تشاهده فتجرّك ذاكرتك من قفاك إلى أولئك الذين يحتلون صفحات التعارف وجمع الطوابع في مجلات الثمانينيات… تقرأ له فتدمنه والعياذ بالله.. كتاباته فتنة سامح الله من أيقظها.
هو صعلوك سعودي أحياناً… وهو شيخ الطريقة الرطيّانية دائماً… له مريدون وأتباع، من هنا إلى هناااااك، يقرأون له وهم يهزون رؤوسهم، وينتظرون «أوراده» بجوعٍ مرموق… وليس لديه فروع أخرى.
يعرّف نفسه لمن يعرفه:
السلام عليكم. أنا محمد الرطيان. أعمل في شركة الاتصالات السعودية (لن أتردد لحظة واحدة في مهاجمتها لو شعرت أنها رفعت فواتيري أو فواتيركم !) أعيش في مدينة رفحاء العظيمة في شمال البلاد، وولدت فيها في عام النكسة (كل الأعوام العربية منذ عام 48م هي أعوام نكسات ونكبات… فاختاروا من التواريخ ما تشاءون!) متزوج ورزقني الله ستة أطفال رائعين ولهم أحلام رائعة: « سيف» ويحلم أن يسافر من رفحاء إلى جيزان عبر القطار! «سلطان» ويحلم أن يذهب إلى أحد مراكز الاقتراع ليدلي بصوته عن أي شيء! «أحمد» ولديه أحلام خطيرة لا تصلح للنشر! «فاطمة» تحلم أن يكف اليمين واليسار عن التحدث بالنيابة عنها، وتسلّم عليهم، وتقول لهم: إذا فيكم خير تجاوزوا الحديث عن «قيادة المرأة للسيارة» للحديث عما هو أهمّ وأخطر! «مريم» لا تحلم… ولكنها تخاف عليّ من المبالغة في الأحلام الكبرى! «الحميدي» يحلم بتغيير اسمه!… وطبعًا سأقول له وبكل ديمقراطية: «معصي»!! وأرجو أن تجدوا على مائدتي ما لذّ وطاب من المقالات والأفكار الطازجة والشهية. ولن أعدكم بشيء… فقط أعدكم بأنني سأحاول: أن نغني معاً للبلاد… أن نشتم القبح علانية… وننحاز للجمال… أن نفتح نافذة (ولو صغيرة) لضوء سماوي… أن نرفع السقف (ولو قليلاً) عن رؤوسنا… أن نفضح الأشياء التي تستحق الفضح، ونحتفي بالأشياء التي تستحق الاحتفاء… أنا «محمد الرطيان»… أردت أن أصافحكم بحرارة وأقول لكم: كم أنا مشتاق لكم.
يهلوس ربما:
• كل مدينة أنثى، لهذا أرى أن العواصم والمدن الكبرى لسن سوى عاهرات، والمدن الصغرى: أمهات.
• رائحتك تجعل العالم كله يتحول إلى أنف.
• الحياة مثل البيانو لا يكتمل لحنها فقط بالمفاتيح البيضاء… لا بد من استخدام المفاتيح السوداء أيضا!
• لي صديق – جزاه الله خيراً – إذا أصابتني مصيبة قال إنها «عقاب» وإذا أصابته مصيبة قال إنها «ابتلاء»… كأنني جدة.. وكأنه الرياض.
• في رأسك ألف باب صغير لم يُفتح من قبل… اكتفيتَ بفتح الأبواب التي ورثتَ مفاتيحها من الأهل والأقارب والكتب الأولى… جرب أن تفتح الأبواب الأخرى. لا تخف من الهواء الجديد.
• جهلك ببعض الأشياء فيك لا يعني أنها غير موجودة لديك… اخرج منك. لتراك بشكل جيد.
• «صح» مطبعي: لكل مجتهد «نسيب».
• الجبناء يرون أن أي فعل شجاع هو تهور… والبخلاء يرون أن أي فعل كريم هو إسراف وبذخ… لا تستشر الجبناء والبخلاء في أمور الشجاعة والكرم.
ويقهقه الرطيان:
• «يا كثر النفافيخ اللي تبي تطق بـ 2011 م!
ولا نملك في هذه اللحظة التاريخية، التي تعصف بأمتنا العظيمة، إلا أن نردد مع زكية زكريا: «هات البلالين يا نجاتي».
ونقهقه معه…
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
إلى الشقراء… تلك
أنا الشرق، أنا العرب، أنا النفط، أنا الثروة، أنا الرفاه، أنا التخلف، أنا الثورة، أنا السفيه في عين حكّامي.
سيدتي الشقراء الأوروبية، يا من تعرفت بك بعد أن قدموكِ إلي «مهندسة ديكور داخلي من السويد» وقدموني إليك «كويتي جورناليست» أو صحافي كويتي، أخطأوا هم في تعريفي، وكذبوا عليك لجهلهم… قالوا جورناليست ولم يقولوا صعلوكيست متمرّديست من الميدل ايست، لا يعيش بلا نساءايست، وفي حضور الجمال قد ينسى التنفس فيموت إن لم يذكّره أحد، لكنه لا يميل إلى اللون الأشقر فافرحي أو احزني…
ماذا أيضاً؟ أحدثك أكثر؟… أنا المتناقضات… أنا الفوضى كما هي حالت هذه المقالة… أنا الشرق، ألا تعرفين الشرق، حيث الشعوذة حقيقة والحقيقة شعوذة؟ حيث تفسير الأحلام يدر دخلاً أضعاف الدخل من الاختراعات الهندسية؟ أنا العرب، حيث الشعوب ملك للحكام يورثونها أبناءهم كالعقار والأبقار؟ أنا من العرب، حيث لا يوفر لنا حكّامنا أطباء فنلجأ إلى العلاج بالبصق، قبل أن نشكر الحاكم ونحمده على جزيل نعمه ووافر فضله… أنا من العرب، حيث لا نرفض أمراً لحكامنا إلا إذا نهضنا لتحيتهم والتصفيق لهم فيأمروننا بالجلوس فلا نقبل… أنا من الشعوب تلك، حيث لا يتحدث حكامنا إلا إلى الفضائيات الأجنبية، وبالتوقيت الأميركي، الذي يوافق موعد نومتنا السابعة، فالمواطن الأميركي هو المخاطب لا نحن.
أنا من مصر الحرة يا سيدتي الشقراء، حيث نجح الضعفاء في كسر أنف أبي الهول… أنا من ليبيا، حيث الحاكم الذي وضع إبهامه وسبابته في رقبة شعبه اثنين وأربعين عاماً، وعندما دفع الشعب يدي الخناق بعيداً عن رقبته، تساءل الخنّاق مذهولاً: «من أنتم؟»، هو كان يخنق والسلام، لم يكن يعرف هوية المخنوق.
من أنا؟ أحدثك أكثر؟… أنا سورية، حيث مقاومة إسرائيل أربع مرات يومياً في نشرات الأخبار تكفي وتفيض. أنا من سورية حيث الطفل «حمزة» أحرج «عطران الشوارب»، حيث استُبدل العلاج بالبصق بالعلاج بالقصف… من أنا؟ أنا درعا لا أمّ لكِ، حيث يعلو صوت الربابة وغناء أمهات الشهداء على دوي المدافع… اخفضي عينيك يا سيدتي إجلالاً وانحني إكراماً فأنتِ في حضرة درعا، حيث الكرم هنا بإراقة دماء أولادنا قبل أن تنبت شواربهم عندما يعتقد الخليجيون أن الكرم يكون بإراقة دماء الأكباش والأنعام ويفاخرون بذلك… أنا من درعا أيتها الشقراء، حيث تخجل الجبال من ثباتي… أنا يا خضراء العينين درعاوي، أنا ابن السابعة عشرة الذي غنّت لي أمي أغنية العرس عندما بلغها خبر استشهادي، وعندما مر بي أصحابي وهم يحملون أشلائي أمام منزلنا، خرجت لهم أمي وأطلقت زغرودة حااااارة رددتها معها السماء… «أوييييييييها ليليليليليش».
من أنا بالتفصيل؟ أنا الكويت، حيث الحرية التي كانت، والريادة التي كانت، والخجل الذي كان، والفن الذي كان، والوحدة الوطنية التي كانت… أنا من الكويت، حيث يُضرب النواب والأكاديميون ويتم سجن المضروب. لا تضحكي، انتظري قليلاً… أنا من الكويت حيث يُطلب من المضروب أن يحمد الله بكرة وأصيلاً لأنهم اكتفوا بضربه وسحله وامتهان كرامته فقط، وآه «لو كنتَ في دولة من الدول اللي بالي بالك»، هكذا نطقوها.
أنا من الكويت لا أبا لكِ، إن كنتِ تعرفين أباك… أنا من الكويت، حيث يحكمنا أسرة نحبها، إلا أن خطاياها تناثرت من «الكيس» في الفترة الأخيرة لكثرتها… أنا من الكويت، حيث تطاير الدستور كدخان سيجارتي، هكذا، هوووووف… أنا يا شقراء يا بنت الأشقر من الكويت، حيث قرر الأحرار ذوو الدماء الحارة استعادة وطنهم رغماً عن أنف الوباء المنتشر في الأجواء.
أنا كل هؤلاء وأكثر… فمن أنتِ؟
بو عكاريش
الدنيا تغيرت، والدول العربية المحيطة بنا تجري كل يوم لترفع لياقتها البدنية وتلحق بالدول المتقدمة، وما كان يحدث في سنة بات يحدث في يوم أو بعض يوم، ولم يعد لدى العشاق ما يكفي من الوقت للاستماع لأغاني أم كلثوم التي تمتد أكثر من ساعة وساعتين… خلاص… يا تلحق يا ما تلحق.
حتى الرجل الكويتي الذي كانت أقصى رغباته تنحصر في الأسعار والنساء، ولهذا جمع الرغبتين في دعاء واحد: «يا كريم يا مرخص الحريم»، على اعتبار أن النساء من مسؤوليات إدارة حماية المستهلك… أقول حتى الرجل الكويتي تغيرت رغباته، فالنساء اليوم أكثر من الهم على قلبه، خصوصاً بعد أن امتد نطاق مجلس التعاون الخليجي واتسع، وكل ما لا يجد سعره مناسباً أو حتى رخيصاً في الكويت يشتريه عن طريق الإنترنت أو أي طريق آخر. والمرأة الكويتية كانت فأصبحت.
إذاً… تغيرت المشاكل والطموحات والرغبات والنفسيات، وتغيرت الثقافة، وبات الكويتي، كغيره من مواطني دول العالم، يناقش مشاكله السياسية والاقتصادية ويحتج على هذا ويؤيد ذاك، وأصبح يشاهد ما تفعله الحكومات لخدمة شعوبها، وتابع تنافس فنلندا وآيسلندا والنرويج في قطاع الاتصالات، وكيف اشتعل السباق بين الحكومات الثلاث للتفوق على بقية دول العالم، فقرر برلمان فنلندا أن يضمّن الدستور مواد خاصة بالإنترنت باعتباره من حقوق الإنسان، فالتزمت الحكومة بذلك وتعهدت بأن توفر لكل منزل إنترنت بسرعة «1 ميغا بايت» كحد أدنى، فغضب الشعب النرويجي على حكومته وشعر بالغيرة، فخافت حكومته وتعهدت بأن «تشد حيلها»، وشدت حيلها بالفعل فتفوقت على فنلندا، ودخلت آيسلندا على الخط، وهات يا منافسة..
كل هذا وحكومتنا تعيش على النظام القديم، وتختبئ خلف نظام المشيخة وفداوية الإعلام وفداوية البرلمان وفداوية الفتاوى وأهل الفتنة، وتركت الاتصالات على نظام «يا طير يا خافق الريش، سلّم على بو عكاريش»، وإلى أن يصل الطير أبو الريش برسالة العاشق إلى منزل معشوقته الآنسة أم العكاريش تكون اليابان قد أعادت بناء جسورها المهدمة جراء الزلزال إلى حالتها قبل الزلزال (العالم شاهد صور إعادة الإعمار، وكيف استطاع اليابانيون إعادة بناء طريق سريع خلال أقل من أربعة أيام).
طيب وبعدين… ما الذي تبقى لم يفعله الشعب الكويتي ليعبر عن غضبه؛ استجوابات واستجوب، مقالات وكتبَ، مسيرات ومظاهرات وسارَ وتظاهرَ، لم يبقَ إلا أن «نطبع مفروشات ونوزعها»، على رأي اللمبي، بينما الحكومة تتمدد على أرجوحتها التي ربطتها بين شجرتين، وتستمتع بنكهة الفراولة على أنغام شتائم فداويتها لخصومها، والبلد يهوي ويهوي ويهوي، والشعب يغلي ويغلي ويغلي… وحتماً لن تستمر الأمور بهذه الصورة.
سجل عندك 1
تريد الكذب البارد الذي يسرسح على جوفك ويخدّر دماغك ويطبطب على أكتافك أم لديك القدرة على تحمل الصدق الذي يلسعك ويصفعك ويسفعك بالناصية… تعال إلى ميدان الصدق، وتعال لنتحدث عن الفرق بين عادات الشعوب المتعلمة وطباعها ونقارنها بعادات الشعوب غير المتعلمة وطباعها. وعندما أقول «متعلم» أو «متعلمة» فأنا أتحدث عن الفرد في الشعوب المتعلمة، وعندما أقول «غير المتعلم» فأنا أتحدث عن الفرد في الشعوب غير المتعلمة، حتى لو كان يحمل شهادة الدكتوراه. وطبعاً لا حاجة لي إلى التذكير بأنني أتحدث عن الغالبية لا الكل.
وسيلفتك في الشعوب غير المتعلمة المبالغة في الحزن والكرم، ويموت ميّتهم الذي لا يعادل حبة خردل، فتندب الندابات، وينثرن التراب على وجوههن، ويرتفع صراخهن، وتقوم قيامتهن… ويموت المتعلم فيكتفي أهله وأصدقاؤه بالحزن والإطراق والصمت ووضع الورود على القبر، فللموت هيبة عندهم وجلال.
وإذا زرت صديقاً من الشعوب غير المتعلمة، فيا ويلك ويا سواد ليلك إن كنت مستعجلاً أو على سفر، سيقسم عليك بأغلظ الأيمان وأمتن العبارات أن تأكل عنده ذبيحة، كبشاً أو تيساً أو ديكاً رومياً أو غيرها من البهائم التي تعتمدها بيئته رمزاً للكرم وحسن الضيافة، وسيدعو الجيران والأقارب، وستشعر لوهلة بينهم أنك أبو زيد الهلالي، وفي أضعف الأحوال أنت دياب بن غانم، أما إذا زرت متعلماً تربى في بيئة متعلمة، فسيخيّرك: «ماذا تشرب؟» أو «سأصحبك إلى مطعم فاخر إن كان لديك الوقت»، هكذا ببساطة، فإذا كنت غشيماً مثلي، وأجبته: «كثّر الله خيرك… لست جائعاً»، فسيصدقك فتجوع فتموت.
وفي الشعوب غير المتعلمة، سيفاخر أحدهم: «أنا أكرمُ ضيفي حتى لو لم أكن أملك مال الضيافة، سأستدين لإكرامه، وسأقتّر على أولادي من أجله»، وهو يرى ذلك غاية الفخر وسنام المجد، في حين تعتبر الشعوب المتعلمة هذا المسلك تهوراً وعدم حصافة.
ويحدثني صديق: كنا في أميركا، والتقينا صدفة مع مجموعة من المعارف، واتفقنا على تناول الغداء معاً، وجاءتنا الفاتورة، فتناهبناها كعادتنا، كلّ يقول أقسم أن أدفعها أنا، وعلا صوتنا، وانطلقت أيمان الطلاق، ونهض بعضنا لينتزع الفاتورة من يد الممسك بها، فجاء إلينا أميركي طاعن في السن، تبين لنا لاحقاً أنه صاحب المطعم، وقد تحول وجهه إلى اللون الأحمر الفاقع، وهمس بأدب وهو يحاول إخفاء غضبه: «ما المشكلة أيها السادة؟»، فأجبناه ضاحكين: «لا شيء»، فأصرّ: «أنا رأيتكم وسمعتكم تصرخون، هل لديكم مشكلة مع أسعار المطعم؟»! يقول صاحبي: «تمنيت لحظتذاك أن تنشق الأرض لتبتلعني، فالأميركي الأحمر لا يعرف طريقتنا في المبالغة»، ويضيف صديقي: «شرحنا له الموضوع قبل أن نغادر المطعم ونتركه وهو يضع يديه على وسطه ويتبعنا بنظرات من يفكر في إغلاق المطعم أو بيعه، ولا أظنه فهم شيئاً مما قلناه… حتى هذه اللحظة».
وتستمر المبالغة حتى لو على المستوى السياسي، فلحكّام الشعوب غير المتعلمة صلاحيات وسلطات مبالغ فيها، وبإمكان الحاكم تقسيم أراضي الدولة، هذه أقضي فيها الصيف، وتلك للشتاء، وهذه الأرض لأخي، وتلك لابني، ووو، وهذا من حقه، كما تعتقد تلك الشعوب، وكلما قسا على الشعب اعتبروه مهيباً، في حين لو تجرأ حاكم شعب متعلم على التفكير، مجرد التفكير، بمثل هذا، لعلقوه من أذنه اليسرى على مدخل المدينة، وربطوه بالحبال، وضربوه بالنعال… وللزوج غير المتعلم صلاحيات وسلطات على زوجته مبالغ فيها، وهو يفخر بذلك، وهي تفخر أيضاً، وللأب على أبنائه صلاحيات مبالغ فيها، ويفخر ويفخرون، ولرجل الدين سلطات مبالغ فيها، وثروات مبالغ فيها، ومكانة اجتماعية مبالغ فيها، فهو يقبض أموال الزكاة والخمس والنذور ووو، ويحدد ملامح حياة البشر، ويتدخل في تفاصيل الناس، فيقمع ويقطع ويقلع كما يشتهي، أما عند المتعلمين، فهو رجل دين، بس، هكذا…
أما الصدق، فيا ويلاه على الصدق، خصوصاً عند النساء، بل تحديداً عند النساء… تسأل الصبية غير المتعلمة: «ملامحك تغيرت، هل أجريتِ عمليات تجميل؟»، فتقسم لك بشعرها الذي للتو قصّته، أنها لم تجرِ ولا عملية، وتسأل المتعلمة فتنساب وتترقرق بوضوح: «آه، نعم، أجريت أربع عمليات تجميل، واحدة هنا وأخرى هنا…».
وكي لا تتحول المقالة إلى معلقة سأتوقف هنا على أن أستكمل لاحقاً، وأتمنى أن يحتفظ كل غاضب بغضبه إلى أن أُنهي هذه السلسلة.
الخرتيت
سامح الله أخي وحبيبي شهر يوليو، تأخر هذه السنة، والغائب عذره معه، والكويتيون المحبطون يغزلون النسيج في انتظاره، وأنا أنهض بين دقيقة وأخرى وأطل من الشرفة، علّه أو لعلّه.
وشهر يوليو يختلف عن بقية شهور السنة كما تختلف تلك الصبية عن بقية الصبايا، وآه يا تلك الصبية، وآه يا شهر يوليو، شهر غسْل الأكباد، شهر الهرب من إدارة الدولة بعقليات العرب، عقلية الشيوخ، أو بعض الشيوخ، الذين أصابهم الحول فقرروا إعادتنا إلى زمن «المشيخة»، وتعاملوا معنا بنظام العلف والشعير، وعليك أن تبلع من البرسيم و«تسرط» الشعير، وتثغو حمداً لله وشكراً، ماذا وإلا فستثغو عليك «خرفانهم» التي ربّوها فأحسنوا تربيتها، وتخور عليك أبقارهم التي سمّنوها حتى أصبحت تزحف لفرط سمنتها، ويا ويلك ويا سواد ليلك من كذب خرفانهم وافتراء أبقارهم.
أين أنت يا يوليو؟ تعطرنا لك وتزكرتنا فلا تتأخر كي لا يتلاشى العطر، والعرب تقول «لا تُسرج قبل أن تُلجم» ونحن لفرط شوقنا إليك أسرجنا خيلنا في انتظارك قبل أن نلجمها، ونزار قباني يقول: «اشتقت إليك فعلمني ألا أشتاق»، وها أنذا أحذرك، فإن تأخرت أكثر فلا تلومن إلا نفسك، إذ لم يبقَ إلا أن تتسلم نائبة تسييس السياسة، التي تصرّح وتصفق لنفسها، منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ووزير المالية، كي نكتب في أسفل الصفحة الأخيرة «تمت بحمد الله… الطبعة الأخيرة» ونغلق غلاف الرواية.
تعال بسرعة يا عزيزي يوليو فنحن نعيش في رواية، رواية مسلية، لكنها على عكس النسق المعروف في الروايات التي تبدأ حزينة وتنتهي بفرح، هنا بدأنا بفرح وسننتهي بأختنا المسيسة وزيرة.
عجّل يا يوليو، فقد كمن الذئب الأدعق واختبأ، وبرز «الخرتيت» وتمادى، وبدلاً من أن يهاجم خصمه في وسيلته الإعلامية، كما يفعل غيره، راح يسخر من قبيلته ويعيد التاريخ إلى ما قبل القانون والعلم! وأنت تعلم يا يوليو، بل أنت خير من يعلم، أنه لو كان يعيش في عصر ما قبل القانون، والتقى مع أحد من أبناء القبيلة تلك في «صحصحٍ خالٍ» أو في صحراء، وحدهما، لعرف كلّ منهما حجمه، ولزاول كلّ منهما هوايته، فللذئب هواية وموقف يختلفان كثيراً عن هواية الخرتيت وموقفه.
أيها العزيز يوليو، لقد تكاثر الذباب وتعالى نباح الكلاب، وانتثر الملح على الجرح، وارتدى الخرتيت جلد النمر وراح يصرخ مطالباً بأن يُعاملَ معاملة النمر، وأن يتقدم مسيرة ذوات المخلب والناب، فضحكت الغابة حتى سقطت على ظهرها، وحكّت القردة رؤوسها دهشة، وأخرجت الزواحف ألسنتها سخرية، وصفقت السناجب الكف بالكف حسرة… تباً للخرتيت ما أغباه، وتباً للبرسيم الذي أفقده عقله.
السيدات والسادة… القائدات والقادة
ويبرز السؤال القديم مجدداً: «هل عضو البرلمان يمثل الناس أم يقودهم أم يمثلهم ويقودهم في آن واحد؟»… النائبة الفاخرة سلوى الجسار تقول إن النائب يقود الأمة، والدستور في المادة 108 ينص على أن «النائب يمثل الأمة…»، بمعنى أن النائب سعدون حماد يمثلني، والنائب عدنان المطوع يمثل سعود العصفور، والنائبة رولا دشتي تمثل سائقي تاكسي المطار… وهذا عليك الله «كلام ما معدول وما نقدر نختّوا في روسنا» كما يقول السوداني المبدع الطيب صالح رحمه الله.
فلو كان سعدون يمثلني لتعلّمت الكاراتيه كي أتفاهم معه بطريقتي الخاصة، ولو كان المطوع عدنان يمثل سعود العصفور لراح عدنان «من صيد أمس»، فسعود ضخم البنيان عريض الكليتين، كفه جرافة من جرافات فريق الإزالة، ولا يحتمل أبو عبدالعزيز «حركات الصكصكة» على رأي أهل مكة المكرمة، التي يمارسها المطوع، وسائقو التاكسي «ما وراهم إلا الفقر» فلا عقود مليونية ولا هذي ولا ذيّة، فعلامَ تضيع رولا وقتها الثمين معهم.
إذاً، على أرض الواقع النائب لا يمثل الأمة بأسرها، بل إنه، وهذا هو الغالب، قد يمثل الشيطان الرجيم في عيون بعض أبناء الأمة في حين يمثل الملاك الرحيم في عيون البعض الآخر، لذا يجب أن يتم تعديل المادة 108 لتصبح «النائب يمثل ناخبيه فقط…».
طيب هذا من ناحية التمثيل، فماذا عن القيادة؟ بمعنى، هل عضو الجمعية التعاونية، الذي جاء بالانتخاب أيضاً، أو عضو النادي الرياضي، أو أي عضو منتخب، يقود ناخبيه، كل في مجاله، فالبرلماني يقود الأمة في التشريع والرقابة، والتعاوني يقود المنطقة في المجال التعاوني… هل هذا الكلام صحيح؟ الجواب بحسب رأيي: لا.
ثم ماذا عن الكتّاب والمفكرين الذين يقودون فكر الأمة ويوجهونه، أو هكذا يفترض؟ وإذا كان عدد النواب خمسين نائباً فإن عدد كتاب المقالات يفوق الأربعمئة كاتب رأي بخلاف المؤلفين وكتّاب السيناريوهات والشعراء ووو؟ فمن الأولى بالقيادة؟ وهل نحن بحاجة إلى قائدات وقادة أيها السيدات والسادة؟ الجواب بحسب رأيي: أيضاً لا.
وبالعودة إلى السؤال في الأعلى، الإجابة كالتالي: كلّ يؤدي دوره في مجاله، فلا أحد يقود أحداً، ولا أحد يمثل إلا من انتخبه. نقطة على السطر.
***
النائب حسين القلاف حضر نحو ست جلسات منذ بدء الفصل التشريعي، ولا أظنه حضر أو شارك في أي لجنة لصياغة القوانين ومتابعة مصالح الناس. وفي كل مرة يحضر إلى قاعة البرلمان تنشب معركة هو شرارتها وشعلتها، ثم يبدأ بالشكوى من التكفيريين والطائفيين! وأظن أن على رئيس البرلمان أن يمنع دخوله بالعصا إلى القاعة، وأن يكلف الرئيس «حَكَماً رابعاً» كما في كرة القدم يقف عند مدخل القاعة ليتفقد أحذية النواب خوفاً من أن تكون مدببة أو تحمل مسامير… فالسالفة علْقت، على رأي اللبنانيين.
كويتي وأفتشل
أكثر ما ينتشر التفاخر الكاذب بين الشعوب القليلة التعليم، الشعوب التي لا تقرأ، أما الشعوب العاقلة فإنها «خصيمة نفسها»… ويذكر المؤرخون أن الألمان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية حُرِموا التعليم في القسم الشرقي من بلدهم الواقع تحت الاحتلال السوفييتي، فارتفعت نبرة التفاخر بينهم، رغم حرمانهم التعليمَ واحتلال وطنهم وإذلالهم وإفساد مؤسساتهم، في حين لم يلمسوا هذا التفاخر في القسم الغربي من ألمانيا، حيث التعليم المرتفع والاحتلال «المحترم» بالمقارنة.
هكذا هي قوانين الطبيعة إذاً، أعطني شعباً جاهلاً وخذ تفاخراً لا حد له ولا ند. أعطني فساداً وخذ قنوات سكوبية تخاطب الجهلة ومحدودي التعليم وتخدع جدّاتنا الأميات وتستغفلهن وتمرر رسائلها بين الأغاني الوطنية التي لا تنقطع ولا تسمن ولا تغني من جوع.
كل هذا قد أفهمه وأنا أشوّح بيدي، لكنني لن أفهم كيف استبدل شبان تخرجوا من أرقى جامعات الغرب مقولة «الله لا يغيّر علينا» التي كنا نسمعها من جداتنا إلى مقولة أشد منها وأنكى «أنا كويتي وأفتخر»؟ بماذا تفخر يا أيها الكويتي العظيم الذي لم يُخلَق مثلك في البلاد؟
تفخر بجامعة الكويت اليتيمة غير المعترف بها في الدول المحترمة، الجامعة التي تتشعبط بذيل قائمة الجامعات؟ بماذا تفخر؟ بأرضيات ملاعب أنديتك ومبانيها المتآكلة وأنت في دولة ميزانيتها تكسو الأرض بالحرير، وكل هذا بسبب صراع بين الشيوخ والتجار وحرب «كسر الخشم» التي ندفع ثمنها جميعاً؟ بهذا تفخر؟ أم بمسارحك المنتشرة المجهزة بأحدث التجهيزات؟ أم بنسبة قراء الكتب والمثقفين وإنتاجات المبدعين؟ أم بالطائفية الجميلة التي ازدهرت ونمت وطرحت تفاحها حتى لخبطت «نيوتن»؟
على الأقل عندما كانت جدتي وضحة، رحمها الله، تردد «الله لا يغيّر علينا»، كانت تلحق جملتها الساذجة تلك بجملة تبررها «عايشين في أمان وطمان»، لكن قل لي أنت يا جامعي يا كويتي وتفتخر أين «الأمان والطمان» بعد كل هذه المشاهد الطائفية وندواتها؟
طيب هات أذنك كي أهمس لك بمعلومة تجعلك تفخر بمزاج رائق… هل تعلم أن العراق رفض دخول شحنة تزن 66 طناً من اللحوم الفاسدة، فتم تحويل الشحنة إلى الكويت فدخلت «برداً وسلاماً» إلى الأسواق ومنها إلى بطون الكويتيين العظماء، ولم تظهر نتيجة العيّنة إلا بعد أن تحولت اللحوم إلى «مكابيس ومرق»، ومازال التاجر «السوري» صاحب الشحنة، المسنود بقوة فولاذية، يتمشى متمخطراً في الكويت، ويخرج لسانه لك ولكل الكويتيين المفتخرين.
على ماذا تسبل عيونك زهواً؟ على 1355 شحنة أغذية فاسدة، بمئات أو آلاف الأطنان، راحت كلها في بطنك وبطون أقاربك؟ يا حلوك.
بماذا تفخر يا حماك الله؟ بانحدار الكويت السريع المريع إلى أن أصبحت أكثر دول الخليج فساداً (أكرر، أكثر دول الخليج، لا دول شرق آسيا ولا شمال أوروبا)؟ إذا كنت تفخر بهذا فقل لي وحياة أمك ما الفرق بينك وبين المصري أحمد سعيد، مذيع النكبة المعروف، الذي كان يصرخ: «الله أكبر… دمّرت قواتنا الباسلة تلاتين طائرة معادية وخمساً وسبعين آلية «مقنزرة» أي مجنزرة، وفعلنا وعملنا وقتلنا»، بينما الحقيقة تقول إن الجيش الإسرائيلي كان يعلّم العرب الأدب في تلك اللحظات.
بماذا تفخر وتتفشخر؟ بقياديي مؤسساتك الذين تم اختيارهم على أساس الولاء فقادوك إلى التهلكة؟ بماذا تهايط بكويتيتك؟ بنفطك الذي هو مصدر دخلك الوحيد، والذي بيعت أول شحنة منه قبل نحو سبعين سنة، ومازلتَ تعتمد على الأجانب في استخراجه وبيعه؟ على ماذا تتعنطز؟ على وحدة الصف التي عاث فيها بعض المتنفذين، عبر كلابهم النابحة، فساداً؟
على ماذا تتشيحط؟ على ملياراتك المسروقة أثناء الغزو وأنت مشرد، ولم تستردها إلى الآن؟ وفرحان؟
بماذا تتباهى؟ انزل إلى الأرض أيها الديك فللفضاء نسوره، ولا تحاول أن تنفش ريشك أيها الطاووس الأمرد، فلا ريش لك، ولن ينبت لك ريش ما لم تدرك أنك في وضع مزرٍ فتنهض وتنفض عن جسمك الغبار، وتصرخ بأعلى غيظك: «كفى».
دع الفشخرة الهيروينية المخدرة فهي لا تعالج مرضاً ولا تعقّم جرحاً ولا تزرع شجراً، وتلفّت حولك وقارن نفسك بالشعوب التي تتنافس على المراكز الأولى، في حين تسبح أنت في بحيرة آسنة من الفوضى والتخلف، تحيط بك الطحالب من جهاتك الأربع، وتتلاعب الريح الملوثة بسفينتك وتسيّرها بمعرفتها.
بلاش دلع وخيبة… متى تغضب؟ متى تحتج على الفساد والمفسدين؟ أتعرف متى؟ عندما تصدق مع نفسك وتردد بغضب «أنا كويتي وأفتشل بوضعي الحالي، ولن أسمح باستمراره»، حينها، فقط حينها، ستتنفس الكويت وتموت الطحالب وتتفتح الورود… ويحق لك أن تقول «كويتي وأفتخر».
خوفاً على السجادة
أجمل شعور هو أن تجلس مثلي هكذا، متربعاً، واضعاً يدك على خدك، بانتظار تشكيل الحكومة التي ستكون مسؤولة عن حاضرك ومستقبلك أنت وعشيرتك الأقربين، دون أن يكون لك في اختيارها قرار… وإذا سئلت فـ«رش بخّتين» من أطياب المرشود على غترتك وخلف أذنيك وقل: «نحن في بلد ديمقراطي ولا فخر».
لا أريد أن أقول كلاماً يُغضب الحكومة مني (كنت أريد أن أقول «لا أريد أن أغضب سمو الرئيس مني» لكنني تراجعت لأسباب برمائية غير مرئية)، ومن أنا كي أغضب الحكومة، صعلوك ليس في يده إلا قلم مُحرّم تتفحصه الجمارك بأشعة الليزر وتتناوشه القضايا، صعلوك يقرأ دائماً «الناس سواسية» فيضحك حتى يظهر لسان موته في أقصى بلعومه، أو زلعومه، على رأي اللبنانيين.
عن نفسي، لن أنتظر بلهفة على النافذة تشكيل الحكومة. وجُل من أعرف، إن لم يكن كلهم، مثلي لا ينتظرون على النوافذ، فهُم يعرفون البير وغطاه، وممّ صنع غطاه، وأين.. لذا، تعالوا نضحك ونرقص إلى أن يقرر أصحاب المعالي مصيرنا، تعالوا نطفئ الأنوار بيدنا لا بيد عمرو الحكومي، وندخل تحت عباءة الظلام، ولتنتقوا لنا أغنية تساعد على الرقص وهز الأكتاف وغير الأكتاف… هي خاربة خاربة فعلامَ البكاء والنحيب؟
وتذكرت صديقاً كان تحدث في الديوانية بألم وأسى: «أقسم بالله لن تطأ قدمي أميركا مرة أخرى»، فتساءلنا: «ليش؟»، فأجاب بشموخ ملك إفريقي تحيط به الجواري: «لم أتعرض في حياتي لمهانة كالتي تعرضت لها في مطاراتها»، فتهكّم أحد الأصدقاء: «كان الله في عون أميركا… ستخسرك»، وتهكمتُ مثله وأنا ألتفت إلى القبلة: «ومتى كنت محترماً يا أخا العرب (لم أقل يا أخا الكويت) كي تستنكر المهانة؟… القطعان لا تتذمر»، فشوّح بيده متذمراً: «متى تكف عن الحديث في السياسة؟ ثم يا أخي لمَ لا تعتبرنا قططاً اقتنتها الحكومات وأمعنت في تدليلها»، فأجبته: «لن أكف عن الحديث في السياسة إلى أن تكف أنت عن ادعاء الاحترام، أما حكاية القطط فلن أعلق كي لا تلطخ السجادة».
***
العتب على ذاكرتي المهجورة التي تراكمت فيها الكراكيب فلم أعد أفرّق كركوباً عن آخر، وكم من قطعة ثمينة فقدتها في دهاليز هذه الذاكرة الخربة… عموماً، نسيت أن أنوّه في مقالتي السابقة إلى أنني أود استئذانكم وإدارة التحرير للتوقف بضعة أيام لا تتعدى أصابع اليدين، كي أتفرغ لمتابعة الصحيفة الإلكترونية.
سَبْر
لطالما سُئلت: «رغم كل ما كتبت، لم تُسجَن… كيف؟ ولماذا؟»، فأجيب: «أنا مثل بطل الفيلم الهندي، أقفز من الحصان إلى الزورق البحري لأخلّص حبيبتي من بين أيدي أفراد العصابة، ثم أطير فأمسك بالهيلوكبتر التي يقودها رئيس العصابة الذي يتاجر بالأطفال وغسل الأموال والأغذية الفاسدة، ثم أطلق من مسدسي طلقة واحدة إلى الوراء دون أن ألتفت فأقطع حبل المشنقة الذي يلتفّ حول رقبة صديقي، فتحاصرني العصابة، فأهرب، فيطلقون النار عليّ لكنهم لحسن الحظ لا يصيبونني! مئات الطلقات… آلاف الطلقات… طلقة تصيب «المزهرية» فتتناثر ورودها، وطلقة تصيب أطباق الأكل فتتحطم، وثالثة تصيب ماسورة المياه فتندفع مياهها بقوة إلى الأعلى فتغرق الشوارع، ورابعة وخامسة وسادسة، ومئات، وآلاف الطلقات، كلها تنفجر بالقرب من أقدامي، في حين أطلق أنا طلقات ثلاثاً، فقط ثلاثاً، كلها في «اللحم»… يحدث هذا دون أن أصاب بخدش واحد، ودون أن تتسخ ثيابي أو تتغير ملامحي، باستثناء شيء واحد… شعري الذي كنت أسرّحه إلى الخلف انهالَ على عينيّ».
لكن اليوم، وبعد أن قررت والشقيق سعود العصفور تدشين صحيفة «سبر» الإلكترونية، أظن أن نهاية الفيلم ستكون مأساوية، وأظن أن طلقات العصابة ستخترق كرعاني وكرعان الشقيق، وستنجو المزهرية وماسورة المياه، وأظن أنني وسعود سنتشرف بزيارة «بيت الخالة» على رأي السوريين، أي السجن، الذي سندخله بالرجل اليمنى… وإذا كان قانون النشر الإلكتروني، الذي سيسجننا، لم يُقرّ بعد، فسيتم سلقه سريعاً كِرْمال عيون الحلوين.
على أنني لن أدخل السجن قبل سعود، امتثالاً لقصيدة المرحوم والدي التي تحدث فيها عن «حقوق الخويّ»، أي الصديق، وشرح فيها أن «خويّك» إذا أراد أن يصعد إلى الأعلى فعليك أن تخفض منكبيك ليضع قدميه عليهما، وإذا أراد أن يتقدم فعليك أن تتمهل في مسيرك، وإذا وإذا وإذا، بشرط أن يكون الخوي كفؤاً… وسعود خويٌّ كفؤ، لذا سأتمهل في مسيري ونحن في طريقنا إلى السجن.
والصحافة مرض لا شفاء منه، أو هي وجبة كلما تناول الصحافي قضمة منها زادت شهيته لها، لكنه لن يصل حد التخمة أبداً… وفي «سَبْر» قد يموت البطل الهندي قبل نهاية الفيلم، ويُحرق جثمانه، وقد ينجو من الموت لكن كرعانه لن تنجو من الرصاص الحي بالتأكيد.
الأيام القادمة من هناك… ستفتح «مصَرّها» وتكشف ما تُخبئه.
***
لم أشاهد «زواج القرن»، لكنني قرأت أن العروس «كيت» رفضت «قَسَم الكنيسة» الذي يجبرها على «طاعة زوجها»، من باب أن الأمور يجب أن تسير بالنقاش لا الطاعة العسكرية العمياء، مع التزامها «باحترام زوجها وحبه والمحافظة على شرفه»، وهو تصرف سبقتها إليه أم المعرس ديانا سبنسر، ما دفع الملايين حينذاك إلى تحيتها والإعجاب بتصرفها.
أن تطيع زوجها أو تغسل قدميه أو تضربه بالملّاس أو أو أو هذه أمور بين البصلة وقشرتها، ولست من «الباباراتزي» كي أهتم بمثل هذا… ما يهمني هو رفضها أداء القسم احتراماً لمكانة القسم وهيبته. وهو ما دفعني إلى التساؤل: «لماذا لا يرفض بعض نوابنا ووزارئنا القسم الدستوري إذا كانوا يمسحون بطونهم ويفركون كفوفهم استعداداً للهبر؟»، لا تقسموا يا سادة ويا سيدات، اهبروا على الناشف، إني لكم من الناصحين.
وبارك الله في هذه العروس الصادقة وحمى أختها الصغرى المزيونة… العسل قطفة أولى.
حسبة دجاج
البريطانيون، بل الأوربيون والأميركان كلهم، من موريتانيا إلى صنعاء، لديهم الوقت الكافي لمتابعة تفاصيل زواج وليام وكيت. ووليام، كما يعرف المارة وعابرو السبيل، هو الابن البكر لولي عهد بريطانيا تشارلز والبرنسيسة ذات العيون «النجلى» والرموش الكسلى والخدود الخجلى ديانا سبنسر التي غادرت دنيانا، تغمدها الله بواسع رحمته بقدر ما أسكتت صراخ بطون جائعة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
ولا أدري لمَ كل هذه الكاميرات والفلاشات والبرامج المخصصة لتغطية زواج هذا الأمير الكسول الذي اكتفى بممارسة هواية امتطاء الخيل وركوب البحر، فلا هو رئيس اتحاد كرة قدم كما هو حال أقرانه الأمراء العرب، ولا هو شاعر مثلهم يستحوذ على الأمسيات والأصبوحات الشعرية في كليات البنات والآداب والتجارة (تسعة وتسعون في المئة من الأمراء والشيوخ العرب، خصوصاً الشبان منهم، يولدون شعراء لا يقارعهم جرير ولا ينازلهم الفرزدق)، ولا هو ابن من استحوذ على أموال بريطانيا وهي تحت الاحتلال، فسرق استثماراتها وأسس قناة فضائية وجريدة وإمبراطورية إعلامية تضرب أشراف بريطانيا وتشعل حرائق الفتنة بين البريطانيين، ولا هو ولا هو ولا هو، إذاً «هذه الضجة الكبرى علامَ؟»… ما عليك من السوالف، أشهد أن وليام رخمة، وأشهد أن الشعوب تلك فاضية لا شغلة عندها ولا عملة.
***
القاضي السابق والنائب الحالي حسين الحريتي، رئيس اللجنة التشريعية البرلمانية، علّق على قضية الأغذية الفاسدة: «شدعوه، كلها ست دجاجات»، في محاولة منه لتهوين الأمر.
ورغم أن الدجاجات كانت أكثر من ست، أظنها كانت سبعاً، أو عدة أطنان، لا يهم، إلا أنني سأعتبرها ست دجاجات عجاف، وإذا افترضنا أن الدجاجة الواحدة، فاسدة كانت أو صالحة، تكفي لشخصين بالغين، أو ثلاثة أطفال، فلن يموت إلا اثنا عشر بالغاً أو ثمانية عشر طفلاً، بس… إذاً «هذه الضجة الكبرى علامَ؟».
والله يذكره بالخير السفاح الليبي معمر القذافي الذي قال في إحدى خطبه مستهزئاً: «يقولون قتلنا الآلاف (يقصد الثوار)، والصدق أنه لم يمت إلا مئتا شخص فقط»… ظلموه سحقاً لهم.
وأتذكر خبراً قديماً قرأته عن سقوط قطعة من سقف غرفة طوارئ في أحد مستشفيات بلجيكا (إن لم تخذلني الذاكرة)، نتيجة أعمال الصيانة، على رؤوس المرضى وذويهم، ما أدى إلى وفاة طفل وإصابة أمه وثلاثة آخرين… وفي لجنة التحقيق البرلمانية أخطأ المسؤول الحكومي في اسم المستشفى وذكرَ اسم مستشفى آخر، فهاج النواب عليه وعلا صراخهم: «ألهذه الدرجة لا يهمك الحادث؟ ما هذا الاستهتار؟ كلنا نعرف اسم المستشفى إلا أنت رغم أنك المسؤول التنفيذي؟!»، وبعد أن مرمطوا كرامة معاليه في الأرض، كتبوا في تقريرهم إلى البرلمان: «نرى أنه مستهتر ونطلب إيقافه عن العمل فوراً وإحالته إلى القضاء»، وهو ما تم فعلاً! اللافت أن رخصة هذا المستشفى الخاص سُحبت بعد أن ألزم مالكه بدفع مبالغ خيالية، وسُحبت معها رخصة شركة الصيانة بحجة إجراء الصيانة دون إخلاء المبنى من المرضى، وأحيل رئيس بلدية الحي والمسؤولون عن الموافقة على الصيانة إلى القضاء بعد إيقافهم عن العمل، ووو، وكانت ليلة كبيرة لا فجر لها…
البلجيكيون مؤزمون بطبيعتهم ونوابهم يخدمون أجندات خارجية للأسف، ولو كنا بلجيكيين لربما طالبنا بإعدام البعض في ساحة الإرادة أمام مبنى البرلمان… لكن الحمد لله على العروبة.
كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة