محمد الوشيحي

لا فيدرالي ولا فيدرالك

نحن كده حلوين، كما يقول المصريون. و»نحن» المقصود بها الشعوب الخليجية… أقول ذلك رداً على المطالبين بأن يعز الله دول الخليج بأحد الاتحادين، إما اتحاد فيدرالي أو اتحاد كونفيدرالي، كي تجتمع «العيدان» الخليجية الصغيرة وتشكل عموداً كبيراً يفقأ عين إيران التي لا يملأها إلا التراب.
والفيدرالية باختصار كما يعرف الجميع هي اتحاد دول وأقاليم تحت نظام عام واحد لتتحول إلى دولة واحدة بعَلَمٍ واحد ورئيس واحد، كالولايات المتحدة الأميركية وسويسرا ودولة الإمارات العربية المتحدة ووو، أما الكونفيدرالية فكما هو حال الاتحاد الأوروبي، لكل دولة عَلَمها ورئيسها، لكنها متحدة في السياسة الخارجية والاقتصادية والجمركية والأمنية ووو، على أن تحك كل دولة ظهرها بظفرها داخلياً. وإذا نشبت حرب بين دولتين أو ولايتين متحدتين فيدرالياً، مثل أوهايو ونيويورك الأميركيتين، فهي حرب داخلية أو أهلية، أما إذا نشبت حرب بين دولتين متحدتين كونفيدرالياً، مثل فرنسا وألمانيا، فهي حرب دولية.
خلاص؟ طيب السؤال هنا: «ما هو نوع اتحاد دول الخليج العربي، فيدرالي أم كونفيدرالي؟» الجواب: «هو اتحاد غشمرالي» من «غشمرة» التي تعني المزاح باللهجة الخليجية… نحن نمزح يا صاحبي، فعمرُ اتحادنا الخليجي ثلاثون عاماً بالتمام والرفاء والبنين، استطعنا طوال هذه المدة أن نعمل بطولة رياضية خليجية عرفية «داخل الحوش» غير معلنة، وقّع عليها شاهدان، مثل الزواج العرفي، ومازلنا نناقش توحيد العملة ولون جوازات السفر.
وفضلاً لا أمراً، ألقِ نظرة على طريقة دخول وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى قاعة اجتماعاتهم، وستشاهد كل وزير يحمل حقيبته بنفسه ويمشي وحيداً بسرعة وجدية، ثم ارفع بصرك إلى طريقة دخول وزراء خارجية الخليج قاعة الاجتماعات، وسينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وستبهرك مناظر ألف ليلة وليلة، وستذهلك الوفود المرافقة بكبرها وحجمها، وستصعقك الكراسي الإمبراطورية، وسيزدحم المكان بحملة الحقائب والبشوت والعطور ووو.
صحيح أننا كخليجيين شعب واحد بثقافة واحدة وعادات متشابهة، فكل من يتزوج فينا لا بد أن يقضي شهر العسل في ماليزيا، إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، وكل من يتم توزيره منا لا بد أن يحفظ ويسمّع جملة «إننا في هذه المرحلة الحرجة»، وأشياء أخرى، إلا أن ذلك لا يعني أن مستوى الديمقراطية في دولنا واحد، وسقف الحرية واحد. نحن الكويتيين الأعلى والأفضل بلا نقاش ولا هواش، ونحن أصلاً مللنا صغرَ هامش الديمقراطية والحرية عندنا في الكويت، ونريد أن ندخل إلى منتصف الصفحة، فتعرضون علينا الوحدة مع دول لا تعترف حكوماتها لا بالصفحة ولا حتى بالهامش؟ يفتح الله يا سيدي، لا نريد اتحاداً خليجياً ولا شكوراً، «لا فيدرالي ولا فيدرالك أنا لحالي وأنت لحالك». ثم إن ما فينا من الفساد يكفينا، ولم تعد أكتافنا تحتمل المزيد… شكر الله سعيكم.
إذا كنتم ترغبون في اتحاد فابحثوا لنا عن دولة مثل هولندا، نتحد معها ولو عن طريق «الوايرلس»، وعليّ النعمة لأتكفلن بمصاريف العشاء والسهرة إذا وافقت هولندا على الاتحاد معنا، أو السويد مثلاً، أو فنلندا، أو أي دولة لا يتسابق شعبها على تقبيل الأيادي والكتوف. معلش الزعل ممنوع يا أمة والعتب مرفوع بالضمة، واللي يستحي من بنت عمه ينام بلا عشاء. ومتى ما دخل وزراء الخليج قاعات الاجتماعات يحمل كلّ منهم حقيبته بيده، وجلسوا على كراسي كالمعروضة في السوق، ومتى ما أقرت الدساتير، فنحن من الخليج العربي وإليه. وإلى أن يتم ذلك، فلنوقّع مع عمتنا وتاج رأسنا أميركا معاهدة «لجوء عاطفي».

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

حنا العرب… حنا البدو

بعض المدن الألمانية تمنع الاستحمام وسحب سيفون الحمام (أجلكم الله) بعد الساعة العاشرة مساء. ليش؟ خشية إزعاج الجيران… وفي فيينا، عاصمة النمسا، كنت خارجاً من أصانصير البناية فإذا بخناقة بين رجل سحنته عربية ورجل آخر معه زوجته، العربي يصرخ بالإنكليزية والنمساوي الذي ازداد احمراره يصرخ بلغة الدوتش، ولم يلتقيا على لغة في الوسط… سألته: «عربي؟»، فأجاب: «نعم»، فبدأ الحوار بيني وبينه: ما الحكاية؟ / يا سيدي هظول (هؤلاء) عنصريين ولاد كلب بدهمش (أي لا يرغبون في) عربي يسكن معهم، مفهمتهمش كلامهم بس حسيت إنهم بيقولوا غور عن بنايتنا.

وبعد جهد جهيد ولأي شديد عرفنا أن النمساوي وزوجته لا يعرفان ما هو أصل هذا الجار أو عرقه، ولا يريدان أن يعرفا، بل كانا غاضبين لأن أخانا العربي نزل من شقته وفي يده كيس قمامة أراد أن يضعه في إحدى حاويات البناية في توقيت غير مناسب، إذ تنص قوانين البناية على أن لرمي القمامة توقيتاً محدداً من الساعة الفلانية إلى الساعة الفلانية، وأن تركل أحدهم على معدته أهون عليه من أن تكسر قوانين النظافة في البناية! لم يسكت النمساويان رغم كل هذا التقريع لصاحبنا العربي، بل تقدموا بشكوى إلى رئيس الحي، أو رئيس البلدية، ولا أدري ما الذي حدث بعد ذلك، فقد غادرتُ فيينا، وودعت جاري العربي وهو يشتمهم «يلعن أبوهم ما أسخفهم يعملوا من الحبة قبة… عندنا في البلد نرمي الكيس من البلكونة وما حدا بيقول النا ليش وقدّيش».

وفي سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية التي يكره سكانها جورج بوش الابن، أرادت الحكومة أن تطلق اسم «جورج دبليو بوش» على أحد مرافق المدينة، فرفض السكان واقترح بعضهم أن يُطلق اسمه على محطة الصرف الصحي، فرفض البعض بحجة أن اسمه سيلوث الصرف الصحي، وكتبوا رسالة بعنوان «ارحموا الصرف الصحي من نتانة بوش»، وبالفعل لم يوضع اسمه على أي مرفق في المدينة. ولك أن تتخيل أن كل هذا حدث أثناء رئاسة بوش الابن، أو «بشبوش المربوش» على رأي الكاتب السوداني الساخر، جعفر عباس.

السكان هناك لهم كلمتهم، والعصمة في يدهم.

وفي المنطقة التجارية في «الفحيحيل»، في الكويت العربية، إذا كنتَ رجلاً من ظهر رجل فحاول أن تجد موقفاً لسيارتك خلال نصف ساعة. دع عنك أكياس القمامة الملقاة هنا وهناك، فالنظافة ملحوق عليها… وفي المنطقة التجارية في «حولي»، في الكويت الديمقراطية، إذا كنت «سند أختك» فحاول أن تدخل إلى المنطقة وتخرج من الجهة المقابلة من دون حبوب ضغط، معلش يا صاحبي «دخول حولي ليس كالخروج منها».

وفي السالمية والمنقف والمهبولة والشعب البحري ووو، ستستأجر شقة في بناية فخيمة لكنك لن توقف سيارتك إلا في الشارع، وبلا مظلة، وإذا وجدت موقفاً في الظل فـ»بوس إيدك معدة وظهر».

أنا لا أتهم بلدية الكويت بتلقي «البخاشيش» للموافقة على بناء المجمعات التجارية والسكنية من دون اشتراط وجود مواقف سيارات… معاذ الله أن أتهمها بذلك، أنا أتهمها فقط بتلقي الرشاوى. وأن تكون مسؤولاً قيادياً ألعباناً في بلديتنا أجدى لك وأنفع من أن من تمتلك صالة قمار في «مونت كارلو». وعليّ اليمين لو أن سحرة بلدية الكويت وحواتها تسلموا بلدية فيينا لعلّقهم السكان، قبل الحكومة، من أرجلهم على أعمدة كاتدرائية القديس ستيفن، ليتقربوا بهم إلى الله، قبل أن يسألوهم: ليش وقدّيش؟

اسمع اسمع… «حنا العرب يا مدّعين النمسا… حنا الطرب يهل(1) الوجيه العمسا… حنا سمار الزند وأنتم شقاره، حنا تتن غليون وأنتم زقارة… حنا الأصل، حنا الفصل، وأنتم كما قشر البصل… حنا بدو نأكل مصارين القطو، أنتم مجانين الفضا، وحنا سلاطين السدو… حنا الشموخ، حنا الدلوخ(2)، ندوّخ اللي ما يدوخ… ولا نحاسب ربعنا، حشا مهو من طبعنا، لأن من عاداتنا ما نعترض درب الشيوخ»… الدلة يا ولد.

***

1- يا أهل

2- الأغبياء

محمد الوشيحي

شعب… بصلعة ونظارة

كان الزعيم العربي الإفريقي الراحل معتاداً أداء صلاة العيد في الجامع القريب من قصره، وفي طريق العودة إلى قصره يسير موكبه ببطء، محاطاً بضباط الحماية الشخصية، كي يتسنى للزعيم تحية الجموع المحتشدة على جانبي الطريق.
وفي أحد الأعياد، وأثناء عودة الموكب من الجامع إلى القصر، فوجئ ضباط الحماية الشخصية برجل أصلع مهيب المنظر، يرتدي بذلة سوداء أنيقة، جسمه رياضي مشيق، نظارة سوداء معتمة تغطي عينيه، وفي أذنيه يضع سماعات صغيرة، ويجري بجانب سيارة الزعيم ويصدر أوامره بصوت عالٍ لضباط الحماية: «انتبه، على يمينك، الشاب ذو القميص الأزرق»، «أنت، ركّز نظرك على هذه السيدة ذات العباءة، في المرة المقبلة لا أريد أن أرى نساءً بعباءات على جانبي الطريق، فالعباءة هي الرداء الأنسب لإخفاء الأسلحة…».
وهكذا ظل الأصلع يصرخ ويوجه أوامره بصوت يسمعه الجميع، والضباط يتبادلون نظرات الدهشة وينفذون الأوامر، دون أن يعرفوا من هو هذا الرئيس الجديد لفريق الحماية، ويتساءلون في أذهانهم وهم يركضون ويتلفتون في محيط الموكب: «لا بد أن الزعيم اختاره دون أن يبلغهم، كان يجب إبلاغهم فهذا أمر لا مجال فيه للخطأ، لكن قد يكون الزعيم أبلغ الجنرال قائد الفريق الأمرَ ونسي الجنرال إبلاغهم، ثم إن هذا الوافد الجديد لم يتدرب بالتأكيد على حماية الشخصيات، إذ من الخطأ إصدار الأوامر بصوت عالٍ، بل بالهمس من خلال المايكروفونات الصغيرة المثبتة على ياقات القمصان».
واصل الموكب مسيره، وصاحبنا الأصلع ذو البذلة السوداء يصرخ هنا وهناك، إلى أن دخل الموكب باحة القصر، وترجل الزعيم من سيارته، واختفى في إحدى الفلل المتناثرة… هنا التفت صاحبنا إلى فريق الحماية وراح يربّت على زنودهم: «أحسنتم صنعاً لكن تذكروا جيداً ما قلته لكم، لا أريد أن أرى نساء بعباءات، ولا أريد كذا، ولا كذا»! تبادل أعضاء الفريق نظرات الدهشة، قبل أن يسأله القائد بأدب جم: «عفواً سيدي لم نعرفك… من أنت؟»، صمت صاحبنا برهة، وصمت معه الكون، ثم أطلق ساقيه للريح في اتجاه البوابة! هنا ارتفع صراخ الحراس وأعضاء فريق الحماية والخدم والمرافقين وهم يعدون خلفه: «قف قف قف» وألقوا القبض عليه، ليتبين أنه لا يحمل مسدساً بل غلاف مسدس خالياً، واكتشفوا لاحقاً أنه «مهووس» بهذا النوع من المغامرات، وبعد تفتيش منزله وجدوا أنه يحتفظ بأشرطة فيديو لهذا النوع من الأفلام والصور التي يظهر فيها كلها بصورة قائد فريق الحماية، وغير ذلك من العَته والهبل المدمس.
تطورت الأمور فتم فصل رئيس فريق الحماية وإنزال عقوبة قصوى عليه، وأُلقي بالمهووس في السجن، وتغير نظام الحماية بالكامل.
كتب بعد ذلك طبيب نفسي: «أرجوكم لا تقسوا عليه، يبدو أنه مصاب بالمرض الفلاني، وراح يشرح أعراض المرض، وكيف أن المصاب به سلمي لا يحب العنف وإن تظاهر به، وكيف أنه يتقمص الشخصية بصدق إلى أن تتلبسه بالكامل، تتلبس تفكيره وجسمه ونبرة صوته، ويكمن علاجه بتكرار شرح الأمر له، وتنبيهه بطرق مختلفة بأنه ليس قائد فريق حماية…
أنا مقتنع أن هذا المرض موجود، وأنه قد يتلبس جماعات وشعوباً، نحن في الكويت شعب كامل مصاب بهذا المرض، صدّقنا أننا في بلد ديمقراطي فرحنا نجري حول موكب الديمقراطية بنظاراتنا السوداء وصلعاتنا اللامعة، وصدقنا أن لدينا أدوات رقابة فجرينا حول موكبها بالسماعات الصغيرة والمايكروفونات المثبتة على ياقات قمصاننا، وصدقنا أن لدينا صحافة حرة فرحنا نصدر الأوامر ونمنع العباءات، وصدقنا وصدقنا وصدقنا، حتى تلبستنا الأوهام وسيطرت على تفكيرنا وجوارحنا ونبرة صوتنا.
بالله عليكم، هل لو كنا في بلد ديمقراطي حقيقي كان يمكن أن تختفي مليارات النفط رغم كل هذه الأجهزة المحاسبية؟ كيف يتم الاستحواذ على أراضي الدولة وتحويلها إلى مشاريع بالترسية المباشرة، وبسعر لا يكاد يُذكر بالعين المجردة، تحت أعين الأجهزة المحاسبية وفوق أنوفها؟… زوروا منطقة «الحزام الأخضر»، رئة الكويت، التي تضم «النافورة الراقصة» وتفرجوا على المشروع التجاري المقام هناك، ثم اسألوا أنفسكم: «مشروع تجاري بهذا الحجم، على أرضٍ في هذا الموقع، بكم كان يجب أن تُباع لو عُرضت على الجميع؟»، وإذا لم تجدوا الإجابة فأعطوني نظارة وسماعة… الله لا يهينكم.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

الأمة مصدر الأسماء

خذ عندك مثلاً الجملة التي يرددها عشاق المانجو من النواب والوزراء السابقين وغيرهم: «أنا مستعد / مستعدة لخدمة بلدي»، هذه الجملة يا صاحبي تعادل في سوق السياسة جملة «أنا أرغب في تسلّم منصب وزاري… ورهن الإشارة». واحد زائد واحد، أو واحد موجب واحد على رأي المحاضر العراقي، يساوي اثنين. هي كليشة ثابتة.
وخذ عندك جملة «تدعيم الاقتصاد». إذا سمعت هذه الجملة أو قرأتها فاعرف يا رعاك الله أن الحكومة ستبعزق أموال الشعب لإرضاء بعض التجار، لا كلهم، بحسب كمية الولاء وفائض الإذعان.
وجملة «سأصوّت على كتاب طرح الثقة أو كتاب عدم التعاون بما يخدم استقرار البلد» ترجمتها «لن أوافق على كتاب طرح الثقة أو كتاب عدم التعاون»… الركّ على كلمة «الاستقرار»، متى ما سمعتها فاعرف أن مبلغاً ما «سيستقر» في حساب ما لشخص ما كي يصوت في اتجاه ما.
وعلى المستوى العربي، ستجد أن كلمة «إسرائيل» هي باب الرزق الأكبر ولون القمع الأحمر. إذا سمعت حاكماً أو مسؤولاً عربياً يردد هذه الكلمة، فاعرف أن المقابر الجماعية ستمتلئ وتفيض، أو أن الأرصدة ستنتفخ وتبيض، أو كلاهما معاً. واقرأ خطب صدام حسين وتفقد مقابره، ثم اسأل مصطفى بكري، النائب المصري الألعبان، الذي «حلب إسرائيل حلباً مبرحاً»، قبل أن تعرّيه الثورة المصرية الحرة وتتركه في الخلاء «سلطاً ملطاً».
وإذا اجتمع وزيرا داخلية عربيان، وأصدرا بياناً عقب اجتماعهما: «تباحثنا في ما يهم الشعبين الشقيقين» فاغلق هاتفك النقال وودع أطفالك واتصل بجمعية حقوق الإنسان العالمية، فقد تباحثا في إمكانية تبادل المعارضين.
هذا بالنسبة لبعض الأقوال والتصريحات، أما بالنسبة للتصرفات، فكل أو غالبية من يدخّنون السيجار الكوبي يعانون نقصاً في هرمونات الثقة بالنفس، ويشعرون بالصغر والضآلة في دواخلهم، مهما كبرت مناصبهم ومسمياتهم… لذا، من باب الإنسانية، أقترح عليك أن تمتدحهم وتنفخهم كي تساعدهم على النوم.  
 ***
كل انتخابات تتدخل فيها بعض الأطراف في الحكومة وبعض كبار المسؤولين والتجار لتوجيه التصويت إلى هذا المرشح أو ذاك، هي انتخابات مزورة… علّب هذه الجملة وخذها معك ورددها على ذمتي.
التصويت الحر الوحيد الذي أقنعني هو الذي أجراه طلبة الدكتور عبيد الوسمي في الجامعة. وأصل الحكاية أن أحد المواطنين اتصل بالدكتور عبيد وعرّفه على نفسه قبل أن يبلغه: «دكتور، أطلقت على طفلي المولود اسم عبيد تيمناً بك»، فقال له الدكتور: «إذا أردت نصيحتي فلا تسمّه عبيد»، ثم أضاف مازحاً بجدية: «لكنني سأطرح عليك فكرة… ما رأيك في أن نلجأ أنا وأنت إلى الشعب، مصدر السلطات كما نص الدستور، ليختار اسماً للمولود؟»، فوافق المواطن، فأجرى الدكتور عبيد، صباح يوم الأحد الماضي، تصويتاً لاختيار أفضل الأسماء، فاختار الطلبة اسم «عبدالله».
إذاً، هذا هو المولود الدستوري الأول، الذي اختارت عينة من الشعب (طلبة الدكتور عبيد الوسمي) اسمه. على أنني لو شاركت في التصويت لاخترت للمولد اسم «دستور»، لكن الخشية أن تضعه الحكومة في جيبها بعد أن تفرّغه من الكلى والكبد والطحال.
 ***
معالي وزير الصحة المستقيل… ما مدى صحة نقل الموظفين الثلاثة الذين قادوا حركة المطالبة بالكوادر، وهم من حملة الشهادات العليا، من قسم الإعلام؟

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

إلى أن

الله يشهد أنني والتفاؤل كهاتين، الوسطى والسبابة، «إخوان دنيا»، نشأنا معاً، التحقنا بالمدرسة معاً، أدخلنا السجائر إلى الفصل معاً، شدّنا مدرس الجغرافيا من ياقات قمصاننا معاً، تصعلكنا وتلكّعنا معاً، غازلنا الصبايا وناغشناهن معاً، قرأنا رسائلهن وكتبنا إليهن معاً، تشكلت ثقافاتنا معاً، قرأنا أن كبار أثرياء العالم أثناء اجتماعاتهم يتسلّون بتناول الكستناء المشوية في الشتاء، فأشفقنا عليهم وتهامسنا ضاحكين: «مساكين، لم يتذوقوا المرقوقة (1) في الشتاء»، كبرنا ودرسنا في مصر معاً، ودخلنا السجن العسكري في قاهرة المعز كطلبة في الكلية العسكرية مع بداية الغزو العراقي، بتهمة تهديد حياة الطلبة العراقيين، وكدنا نضيع في الرِّجلين معاً، نقلنا معاً «دانات المدافع» أثناء فترة السجن من موقع إلى آخر سيراً على الأقدام عقاباً لنا، وتساقطنا منهكين غير عابئين بصرخات ضباط السجن وتهديداتهم، وكنا نضحك بكل بلاهة التعب… كنا نضحك بصدق، كنا نعاني تخمة في القهقهة، وكلما ارتفع منسوب الكوارث على رؤوسنا ارتفعت معه قهقهاتنا المخلوطة باستهتار. لم تفرقنا مشاغل الحياة، التفاؤل وأنا، كنا نلصق الكتف بالكتف كي لا يتسلل أحد بيننا. تعاهدنا على البقاء على قيد الصداقة.
وجاءت السنوات الخمس الأخيرة، لا حيّاها الله ولا بيّاها، و»سرى بي الجاثوم»(2) وقادني إلى مدينة السياسة، فاستيقظت فإذا بي بين تيارات سياسية كاسدة وتيارات مائية «فاسدة»، لعنة الله على السياسة في هذا الشهر المبارك، وعلى كاتبها وناقلها وبائعها وشاريها. تلفّتّ أبحث عن صديقي التفاؤل فلم أجده، اختفى في بحور الزحام، تباعدَت أكتافنا بعد التصاقها، صرخت بأعلى حنجرتي أناديه بهلع، فطغت أصوات الضجيج على صوتي. تفرقنا، واختفى صديقي «التفاؤل».
رحت أبحث عنه وأمشي وأنا أرفع طرف دشداشتي عن الوحل وأسأل الجموع: «ما كل هذه المياه الآسنة؟»، فبشروني: «هطلت أمطار الطائفية علينا بغزارة أمس»، فغمغمتُ: «اللهم حوالينا لا علينا»، وواصلت مسيري، وأعياني التعب، فتركت دشداشتي «على راحتها» تغوص في الطين، وجلست منهكاً على الرصيف، كل شيء فيَّ كان منهكاً، حتى دموعي لم تقوَ على الهطول فأقعت في مكانها، الغصة وحدها كانت في أوج نشاطها… وفجأة رأيته!
كان يجر أقدامه حافياً، يمشي متثاقلاً… جريت إليه واحتضنته معاتباً: «أين اختفيت سحقاً لك ولعشيرتك الأقربين؟ ما كل هذا اليأس والبؤس على وجهك؟ ما هذه اللحية العابثة بلا تهذيب والشعر المنكوش بلا ترتيب؟ هل غرقت مراكبك؟»، فأجابني وهو يمسح شعر رأسه: «هرمنا يا صديقي… هرمنا». «يااااه يا «أبو فولة» (3)، من كان يصدق أنك ستنكسر؟ ما الذي كسر عظمك؟» سألته فتمتم وهو ينظر إلى لا شيء: «الطائفية… الطائفية يا صديقي تفرق بين المرء وزوجه، والخليل وخليله» وواصل حديثه وهو ينتزع كلماته من بين تنهيداته: «ثمة معركة اسمها معركة الجمل، حدثت قبل نحو أربعة عشر قرناً، يعاد الآن التحقيق فيها»، سألته: «وماذا عن اللحوم الفاسدة التي أغرقت البلد؟»، فشوّح بيده: «كل شيء متوقف الآن إلى أن تنتهي لجنة تحقيق الجمل». قلت: «وماذا عن التشكيل الوزاري ومصالح البلاد والعباد؟»، قال: «مرتبط بنتيجة التحقيق التي لن تظهر، يجب أن يتقاسمها الطرفان»، وأضاف: «على كل حال، ستتشكل الوزارة من العطشى الباحثين عن عصير الفراولة، وسينضب مخزون الفراولة في البلاد، وسيُطبق على هذا البلد جَبَلان من الشرق والغرب، للمساهمة في لجنة التحقيق»! «طيب، والحل؟»، أجاب وهو يرفع شعرات لحيته إلى شفاهه: «أغلق نوافذك واحتضن أطفالك»… قال ذلك وابتعَد.
رحت أجري خلفه وأشده من كتفه: «لحظة لحظة، لم تخبرني… هل وجدوا شهود عيان لمعركة الجمل؟ هل وجدوا بصمات المجرمين وطابقوها؟ هل عاينوا مسرح الجريمة؟ هل…»، فتمتم: «متى ما وصلوا إلى نتيجة فستتوقف نبضات قلوبهم… لذا لن يصلوا أبداً… كل شيء سيتوقف إلى أن…»، واختفى واختفيت.
* * *
 (1) المرقوقة: أكلة خليجية تعمل عمل الأسمنت المسلح في المعدة. تأكلها فتفقد الذاكرة وتشخر قبل أن تنام بنصف ساعة.
(2) سرى بي الجاثوم: لا أعرف ترجمتها. تصرفوا.
(3) أبو فولة: اسم الدلع لصديقي التفاؤل.

محمد الوشيحي

يا عيونها

ما زلت أردد «الجَمال والإبداع والعذوبة والموهبة تنتشر أكثر في الدول ذات المناخ الساحر والطبيعة الخلابة». والكويت لا سحر فيها ولا «خلابة» ولا جبال ولا أنهار ولا شلالات، لذلك ينتشر فيها نبيل الفضل.
ستقول «إذاً كيف تفسر عذوبة أصوات الفنانين نوال وسناء الخراز والرويشد وعبدالكريم عبدالقادر ووو؟» فأجيبك بسؤال وإجابة: كم نسبة ذوي الأصوات العذبة في الكويت؟ الجواب، لا تكاد تذكر بالعين المجردة. احمل حالك، كما يقول المصريون، واذهب إلى لبنان سقاه الغيث، حيث الطبيعة المثيرة والطقس المحرّض على الفسق والفجور، وحيث نهر الكلب ونهر البردوني ونبع الصفا ونبع العسل، وستجد أن ما يقرب من ثلث الشعب يمتلك حنجرة عميقة وحبالاً صوتية عذبة.
ولولا القمع السياسي الديني الذي يفرضه المحافظون على إيران لما سيطرتَ على رأسك المتمايل طرباً من الغناء الإيراني، ولما أغمضت عينيك لفرط جمال الفاتنات الإيرانيات، ولما ارتد إليك فكك الأسفل لهول إبداع الإيرانيين في النحت والتصوير والرسم على المباني والمرافق العامة بدلاً من هذه الرسومات الغبية المنتشرة حالياً في طهران، التي تشبه «سفرة الطعام البلاستيكية».
ستقول: رغم طقسنا وتضاريس بلدنا، إلا أن لدينا في الكويت من الجمال المنتشر بين الصبايا والشبان ما يسد الحاجة، وسأرد عليك: مستوى الجمال عندنا لا يقي من البرد، بالكاد يستر العورة. صحيح أن بدرية جميلة، وتهاني فاتنة، ونادية قاتلة (بالمناسبة، ما السر في أن الصبايا الكويتيات الجميلات أسماؤهن قديمة أو بشعة وأصواتهن مبحوحة مرعبة، والعكس صحيح، وأتذكر زميلاً عسكرياً ملامحه «زائيرية» لكن اسمه «جميل»، سامح الله أباه ما أكبر كذبته)… اذهب إلى تركيا، ذات المناخ والطبيعة والتنوع الجغرافي وتمعّن هناك الإبداع الرباني في خلق البشر، وستجد بين كل عشر صبايا إحدى عشرة فاتنة، فنسبة الجمال في تركيا مئة وعشرة في المئة. واخطف رجلك إلى سورية وسترى من مشيقات القوام، طويلات الأعناق، عذبات اللمى، ما يبكيك بكاء الناقة الخلوج. وقاتل الله تلك الصبية السورية الموظفة في أحد فنادق دبي، والتي لم يُخلَق مثلها في العباد، رأيتها فصعدت غصة في حلقي فأنزلتها بسرعة، ووضعتُ كفي على بلعومي كي أخبئ تفاحة آدم التي فلتت حبالها فراحت تتراقص بلا وعي… يوووه أشهد أن جمالها ذو قبضة حديدية، وأن شموخها يوقف بث قناة الجزيرة ويسحب هويات مراسليها، وأن نعومتها تنشر الفساد وتقمع العاشقين وتتهمهم بالولاء للخارج، والله على ما أقول شهيد، ولو كان الصرعاوي معنا ورآها لقبّل رأس أحمد الفهد وبكى على كتفه… توقفنا أمامها ومازحتها: «إذا كانت حوريات الجنة أجمل منك فسأسجد لله إلى أن أموت»، فرفعت سقف المزاح: «أنا واحدة منهن جئت لأطمئن على أهل الأرض»، فبادلتها المزاح: «إذاً أنتِ أجندة خارجية؟»، فقهقهَت: «هاهاها… هيك عم يقولوا»، فقهقهْتُ: «هاهاها… الله لا يوفقج». وغادرنا موقع الانفجار، صديقي وأنا، ننقل إصاباتنا ونتبادل الآهات والتمتمة: «يا عيونها… يا عيونها».

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

العشوائيون والعشوائيات

عن نفسي، أتمنى أن ترحل الحكومة السابقة كلها من المحيط إلى الخليج، فننظف الشقة من بعدها، ونرمي أعقاب السجائر التي عليها آثار شفاهها، لتأتي بدلاً منها حكومة تمسح السبورة وتكتب «عهداً جديداً»، حكومة تقضي على حرف «السين» وترمي به في المحرقة، حكومة تلغي «سنفعل وسنقدم وسننشئ وسنخصص وسنحافظ…». سحقاً لهذا الحرف كم بهدل العرب.
والتوزير في الكويت مثل مباريات كرة السلة، اللاعبون لا يتغيرون، واللوائح تمنع المدرب من الاستعانة بغيرهم، فقط يخرج الواحد منهم ليستريح قليلاً ثم يعود مرة أخرى، بحسب الخطة والنتيجة. وأتوقع أن يعود في هذا الشوط السادة أحمد باقر وعبدالله الطويل وفيصل الحجي، مع تطعيم الفريق بواحد أو اثنين من الوجوه الشابة التي تتمتع بـ»الولاء» ولا تعرف «الكفاءة»، فالكفاءة حرام، واللهم أغننا بحلالك عن حرامك. وستعود الحكومة القديمة بعد تعديل خفيف في تسريحتها، وسنعود إلى نقدها ورجمها بما تيسر من الحصى والقناني الفارغة، وستعود وسائل إعلامها إلى اتهامنا بأننا السبب في توقف الحياة، تماماً كما يفعل الإعلام السوري الرسمي في تعليقه على الضحايا المدنيين الذين تساقطوا في المظاهرات: «هذه مجموعة من الإرهابيين تطلق النار على قوات الأمن».
أبداً، لا تتوقعوا تغير الأحوال، ولا تحلموا بحكومة تضم، مثلاً، وليد الجري ود. حسن جوهر ود. أسيل العوضي وخالد الفضالة وسعود العصفور وأمثالهم من العمالقة الفحال، ولا تتخيلوا تشكيل لجنة استشارية «فاعلة» تستند إليها الحكومة في ما يخص توافق القوانين مع الدستور، يرأسها أحمد الديين وتضم في عضويتها محمد الفيلي وعبدالله الأحمد ود. ثقل العجمي ود. عبيد الوسمي وأمثالهم، لا تتوهموا ولا تتخيلوا ولا تتأملوا، لا بسبب رفض الحكومة فقط، بل بسبب رفض هذه الأسماء الانضمام إلى حكومة «عشوائيات».
وآه ما أكثر «العشوائيين» الباحثين عن كرسي وزارة مستعمل بسعر الجديد، ها هم يتجمعون حول «قارئة الفنجان» ليستشرفوا مستقبلهم، وهل سيتم توزيرهم أم لا، وآه ما أكثر النقود التي تُنثر هذه الأيام في شارع الصحافة للترويج لفلان أو فلانة قبل التشكيل الوزاري، وأظن أن الصحافي أو الكاتب «اللي ما يغتني بهالوقت عمره ما راح يغتني». ولولا أنني «وجه فقر» لكتبت عن أحد الأسماء التي هاتفتني بعد انقطاع طويل لتجاملني فأرد على المجاملة بمقالة، لكن وكما يقول المثل «وجه الفقر ما يعرف الغناة»، أي لا يعرف الغنى، وإن كنت أتأمل خيراً من الأستاذ أحمد الديين لولا يقيني بأن العنكبوت بنى طابقاً ثالثاً في حسابه البنكي.
وما أحلى المنافسة وما أروع الغيرة الإيجابية، سواء بين الدول أو في ما بين الأشخاص، وخذ عندك الراقصة «فيفي عبده» التي لا تريد أن تصدق أنها «شمطت» ترقص بالساعات في تنافس مع غريمتها «دينا» ثم تدخل المستشفى في حالة حرجة. لاحظ العطاء وروح المنافسة على شرف الواحدة ونص! والكويتيون بطبيعتهم يعشقون المنافسة، ومن حظ قطر أننا نرزح تحت قيود حكومات «عشوائية»، وإلا كنا زاحمناها على «البست» وعلمناها كيف يكون الرقص في الفضاء على أصوله. يالله معلش.
***
أكثر من أشفق عليه المسؤول «الزعول» الذي لا يتحمل النقد ولا حتى المزاح، والذي يريد أن يتحول الآخرون إلى مربيات فلبينيات يطبطبن على كتفه ويمسحن على رأسه وهو يتلمظ «مصاصته».

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

محمد الوشيحي

لا تضربني… كسّرت الخيزرانة

شركتا «التكتل الشعبي» و«تكتل التنمية والإصلاح» البرلمانيتان تتنافسان في خدمة زبونهما «التكتل الوطني» قبل وبعد إعلانه استجواب الشيخ أحمد الفهد، أحد أكبر مورّدي البيضة والحجر في الكويت من المحيط إلى الخليج، إذ تكفل «الشعبي» بتفريك «الوطني» ومساجه وبوديكيره ومانيكيره، وتكفل «تكتل الإصلاح» بتوصيله مجاناً من وإلى المنصة شاملاً الخدمة والضرائب! وكل هذا من باب الاستثمار قصير المدى، فسوف يحتاجانه في القريب الباكر، وأخشى أن يفعل بهما كما فعل في السابق، أو قل السوابق، إذ ما إن يعلن أحدهما تقديم استجوابه لرئيس الحكومة أو لأي من الوزراء حتى يعلن «الوطني» بدء سلسلة اجتماعاته، اجتماع ينطح اجتماعاً، وهات ورقة وقلماً وكشف حساب بأرباح التكتل وخسائره، وتمتد الاجتماعات وتمتط، ويترقب الناس انبعاث الدخان الأبيض، ولا ينبعث إلا قبل الاستجواب بسبع دقائق مما تعدون، بإعلان «تأييد التكتل إلا واحداً» من باب المواءمة والمراقصة والمناغشة.

والحمد لله، أخيراً خرج «الوطني» من عباءة «العقلاء»، وأدرك أن الحكومة «لحم فاسد» ممنوع دخوله البرلمان، وها هو اليوم يستجوب الرياضي الشيخ أحمد الفهد، وغداً سيستجوب وزير الإسكان الشيخ أحمد الفهد، وبعد غد سيستجوب نائب رئيس الوزراء لشؤون التنمية الشيخ أحمد الفهد، ووو، خلاص كرّت السبحة. لكن «الوطني» ارتكب خطأ فادحاً عندما دفع، إلى جانب النائب مرزوق الغانم، بنائبه عادل الصرعاوي إلى الواجهة، وهو (أي الصرعاوي) من يتمتع بسجل حافل ومشرف من الخناقات مع كثير من النواب ما قد يدفعهم إلى الاصطفاف في الجهة المقابلة، وبدلاً من أن يحارب الغانم بيديه الاثنتين سوف يضطر إلى القتال بيد واحدة في حين تنشغل الأخرى بسحب زميله الصرعاوي. ولو كنت مكان «الوطني» لدفعت بحصاني الرابح (الحصان مديح في لهجتي التي أتداولها وأنتم بكيفكم) النائب صالح الملا، ذي المواقف المشهودة المحمودة، وذي الأسهم المرتفعة في كل البورصات، بدلاً من الصرعاوي.

على أن أكثر المتضررين من استجواب «الوطني» للفهد هو النائبة رولا دشتي، فهي تسقي بستانها من النهرين، نهر «الوطني» ونهر الفهد، وإذا خُيّرت بين النهرين فستختار «نهر الفهد»، نهر التنمية المليارية، وأظنها ستتغيب عن الاستجواب بداعي الإصابة في الرباط الصليبي، وقد يتغيب معها النائب علي الراشد بحجة «مرافق مريض»، فهو أيضاً يشجع التنمية.

وعلى حرس المجلس تفتيش النائبين سعدون حماد ودليهي الهاجري والتأكد من أنهما لا يملآن جيوبهما بالصخر. ولا أتمنى شيئاً كما أتمنى أن يتحدث النائب سعدون (نبيل فضل البرلمان) مدافعاً عن الفهد بشتائمه المعهودة، فيحنق الناس على الشيخ ويتزاحم النواب والجمهور على طرح الثقة به.

وها هي الأفراح تعم جماهير «الوطني» باستجوابهم الأول للفهد، وها هم أنصار الوطني يقيمون حفلات دبكة يعجز عنها أهالي جبل لبنان: «وبين العصر والمغرب مرّت لمة خيالة يبا مرّت لمة خيالة، ولا تضربني لا تضرب كسّرت الخيزرانة يبا كسّرت الخيزرانة… وجيب المجوز يا عبود، رقّص أم عيون السود… وأوف أوف أوف ميجانا ويا ميجانا ويا ميجانا، غمزة عيونك علمتني الشيطنا، وميجانا ويا ميجانا ويا ميجانا، ضبّي دجاجاتك فحّر قلبو ديكنا…». وعسى الله يديم الأفراح. وكما قال الأخ العقيد القذافي «غنوا وارقصوا» وانسوا استجوابي عاشور والدويسان اللذين يذكراني بما كنا نقوله عندما كنا أطفالاً: «إما ألعب وياكم أو أخرّب اللعبة».

محمد الوشيحي

لو

وتعالوا نضع «لو» قبل كل جملة ونتخيل النتيجة بعد أن نستأذن خبراء اللغة العربية في تركيبة «جواب الشرط»:

• لو كان الشيخ أحمد الفهد وزيراً في أستراليا لأقام مهرجان «مزاين الكنغر» كي يستغفل قبائل أستراليا.

• ولو كان الفهد وزيراً في أستراليا لهاجر خلفه النائب عادل الصرعاوي كي يستجوبه هناك.

• لو نجحت الحركات الشبابية والتيارات السياسية في إقالة الحكومة لطالبتُ بعودة الحكومة كي أجد أحداً أنتقده فلا ينقطع رزقي.

• لو أن ناشر هذه الجريدة الزميل محمد الصقر لا «يفتح دبّة» مقالاتي ويضع المرآة تحت سيارتها ويفتش أدراجها قبل النشر لارتفع سقفي إلى السماء الثالثة، ولما استطعت حصر القضايا التي سيرفعها علي الخيّرون من أبناء هذه الأمة المجيدة.

• لو كنت وزيراً للتربية – لا قدر الله – لأمرت بأن تكون مواد «شعر الغزل» و»الموسيقى» و»قراءة الروايات» مواد أساسية كي أقضي على الطائفية البغيضة والعنصرية المقيتة.

• لو لم أكن كاتباً لكنت مطرباً يشار إليه بالطماطم والشتائم. فأصدقاء السوء يمتدحون حنجرتي وحبالها الصوتية لكنهم يمقتون أذني ويحلفون بالطلاق أنها ليست موسيقية. لا أعلم، لكنني إذا صفّقت بيديّ طرباً في السهرة لخبطت المصفقين وأبكيت العازفين.

• لو تمكن النائب «الحقاني» علي الراشد من الحصول على كرسي رئاسة البرلمان لهربت إلى بوركينا فاسو ومنها إلى «تعز» حيث مسقط رأس الأجداد في غابر الأزمان.

• لو سألني أحد عن عدد النائبات في البرلمان لأجبته على الفور: «ثلاث، والرابعة أخشن من التمساح»، أقصد د. أسيل العوضي! معلش دكتورة تعالي على نفسج شوية كي لا تتساقط القضايا على رأسي.

• لو قرأ النظام السوري تاريخ الاحتلال العثماني لبلاده لأدرك أن «درعا» هي موطن الثوار، ولانتبه إلى ذلك منذ البداية.

• لو كنت من أهل «درعا» لأقمت تمثالاً للقائد التركي العظيم «مصطفى أتاتورك»، الذي أرسلته القيادة، «الباب العالي»، وكان برتبة متوسطة، لدعم الجيش العثماني ضد ثورة أهل «درعا»، فشاهدَ أتاتورك الجيش العثماني يستعد لإحراق المدينة كاملة بأطفالها ونسائها بعد اختباء الثوار، فرفع مسدسه على رأس القائد وأوقف التنفيذ.

• لو كنت مكان إدارة مستشفى الأحمدي لأكملت «جميلي» وأطلقت الرصاص على آباء متقاعدي شركات النفط وأمهاتهم، فالقرار الذي صدر أخيراً بمنع علاج آباء المتقاعدين «ما يبرّد الكبد».

• لو كشفت لنا الحكومة أسماء تجار الأغذية الفاسدة فسنعرف مباشرة أسماء تجار الألعاب النارية التي كدّست الأطفال في مستشفى البابطين للحروق (قوموا بزيارة للمستشفى وشاهدوا بأنفسكم وجوه الأطفال ومناظر عيونهم المحترقة واستمتعوا ببكاء ذويهم، وارفعوا أيديكم بالدعاء للحكومة أو عليها).

• وختامها مع الخالد نزار قباني: «لو أني أعرف أن الحب خطيرٌ جداً ما أحببت… لو أني أعرف أن البحر عميقٌ جداً ما أبحرت… لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت…».

محمد الوشيحي

مش ممكن

هو حلم أجمل من علم… الله الله الله على ما يحدث في مصر الحرة. الله على مصر وعلى أهلها… أنا الذي لا يبكيني إلا الشديد القوي، لم تتوقف دموع فرحي لهول المشهد الذي رأيته أمامي أمس، يبدو أن وجهي صلّى صلاة استسقاء فاستُجيب له. وخلوني أنقل إليكم بعض اللقطات والمقولات التي استقيتها من التلفزيونات المصرية ومواقع التواصل والصحف الإلكترونية والخدمات الإخبارية والمكالمات الهاتفية…
لكن قبل ذلك سأعتذر إلى الزميل الصديق سامي النصف، «سرايا» الكويت (نسبة إلى أسامة سرايا رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية إبان مصر المباركية، صاحب الحجة القوية الموجهة لخدمة النظام)… الذي (أقصد سامي النصف) أطلق قذائفه الخارقة الحارقة في بداية الثورة نصرة لمبارك وابنه جمال وبقية العصابة بحجة الدفاع عن «الاستقرار»، والذي كما يبدو أنه كان سعيداً بما كانت عليه مصر وكان يبوس إيده بحري وقبلي، والذي «يرى بعوضة» المعارضة ولا يرى «فيل النظام».
ولولا «التثقيل» على أبي عبداللطيف، سامي النصف، لقلت إنه ومن شابهه من المثقفين والكتاب أحد أسباب نقل الأحداث بصور مغلوطة إلى ذوي القرار، وبالتالي هم من أكبر أسباب بقائنا في خانة الدول المتخلفة. وأبو عبداللطيف يحمل في جعبته تبريرات لا حصر لها ولا خصر لبلاوي الأنظمة العربية ومساوئها، ومع ذا لا يمكن أن ننكر رقيّ أسلوبه وأدب مفردته… أقول دعوني أعتذر إليه بعد أن تكسرت أمانيّه وأمانيّ عصابة الوطني على «رخام» الثورة الصلب، وأنقل إليكم بعض اللقطات المبعثرة:
من هذه اللقطات المؤثرة، قيل إن شيخاً طاعناً في السن أثناء وقوفه في الطابور للتصويت بـ«نعم» أو «لا» على تعديلات الدستور، رفع يديه وبصره إلى السماء، وقال بصوت عال مترهل وهو يكافح العبرات في بلعومه: «يا رب، انت بتعرف إن دي أول مرة في حياتي اخرج عشان أصوّت في الانتخابات، وتعرف إني عيّان وظروفي متسمحليش أتحرك خطوتين، وأديني جيت، فيا رب بارك في مصر وأهل مصر وانتقم لينا من العصابة اللي ذلتنا وهانتنا وكسرت نفسنا طول السنين دي كلها». فردد الواقفون في الطابور: «آمين… آمين… آمين».
وأمام لجنة أخرى يصرخ صعيدي شهم وهو ينظر إلى إصبعه المغموس في الحبر الفوسفوري ويخاطبه بكل ما أوتي من نشوة: «عليّ الطلاق تلاتا منيش غاسلك». وهناك امرأة يبدو من هيئتها أن حظها من التعليم مثل حظنا من حكوماتنا، تخرج من إحدى لجان التصويت فتقبّل إصبعها «الفوسفوري» وتستجدي النسوة الواقفات في الطابور: «أنا في حلم والا علم؟ حدّ يقرصني ف إيدي». وفي وسط القاهرة يتحلق الشبان في دائرة وهم يرقصون ويغنون: «مصر بقى لونها بمبي» فترد عليهم مجموعة أخرى من الشبان: «لأه بقى لونها فوشيا». ويقول أحدهم وهو واقف في الطابور: «أول مرة في حياتي أحس إني بني آدم وليّه قيمة». ويغني آخر «صباعي فسفوري وهاغيّر دستوري».
وفي لجنة أخرى يفاجَأ الواقفون في الطابور بالدكتور عصام شرف رئيس الوزراء «يستأذنهم» بالسماح له بالتصويت قبلهم لارتباطاته المتعددة، فـ»يأذنون» له. (هل لاحظت كلمتي «يستأذنهم» و»يأذنون له»؟ وهل كنت تعرف كيف كان رؤساء الوزارات في مصر المباركية يصوّتون؟ كويس أنك لاحظت والأكوس أنك تعرف ما الذي كان يحدث في الأيام الخوالي وتتذكر حكاية السجاد الأحمر وكسرى وقيصر). وإذا كان عصام شرف مشغولاً ويستحق أن يتجاوز الطابور، فإن مرشح الرئاسة السيد عمرو موسى عاطل عن العمل، لأنه يرأس جهازاً عاطلاً عن العمل والأمل، هو «جامعة الحكام العرب»، لذا فقد التزم بالطابور رغم أن الناس سمحت له بالتقدم عليها، لكنه رفض.
والملاحظ هو نسبة الالتزام العالية باحترام الطابور، والأدب في الاختلاف… هذه هي مصر الحقيقية لا مصر المزوَّرة، التي شوه وجهها وزوّر بطاقتها مرتزقة الإعلام المصري وأوحوا بأنها لم «تشب عن الطوق» بعد ولا تستحق الديمقراطية الكاملة. وهؤلاء هم المصريون ينزعون ثقافة الرعب ويرتدون ثقافة الانتصار. النظام المباركي هو من فرض تلك الثقافة، وهو من جعل الأراذل في الصدارة، ومنذ اللحظة لن ينجح «نواب الخدمات» ولا «نواب الرشاوى» ولا المتردية ولا النطيحة، إلا في أضيق الحدود.
هذه هي مصر… المحروسة بإذن الله، وعقبالنا وعقبال الحبايب، وأموت وأشوف وجه حسني مبارك وهو يرى الملايين ترقص في الطوابير… واللهم لا شماتة. 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة