من كلمات شاعر إماراتي تغني عزيزة جلال أغنيتها الخالدة، وما أجمل صوت عزيزة وما أحلى العُرَب في حنجرتها وما أنقاها عندما تتجلى فيسبح صوتها في الفضاء بانسيابية مذهلة: "سيّدي يا سيد ساداتي"، ويغني معها العربان، من المخيط إلى الخريط، لحكوماتهم وحكامهم: "راعني وارفق بحالاتي".
حتى في إسرائيل هناك من يغني خلف عزيزة، لكن ليس الشعب بل المسؤولون. والفرق بين العربان والإسرائيليين يكمن في هوية المغني لا أكثر.
وتسأل العربي: "ما رأيك في اليهودي؟" فيجيبك وهو يمسح قفاه من أثر حذاء حكومته: "مهان، جبان، رعديد، غشاش، ووو". طبعاً يقول ذلك دون أن يعلم أن الإسرائيليين من أقل الشعوب تعرضاً للغش والجشع من تجارهم، في حين أنه هو لم يعد يعرف نوع النعال – أجلكم الله – التي تهوي على صدغه، هل هي من التاجر الجشع أم من الحكومة التي لا يساوي عندها جناح بعوضة.
ويتصرف المسؤول العربي في أموال الدولة وكأنها أموال الذين خلفوه، في حين يُحاكم رئيس وزراء إسرائيل وزوجته بعد أن تلقيا هدية عبارة عن تذكرة طيران لرحلة واحدة من إحدى الشركات، ويتم إيقاف تعاقدات الشركة مع الحكومة.
ويشتكي نادل مطعم (جرسون) في تل أبيب أحدَ المسؤولين الإسرائيليين بحجة أنه أهانه، فيحاكَم المسؤول، فيطلب تسوية الأمر، فيرفض الجرسون، فيستجديه المسؤول، فيوافق بشرط تعويضه مالياً بعد أن يعتذر إليه أمام زملائه الجراسين. وتم له ذلك.
وتمسح الحكومات العربية كرامة النواب والمثقفين والمواطنين على الأرصفة، واسألوا رصيف الصليبيخات، ثم تجرجرهم في المحاكم، ومع ذا يرى العربان أنفسهم شجعاناً أحراراً أما الإسرائيليون فجبناء و"دجاج خيبر".
وفي الأعمال الفنية، مسلسلات وأفلام، تتم عمليات التخدير والتزوير، فبعد أن عجز الفنانون العربان عن إيجاد قصص من عصرنا هذا تتحدث عن الكرامة لجأوا إلى التاريخ، المزوّر في الغالب، فأنتجوا لنا "باب الحارة" و"القبضاي" و"الخرطاي"، وها هم يستعدون لإنتاج مسلسل اسمه "خيبر"، وبالطبع سنشاهد اليهودي في المسلسل منكوش الشعر، يضحك بهعهعة "هاع هاع هاع"، ويمسك فخذة خروف بكلتا يديه وينهشها والزيت يتقاطر منها على فمه وثيابه.
وتحتل الجامعات الإسرائيلية مواقعها في أفضل الجامعات العالمية، ويتنافس أساتذتها في تأليف الكتب الثقافية والعلمية، وتتكدس جامعات العربان في حظيرة التخلف والتراجع. ويحدثنا العميد الركن المصري عبدالمعين، أستاذ الكيمياء، رحمه الله حياً كان أو ميتاً، أثناء مناقشة رسالة البكالوريوس: "اعتمدوا في بحوثكم على المرجع كذا والكتاب كذا والموسوعة كذا" ويضيف متحسراً: "للأسف كلها لعلماء إسرائيليين".
ويتحدث مذيع مصري: "الطالب الجامعي اليهودي يقرأ إلى جانب كتب المقرر زهاء 12 كتاباً في تخصصه"، (أكرر، إلى جانب كتب المقرر الجامعي)، إضافة إلى كتب أخرى في مجالات شتى.
وفي إحصائية سابقة، يصرف البيت العربي 35 مليار دولار على الخدم، وتعتمد المرأة العربية على أكثر من خادمة في البيت (1.7 كما في الإحصائية)، ويكاد يخلو البيت الإسرائيلي من الخدم، رغم أن نسبة الموظفات الإسرائيليات تفوق نسبة الموظفات العربيات بأضعاف مضاعفة.
وتتفوق إسرائيل بمفردها على الدول العربية مجتمعة بخمسة عشر ضعفاً في الإنفاق على البحوث العلمية، بل وتتفوق على فرنسا بجلالة علمها وبحثها.
وتصفق دول العالم وقوفاً لإسرائيل في رعايتها الفائقة للمعاقين، في حين تحشر الكويت معاقيها في منطقة مكتظة بالسكان، وفي مبنى يعجز أبطال الوثب العالي عن الصعود إلى مكاتبه العليا، ويتم تعيين مسؤول المعاقين بناء على ترضية سياسية.
ولو غصنا في المقارنات غرقنا… وبعد كل ذا يفاخر العربي: "نحن قومٌ" و"إني لمن قومٍ"… يا حبيبي "قوووم زين". على أن أكثر من تغضبه هذه النوعية من الحقائق الحادة الصادقة هم قليلو القراءة.
الخلاصة: من المحزن أن تسخر أسماك الزينة من ضعف أسماك القرش.
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
ونجت يد السارق
لدينا من الأمية (عدم القدرة على القراءة والكتابة) ما يملأ الكفوف والجيوب. خيرٌ وفير. دع عنك الأمية السياسية والأمية البرلمانية والأمية الثقافية ووو…
ويقول أحد الأصدقاء: “في الانتخابات، لن تتردد والدتي، النقية البسيطة، في التصويت لكل ذي لحية يطالب بتقوى الله، حتى وإن كان من آكلي طعام اليتيم، فهي لا تعرف ما يدور في البرلمان ولا لجانه ولا الميزانيات ولا غير ذلك”.
قلت له: “كم من أم وأب وجدة وجد تسببوا في تدهور البلد دون قصد، رغم أنهم يرتدون ثياب الصدق ويتكئون على حب الخير لهذا البلد، لكنها البساطة المعجونة بالجهل أو النقاء المخلوط بالسذاجة أو كلاهما… بساطة بجهل ونقاء بسذاجة”.
ويقهقه صديق آخر وهو يحدثني عن والده المتحمس لأحد مرشحي المجلس البلدي، عندما استدعاه إلى بيته وأخذ عليه تعهداً: “سنمنحك أصواتنا، أنا وكل من لي كلمة عليهم، لكن قبل ذلك عليك أن تقسم أمامي أن تطبق الشريعة؛ فتقطع يد السارق وتلطم الكاذب على خشمه” وبالطبع أقسم المرشح على ذلك، لكنه للأسف سقط في الانتخابات فنجت أيادي اللصوص وخشوم الكذابين.
والله يرحم كاتبنا العظيم محمود السعدني، الذي قال ذات ندوة إن خالته كانت تلتبس عليها الأسماء والمصطلحات، فتسمّي أعضاء الاتحاد الاشتراكي “المشركين” وتلعنهم ليل نهار، وتدعو أن “يجيلهم البلا في ركبهم وأن تقف اللقمة في زورهم، قادر يا جبار، ومطرح ما يسري يهري يا مشركين يا كفرة يا ولاد الحرام”.
وخالة السعدني لها الحق في التصويت في الانتخابات واختيار من يرسم سياسات البلد، ووالد صديقي ومن في مستواه الثقافي كذلك، ووالدة صديقي الآخر وكل من يشبهنها بالفاصلة والنقطة لهن الحق أيضاً، والشايب الذي استدعاني ذات عتب وأنّبني: “يا ولدي أنت ابن أسرة طيبة، وابن رجل له سيرة محمودة، فما الذي جعلك تتحول إلى ريبراني، أي ليبرالي؟” ومن يلومه، هو يعتقد أن الليبراليين كفرة، بل يسميهم “جهود” أي يهوداً، على اعتبار أن صالح الملا يحتل الأقصى وأسيل العوضي تحاصر غزة. هذا الشايب النقي أيضاً له الحق في التصويت في الانتخابات.
والحكومات الفاسدة تروج لمثل هذه الأفكار والثقافات (إذا جازت تسميتها بالثقافات)، لأنها تعلم أن مصيبتها و”بلاها وجلاها” سببها الليبراليون، في الغالب الأعم.
ولو كان القرار في يدي، لمنعت كبار السن الأميين من التصويت في الانتخابات، بل وأكثر من ذلك، كنت منعت أيضاً محدودي التعليم ممن لا يحملون الشهادة المتوسطة (الإعدادية)، وقبل هؤلاء وأولئك، سأمنع كل من ثبتت عليه جريمة مخلة بالشرف، أقصد جرائم خيانة الأمانة أو السرقة أو شهادة الزور أو عقوق الوالدين والتعدي عليهما وما شابه… من التصويت، ولا أقصد من تم القبض عليه مع فتاة، سواء كانت حبيبته أو حتى حبيبة الشعب العربي كله، أو من تم القبض عليها مع حبيبها أو صديقها في أوضاع حرجة، أو في منعطف حرج على رأي جامعة الدول العربية الخائبة، فهذه من قضايا المجون ولا علاقة لها بالشرف، كما يظن العربان.
والخلاصة، تحتاج الصناديق الانتخابية في الوطن العربي إلى حمايتها من التزوير، ومن اللصوص والفاجرين والمرتشين، ومن الجهل والبساطة أيضاً.
نذالة شعب
يا صلاة الزين… صدقاً احترت (أو حرت كما في الفصحى) هل أضحك أم أبكي، أم أقف على الحدود بين الضحك والبكاء، أم أعتلي الطاولة وأرقص رقصة السامبا، بعد أن قرأت عن رئيس إحدى الدول العربية (لم أقل الجزائر ولا غير الجزائر كي لا تغضب السفارة وترفع ضدي دعوى قضائية، وأنا لم يعد ينقصني قضايا، فلدي منها ما يكفي أجيالي القادمة، ولله الحمد من قبل ومن بعد)، المهم أقول إنني قرأت عن رئيس إحدى الدول العربية، سافر منذ 14 سبتمبر الجاري، أي قبل نحو أسبوعين، إلى فرنسا للعلاج والنقاهة.
وإلى هنا “لا شية فيها” ولا غرابة، لكن “الشية” والغرابة التي فيها وعليها هي أن فخامته سافر قبل أسبوعين ولم يعلم الشعب إلا أمس الأربعاء. هاهاها… أي والله، ولولا بعض الفعاليات التي تشترط حضور فخامته وتشريفه لها ما كان الديوان الرئاسي سرّب الخبر إلى الصحافة، وكان يمكن أن تستمر الرحلة ثلاثة أشهر أو أكثر دون أن يعلم الشعب.
وسبق أن قرأت، لعنة الله على القراءة، أنه في إحدى المقاطعات الألمانية، إن لم تخني ذاكرتي الخوانة، أصيب حاكم المقاطعة أثناء ممارسته الرياضة مع أبنائه وعائلته وأصدقائه في عطلة نهاية الأسبوع، فسقط على رجله وشعر بألم شديد استدعى نقله إلى المستشفى، الذي بدوره أمر بنقله إلى مستشفى آخر في مقاطعة أخرى، متطور في علاج العظام والمفاصل وما شابه…
فما الذي حدث بعد ذلك؟ هل سكت الشعب المؤزم (أكرر أظنه الشعب الألماني)؟ لا وحياتك، فهم ليسوا كالعربان التي تعيش كالقطعان. فتعال نشوف ماذا فعل الشعب.
لكن قبل ذلك، قولوا لي بذمتكم، ما المشكلة في سقوط حاكم المقاطعة وذهابه إلى مستشفى في مقاطعة أخرى؟ حنا عندنا يذهب المسؤول إلى قارة أخرى للعلاج فندعو له بالسلامة.
سأقول لكم كيف اختلق الشعب المشكلة… كان أول ما أغضبهم أن إعلان الحادثة تأخر نحو 48 ساعة، علماً أن مكتب الحاكم هو من أذاع الخبر ولم يسربه إلى أحد، لكن هذا لم يشفع للحاكم وموظفي مكتبه، فكتبت صحيفة: “لو كنا قطيعاً من الخنازير أو البقر ما غادرنا صاحب المزرعة دون أن يوكل مهمة رعايتنا إلى من يثق به”، وتجمهر الناس أمام مبنى المقاطعة، وتوافد السكان من كل فج عميق، فتركت ربة البيت مطبخها ودقوسها وهرولت مسرعة إلى مبنى المقاطعة، وأوقف سائقو الحافلات حافلاتهم وهرولوا مسرعين إلى مبنى المقاطعة، وتجمع الشبان، والكبار، ووو… وتحول الأمر إلى مولد، وفي رواية أخرى مناحة.
وفجأة، أو قل فجعة، فتح أحد الحاضرين شدقيه على آخرهما وصرخ: “بما أن الحادثة وقعت في عطلة نهاية الأسبوع وأثناء لعبه مع أقربائه، فهل تحملت المقاطعة تكاليف علاجه؟” ثم علق بكل نذالة: “لا أفهم سر التأخير في إعلان إصابته إلا أنه محاولة للعلاج على حسابنا”! يا ابن الجعص، مكتب المقاطعة هو “زاتو” الذي أعلن أنه سقط أثناء عطلة نهاية الأسبوع، أي أثناء الإجازة، ولم يقل “سقط على رصيف الحربش أو تزحلق على الزرع المبلول”، كما قالت إحدى الحكومات الخائبة، فما الذي تريده أكثر؟
وصرخ ثالث: “لماذا تفتقد مقاطعتنا مستشفى متطوراً في علاج العظام؟” وتوالت الصرخات على دماغ الحاكم…
هنا أصدر الحاكم بياناً، وهو على فراشه، جاء فيه ما معناه: “بالنسبة إلى تأخر إعلان الحادثة فسببه أنها وقعت في يوم عطلة، ولم أكن أتوقع أن أضطر إلى البقاء في المستشفى، أما من ناحية تكاليف العلاج فهو على حسابي الشخصي، وسأقدم ما يثبت ذلك حال خروجي من المستشفى، أما عدم تفوق مقاطعتنا في علاج العظام فمقاطعتنا تتفوق أيضاً على المقاطعات الأخرى بخدمات أخرى مثل كذا وكذا (ذكر بعض الخدمات)”.
لاحظ أنه أجاب عن الأسئلة كلها، لم يقفز على سؤال واحد، ومع ذا جاءه الرد المؤذي: “لماذا لم نقرأ في بيانك اعتذاراً عن التأخر في إذاعة الخبر؟ هل كانت وسائل الإعلام في عطلة أيضاً”، فجاء البيان الثاني للحاكم يحمل على رأسه اعتذاراً صريحاً واعترافاً سافراً بالخطأ.
فماذا نقول عن هذه الشعوب المغموسة في النذالة والتأزيم، التي تحمل أجندات خارجية وتزعج ولاة الأمر، حمانا الله وإياكم؟!
نيجاتيف
الأمور ليست دائماً كما تبدو… ترى رجلاً كالأسد الغضوب الهصور، لكنه يصيح كالدجاجة خوفاً من الأماكن المرتفعة، ويرتعد خشية الشاهق من القمم.
أحد أقربائي أشجع من السيف، تشهد بذلك منطقة الصباحية و«براحاتها»، أيام معاركنا التي هي أشرس من معركة العلمين، لكنه يبكي ويلطم على الخدين ولا ندابات البصرة، إذا ركب على متن «تيلي فريك» أو سافر على طائرة. لا ينام قبل السفر لشدة رعبه.
ومن الجهة المقابلة، أعرف، ويعرف الناس كلهم، رعديداً أجبن من الأرنب، وأكثر فزعاً من الغزالة، لكنه لا يخشى الطيران ولا الارتفاعات ولا الأماكن الضيقة، وما إن ينزل من هذه الطائرة حتى يركب تلك، دون اكتراث.
قس على ذلك أموراً أخرى، الشعر مثلاً، يحتاج، من بين ما يحتاج، إلى ذكاء، كما يظن البعض، لكن أشهر شعراء عصرنا هذا ليسوا أذكياء كفاية. انظر إلى سعد بن جدلان الأكلبي السعودي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، والذي لا يملك من الذكاء ما يسد رمقه، ومع ذا هو صاحب أعظم مدرسة شعرية في الجزيرة العربية في وقتنا هذا! وانظر أيضاً إلى «متنبي الجزيرة العربية» ضيدان بن قضعان الذي لن تجد مقعداً فارغاً في القاعة التي يقيم فيها أمسيته ما لم تحجز مقعدك قبل الأمسية بزمن كافٍ، والذي يُشعرك أن الحروف الأبجدية أكثر من مئة حرف، لسلاسة شعره وعمقه وانسيابيته وعدم تكلفه وعظمة تصويره، ورغم ذا لا يملك ضيدان من الذكاء ما يحمي به رأسه من حرارة الشمس ولا مياه المطر.
«الدلالة» أيضاً، أي معرفة الأماكن والطرق، ينطبق عليها الأمر ذاته، فتجد أحياناً من يتفوق عليه الديك الرومي في الذكاء في أمور الحياة، لكنه بدوره يتفوق على الحمام الزاجل في معرفة الطرق والصحارى، وستعرف شخصاً نابغة في العلوم الهندسية لكنه يتوه عن بيت خالته. وكان أحد حكام الخليج الراحلين، رحمه الله، يستعين برجل «دليلة»، يقال إنه أقرب إلى العبط، لكن ذاكرته تحتفظ بصورة أرشيفية للأماكن التي مر بها، ويكفيه نظرة واحدة للنجوم لا تستغرق ثوانيَ معدودات ليحدد الاتجاه الصحيح.
وكل من يستعرض، أو يتعمد إظهار جزء ما بصورة مبالغ فيها، هو في حقيقته ضعيف في هذا الجزء، غالباً. فالحكام العرب أكثر من يستعرض القوات العسكرية، لكن جيوشهم ضعيفة متهالكة، في حين لا تستعرض بريطانيا جيوشها، ولا فرنسا تفعل، ولا يجلس أوباما في المنصة وإلى جانبه قيادات الجيش، كما يفعل العربان، ممسكاً بمنظاره يتابع تحليق الطائرات المقاتلة ومرور المدرعات والدبابات وآليات المدفعية، رغم أنها صناعة أميركية.
والرتب العسكرية والأوسمة التي تملأ صدور بعض الحكام العرب (بشار الأسد على سبيل المثال) تشي بأن هذا الحاكم حقق من الانتصارات العسكرية ما يُخجل أتاتورك ومونتغمري وروميل مجتمعين، ولو نظرنا إلى «نيجاتيف الصورة» لاكتشفنا أنه لا يعرف الفرق بين خطط الدفاع والانسحاب.
عوداً على بدء… الأمور ليست دائماً كما تبدو.
***
كنت إلى وقت قريب أقول «النائب شعيب المويزري ليس معارضاً، هو مسودة معارض»، لكنني اليوم أقول: «النائب المويزري بيّض المسودة».
الرويشد وعبدالحسين والفرج… والبرتقال
الله على فناني فرنسا في الماضي، عندما تصدروا المظاهرات المطالبة بالانسحاب من الجزائر ومنحها استقلالها، الله عليهم عندما اتُّهموا بالتخوين وحوربوا في أرزاقهم ولم يتراجعوا عن صيحاتهم ومنشوراتهم: «احتلال الجزائر سطو مسلح تقوم به دولة تدعي التمدن»، «الفرنسيون ليسوا شعباً من اللصوص ولا مجاميع من العجزة كي ينهبوا خيرات الشعوب الضعيفة»، «بدلاً من استعباد العرب والأفارقة وإذلالهم، لماذا لا ترفع فرنسا مستواهم الثقافي وتنشر بينهم العلمانية وتوضح لهم حقوقهم وطريقة تطوير بلدهم؟»، وغير ذلك من مطالباتهم المرفوضة شعبياً قبل أن تكون مرفوضة رسمياً.
خلت المسارح الفرنسية، آنذاك، من الفنانين الأحرار بعد أن رفضتهم الجماهير، وخلا الفضاء للفنانين المرتزقة والنص كم، وجماعة «غير ديغول ما نبي»…
وقبل ذا برز الأديب العظيم «سارتر»، جان بول سارتر، وارتفع صوته عالياً مطالباً بالحرية للجزائريين، فهوجمت شقته من الدهماء والغوغاء، فهرب، فأحرقوا شقته وتركوها رماداً، وتكرر الأمر وأُحرِقت شقته للمرة الثانية، ولم يتوقف، بل كتب مهاجماً الجيش الفرنسي وفظاعاته في الجزائر، فحوكم عسكرياً وتقرر سجنه لولا تدخل ديغول، واستمر بمطالباته إلى أن استقلت الجزائر.
وفي مصر، تسابق الفنانون الأحرار لدعم ثورة الشعب، فبرز خالد الصاوي وعمرو واكد ومحمد منير وآخرون، وتهاوى المرتزقة عشاق دفء القصور الرئاسية، عادل إمام وتامر حسني وإلهام شاهين (هذه الممثلة تحديداً خير من يلتصق بالجدران الدافئة) وطلعت زكريا وغادة عبدالرازق وغيرهم.
وفي سورية، ارتفع احتجاج أميرة الفن العربي الممثلة كندة علوش ضد ما يتعرض له أحرار سورية، وساندتها المطربة أصالة من خارج البلد، وغنى المطرب إبراهيم قاشوش للثورة فانتُزعت حنجرته ونُكّل به بعد قتله، وساندهم قلة من الفنانين، في حين التصق دريد لحام بجدران القصور الرئاسية، متلذذاً بمذاق الدم السوري، وطأطأ «قبضايات الحارة» وبركوا على ركبهم ذلاً ومهانة وكالوا المديح للنظام وتمنوا له الدوام، فـ«لا إله – لهم – إلا بشار»…
وفي الكويت، حيث لا ثورة على النظام بل على الحكومة، يصمت كبار الممثلين عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وسعاد عبدالله وحياة الفهد، ويهزون أكتاف اللامبالاة، بل يقف أشهرهم عبدالحسين عبدالرضا في صف الحكومة، ويطالب بأن تتشكل الحكومة من ستة عشر وزيراً من الأسرة الحاكمة فقط، ويختفي سعد الفرج في زحام السوق، ويستمر طارق العلي في السخرية من «خشمك اللي يشبه دعامية نيسان» و«صلعتك اللي تكسر الليت» وتقهقه الجماهير ويقهقه الفساد! وتغرق حياة الفهد وسعاد عبدالله في التنافس على فضائيات «إم بي سي» و«دبي»، وتتفرغان لموسم الحصاد، شهر رمضان، وتصمتان عن الفساد الذي أغرق الكويت، وتغرقاننا بدموعهما، وكأن الغرق هو ما ينقصنا.
وتتلثم رابطة الأدباء كي لا يعرفها أحد، وتغلق الباب على نفسها، ويستمر عبدالله الرويشد يترنم بأغنياته الغزلية، ويتلذذ بعصير البرتقال، وكأن عنزاً لم تعطس، ووو…
حتى الرسامون والفنانون التشكيليون يشاهدون الكويت تُرسم بأيدٍ مرتجفة وبألوان باهتة، وتبلع ريقها وتستجدي قطرة ماء «فيعملوا نفسهم نائمين».
يا سيدي، أنا لا أطالب الفنانين والأدباء والرسامين بالوقوف في صفوف المعارضة ورفض الفساد، ولا أجبرهم على الصلاة في اتجاه قبلتي، بل على الأقل أريد أن أعرف موقف كل فنان مما يحدث في الكويت.
أقول ذلك، وأنا لا أنكر محبتي لصوت الرويشد ولا إعجابي بأداء الفرج وعبدالحسين وحياة وسعاد، بل وطارق أيضاً… ولن أتجنّى لو قلت إن فناني الكويت، بشكل عام، أقرب إلى مبنى رئاسة الوزراء من ساحة الإرادة، فسحقاً لهذا الزمن.
تفصيل الرشاوى
هناك، في بلاد الطرطرة.. يركب الشعب الأفيال، وتركبه الحمير والبغال، ويقبض نوابها رشاوى من أموال الدولة، وتنام الدولة في الشارع على لحم بطنها، جائعة صائعة ضائعة.
والرشاوى ليست «خبط لزق»، بل محسوبة بالمليخراط.. إذا قلت «طاعة ولي الأمر» فستحصل على مئتين وخمسين ألف طرطارٍ (عملتهم الطرطار)، طرطار ينطح طرطاراً.. وإذا قدتَ مسيرة تأييد إلى بيت المسؤول فستحصل على ثلاثمئة ألف طرطار ورحلات مجانية على الهودج الملكي.. وإذا قلت «المعارضة لها أجندة خارجية» فستحصل على مئتي ألف طرطار.. أما إذا أردت أن تلعب على الثقيل فقل «رجل المرحلة» وستحصل على نصف مليون طرطار.. وهكذا، الحساب يجمع.
وفي لعبة «السنوكر» يركز المحترفون على الكرة السوداء لأنها بسبع نقاط، وفي بلاد الأفيال والبغال يركز بعض نوابهم على جملة «رجل المرحلة» لأنها بنصف مليون طرطار.
هناك.. يتحدث أحد نوابهم: «دخلت بجاكيت أبيض وسأخرج بجاكيت أبيض»، يقول ذلك وهو يرتدي جاكيتاً أسود بلون الفحم المصفى.
هناك.. تتجمع غالبية نوابهم ليلتقطوا الصور مع ولي نعمتهم، ويفعلوا كما كنا نفعل أيام الصبا المبكر وبدايات المراهقة في الصباحية، يرفعون شارة النصر مثلنا، ولم ننتصر إلا على الوهم ولم نهزم إلا العدم، أما هم فانتصروا على الشعب وهزموا الأمل.
هناك.. يعم الفساد البلاد ومصالح العباد، والفساد الداخلي أخطر من الغزو الخارجي، لذا تحتاج بلادهم إلى إعادة إعمار بعد تكديس الراشي والمرتشين والمفسدين وراء القضبان.
هناك، في بلاد الطرطرة.. سيطر الكومبارس على المشهد وانزوى العباقرة.
هناك.. الفساد ليس في الرشوة فقط، بل في التعيينات والصفقات وخذ وهات، فالذي لا يتقن صنع القهوة أسندت إليه مهمة إدارة المطبخ العام، والذي لا يعرف الفرق بين الإبرة والدبوس تولى مهمة الخياطة، واللص تولى الحراسة، والكذابون تولوا الخطابة وإصدار الفتاوى، فأفتى مفتيهم ذات جشع: «نظام الدوائر حرام»، لأنه يخالف رغبة المسؤول، لكنه صمتَ صمت الغريق عن انتشار الرشاوى في البرلمان.
هناك.. رقاب الناس كلها ملتفتة إلى القضاء، والشعب يرفع أيديه بالدعاء كما تدعو الأم لوحيدها: «اللهم إنك تعلم أنه لم يبق لي إلا هو فوفقه واحمه وانصره وسدد خطاه».
هناك، في بلاد الطرطرة.. ما لم يتداركها أبناؤها، ستتهدم الجدران والحوائط والقصور، وتملأ الغربان السماء، وتتساقط الأزهار، ويرتفع الدخان، ويسود اللون الأشهب، ويهاجر غالبية المترفين إلى بلاد السكسونيا…
وكما أن الشعب الصومالي يموت اليوم جوعاً، وهو في أكثر الأراضي خصوبة، سيجوع شعب بلاد الطرطرة، عما قريب، بعد أن تفرغ خزائنه ويتناهب أمواله «الحكماء ورجال المرحلة واللعاقون».
إلى المنقبات وأخواتهن
أكرمني الله بصديق يعيش مع زوجته حياة معكوسة، هو يكره السياسة والقنوات الإخبارية، ويمقت الرياضة وكرة القدم تحديداً، ويعشق الشعر والتسوق، وهي تكره التسوق، وتتابع مباريات كرة القدم بهوَس، المحلية منها قبل العالمية، ولا تفوتها فائتة من مباريات الدوري الأوروبي، وتعرف أسماء اللاعبين الاحتياطيين والأساسيين، وتتابع أخبار تنقلاتهم وصفقاتهم، وتحمل «كرت قناة الجزيرة الرياضية» في حقيبتها أينما حلت وارتحلت. وهي فوق ذا وتحت ذاك تتابع أخبار السياسة.
يقول: «منعتها من حضور المباريات المحلية في المدرجات، ووافقت على حضورها المباريات الأوروبية أثناء تواجدنا هناك، على أنني أقضي وقتي بتصفح المجلات طوال جلوسنا في المباريات».
هاتفني أمس متذمراً: «أم فلان صدّعت رأسي تريد أن تحضر تجمعاتكم، لا وفقكم الله ولا وفقها، ولا وفق الساعة التي تزوجتُ فيها جورج بوش»، هكذا يسميها! قلت: «ما المانع من حضورها؟»، قال، وكأنما يصرخ على المجتمع وعليّ أنا وعلى زوجته: «يا عزيزي أنا لا أمانع، لكننا بدو كما تعرف، وستتبرأ مني قبيلتي لو مرّت الكاميرا علينا أنا وهي في التجمع»، وأضاف: «أنت تعرف أن (ربعنا) سيضيفون بهاراتهم على القصة، فيقسم أحدهم أنها كانت ترتدي البكيني، ويقسم الآخر أنه شاهدها وهي تعانق الرجال، الواحد تلو الآخر، ويقسم الثالث أنها كانت تمسك كأس الويسكي في يدها وتترنح، وكادت تدهسها السيارات لولا تدخل الخيّرين ورجال المرور، ويقسم الرابع والخامس والسادس… ثم ما حكايتكم مع التجمعات؟ ماذا تريدون من الحكومة؟ ألم توفر لكم «المهيدب»* في الأسواق؟ ألا يحمل كل منكم بطاقة السحب الآلي في جيبه؟ فماذا تريدون أكثر، سحقاً لكم (هو قال الله يلعنكم لكنني أضفت على جملته الماء وخففتها)؟
قلت: «أنت تحمل درجة الماجستير وزوجتك تحمل البكالوريوس، وقضيتما جزءاً ليس بالقليل من حياتكما في أميركا، وتقول نحن بدو؟! أنا الذي أقسم الآن أن خالد الحربان يعرف أنواع الإبل أكثر منك، ومحمد كرم يعرف «الحمض» وأنواع العشب ويفرح بالمطر أكثر منك ومن زوجتك، فدع عنك هذا العذر الأجوف وهذه الأوهام التي سيطرت عليك، واحسب حسابك على (اليوم الكبير) يوم 21 سبتمبر الجاري، أي بعد أيام قلائل، حيث من المقرر أن تجتمع القوى السياسية بقواعدها وكبارها وشبانها في ساحة الإرادة. ومن هنا إلى (اليوم الكبير) عليك أن تتوقف عن متابعة قنوات الردح وعن تناول المهيدب، وانهض معنا لنتدارك ما تبقى من الكويت…».
واستمر الحديث، و«تعرمشت» أذنه ولم أطلق سراحها إلا بعد أن سألني: «هل ستكون هناك مساهمات مالية؟ وكيف يمكنني المساهمة؟».
وقبل أن ننهي المكالمة قال في ما يشبه الرجاء: «احرص على تشجيع المنقبات (المنتقبات) على الحضور كي تختفي زوجتي بينهن»، قلت: «سأفعل».
فيا ذوات النقاب ويا ذوات الحجاب وذوات التنورة القصيرة والجلباب وذوات الجينز والكاب، المثقفات منكن تحديداً… الديرة تراهن على حميّتكن وغيرتكن عليها أكثر من كثير من ذوي الأشناب.
* المهيدب: نوع من أنواع الرز، تعتبره الحكومة من المأكولات السيادية، يأكله الشعب فيتسطح ويؤيد الحكومة.
الخطة وغطاها
إذا أردت معرفة أسماء النواب المرتشين فابحث في أوراق البنوك، وإذا أردت معرفة أسماء الإعلاميين المرتشين فابحث في أوراق المرور. هناك أرصدة وهنا “بورشيه بانيميرا”.
ومهمة النواب العقلاء (لغير الكويتيين… العقلاء لقب أطلقه نواب الحكومة على أنفسهم) هي دعم الحكومة في الأفراح والأتراح، ومهمة إعلامييها الشخبطة بالفحم على وجه المعارضة. هكذا هي التقسيمة وهكذا هي الخطة، تماماً كما في كرة القدم، وكما يفعل “مورينيو” مدرب نادي ريال مدريد، أنت تجري من هنا وأنت تتجه إلى هناك، وسنكسب درع الدوري.
اللافت أن الناس بعد شيوع خبر الرشاوى أشاروا بأصابعهم مباشرة إلى النواب العقلاء، ولم يشك أحد ولو “ببنت شفة” في نظافة النواب المؤزمين (المؤزمون لقب أطلقه نواب الحكومة وإعلامها على النواب المعارضين)، ولم يساور أحد الشك في ذمة الرئيس أحمد السعدون ولا الفذ مسلم البراك ولا النقي د. حسن جوهر ولا د. جمعان الحربش ولا د. فيصل المسلم ولا محمد هايف ولا غيرهم من المؤزمين، ولم يتهمهم أحد ولو ضمنياً لا بالرشاوى “الكاش” والشيكات ولا حتى بالمناقصات والمشاريع، فالناس تعرف الفرق بين جساس والزير.
ويوم أمس، بلغني أن وسائل إعلام العقلاء ستبحث عن قضية، أو تخلقها إذا تطلب الأمر، وستنفخها إلى أن تغطي على فضيحة الرشاوى! وبعد أن اتصل بي زميلي الذي أبلغني بالخبر، النقي الذي أجبرته الغربة على “التواجد في غرزة صحافية”، والذي لا ينفك يردد: “أوف لو يعلمون عن علاقة الصداقة التي تجمعني بك لن يكتفوا بتعليقي على برج التحرير”، قلت له: “بسيطة، سأساعدكم في إيجاد قضية تشغل الناس، أعلنوا عن حفل ستحييه نانسي عجرم وميريام فارس وهيفاء وهبي، وبعدها بأسبوع أعلنوا عن نية مجموعة من الليبراليين الضغط على الحكومة من أجل السماح بفتح حانات للخمور والاختلاط في المدارس، واطلبوا من النواب المرتشين الاعتراض على الحفل والحانات، بحجة مخالفتها الشريعة الإسلامية، قبل أن يطالبوا بعقد جلسة طارئة لمناقشة الأمر حفاظاً على تقاليدنا، ويميناً بالله لينصرفنَّ الناس عن فضيحة الرشاوى ولَيَنْسُنَّ المرتشين، بل سترتفع أسهم المرتشين، وبس، يتزوج ابن الحارس من محبوبته بنت السلطان، وتعم الأفراح القرية”.
قلت له ذلك فلم يتوقف عن ترديد جملة “يا نهار أزرق، كورة في الجون… يا نهار أزرق”.
وبما أنني ساهمت في تشكيل خطة الفريق الخصم، فسأسعى إلى تعويض فريقي عن طريق كشف الخطة، وأنبّه إلى أنهم سيعلنون قريباً عن حفل غنائي مختلط، وعن قرارات لها علاقة “بالكيف”. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
أكذب كذبة
هي قاعدة: «إذا كانت الحكومة فاسدة، فالشعب الذي يختار نواباً حكوميين يكره بلده، والشعب الذي يختار نواباً معارضين يعشق بلده».
وكان المصري أحمد عز، رجل الحزب الوطني القوي، القريب من جمال مبارك، يقول مندهشاً، أو يتصنع الدهشة، وهو يخاطب المعارضين الباكين على حال مصر: «الله، ما عندكو أهوه النواب بتوعكم اللي انتو اخترتوهم برغبتكم»، ويضيف: «محدش ضرب حد على ايدو عشان ينتخب فلان أو علان… دي حاجة تحير فعلاً».
وفي ليبيا أيام العبودية، يقول القذافي مهاجماً الليبيين الهاربين من جحيمه: «يتذمروا ويهاجموا الخدمات والمشاريع في ليبيا، ما بيعرفوش أن همّا هكّا بيهاجموا الشعب، لأن الشعب هو اللي اختار الناس اللي يمثلوه في اللجان الشعبية».
هذا الكلام المصري والليبي لو صرفناه بالعملة الكويتية لوجدناه كالتالي: «الشرهة مو على الحكومة، الشرهة على نوابنا اللي اخترناهم وطلعوا فاسدين… نختار نواب فاسدين بعدين نتحلطم».
وأنا وأنت والعريس والعروس نعرف أن المصريين لم يختاروا نوابهم بملء إرادتهم، ولا الليبيين فعلوا، ولا الكويتيين كذلك. وإن كان الكويتيون «أهون شوي» من الآخرين.
وأنا وأنت والعريس والعروس والمأذون أيضاً نعرف أن الحكومة تستخدم سلاح المعاملات النووي في الانتخابات، فينجح نائب بطعم «السكر» في حلق الحكومة ويسقط آخر بطعم «الخروع». وهناك من النواب مَن ترعاه الحكومة منذ ولادته كما ترعى الأم وليدها، فتحرص على تغذيته بأجود أنواع السيريلاك بالقمح، وتحممه، وتدهن جسمه بالكريمات المرطبة، وتدفع مصاريفه في المدرسة الأجنبية، ووو، «فيتخرج» من الانتخابات جاهزاً على سنقة عشرة، وهناك من تتسلمه الحكومة بعد «تخرجه»، وكلاهما «ينحط على الجرح»، فيداوي جرح الحكومة ويرقص على جراح الشعب والدستور والديمقراطية.
وفي الكويت ثمة «مكاسب» تحولت بفضل الحكومة ونوابها إلى «كذبات» كل واحدة تقول «الزود عندي»، أولاها المادة السادسة من الدستور «الأمة مصدر السلطات جميعاً»، والثانية «الكويت دولة ديمقراطية»، لكن أم الكذبات وأكذب كذبة هي «الشعب اختار نوابه».
إذا كان الشعب أصلاً ميتاً، أو «مرحوماً عليه» كما يقول لاعب المنتخب السعودي السابق فهد الهريفي، فكيف يختار الميت نوابه؟
***
نكتة مضحكة مبكية أرجو أن يقرأها وزير الكهرباء كي يشاركنا الضحك الباكي، النكتة مصدرها القطاع الذي يتولاه وكيل مساعد من غلاة المتدينين، يرفض الاستماع إلى شكاوى موظفات القطاع على اعتبار أنه «متدين» وهن «عورة»، وكأن المسؤولين الآخرين في الدولة الذين يستمعون إلى شكاوى الموظفات ويتعاملون معهن بطريقة طبيعية من كفار قريش، وهو الوحيد الذي أعلن إسلامه بعد فتح مكة.
صدقاً لا أدري من أي إسلام استقى أخونا الوكيل هذه التصرفات، فما نعرفه أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين كانوا يستمعون إلى شكاوى المظلومين من الجنسين.
أما صاحبنا الوكيل فمنع مجموعة من الموظفات المشتكيات من الدخول إلى مكتبه، وعندما شاهدنه في إحدى المرات وتوجهن إليه، أعرض عنهن ووضع غترته على عينيه وتسارعت خطواته الهاربة منهن وهو يتمتم: «استغفر الله استغفر الله استغفر الله»! مع العلم أن الموظفات منقبات ويرتدين اللباس الإسلامي.
يا سيدي هل تعلم أنك بتصرفك هذا إنما تتهمهن، بصورة غير مباشرة، بالفسق والانحلال؟ يا فضيلة الوكيل هن لم يأتين إليك ليحظين بشرف توقيعك على الصور، فـ»اركد شوي» هدانا وهداك الله.
ويا أخانا الوزير، إما أن تقنع وكيلك بالتعامل مع موظفيه من الجنسين باحترام، أو فليستقل ويبتعد عن «العورة»، أو فاسمح لهن بالتوجه مباشرة إلى الوكيل العام للوزارة.
ألا قاتل الله المتكلفين والمتصنعين والمسيئين للدين.
سفراؤنا الفندقيون
الله يرحمك يا عمنا وعم الروائيين العرب خيري شلبي، الله يرحمك يا مبدع شخصية «حسن أبو ضب»، ومبدع الثلاثية الملحمية «الأمالي»، الله يرحمك أيها السلس المنساب الذي اعتاد إغراقنا في بحر التفاصيل فعشقنا الغرق، وعرفنا أن في الغرق متنفساً أكثر، الله يرحمك أيها العزيز النفس الذي لم يركع أمام السلطان.
يا رحمة الله، توقفت غيمات عمنا خيري عن الإمطار، فبكت بساتين الأدب، ونزعت الفراشات ألوانها وارتدت السواد، وصمتت العصافير، وأغلقت أزهار عباد الشمس بيوتها عليها واعتزلت الضوء.
لكن عزاءنا أن الله مد في عمره إلى أن قرأ رواية «تحرير مصر» التي كُتبت في الميادين بدماء عشاق مصر… فادعوا لعمنا بالرحمة، وسارعوا إلى قراءة روايته الخالدة «وكالة عطية»، التي تجول بنا من خلالها في مدينة «دمن حور» أو «دمنهور» كما هو اسمها الحالي، إن لم تكونوا قرأتموها من قبل فتداركوا أنفسكم يرحمني ويرحمكم الله.
* * *
على من أراد قراءة «وثائق ويكيليكس» من الكويتيين أن يتأكد من صلاحية «مرارته» وإلا فستنفقع، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
وبالطبع لم تأتِ الوثائق بجديد، فكل ما ذكرته نعرفه ونحفظه عن ظهر غيب ونسمّعه بأقدامنا اليسرى، الجديد هو أن الكلام هذه المرة أتى من الأميركان، لا من الكويتيين المؤزمين.
لكن تعالوا ننظر إلى الموضوع من الكاميرا الجانبية، لنشاهد كيف يتفانى السفراء الأميركان في أعمالهم، وكيف يرتدون عدة الغوص ليغطسوا في أعماق محيطات الدول التي يتواجدون فيها، فيتفحصوا الأسماك الملونة والشعب المرجانية ووو، ويحصلوا على عينات من تربة القاع يرسلونها إلى مختبراتهم، ويعملوا بلا كلل ولا ملل.
وهنا ينبت سؤال: هذا ما فعله سفراء الأميركان، فماذا عن سفرائنا؟ «أجزم ذراعي» أن غالبية سفرائنا لا يعرفون أسماء أعضاء حكومات الدول التي يعملون فيها، دع عنك أسماء المعارضة وتشكيلات الأحزاب وتاريخها، وأحلق ذقني بسكين المطبخ لو كان بعضهم ملماً بثقافة الشعب الذي يعيش معه، أو كان يعرف أسماء أدبائه ورموزه التاريخية.
السفراء عندنا، في الغالب الأعم، مثل المحافظين، يتم تعيينهم من باب «التكريم»، بشرط أن يحفظ السفير عن ظهر قهر الجملة الباردة الباهتة الشاحبة: «الدولتان ترتبطان بروابط متينة»، وسلامتك وتعيش. لا يخرجون على فضائيات الدول التي يعملون فيها، ولا يشاركون في المنتديات، ولا يطلقون ضحكة ولا يذرفون دمعة، باستثناء قلة قليلة منهم، لعل الفريق علي المؤمن أحدهم.
سفراؤنا يبدعون في أمرين لا ثالث لهما، احتفالات الأعياد الوطنية و«القرقيعان»، والشهادة لله أنهم «عند وجهك» في هذا الأمر، أما الأمر الثاني فعندما يخرجون متراكضين، على رأي غسان كنفاني، لاستقبال بعض كبار التجار ومناديبهم، ويفرحون بمقدم التاجر ولا فرحة الإبل بـ«حنّة الرعد» و«لمعة البرق».
وفي انتظار العيد أو أي مناسبة وطنية، وفي انتظار زيارة تاجر ثقيل دم ورصيد، يقضي بعض سفرائنا أوقاتهم في التأمل في وجوه المارة، أو أجسادهم، على أحواض السباحة وفي ردهات الفنادق الفاخرة… ولا ندري «لمن تُقرع الأجراس»، بالإذن من همنغواي.