محمد الوشيحي

خدّام المجتمع

يبدو أن وزير الداخلية متأثر جداً ببرنامج الكاميرا الخفية، فما إن استقال حتى استدار «يو تيرن» ورجع فوق حدر وهو يضحك ويشير بأصبعه إلى الكاميرا المختبئة خلف الشجرة. وطبعاً هو وزير إصلاحي بشهادة النواب العقلاء.

وأنصح الناس، خصوصاً النساء، بالتوقف عن قراءة تفاصيل جريمة قتل محمد غزاي على أيدي مجرمي المباحث، كي لا تتقطع حبال قلوبهن. ويقول مواطن: «كانت شقيقتي تقود سيارتها عندما لمحت دورية الشرطة فأجهشت بالبكاء رعباً رغم أن أحداً لم يتعرض لها»، ويضيف: «كانت شقيقتي تتابع كل ما يُنشر عن جريمة قتل محمد غزاي، فتسألني مذهولة: معقولة عندنا ناس بهذه البشاعة؟»، والحمد لله أنها لم تتابع قضية المصري الذي «اعترف» باختطاف مراهقة باكستانية وقتلها بعد أن اغتصبها، ليتبين لاحقاً أنها هاربة مع صديقها، ولم تقرأ كذلك حكاية الحدث السعودي، وبقية جرائم بعض منتسبي المباحث، وأكرر «بعض المنتسبين» الذين تفوقوا على الشيطان وأذاعوا بيانهم رقم واحد.

وأنصح هذه الشابة أن لا تقرأ حكاية أحد كبار السن الكويتيين – التي لم تنشرها الصحافة بعد -مع المباحث، ما دفعه إلى الوقوف أمام مبنى مجلس الأمة قبل أيام والصراخ: «احموني من المباحث أنا وأبنائي وبناتي قبل أن أتحول إلى انتحاري»، وقصة هذا الشايب تبكي أحجار الأهرامات، سأتحدث عنها في المقالة المقبلة ما لم تنشرها الصحف.

ومع كل ذا، فالوزير إصلاحي، وكل يوم يمر نتأكد من «إصلاحيته» التي لا تخرّ منها المية من بين يديها ولا من خلفها، خصوصاً بعد أن عيّن شقيق النائب سعدون حماد مختاراً في إحدى المناطق. وصاحبنا المختار من ذوي السيرة العطرة، إذ لن يسمح له ضميره الحي بنقل أي صوت انتخابي إلى المنطقة ما لم يكن من سكانها.

وللمصادفة جاء هذا التعيين بعد يوم واحد من «تزكية» النائب سعدون حماد عضواً في اللجنة البرلمانية التي ستحقق مع وزير الداخلية وقيادييها. وأنعم بها من لجنة. والمضحك، أنه في يوم تعيين «صاحبنا المختار» استقال العميد كامل العوضي مدير عام الهجرة بعد أن وافقت الحكومة على استبدال عقوبة النائب السابق بادي الدوسري، الذي اعتدى عليه بالشتم والضرب، من الحبس ثلاثة أشهر إلى «خدمة المجتمع».

وأنا لست من المعترضين على استبدال الحبس بخدمة المجتمع، بل على العكس، الحبس لن يفيدنا كما تفيدنا خدمة المجتمع، لهذا أتمنى أن أشاهد بادي الدوسري صباحاً وهو يحمل سطلاً ويرتدي «البلسوت» ويصبغ أسوار المدارس، ومساءً يحمل كيساً بلاستيكياً وينظف الشوارع والشواطئ… خدمة مجتمع.

والطريقة نفسها – أي استبدال الحبس بخدمة المجتمع – استخدمت مع الشيخ صباح المحمد، وخلال أيام ستمتلئ الشواطئ بأصدقاء الحكومة، خدّام المجتمع، يرتدون البلسوتات ويحملون أكياساً سوداء، فالحكومة لا تعرف «الغشمرة» في القانون، ورئيسها يردد مراراً وتكراراً «القانون يُطبق على الكبير قبل الصغير».

وسمّعوني زغروطة، يرحم أبوكم سمعوني زغروطة، بعد أن أصبحت أقصى أمانينا أن نموت في حادث سيارة أو بطلقة رصاصة، بعيداً عن أيدي بعض مجرمي المباحث (لا يعني هذا أن كل رجال المباحث مجرمون) و«شوايتهم» وتشويههم سمعتنا بعد موتنا. على أن المسؤول الأول عما تم هو وسائل الإعلام «المدعومة» وبعض النواب العقلاء، وسأشرح ذلك لاحقاً.

محمد الوشيحي

عربة بقدونس دهست فرعون تونس

وإذا استشارني ثوار تونس فسأشير عليهم أن يبحثوا عن المسؤول الذي أمر بنقل بوعزيزي من المستشفى المتهالك، بعد أن أحرق نفسه، إلى أكبر مستشفيات تونس تحضيراً لزيارة الفرعون المخلوع، ثم سأشير بأصبعي إلى قضاة فرعون ومستشاريه القانونيين، الذين غلّفوا جرائم ربّهم بغلاف من القانون.

على أن المسؤولين الجبناء يتفقون على أمر واحد، مهما اختلفت جنسياتهم، وهو سرعة التضحية بالأعوان، الواحد تلو الآخر، لضمان البقاء.

ويا ويل الحكومات التي تتحدى الشعوب وتنتهك كراماتها، ويا ويل المسؤولين الذين يجيّرون أجهزة الدولة الأمنية لخدمتهم. يا ويلهم من الشعوب التي تنتظر لحظة إزالة «مسمار الأمان» من على رأس القنبلة.

قاعة محمد غزّاي المطيري

بعد مضي أيام من موت المغدور محمد غزاي الميموني تحت تعذيب المباحث، أستغربُ كيف لم تعتذر الحكومة إلى هذه اللحظة ولم تُدِن الجريمة! بل حتى وزير الداخلية لم يعتذر إلى الشعب ولا إلى أهل المغدور، في حين أنها الحكومة نفسها التي سارعت إلى استنكار «الاعتداء» على أحد المستفزين من أتباعها في بيانها الرسمي، وهو الذي تعرض لسجحات وكدمات، في مسرحية مكشوفة الفصول… يبدو أن سجحة هذا أغلى من دم ذاك. تبّاً لميزان الحكومة، وتبّاً لمستشاريها الذين لم ينصحوها بتدارك الموقف، وأظنهم قريباً سيندمون بعد أن «يفور الإبريق» فتتخلى عنهم الحكومة وتتهمهم بـ»تضليلها» كما هي الموضة في العالم العربي هذه الأيام، قبل أن تعلن رضوخها وإذعانها لمطالب الناس العادلة، لكن بعد أن يسقط «غطاء الإبريق» الحكومي من قوة البخار.

عموماً، لسنا بالسذاجة التي تجعلنا ننتظر من القاتل إدانة نفسه، لكننا سنطلب من نوابنا أن يطلقوا على قاعة لجنة الداخلية والدفاع في مجلس الأمة اسم «قاعة محمد غزّاي الميموني»، كي يقرأها كل وزير داخلية لاحق فور دخوله القاعة، فيتذكر جيداً حقوق المتهمين.
ويا محمد غزّاي، أقسم لك بالله أن هول الصدمة مايزال يهز أيدينا بعدما هزّ قلوبنا وعقولنا، ومازالت دموع النساء والصبايا تنهمر بعد أن تكشفت لهن التفاصيل، فقط نتمنى عليك أن تمهلنا حتى نسترد اتزاننا، وعهدٌ علينا أن نجفف دموعك في قبرك بعد أن نجبر الحكومة على تسديد الفاتورة كاملة… كاش.

محمد الوشيحي

الداخلية… 
بلا ملابس داخلية


وزارة الداخلية تفعل كما يفعل الطفل عندما يخطئ بالكتابة بقلمه الرصاص، فتنبّهه فيمسح خطأه بأصبعه المبللة… لا هو صحح الخطأ ولا هو حافظ على نظافة الصفحة.

ودعونا نغفل مجلس الوزراء كما أغفل «دم المواطن القتيل»، واستخسر فيه ربع سطر مما يكتبون، وتعالوا نركّز أنظارنا على وزارة الداخلية التي باتت تمتلك صواريخ عابرة للقارات، أطلقت مجموعة منها في مؤتمرها الصحافي الشهير الذي سمّاه الناس «المؤتمر الصحّاف» بعد أحداث «ديوانية الحربش»، وأمس أطلق وزيرها صواريخ أخرى… وعن نفسي، وأنا هنا أتحدث بكل رصيدي من الجدية، توقعت أن يصرّح الوزير تصريحاً أحمر فاقعاً لونه، يعتذر في بدايته، ثم يطالب بتشكيل لجنة برلمانية تساعد الداخلية في تحقيقاتها، قبل أن يتقدم باستقالته، ويتوجه إلى بيت «المغدور» لمشاركة أهله العزاء، إذ لا يمكن أن يقبل أي إنسان، مهما انخفض منسوب إنسانيته ما حدث، لكنه خيب ظني وأصدر بياناً ناقصاً: «لا يشرفني أن أقود وزارة تعتدي على المواطنين»، ونسي أن يضيف، ربما لضيق الوقت: «وبناء عليه أتقدم باستقالتي واعتذاري عما حدث». ثم تلاه بيان الوزارة التي دنّست فيه قبر القتيل.

وأظن أن وزارة الداخلية ملّت إعطاءَنا «خوازيق» نظرية فقررت تطبيقها عملياً، وها هي اليوم، بعد جريمتها، تظهر لنا مرتدية معطفاً من الفراء الفاخر، لكن الناس يعلمون أنها ترتديه على الجلد، لا شيء تحته.

ومتابعو صحافتنا من خارج الكويت أرسلوا إيميلات مغلفة بالخيبة ومربوطة بخيوط الدهشة يستفسرون: «هل صحيح أن مواطناً قضى تحت التحقيق؟»، فأجبت: «صحيح، لكن لا تهنوا ولا تحزنوا فالكويتيون سيعيدون ترتيب الحروف المبعثرة، وسينقذون وزارة الداخلية من غياهب الكذب. أمهلونا بعض الوقت وسنبهركم، أمهلونا وتفرجوا كيف يتفوق الكويتيون على أنفسهم قبل أن يتفوقوا على العرب، أمهلونا وتعلموا منا واحرصوا على الاستعانة بالورقة والقلم كي تستفيدوا».

والحكومة تسجل أرقاماً قياسية في الجرائم، الواحدة تلو الأخرى، وتقودنا بنجاح إلى «الدولة البوليسية»، وتتقدم كل يوم خطوة. وخبراء الصحة يقولون: «لا تمد يدك إلى طبق الطعام قبل أن تهضم جيداً لقمتك السابقة، كي لا ترهق المعدة فتصاب بالسمنة»، والحكومة انتفخ بطنها وتعطلت معدتها وهي تتناول الجريمة فوق الجريمة. والكارثة أنها تجهل ما يتناقله الناس في ما بينهم، وتجهل كذلك كيف تتشكّل البراكين، وأظنها في مسيس الحاجة إلى خبراء جيولوجيين ينبهونها أن عليها أن تحمل أغراضها وتهرب بأقصى سرعة.

على أنني بعد أن أشارك ذوي القتيل وأبناء عمومته العزاء، أتفهم فقدانهم أعصابهم، وأعرف أن ما حدث ليس فقط تنكيلاً بمتهم، بل وتعمّد إهانة كرامته حيّاً وتشويه سمعته ميتاً واستهتار بمشاعر ذويه والمواطنين، لكن كل هذا لا يعني أن نلجأ إلى الاقتصاص بأيدينا، فلدينا نواب يمثلوننا، هم المسؤولون أمامنا، لا وزير الداخلية.

أكرر التمني عليكم، أهل القتيل، رغم معرفتي بدرجة حرارة دمائكم، بأن لا تساهموا في إسقاط الدولة كما تفعل الحكومة ووزير داخليتها، على أن التمني هذا يمتد إلى أن يصل إلى النائب عادل الصرعاوي، بأن يتقدم باستجواب وزير الداخلية، كي يضيف إلى لوحة الا الدستور» الجميلة بعض الألوان الناقصة والضرورية. تقدم يا عادل وسنتفرغ نحن للتفكير في الفتوى التي سيستعين بها «الربع» هذه المرة للدفاع عن الحكومة… «من قُتِل في الأحمدي فلا ثائر له»، مثلاً؟

***

لا بأس عليك، معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والحمد لله على نجاح عمليتك.

محمد الوشيحي


يا ويلكم

ربع الحكومة، نواباً وكتّاباً وكذاباً، يتهكمون على كتلة الا الدستور» وأعضائها ويتساءلون بسخرية: «كيف تجمعوا وهم من مشارب مختلفة»! معهم حق هؤلاء الساخرون، فنواب الحكومة كلهم «طقم صيني»، ومن «مشروب» واحد لا يتغير طعمه، فزنيفر وسلوى الجسار يحملان الفكر نفسه، والحويلة والقلاف (الذي شتمه في استجواب سابق وامتدحه في الاستجواب هذا) يحملان التوجه نفسه، ودليهي والراشد توأمان، وعدنان المطوع والمطير نظرتهما إلى الأمور واحدة، والخنفور ورولا دشتي ينطلقان من محطة واحدة، وعسكر ومعصومة لا فرق بينهما. طقم «دلال أرسلان» التي تتشابه شكلاً وتختلف حجماً.

والاستجواب هذا زلزالٌ بتوابعه، ستسقط فيه الجدران على رؤوس الكثير من النواب العقلاء ونواب «الفتاوي»، خصوصاً في الدائرتين الرابعة والخامسة، لتتحولا إلى دائرتين باللون الأحمر، ترعبان الحكومة المرعوبة أصلاً.

وهات أذنك يا صاحبي… بدأت منذ يومين أولى خطوات التنسيق بين مجموعة من الشبان الذين أدهشوا النحل بتنظيمهم وحماستهم، منهم من أنهى دراسته الجامعية ومنهم من ينتظر. أخذوا على عاتقهم التخطيط لتحسين مخرجات انتخابات الدائرة الخامسة، كونهم من أبنائها، واستخدام التكنولوجيا إلى أبعد مدى كنافذة إعلامية، وكشف الصفقات التي تتم تحت بشت الليل، وأشياء أخرى حدثوني عنها.

مدهشون هؤلاء الشبان ومرعبون، يا ويلكم منهم، وأظن أن بيت الحكومة الزجاجي سيتكسر على فولاذهم، وأظنها ستندم على أنهم تعلموا وتوسعت مداركهم وتبحروا في التكنولوجيا. وعسى أن تتشكل مجاميع مشابهة لهم في الدوائر الأخرى، وتحديداً في الدائرة الأولى التي هي بحاجة شديدة إلى الماء قبل أن تموت عطشاً، وبحاجة أشد إلى إضاءة تكسر دمس ظلامها، ولولا النائب الأصيل حسن جوهر لتصادم الناس بعضهم ببعض لشدة العتمة.

ووالله يا د.حسن جوهر، لا أدري ماذا أكتب وكيف أكتب، فموقف العدوة والحويلة أسقط من حروفي الأبجدية نصفها الجميل، ليتبقى لي فقط قليلٌ من الحروف الداكنة لزوم الهجاء والذم، فأتيت أنت بموقفك هذا لتجردني حتى من حروفي الداكنة… وها أنا أجلس على الرصيف عارياً من أي حرف يسترني في هذه الأيام الباردة.

أبا مهدي، دعني أكشف لك مضمون حديثي مع الربع في الديوانية عندما جاءت سيرتك ونحن نمسك الورقة والقلم ونحسب أصوات الفريقين والنتيجة المتوقعة… قال أحدهم: «جوهر سيمتنع، فقلبه معنا لكن عقله هناك، وهو معذور»، وقال آخر: «بل سيصوت مع عدم التعاون خوفاً على تاريخه الناصع»، وسألوني عن رأيي وهم لا يعلمون أنك أبلغتني قرارَك قبل التصويت بأيام – وبالمناسبة بقي الأمر سراً احتفظت به لنفسي، لم أكشفه حتى لأقرب المقربين إلى أن كشفته أنت بتصويتك -… فأجبتهم: «أنا متفائل بجوهر، لا لأنه يخشى على تاريخه، بل لأنه يخشى على الكويت، ولأنه أيضاً يخشى ضميرَه… هذا الرجل ضميره يرعبه».

أبا مهدي… أشعر أن التاريخ يبتسم الآن وهو يكتب عنك، بعد أن نكّس رأسه وهو يتأمل صورة بعض النواب قبل أن يمزّق صفحاتهم، لكنها الزلازل، يا صاحبي، التي تتساقط بسببها الجدران الرخوة وتثبت الجدران المتينة.

محمد الوشيحي

العدوة… نهاية الخدمة


الذين اشتغلوا في البرامج التلفزيونية يعرفون أن أمهات الكتب والمجلدات، التي تظهر خلف «العالِم» أو «المفكر» أثناء تقديمه برنامجه، ليست إلا أغلفة جوفاء، ينعق فيها البوم، لا ورقة فيها ولا مرقة، لكن المنتج والمخرج، بل و»العالِم» نفسه، يدركون أن «شعب عريبيا» ينبهر بالمظهر كثيراً، ويعلمون أن ظهور «العالم» أو «المفكر» أمام ديكور عادي سيدفع الناس إلى التشكيك في علمه وأفكاره. لذا وجب التزوير في التصوير.

«شعب عريبيا» تغرّه اللحية وتخيفه العمامة. ولو كنتُ أنا مكان النائب القلاف لاحتضنت عمامتي بشوق، ولقبّلتها تسعاً وتسعين قبلة، مفرّقةً في الكف والخدّ والفمِ، ولو كنتُ مكان النائب خالد العدوة لوقفت أمام المرآة، ووضعت أصابعي بين شعيرات لحيتي ورحت أغنّي لها وأدلّلها كما دللتني «لحيتي يا لحيتي لا رباع ولا سديس، وصّليني غايتي من ورى هاك الطعوس».

العدوة الذي يمتلك من الفصاحة ما يعينه على تخدير مستمعيه ولخبطة حواسهم الخمس، كان في سالف الأزمان ينثر الألقاب على «شيبان القبيلة» فتسير بها الركبان في رحلات الشتاء والصيف، فهذا «فارس القبيلة» – يقصد والدي رحمه الله، وكان يقول وهو يشير إليه: «مِن هذا الفارس أستمدّ شجاعتي وثباتي» – وذاك «حاتم القبيلة» والثالث «لقمان القبيلة» والرابع والخامس، فتتمايل رؤوس الشيبان زهواً وسلطنة… لَعَبَ في نفسيات شيباننا لعبْ، الله يسامحه، ولحسن الحظ أنه لا يعقد ندواته بالقرب من مرابط الخيل، وإلا استشهد شيباننا كلهم في تلك الليالي.

هي أيام كان فيها خالد العدوة يخفض هامته قليلاً كي لا يحتكّ بالسماء الدنيا فيطعجها فتتأثر أرزاق العباد. هي أيام كان فيها خالد يمسح على رؤوس الجبال بكفّه الحانية، كما يمسح المحسن على رأس اليتيم. هي أيام كان فيها خالد، رغم اختلافي مع نهجه، إذا تحدث في الندوة أو في قاعة البرلمان، صرخت النملة في وجوه بنيّاتها المزعجات «صه»، وهرولت النحلة تاركة مطبخها لتستمع إليه، وأرخت الكراسي آذانها، وتمايلت القاعة طرباً لفصاحته المخضبة بصلابته ورمت شالها. هي أيام كان فيها العدوة يوزّع ثمار كلماته على المارة وعابري السبيل فيتناولونها بنهم. هي أيام كان يزأر فيها خالد: «أنا من قبيلة تقتل جبانها فيفرح أهله»… هي أيام.

راحت الأيام تلك وجاءت أيام أُخَر، تقزّم فيها العملاق حتى باتت الزواحف تنظر إليه من الأعلى بشفقة. جاءت أيام يتلثم الناس فيها قرفاً من رائحة ثمار كلماته. جاءت أيام رفع فيها العدوة القضايا على «ابن فارس القبيلة»، كاتب هذه الدموع، فخسرها. جاءت أيام تمرغت فيها بعض اللحى في حقول النفط (وهنا يجب الانتباه جيداً إلى التعيينات النفطية القادمة وأسماء قياداتها، مع عدم إغفال «تصنيف الشركات النفطية الحديثة»، وهل استوفت شروط التصنيف أم لا). جاءت أيام يختبئ فيها العدوة ويهرب إلى ما وراء البحر بعد أن كان في الصدارة.

خالد… صدقني، في اللحظات هذه، أشعر أن الحروف الأبجدية تناقصت، لم تعد ثمانية وعشرين حرفاً كما كانت، سقط بعضها واختفى، لم يبق معي منها إلا نحو عشرة أو تزيد قليلاً، بالكاد تكفي لكتابة بعض الجمل المبعثرة: «اسحب شهادتك في الوالد، اسحبها حفاظاً على طهارة قبره، فلا حاجة له بها ولا بك. لا تدنس سيرته… خالد، احمل أوصافك وألقابك واذهب بعيداً عنا، لكن احرص على أن تكون (مكافأة نهاية الخدمة) مجزية».

محمد الوشيحي

عندما تجالسنا 
غادة عبدالرازق

أسبوع «بالكثير» هو أقصى مدة متصلة أستطيع تحمّلها في الكتابة في الشأن السياسي، يبدأ بعدها قلمي يحكّ رأسه متبرّماً متململاً، فأضطر إلى الهمس في أذنه «غيّر هدومك بنطلع نتصرمح».

وفي الكويت، ستجد «قلم الدستور» أستاذنا العظيم احمد الديين لا يكح ولا يمح من الكتابة في السياسة الجادة، ومثله «شغيغي» الزميل سعود العصفور، الذي يحمل فصيلة الدم السياسي نفسها. ولو جلست الممثلة التي تملأ أنوثتها الجهات الأربع وتفيض منها كميات لا بأس بها «غادة عبدالرازق» بين الديين والعصفور لتحدث الأول معها عن المذكرة التفسيرية ولتحدث معها الثاني عن المكتسبات الشعبية، أما لو نهضت غادة وجلست بجانبي فسأطفئ لأجلها الأنوار وأنثر الشموع وأدير آلة التسجيل على أغنية عبدالحليم «فاتت جنبنا» قبل أن أطلب منها أن تحدثني عن «اللائحة الداخلية» بتفصيل وتسبيل.

والأوضاع السياسية في الكويت لا تحتاج إلى أن تلصق وجهك على فاترينتها وتُحيطه بكفّيك كي تتمكن من رؤيتها بوضوح، فكل شيء على المكشوف. والناس تتحدث عن أن النائب القلاف قال في جلسة الاستجواب «السرية» بعد أن شاهد واستمع إلى عرض كلمة د. عبيد الوسمي: «الله أكبر، كل هذا قاله»، أي أن القلاف كان مؤيداً لضرب الوسمي وسحله قبل أن يعرف تحديداً ما قاله الوسمي، وهو ما يُسمّى في لعبة «البلوت» وقوانينها «صن مغطّى»، أي إعلان الموافقة على «المغامرة الكبرى» قبل أن تنكشف أوراق اللعب، بمعنى «شراء السمك بمبلغ خيالي وهو مايزال في الماء»… سحقاً للتنمية.

والنائب الدويسان يقول عن المستجوبين ومرافعاتهم: «لم يأتوا بجديد، كل ما قالوه في الاستجواب هو تكرار لما قالوه في ندواتهم»، وأظنه كان يتوقع أن «يغيّروا» كلامهم و»يدبلجوا أفلامهم»! يقول ذلك وهو مثلي يعلم أن جلسة الاستجواب تلك، تحديداً، ليست إلا خطوة إجرائية «روتينية» لا يمكن تجاوزها، فالأمور «مصلّعة»، والحجج معروفة مسبقاً.

أما بعض من يردد الكليشة المعروفة «الحكم بعد المداولة وبعد الاستماع إلى حجج الطرفين» – أكرر، في هذه الجلسة تحديداً – فهو يراعي «الإعلام» لا أكثر، ويريد أن يرتدي قبعة «النبلاء». والكليشات فكرة استخدمها الفنانون والفنانات فتبعهم السياسيون، وأشهر الكليشات هو ما تردده بعض الممثلات من اللواتي اختلط عندهن الليل بالنهار: «الفن سرق أمومتي»، أو «تزوجتُ الفن»، وكليشات أخرى متفرقة حفظناها عن ظهر قلب، نحن عشاق قراءة المجلات الفنية في صالون الحلاقة «عيبي أنني طيبة جداً وأثق في كل الناس»، «صحيح أنا عصبية بس قلبي أبيض»… هي كليشات لزوم الإعلام. بل حتى نحن أبناء الصحافة لنا كليشاتنا التي نرددها ولا نتوقف عند معانيها كثيراً، تعلمناها من «آبائنا الأولين» في الصحافة، مثل «الجريدة الغراء»، ولا أدري لماذا يجب أن تتلازم كلمتي «جريدة» و»غرّاء»! أو جملة «الحمل الوديع»، على اعتبار أن هناك «حملاً مفترساً» بمخالب وأنياب تسيل منها الدماء.

محمد الوشيحي

السابع عشر 
من يناير

إحدى قناعاتي القديمة الجديدة التي بحّ قلمي وهو يرددها تقول إنني «لو امتلكت رصاصة واحدة فلن أطلقها على إسرائيل بل على جامعة الدول العربية، فإسرائيل عدو ظاهر، تسهل معرفة عنوانه واسمه من بطاقته الشخصية، أما «الجامعة» فعدو يحمل أسماءنا وعناوين بيوتنا، وضررها علينا أشد من ضرر إسرائيل».

واليوم أقول إنني لو امتلكت رأساً نووياً شامخاً لما أطلقته على وزير الإعلام، الذي ترك قوانين فنلندا والنرويج واستعان بقوانين «دولة الغساسنة» وقوانين أخرى كان معمولاً بها قبل اختراع الماء، بل سأطلقه على الصحف التي ساهمت في تزوير الحقائق. ولو امتلكت سلاح «طرح الثقة» فلن أطلقه على الوزراء بل على «نواب الحكومة» الذين تكفلوا بتنظيف الصالة كلما لخبطتها «عمّتهم» الحكومة، وتطوعوا للجري أمامها وفتح باب السيارة لها، وتحولوا من محاسبين لها إلى مرافقين وحشم وسكرتارية، يدعمهم من الجهة الغربية النائب السابق الرائع ناصر الدويلة الذي يستحق البيت الشعري الذي قالته الخنساء في رثاء أخيها صخر: «حمّالُ ألويةٍ هبّاطُ أوديةٍ… شهّادُ أنديةٍ للجيش جرارُ»، والدويلة يحمل الألوية ويهبط الأودية ويتناول الأدوية ويحل الأحجية، ويقتل الصدق ولا يدفع الدية. الدويلة هو الكائن البشري الوحيد الذي يحلم قبل أن ينام بنصف ساعة، ثم يذيع أحلامه. ولَكم تمنيت أن أكرهه لكن «ما كل ما يتمنى المرء يدركه».

عموماً… يقابل تطوع هؤلاء النواب لخدمة العَمة، تطوع مجموعة من الشبّان نذروا أنفسهم لخدمة هذه الديرة وحماية حريات أهلها. وآه ما أجمل أيام «نبيها خمس» وما أجمل شبّانها الذين تعملقوا حتى سقط «عقال» الحكومة وهي تنظر مذهولة إلى طول قاماتهم. واليوم تكرر مجموعة أخرى من الكويتيين هذه التضحيات والتطوعات عبر إنشاء «قناة كاظمة»، وهي قناة «شغل بيت»، قامت على اقتطاع أجزاء من رواتب شبّان في عمر الحماسة والوطنية! هذا اقتطع من راتبه مئتي دينار، وذاك اقتطع ثلاثمئة، والثالث تبرع بألف، والرابع بتسعمئة، والخامس بمئة، ووو، فخرجت لنا تلك القناة، التي تبرعت بدورها بنظارات طبية للشعب الكويتي كي تمكّنه من رؤية الأحداث بوضوح. شكراً أطباء العيون والبصائر.

***

تم تأجيل قضية الشامخ د. عبيد الوسمي مع استمرار حجزه إلى يوم السابع عشر من يناير المقبل، وهو يوم له في أذهان الكويتيين ذكرى لا تنسى، إذ انطلقت فيه «عاصفة الصحراء» لتحرر رقبة الكويت من قبضة صدام حسين وجيشه الأهوج… فيا سبحان الله، بعد عشرين سنة بالتمام يحبس الكويتيون أنفاسهم ويعيشون بأنفاس مستعارة إلى ذلك الحين.

محمد الوشيحي

دولة الكويت البدوية

يروى أن شاباً مناضلاً لاتينياً قال له جلادوه وهم يقودونه إلى حبل المشنقة: «ماذا تريد أن تقول قبل شنقك؟»، فأجابهم وابتسامة الواثق تحتل مساحات وجهه: «لم أخضع للذل طوال حياتي، وأنتم أكثر من يعلم ذلك، واليوم سأُشنق وأموت فترتفع قدماي فوق رؤوسكم».

***

الحكومة اليوم لا تميز بين رائحة الورود ورائحة البلاستيك المحترق، ولا تتلذذ بالأطعمة، فالخائف تختلّ حواسه. وهي اليوم في وحل، وكلما تحركت غاصت قدماها فيه أكثر، ووسائلها الإعلامية تتصرف بعصبية، فتارة تلجأ إلى التزوير، وتارة إلى التبرير، وتارة ثالثة تعمد إلى التغرير. ويوم أمس وصلني إيميل يعرض الصور المنشورة في جريدة الشاب العصامي حول مسرحية «بو جعل»، وكيف تم «تركيب» الصور و»تزويرها».

وأحد نواب الحكومة «العقلاء»، يعتقد، بكل ما أوتي من «ترقيع»، أن من حق الحكومة أن «تُرضي» النواب ليصوّتوا لصالحها، لكنه لم يشرح لنا كيف يمكن أن ترضيهم، هل تدسّ في جيب الواحد منهم «كاكاو» كما نفعل مع أطفالنا الغاضبين لنرضيهم، مثلاً؟ وبماذا أرضته هو؟ وهل يمكن أن نفسر مواقف العدوة والحويلة ومزيد ودليهي (هؤلاء الأربعة يقاومون الغرق في طوفان ناخبيهم الغاضبين، وسيصوتون بالامتناع، باستثناء دليهي الذي سيؤيد، والامتناع يعادل التصويت بمنح الثقة. طبعاً ما لم تتغير المواقف، فالأيام في شهرها التاسع) أنه تم إرضاؤهم؟ وليته شرح لنا كيف يمكن لأحد المتخاصمين إرضاء القضاة/النواب؟

ولم أضحك كما ضحكت على الحكومة وهي تريد إعادتنا إلى «حياة البداوة»، بعد أن تمدّنّا، على عكس حكومات كوكب الأرض كلها، إذ استضافت إحدى أدواتها الفضائية مجموعة من شيوخ القبائل، وهي تعلم أن مسمياتهم باتت «شرفية» – مع التقدير لشخوصهم والاحترام لمكاناتهم الاجتماعية – بدلاً من محاربة التعنصر القبلي، وهي التي ضربت الفرعيات بيد من حقد وعصا من سفه، سابقاً، واليوم تعزز القبلية وتتكفل بخيامها!

وسيدنا يوسف عليه السلام، أجمل رجال الأرض منذ بدء الخليقة إلى يوم يبعثون، وأشهر بدويٍّ عرفه التاريخ، شكر ربه وهو يخاطب أخوته: «وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ».

والبداوة فيها من الشرف ما فيها، لكنها لا تبني الدول ولا توفّر لها الأسمنت، ولا تعترف بقوانين البلدية. وأهم ما في البداوة الترحال خلف الكلأ ومطاردة البرق، ويبدو أن حكومتنا، التي تظهر لسانها للقرن الواحد والعشرين، ستأمرنا قريباً بنقل خيامنا على ظهور الإبل كي تقودنا إلى عين ماء نتقاتل عليها مع الآخرين.

***

نصيحة: إذا كنت جائعاً وتبحث عن «طعام صحي»، فعليك بتناول «مدونة ولادة»، فهي غنية بالفيتامينات وألذ من الفواكه وأطعم من الحلويات. ولو مَنعت «ولادة» الدخول إلى مدونتها إلا «باشتراك شهري» كما تفعل الفضائيات الرياضية لكنتُ أنا أحد أوائل المشتركين في باقتها… «ولادة شكراً» فقد أثبتِّ لنا، بالدليل الجميل، أن هناك من يستطيع ضمّ الوطن واللغة الراقية والشعر العميق والصياغة الممتعة والصدق والنقاء وحب الحياة على صدره، دون أن يقع شيءٌ منها.

لا تطوفكم «مدونة ولادة» لا أبا لكمُ، لكن احذروا السمنة…

http://walladah.blogspot.com/

محمد الوشيحي

خذا وانتظرا

صباحاتكما عسل أيها العملاقان، أستاذ محمد عبدالقادر الجاسم ودكتور عبيد الوسمي، كلٌّ في محبسه. افتحا أيديكما لتتلقفا الأخبار… لكن قبل ذاك سأروي لكما حديثاً مختصراً دار بيني وبين أحد الأصدقاء عندما سألني مستنكراً: «هل تعلم ما هي قيمة صفقة (الهراوات والمطاعات) التي تنوي الحكومة شراءها؟»، فأجبته: «لا، لكنني أعرف ما هي قيمة المواطن عبيد الوسمي الذي تعرض للضرب بها، وأعرف قيمة نواب الأمة الذين مرت على ظهورهم هذه الهراوات».

عن الأخبار تسألان؟ لا جديد يستحق الحبر، إلا أن بعض النواب سقط من على صهوة كرامته فداستهُ أقدام الناس، وهو مَن كنا نراه فارساً.

عن الجديد تستفسران؟ لا شيء يستحق الالتفات إلا أن البعض يتساءل عن معنى مصطلح «الاعلام الفاسد»، وأستأذنكما للإجابة عن هذا السؤال: «الإعلام الفاسد أيها السائل اللزج، ربما هو الذي يدعمه ثريّ فاسد، أو ربما هو الإعلام الذي يدعمه المسؤول «النيروني» الذي لا يهمه سوى البقاء على قيد المنصب ولو احترقت روما، أو ربما هو إعلام تدعمه الرياح الشرقية التي ماتزال خفيفة السرعة، لكنها بالتأكيد ستتحول إلى عاصفة جارفة قريباً، أو ربما هو الإعلام الذي جمع كل هذه «الربماءات»… الإعلام الفاسد هو الذي يتكتم على حالة الزميل «محمد السندان» الصحية، وهو الإعلام الذي يقلب الحقائق على بطونها، فيصوّر الخرائب بساتين، والبساتين خرائب، ويُظهر نواب الأمة وأبناء الوطن المحترقين عشقاً «مؤزمين ومشعلي حرائق».

لا جديد إلا أن النائب الفذ مسلم البراك مندهش من كل هذه الكاميرات التلفزيونية والمايكروفونات التي توضع أمامه في كل ندوة ولا تنقل ما يقوله هو والمجتمعون… هو لا يعلم أن الكاميرات تلك إنما جاءت لتكون «شاهد إثبات» عليه إذا خرجت منه كلمة يمكن «تكييفها» كقضية أمن دولة، كما هي الموضة الآن. هو لا يعلم أن الكاميرات تلك «تركّزت» أمامه ليستمع أصحاب القناة لما يقال ويعرفوا عدد الحضور (يهمهم كثيراً عدد الحضور)، هو لا يعرف أن الكاميرات جاءت لتسجل كل ما يقال في الندوة، لتتم بعد ذلك «منتجته»، ويتم قطع هذه الجملة ولصق تلك بتلك، قبل أن يعرضوها على الناس مشوّهة الوجه مبتورة الأصابع. البراك لا يعرف أننا تجاوزنا مرحلة «الإعلام الفاسد» إلى «الإعلام المفسد».

لا جديد يستحق النهوض من الفراش وارتداء النظارة الطبية، إلا أن من كان يُتقن الكذب ويجيد الخداع، تخلى عن «الإتقان والإجادة»، وبات يقدم لنا الأكاذيب مكشوفة ضخمة يمشي على زنودها التيس، دون حتى أن يكلف نفسه تغليفها، ولو بغلاف رخيص من الصناعة الصينية، أو بكيس جمعية.

لا جديد… إلا أن الكويت تعيش في آخر لحظات الليل الطويل، لم يتبقّ على «الشروق» إلا قليل. تفاءلا، وشاركانا في نظم قصيدة ترحيب بالشمس التي تأخرت على غير عادتها… والغايب عذره معه.

هذه هي آخر تفتيحاتنا من الأخبار، خذاها وانتظرا كراتين الأخبار التي سنعرضها قريباً… دمتما عاشقين.

محمد الوشيحي

حزّوا رقبة امه

صباح الخير أبا عمر، أستاذ محمد عبدالقادر الجاسم… صباح الخير دكتور عبيد الوسمي… هي غمّة ستجرفها سحابة تلقي بها هناك.

***

شيخ الدين المصري محمود عامر تحمّس قليلاً فأفتى: «يجب أن تُقطع رقبة المعارض المصري محمد البرادعي – الذي ينوي الترشح لمنصب الرئيس – لأنه دعا إلى العصيان المدني»، فانتشرت فتواه كالنار في المخازن قبل الجرد، كحال كل الفتاوى الشاذة، وتداول الناس اسمه وفتواه، وخرج من ظلمات الصفوف الخلفية إلى واجهات الإعلام، فتحمّس أكثر فأفتى: «والشيخ القرضاوي أيضاً يجب أن تُحصَد رقبته لأنه يدعو إلى العصيان المدني».

ولو تُرك أخونا محمود عامر يسير في طريقه دون أن يعترضه أحد فلن أستبعد أن يطلق فتوى نووية: «أعضاء حزب الوفد يجب أن تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأعضاء الحزب الناصري يجب أن يُرجموا رجم الزانية…»، وستتوالد فتاواه كالقطط، وبالتأكيد ستدور كلها حول القطْع و»الحصْد» والتنكيل والتعزير والرجم، ولن تجد فيها فتوى عن وجوب رعاية النشء أو الأيتام ولا تشجيع البحوث الطبية والعلمية ولا مساعدة الشباب على الزواج، ولن يحض على توفير فرص عمل للشبان الخريجين، ولا ولم ولن، فكل هذا لا يجذب الأضواء، ولا حتى «لمبة مئة شمعة».

ولو رزق الله أميركا بـ»محمود عامر أميركي» لكانت رقبة أخينا باراك أوباما ملقاة في سلة قمامة البيت الأبيض، ولو رُزقت فرنسا بمثله لكان رأس ساركوزي معلقاً على قوس النصر في شارع الشانزليزيه، وستمتلئ أوروبا بالرؤوس المعلقة، فالمعارضة هناك لا تدعو إلى العصيان المدني فقط، بل إلى محاسبة الرئيس وجرجرته في المحاكم، كما هي حال جاك شيراك وتوني بلير… ولسوء حظهم أنهم يعيشون في دول علمانية عليهم لعنات الله.

والقطع والتنكيل والتعزير وبقية «الشلة»، تزاحم كريات الدم الحمراء في عروق العرب، لا علاقة لها بالدين إطلاقاً، إلا أن بعض المشايخ ألبس هذه الغرائز الرومانسية عمامة ووضع في يدها «مسباح».

وقد ذُهلَ الضباط المصريون الذين شاركوا في حرب اليمن – واليمن منبع العرب كما تعلمون – في ستينيات القرن الماضي، من طريقة تفاهم اليمنيين بعضهم مع بعض، إذ كان القتل هو الخيار الأول، ثم يأتي التفاهم بعد ذلك. وفي إحدى الليالي، ضاق المكان بمجموعة من السياسيين اليمنيين، كلهم من فريق واحد، فطلب رئيس الاجتماع من ثلاثة من المجتمعين أن يخرجوا كي يتمكن من بدء الاجتماع، فشعر أحد المطرودين بالإهانة فأطلق شتيمة أثناء خروجه، فصرخ رئيس المجموعة: «حزّوا رقبة أمه»، وبالفعل أمسكوا به وحزّوا رقبته، فثار شقيقه، فتوجّه إلى بيت «رئيس المجموعة» في منتصف الليل، وسحبه من فراشه، وحز رقبته، وترك رأسه مرمياً في «الحوش» أمام الزوجة والأطفال، فقامت قيامتهم، وراحوا يتبادلون الحز، كما يتبادل اللاعبون أعلام منتخباتهم، وكلهم أعضاء فريق واحد، والسبب ضيق المكان، أو عدم توافر كراسي بالعدد الكافي.

وفي الكويت، ظهر علينا الشيخ – المصري أيضاً – عبدالرحمن عبدالخالق يطالب بعدم استجواب سمو رئيس الوزراء، بحسب ما تأمر به الشريعة، كما يرى هو! ومعنى هذا أن دستور الكويت مخالف للشريعة الإسلامية لأنه يسمح بمساءلة الرئيس، وكان الأولى أن يطالب «عالمنا» المفضال بإلغاء الدستور من الأساس، وحز رقبة كل من يدعو إلى المحافظة عليه. ولو كانت الظروف تسمح لكانت فتواه «أجمل» من هذه وأكثر رومانسية، لكن الجود من الموجود، واسمحوا لنا على القصور… ما يجي منك قصور يا بو عبدالخالق.