كان الله في عون بعض المسؤولين الكويتيين بعد انهمار سيل «ويكيليكس»، من أين خرج هذا الويكيليكس الله يلعن نصه والنص الثاني بعد أسبوع، على رأي ذلك اليمني الغاضب؟
وأجزم أن ما نشر من وثائق إلى الآن لا يعادل ربع جناح بعوضة مما سينشر لاحقاً، وما سينشر لاحقاً لا يعادل ربع جناح بعوضة من كمية الفساد المعروضة في السوق.
على أن أكثر ملف يهمني ويدفعني إلى تفتيش الأوراق ورفع السجاد وسحب الكنب بحثاً عنه هو «ملف الإعلام»، وآه يا ملف الإعلام، كم من إعلامي يشار إليه بالسبابة وبعد نشر الوثائق سيشار إليه بغيرها، وكم من إعلامي يشعر اليوم بالإسهال الشديد، وكم من منظّر سيضيع في الكازوزة، وكم من صحافي سيكنسه التاريخ بمكنسته إلى حيث «الدرامات الصفر»، وكم من صحيفة ترتدي قبعة «غيفارا» فإذا بويكيليكس يُسقط القبعة لنكتشف أنها من «شبيحة الفساد»، وكم من قناة تلفزيونية تدعي الشرف وبينها وبينه «بيدٌ دونها بيدُ» على رأي المتنبي.
وكنت قد كتبت قبل أكثر من سنتين عن الإعلاميين الذين يحظون برعاية بعض مؤسسات الدولة، ومنها مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، إما من أجل مدحها أو على الأقل «كفّ الأذى عنها»، وكنت قد تلقيت اتصالاً (لم أقل من الخطوط الكويتية) من تلك الاتصالات التي تبدأ بجملة «شدعوه بو سلمان ما تمر علينا تشرب فنجان قهوة»، وما أكثر هذه الاتصالات، لكنني من عشاق الكابتشينو مع الأسف الأسيف.
وياااه كم من فنجان قهوة شربه الإعلاميون بالهناء والشفاء، وغالبية الإعلاميين من عشاق القهوة! والقهوة، تلك الفاتنة الشقراء، تستحق العشق، واسمعوا السعودي شاعر الحرب خلف بن هذال وهو يبدأ ملحمته منشداً: «سووا لي الكيف وارهوا لي من الدلة .. البن الأشقر يداوي الراس فنجاله / كيفٍ لنا نحرقه بالنار ونزلّه .. واليا انقطع لو ورى صنعا عنينا له»، فلا تلوموا عشاق الفاتنة يا أولي الألباب.
ودائماً وأبداً يكون مصدر القهوة المؤسسات الحكومية، إما لأن أسعارها «مدعومة» أو لأن غالبية قيادييها تم تعيينهم استناداً إلى مبدأ «هات وخذ» السائد هذه السنوات في الكويت، فتكون النتيجة مسؤولاً يشع هبلاً وغباءً، والهبل قسمة ونصيب.
وعجّل علينا يا ويكيليكس الله يلعن نصك…
قرأت أسماء المحامين المتطوعين للدفاع عن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، فلم أجد من بينهم من تبنى قضية تعنى بالحريات في الكويت، ولا رأيت لهم أثراً على أرض الديمقراطية الكويتية ومكتسبات الشعب، ثم استمعت لتصريح رئيسهم فمددت رجليّ ودعوت بالرحمة على أبي حنيفة.
ولو كنت أنا مكان ذوي شهداء الثورة المصرية لحرصت على أن يتولى هؤلاء الدفاع عن مبارك، ويميناً بالله ليحذفنهم (مبارك) بكل ما تقع يده عليه وهو يصرخ في ابنيه: «حوشوا عني الدلوخ دول».
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
من أجل شمة وأخواتها
نسبة الطلاق في الكويت تحطم الأرقام الأولمبية ولا أبطال روسيا في الجمباز. فمن بين كل عشرة متزوجين تجد خمسة عشر مطلّقاً ومطلقة. ولا عجب، ولا غرابة…
شاب وشابة لم يلتقيا من قبل، ولا يعرف أحدهما عن الآخر شيئاً، يجتمعان، أول ما يجتمعان، في غرفة النوم، وعلى السرير، وهوبّا تُطفأ الأضواء، وهوبّا بلَس ايتين (+18).
سياسة حرق المراحل والبدء من النهاية. والعريس الشجاع هو الذي يدك الحصون ويتسلم مفاتيح المدينة منذ الليلة الأولى. ليش يا عقبة بن نافع؟ تسأله فيجيبك بدهشة: هل تريد أن يضحك علي الأصدقاء؟
يلي ذلك رحلة إلى ماليزيا، إذ لا يكتمل زواج الكويتيين إلا بشهر عسل في ماليزيا، ثم النتيجة المحتومة، الطلاق. وتسأل: ما الذي حدث؟ فتأتيك إجابة العقلاء: ماليزيا فأل نحس. سحقاً لماليزيا.
طيب ما الحل؟ أو قل: ما سبب المشكلة أولاً؟ فإذا عرفنا الإجابة سهلَ التشخيص، وإذا سهل التشخيص سهل إيجاد العلاج.
لنتفق أولاً على أن سبب المشكلة هو عدم معرفة الزوجين أحدهما بالآخر، وأن الزواج عندنا يأتي على طريقة «خذوه فغلّوه»، وأن «التحضير للزواج» ينحصر في نقاش المهر والأثاث والمجوهرات، لا رغبات الزوجين وطبيعتيهما.
إذاً يجب أن يتعارفا أولاً، ويتأكد كلّ منهما أن الآخر يناسبه، وأن هذا الغطاء لهذه الحلة، وما لم يركب الغطاء على الحلة فلن يتم الزواج.
جميل… لكن السؤال كيف يتعارف الزوجان في مجتمع، غالبيته العظمى، تسيطر على عاداته الشكوك، وتتفوق تقاليده البالية على تعاليم دينه، وتقاليده تحصر الشرف بين أفخاذ النساء؟ وكما كنا نفعل أيام المراهقة عندما كنا نرسم لحية على صورة سعاد حسني، وسكسوكة لشويكار، كذلك فعل بعضنا فرسم لحية للعادات الخاطئة وقصّر ثوبها وأعطاها «مسواك راك».
سنام المجد في عاداتنا هو أن تُخبأ المرأة حتى عن خطيبها، فإذا ناقشت أهلها صرخ في وجهك أخوها: «لست ديوثاً… وأنا أخو شمة». وما دخل الدياثة يا أخا شمة؟ وهل تريد أن تأتيك السيدة شمة بعد سنوات بأطفالها وهي مطلقة؟ ثم تأتيك أختها الأخرى، فالثالثة، فالرابعة، فيمتلئ بيتك بشمة وأخواتها؟ ارحم شمة يرحمك الله، فوالله لم يورد شمة المهالك ووعر المسالك إلا أنت.
وهنا… أرى أن عمنا الإنترنت سهّل العملية. فإذا كان أهل العروس يرفضون لقاءها بالعريس وجهاً لوجه، فلمَ لا يسمحون لها بلقائه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر وفيس بوك ومسنجر وواتس أب والمكالمات الهاتفية وغيرها؟ يحدثها وتحدثه، ويعرف ما إذا كانت كثيرة الطلبات، لحوحة، سطحية، أم «عينها شبعانة»، ذربة، هادئة. وتعرف هي ما إذا كان «ملو هدومه» أم أنه يعيش في جلباب أبيه ودراعة أمه…
أجزم أن نسبة الطلاق ستنخفض حتى تكاد تتلاشى إذا دخل الإنترنت في الموضوع. فالإنترنت كله خير، يُسقط الطغاة، ويكشف فساد الفُسّاد، ويقرّب العقول بعضها من بعض، ويوفق رأسين بالحلال، ويمنع تفكك الأسر.
سيقول «القوّالة»: ما الذي يضمن ألا يستغل صوتها وصورها ليبتزها ويبتزنا؟ فأقول: وهل سيشاهدها بملابس البحر؟ سيشاهدها بملابس البيت ويناقشها وتناقشه ويكتشف عقلها وتكتشف عقله، فهل في ذلك ما يستحق الابتزاز؟
افسحوا للإنترنت المجال، فإنه إن لم يأتِ بخير، فلن يجلب الشر أبداً… يا أُخوان شمة.
أنيس… يجوع في مرابعه التيس
ما أكثر «التابوهات المحرمة» في عقولنا. لا نجرؤ حتى على التفكير، مجرد التفكير، في صحتها. أحد هذه التابوهات «أنيس منصور»، نقرأ إنتاجه ونحن نردد الآيتين الكريمتين: «حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا» و»قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا».
وكنت قد كتبت في صفحتي في «تويتر»: «مازلت مصراً على رأيي، أنيس منصور لا يجيد صياغة الجُملة»، وذكرت أسماء بعض الكتّاب العرب من ذوي الصياغة الجميلة، فكتبت «مستجاب، والسعدني، وعبدالرحمن الراشد، وصالح الشايجي، وسمير عطاالله، وأحمد الديين، وإبراهيم عيسى، وبلال فضل، وآخرين»، ثم أضفت إليهم: «السعودي محمد الرطيان والجزائري مرزاق بقطاش وغيرهما».
فانطلقت القاذفات عليّ من البر والبحر والجو، وراح بعض الغاضبين يتحدث عن ثقافة أنيس منصور، وعن عدد كتبه، وعن ذكرياته الممتعة وعلاقاته بالزعماء، وعن وعن وعن، وأيّد آخرون: «هو يسرق أفكار الآخرين… يكذب… يختلق…»، فقرأت آية الكرسي وأطلقت تنهيدتين وكرّرت: «حديثنا عن الصياغة، فقط الصياغة»، وثار جدل، فأيّدني مَن فرحت بتأييدهم، منذ لحظة انطلاق النقاش، واقتنع بعضٌ آخر، وخالفني السواد الأعظم.
وأنا أجزم أن كثيراً منا خرج من بطن أمه إلى كوكب الأرض فوجد اسم أنيس منصور يتكرر، فسارَ مع القافلة، دون أن يتوقف ليمعن النظر قليلاً. خلاص «أنيس منصور أفضل كاتب» إذاً «أنيس منصور أفضل كاتب». لم يقارنوه بمرزاق بقطاش، ولا بمحمد مستجاب، ولا بالماغوط، ولا بغيرهم ممن لم يحظوا بربع شهرته لبعدهم عن بلاط الحاكم.
يا قوم، لا علاقة للصياغة بالثقافة، لهذه بحر ولتلك بحر آخر. وللتدليل، يقول شاعر المحاورة السعودي حبيّب العازمي العتيبي: «إن حلّقت بالسما وإن وقّعت بالتراب / الأرض كيلو مربع والجبال أربعة»، وهو يقصد أن بعض شعراء المحاورة مهما حاولوا وادّعوا، لن يستطيعوا الوصول إلى مستوى الأربعة العظماء! فشبّه فن المحاورة بالأرض الصغيرة، وصوّر العمالقة الأربعة جبالاً تثبّت هذه الأرض، وهذا هو الإبداع في الصياغة والتصوير، وكان من الأسهل عليه القول بصورة مباشرة: «لن تستطيعوا منافسة العمالقة»، لكنه قدمها إلينا في طبق من فن وإبداع، فصفق له الشعراء وقوفاً وحواجبهم تلتصق بمنابت شعرهم، وامتدحوا صياغته لا ثقافته.
وبالعودة إلى أنيس، أرى جُمَله فقيرة جافة حافة، خالية من المحسنات اللغوية والصور البلاغية، في الغالب، رغم اختياره لمواضيع طرية خفيفة، كالمرأة والحماة والغناء والشعر والموسيقى، في حين نقرأ لزميله في الصحيفة ذاتها، السعودي عبدالرحمن الراشد، مقالات عن السياسة والحروب والاقتصاد، ومع ذا يقدمها لنا ليّنة بطعم الشوكولا تذوب في الحلق. وهنا يكمن الإبداع. وليغضب الغاضبون.
كذلك زميله الآخر سمير عطاالله، رغم أنه من كتّاب السلطان (على وزن شعراء السلطان ووعاظ السلطان) إلا أن جملته فاتنة تلهب قلوب العشاق وتسر الناظرين.
سيداتي سادتي، أنيس منصور يشبه الصومال إلى حد بعيد، أرضها غنية وشعبها فقير، وهو ثقافته عالية وصياغته فقيرة يجوع في مرابعها التيس، ويكابر مريدوه: «بل تشبع في مرابعه غرائب الإبل الجائعة».
وللناس في ما يعشقون مذاهبُ…
اكشفوا أسراركم لنسائكم
قالوا عن المرأة: «لا تحفظ الأسرار»، وقال مثل عربي تائه: «لو أعطيت سرك امرأة خرساء نطقت في الحال»، وغاص مثل آخر في الوقاحة فتجنى: «الببغاوات أكثر حفظاً للأسرار من النساء».
وفي الكويت «شاي الضحى» يكشف المستور ويفتح أقفال الصدور، و»شاي الضحى» – أقول ذلك لغير الخليجيين – هو تجمع يومي لنساء المنطقة يفرغن فيه طاقاتهن الكامنة، وطاقة المرأة العربية في لسانها، نسأل الله العافية، فيتحدثن عن رجالهن، ويكشفن ما لا يُكشف، ويفضحن ما لا يجب أن يُفضح. وأكثر المستفيدين من جلسات شاي الضحى هو «المأذون» وعقود الطلاق ومشعوذو «الزيت المقري عليه» وكتاتة الفال «العرّافة».
وفي لبنان «صبحية»، وينطقنها «صبحيي»، والصبحية هي الترجمة اللبنانية لشاي الضحى، لكنهن في لبنان يغصن أكثر في الأعماق، فيتحدثن أول ما يتحدثن عن أسرار فراش الزوجية، وعن كرم الزوج وبخله، وعن «شفاف» أي شفاه كريستينا، وجسم كارول. وأكثر المستفيدين من الصبحيات هم أطباء التجميل ومحلات الماركات العالمية.
أما في مصر فالبلكونة لديها الحل، فتتحدث إحداهن إلى جارتها من البلكونة إلى البلكونة، ومن القلب إلى القلب، و»معرفتيش يا أم سعدية، مش جوزي أبو شحتة المنيّل اترمى جنبي امبارح زي القتيل»، ويصبح الأستاذ الفاضل أبو شحتة حديث المدينة، ويعرف أسراره كل من يمر من تحت البلكونة، وتتحدث نشرات الأخبار عما فعله «امبارح» عندما اترمى زي القتيل. على أن المستفيد الأكبر من حديث البلكونة في مصر هو بائع الكوسا والبامية.
لذا ومن أجل ذا تواصى الرجال العرب من دون ميثاق مكتوب على أن يخبئوا أسرارهم عن نسائهم، بل حتى الرجال الأجانب المرتبطون بنساء عربيات فعلوا ذلك، فها هو زعيم إحدى العصابات الإيطالية «سلفاتور دافينو» يهرب من شرطة بلاده وشرطة الاتحاد الأوروبي، بعد أن انكشف أمره وأصبح مطلوباً للسجن بأكثر من عشرين عاماً لارتباطه بجرائم ترويج المخدرات وحرب العصابات المنظمة، ويلجأ إلى إحدى دول الخليج الأطلسي، المملكة المغربية، فيقيم في إحدى مدنها متنكراً، ويعشق مغربية، ويقيمان معاً، وتظهر ملامح الحمل على بطنها، ووو…
ولأن صاحبنا «دافينو» رجل إيطالي، ولأن الطليان يشابهون العربان في نواح عدة، فإيطاليا من أكثر الدول الأوروبية فساداً، ثم إن رئيس وزرائهم هو برلسكوني، وهو النسخة الأوروبية من القذافي، إضافة إلى أن الرجل الإيطالي معروف بـ«القرقة» – أي الحديث الذي لا ينقطع – والفوضوية، وكلها صفات لا تجدها عند الإسكندنافي ولا البريطاني ولا الألماني ولا غيرهم من الأوروبيين… المهم، لأن «دافينو» إيطالي فقد قرر دفن سره وماضيه بعيداً عن عشيقته المغربية، باعتبار الأسرار لا تُعطى للنساء، فقامت عشيقته، سلمها الله، بنشر صورهما معاً أثناء تنقلهما في ماربيا الإسبانية وفي بقية مناطق المغرب على «فيس بوك»، فتناقلتها صديقاتها الإسبانيات والفرنسيات والطليانيات، بحسن نية، فوصلت الصور إلى مسؤولي الأمن في الاتحاد الأوروبي، فتتبعوا «دافينو» وقبضوا عليه.
هذا ما نشرته صحيفة «تلغراف» البريطانية يوم الخميس الماضي، وتوسعت فيه مواقع الإنترنت، وبهذا تثبت الأمثال التي تحذر الرجال من إفشاء أسرارهم أمام النساء خطأها، إذ لو كانت الشابة المغربية مطلعة على أسرار عشيقها لوضعت كفها على فمها وصمتت صمتاً يعمي الآذان، على رأي يوسف إدريس.
فيا أيها الرجل العربي «هلّ علومك» لامرأتك، وافرش منديلك، وراجع أمثالك الشعبية، فقد ثبت خطؤها.
اسمع أنت وياه
هم فقط أرادوا أن يجيبوا عن سؤاله المنطقي «من أنتم؟» لذا جاءوا وتكبدوا وعثاء السفر وكآبة المنظر حاملين بطاقاتهم الشخصية الملأى بالذخائر على أكتافهم وأرواحهم على أكفهم، لكنهم لم يجدوه.
وتحررت ليبيا، يا الله يا الله، وصرّحت بريطانيا، وعلقت أميركا، وأصدرت فرنسا بياناً، وتكلم حلف الناتو، ونطقت الشعب المرجانية في قيعان المحيطات، وتحدثت قبائل النمل في جحورها، ووو، إلا العربان الغربان لم يعلقوا، ليش؟ لأن سقوط شيطان طرابلس كان فجراً، والغربان تنام مبكراً.
واليوم بعد تحرر تونس ثم مصر ثم ليبيا، وقريباً سورية واليمن، يبرز السؤال الأكبر: متى تتحرر جامعة الدول العربية من محتليها الحاليين بمن فيهم أمينها المصري الجديد الذي لا يتابع الفضائيات ولا الصحف ربما… متى تتحرر الجامعة ويرقص الثوار في ساحاتها؟ متى تهب عليها نسائم الربيع العربي؟
في علوم كرة القدم تسيطر مدرستان تدريبيتان، برازيلية وإنكليزية، الأولى تعتمد على التقدم بالكرة عبر تناقلها في مسافات قصيرة، والمدرسة الثانية تعتمد على نقل الكرة من المرمى إلى المرمى الآخر بأقل عدد من الركلات، من لاعب الدفاع إلى الهجوم مباشرة بركلة طويلة… فإذا اعتبرنا الجامعة العربية هي مرمى الخصم، فإن ما يحدث الآن في الربيع العربي هو تطبيق للخطة البرازيلية، عبر نقل الثورة من دولة إلى دولة، وأظن أن وقت اللعب بالخطة الإنكليزية قد حان، وأرى أن تحتشد مئات الألوف من الثوار العرب في القاهرة لتحرير الجامعة العربية وطرد قيادييها الحاليين، لتحل محلها جامعة أخرى تحمل اسماً آخر ومفهوماً آخر هي «جامعة الشعوب العربية».
وقتذاك ستحصل جامعتنا على تفويض من الشعوب العربية مباشرة، وسنقطع الحبل الذي يربط الحكام ووزراء خارجياتهم وحكوماتهم بها.
وقتذاك، فقط وقتذاك، سنجد أن جامعتنا هي أول من يعلق على الأحداث، بل هي من يرسم الأحداث، فتشكِّل «لجنة حقوق الإنسان العربي»، وتفتح ملف الحريات، ثم تخطو خطوة إلى الأمام فتنشئ محكمة لمجرمي الحرب وسفاحي وزارات الداخلية والمخابرات على غرار «محكمة لاهاي» وليكن اسمها «محكمة الدقي» مثلاً أو «محكمة العجوزة»، بحسب موقعها.
ويستيقظ الحكام العرب من نومهم فإذا بأوامر جامعة الشعوب العربية تصل إليهم عبر الفاكس: «اسمعني أنت وياه… من اليوم ورايح يجب أن تتوقف كذبة مجلس الشورى مرة وإلى الأبد، وبلاش برلمانات زفة العروس، وبلاش الدساتير الصورية، أو المفرغة من محتواها، والانتخابات البرلمانية ستتم تحت مراقبتنا، وقسماً عظماً إذا رأيت تلاعباً أو بربسة لأفعلن وأفعلن»… على أن تُختَم الرسالة بسؤال واحد موجز في كلمة واحدة: «مفهوم؟»، فأقسم أنا أن يصل جواب الحاكم قبل أن يرتد إليك طرفك: «مفهوم».
هل أنا أحلم؟ إذا كان الجواب نعم فبالله عليكم قولوا لي ماذا تسمون مَن حلمَ قبل سنة بما حدث ويحدث في هذا الربيع الزاخر الفاخر؟
أبشروا ببيض الصعو
بعد غياب طال قليلاً، عليّ أنا أكثر ممن سألوا مشكورين عن أسبابه، ها أنذا أعود لأمسك القلم الذي لم يعرفني للوهلة الأولى، فتمنّع وتدلّع، ثم قاوح، ثم في محله راوح، وحرنَ كما تحرن حمير البصرة، وفعل كما يفعل تجار البخور «البهرة» (1)، فلم يعرض بضاعته الثمينة أمامي كما اعتاد واعتدت، بل أشار إلى ما هو معروض للعامة وعابري السبيل وهو يتثاءب: «دونك المفردات هذه… التولة بربع»، فنهرْته ومن ياقة قميصه جررته: «يا ابن الكربون الملعون، هل أنا مضطر إلى إظهار بطاقتي المدنية كي تعرفني… افتح حقائبك المخبوءة، فلا شيء يميزك عن أبناء عمومتك الأقلام إلا ما في حقائبك التي لا يعرف طريقها إلا القلة، افتح خزائنك وانثر أمامي ثمينها، ولا تخف، فأنا من هواة الدفع نقداً وفوراً».
وبعد لأي شديد وتفحّص أشد… هداه الله ففتحها، فانتقيت وكتبت:
لطالما سمعنا عن سيطرة بعض اللصوص على الحياة السياسية، عبر خوضها والنجاح فيها بسهولة مهولة، أو عبر استخدام «الجراوة» التي تبرك عند أقدامهم كلما ضربوا بأيديهم على الأرض وهم يرددون لها: «قيس قيس قيس قيس»(2)، فيمسحون على رؤوسها، ثم يرمون لها العظام فتهرول لتلتقطها… كل هذا لتنبح تنبيهاً لهم أو دفاعاً عنهم.
ولطالما سمعنا عن غسل الأموال في الكويت، وكنا نظن أن القبض على «الغسالين» والرشاة والمرتشين في هذا البلد «مثل بيض الصعو»، نسمع عنه ولا نراه. وأنا أتحدث عن الكبار لا الصغار.
أما بعد أن نشرت جريدة «القبس» خبر النائبين اللذين حصلا على 25 مليون دينار (نحو ثمانين مليون دولار) بطريقة فيها «إنّ» فللموضوع تتمة. واللغة العربية تؤكد أن لـ»إنّ» اسماً منصوباً وخبراً مرفوعاً، لذا سيتحرك الناس بحثاً عن «خبر إنّ» بعد أن سئموا الحديث عن كان وخبر كان.
وكانت المعضلة هي عدم العثور على «إنّ»، أما بعد أن تم العثور عليها، ونُفضَ الغبار عنها، فسترشدنا هي بنفسها إلى «خبرها المرفوع».
لذا سيتحرك الناس احتفاء بـ«إن» واحتفالاً بها، والتحرك سيكون على اتجاهين متوازيين، طبعاً بعد التنسيق مع المحامين المختصين في أمور كهذه… الاتجاه الأول هو تقديم شكوى إلى الجهات المحلية المختصة، والثاني تقديم شكاوى إلى الجهات الدولية المعنية لتساعد الجهات المحلية، فربما كان مصدر الأموال خارجياً، أو له علاقة بالإرهاب، أو تبييض أموال المخدرات وغسلها، أو تجارة الرقيق، من يدري، أو لعله كنز عثرا عليه في كهف، أو أو أو… لا أحد يمكن أن يجزم إلا الجهات المناط بها التحقيق والتدقيق.
وأظن أن الجهات المحلية المعنية ستكون سعيدة بمساعدة الجهات الدولية لها في التحقيق.
على أن يواكب ذلك حملات إعلامية تنتشر في وسائل الإعلام، لحماية الكويت من الفساد وسوء السمعة. ونعتقد أن الحكومة، وتلفزيون الدولة، والجهات الرسمية كلها، ستقف في الصف الأول دفاعاً عن سمعة الكويت وحماية لها من الفساد أو الإرهاب أو غير ذلك، وستقود تحركاً يفوق تحركاتنا الشعبية. هكذا أظن، وإذا كنت أحلم فأيقظوني وسأردها لكم في مناماتكم.
على بركة الله بدأ التحرك مساء الجمعة الفارط، ولن ينفرط إلا بعد الوصول إلى خبر إن، وإلى البئر التي تضخ المياه الملوثة، وبعد أن نمسك «بيض الصعو» بأيدينا ونحتضنه على صدورنا ونحن نمسح دموعنا ونتمتم: «أخيراً».
(1) البهرة: جالية هندية من أكثر الجاليات أدباً وأمانة وصدقاً.
(2) قيس: تنطق بكسر القاف، وتقال بتكرار للكلاب الوفية لا الضالة.
عشاق وسُرّاق
هكذا هم المحبون، وهكذا هو الحب، عطاء لا مقابل له… وليس بين العاشقين «بارد حيل» ولا «نذل» ولا «تربية ماما»، كل العاشقين من النخبة، إن كان ابن بدوية يجرّ بعيره في الصحراء، أو كان ابن شقراء عطراء، واسألوا «نمر بن عدوان» واسألوا «داوسون» عاشق تايتانيك، بل واسألوا الأم التي تحتضن جنينها… وكم ودّ المحب لو دشّن طريقاً سريعاً من جيبه إلى جيب محبوبته، وكم تمنى أن يقطع من جسمه ليعطيها فيرضيها.
هي قاعدة: «من يسرق أموال محبوبته لا يحبها»، واستناداً إلى هذه القاعدة أقول إن «الذي يسرق الوطن لا يحبه»، لو كان يحبه لأعطاه ولم يسرقه، فلا يمكن أن نتخيل أن قيس بن الملوح كان يمد يده إلى جيب ليلى العامرية، ولا عنترة العبسي كان يستغل عبلة بنت مالك، ولا كان داوسون يستثمر حب روز له، ولا ولا ولا، ليش؟ لأن هؤلاء يعشقون بصدق.
وكنا في أيام المراهقة، وكان أحد الأصدقاء من ذوي الوسامة و«الضميرلس» على علاقة ببنت أحد متوسطي الثراء، وكان يتصنع حبها كي «يأكل حصادها»، فصدقته وأمرت غيماتها بأن تمطر عليه، واقتنت له سيارة وهاتفاً نقالاً، في وقت كان فيه من يملك الهاتف يشار إليه بالبنان والذهول، وتكفلت بمصاريفه في حله وترحاله، وفوق كل ذا كان يستعرض كرمه وبذخه من جيبها، وعاش على ظهرها طفيلياً عيشة السلطان حسن بلقيه وأغاخان.
ودارت الأيام على حل شعرها، وانقلب صاحبنا الطفيلي إلى محب صادق، وعاد الضمير الغائب إليه، فتوقف عن استغلال «موارد» حبيبته وأصبح هو من يعطي رغم «قحْطه». ليش؟ لأنه حب، والحب عطاء.
وخذ قاعدة أخرى «من يستغل أموال أبناء وطنه لا يحبهم»، ولولا الحياء لقلت إنه «يكرههم»، واستناداً إلى هذه القاعدة أقول إن «من يرفع أسعار السلع بجشع يكره أبناء وطنه»… هذه حقيقة مهما حاول الإعلام المزور تغطيتها وإخفاءها تحت بطانية في السرداب.
لذا، وكي تعرف من يحب الوطن ومن يكرهه، ومن يحب أبناء الوطن ويكرههم، ما عليك إلا أن تحمل ورقة وقلماً وتسجل أسماء الطفيليات التي تقتات على رفع الأسعار أو على أملاك الدولة، وأسماء من اعتاد التصدي لهم فشوهوا، أو حاولوا تشويه، وجه تاريخه السياسي بماء النار لكن مساعيهم تصطدم بجدران عشاق الوطن.
سلامنا عليك يا دولة الرئيس أحمد السعدون… سلامنا عليك يا عاشق الوطن.
السرير… ميدان المعركة
ما بين كلمة وشقيقتها، وجملة وأخرى، ينفش العربي ريشه ويؤكد للمرة المليون: «إذا كان الرجل الغربي أكثر تفوقاً اقتصادياً وعسكرياً، فإن الرجل العربي هو الأكثر فحولة في العالم»… يا سلام! حتى هذه – أقصد الفحولة – مجرد كلام بلا ختم ولا طابع ولا شهود، من يقطع ويجزم بأن العربي هو الأكثر فحولة؟ هذا إذا اعتبرنا أن الفحولة صفة إنسانية تستحق التفاخر.
ماشي يا سيدي العربي سنزوّر التصويت وننتخبك الأكثر فحولة في العالم، مبروك، طيب وبعدين؟ تسأله فيصعقك: «الفحولة مرتبطة بالرجولة»! إنا لله وإنا إليه راجعون.
يا سيدي الفحل، زادك الله صحة وعافية، إذا وافقناك على ربط الفحولة بالرجولة فهل توافقنا على أن السفيرين الأميركي والفرنسي اللذين شاركا في مظاهرة حماة ضد الطغيان السوري أكثر فحولة ورجولة من غيرهما من العربان؟ ألا توافقنا أنهما عرّضا نفسيهما للخطر رغم عدم وجود رابط دم يجمعهما بالسوريين؟ ألا توافقنا أن من مصلحة بلديهما أن يبقى نظام الفحل السوري جاثماً على صدر شعبه بدلاً من ظهور نظام بديل قد يخربش وجه دلوعة الغرب «إسرائيل»، ومع ذا شاركا في المظاهرة؟ هل تعلم لماذا؟ لأنهما يراعيان مشاعر شعبيهما.
وبعدين إذا كنت أيها العربي أكثر فحولة ورجولة من الرجل الغربي، فلماذا يجرؤ حكامك على دهسك بالجزمة القديمة ولا يجرؤ حكامهم على التفكير مجرد التفكير بدهس قطة صايعة في شارع فرعي؟ ثم هل تعلم أن النظام السوري اعتقل فنان الثورة «إبراهيم قاشوش» وانتزع حنجرته التي رددت الأغاني الثورية ثم تركه ينزف إلى أن مات؟ فأين فحولتك التي لم تستفزك لإجبار مسؤوليك على رفض هذا الفعل والاحتجاج، وذلك أضعف الإيمان؟
طيب إليك هذه الحكاية كي تفحص فحولتك على نار هادئة…
قبل سنوات استضاف السودان القمة الإفريقية، ولأن السودان بلد يشكو خواء البطن وضعف البنى التحتية، فقد تفتقت أذهان المسؤولين السودانيين عن فكرة مختصرها «دعونا نشتري يختاً بحرياً فخماً ونصحب الزعماء الأفارقة في جولة بحرية، كي لا يكتشفوا خلو الخرطوم من أساسيات الحياة، ففي البحر تتساوى الدول، إلى حد ما». وبالفعل تم ذلك، ووصل اليخت الفاره إلى بورسودان، وبدأت رحلة جرّ اليخت براً من الميناء إلى الخرطوم، فماذا حدث؟
لا شيء خارج المألوف العربي… ضاق الطريق، الضيق أصلاً، على اليخت، بسبب الأشجار على جانبيه، وبسبب أعمدة الكهرباء، فقرر المسؤولون السودانيون الفحول إزالة كل العوائق، أشجاراً وأعمدة كهرباء، فغرقت القرى والمدن الواقعة، لسوء حظها، على الطريق في ظلام دامس، استمر فترة ليست بالقصيرة، فالتزم البسطاء الصمت خوفاً على حياتهم وفحولتهم التي قد تُخصى تحت شعار «الإخلال بالأمن».
هذان مثالان سريعان على فحولتك أيها العربي، فـ»شد حيلك» بارك الله فيك وتذكر أن السرير هو ميدان المعركة الحقيقي.
***
أعتذر عن غياب مقالة الخميس والسبب «مجلة فوربس»، فقد تلقيت اتصالاً من القائمين عليها، يبدون فيه اعتراضهم على ما ورد في مقالتي ليوم الثلاثاء «عذراً فوربس»، ووعدوا بالرد في اليوم نفسه، وهو حقهم، لكنهم تأخروا، فطلبت منهم الاستعجال، فوافقوا لكنهم تأخروا أيضاً، إلى أن لملمَت الجريدة صفحاتها وذهبَت إلى المطبعة خالية من مقالتي.
وفي اليوم التالي وصلني ردهم فإذا هو دعاية صريحة سافرة، مسبوقة ببعض المعلومات التي تم نشرها بعد احتجاج الناس واستغرابهم. ولأن العمود هذا ليس عمود إنارة في شوارع الكويت الفوضوية كي يتم تعليق الدعايات عليه، فإنني أعتذر إلى «فوربس» مرة أخرى عن عدم النشر.
عذراً فوربس
كل خواجة بروفيسور ما لم يثبت العكس، وكل أشقر عالِم، وكل أسمر جاهل، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وكان الأفارقة السود في القرون السابقة يظنون أن البحارة الأوروبيين «أولاد الله» جل شأنه، ويركعون على ركبهم كلما شاهدوهم، خصوصاً بعد أن رأوا بأعينهم كيف يحتجز الأوروبيون مجموعات من النمور والأسود والفهود حية سليمة في أسيجة (بالفصحى أسوجة). وكان الأوروبيون قد اكتشفوا طريقة لتخدير السباع والقبض عليها سليمة لا إصابات فيها. إذاً خلاص، هؤلاء هم «أولاد الله» لا محالة. وطبعاً الأوروبيون الأتقياء لم يفوّتوا الفرصة، بل راحوا يمسحون رأس كل من يركع أمامهم ويشفطون خيرات أرضه ويستعبدونه.
حتى أجدادنا في جزيرة العرب، كانوا في ذهول مهول من هؤلاء «الشقران»، تحديداً بعد أن شاهدوا الطائرات البريطانية فوقهم تطلق القنابل، ورسخ في أذهان بعضهم أن هذه هي «الطير الأبابيل»، وازدادت جرعة الدين عندهم، فالخوف يقرّب الخائف من ربه، وراح «الشيبان» يقرأون سورة الفيل: «ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل…»، وظنوا أنهم هم أنفسهم أصحاب الفيل، والدليل هذه الحجارة من سجيل التي أحرقتهم، فأكثروا الاستغفار، وتواصوا بالتوبة إلى الله، وأيقنوا أن هؤلاء الشقران ليسوا بشراً، بل في مرتبة أعلى.
وفي السنوات التي تلت التحرير، تعاقدت إحدى الوزارات الكويتية مع شركة تدريب بريطانية، وجاء الخواجات بعنطزتهم وغطرستهم الطاووسية، وبدأت المحاضرات، وكل الأمور تمام التمام وسنجة عشرة، إلى أن أوقعت إدارة الشركة عقاباً على أحد «الأساتذة» الإنكليز بعد أن سرق بعض المعدات باهظة الثمن، فغضب السارق وكشف اللعبة أمام الكويتيين: «لسنا أساتذة ولم يسبق لنا التدريس في بريطانيا، فقط رؤساء الأقسام هم الأساتذة، والأستاذ البريطاني فلان كان حمّالاً (عتّالاً) في الميناء، والأستاذ فلان كان حداداً قضى جل حياته في السجن، والأستاذ فلان مساعد ميكانيكي قضبان حديدية، ووو، أما أنا فكنت أنظف زجاج البنايات… أتوا بنا لتدريب أبنائكم كأساتذة معاهد، بعد أن دربونا ثلاثة أشهر فقط، وليس منا من أكمل تعليمه، ونتقاضى منكم مبالغ طائلة»! ومع كل هذه الاعترافات استمرت الشركة واستأنف الخواجات تدريبهم، وكأن شيئاً لم يكن. أليسوا خواجات؟ إذاً كيف يخطئون ويكذبون ويغشون؟ معاذ الله.
وقبل أسبوعين، تلقيت رسالة: «السيد الوشيحي، نحن مجلة فوربس، وقد رأينا أنك من الشخصيات العربية المئة الأكثر حضوراً على تويتر – هكذا كانت صياغتهم للجملة – نرجو تزويدنا برقم هاتفك»، أنعم وأكرم، هاكم رقم هاتفي، وهاتفوني، ثم وضعوا قبل يومين قائمة الشخصيات العربية المئة الأكثر حضوراً، فاطّلعت عليها وكانت الكارثة.
السيطرة على القائمة كانت للكويتيين، يليهم المصريون، وليست هنا المشكلة… المشكلة هي أن العزيزة «نوارة نجم» باعتراف كثير من أهل تويتر هي الأكثر تأثيراً وحضوراً ونشاطاً في تويتر، حتى وصل الأمر إلى مهاجمتها من قبل مرتضى منصور وآخرين من كبار الساسة في مصر، وتطور الأمر بعد ذلك إلى أن هُدّدت بتحويلها إلى النيابة بصفتها «المحرضة الأولى» على التظاهر في ميدان التحرير، وهي كذلك بالفعل، ورغم ذا لم يظهر اسمها في القائمة (بالمناسبة، لم يظهر من المئة إلا 61 اسماً ولا أدري أين اختفت البقية)، وجاء وائل غنيم وفيصل القاسم ومحمد الرطيان وآخرون لا يقلون عنهم شهرة وحضوراً في مراتب متأخرة!
يبدو أن أختنا «فوربس» تلعب لعبة تسويقية جميلة، أو أن شيئاً ما في داخل القفص… عذراً خواجات فوربس لستم «أولاد الله»، ولا أصدقكم.
ليدز آند جنتلمن
حفظ الله فضائيات أميركا وأوروبا وصحفهما، وحمى الله «رويترز» وأخواتها وكالات الأنباء الغربية من كل مكروه، وجزى وسائل إعلام الغرب عن العربان كل خير، وسقى المنظمات العالمية ومجلس الأمن ماءً زلالاً طيباً مباركاً فيه… ليش؟ لأنه لولا الخوف من أن تفضحهم هذه المؤسسات لتعامل حكام العربان مع شعوبهم كما تتعامل أمهاتنا مع الهريس.
فالمواطن العربي في عين الحاكم أقل من سعر التكلفة، أقصد تكلفة رصاصة، والحاكم العربي ينظر إلى شعبه كالزوجة الأولى الدميمة، بشحومها المكتظة، ومنظرها الذي يجلب الخضة، وحضنها الذي يصيب الصدر بالرضة، في حين يرى الأميركان والأوروبيين كزوجته الجديدة الغضة، ذات الأصابع البضة، والأسنان الفضة، والشفاه التي تستحق العضة… لذا يتعامل مع زوجته الأولى بالكف على الوجه كلما نطقت، ويترك ثلاجتها خالية إلا من الخبز اليابس الذي يضمن بقاءها على قيد الحزن، ويتعامل مع الثانية بالتودد والتمحلس المبين، ويتحول أمامها إلى مارد الإبريق الأمين.
ويتساءل البسطاء والسذج أثناء ثورتي تونس ومصر وبعدهما: «لماذا لا يلقي الرؤساء خطاباتهم إلا بعد منتصف الليل؟»، هم لا يعرفون أن الرؤساء في خطاباتهم إنما يتحدثون إلى وسائل إعلام الغرب وحكام الغرب ومنظمات الغرب ولكن بصورة غير مباشرة، «قال يعني بدون قصد، هم الذين تجسسوا عليه واستمعوا إليه»، بل لولا اللغة والخشية من انكشاف الخطة بصورة فجة لبدأ حكامنا خطاباتهم بـ «ليدز آند جنتلمن».
حتى في اللقاءات التلفزيونية والمؤتمرات الصحافية، لا «ينجّس» زعماؤنا أيديهم بلقاءات مع قنواتنا الفضائية ولا صحفنا، لكن ما إن تطأ أقدامهم المباركة أرض «القِبلة السياسية» أميركا، حتى يستسلموا لأسئلة الصحافيين ومقدمي البرامج وهم يفشخون «شدوقهم» بضحكة تتضاءل معها ضحكة المطربة أحلام، ويجيبون عنها بكلمات تسيل الدمع من المدمع، «كلمات فازلينية»، من النوع الذي يردده السفراء العربان: «العلاقات متينة ومتجذرة، والشعبان الشقيقان تربطهما روابط عدة، والأمور مستقرة» وما شابه من الكلمات المنومة، ينطقونها بدلع وغنج، وما إن ينهي أحدهم خطابه وتنطفئ الأضواء حتى تتحرك دباباته وقواته الخاصة لدهس شعبه.
وهذا هو السبب الذي جعل شعوب الأرض تحترم نفسها، وشعوب العربان تتسابق للفوز بشرف إلقاء القصائد بين أيادي حكامها. بل إننا تفوقنا على غيرنا من العربان وأسميناهم حكامنا «المعازيب»، أي أننا خدم بينما هم سادتنا، لهم الحق في تصفيتنا والتصرف بأموالنا ونفطنا ومداخيلنا كما في العصر الأموي والعباسي: «يا غلام اقطع رقبة هذا، وأعط ذاك ألف ألف قنطار من الحنطة»… «سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين».
فيا أيها السيدات والسادة، يا أيها الليدز والجنتلمن، علي النعمة لولا خوف حكامنا من وسائل إعلام الغرب لكان وكان، فردوا الجميل وحجوا إلى بيت الله الحرام حجة عن رويترز والأسوشييتدبرس وسي أن أن وبي بي سي ووكالة الأنباء الفرنسية ومثيلاتها، واعتمروا من أجل منظمات حقوق الإنسان الغربية، وادعوا لها في ظهر الغيب… ولا أظنكم ستوفونها حقها، حتى لو حملتموها على ظهوركم.
وتعالوا ندشن حملة «شكراً… ويست ميديا» باسم الشعوب العربية، نقولها لـ: «رويترز، أسوشييتدس برس، سي أن أن، سكاي نيوز، وكالة الأنباء الفرنسية، بي بي سي، وغيرها»، ولنبدأها برويترز.