محمد الوشيحي

شعبٌ… مفعولٌ به

الشعوب الأوروبية ذات الهيبة يتنافس مسؤولوها على إرضائها، والشعوب العربية ذات الخيبة تتنافس على إرضاء مسؤوليها… والشعب الأميركي الشامخ تهابه حكومته وتتمسح بحذائه، والشعب العربي الماصخ يهاب حكومته ويتمسح بحذائها… والشعب الياباني الصادق يتسابق وزراؤه على وسائل الإعلام لتبيان مواقفهم ورؤاهم، وتُخصص كل وزارة متحدثاً باسمها يملأ وسائل الإعلام حركة، ويجيب عن كل الأسئلة، وينزع كل علامات الاستفهام من أذهان اليابانيين، ويخنق الشائعة وهي في مهدها، والشعب العربي المنافق تضع حكومته متحدثاً باسمها كـ»عازل الضوء» كي تتمكن من النوم، وتدفع للمرتزقة من الإعلاميين ليتولوا مهمة «عازل الصوت»، الذين ينثرون الكذب على الناس وعلى الحكومة ذاتها.
الشعوب الكريمة إذا استمرأ قياديوها ارتكاب الخطايا سحبت الواحد منهم من قفاه الكريم، وزجّت به في السجن العتيم، والشعوب العربية إذا استمرأ قياديوها ارتكاب الآثام العظام وأهانوا الكرام وأعزوا اللئام، بررت لهم وبحثت عن أعذار تنجيهم من عذاب النار، واعتلى خطباؤها المنابر «اللهم أصلح البطانة».
الشعوب الشامخة تختار لبرلمانها خيرة القوم، «وإذا الحكومة في أمها خير» فلتحاول أن تتدخل لمصلحة هذا أو لعرقلة ذاك، كي ينقلب الشعب الهادئ إلى شعب مؤزم، أما الشعوب الراكعة ذلاً فيلعب في حسبة انتخاباتها وزير أو تاجر كبير، فيساعد هذا المرشح المتدين كي يفتي لاحقاً لمصلحة ولاة الأمر، ويساعد ذاك المرشح الليبرالي، أو المرشحة الليبرالية «يا تؤبرني» كي تصوّت معه في الوقت الذي تسلّ فيه منشارها وتنتشر في مؤسسات البلد الاقتصادية، هي وأقاربها، وهات يا هبش وهات يا مشاريع ألذ من أطباق «التبولة».
الشعوب الأوروبية الأبيّة تسيطر على جمعيات النفع العام وتحوّلها إلى عصا غليظة فوق رؤوس الأنظمة، والشعوب العربية الغبية تسيطر حكوماتها على جمعيات النفع العام، و»تعيّن» أعضاء مجالس الإدارات أو تشتريهم وتحوّلهم إلى عصيّ غليظة فوق رؤوس الشعوب البليدة العبدة.
الشعوب الفاعلة تنتفض غضباً على أجهزة الأمن إذا تمادت في غيها، والشعوب المفعول بها تنتفض هلعاً من أجهزة الأمن كلما زاد غيّها… الشعوب العظيمة تنشئ وسائل إعلامها الخاصة، والشعوب «البهيمة» تُجبر على تناول علف «وزارات الإعلام»، ولا يسمح لها بإنشاء وسائل إعلامها إلا إذا كان نباحها يطرب الأذن الحكومية.
شعوب تختلف عن شعوب، والحمد لله أن الشعب الكويتي من الشعوب الكريمة العظيمة الشامخة الأبية… كح كح كح، عفواً. 
 ***
الرئيس أحمد السعدون يحلّق ويبدع على صفحات تويتر… يتحدث عن المقترح الفلاني الذي تقدم به، وما حدث بخصوصه، ويبلغ المتابعين نتائجَ هذا المقترح وذاك المشروع، بكل ثقة وصدق… أما حكومتنا فلا تريد أن تتسخ يداها عند الكتابة للشعب «واي ويع».
  ***
الزملاء المصريون هاتفوني يسألون عن مشاريع «لصوص الكويت» المقامة على أرض مصر، ويطلبون أي معلومة قد تفيدهم في «عملية التطهير والاسترداد»… لذا أتمنى على كل من يملك معلومة مؤكدة، أو شبه مؤكدة، أن يراسلني على الإيميل المنشور هنا في هذه الصفحة، أو على موقعي في تويتر «@alwashi7i»… مع الشكر والنفاذ.
ونصيحة قبل أن أنسى… «توتروا» يا أيها المؤمنون، ففي «تويتر» لا يردك إلا لسانك، وها أنا ذا أتحدث مع أكثر من 11000 «متابع» وجهاً لوجه… توتروا لا أم لكم. 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

أمن الدولة

اللهم يا من قصّرت هذا الشهر حتى بدا قزماً في الصورة التي تجمعه بشقيقيه الأصغر والأكبر، يناير ومارس، اللهم سدد هذه الرمية/المقالة لتصيب جمجمة هذا فتخترقها إلى جمجمة خصمه… آمين. والخصمان هما عيال الفهد من جهة ونواب التكتل الوطني من الجهة الأخرى.

و«التكتل الوطني» كان يمكن أن يكون معارضاً لو أن الوزراء كلهم من عيال الفهد، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، وسلامتها أم حسن. ومرزوق الغانم أطلق من رشاشه «صليات»، كما يقول الرماة والعساكر، أي طلقات سريعة متتالية، على وزير الداخلية الجديد، لا ليقتله بل ليقتل القابع في الغرفة المجاورة، مدير أمن الدولة الشيخ عذبي الفهد.

والتكتل يسير على ميثاق غير مكتوب، أهم بنوده أن لا يضم نائباً شيعياً ولا قبلياً، وأن يقتصر على الحضر السنة، ومن بنود ميثاقه كذلك أن يتفرغ لـ»عدّ فصم التمر» الذي يتناوله أحمد وطلال وعذبي الفهد ومن يسبح في فلكهم، ولا شيء آخر. ولو أن القدر لم يأتِ بعيال الفهد، أو لو أنهم كانوا ماليزيين، مثلاً، أو من مواطني بوركينا فاسو، لاخترع «الوطني» عيال فهد آخرين، كي يبقى على قيد الحياة.

وهو (أي الوطني) يسعى اليوم إلى اقتلاع جذور الأشقاء الثلاثة، وقد ينجح في ذلك، وقد يسقط حصن «أمن الدولة» أولاً، لأسباب يطول شرحها، ليس من بينها التجسس والتنصت، كما أرى، فعذبي الفهد وإن اختلفنا معه وتمنينا زواله السياسي، لا يمكن أن ينحدر إلى هذا المستوى من الانحطاط، فيتنصت على هذه وهي تقبل حبيبها في الهاتف، أو يسجل حديث الزوج وزوجه، قبل أن يبدأ المساومة. بل على العكس أظنه أحد «الناصحين» هذه الأيام والمؤيدين للتهدئة، بحكم معلوماته، ولن أفصّل أكثر.

هذا من ناحية «التكتل الوطني»، أما إذا وجّهنا مناظيرنا الليلية إلى أحمد الفهد (أقصد إذا ركّزنا على أفعاله غير الظاهرة) فسنجده أكثر من يعرف من يقف وراء الفتنة المنتشرة في البلد (ما فينا من قضايا شيخ أحمد، وسّع صدرك وخذ الكلام الذي يجمد على الشوارب والحواجب)، وهو السبب الرئيسي لما تعرضت له القبائل من مهانة قبل فترة، إضافة إلى بعض الديكة من شيوخ القبائل وبعض المرتزقة من نواب القبائل وصحافييها… شلون؟ سأقول لك شلون وسآتيك بالأنباء.

أحمد الفهد طبيب تخدير من النوع النادر، فهو سيرعى اليوم مهرجان «مزايين الإبل» وسيرعى غداً مهرجان «هجيج الإبل» وبعد غد «طهور الإبل» و»تخرج الإبل» ووو، وما إن يخرج من المهرجان حتى يغمز لجريدة الشاب العصامي، التي هي جريدته في الواقع، وهي عصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى، أقول يغمز لجريدته، فتكتب مانشيتاً بطول أذن الحمار «تنسيق عالي المستوى بين وزارة الداخلية الكويتية ودولة شقيقة حدودية على موضوع الازدواجية»، وهو واحد من الذين «تكتكوا» وصوّروا أن أبناء القبائل وحدهم من يحمل جنسية أخرى، كي يضعفهم فيلجأوا إليه، وهو من رعى «أبو جعل» الذي تخصص في إطلاق الشتائم على القبائل، فإذا غضبت القبائل، وغضب أشراف البلد، وصرخ الناس «ما الذي يحدث؟ لا تشعلوا النار» وتداعى النواب لاستجواب الوزير المختص، غمز الفهد بعينه لنوابه من أبناء القبائل فأسقطوا الاستجواب، وهو جالس هناك على سجادة الصلاة يقرأ القرآن… بكل براءة وخشوع.

باختصار… الفهد يدعم المرتزقة والإمعات من أبناء القبائل في الانتخابات، فتظهر القبائل بصورة مشوهة مكسورة، ويداعب القبائل بكلمتين، ثم يحرض أبواقه الإعلامية على القبائل، ثم يرأس لجنة الوحدة الوطنية «سمّعني غمزة»، ثم يرعى مهرجان «ختان الإبل»… إنه سيد البيضة والحجر. وعهد علينا، نحن الكويتيين من أبناء القبائل، إذا لم يكف يده عنا في الانتخابات، أن نجعله يعضّ أصابعه وأصابع كل من يخطط معه… ندماً.

محمد الوشيحي

صيحوا تصحّوا

الكاتب المصري اللذيذ عمر طاهر، وهو من سكان قصر العيني، يروي لنا بعض التفاصيل المضحكة في ثورة الأحرار في مصر، ويحدثنا عن منصور «فتوّة» قصر العيني، الذي كان يصرخ في المظاهرة «الشعب يريد إخصاء النظام». يبدو أنه لم يفهم كلمة «إقصاء» فاستبدلها بكلمة يعرفها جيداً.
ولم أتمنّ شيئاً كما تمنيت أن يكون عمي الوحيد، واسمه – يا للصدف – منصور أيضاً، يعيش بيننا الآن، رحمه الله، ويشارك في مظاهرات مصر، أو في التجمع الذي ينوي الشباب إقامته في بداية مارس للإطاحة بالحكومة… والمرحوم لا يمكن أن ينطق جملة واحدة بصياغة سليمة. خذ عندك من الكرم ما يتحدث به الركبان، وخذ من الإقدام ما يرعب عنترة والزير، ولا تطلب غير ذلك من «أبو حسين»، فهو الذي قال «في سباق التحسس والتلسس»، واكتشفنا بعد لأيٍ شديد أنه يقصد «مع سبق الإصرار والترصد»،  ولو كان موجوداً بين المصريين الذين يرددون «الشعب.. يريد.. إسقاط النظام» لارتفع صوته مع ارتفاع قبضته «العيش.. حديد.. عليكم السلام»، المهم أن تكون الصيحة متماشية مع القافية والوزن.
وما أجمل المظاهرة التي تضم منصور الوشيحي ومنصور فتوة قصر العيني، الله على الفصاحة، الله على الصيحات التي لن يعرف أحد هل هي ضد الحكومة أم معها، الله على منظرهما وهما يتكاتفان في بداية المظاهرة ويتلاكمان في نهايتها، والله على الشعب الذي لا يكتفي بالتحلطم والجلوس مع «العجايز» لغزل السدو، بل يتحرك لتهتز الأرض تحت أقدامه.
ولو علمت الشعوب مدى قوتها لما عرفت البشرية معنى الطغيان ولا الاستحواذ. وقبل يومين كتبت في موقع «تويتر» أننا في حاجة إلى التسجيل في جمعية حقوق الإنسان لاستعادتها من قبضة الحكومة، وهي التي كانت في عصمة الشامخ «سامي المنيس»، رحمه الله، فآلت إلى «علي البغلي» في هذا الزمن الغريب… فتجاوب الناس مع الدعوة بحماسة، ولو تُرجمت حماستهم إلى فعل لأصبحت جمعية حقوق الإنسان «أغنى» جمعية على وجه الكوكب، إذ سيدفع كل مشترك 15 ديناراً رسوم التسجيل، في مقابل تكفّل البعض، من أنصار الحكومة، برسوم تسجيل أنصارهم، ولا أقول أزلامهم! المعركة بدأت، والنصر دائماً للشعوب ضد الحكومات وأتباعها.
على أنني لن أترشح للرئاسة كما يروّج الأخ المشفوح، بل سأدعم أي شخصية تكون موضع ثقة، فالمهم أن يتغير نهج الجمعية الحالي، وإذا طُلِب مني طرح أسماء كمرشحين فسأميل إلى واحد من هؤلاء (د. عبيد الوسمي لما لاسمه من رمزية تشكلت في الأذهان، صلاح المضف أو راكان النصف، اللذان استقالا احتجاجاً على سلوك رئيس الجمعية الحالي، د. ثقل العجمي، د. عودة الرويعي، خالد الفضالة، صالح الشايجي، وآخرون كثر لم نعهدهم تجار حرب ولا سماسرة دماء).
***
همسة في أذن الشيخ أحمد الحمود بعد توليه منصبه الجديد في قيادة وزارة الداخلية: احذر من الجلوس بين أكياس الفحم كي لا تتسخ ثيابك، وتذكّر ما قاله الشاعر الخالد الشريف بركات: «الحر مثلك يستحي يصحب الديك … وإن صاحبه كاكا مكاكاة الأدياك».
احذر يا شيخ فالشعب أمسك بالورقة والقلم وشرع يسجل المخالفات لمعاقبة مرتكبيها… احذر… فالشعب تغيّر… وكان الله في عون أيتام وزير الداخلية السابق، وفي عونه هو بعد فتح الملفات، وتشكيل لجان التحقيق.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

فلو

سحقاً لـ«تويتر» ابن تويتر. شَغلنا عن مصالحنا وغيّر طبائعنا. وكنت من المداومين على قراءة الكتب، فصرفني عنها كما تصرف الزوجة الثانية اللهلوبة زوجها عن امرأته الأولى المكركبة… واقتحمت – أنا الذي ليس بيني وبين التكنولوجيا إلا الذكر الحسن – عالم «تويتر»، وكان الذي كان.
والبداية كارثية، فالدخول إلى المكان الذي لا تعرف نظامه قد يجلب لك الهم والغم… وتذكرت حكاية الوالد رحمه الله، وكان عمره حينذاك نحو تسعين سنة، عندما أدخله شقيقي خالد وهما في الطريق إلى العمرة «مطعم مندي» بعد أن أوهمه أنه بيت أحد أصدقائه السعوديين، والمرحوم لم يسبق له رؤية المطاعم من الداخل، فهو من جيل يعتبر المطاعم عيباً وشق جيب، والنقيصة الكبرى أن تمتلك مطعماً يأكل فيه  «الضيوف» بفلوس، وأنت من سلالة من كان يقتّر على أولاده لمصلحة ضيوفه وعابري السبيل! ولم ينقطع المرحوم عن رواية ما شاهده في المطعم، أو في «بيت صديق ابنه»، كما كان يعتقد، إلى أن مات، وكيف أن الجيل هذا جيل منزوع البركة، «يفتح أحدهم بيته لأصحابه ويطعمهم بمقابل، ولا يستقبل الضيوف عند الباب بل يجلس على كرسي في أقصى (المجلس)»، يقول ذلك ثم يؤكد: «اقتربت الساعة لا شك، نسأل الله العفو والغفران». ولا أدري ماذا كان سيقول لو علم أن ابنه محمد من مدمني المطاعم والمقاهي، نسأل الله العفو، أو علم أنني أشرب الموكا والكابتشينو، لطفك يا لطيف.
… ودخلت «تويتر»، وفي اليوم الأول كتب أحدهم لي «الوشيحي فلو»، فتمتمت: «سامحك الله» (الفلو في لهجتنا شتيمة، أي خبل، وبالفصحى مخبول)، فكتب الثاني «الوشيحي فلو» فتمتمت: «سامحكما الله»، فكتب الثالث «الوشيحي فلو» والرابع والخامس ووو، فارتفع منسوب غضبي وغمغمت: «الفلاوة أنتم يا عديمي الشيمة والقيمة»، وتشاءمت من هذه التكنولوجيا التي بدايتها «هوشة مع فلاوة»، وعلمت لاحقاً أن المقصود هو «الوشيحي follow me» أي اتبعني كي تتمكن من قراءة ما أكتبه، كما هو النظام في تويتر، فانفرجت أساريري، ورحت أتبع كل ذي فلو عميق، وصرت أغرّد مع بقية العصافير. على أن آخر عصفور من المشاهير حطّ على سدرتنا هو «الشيخ أحمد الفهد»، وما أكثر الذين كتبوا «شيخ أحمد فلو». وقد تبعته، فوجدته يتحدث كما تتحدث «كونا» وكالة الأنباء الكويتية، فانحرفت يميناً وتركته.
ولأن «تويتر» لا يحتاج إلى ورق ولا إعلانات ولا إيجار ولا رواتب موظفين ووو، كما هو الحال في الصحف، فقد نجا من قبضة ذوي السلطات، إلى حد ما، ولأن فشل حكومتنا يدفع الكائنات البحرية إلى الحديث عن السياسة، فقد سيطرت السياسة على مفاصل «تويتر»، وراح الناس يصبون جام غضبهم على الحكومة، إلى أن امتلأ وعاؤها.
وأدركت الحكومة خطورة «تويتر»، فأوعزت إلى صبيانها وبلطجيتها، فاقتحموه، وأدخلوها من الباب الخلفي، و«إن الحكومة إذا دخلت قرية أفسدتها»، فهي التي أفسدت البرلمان والصحافة والانتخابات والعلاقات الاجتماعية بين الناس ووو، وجاء دور» تويتر»، فأبشروا بالفساد.
وتقول الدراسات: «عام 2020 سيكون العام الأخير للصحافة الورقية»، وأقول أنا: «عام 2012 سيأخذ معه الصحافة الورقية قبل أن يغادر»، فلم يعد يحتاج الناس من الصحف إلا مقالات كتّابها وافتتاحياتها ولقاءاتها»، وما عدا ذلك موجود في «تويتر».
«تويتر»، هذا العصفور الضئيل، سيهدم الأسوار الخرافية والعروش الوهمية، كما هدمت فأرة مأرب السد العظيم… ولو كان «تويتر» رجلاً لأجلسَته الشعوب في «صدر الديوان» ولرجمه كل ديكتاتور، ودخل بسببه «خدمة مجتمع».

محمد الوشيحي

الراجل يختلف عن الريّال

أدينا بندردش، وعليّ النعمة أشعر برغبة في الكتابة سبع سنين بلا انقطاع، فغيوم الفكر ملأى بالمطر، والقلم يجلس على إحدى ركبتيه ويثني الأخرى، كما يفعل العداؤون الأولمبيون قبل صافرة الانطلاق، والولاعة تتحرش جنسياً بسجائر «دافيدوف» وتراودها عن نفسها، والقهوة تغمز لي بطرفها الصنعاني… والله يرحمك يا «طاغور» ويغمد روحك الجنة، يا فيلسوف العالم وشاعر الهند، ما أروعك عندما قلت: «آهات المظلومين كالقطرات، تتكاثر مع كل مظلمة، فإذا تُركت تحولت إلى سيل جارف يقتلع عروش الطغاة»، والذين يشبّهون الأوضاع في الكويت بالأوضاع في مصر وتونس، أقول لهم «تعقبون ويخسأ الخاسئون». ولأن معرفتنا بتونس «معرفة وجه وسلام من بعيد»، فسنقارن أوضاعنا بمصر التي نحفظها ونسمعها عن ظهر غيب.

ولكن لنتفق أولاً على أن الحديث في المقالة عن «البعض» لا «الكل»، أكرر لمن في عينه صمم ومن في عقله رِمَمُ، وأقول بصوت واضح «يلق لق»: «المقالة تتحدث عن البعض لا الكل»… ففي أقسام شرطة مصر، يستقبلك الضابط بكفّ على مقاس قفاك، ويبدأ حواره معك بـ«عامل فيها راجل»، أما في أقسام الشرطة عندنا فلا كف على القفا، بل «شواية»، احتراماً لكرامتك، ولا «عامل فيها راجل» بل «مسوي روحك ريّال». الوضع يختلف.

وفي مصر، قتلت الشرطة شاباً اسمه «خالد سعيد» رحمه الله تحت التعذيب، أما في الكويت فالمقتول شاب اسمه «محمد غزاي»، الاسم يختلف كما هو واضح. وفي مصر ثار الناس مطالبين باستقالة الحكومة انتقاماً للمغدور، ثم تنازلوا فطالبوا باستقالة وزير الداخلية، فردت الحكومة عليهم: «لديكم نواب في البرلمان، فليستخدموا أدواتهم الدستورية»، أما في الكويت فثار الناس ونوابهم القلة، فاستقال الوزير وخرج من الباب الكبير، ثم عاد من البوابة رقم ثلاثة، فغضب الناس، فانزعجت الحكومة وصرخت: «يعني الواحد ما يقدر ينام؟! عندكم نوابكم»، فصرخنا: «نوابك أكثر من نوابنا»، فأشارت إلى أقرب حائط، فتوكلنا على الله ونطحناه. الوضع يختلف.

في مصر، اتهمت الداخلية المغدور خالد سعيد بترويج المخدرات، أما في الكويت فقد اتهموا المغدور بترويج الخمور. والمخدرات تختلف عن الخمور كما تعرفون، لذا فالوضع يختلف. في مصر، ملف خالد سعيد الجنائي كان خالياً من أي تهمة، أما ملف محمد غزاي فكان يحتوي على بعض المخالفات المرورية «ممنوع الوقوف». الوضع يختلف.

وفي مصر، رئيس البرلمان ورئيس الحكومة «صبّه حقنه»، أما في الكويت فـ«حقنه صبّه»، الوضع يختلف… في مصر يقولون «رئيس البرلمان (أشد) علينا من رئيس الحكومة»، ونحن نقول «رئيس البرلمان (أنكى) علينا من رئيس الحكومة». الوضع يختلف… في مصر استحوذ أحمد عز، أمين تنظيم الحزب الوطني الديمقراطي وزعيم الأغلبية، على البرلمان، فساعد هذا وزوّر لذاك، ولعب بالبيضة والحجر، وسلب إرادة الناس، وجاء بنواب يقومون بدور المكنسة الألمانية، أما في الكويت فليس لدينا «أحمد عز» بل «أحمد الفهد»، الذي استورد مكانس صينية. الاسم يختلف، والمصانع تختلف، والوضع يختلف.

في مصر، جمعية حقوق الإنسان ضد الحكومة، لكنها محاربة ومقموعة إعلامياً، أما في الكويت، فجمعية حقوق الإنسان بنت الحكومة، وشقيقة وزارة الداخلية، ورئيس الجمعية يرأس مجلس إدارة شركة استثمارية. الوضع يختلف.

في مصر، استفز سفلة الإعلام الناس، بتشجيع من الحكومة، فانتفخت صدور الناس غيظاً، وفي الكويت، استفز سفلة الإعلام الناس، فتورّمت أكبادهم غضباً. الوضع يختلف. في مصر، تتحكحك أحزاب المعارضة بأقدام النظام، وفي الكويت، تتحكحك غالبية التيارات السياسية بأحذية الحكومة. والأقدام تختلف عن الأحذية، والوضع يختلف. في مصر يدّعي النظام الظالم يومياً أنه يتحسس مشاكل الناس، وفي الكويت تدّعي الحكومة الفاسدة أنها تتلمس مشاكل الناس وتلمّس عليها.

في مصر، تجمعوا في ميدان التحرير يوم 25 يناير، وفي الكويت سنتجمع أمام مجلس الأمة يوم 8 فبراير، المكان يختلف، والموعد يختلف، والوضع يختلف… موعدنا 8 فبراير لنسقط هذه الحكومة، تحت قيادة هؤلاء الشبّان الأحرار، الذين استعانوا بأسلحة الدمار الشامل «الفيس بوك والتويتر»، واستصرخوا فينا «كويتيتنا». يا معين.

محمد الوشيحي

بين السامسونايت والشرشف

خلونا نتفق من الآن أن على كل من يقدّم استقالته من النواب أو الوزراء أن يدفع «عربون»، أو «رعبون» كما يقول اللبنانيون، ويتسلم إيصالاً بذلك، يحتفظ هو بالنسخة الصفراء وتبقى البيضاء عندنا. إذ ليس من المعقول أن يحرر الصحافيون الخبر، ويكتب الكتّاب، وتتحدث الفضائيات، ثم بعد ذلك يخرج لنا المستقيل من خلف الجدار «بخ»! خلاص، من اليوم ورايح إيدك على جيبتك وهات عربونك واثنين شهود قبل أن تتقدم باستقالتك.

لكن بعيداً عن هذا، دعني «أنظّر» قليلاً و»أتفلسف» على مخك الكريم، وألتفت إلى الوطن العربي وأقول إن «الديمقراطية مثل حقيبة السامسونايت»، وإذا أعطيت طفلاً هدومك وطلبت منه أن يضعها في الحقيبة، فسيكدسها كيفما اتفق، وسيعجز عن إغلاق الحقيبة وسيتذمر من الحقيبة وصناعتها، في حين سترتّب أنت الملابس وتوزعها بذكاء في مساحات الحقيبة، فتتمكن من إغلاقها بسهولة، وهنا الفرق، فالحكومة البريطانية، مثلاً، استطاعت طيّ الهدوم وترتيب الحقيبة، في حين تشتكي حكومتنا ومستشاروها وكتّابها من الحقيبة، ويطالبون بإلغائها والعودة إلى زمن «شرشف المَهَرَة» (المَهَرة، ومفردهم مهري، هم فئة من الشعب اليمني، معروفون بالأمانة والصدق والبعد عن المشاكل، تخصصوا في بيع الملابس الشعبية التي كانوا يحملونها على ظهورهم في شراشف، ويدورون بها على مناطق ذوي الدخل المحدود).

والشعوب العربية صبرها من الطراز الأيوبي الفاخر، وحكوماتنا ترتدي عباءة الديمقراطية أمام الغرب وأمام عدسات المصورين، وما إن ينفض المصورون وينام الغرب، حتى تُخرج أسلحة الحكم الشمولي من تحت عباءتها وتطلق نيرانها على شعوبها، فتزور الانتخابات وتساعد هذا وتحارب ذاك، وتتلاعب بالقضاء، وتتعسف مع خصومها، وتغسل أيدي اللصوص وأبناء علي بابا، ووو، وإذا سألتها قالت لك: «كله بالقانون»، فتصبر الشعوب، وتحتمل وهي تمسح دموعها، فتتمادى الحكومات وتتجاوز الحدود الدنيا، فيثور الناس لكراماتهم، فتبدأ الحكومات الاستجداء.

والحكم في مصر الآن يتدلى من أعلى البناية، ويتمسك بالجدار بأطراف أصابعه، ويخفي ملامح الألم بابتسامة مزوّرة تظهره بمظهر «الواثق بأمر الله»، وفي كل خمس دقائق يرمي إحدى أوراقه، ويعزل هذا ويقرّب ذاك، إرضاءً للشعب، وهو ما يدل على أنه كان يعرف ما يرضي الشعب وما يغيظه، لكنه كان سادراً في غيّه.

على أن اللافت هو تشكيل الحكومة المصرية الجديدة من البقية الأحياء من «قوم نوح» الذين شاركوه، عليه السلام، في بناء سفينته، واستعان بهم الحكم الحالي ليعالجوا مشاكل الشباب، وليبنوا له سفينة تنقذه من الغرق في طوفانهم الغاضب… لكن معلش الطوفان قادم.

وقد أدرك طبّالو الحكومة هناك وراقصاتها أنها غارقة لا محالة، فأخذوا يتقافزون من المركب، كلٌّ بطريقته، فقد ظهر علينا أمس الأول أحد طبالي السلطة من الصحافيين، يزايد ويشتم العابثين بأراضي الدولة وأملاكها، وينتقد نظام «بي أو تي» ويطالب بإلغائه، وهو الذي كان يردح له قبل أيام! يا للهول، وخمسين يا للهول.

وحكاية نظام «بي أو تي» ذكرتني بالأراضي الممتدة التي استحوذ عليها ملياردير السلطة المعروف «هشام طلعت مصطفى»، المسجون بتهمة قتل الفنانة «سوزان تميم»، وأظنه الآن قد غادر مصر بعد أن تم تهريبه من السجن، كذلك ذكرتني حكاية «بي أو تي» بالعبث الذي يحدث، أو كان يحدث، عندنا في الكويت، قبل أن يتقدم الرئيس أحمد السعدون وكتلة العمل الشعبي بقانون يحلق شوارب اللصوص ويفسح المجال أمام المستثمرين الصادقين.

خلاص، دارت عجلة الشعوب، بعد أن استطعمت نكهة الحرية، وعسى ألا تقوم ثورتان لشعبين عربيين في وقت واحد، كي لا تسحب إحداهما أضواء الإعلام من الأخرى، أو تتعثر إحداهما فتؤثر على شقيقتها. بالدور يا شباب، اسحب «رقم» من الماكينة وانتظر دورك.

***

سنبدأ في الأيام القليلة المقبلة حملة تدعو إلى «استقلال القضاء»… إيدكم معانا. يا معين.

محمد الوشيحي

غريضات أم مناحي

لا شيء أزعج الحكام العرب أكثر من عربة محمد بوعزيزي، الشاب التونسي الذي أحرق نفسه فتتابعت الأحداث إلى أن سقط الفرعون التونسي. ويبدو أن هذه العربة ماتزال تجوب شوارع الوطن العربي بعد أن أنهت مهمتها في تونس وانتقلت إلى مصر، في الوقت الذي تُعبّد لها بقية الشعوب العربية الطرق، وتستعد الحكومات العربية لمواجهتها بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي أحياناً والحيّ أحايين أخرى… وهي عربة تدفعها الشعوب المغلوبة، فإذا استوت على الطريق تشعبط بها قادة أحزاب «المعارضة الوردية»، أو اللصوص غير الرسميين.

والحكومات العربية الغبية هي التي ستتفرغ منذ اللحظة، قبل وصول عربة بوعزيزي، لسحب «مصروف عيالها» لتدعيم ميزانيات الشرطة والجيش و»قوات مكافحة الشغب» أو «قوات مكافحة الشعب» كما تسميها الشعوب العربية، أما الحكومات التي مايزال لديها قليل من «المخ» فستبادر إلى «الطبطبة» على أكتاف الناس وتسريح شعرهم. وقد أمر القذافي (بالإذن من عائلة «القحوص» الكريمة) قبل يومين بتخصيص 24 مليار دولار لتوفير السكن للشباب، و»إذا حلقوا ذقن جارك فبلل ذقنك».

وكنت طوال الأيام الفائتة أجلس «متربعاً» أمام الفضائيات، أتنقل بينها كما يتنقل النحل بين الأزهار قبل أن يستقر على إحداها، فوقعت عيناي على «الفضائية المصرية»، واستمعت إلى ما يقوله المحافظون (قادة المحافظات) وما يقوله ضيوف البرامج، فعادت بي الذاكرة إلى ما كان يقوله المذيع العربي المعروف «أحمد سعيد» إبان حرب 67، الذي أذاع للناس خبر «سقوط الجيش الإسرائيلي» في الوقت الذي تتساقط فيه المدن العربية، الواحدة تلو الأخرى، و»كل واحدة تقول أنا أسقط أولاً». ولم يكن ينقص محللي الفضائية المصرية سوى جملتين: «أسقطنا سبع طائرات للشعب» و»سنقدم قتلاهم طعاماً للنسور والضباع» كما كان يقول سعيد عن الإسرائيليين (أحمد سعيد هزأ بوزير الإعلام العراقي السابق «محمد الصحاف» وكذبه المكشوف. تخيل). ومن شاهد الفضائية المصرية فسيصعقه انتقادها قناة «بي بي سي» واتهامها بعدم المهنية، وهي التي (الفضائية المصرية) يعجز مذيعوها عن تركيب «المبتدأ» قبل «الخبر» من دون خطأ. وهذا درس لكل حكومة تعتمد على مذيعين وسياسيين من فئة «غريضات أم مناحي» التي تلتقط من الأرض كل ما تقع عينها عليه من دون انتقاء، وتظن أنها امتلكت عرش كسرى وتاج قيصر.

وأظن أن الشعوب الثائرة ستقبض، أول ما تقبض، على «راقصات السلطات وطباليها»، كي تعزف على ظهورهم ألحان الانتقام. وعلى الحكام ورؤساء الحكومات العرب أن يردوا على الهاتف بأنفسهم، ويستمعوا من دون وسيط إلى مطالب الناس وتظلماتهم، قبل أن يضطروا إلى التصريح «أنا فهمتكم» بعد غروب الشمس. ويا ويل مخترعي «فيس بوك» و»تويتر» من دعوات حكام العرب عليهم في الثلث الأخير من الليل، ويا ويل الحكومات التي تستفز شعوبها وتستهين بها، خصوصاً إذا كان الشعب معتاداً تناول الحرية مع إفطاره الصباحي.

ورددوا معي: «اللهم ارحم بوعزيزي واحفظ عربته الحرة».

***

النيران المشتعلة في الغابات المجاورة لن تنسينا د. عبيد الوسمي ولا دم محمد غزاي هليل الميموني. وإذا كانت رقابنا التفتت إلى مصر، فسرعان ما ستعاود التفاتها إلى قبر محمد غزاي.

محمد الوشيحي

فبراير

الجو متعب عاطفياً. يتلف الأعصاب. مسكين يا العزوبي. ونصيحة لكل أم ابنتها فاتنة أن تمنع ابنتها من الخروج من المنزل إلى أن يزول هذا الطقس الخطر، وقد أعذر من أنذر. اللهم ألهم شبابنا وبناتنا الصبر… والحكومة تشجع على الغزل، لذا اتفقت مع رئيس البرلمان على اختطاف شهر فبراير، أقصر الشهور وأجملها، كي يتفرغ الناس للحب. وفبراير الآن محسوب علينا «دفترياً» فقط، وعملياً محسوب على رئيس البرلمان الذي استحوذ عليه بعد أن التبس عليه الأمر وظن أنه مناقصة. والصورة التي نشرها هذا «الجرنال» أمس في غاية الذكاء والشيطنة الصحافية، إذ أظهرت لنا وجوه بعض من أيّد رئيس البرلمان في سرقة فبراير، ومنهم معصومة المبارك وحسين الحريتي وآخرون، أراد الرئيس أن «يستر» عليهم عندما رفض النداء بالاسم، وليت «الجريدة» أتبعت الصورة بصورتين أو ثلاث تكشف لنا وجوه بقية النواب الذين ساهموا في سرقة فبراير من رزنامتنا.

والحكومة وعيالها النواب مثل «امرأة عزيز مصر» التي راودت سيدنا يوسف عن نفسه ثم اتهمته بالاعتداء عليها. و«امرأتنا» أقصد حكومتنا تشتكي من «المؤزمين» الذي يعطلون البلد، ثم تلغي خمسة وتسعين يوماً من عمر المجلس، في حين بحّت أصوات «المؤزمين»، الذين قدّت قمصانهم من دبر، احتجاجاً… حتى المنحة، لم يحضر للتصويت عليها إلا اثنان أو ثلاثة من عيال الحكومة في حين لم يتخلف أحد من «المؤزمين».

وما الذي بقي لم تفعله «خطة التنمية» بنا؟ حتى جمعية حقوق الإنسان حلقت في سماء التنمية، ففي كل الدنيا، جمعيات حقوق الإنسان تصطدم بالحكومات ووزارات الداخلية، أما جمعيتنا فتغني للحكومة «اتمخطري يا حلوة يا زينة» و»ادلّع يا كايدهم». ورئيس الجمعية حولها إلى شركة حكومية، وراح يكتب مقالات تهاجم خصوم الحكومة وتمتدح عيالها. وهو واحد من عيالها، بل من أنشط عيالها، ويكفيه شرف تنظيف الصالة بعد خروج الحكومة، ويكفيه مديح وكيل المراجع له.

وقبل يومين احتج بعض أعضاء الجمعية على مقالته التي كشفت بوضوح عن موقفه المكشوف أصلاً، بعد أن هوّن من جريمة قتل المغدور محمد غزاي، فهدده أعضاء الجمعية بالاستقالة ما لم يتنحّ عن الرئاسة، وأخشى على الأعضاء من أن يتهمهم وكيل المراجع بالطائفية وشق الوحدة الوطنية، رغم أن بعضهم من الطائفة الشيعية، وإن كانوا لا يلتفتون إلى مثل هذا التصنيف.

وعليّ النعمة لم أكن أتوقع في أسوأ كوابيسي أن الجمعية تضم بعض الأسماء الشامخة التي تكشفت لنا، والتي صمتت طوال هذه الفترة وتركت الجمعية تقاد إلى حظيرة الحكومة. لكن عزاءنا أنهم انتفضوا حفاظاً على سمعة الجمعية وعلى سمعتهم قبل ذلك. والحمد لله أن هذا تم قبل أن يصدر «والي» الجمعية «الليبرالي النقي» بياناً يتهم فيه محمد غزاي بإنهاك قوى معذبيه. ولولا الحياء من اللغة العربية لوضعت كلمة «ليبرالي» بين قوسين وكلمة «نقي» بين ثلاثة أقواس.

***

قلوبنا انقسمت نصفين، نصفٌ مع د. عبيد الوسمي وأم محمد غزاي ودستورنا المسلوب وفبرايرنا المنهوب وبرلماننا المضروب، ونصفٌ مع مصر وشعبها الحر، الذين أسهرونا وأقلقونا عليهم… حمى الله مصر والمصريين.

محمد الوشيحي

بو عسم

مبروك حرية الجاسم وعقبال الدكتور عبيد الوسمي، وشاي على حسابي للربع. وارفعوا أيديكم معي بالدعاء أن يفشل استجواب وزير الداخلية فيستمر في منصبه. ليش؟ كي تفور دماء الناس، أكثر من فورانها الحالي، ويسعوا إلى اقتلاع الجدار الحكومي كله لا أن يكتفوا بإسقاط طابوقة متهالكة تقع في أقصاه.
وعساكر المباحث الذين قتلوا محمد غزاي لا يتعدى دورهم دور «عساكر الإعدام»، أما المتهم الأول والمحرض الرئيسي فهو وسائل الإعلام القذر التي تُرِكَتْ تشق وحدة المجتمع، وسمحت للصوص والطائفيين بالعبث ببيوت خلق الله، إلى أن حقد الجار على جاره والزميل على زميله وانطلق عهد «تحيّن الفرص واختلاقها» وتعذيب الناس والافتراء عليهم.
وكلنا لها، أقصد كل المعارضين، فبالأمس افتروا على الزميل سعد العجمي واتهموه بقيادة سيارته تحت تأثير الخمر، وعندما اكتشفوا أنها واسعة اكتفوا باتهامه بالهرب من نقطة تفتيش ومحاولة دهس عسكري، هكذا، قرر سعد، من باب كسر الملل، دهس عسكري! وغداً سيتهمون الرئيس أحمد السعدون بالهرب من مطعم قبل دفع الفاتورة، ويتهمون الفذ مسلم البراك بإدخال ألعاب نارية منتهية الصلاحية إلى البلاد، وسيكون نصيب أستاذنا أحمد الديين تهمة التحريض على الجهاد في البوسنة، وستتهم أسيل العوضي بالشعوذة وعلاج المرضى بالزيت المغشوش، ويتهم مرزوق الغانم بالتخابر مع قبيلة مطير (يعتبرها البعض من الأعداء)، ولا أدري ما هي تهمتي لكنها بالتأكيد ستكون فضائحية من الطراز الداعر.
والناس قد تصدق مسيلمة، وقد تصدق السراب على خطوط السفر في الصيف، لكنها لن تصدق بيانات الداخلية في عهد هذا الوزير الصدوق، ولا قنوات هياتم وصحف «جوز الست». والغضب من تصرفات الحكومة وتكتيكاتها بلغ خطه الأحمر، خصوصاً بعد «قتل مواطن تحت التعذيب» ثم تشويه سمعته وهو في قبره، وقد أدركت صحيفة «الشاب العصامي» – أو «الصحيفة الزرقاء» كما أسماها الصديق الجميل بدر ششتري في حديثه معي على قناة كاظمة – مدى غضب الناس، فراحت تستخدم «الخطة باء»، أي «السحب الناعم»، وأخذت تنثر التراب على رأسها وتنوح ولا أجدعها نائحة مستأجرة على المغدور محمد غزاي، وراح حكماء بروتوكولها يبصقون على المجرمين، ألا إنهم هم المجرمون ولكن لا يعلمون، أو هم يعلمون ولكن يستعبطون كي يغطوا على جريمتهم التي ساهمت في مقتله رحمه الله، وما إن تبرد دموع الناس حتى تعاود «الحية الزرقاء» لدغها وبث سمومها.
 ***
أغرقتْ إيميلي رسائل إلكترونية تتساءل: «هل قرأت ما كتبه (وشيحي الفيسبوك)؟»، «هل أنت من يكتب المقالات في الفيسبوك تحت الاسم الفلاني؟»، هل هل هل، فدفعني الفضول إلى قراءة ما كتبه، فصفقت بكل ما أوتيت من دهشة… وفي تجمع ساحة الصفاة حيّاني أحدهم وقدّم لي نفسه: «معك فلان، وشيحي الفيسبوك»، فإذا هو شاب في مقتبل العمر، مسجل خطر على الصبايا الباحثات عن ذوي الوسامة واللباقة والأسلوب الحسن.
وقبل أيام نشرَ مقالته الأولى في جريدة «المستقبل» على صفحتها الأخيرة تحت اسم «بو عسم»، بعد أن تم اعتماده كاتباً لثلاثة أيام في كل أسبوع، الأحد والثلاثاء والخميس، وأظنه قريباً سيكون محط تنافس الصحف التي لا تصلي على سجادة «التنمية».
مقالات هذا المجرم تشبه شهر فبراير المليء بالإجازات والأعياد والخفيف على القلب، ويبدو أنه يفكر جدياً في سحب بساط الكتابة الساخرة، وكل «البُسط» من سوق الزل… ارفعوا فناجين قهوتكم تحية لإبداع هذا المجرم المبتدئ، وتابعوه لتكتشفوا أن الكويت تنافس هولندا في تنوع الورود وجمالها.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

الوزير… يغني لوردة الجزائرية

الحكومة، رغم الدم المنثور والخطأ غير المغفور، رفضت استقالة وزير الداخلية «عِنداً» بمسلم البراك، قبل أن تدلدل لسانها له وهي تفرك قبضة يدها اليمنى على كف يدها اليسرى، والوزير يغني للبراك أغنية وردة الجزائرية بكلمات عبدالوهاب محمد وألحان العظيم بليغ: «روح روح عدّ أوراق الشجر، روح روح عد حبات المطر، عد النجوم عد البشر، وتعالى تعالى هنا وتلاقيني أنا» ويغني لعلي الراشد: «ولولاك ما كان عمري اغتنى، أُنس وهَنا، ولا دندنة، ولا كنت حسيت بالربيع، في كل أيام السنة». والوزير ضَمِنَ فأمِنَ فنام. ضَمِنَ النواب فأمِنَ الكرسي فنام وترك القرعة ترعى.

وإلى هذه اللحظة لم أكتشف سر «استذباح» علي الراشد في الدفاع عن الوزير، مع أنه سوف «يلصق» بالوزير الجديد قبل أن يرتد إليه طرفه، كما هدهد سليمان. وجريدة «الراي» الشقيقة، عبر زاوية «ثرثرة» تلمّح إلى أن «طرفة بن العبد» شاعر المعلقات، وصاحب قصيدتي «يا أرنبتي» و«قطوتي يا قطوتي»، المواطن الكحّيتي، يمنّي نفسه بالمنصب، ويسوّق اسمه، ويقف على المسرح يستعرض قوامه الممشوق، كما كان يفعل غانم الصالح في مسرحية «باي باي لندن»: «هذا أنا من قدّام، وهذا أنا من ورى، وهذا أنا كلّي»، ويبدو أنه نظم قصيدة فخرٍ نونية استعداداً لهذه المناسبة: «دندونة يا دندونة، وزارتي المزيونة، فيها جبنة وصمونة، وأصغر عقد بمليونة».

وسابقاً كانوا يقولون: «رئيس الوزراء ليس المسؤول عن أحداث الصليبيخات، والأصحّ أن تستجوبوا وزير الداخلية»، واليوم يقولون: «وزير الداخلية لم يكن يمتلك السلطة الكاملة على وزارته، واليوم امتلكها وسينظفها، فامنحوه الفرصة»، أي أن علينا أن نتحمل، نحن لا هو، خطأ قبوله المنصب من دون صلاحيات، والجلوس على الكرسي لتكملة العدد بما يخالف مواد الدستور وروحه، فالمهم هو «البشت» والمسمى الوظيفي.

وغداً سيتكرر السيناريو، فتصوت كتلتا «الشعبي والتنمية» مع طرح الثقة، وسيصوت معهما عدد من نواب المعارضة، وستعقد كتلة «الوطني» أربعة اجتماعات، ثم تصوّت ناقصة، وسيرفض بعض المشايخ النواب طرح الثقة بالوزير التزاماً بـ«فتوى» نهَت عن ذلك، ووو، وسيستمر الوزير، وسيُقتل مواطنٌ آخر، فتثور ثائرة الناس، ويحتج نواب «التأزيم»، فتتشكل لجنة تحقيق برلمانية، يتنازل فيها النائب عسكر للنائب العمير، فلا فرق، وتعقد كتلة «الوطني» أربعة اجتماعات، ويبدأ سوق الحراج، وتنتشر «تجارة الدم»، فيحصل هذا على منصب لأخيه، ويحصل ذاك على عقد صيانة، ويثري الثالث والرابع والخامس، ويفشل الاستجواب، فيُقتل مواطن ثالث، فيحتج النواب، فتشكل لجنة تحقيق برلمانية، وتبدأ تجارة الدم…

وتجارة الدم ليس كمثلها تجارة، فلا رواتب موظفين ولا إيجار ولا تكلفة مواد خام ولا طاق ولا طرباق، «ارفض واربح»، ارفض طرح الثقة وستحلق فوق رأسك العصافير الملونة.