقه ونقائه واحترامه لإنسانية الإنسان، وعلى الضفة الأخرى ستجد الإسلامي المعتق مبارك الدويلة في "القبس" يسير بطريقة تحرج الثعابين، وتجد الإسلامي المخضرم فيصل الزامل في "الأنباء" يتغزل بالحكومة وخصالها بكلمات خاشعة ورعة وألحان صوفية.

لا علاقة للحى والمظاهر بالمواقف والمخابر، فمظهر الرئيسين السعدون والخرافي واحد، وشتّان بين مخبَريهما، الأول يفترش الأرض بين البسطاء، يفكر في مصالحهم، والثاني فوق النخل، يفكر هل يتناول "المانجو" قبل التفاح أم بعده. والمقدام فهد الخنة يتشابه في المنظر مع النائب علي العمير، بل ويشتركان في "تجمّع سياسي واحد"، والناس تعرف الفرق. والكاتب الليبرالي (هنا غمزة العين) رئيس لجنة حقوق الإنسان (هنا غمزة أنكى وأشد) علي البغلي، كان سيشجب ما حدث للدكتور عبيد الوسمي لولا أنه نائم، كما أظن، وليس على النائم حرج.

ولو التفتنا إلى الصحف، لوجدنا هذه الجريدة "الليبرالية" تجاهلت مسرحية "الجاهل"، وكأنها لم تكن، بينما أفردت لها جريدة "الشاب العصامي" – التي يتزاحم فيها الكتّاب الإسلاميون ويتزاحم على قراءتها أبناء القبائل – الصفحة الأولى وعدة صفحات أُخَر، لأيام متتالية، وخصصت للمسرحية برامج في قناتها، تضخّمها وتهوّلها.

على أي حال، سأطرح على الطاولة سؤالين، الأول: "النائب دليهي الهاجري شتم وزير الصحة الدكتور هلال الساير (ألعن أبوك لابو من لبّسك البدلة)، ومع ذا لم "تأمر" الحكومة نوابها برفع الحصانة عن دليهي، كما فعلت وتكتكت وانتفضت على حصانة النائب الدكتور فيصل المسلم، رغم أن المسلم لم يشتم ولم يتجاوز القانون، بل مارس دوره الرقابي… فهل كرامة الساير أقل من أن تهتم بها الحكومة؟" والسؤال الثاني موجّه إلى ناخبي الدائرتين الرابعة والخامسة تحديداً: "مَن الذي يجب أن يرتدي الحجاب ويجلس بين "العجايز"… أسيل العوضي أم النائب بارد الحيل، الذي ليس في رأسه "حماوة" ولا في جسمه مرارة؟".

***

د. عبيد الوسمي، أيها العملاق الأشم… لن ننسى ما حدث لك وللكويت.

محمد الوشيحي

مشياً على الاقدار


حكايتي مع قلمٍ غير عاقل…

أصبحنا متهمين مقدماً إلى أن تتدبر الحكومة تهمة تليق بكل منا على حدة… نتجول مشياً على الأقدار في اتجاه الغد، والغد يقف هناك ويداه خلف ظهره، يخبئ في إحداهما عصا مزينة بمسامير، وفي الأخرى وردة يحرسها سبعون شوكة مما تعدون.

وقلمي أتعبني… أنا أريد أن أصبح واحداً من العقلاء، أو أن ابتعد عن قافلة «المجانين» على الأقل، وهو يضع سبابته وإبهامه على شواربه ويهمهم «يا عيب الشوم»، ثم يرمي بذاكرتي في حضني بقسوة، ويتمنن عليّ: «تذكّر يا محمد، كم كنت أدفعك إلى رصيف السياسة فترفض في أحيان كثيرة، وتجرني من يدي إلى «البست»، أو المسرح، لنرقص وأنت تلصق فمك في أذني وترفع صوتك ليخترق ضجيج الموسيقى وصخب الراقصين، وتشير بأصبعك (انظر إلى عينيها «الغيفاريتين» الثائرتين، لا ينقصهما إلا قبعة «تشي»، تمعّن بركانَ شفاهها وحممه المكتنزة)، وأنا أنصت إليك بكل ما أوتيت من مجاملة… تذكّر يا محمد كم مرة طلبت مني أن أصدم صبية بكتفي كي أوقع حقيبة يدها فتسارع أنت وترفع حقيبتها متظاهراً (بالجنتلة)… تذكّر يا محمد كم قهقهنا، أنت وأنا، على رصيف المقالات، في الساعة الأخيرة من الليل، أنا أتحدث عن مآثر السرير ومحاسن اللحاف، وأنت تقسم أن تعصر الليل حتى آخر نجمة»، يصمت قليلاً ثم يندفع متحدثاً بصوت خفيض ليحرّك فيّ نخوتي «الكويت هناك، انظر إليها، انقطع صوتها ولم تعد تقوى على البكاء بعد أن استنزفت رصيدها كله على فقدان ابنتها «الحرية»… انظر إليها وهي تشمّ رائحة ثياب ابنتها المغدورة وتتلمس ألعابها، انظر إليها وهي تتكئ على الحائط جاحظة العينين فاقدة الإحساس والعقل، لا تعرف أحداً من المحيطين بها، انظر إلى الكويت التي لا تريد منك ولا من غيرك، إلا أن ترشدوها إلى مكان قبر ابنتها «الحرية» كي تبكي عليها عن قرب، وعن لمس، وعن حضن، وأنت تريد أن تمسح آخر قطرة من إنسانيتك لتصبح (عاقلاً)».

طمأنتهُ: «سأحتاط، لا تخف عليّ، سأفعل كما يفعل زميلي الكبير عبداللطيف الدعيج، وأتظاهر أنني ضد ضرب الناس بالهراوات، فأقذف الحكومة بحصاة صغيرة، أحرص على ألا تصيبها، قبل أن ألتفت إلى المعارضة وأدهن فوهة بندقيتي وأصوبها عليهم… ها هو محسوب على من يرفض استعمال العصا، رغم كل حروفه ونقاطه وفواصله الحكومية، ها هو أبو راكان يسامر العقلاء ويتناول معهم الفراولة، رغم أنه ليس من عشاق «التنمية»، ولا يعاني ألماً في محفظته، لكن يبدو لي أن ما يؤلمه هو «عرقٌ» قصير لا يصل إلى المناطق كلها.

التفتّ إلى القلم لأستشف ردة فعله، فإذا هو يتبسم شماتة، ويهز رأسه: «ألم تكتب في الدعيج معلقة يوماً ما؟ ألم تحفر الخنادق لتدافع عنه في الدواوين؟».

نفثت دخان سيجارتي إلى الأعلى لعله يجيب عن أسئلته المكدسة، لكن خصمي / قلمي أصر على سماعها، كعادته، لتذكيري بها كعادته يوماً ما. فانتزعت كلماتي بأظافر القرف: «شوف، نحن في زمن جويهلي، ما نجلبه من السوق على أنه برتقال، يتضح لنا على المائدة أنه حنظل، والعكس بالعكس، ولا أحتاج إلى تذكيرك أنني لست طبيب أشعة يكشف عن العروق ويميّز فصائل الدم. ثم يا سيدي، كم من أشياء سقطت من يدي ومن عيني… لم أعد أكترث بالخسائر، ولا بسقوط التماثيل العملاقة… وأظن أن تمثال أبي راكان لا يكترث بعيني».

أتعبني هذا القلم، قاتله الله، كلما سلكت طريقاً سدّه… أتعبني وهو يتقمّص شخصية خادم المتنبي الذي ذكّره ببيت شعره الخالد (الخيل والليل والقوات الخاصة وجريدة الوطن…) فانثنى عائداً فقُتِل… تبّاً للأقلام والخدّام، وعاش أبو راكان.

محمد الوشيحي

هيا بنا نزلق

الحكومة نفذت رغبة النواب و»مدّت يدها» إليهم، لكنها كانت تحمل عصا. عساها الكسر. أقصد العصا طبعاً، لأن يد الحكومة لا تُكسر بل يد النائب الشجاع وليد الطبطبائي. والطبطبائي هو الذي «زلق» (أي تزحلق) فانكسرت يده، كما تقول قيادات الداخلية في مؤتمرها «الصحّاف»، أو الصحافي، نسيت الياء. وهو مؤتمر من أجمل المؤتمرات الصحافية في التاريخ، إذ سمح بتلقي اتصال يتيم من النائبة سلوى الجسار، والحمد لله أن الأمور لم تلتبس عليها فتظن أن المؤتمر برنامج سهرة فتطلب أغنية.

والخبير الدستوري الفذ د. عبيد الوسمي – أنعم به من شنب ودماغ وقلب – «زلق» هو الآخر فأغمي عليه. والعساكر الثلاثة الذين كانوا يسحبونه من رجله وبأيديهم هراوات، كانوا يقولون «اسم الله اسم الله»، كما يبدو من حركة شفاههم في الصورة. والنائب عبدالرحمن العنجري زلق هو الآخر، لكن على الزرع لا على الرصيف. والصحافي محمد السندان الذي تغيرت معالم وجهه، وما يزال يستمتع في سريره الأبيض في مستشفى الصباح، هو الآخر «زلق»، والهراوات المرفوعة في أيدي العساكر في وجوه الشعب ونوابه كانت لإزالة قشور الموز المتناثرة، والصورة التي يظهر فيها عسكري يمسك بدشداشة الطبطبائي كانت خوفاً من أن يزلق الطبطبائي.

والداخلية لا تكذب، أبداً، لأنها بنت الحكومة التي أحسنت تربيتها، و»اقلب الجرّه على تمّها تطلع الداخلية لأمها»، وللأسف لم أكمل متابعة مؤتمر الداخلية الصحافي، وغيّرت القناة قبل أن أسمع من أحد القيادات العسكرية «إن جمهور الندوة رمانا بالقنابل اليدوية واستشهد منا ثلاثة وثلاثون عسكرياً، وتمالكنا أعصابنا، وقلنا «الله يسامحكم»، ثم تحرك النائب جمعان الحربش بدباباته ودهسنا وكسر أربعة أضلع فينا و»عدّيناها»، وعندما حلقت طائرات الجمهور فوق رؤوسنا، رمينا قشور الموز وهربنا فـ»زلق» الشعب ونوابه. ومن لا يصدق فليسأل النائب المتدين حسين القلاف. هو مثلنا لا يكذب».

ومن اليوم، سنتمرن «معدة وظهر» قبل حضور أي ندوة، وسنحفر خنادق «فيتنامية»، وسنرتدي «الواقي ضد الرصاص»، كي لا يزلق أحدنا فتخترق قلبه رصاصة طائشة عاقة… واليوم كان الغضب على شكل استجواب لرئيس الحكومة، وغداً قد نبني خياماً للندوات، كخيام الأعراس، نجتمع فيها، فتضيق بالناس وتفيض، فننصب أخريات، وقد يستشهد مواطن من حضور الندوة، أو نائب، أو ناشط أو كاتب، وقد نعلن العصيان المدني، وقد تتوقف الدراسة، وقد تتعطل مصالح الناس، وقد تتوقف الحياة، وقد وقد وقد، وإن «قداً» لناظره قريب… فالشعوب الحرة لا تُهزم.

والآن نوابنا فسطاطان، فسطاط يدافع عن كرامة الناس فيتعرض للسياط، وفسطاط عينه على «التنمية» والبطاط. والنواب المؤيدون لاستجواب رئيس الحكومة وعدم التعاون معه شارفوا على بلوغ العدد المطلوب (يجب ألا يقل عن 25 نائباً)، وإلى هذه اللحظة لم يحدد «التجمع السلفي» موقفه، هل هو مع كرامة الناس أم مع «التنمية»، والنائب علي العمير يرفع راية الكرامة ويتحدث عن التنمية، والنائب خالد العدوة اقترض من رئيس البرلمان – المتواري عن الأنظار والأسماع – تصريحاً من تصريحاته المدهونة بالفازلين، والتي تخلو من أي خبر ومبتدأ، لكنها «جملٌ اسمية» على كل حال. ثم أعلن العدوة لاحقاً تأييده الاستجواب، لكننا لن نثق به ما لم يدفع «ديبوزيت»، أو «مقدم ربط كلام»، و»يوقّع» على شرط جزائي في حال تراجع – كالعادة – عن كلامه، لدواعي «التنمية».

والنائبة د. أسيل العوضي تعطي هذه الأيام دروساً في «المرجلة والثبات على المبادئ»، وللنواب الذين لم يحددوا مواقفهم إلى هذه اللحظة حصصٌ مجانية عند أسيل.

وأهم تصريح بعد ليلة «الزلق» كان للنائب «التنموي» عسكر العنزي «أطالب بزيادة مكافأة الطلبة»، نشرته «جريدة الشاب العصامي» باهتمام «مالغ»، وأظن أن عسكر في يوم الاستجواب سيطالب بدعم علف المواشي… على أن ما أذهلني هو ركوب فريق الحكومة، كلهم بدون استثناء، في حافلة الكذب الجماعي. لم يستحِ أحدٌ منهم من أحد… الكذب هنا على المكشوف، عرضة للذباب… اللهم سلّط عليهم من «يزلقهم» تحت قيادة وزير الداخلية ذي التاريخ العسكري المشرف أثناء الغزو عندما كان رئيساً للأركان.

محمد الوشيحي


فهد العنزي 
ومحمد قبازرد

إذا سقطت الحصانة عن الدكتور فيصل المسلم، بمعنى، إذا سقطت الحصانة عن النائب وهو يتحدث تحت القبة، فليس أمام «نوابنا» إلا الاستقالة، والبدء بالتحشيد، ورصّ صفوف الشعب المهلهلة، لتعديل الأوضاع المنقلبة… وآخ ما أكبر الخطأ الذي انطلق منذ سكوتنا وقبولنا بإحالة التقرير إلى اللجنة التشريعية لمناقشته، في مخالفة «مصلّعة» لمواد الدستور.

إذا تم ذلك فاستقيلوا يا «نوابنا»… وخير الكلام ما قل ودل، وحيّ على الفلاح.

***

صلوا على شفيعكم الهاشمي، واقرأوا المعوذتين، و»من شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد». ولو أنني كنت مدافعاً ضد الكويت، وأقبل عليّ فهد العنزي من هناك، يجري بأقصى سرعة محركاته النفاثة، وشعره الثائر «معلّق في السحاب»، كذيل حصان فارس منتقم، لـ»رقعت بالصوت الحياني»، وللطمت لطماً مبيناً.

هذا اللاعب من فصيلة النيازك، وطريقته في المرور من بين مدافعي الخصم تذكّرك بالطّيف الذي يمر لمحة، فلا تكاد تتبيّنه الأبصار، والهجمة التي يقودها «الوايلي» فهد يصاحبها برق يلمع ورعد «يحنّ» ويزمجر، فلا يجد مدافعو الخصم من حيلة إلا أن يضعوا أصابعهم في آذانهم خوفاً على طبلاتها من «حنّة» رعده، ويغمضوا أعينهم خوفاً من أن يخطف نورها برقه. ويجب على «الفيفا» إلزام الفرق الأخرى بإحضار أطباء العيون والأنف والأذن والحنجرة، والتأكد من وجود سيارات الإسعاف قبل المباراة.

لاعب مثل هذا نعمة وهبها الله للكويت، تستحق الشكر، ويستحق من اهتم بها ورعاها الثناء، وشكراً كبيرة لجريدة «الراي» التي نشرت قصة منزل والده، وشكراً أكبر منها لمعالي النائب الأول وزير الدفاع الذي أمر بالإبقاء على منزل والد فهد. والمثل يقول «إذا توضيت صلّ»، وعسى الحكومة أن ترعى «نعمة الله» فتقوم بتجنيس فهد فوراً وقبل أن يفوز به جيراننا، وما أكثر أفواه الأسود الجائعة والمفتوحة لالتهام هذه النعمة.

حماك الله يا فهد، أنت وبدر المطوع، وحارسنا الجسور نواف الخالدي، وبقية الفرسان، لتعيدوا للكويت أمجادها الرياضية الضائعة منذ زمن.

***

يبدو أن العام هذا، أدرك أنه أحزننا بما يكفي، فأهدانا – من باب تخفيف الأحزان – النجم فهد العنزي، ثم «أردف» هديته لنا بهدية أخرى لا تقل عنها روعة. الهدية الثانية اسمها «محمد قبازرد»، وهو شاعر فصيح تجرحت أصابعه وهو ينحت في مناجم الذهب، وينتقي أغلى الجواهر وأجملها كي يصوغ لنا عقوداً تغري الأعناق وتزيّنها.

لقبازرد قصيدة فاتنة تسير بين صفين من نظيراتها بإكليلها الأبيض، فينحنين لها ويرمين الورود أمامها، صاغها في رثاء نجمنا الراحل الخالد «غانم الصالح».

اسمعوها على هذا الرابط، وادعوا لـ»غانم» بالرحمة، ولقبازرد بمزيد من المناجم والعقود.

http://www.youtube.com/watch?v=6-idsbHv5HI&playnext=1&list=PL985EAC417B3289E3&index=7

***

أستأذن القراء وإدارة التحرير بالغياب عن هذه الصفحة مدة أسبوع.

محمد الوشيحي

سيقتلون الزير سالم

هم يقولون: 'ما الكتابة إلا محاولة للتحليق بأجنحة ورقية'، وأنا أقول: 'ما الكتابة إلا محاولة للتنفس والبقاء على قيد الغضب'. ويقولون: 'السلطة تلاحق الكتّاب والسياسيين'، وأنا أقول: 'هذا كلام ملوث ومزور، السلطة لم تلاحق هؤلاء، لأنهم لم يهربوا أصلاً. محمد الجاسم لم يهرب، في المرات الثلاث، بل ذهب إليهم بنفسه عارياً إلا من ثيابه وكبريائه ووطنيته وحقيبة مستلزماته في السجن. خالد الفضالة لم يهرب، بل استقبلهم بابتسامته الشامخة وبالنشيد الوطني وبلا حقيبة، لنقص الخبرة… هذان ليسا ممن يهرب. اللصوص هم من يفعل ذلك، كما حدث مع وكيل الوزارة السابق، والنائب الإسلامي السابق، والداعية الشتام الحانق… والفرق بين الفريقين فارق… والأصدق هو القول (السلطة تتسلط على الكتّاب والسياسيين)'.

يقولون: 'وماذا لو سُجِنت أنت، وأنت أصلاً على وشك؟'، وأقول: 'ستكون حياة بنكهة أخرى، سبق أن تذوقتها مراراً… إذا سُجنت فسأدرّب الزملاء المساجين على الرقصات اليمنية، وسأبحث عن شاعر أتبادل معه القصف الشعري الحي المباشر بين صفّين من السجناء، وسأدرّب الجاسم والفضالة على لعبة (البلوت) التي أعرف قوانينها ولا أجيدها… إذا سُجنت فلن تتأخر الشمس عن موعدها، ولن تُخرج الأرض أثقالها… قلمٌ تم كسره إلى حين، ليس إلا، والمكتبات ملأى بالأقلام، وهولاكو – الذي اعتاد حرق المكتبات – مات، ولا ورثة له'.

يقولون: 'الأوضاع في الكويت اليوم ينطبق عليها اسم الفيلم المصري (الصعود إلى الهاوية)'، وأقول: 'من الذي استبدل الحاء بالهاء؟ ألا تستنشقون رائحة الأوضاع؟'.

وكنت ومجموعة من الأصدقاء نقترف جريمة النقاش السياسي حول قضية حصانة النائب الشجاع فيصل المسلم، وحصانة النواب بشكل عام تحت القبة، فتذكرت مقطعاً من أغنية 'رد السلام' للفنان اليمني الراحل محمد الحارثي 'فكّ اللثام… مابش* قمر ملثم… فك اللثام'. وبعض نوابنا أقمار ملثمة، لا تعرف مواقفهم إلا في الوقت الإضافي. يختبئ بعضهم خلف جذع الشجرة ويندسّ بعضهم الآخر بين الحشائش، ولا يخرجون إلا بعد أن يتمكنوا من رصد اتجاه الريح. ولو أنهم كلهم صرخوا 'لا' منذ الشرارة الأولى لما نشف ريق البلد طوال هذه الفترة.

شوف… هم تعمدوا تشويه الإعلام كي نصرخ مستغيثين 'سيب وأنا أسيب'، ونجحوا في ذلك نجاحاً أسود، بعد أن افتروا على خصومهم ووصفوهم بكلمات مثل 'حمار، لقيط، أبوه يبيع قات، كلب، حيوان، بنته لا تعود إلى البيت إلا بعد منتصف الليل، زوجته تطرده من المنزل' وما شابه من مفردات تعف عنها بنات الليل، إلى أن كره الناس مصطلح 'حرية الرأي'. واليوم فشلت محاولاتهم لنزع الحصانة عن النائب تحت القبة، وغداً سينطلقون في رحلة تشويه الحصانة، عبر الإيعاز إلى نوابهم بشتم الناس وأعراضهم وأجدادهم تحت القبة، كي يصرخ الناس 'هذا لا يجوز' ويرفعوا الدعاوى القضائية عليهم، فيرد أعداء الدستور بتشفٍّ 'أليس النائب محصناً تحت القبة؟ أهلاً بالحصانة'.

وفي البرلمان المقبل، الذي يلي هذا، سينجحون في مسعاهم وينزعون الحصانة عن النائب أثناء حديثه تحت القبة… المسألة مسألة وقت. واليوم هم يرددون 'لكل كليبٍ جساس'، ونحن نردد 'ولكل جساس زير'. وأجزم أن جساس سيتمكن من قتل الزير… غدراً بالطبع.

مابش: لا يوجد.

محمد الوشيحي

صبايانا وصباياهم

الله على الطقس هذه الأيام، رائع، مثير، لذيذ، يقدّر الحياة الزوجية. شكراً للحكومة، ولا يهون مجلس الأمة.

ووالله لو كانت هذه النسمة التي تداعبني الآن امرأة لكانت الأجمل بين النساء، والأبسق قواماً، والأكثر فتنة. ولو كانت صبية لأجلستها على حجري، وللثمت شفاهها، ولأشعلت لها الشموع، ولنقّلت خدها بين صدري وزندي ومواضع أخرى، ولغنّيت لها وهي تتفقد شفاهها بعد هدوء الزلزال ونقل المصابين: "أحرَقَت جمرة شفاهك شفّتي".

والحديث عن جمال الطقس يجرني بيدي إلى الحديث عن جمال النساء، وسأترك قلمي يتحدث نيابة عني، ويلقي أمتعة قلبي أمامكم على الأرض، فإن أغاظكم فاشتموه، تبّاً له، وإن راقكم فادعوا لصاحبه يرحمني ويرحمكم الله…

الجمال لملمَ أوراقه، ولوّح بيده مودعاً نساء الكويت وصباياها، إلا من رحم ربي. وشبّان الكويت أجمل بكثير من شاباتها. لذلك نشاهد هذه المبالغة في ماكياج صبايانا، وترعبنا رؤوسهن الممطوطة، ولا الصواريخ البالستية، في حين تتسابق صبايا الخليج "الهواويات" على شبان الكويت… كما ينقل لي الرواة الثقات، الذين أثق بهم كما أثق بنفسي.

والصبية الكويتية لا تفتقد الذوق في الماكياج فقط، بل في الغزل أيضاً… ويتغزل أحدنا بالصبية الكويتية: "كم التاريخ اليوم؟ ورودك تفتحت. هل داهمنا الربيع على غفلة منا؟"، فتقمعه وهي تطرقع علكتها وتغمز بعينها وتهز رأسها كالهنود: "يا سلام. كم واحدة غيري قلت لها هذا الكلام؟ أجبني بصراحة، فأنا أعلم أنك محاطٌ بالنساء"، فينقلب مزاجه، فإن قال لها "كثيرات"، أصبحت كلماته "ساكند هاند" مستعملة تفتقد لذة الجديد والخصوصية، وإن قال "لا أحد" لم تصدقه، لكنه على أي حال يرد عليها وهو يتلفت بحثاً عن كأس ماء تنقذه من حالة القرف: "حتى لو كنتُ محاطاً بالنساء… أنت واحدة منهن، أنت أجملهن… إلا إذا كنتِ (معلّم كاشي) دون أن أعرف"، ويواصل قصفه الانتقامي: "الصينيون كسروا سوقكم، يومية معلم الكاشي منهم أربعة دنانير. يا بلاش"… يقول لها ذلك ويغادر ويتركها تحك رأسها وتحسب تكلفة الأسمنت الذي ملأه.

والوضع في البحرين يُبكي، إن على مستوى الشابات أو الشبّان، والجمال عندما مر على صحراء العرب، سلك الطريق الآخر، فلم يمر على البحرين. والوضع في قطر كارثي، وماكياج بناتنا يُعتبر في الحد الأدنى مقارنة بماكياج بنات قطر، وأجزم أن شركات الماكياج تحسب لقطر ألف حساب، وشبان قطر يُرعبون الثعابين فتصرخ "يمّه"، وترفع التماسيح يديها: "الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من خلقه". أما صبايا الإمارات وفتيانها فيسمعون عن الذوق لكن لم يسبق لهم مصافحته ولا السلام عليه، خذ مصاريف وماركات باذخة وسيارات فارهة، وخذ مقابلها "كندورة" صفراء ولا بقرة اليهود، منفوخة كالخيمة، وفساتين تلمع في عز الظهر، ورولز رايس.

وحدها السعودية، تحديداً منطقة "نجد"، سبقت الجميع وغرفَت من بئر الجمال ما يكفيها ويزيد. ووصلَ أهل شمال المملكة متأخرين فإذا البئر جافة، وتاه أهل الجنوب عن موقع البئر فكادوا يموتون لشدة الدمامة والقبح، أما أهل الغربية فشربوا من آبار مختلفة، فأثمرت بساتينهم يوماً "خوخ" ويوماً "حنظل"، في حين شرب أهل الشرقية من بئر البحرين وقطر والكويت، مياهاً ملوثة.

وإن خرجنا من صحراء العرب، وضربنا في عرض الوطن العربي، فلا جمال يفوق صبايا أهل سورية، سقاها الغيم، لولا فظاظة لهجتهن وغلظة تصرفاتهن.

محمد الوشيحي

حشد و التحالف وعضويتي

الزميل بشار الصايغ، رئيس قسم المحليات في هذا الجرنال، كتب يوم أمس تحليلاً سياسياً عن رؤيته المستقبلية لتنظيم الحركة الشعبية الدستورية "حشد". وسأبدأ بالجملة التي ختم بها تحليله "تلك قراءة في مستقبل (حشد) قد يجانبها الصواب أو الخطأ، في بعضها أو مجملها"، وبعيداً عن الإضافة الغريبة لكلمة "أو الخطأ"، التي لا محل لها في الجملة، سأنحر له رأيي باتجاه الشمس فأقول: "بالواسطة وحقوق الزمالة، يمكن اعتبار قراءتك خاطئة في نصفها، وصحيحة في نصفها الآخر". كيف؟ سأجيبك بعد أن أدخلتني عنوة في "المعركة"، فمثلك لا نصم آذاننا عن حديثه، على أنني لن أضع قبضتيّ لتغطية وجهي من ضرباتك، كما يفعل ضعفاء الملاكمين، بل أنت من يجب أن يرفع مدربه الفوطة البيضاء، دليل استغاثة وإعلان استسلام، قبل اعتزال الملاكمة نهائياً…

شوف يا أيها "البشري"، أولاً تحليلك مجروحٌ ينزف دماً، ولا تُقبل صلاته، لأنك عضو في التحالف الوطني الديمقراطي، وبالتبعية أنت من أنصار كتلة العمل الوطني البرلمانية، التي لولا النائبان مرزوق الغانم وصالح الملا، اللذان لا ينتميان إلى تحالفك، لبكينا على قبر "كتلة المستقلين" الحكومية الناصعة البياض، بعد أن ذقنا طعم كتلتكم التي زوّرَت بطاقتها المدنية وارتدت فانيلة المعارضة زوراً وكذباناً. وقد تكون الغيرة السياسية، المنتشرة هذه الأيام، هي دافعك لكتابة هذا التحليل بعد إخفاقات كتلتك الواضحة أمام كتلة الشعبي، إلا إذا أردت أن تقنعني أن علي الراشد وسلوى الجسار – سابقاً – يمكن تسميتهما معارضة. ثم إن حياديتك اليوم لم توقّع على كشف الحضور، يبدو أنها في إجازة طبية. والعجب أن من ينتقد، أو فلنقل – مجازاً – يحلل مواقف "حشد" هو أحد أبناء التحالف الوطني، الذي لم يتبق منه إلا آثاره تذكرنا بحضارات سادت ثم بادت، مثل ثمود وعاد وإرم ذات العماد.

ثانياً، أنا لست عضواً في "حشد"، ولن أكون، فأفكاري تختلف نوعاً ما عن أفكارها، وإن كانت هي أغلى الخيل في عيني وأثمنها، ومثلها اعتاد الفوز في السباقات والتتويج على المنصة، لكنني لست من أهل مربطها لسوء حظي.

ثالثاً، أنت صوّرت الدائرتين الثانية والثالثة وكأنهما "كافور الأخشيدي" على عرشه، وبقية الدوائر هي القوافل التي يتقدمها حادي العيس آتية من "حلب" لتنال بركة مولانا الأخشيدي وتعلن له الولاء. ويحزنني أن اقول لك إن قوافل "الشعبي" التي أعرفها جيداً لا تعرف اسم الأخشيدي أصلاً، ولا مسماه الوظيفي.

رابعاً، أنت تقول إن خصم "حشد" هو الحكومة، وأنـــا أقـــول لك "لا، مـــا حــزرت"، خصم "حشــــد" بـرأيي – وأنا كما ذكرت لك لست من أنصار "حشد" – هو "كُتَل الشحم الزائد" التي تسمي نفسها كتلاً سياسية، والتي تحوّلَ أعضاؤها إلى ناطقين باسم الحكومة، وعلى كفالتها.

خامساً، أنت قلبت تشخيص الأمراض، فالفرعيات كما أراها ويراها الكثير من المنصفين هي "تسوّس أسنان"، والتسوّس مرض، ولي مطالبات، أنت تعرفها، بخلع الضرس، لكنني لم أعتبر التسوس يوماً "سرطاناً"، كما تعتبره أنت. يبدو أن شهادتك في الطب من الفلبين. فالسرطان هو ما تقوم به كتلة الوطني، بدءاً من التصويت في انتخابات اللجان وليس انتهاء بالتصويت على القوانين والاستجوابات.

سادساً، لو كان الأمر في يدي لما سمحت بقيام "حشد"، لأسباب لم تذكرها أنت، ولن أذكرها أنا.

سابعاً، أنت اتهمت "الشعبي"، التي هي نواة "حشد"، بالتطرف في الدور الرقابي على حساب الدور التشريعي، وكأنك لا تعرف أن الدور التشريعي انتهى بعد أن ضمنت الحكومة أغلبية البرلمان، ووضعت الكتل، وأولاها كتلة العمل الوطني، في علبة هدية صغيرة، وغلفتها بالسولوفان، وقدمتها إلى أطفالها الصغار يلهون بها، ولم يبقَ للمعارضة الحقة إلا الرقابة وفضح "البلاوي" أمام الملأ، كي تخجل الحكومة فتتراجع، وهي طريقة ناجعة إلى حد ما.

ثامناً، أنت تعتبر ما توقعه مسلم البراك من أن حضور المؤتمر السياسي الأول لن يقل عن ثلاثة آلاف مؤيد "غروراً سياسياً"، وأنا من أنصار ذلك الغرور، وأتمنى عليك أن تراهنني، والخاسر منا يتكفل باستئجار مخيم لموظفي هذه الجريدة ومحرريها وعائلاتهم يمرحون فيه ويسرحون مدة يومين، شاملاً الوجبات. موافق؟

ويا همّلالي…

محمد الوشيحي

ختنوا نساءهم…وعقولهم

هذه الأيام فرصة لا تعوّض للمطرب الفاشل، للوقوف على خشبة المسرح أمام أي جمهور مهما كبر حجمه، فقد اختفت الطماطم من الأسواق، لذا فهو في مأمن ما لم يستبدل الناس الطماطم بالأحذية.

واختفاء الطماطم بلاء من رب العالمين، تماماً مثل "سيول جدة" التي أرسلها الله عقاباً للشعب الجداوي "كي ينتبهوا ويرعووا ويعودوا إلى المنهج الرباني القويم"، بحسب أحد مشايخ التبرير. على اعتبار أن جدة على وشك أن تصبح "شارع بيغال"، الشارع الفرنسي الأشهر عالمياً في خدمات الدعارة. ومن يخالف قول شيخ التبرير فهو ضال مضل تغريبي داعر. طيب وماذا عن القاضي، رجل الدين، الذي تلقى رشاوى بمئات الملايين من الريالات ليسمح بالتلاعب في الأراضي والخدمات؟ هذا ملبوس من جني فاسد، نسأل الله السلامة.

وفي إيران، تضرر البسطاء الأميون، في قراهم النائية الملقاة في كوع الخريطة، من سوء الخدمات، فلا شوارع، ولا عيادة طبية تنقذهم من جزاري الطب الشعبي، ولا أمن يحمي غنيماتهم من السرقات التي لا تنقطع، ولا ولا ولا، فاشتكوا، فأرسلت إليهم السلطة معمماً يفهم عقليات القرويين الأميين البسطاء ونفسياتهم، فخطب: "أنتم تعلمون أننا الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق تعاليم آل البيت عليهم السلام (لاحظ، ابتدأ بالتخدير قبل إجراء العملية)، وكلما قرر الرئيس تخصيص ميزانية لخدمات قريتكم والقرى المجاورة، جاءته في المنام رؤيا ربانية: إني أختبر صبر عبادي من شيعة آل البيت، وإني أعددت لأهل هذه القرية نعيماً ليس كمثله نعيم، وإني أخشى أن تُضلهم مطامع الدنيا عن نعيم الآخرة، فإن كانوا يحبون آل البيت فليصبروا صبراً جميلاً"، فتعالت صيحات كبار السن المساكين واختلطت مع نشيجهم البريء الساذج: "صلوات على محمد وآل محمد" وراحوا يمسحون دموعهم ويستغفرون ربهم من وساوس الشيطان التي كادت تحرمهم نعيم الآخرة.

هذا ما نقله أحد شباب هذه القرى المتعلمين، المقيم في طهران، في مدونته التي ختمها متسائلاً: "لماذا تحرص حكومتنا على رصف شوارع الضاحية الجنوبية في لبنان، لمَ لمْ يصبر أنصار آل البيت هناك ليعوضهم الله الجنة مثلنا؟ وماذا عن حماس التي استنزفت جزءاً من ميزانيتنا، وهي ليست من أنصار آل البيت؟ وماذا عن ملياراتنا التي تنثرها حكومتنا هنا وهناك في أرجاء الأرض؟ وهل استبدل كبار الملالي الجنة بالمستشفيات والطرق والمشاريع الضخمة؟ يبدو أننا الوحيدون الذين سندخل الجنة. ستكون موحشة"… هذا الشاب تم اعتقاله واختفى عن أنظار أهله الذين أهملوه وتركوا أمه وحيدة تبكيه، بعد أن "أغضب آل البيت".

وقبل أربعة أيام، نشرت جريدة جنوب إفريقية اسمها "ميل اند غارديان" خبراً مرعباً: "نسبة النساء اللواتي تم ختانهن في مصر تجاوزت التسعين في المئة". وفي الصعيد الجواني، في سبعينيات القرن الماضي، تحدث أحد الشبان المثقفين عن أن ختان النساء لا يجوز (طبعاً الهدف من ختان المرأة هو حرمانها من الرغبة الجنسية على اعتبار أنها خُلقت لمتعة الرجل، أما هي فلا متعة لها)، ووصف الشاب الختان بأنه ظلم وتخلف، فثار عليه الناس واتهموه أنه يأكل لحم الخنزير الذي قتل الغيرة فيه، وصرخوا في وجهه: "يا ديوث، يا منحل، أتقبل أن تخرج أختك أو بنتك او زوجتك إلى السوق بشهوتها؟"، فانسحب يتلمس رقبته لا يرجو إلا السلامة.

وسابقاً في السودان، كان كل من يعارض النظام، يتم بث الشائعات عنه بأنه يتبع اليهود والنصارى ويعارض ختان النساء، فيتكفل به أهل قريته. وقيل إن بيت أحد معارضي الختان، تعرض لاقتحام من مجموعة من "الصيّع" بحثاً عن النساء فيه، على اعتبار أن رب البيت لا غيرة عنده، فنساؤه غير مختونات، لذا فهن يتحرقن شوقاً لأي رجل عابر.

ولو كنت أنا مسؤولاً كبيراً في الدولة، أي دولة عربية، لما احتجتُ إلا إلى "رجال دين" يصرفون عني عيون الناس، ويختنون عقولهم، فأتفرغ للهبش والهبر والاستحواذ. جزاهم الله خيراً.

محمد الوشيحي

لحية محمد هايف

إلى أبي عبدالله، النائب محمد هايف المطيري، الذي يبادلني الخصومة، والذي رفض حتى الظهور في برنامجي السابق «لأن الوشيحي ليبرالي، كتاباته في جريدة (الراي) تدل على ذلك»…

الله يشهد أنني أختلف معك من البذرة إلى الثمرة، ومن الحقل إلى المائدة، ومن الدعامية إلى الدعامية، ولن أجلس على رصيفك أرتشف الشاي، ولن تجلس أنت على رصيفي، ولن أسرّح شعري في مرآتك، ولن تهذّب أنت لحيتك في مرآتي… كان هذا موجز النشرة، وإليك الأنباء بالتفصيل.

أبا عبدالله، أعترف أن لحيتك أكرم من أن تدنسها القصة الأخيرة، قصة وساطتك للمتهم باغتصاب طفل. أعرف أنك ذهبت للمطالبة بالتوقف عن تعذيب المتهم، وإحالته فوراً إلى النيابة، بصفتك عضواً في لجنة حقوق الإنسان. بل أرى أنك ملزم بالمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق. أنا بحثت وسألت وتحريت فثبت لي صدق حجتك. مفترون هم، فاجرون في الخصومة، ولا يفجر في خصومته إلا الراقصات وضعيفو الحجة. وأنت لا تحتاج إلى من يفتري عليك، فأفعالك التي تفاخر بها تكفي لإدانتك وزيادة، وثلاجتك مليئة بالفواكه الفاسدة، ليس أفسد منها إلا فواكه المفترين عليك. يقول أحدهم متحمساً: «محد بهدلنا إلا ثوابت الأمة ورئيسها محمد هايف، وثوابت الشيعة ورئيسها اللي كلكم تعرفونه»! هل لاحظت «اللي كلكم تعرفونه»؟ لم يجرؤ على ذكر اسمه. صدقني، ليس أخطر منك ومن حسين القلاف – الوجه الآخر لعُملتك – إلا هذا العنصري المقنّع.

نعم، أنت رجل صادق، لم تحمل الدين في «سامسونايت» وتحوّله إلى عقود «بي أو تي»، كما يفعل غيرك، ولم تتاجر بحقوق الإنسان، فترأس «شركة قابضة»، لكنك من نوعية أخرى، نوعية «دراويش الدين»… أعرف بطولتك ومقاومتك أيام الغزو. الجميع تحدث عن ذلك، ولن أنكره، لكنه لا يمنعني من القول إنك ومن سار معك، صورتم الدين سبعمئة مليون نسخة، ووضعتم نسختين على كل طاولة، وتدخلتم في كل شيء، وأوهمتمونا أن الدين زجاجة من الكريستال المغشوش سريعة العطب سهلة التهشم، فمنعتم الكتب، وقمعتم الحريات، وصورتم لحومكم مسمومة ولحومنا بالكاري والخل، ورفعتم فوق رؤوس الناس هراوتين «افعل» و»لا تفعل»، والناس ولدوا أحراراً يكرهون «الأفعليات واللا تفعليات»، ونثرتم على الأرض جمراً فتقافز الناس حرقاً، فصرختم عابسين: «الرقص حرام»، فتأوّه الناس: «ماذا نفعل إذاً؟»، فأجبتموهم: «احترقوا بصمت».

أمسكتم المنظار بالمقلوب، فشاهدتم الفيل نملة والنملة فيلاً بخرطوم. فحفلة نانسي عجرم وفستانها أهم من مراقبة ميزانية الدولة ومكافحة الواسطة. شغلتمونا بالخرافات، فملأت الفوضى بيوتنا، ورحنا نكنسها ونعيد ترتيبها. «بو عنتر»، ابني سلمان، كان يعتقد أن الدعاء وحده يكفي لأن تصنع الكويت «طيّارات قوية»، والمرحوم والدي منعني – أيام دراستي الثانوية – من السفر إلى مدينة «ليل» في فرنسا – والشهود إخوتي – لتمثيل الكويت في المسابقة العالمية «المتميزون في الرياضيات» (كنت واحداً من الأوائل الثلاثة)، خشية أن «أموت وأنا في ديرة النصارى فأُحشر معهم». كل هذا بسبب تلويثكم عقول كبار السن بسيطي الثقافة، فلوثوا هم بدورهم عقول أبنائهم، فتلوّث المجتمع.

صورتم لنا «الروم» أعداءً، وهيأتمونا لحربهم بحبة البركة وعسل السدر والدعاء. ويأتي «الكريسماس» فتقدّم أمم الأرض ورودها هدية للمسيحيين، ويتبادلون معهم الابتسامات، إلا نحن المسلمين، نقف هناك عابسين، نلعنهم ونلعن من يهديهم الورود، لأنهم أعداؤنا، فيأتي عيد بوذا، فتقدّم أمم الأرض ورودها هدية للبوذيين في عيدهم، مشفوعة بابتساماتهم، إلا نحن المسلمين، نقف هناك عابسين، نلعنهم ونلعن من يهديهم الورود، فهم أعداؤنا، ويأتي دين الهندوس، وووو، وكلهم أعداؤنا، ويأتي عيدنا، فيقدّمون هم لنا الورود، فنصدهم بعبوس قمطرير، ثم يتقدم أحدكم ويمسح لحيته ويخطب: «إن الإسلام دين الوسطية».

سحقاً لمنهجكم يا أبا عبدالله، ولمنهج ذوي العمائم، وسحقاً «للزقمبي» الأكبر الذي قاد مجموعة من ذوي اللحى الطويلة والعقول القصيرة في تظاهرة قبل يومين، لإرهاب إدارة سوق «هايبر بندة» في جدة، اعتراضاً على توظيف النساء «كاشيرات»، فصدّه مدير السوق – البريطاني الجنسية – بعد أن أخرج له قرار وزارة العمل، فاندحر «الزقمبي» خاسئاً وهو حسير، ونشر بياناً إرهابياً تحريضياً عن «النصراني وأعراض نساء المسلمين»! تباً له، أين كان عندما طاول أنين أولئك النسوة السماء من الجوع؟ هو بطريقته هذه يدفعهن إلى المتاجرة بأجسادهن، لكنهن أشرف منه.

يا أبا عبدالله، كلنا في نظركم مشتبه به، وكلنا وقود للنار التي ستشعلها أنت وحسين القلاف، ذو السامسونايت السوداء، وصديقه ذو الفاكس الملعون.

وعيدكم مبارك.