أثناء الحرب الدامية في أميركا بين الهنود الحمر – سكان أميركا الأصليين – والغزاة البيض، قال مستشار الحرب لجيش الغزاة جملة حملها القادة العسكريون على محمل من الجدية يليق بها: “مصيبتنا ليست في هذه الجموع، مصيبتنا في تلك المجموعة الصغيرة”. كان يتحدث عن المجموعة الصغيرة التي تحيط بقائد قوات الهنود الحمر “الثور الجالس”، وهي مجموعة مشكّلة من عدد من الانتحاريين، الذين تطوعوا للالتفاف من خلف جيش الغزاة ومهاجمة مراكز القيادة، بهدف إشغالها عن إدارة المعركة، بعد أن يقسم الواحد من الانتحاريين هؤلاء أمام زملائه على ألا يعود إليهم مرة أخرى. وكان لا يعود.
قال مستشار الحرب في جيش الغزاة جملته تلك، وأردف: “يجب أن نتعامل معها قبل أن تتعامل معنا”. وبالفعل تم ذلك، وكانت خطته واحدة من أهم أسباب هزيمة الهنود الحمر.
ولو كنت أنا مكان السلطة أو الحكومة ما كنت انشغلت بالبرلمان وتفاصيله و”جموعه” وتجاهلت “الحراك الشبابي الصامت”، الواقف هناك، والذي يسعى إلى “بتر” المعادلة السياسية الحالية و”زراعة” معادلة سياسية أخرى تحل محلها، شبيهة بالمعادلات السياسية الأوروبية، بهدف تحويل الكويت إلى “إمارة دستورية”، يرأس حكومتها مواطن من خارج الأسرة الحاكمة، مع بقاء الحكم، بالطبع، محصوراً في الأسرة الحاكمة، في ذرية مبارك الصباح (مبارك الكبير) تحديداً كما نص الدستور.
أقول، لو كنت مستشاراً للسلطة لنصحت بأن يتم تخصيص أقل من عين واحدة لمراقبة البرلمان وخطواته؛ ثلاثة أرباع عين واحدة تكفي وتزيد. أمّا العين والربع، أو بقية النظر، فتركز على “تلك المجموعة الصغيرة من الشبان” التي تركت الصدام يدور، والتفّت من خلف الصفوف لفرض سيطرة الشعب على القرار السياسي.
لن أطلب، لو كنت مستشاراً للسلطة، قمع هؤلاء الشبان أبداً، ولا إخراس ألسنتهم وقطع الهواء عنهم، بل الجلوس معهم للتفاوض وتخفيض سقف مطالبهم، باستخدام المناورات السياسية والخطط الاستراتيجية، وأولها عدم المكابرة.
وها هي “ذقني” أمامكم، معشر القراء، وأعلن استعدادي لمسحها من الخريطة، بعد أن أمسح “شنبي” وحاجبيّ الكريمين، إذا لم يكن الانتصار حليفاً للشبان، عاجلاً أم آجلاً. أقول هذا والأدلة تتزاحم أمام عيني… منها، وهذا الأهم، إيمان الشبان التام بقضيتهم، وإخلاصهم لها، وعزيمتهم التي تخجل عزيمة البحارة، وصبرهم الذي يمكّنهم من التصدق بكميات منه للفلاحين دون أن ينقص أو يتأثر، ودهاؤهم القتالي، وخبرتهم التي اكتسبوها من الحروب السياسية السابقة مع السلطة، ومن خلفهم التأييد الشعبي الذي يتكاثر يوماً بعد يوم لمسعاهم، إضافة إلى نشرات الأخبار التي تنقل ما يدور في العالم من سيطرة الشعوب على مقاليد الأمور، فتبث فهم روح الحماسة… في مقابل سلطة تعاقدت مع “الوقت” على حمايتها، واعتبرته من القوات الصديقة! وأحاطت نفسها بمستشارين، يدّعون أنهم “أحفاد روميل” في الدهاء، في حين لا يستطيعون تسويق “علكة”، مجرد علكة، للشعب، فما بالك بالرؤى السياسية، ولا يجيدون إلا الغمز بالعين اليسرى.
وكنت سابقاً قد أعلنت “انتصار الأقلية المعارضة” عندما كانت في لحظات ضعفها، استناداً إلى إيمانها بقضيتها، وإخلاصها لها، في مقابل “أغلبية” تعرف قوافل الشام واليمن ما الذي يجمعها ويفرقها.
راقبوا معي ما الذي سيفعله الشبان، تحت غطاء ضوضاء البرلمان، وسترون بأنفسكم النتائج قريباً. لم أقل جداً.
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
كويتانيك
كما في مسابقات الأكل، عندما يصطف المتسابقون أمام طاولة الطعام، ومع انطلاق صافرة البدء، تتسابق يمنى الواحد منهم مع يسراه لحشر الأكل في الفم، والتهام الطبق في أقصر وقت… كذلك يجب أن تفعل الأغلبية البرلمانية الكويتية مع الإصلاحات المتفق عليها، يجب أن تلتهمها باليمنى واليسرى، وفي أقصر وقت قبل انطلاق صافرة النهاية، وإن توقفت لقمة في البلعوم، فعلى الإعلام أن يتولى مهمة ضرب ظهر الأغلبية كي “تنسَلِت” اللقمة، وتفسح المجال للأخريات.
الحقيقة التي بطعم الحنظل هي أن الأغلبية البرلمانية هشة، وأهش من الهشة، تم تجميعها في مصانع الصين، وبلا كفالة من المصنع، وستتناثر قطعها مع أول ضربة، كما حدث مع “تكتل الكتل” في السنوات الماضية (الفرق بين تكتل الكتل والأغلبية البرلمانية الحالية، أن أعداء الأول هم أعضاؤه أنفسهم، واسألوا أحمد باقر ومخلد العازمي وحسين مزيد والآخرين، أما الأغلبية الحالية فأعضاؤها ما زالوا “تحت التجربة والتمرين”).
ولن أعيد اكتشاف العجلة إذا قلت إنني أشتمّ رائحة جبل الجليد الذي ستصطدم به “سفينة الأغلبية”، وأخشى أن يتكبر القبطان على الجبل ويستهين به، فتحل “كارثة كويتانيك”.
المفارقة أن الأغلبية تزداد متانة كلما تعرضت لهجوم من خصومها، أو كلما أقدمت الأقلية اليتيمة، التي فقدت “معيلها”، على ارتكاب فعل ما، كاستجواب رئيس الحكومة مثلاً. ولا أتفق مع من يقول إن استجواب النائب عاشور (أحد أعضاء الأقلية اليتيمة) لرئيس الحكومة يفتت الأغلبية. تفتيت الأغلبية سيكون عبر “الحرب الأهلية الداخلية” لا “العدوان الخارجي”. ولو كان خصوم الأغلبية البرلمانية دهاة لتركوها تتآكل من الداخل “كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله”، والنار لا تحتاج إلا إلى فتيلة، والفتيلة موجودة عند “كتلة العدالة” التي ترى أن فرض الحجاب على النساء، وتقنين عمليات التجميل، وقضية الاختلاط، ووو، تتساوى مع قوانين العدالة الإدارية وتكافؤ الفرص والمساواة بين الناس.
وأقطع ذراعي من هنا، إذا لم يصبح الحجاب السبب الرئيسي لتشتيت شمل هذه الأغلبية المصنوعة في الصين. وليت كتلة العدالة تتمهل قليلاً إلى أن يتم إقرار الإصلاحات المتفق عليها من الأغلبية، ثم تلتفت إلى الحجاب وعمليات التجميل.
ورغم جدارة عدد من مقترحات كتلة العدالة، فإن بعضها جعل اللصوص وأيتام الفساد الذين يتوقون إلى عودة “المعيل” من جديد، ويفتشون في صفحة الوفيات علّهم يجدون اسم “الأغلبية” كي يشاركوا في دفنها، من باب الواجب… جعلتهم يفركون أيديهم فرحاً في انتظار سماع نشرة الأخبار التي تعلن وفاة الكتلة الصينية.
أكرر، لن تتفتت الأغلبية البرلمانية ولن تموت إلا لسببين اثنين: إما قوانين تكون مثار اختلاف شديد بين أعضائها، كقانون الحشمة، أو استجواب فجائي استعراضي يُقدّم بلا تنسيق! لهذين السببين فقط ستنشب “الحرب الأهلية” ويقتل الأخ أخاه، وتغرق “كويتانيك”.
على وحدة ونص
اسمها “سما المصري”، وأتحدى جنابكم إذا كنتم قد سمعتم بهذا الاسم النكرة من قبل، وسأتكفل بريوقكم (إفطاركم) بجبنهِ وزيتونهِ ولبنته وخبزه الحار إذا لم يملأ أسماعكم خلال أيام قلائل. كل الحكاية أن راقصة مصرية من الدرجة السابعة، طموحة، ولديها ما يكفي ويفيض من مواهب الشخلعة و”الشهق” وضرب الكفين و”ما يحكمشي يا الدلعادي” وكل أدوات الليل ولوازمه… أدركت أن “الرقص وحده لا يكفي”، وأن السكارى في المراقص لن يسدوا الحاجة، فقررت الانتقال إلى التمثيل السينمائي، وحسمت أمرها وحزمت خصرها وقررت إنتاج فيلم سينمائي على حسابها ومن “عرق جبينها”، أطلقت عليه اسم “على وحدة ونص”، على أن تكون هي بطلته. إلى هنا ولا شيء فوق العادة ولا شيء تحتها، فكم من راقصة قبلها احترفت التمثيل، إلا أن الفاضلة “سما المصري” لم تكتف بالتمثيل والرقص، بل أضافت على الفيلم الكثير من البهارات والفلفل، فاختارت قصة تدور حول صحافية تحولت إلى مذيعة ومنها إلى راقصة، ويظهر معها في الفيلم رئيس تحرير يمتهن القوادة، وأشياء من هذا القبيل غير النبيل، فقامت قيامة الزملاء الصحافيين المصريين، واحتدوا و”احترّوا” واحتجوا واحتكوا بالفيلم وصاحبة الفيلم ورفعوا دعوى قضائية غاضبة، ودخل معهم على الخط رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين، محمد إحسان عبدالقدوس، وثار الغبار. وقد نجد عذراً ولو مستعملاً لمن يحتج على الفيلم من الصحافيين المغمورين الباحثين عن الشهرة، بل سأقول أكثر من ذلك، وهاتوا آذانكم لأهمس فيها: “لا أستبعد أن تدس الست الراقصة بعض المقسوم في جيوب بعض الصحافيين ليرفعوا عليها دعوى قضائية، ويهاجموها في الصحافة، فتلتفت إليها رقاب الناس، ويزداد الفضول لمشاهدة فيلمها”، لكننا بالتأكيد لن نجد أي عذر مهما كانت حالته لأخينا رئيس لجنة الحريات، وهو الذي يعلم أكثر من غيره أن الصحافة كصندوق العجائب، فيه من يسقي الزرع، وفيه من يقطع الضرع، وفيه الحاوي الذي يعزف بالناي ليرقص الثعبان، وفيه التقي الشقي والنقي، ووو، فهل نسي أخونا رئيس لجنة الحريات ما كان يفعله بعض رؤساء التحرير في عهد مبارك؟ والله لولا الحياء لقلت إن مقالات أولئك “الرؤساء” يرفضها القوادون أنفسهم، وتلفظها أعتى الراقصات، والإنترنت شاهد عيان. وما يجري على صحافة مصر يجري على صحافة الكويت، فمصر، كما قلت سابقاً، تساوي الكويت ضرب ستة، كمعادلة رياضية. وبعدين أيها الزميل الجميل عبدالقدوس هل تعلم أن أحداً لن يلومني كخليجي عندما أرفع قضية على بطلة الفيلم ومخرجه وكاتبه وبائعه وشاريه بحجة “تشويه صورة الخليجي”، بعد أن ظهرت لقطة، في مقطع الدعاية، فيها رجل يرتدي الغترة والعقال وينثر الأموال تحت أقدام الست الراقصة. وطبعاً أنت مثلي تعلم أن أحداً من النمساويين أو الأستراليين أو أيّ من سكان هذا الكوكب المعطاء لا يرتدي الغترة، باستثنائنا نحن الخليجيين. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. فما قولك؟ يا عبدالقدوس ما بالنا كصحافيين نغضب إذا رفع أحدهم سياط النقد وهوى بها على ظهورنا، ونحن الذين اعتدنا وضع سياطنا في الماء والملح قبل أن نهوي بها على ظهور المارة وعابري السبيل من المسؤولين واللاعبين والفنانين وكل ذي شخصية عامة. يا عبدالقدوس، إذا احتج المحامون على فيلم يتحدث عن فساد “بعض” المحامين، وغضب الأطباء على فيلم يكشف فساد بعضهم، وغضب المدرسون، والصيادلة، وضباط الشرطة، ووو، فعن ماذا تتحدث السينما؟ عن فوائد الجزر والليمون ومضار التدخين بالغليون؟ ثم إذا كانت الصحافة بهذه الطهارة فما بال الثورة الطاهرة عزلت كل رؤساء تحرير الصحف القومية؟ يا عبدالقدوس، بعض الصحف أقذر من المواخير، وكنت أظنك مثلي ستفرح بنقدها وجَلدها بحبل من مسد… سامحك الله.
السبابة لا تحمي الطنب
أواه يا صاحبي القطري، قلت له، خيمة الكويت الخليجية، كما تعلم، مثبتة بخمسة أطناب (حبال، مفردها طنب)، السعودية وقطر والبحرين والإمارات وعمان. ومنذ سنتين داوم عدد من أبناء الليل في الكويت، من الساسة وأصحاب وسائل الإعلام، على حز هذه الحبال بسكاكينهم بهدف قطعها، دون أن يدركوا أن الخيمة إذا تقطعت أطنابها وقعت على أدمغتهم المباركة وأدمغتنا معهم. الطنب البحريني هو الأكثر تعرضاً للحز، يليه السعودي، والآن بدأ حز الطنب القطري. ويا سبحان الله “ارجع البصر كرّتين”، كما يقول الخالق في كتابه الكريم، لتكتشف أن وسائل الإعلام هذه والساسة هؤلاء هم ذاتهم الذين دفعوا بالنائبين “المشبوهين” إلى البرلمان. ولا أحتاج إلى التذكير بأن أبناء الليل لم يُقدِموا على فعلتهم هذه إلا بعد أن حققوا نجاحات باهرة وأرقاماً قياسية في خلخلة الخيمة الكويتية من الداخل، والآن ها هم يحزون الأطناب تنفيذاً للبند “رقم 2″، ولا أدري ما هو البند “رقم 3” في بروتوكولاتهم التي كشفت لنا خيبة “بروتوكولات حكماء صهيون”. ولم يكذب شاعر الحرب خلف بن هذال عندما قال: “من دون صهيون بذّتنا صهاينّا”*. وأظن أن على حكومتنا الجالسة في “صدر الخيمة”، أن تدرك أن استخدام سبابة التهديد والتحذير مع أبناء الليل هؤلاء لن يجدي نفعاً، وأن عليها أن تبدأ منذ اللحظة باستبدال الحبال العادية بأطناب من الفولاذ النقي، وأن تتعهد هذه الأطناب بالسهر والحراسة، وتمنع الاقتراب منها وتصويرها، أو فلتستعد للمبيت في العراء، وتحمل حرارة القيظ وزمهرير الشتاء. وألف رحمة على الشاعر الذي قال في غابر العصر: “يمنىً بلا يسرى تراها ضعيفة / ورجلٍ بلا ربعٍ على الغبن صبّار … والطير بالجنحان محلى رفيفه / وإذا انكسر حدا الجناحين ما طار … أحدٍ على جاره حصاةٍ محيفة / وأحدٍ على جاره بخَتري ونوّار”**. والكويتيون على جيرانهم “حصاة محيفة”، والشهود أربعة ثقات. ولكل من تهمّه خيمة الكويت الخليجية ويخشى عليها أقول: “احرصوا على متابعة نشرات أخبار الساعة التاسعة كل ليلة، وانتظروا دور الطنب الإماراتي، وبعده العماني، فالسكاكين حادة، وسبابة التهديد لا تحمي الأطناب”. *** *بذّتنا: شغلتنا وأزعجتنا. ** لم أذكر اسم الشاعر لاختلاف الرواة حوله، وإن كانت غالبية الرواة تذهب إلى أنه الرويس. و”بختري ونوار” زهرتان برّيتان، ويقصد الشاعر أن بعض الجيران كالأرض الجرداء (الحصاة) التي لا ماء فيها ولا نبات، وبعضهم كالأرض التي تنبت أفضل الأزهار البرية. وأخشى على اليمنى الكويتية أن تصبح بلا يسرى.
رفقاً بهم…
مهما ارتفعت أسوار السياسة والصفحات السياسية والمانشيتات السياسية الساخنة، لا يمكن أن تحول بيني وبين قراءة الصفحات الأدبية في الصحف، خصوصاً في هذا الجورنال. مازلت من عشاق هذا اللون من الصحافة، ومن عشاق كتابات الزملاء في قسم “ثقافات”. ويتباكى عشاق الأدب الصحافي العربي على المجد الذي كان، ويلطمون حزناً على الملاحق الأدبية التي كانت تزيّن الصحف، ويحثون الرمل على رؤوسهم بكاء على رؤساء الأقسام الأدبية في الصحف في غابر الزمان، ويندبون الحظ ويلعنونه إذ جعلهم عرباً، وزرعهم في مجتمعات لا تحب الأدب ولا الأدباء. هم لا يعلمون أن البريطانيين والأميركان تحولوا إلى “عربان” وتخلصوا، مثلنا، من الأقسام الأدبية في صحافتهم لدواعي التوفير. فقبل فترة شاهدت برنامجاً عن الصفحات الأدبية والملاحق الأدبية في الصحف العالمية العريقة، وفيه تحدث المذيع البريطاني بحزن على المجد الأدبي الذي هو على وشك الانقراض، كالوعل الإفريقي. كان يتحدث عن الصحف العريقة لا التابلويد، مثل “الفايننشال تايمز” و”ديلي ميل” و”الإندبندنت” ووو… وتقفز صحف أميركا لتزاحم صحف بريطانيا في عربة “الدول قليلة الأدب”، بعد أن تآكلت الملاحق الأدبية في أهم صحفها، ومنها “لوس أنجلس تايمز”. على أن صحف فرنسا مازالت تستر جسدها بقطع صغيرة من ملابس الأدب، وإن كانت فوق الركبة، بعد أن كانت تجرها خلفها كعرائس أوروبا في ليالي زفافهن. ورغم ارتدائها الـ”ميني جوب” فإن الصحف الفرنسية تعتبر أكثر حشمة من بقية شقيقاتها الأوروبيات اللاتي اعتدن المايوهات وحفلات التعري (في الصحافة الألمانية تفسح صفحات الأدب المجال أمام صفحات الفنون والاقتصاد والرياضة. على ذمة المذيع وبرنامجه). وصدّق أو افعل مثلي ولا تصدق، في الوقت الذي يتناقص فيه عدد الصفحات الأدبية في صحف العالم، يتزايد عدد الصفحات تلك في الصحف الصينية، باعتبار الأدب لا يجلب المتاعب ولا يقود إلى السجون، في بلد يضم شعباً من الجواسيس والمخابرات. وأن تقطع، هذه الأيام، المحيط الأطلسي سباحة على ظهرك الكريم، أسهل من أن تحقق شهرة على ظهر الأدب، بعد أن تحول الأدب إلى “رجعية وتخلف”، وقريباً قد تصبح كلمة “أديب” شتيمة يعاقب عليها قانون السب والقذف. وكان العرب قديماً يتواصون بالرفق بالقوارير (الصبايا)، وسيتواصون قريباً بالرفق بالأدباء وعشاق الأدب.
الشوط الثاني
كل الحكاية أن الشوط الأول انتهى، وبدّل لاعبو الفريقين أماكنهم… أتحدث عن البرلمان الكويتي.
وللواقفين بعيداً عن الأحداث الكويتية، والمنشغلين بالأحداث السورية واليمنية والمصرية وغيرها، إليكم سأحمل طبقاً صغيراً من المطبخ الكويتي، تلتهمونه وتواصلون شؤون حياتكم.
أكتب إليكم هذه الرسالة، وأنا أقهقه بسبب انفعالات “الفريق الأسود”، فريق الغالبية السابق، وهو يهدد ويتوعد ويحدث الجلبة كي لا نستمتع بسيمفونيات النصر.
تلك أيام، كان فيها اللون الأسود هو الغالب في البرلمان، الذي تحول إلى “مجلس شورى”، يرتدي نوابه البشوت الفارهة ويمتطون السيارات الفارهة ويقبضون الأموال الفارهة، في حين تنهمر من عيون الشعب الدمعات الفارهة. كانت مرحلة فارهة القبح.
كانت الريح تهب من جهة الفساد. كانت قوية في وجه الوطن. وكان الوطن، بعد أن طارت غترته وسقط عقاله، يحتمي خلف جذوع الشجر كلما هاجت الريح.
في تلك الفترة، برز مجموعة من شبان المعارضة الغاضبين يحملون الألوية الحمراء، فأفسحنا لهم الطريق خشية أن يدهسونا، كان هديرهم مخيفاً، كانوا يزمجرون. وكنا قبل بروز هؤلاء الشبان نُعتبر من المعارضة الشرسة المتوحشة، فأضحينا، مقارنةً بهم، معارضة أليفة، ناعمة، لا مخالب لها ولا أنياب، تتمدد على شاطئ الريفيرا، وتتناول آيس كريم الجوز، في حين أن أول ما يلفتك في شبان الألوية الحمراء هو أنيابهم البارزة، وحواجبهم المعكوفة إلى الأعلى، كسن الفيل، كان منظرهم مهيباً.
تقدم الشبان الصفوف، فاصطف خلفهم “نوابهم”، وتوحدت الخطوة على وقع الطبلة العسكرية، وتوحدت الصيحة العسكرية، وبدأوا معركتهم، فكان النصر حليفاً للشبان، والنصر لا يحالف الجبناء.
واستعدنا البرلمان، وأعدناه “برلماناً” بعد أن تحول إلى مجلس شورى، ومنه إلى حديقة تلهو فيها الحكومة وأتباعها. وبدّل اللاعبون أماكنهم، فانتقل “نوابنا” إلى يمين الشاشة، ونواب السواد إلى يسارها، بعد أن فقد فريق السواد لاعبه الرئيسي، وبدأنا تسجيل الأهداف، الهدف تلو الآخر.
ويا لمحاسن “الطُرَف”، لم يكتف الفريق الأسود بتبديل مكانه، بل بدل قناعاته أيضاً، فأصبح، وهو الذي يرفض “التأزيم”، سيد التأزيم.
كل الحكاية، أن الفريق الأسود عندما كان هو المسيطر، نشر السواد والفساد، فجاء الفريق الأبيض الآن، لا ليمحو السواد فحسب، بل ليحاسب من “سوّد” وجه الوطن.
الكويتيون… عظماء
الكويتيون مليون نفر، لكن صوتهم هو الأعلى في سورية، أعلى حتى من السوريين أنفسهم. وهم أصحاب القضية في البحرين لا البحرينيون. البحرينيون متطفلون على القضية. ويا ويل أمك إذا قلت إن الدافع طائفي قح.
والحمد لله أن النزاع في نيجيريا لا علاقة له بالسنة والشيعة، وإلا كنا سحبنا البساط من تحت أرجل الفريقين، وتركناهم على الأرض وتولينا نحن قضيتهم، فنحن أولى بها.
وفي قطر، تتدخل القيادة، القيادة فقط، في الشأن الدولي بقوة، من شرقستان الأرض إلى غربستانها، في حين ينشغل المواطن القطري بحياته الخاصة، وتجارته الخاصة، ومتعته الخاصة، وهمومه الخاصة. أما في الكويت، فالقيادة تتعمد الوقوف بعيداً عن الغبار الدولي، في حين يقتحم الكويتيون الغبار ويضاعفونه ويصنعون غبارهم الخاص، و”زيادة الغبار غبارين”. ومن رحمة الله أن الشعب الكويتي لا تقوده القيادة القطرية، وإلا كنا سحبنا الأضواء من الزلازل والبراكين.
وتعيدني الذاكرة إلى ما قبل الغزو، عندما كنا، مجموعة من الطلبة الكويتيين ندرس في الكلية العسكرية في القاهرة، وكنا، كعادة المراهقين، نتعارك مع الآخرين، من باب إثبات الرجولة أو فرض السيطرة أو تزجية وقت الفراغ. لكن معاركنا كانت تحت أعلام دولنا، إذ تنشب معركة بين “الكويتيين” و”العراقيين”، لا نعرف مذاهبهم ولا يعرفون مذاهبنا. ويا للصدف، إذا تعارك البحرينيون مع العراقيين، وبلغنا خبر المعركة، تقدمنا بحاملات طائراتنا إلى البحر الأحمر نصرة للبحرينيين، قبل أن نعرف “محاور المعركة وأسبابها”. يبدو أن هناك بنداً في ميثاق دول مجلس التعاون الخليجي ينص على هذا. الله أعلم.
ولو أننا ندرس الآن في الكلية ذاتها، لانتصر السني منا للسني من هؤلاء أو أولئك، ولانتصر الشيعي للشيعي، بعيداً عن أعلام الدول. وكنا انتزعنا قضاياهم من أيديهم لنتبناها وتركناهم على قارعة الطريق، لا شغلة لهم ولا عملة، يعانون البطالة، وقد يدمنون المخدرات لشدة الفراغ، وقد يتعلمون الرسم بالفحم، وقد تضمر عضلاتهم لشدة الكسل، في حين نتقاضى نحن مكافآت العمل الإضافي “أوفر تايم”.
الكويتيون مصدر قلق لكوكب الأرض وكائناته. هم أعظم الكائنات وأقواها. ففي الكويت هناك الكاتب “فؤاد الفضائي” الذي يعرف ما لا تعرفه أجهزة “الموساد” و”الشين بيت” و”السي آي أيه” و”الكي جي بي”، وينتشر مراسلوه وجواسيسه في القارات الست (يعاني نقصاً في الجواسيس في القطب الجنوبي مع الأسف) وتلتقط أقماره الصناعية الرسائل السرية المرسلة من جواسيس إيران في أصقاع الأرض إلى طهران، “حيروحوا منه فين بس”.
وهناك “الكاتبجي” محمد الوشيحي، الذي يعرف مصلحة المصريين أكثر منهم، ويطالبهم بالتصويت في الرئاسة لمحمد البرادعي، ويحذرهم من أحمد شفيق وعمر سليمان وعمرو موسى الذي يؤيده أنصار حسني مبارك من الكتّاب العرب، سمير عطا الله مثلاً. وكان الكاتبجي قد حذر المصريين من التصويت للسلف والإخوان المسلمين في البرلمان، فاستمعوا إلى نصائحه فكانت نسبة الإسلاميين في البرلمان لا تتجاوز الخمسة والسبعين في المئة، فقط.
الكويتيون مهمومون بقضايا سكان الأرض، ولا يلتفتون إلى توافه الأمور، كالبنية التحتية لبلدهم، أو التنمية البشرية أو المادية. وإذا كان ياسر عرفات يسمي الفلسطينيين “شعب الجبارين”، فإن الكاتبجي يسمي الكويتيين “شعب العظماء”.
رفع البلد بالزند الأيسر
إضافة إلى الجمل والمصطلحات التي ذكرتها في مقالات عدة في السابق، هناك جمل ومصطلحات أخرى لها وجهان، كقطعة النقود تماماً… يتحدث سياسي في جموع الناس: “أنا أخدم وطني من أي مكان، وفي أي مكان”، وهو تصريح “عَرض خدمات”، أو “إعلان للبيع”، يقوله النائب كي تسمعه الحكومة فتعرض عليه منصباً وزارياً، لكنه سيرفض المنصب إذا عُرضت عليه وزارة “أقل من مستواه” كما يراها، وسيلعق تصريحه السابق لعقاً مبيناً. ويأتيك من يأتيك من ساستنا الأكارم فيعتقد أن الشعب ما زال في حضن أمه، ترضعه وتغسله و”تمهّده”، أي تضعه في المهاد! ويخاطب الشعب بلغة “بكرة تكبر وتفهم”، فيعلن: “أنا مستقل، لا أتبع تياراً ولا تكتلاً سياسياً بل أتبع الكويت وأهل الكويت”، وكأن التيارات السياسية تتبع موزمبيق الشقيقة، أما الكتل البرلمانية فهي عميلة لبوركينا فاسو، تراسلها بالحبر السري. وأتذكر، وأنتم معي تتذكرون، بوش الولد عندما أعلن ترشحه لرئاسة أميركا: “أنا لا أتبع الحزب الجمهوري ولا الديمقراطي ولا الخضر، أنا أتبع أميركا وأهل أميركا”، فأطلقت نساء أميركا الزغاريد ورمى رجالها قبعاتهم إعجاباً بموقف بوش وولائه النقي. وكذلك فعل باراك أوباما، وقبل هذا وذاك كلينتون وكارتر وريغان وغيرهم من الرؤساء الأميركيين الذين أعلنوا أنهم لا ينتمون إلى حزب بل إلى أميركا وأهل أميركا. وأتذكر، وأنتم معي تتذكرون، مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل، زعيمة حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” التي تخلت عن حزبها، وأعلنت توبة نصوحاً، وتقدمت إلى الانتخابات الرئاسية “طرق عباتها”، أي بمفردها، ورغم ذا فازت في الانتخابات بفضل الله أولاً ثم بفضل دعاء الوالدين وهمة أبناء خالتها الكرام وبنات جيرانها، وها هي تعيد التوازن إلى ألمانيا، كما يرى المراقبون، بجهدها الذاتي. كل القادة المخلصين لأوطانهم ولشعوبهم لا ينتمون إلى أحزاب، لأن الأحزاب والتيارات السياسية خيانة، والتحالفات والائتلافات غدر وطعنة في قلب الوطن. كلهم قادوا بلدانهم بلا أحزاب ولا تيارات، باستثناء الخائن الأكبر “ِشتولتنبرغ” رئيس الوزراء النرويجي، الذي خان أمته النرويجية وتنافس على منصب رئيس الوزراء عبر “حزب العمال” وفاز، عليه من الله ما يستحق من اللعنات بقدر خيانته. ورغم أنه وضع النرويج على منصة تتويج الدول كأفضل دولة في الأرض، إلا أن ذلك لا يغفر له، وسيلقى بإذن الله المصير الذي يليق به كخائن ينتمي إلى حزب والعياذ بالله. وفي الكويت، ولله الحمد، لدينا نواب يرفضون الانتماء إلى التيارات السياسية والكتل البرلمانية، ويعلن أحدهم أنه ينتمي إلى “تيار” الكويت وأهل الكويت، ويبدو أن باستطاعته أن يحمل البلد، بمفرده، على زنده الأيسر بعد أن يكثف التمارين السويدية وتمارين المعدة. سعادة النائب رياض العدساني… كثّف تمارينك يرحمنا ويرحمك الله.
اربطوا حصان عبيد
“رد النقى يا عبيد حالٍ وحيلة / يا عبيد يوم إنك تبي الدرب عجلان”، وكلمة “عجلان” تعني “مستعجل”… رحم الله الشاعر الخالد بندر بن سرور، كم كانت قصائده تفوح منها رائحة الحكمة.
ورحم الله فارس قبيلة العجمان العظيم “منصور الطويل” الذي لا يجيد التخطيط للمعارك ولا يمتلك الدهاء العسكري كغيره من فرسان القبيلة والجزيرة، لكنه كان الأشجع باعتراف أعدائه قبل أبناء عمومته، وكان العجمان يربطونه ويوثقون رباطه قبل كل معركة كي لا ينطلق على الأعداء بدون تنسيق ولا تخطيط مع أبناء عمومته فتدب الفوضى بينهم…
منصور الطويل هو الذي تحدث عنه شيخ قبائل العجمان ويام وفارسها راكان بن حثلين في قصيدته الشهيرة، أو مساجلته الشهيرة مع شيخ قبيلة قحطان الفارس ابن قرملة، وشيخ بني هاجر الفارس ابن شافي، عندما استعان بنو هاجر بأبناء عمومتهم قحطان لمحاربة العجمان، وكتب في ذلك ابن شافي قصيدة أرسلها إلى ابن قرملة، فأرسل الأخير قصيدة “إعلان حرب” على قبيلة مطير أو قبيلة يام، التي جاء منها البيت المعروف: “لا بد من يومٍ يثوّر عسامه / اما على المطران والا على يام”، وترجمة البيت “لا بد أن يرتفع الغبار على مطير أو على يام” كناية عن الحرب.
فجاءه رد راكان بن حثلين في قصيدة تاريخية (الحقيقة أن القصائد الثلاث كلها تاريخية) منها البيت المعروف: “قدامكم شيخٍ رفيعٍ مقامه / الخيل قرّح وأبيض الخد قدّام”، ومعنى البيت كما نقول في أمثالنا: “هذا الميدان يا حميدان”، وفي منتصف القصيدة أراد ابن حثلين استعراض قوة جيشه، كعادة القادة، فقال “معنا الطويل اللي تجيكم علامِه / مثل العديم اللي على الجول صرّام”، أي أن الطويل الذي سمعتم عنه وتناقل الناس أخباره من بين جيشنا، وشبّهه بالعديم، أي الصقر الذي لا مثيل له عندما يهوي من الفضاء بسرعة على أسراب الحباري.
هذا ما تناقلته الروايات وكتب التاريخ عن معارك الجزيرة العربية، وعمن كان يهاجم الخصوم بلا تنسيق مع جيشه، رحم الله أعلام الجزيرة وأبطالها وشعراءها. أما ما حدث في أقصى الأرض، في الولايات المتحدة الأميركية تحديداً، قبل احتلالها من قِبل البيض وهزيمة الهنود الحمر، سكانها الأصليين، فقد قرر “الثور الجالس” قائد الهنود الحمر قتل كل فارس من الهنود ينطلق مهاجماً الجيش الأميركي بلا تنسيق، بعد أن جلبت تصرفاتهم الكوارث له ولجيشه.
ولو كان النائب د. عبيد الوسمي في جيش الهنود الحمر لكان أول مَن يقتل كي لا يُحدث الفوضى في صفوف الجيش.
وبنينا الكهوف
ما بين اندهاش وامتعاض، تهكم صديقي الخليجي في معرض حديثه عن انتخابات البرلمان الكويتي الأخيرة: “ما شاء الله، كل الكويتيين ساسة!”، وبـ”لقمانية” لم أعتدها أجبته مبتدئاً بسؤال: “هذه كانت النتيجة، فهل تريد معرفة السبب؟ سأذكره لك… عندما تضع الإبريق المملوء بالماء على النار وتتركه ساعات ثم تعود إليه فتكتشف أن ماءه قد تبخر واختلط بالهواء فلا تعجب ولا تغضب… يا سيدي، الماء لم يفعل ذلك من تلقاء ذاته، بل نتيجة قوة (التي هي النار) دفعته إلى هذا “التصرف”، كذلك الكويتيون، لم يتسيسوا من تلقاء ذاتهم، بل نتيجة “النار”، أو قل النيران التي دفعتهم إلى ذلك”.
ورحت أذكر له النيران التي تعرض لها الكويتيون: “هل تعلم أن آخر مستشفى تم بناؤه في الكويت كان قبل واحد وثلاثين عاماً (في 18 فبراير 1981 تم بناء عدد من المستشفيات في محافظات الكويت المختلفة) ومن يومذاك إلى يومنا ذا توقف الزمن “الصحي”؟، وهل تعلم أن ملاعبنا الرياضية لا تغري الخروف الجائع؟ وهل تعلم أن شوارعنا لا يمكن ان تقبل بها حكومة دولة إفريقية لا تجد ما تأكله؟ وهل تعلم أن نظام “الكتاتيب” أكثر تطوراً من نظامنا التعليمي؟ وهل تعلم أننا نسمع عن الميزانيات المخصصة للبنية التحتية ولا نرى الميزانيات ولا البنية التحتية؟”.
“وهل تعلم وهل تعلم وهل تعلم – كرّت “هل تعلماتي” كخرز المسبحة – وبعد ذا تطلب منا أن نكون بلا إحساس، أو محاسيس كما كان يقول حارس بنايتنا الصعيدي النقي؟ وهل كنت تتوقع منا أن نستمر، رغم كل هذه “الهل تعلمات”، في تناول الشاي مع قطع البسكويت اللذيذة؟… لا يا صديقي”.
“كل هذا الفساد جعلنا، تلقائياً، نعيش في طقس سياسي على مدار السنة، كلنا، صغاراً وكباراً… وكما يلعب أطفال الدول الإسكندنافية بالثلج، ويبنون بيوتاً من الثلج، ويحفرون كهوفاً من الثلج، وينحتون أشكالاً مختلفة من الثلج، كذلك يفعل أطفالنا بالسياسة، يبنون بيوتاً من السياسة، ويحفرون كهوفاً من السياسة، وينحتون أشكالاً من السياسة”.
“وصحيح، يا صديقي الخليجي، أنكم أكثر منا تطوراً عمرانياً وخدماتياً، ومن ينكر ذلك كذاب ابن نصاب، لكننا، مع اعتذاري لقسوة المفردات أكثر منكم حرية وشموخاً وكرامة، دعني أكرر كلمة “كرامة” وأنطقها بمفردها حتى لا تختفي بين الكلمات”.
“يا صديقي، كل هذا الضجيج الذي تسمعه عندنا تفسيره أننا أردنا بناء برجين متوازيين، الأول أسميناه برج الحرية والكرامة، والثاني برج التطور، لكننا وجدنا ركاماً في المساحة المخصصة للبناء، أعمدة وأسياخ حديد وبقايا صخور مشوهة ووو، فأعملنا معاولنا فيها لإزالتها وتنظيف المكان، ونجحنا – حتى اللحظة – في إزالة كمية لا بأس بها من هذا الركام المشوه تسمح ببناء برج التطور وحده، لكننا أصررنا على بناء البرجين في وقت واحد، وقريباً سيرتفع البرجان إلى شاهق، وستنفتح أحداقكم على مصاريعها دهشة من عظمتنا”.
“لا تستعجلوا علينا، يا صديقي، لا تستعجلوا”… قلت له ذلك فمطّ شفتيه، وأظهر باطن شفته السفلى، وهو ينظر إلى الأرض، إما دلالة عدم ثقته بما قلت، أو جهله به، أو لعله يفكر ببناء كهوف من السياسة، في بلاده.