الخبر، كما نشرته هذه الصحيفة التي بين يديك: “سيناريست يهودي يتهم الممثل ميل غيبسون بمعاداة السامية”. ليش يا أخانا اليهودي؟ لأنني أعطيته سيناريو فيلم يتحدث عن بطولة أحد اليهود فرفض غيبسون الفيلم، لذا فهو معاد للسامية لاشك.
هذا هو السبب فقط، وهو سبب مقنع كما ترى، عندك اعتراض؟ وبالطبع سيضغط اللوبي اليهودي على أعصاب غيبسون، فيعقد الأخير مؤتمراً صحافياً يبرر فيه رفضه ويكرر حجته: “السيناريو ضعيف ولا يرقى إلى إخراجه كفيلم”، فترد الجماعات اليهودية عليه وهي تمسح دموع المظلومية: “إلى متى ستستمر في معاداة السامية” فيقسم غيبسون برأس أمه إنه لا يعاديها، فتقسم الجماعات برأس أمه هو إنه يعاديها، ويدور السجال على حل شعره وعلى صفحات الصحف وشاشات الفضائيات، فيذعن غيبسون في النهاية ويوافق مذموماً مدحورا، وبلا منة، رغماً عن أنفه، أو غصباً عن نخرتو، كما يقول ربعنا السودانيون.
ويقولون: “السينما الأميركية حرة”، وأقول: “السينما الأميركية هرة… تتحكحك على أقدام اليهود وأصحاب رؤوس الأموال”. وتنمو الصحافة الأميركية والسينما الأميركية والسياسة الأميركية ورقابها تحت سيف “معاداة السامية”.
وفي الكويت يوقفك شاب في مركز تسوق: “لو سمحت اكتب عن مديري الذي يتربص بي ويبحث عن أدنى سبب لمعاقبتي”، فترد عليه وأنت تقرأ آية الكرسي في سرك: “كان الله في عونك” فيستفسر: “إذاً متى ستكتب عنه؟” فتنفخ إجابتك في وجهه: “أنا أكتب في الشأن العام يا عزيزي، وقضيتك هذه قضية خاصة”، فيعلق بغضب: “قل إنك لا تكتب إلا ما يشتهيه ملّاك الصحيفة”! وقبل أن يرتكز حاجباك دهشة وغضباً يطلق عليك رصاصته الثانية: “للأسف، كنت أحترمك”، فترفع عينيك إلى السماء، بنظرة لا يفهمها إلا خالقك، وتغمغم، أيضاً في سرك: “خذ احترامك لي ومعه خمسة دنانير وابتعد عني قبل أن أفجر موكبك”. وتحدث نفسك: “هل أنا مضطر إلى تذكيره بما كتبته ضد ناشر الجريدة؟”.
وتذهب للمشاركة في عزاء، فيوقفك رجل عليه من سمات الحكمة ما يبز لقمان: “لماذا لا تتحدث في برنامجك التلفزيوني عن تلك الإدارة التي لا توفر أماكن كافية لوقوف سيارات المراجعين… يا أخي تكسرت سياراتنا من الرصيف! وأنا أظن أن وكيل الوزارة يمتلك محلاً لتصليح السيارات” فترد عليه وأنت تنتزع ابتسامة ترد بها عليه ولك فيها مآرب أخرى: “وقد يكون الوزير شريكه. مُحتَمل”، فيجيبك بجدية سوداء: “أقسم بالله إنني لا أستبعد ذلك. هذه حكومة عصابات”، فتنتبه إلى أن الأمر لا مجال فيه للمزاح، فتعلق: “طبعاً طبعاً، كان الله في عون سياراتكم! سأرى ما يمكنني فعله”، وما يمكنك فعله هو أن تنسى السيارة وصاحبها والرصيف مسرح الجريمة… وتمضي أنت وتمضي أيامك، فيقابلك صاحبك ذو السيارة مرة أخرى ويذكّرك بنفسه وبالموضوع، فتسحب غصة ترهق بلعومك، وتعتذر بأدب “هناك مواضيع أكثر أهمية وإلحاحاً من سيارات المراجعين، منها سياسات هذه الإدارة، رغم أهمية سيارتك بالتأكيد”، تقول هذا الكلام بدلاً من أن تقول “سحقاً لك ولسيارتك”، فيرد عليك وهو يضرب كفاً بكف: “تظهر معادن الرجال في المواقف الصعبة، وأنت، يا للأسف، ظهر معدنك الحقيقي، ويبدو أن الوكيل تمكن من إسكاتك”. فتهز رأسك بابتسامة ملعونة وتسكت بعد أن تأكدت أن العرب أبناء عم اليهود.
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
القذافي الكويتي
• معمر القذافي، موجهاً حديثه إلى الزعماء العرب: “إذا كنا نواجه مجنونا كحسين (يقصد الحسين بن طلال ملك الأردن) يريد أن يقتل شعبه، فلا بد من إرسال من يقبض عليه ويضع الأغلال في يديه، ويمنعه من فعل ما يفعل، ويحيله إلى مستشفى المجانين”.
• الملك فيصل بن عبد العزيز يرد عليه: “لا أظن أن من اللائق أن تصف ملكاً عربياً بأنه مجنون يجب أن يوضع في مستشفى المجانين.
• القذافي: “لكن أسرته كلها مجانين… والمسألة مسألة سجل”.
• الملك فيصل: “حسناً… ربما كنا كلنا مجانين”.
• جمال عبد الناصر يشارك في الحوار: “في بعض الأحيان حين ترون جلالتكم ما يجري في العالم العربي، فإن ذلك يصبح صحيحاً، وأقترح أن نعيّن طبيباً يعايننا بصورة منتظمة ليتبيّن من هم المجانين بيننا”.
• الملك فيصل: “أريد أن يبدأ طبيبك بي، لأنني أشك، بالنظر إلى ما أراه، في أنني أستطيع الاحتفاظ بتعقلي”.
دار هذا الحديث، على ذمة محمد حسنين هيكل في كتابه “الطريق إلى رمضان”، في القمة العربية التي عُقدت في القاهرة في شهر سبتمبر من عام 1970، ولك أن تلاحظ من الذي بدأ الحديث عن الجنون وعن قتل الشعب! قبل أن تكرر ما قاله الملك فيصل: “أشك، بالنظر إلى ما أراه، في أنني أستطيع الاحتفاظ بتعقلي”.
على أن الحقيقة التي يجب ألا ننكرها، أن معمر القذافي لم يمت وإن مات، والتفاتة واحدة من أي منا إلى الشأن السياسي الكويتي كفيلة باكتشاف وريث القذافي، أو القذافي الكويتي، الذي تفوق بلا شك على “معلّمه”، وأصبحت ثرثرة الأخير أكثر متعة وهبلاً من ثرثرة الأول.
وكما يتهم القذافي “الأصلي” الآخرين بالجنون في حين أنه ذاته بركان الجنون الذي لا يهدأ، ها هو القذافي الكويتي يتهم الآخرين بالتمصلح، وهو أبو التمصلح وعمه.
وإذا كان عبد الناصر يقترح تعيين طبيب يعاين الزعماء العرب، فإنني أقترح، بعد أن رأيت ما رأيت ورأى الناس ما رأوا، أن تمتد مهمة هذا الطبيب ليعاين كل سياسيينا. خصوصاً قبل الاستجوابات.
على سطر ونص
الله يرحمه ويبرّد قبره أديبنا الكبير إبراهيم عبدالقادر المازني الذي كان يكتب مقالات أطول من نهر النيل وأغنى.
كان ينشر المقالة الواحدة على صفحات وصفحات، فتقرأها وتنام وتستيقظ وتكمل قراءتها في اليوم التالي، وتتزوج وتنجب أطفالاً تسمي أحدهم “سعود” وتدخله حضانة أجنبية فيعلّم الأطفال الأجانب لحن “ناقتي يا ناقتي لا رباع ولا سديس”، ويتخرج سعود، ويتزوج، ويُتهم في قضية أمن دولة (المخالفة المرورية في الكويت في السنوات الأخيرة باتت أخطر من تهمة أمن الدولة) وتكبر أنت، وتشيخ، ومازلت تقرأ المقالة ذاتها، وتموت، وتُدفن ومعك المقالة إياها، وتُبعث من جديد قبل أن تُنهي قراءتها.
كان هذا في عشرينيات القرن الماضي (نشر المازني بعض مقالاته في كتاب أسماه حصاد الهشيم عام 1924)، وأظن أن الناس وقتذاك كانوا يحتفون بمن ينتهي من قراءة المقالة الواحدة، كما يفعلون في حفلات الطهور، فيرقص الحصان، وتزغرد النساء.
وكنت أقرأ في اليوم الواحد أكثر من ثلاثين مقالة، محلية وعربية، وأجد الوقت الكافي لقراءة الكتب.
واليوم، في زمن تويتر ذي المئة والأربعين حرفاً، تبني العناكب مدنها الجديدة على مكتبتي، وتنفذ خطتها التنموية على الجرائد القابعة امامي على المكتب، الأمر الذي جعلني ألغي المكتبة وأجمع الكتب المهمة، فقط المهمة، في شنطة سفر من الحجم الكبير، وأتبرع بالبقية لعابري السبيل، وأصرف نظري عن غالبية مقالات الزملاء، الذين كان لهم شنة ورنة، بعد أن اعتبرتهم من “العرب البائدة”.
ويكتب الكاتب منا مقالة لا تتجاوز خُمس الصفحة أو سُدسها، فنصرخ في وجهه: “من لديه الوقت لقراءة كل هذه المخطوطة الرومانية؟”، وينصحني بعض الزملاء: “تغير الوقت أبا سلمان فلا تطل المقالة”، على اعتبار أن مقالاتي تُصنّف من المقالات الطويلة، فأرد: “لا أحترم بطاطين الطائرات، التي إذا غطت رجليك كشفت رأسك، وإذا غطت رأسك كشفت رجليك، أريد أن أغطي رأس الموضوع ورجليه”، ومع ذا أجدهم محقين عندما أختلي بنفسي وثالثنا الشيطان، وأفكر جدياً في تقليص مصروفات مقالاتي، واستخدام نظام الحقن أو المقالة الكبسولة.
وأجزم أن أحداً دون الخامسة والعشرين من عمره لا يقرأ المقالات، إلا ما ندر وزنه وطال سجنه، وأن نسبة قراء المقالات تحت سن الثلاثين لا تكاد تُرى بالعين المجردة. ولا أدري، فقد يأتي يومٌ نكتب فيه مقالة لا تتجاوز الفقرة الواحدة، وقد يأتي يوم آخر نكتب سطراً ونصف السطر فقط، فيتذمر القراء: “أوف… مَن يقرأ كل هذا؟”. الأكيد أن العربان منشغلون عن القراءة في تطوير كوكب الأرض. وحّدوووه.
سكرانة
فوضى، واستعراض عضلات، واندفاع البعض لتسجيل اسمه على أكبر مساحة من العَلَم، كما يفعل عساكر الرومان عندما ينتصرون في معاركهم. هذا ما تفعله أغلبيتنا البرلمانية هذه الأيام.
أكرر وسأظل أكرر وألتّ وأعجن ما قلته: في السياسة، كما في المعارك العسكرية، يجب أن يبتعد القائد العسكري، أو يُمنع عن اتخاذ القرارات، فور انتهاء المعركة مباشرة، إلى أن يستفيق من نشوة النصر أو سكرة الفوز، فللنصر سكرة مدمرة تفوق سكرة الخمرة، يفقد معها المنتصر عقله، فيتمادى ويظن أنه الإسكندر المقدوني، وقد يتمادى أكثر فيحسب أنه جنكيز خان، صاحب أقوى جيوش العالم وأشرسها، فتتوزع قواته وتنقسم على نفسها فتُهزم شر هزيمة وتُسحق شر “سحقة”، واسألوا أخانا أدولف هتلر، الذي كان يقرر الهجوم على الدولة الأخرى فور انتصاره على الدولة الأولى، كل ذا بسبب نشوة النصر، إلى أن انتهى به المقام مثل العجوز التي لا تجيد سوى الولولة ونثر التراب على الرأس. وأخشى على أغلبيتنا من الولولة ولطم الخدود بسبب نشوة النصر.
وكما أن المعارك السياسية نسخة طبق الأصل من المعارك العسكرية، كذلك هي نسخة من التجارة وفنون التجارة، والتجارة تحتاج إلى إنسان بعقلين ومعدتين وقولونين، إذا تلف أحدهما اشتغل الآخر مباشرة، وأنفين، يستنشقان المكسب والخسارة من على بعد، ومرارتين، ومن كل شيء اثنين، أو أكثر. التجارة كالصبية لا تهوى الخفيف، بل تبحث عن الواد التقيل، الذي يمتلك حبالاً طويلة من الصبر و”الثقل”.
وأغلبيتنا البرلمانية بنصف معدة ونصف عقل ونصف قولون ونصف أنف ونصف مرارة، ولا تجيد التجارة، ولا تتقن الغزل ولا التعامل مع الصبايا، ولا هذا ولا ذاك. هي أغلبية، كما اكتشفت، تجميع صيني، وبلا كفالة من المصنع، ما إن يشاهد أحدهم، أو قل بعضهم، الميكروفون، حتى يصرخ: سأقدّم استجواباً لفلان بن علان، وسأحتل شمال كاليفورنيا، وجنوب جبال الأورال، وغرب المنقف، فقط بسكين المطبخ! يقول ذلك وهو يلعق الدم ويرفع لثته ليرينا أسنانه. يا عمنا “تيمور لنك” ارفق شوي حماك الله، واحرص على النساء والأطفال والأسرى ودور العبادة.
وأجزم أن أول استجواب يجب تأجيله هو استجواب كتلة الشعبي لوزير المالية مصطفى الشمالي، حتى وإن وافقت الأغلبية عليه وقررت استعجاله لقطع الطريق أمام بعض القرارات الكارثية، وكذلك استجواب النائب النقي الصيفي الصيفي لوزير الشؤون، وهو الوزير الذي يحفظ عن ظهر قلب تعاليم كتاب “بو جعل”، وغيرهما من الاستجوابات. يكفي أن تجتمع اللجنة التنسيقية للأغلبية برئيس الحكومة وتحذره، باسم الأغلبية، من كيت وكيت وكيت، وأجزم أنه سيوافق “بلا مهر”، وسيأتيها رده: “شبيك لبيك”. وانتهينا. ولا حاجة إلى أن ترينا الأغلبية لثتها لنكتشف شراستها وقدرتها على خوض الحروب، فدماء القتلى في المعارك السابقة تكفي لإقناع كل من لا يقتنع.
يا أيتها الأغلبية، إن خمرة النصر قد أسكرتكِ فترنحتِ، فاهرعي إلى أقرب “دوش” لتضعي رأسك تحته، واحرصي بعده على تناول قدح كبير من القهوة السوداء. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.
التحالف وحيدر والوشيحي
كنا غافلين، فانطلقت صرخة استغاثة، فتلفتنا بحثاً عن مصدرها، فإذا هي من مبنى جمعية حقوق الإنسان، فهرولنا نمد يد العون. هذه باختصار حكايتنا مع جمعية حقوق الإنسان الكويتية. ولعلني لا أكشف غطاءً عن سرّ إن قلت: “لولا تصرفات رئيسها علي البغلي ما كنا التفتنا إليها من الأساس”. وعن نفسي أتحدث، كنت أتعامل مع أخبار الجمعية في الصحف كما أتعامل مع الصفحات النسائية وأخبارها التي تبدأ بجملة “سيدتي الحامل”، وأشعر أنها “حمل زائد” في الصحيفة.
كانت تلك هي البداية، أو قل الشرارة، التي جعلتني أتفقد فوهة حسابي في “تويتر” قبل أن أطلق منه الرصاصة الأولى مخاطباً الناس: “جمعية حقوق الإنسان تحتاج إلى قوات التدخل السريع فلا تخذلوها”، تلتها الرصاصة الثانية: “نريد خلع رئيس الجمعية وإضافة كلمة “السابق” بعد لقبه”، تلتها الثالثة: “الجمعية أصبحت حديقة خلفية لرئيس الحكومة فلننتزعها منه”. كانت الرصاصات الثلاث كافية لتكتظ صالة الجمعية بالشبان الراغبين في التسجيل من أجل “خلع” رئيس الجمعية. أعقب ذلك اجتماع سريع خلصنا فيه إلى نتيجة واضحة: “لن يبقى على كرسيه أكثر مما بقي. نقطة”.
لم نكن نريد تسييس الجمعية، ولم تشعّ عيناي ببريق الطمع في كرسي رئاسة الجمعية ولا حتى عضوية مجلس إدارتها، وأعلنتُ ذلك لكل من طلب مني الترشح، مستخدماً مفردات حسني مبارك: “لا أنتوي الترشح للرئاسة”، وتمنيت عليهم أن تتوجه أصواتنا، موحدة، إلى ذوي السمعة الحسنة من أبناء وبنات الجمعية، أو أي قائمة تنافس قائمة رئيس الجمعية، ليكون الفارق مؤلماً، لكن البغلي بعدما رأى هذه الأعداد من الشبان حزم حقائبه وانسحب لينجو بنفسه.
عند ذاك غلبني النعاس، وفتَرَ حماسي، فبحثتُ عن شجرة ظلها وارف كي أتوسد زندي وأنام بعيداً عن الجمعية، إلا أن اتصالاً هاتفياً أيقظني: “ألو، أنا عبدالحسين السلطان رئيس تحرير جريدة الدار، وبلغني أن (جماعة التحالف الوطني) يتواصون على ألا تفوز (قائمة الوشيحي) ولا (قائمة محمود حيدر)، والآن، ستخوض ابنتي الانتخابات فما رأيك أخي الوشيحي لو وحّدنا أصواتنا، نحن وأنتم ضد التحالف، وتقاسمنا المناصب، مع علمنا أن (قائمتك) تمتلك الأغلبية؟”، فكان جوابي: “القائمة ليست قائمتي، وإذا كان الشبان قد منحوني القرار تكرماً منهم فسأعلنها لك صريحة أننا جزماً لن نتحالف معكم، بل سنتحالف مع خصومكم، وسندعم (جماعة التحالف) كما أسميتها أنت”.
وبعد أن أحيي كل من تلقى النداء فبادر إلى التسجيل ودفع الرسوم من جيبه الخاص – أكرر، من جيبه الخاص – أذكّر بأن قائمة “مها البرجس” في حاجة إلى دعمنا كي لا تتشتت أصواتنا فتنجح قائمة تجعلنا نترحم على أيام البغلي، ونردد ما قاله الشاعر أحمد مطر: “حتى إذا انقشع الدخانُ مضى لنا، جرحٌ وحلّ محلهُ سرطانُ”.
وهاهي أسماء أعضاء القائمة التي ستخوض الانتخابات يوم غد الاثنين: “مها البرجس، عامر التميمي، عبدالمحسن مظفر، طاهر البغلي، مظفر راشد، نايف الهاجري، عبدالله الملا، جاسم دشتي، نجاة قاسم”… على أن تبقى مشارطنا مسنونة، في حال دعت إليها الحاجة، مع التأكيد على أنني سأبتعد، بعد الانتخابات هذه، عن دهاليز الجمعية، مالم يصلني صوت المنادي.
عليكم بتواير الوزراء
لمسات بسيطة كانت تنقص متابعي استجواب النائب عاشور لسمو رئيس مجلس الوزراء… بيانو وشمعتان ومنظر عاشقين متعانقين يقسم أحدهما للآخر: “معك إلى آخر محطات العمر”. ولا أظن أن عاشقاً يبحث عن الهدوء سيجد مكاناً أفضل من الكويت في فترة ما قبل وأثناء استجواب رئيس الوزراء الحالي، في حين لم يكن ينقص استجوابات رئيس الوزراء السابق إلا صافرات الإنذار، ونزول الناس للملاجئ، وإعلان الكويت “دولة منكوبة”، لشدة الصراخ والعويل والنحيب والولولة التي قامت بها وسائل الإعلام “التابعة”. مشكلة الأقلية الحالية أنها تريد أن تفعل كما فعلت المعارضة في البرلمان السابق، عندما أقلقت الحكومة السابقة وطردت النوم من عينيها. وإذا كانت غضبة المعارضة السابقة مغلفة برعد مزمجر مرعب وبرق لامع يخطف العيون وعواصف عاتية وأمطار غزيرة تغرق الطرقات وتسيل منها الوديان، فإن غضبة الأقلية الحالية جاءت على شكل ثلاث قطرات من المطر، لا رعد فيها ولا برق، لم توقظ حتى عنزة من قيلولتها. وإذا كان استجواب عاشور لرئيس الحكومة كقطرات مطر ثلاث، فإن استجواب النائب القلاف لوزير الإعلام سيكون بحجم قطرة واحدة، تك وبس. وبالطبع لن يخلو استجواب وزير الإعلام من الأداء المسرحي وتعبيرات الوجه ومط العيون والشفاه. فيا أصدقائي نواب الأقلية المنكوبة، تذكروا قول المثل: “ما كل من هاز الجبل يرقاه”، وترجمته ما كل من أقدم على صعود الجبل استطاع ذلك. وصدقوني، للاستجوابات رجالها وشروطها وفنها، وليس عيباً أن تفشلوا في أمر ما، بل العيب أن تستمروا في الفشل. دونكم أنا، فقد أردت أن أصبح لاعب كرة قدم، ولم يبق نادٍ رياضي لم أسجل قيدي فيه، لكن أحداً من المدربين لم يهده الله فيوافق على ضمي للفريق، لأنني، بحسب ادعائهم، لا أفرق بين حلبة الملاكمة وملعب الكرة، ثم إن قوانين الكرة تسمح بأن يمرر اللاعب الكرة بين رجلي خصمه، لكنها لا تسمح للاعب الذي مرت الكرة بين رجليه أن يبطح خصمه على الأرض ويجثم على رقبته وصدره، لذا كان قرار الطرد من النادي يأتي كلمح البصر، وكنت أنتقم من المدربين عبر عجلات سياراتهم وسيارات الإداريين فأفرغها من الهواء، وأحياناً أخطئ فأغزو عجلات سيارات أولياء أمور الناشئين. ولا يشعر بسعادتي، وأنا مختبئ أراقب المدرب وهو واقف إلى جانب سيارته يضع كفيه على وسطه أو على رأسه، إلا مجرب. لهذا، أقترح على كتلة الأقلية أن توفر الوقت على نفسها وعلى البلد، فتترك الاستجوابات، وتتجه إلى عجلات سيارات الوزراء. وبدلاً من أن تلتقط الصحافة صوراً للنائب المستجوب مع أمين عام البرلمان، ستلتقط صوراً للنائب المستجوب مع عجلة سيارة الوزير المراد استجوابه. فكروا في الأمر وستجدون أن إفراغ عجلات سيارات الوزراء من الهواء أشد عليهم من استجواباتكم لهم.
اللحية الطويلة تفل القصيرة
علماء النفس “يطلع منهم”، إذ يقدمون أحياناً أفكاراً ونظريات تربوية يمكن اسقاطها على الأوضاع السياسية أو الاقتصادية، أو حتى على رأس الجالس إلى جوارك. من أفكارهم في علوم تربية الأطفال: “إذا رغب ابنك في شيء ضار، وفشلت محاولات ثنيه عنه، فأغرقه فيه ليكتشف حقيقته ويعافه”.
ولو استمع عشاق الدولة المدنية في مصر إلى نصيحتي، لقلت لهم: “أنتم الفئة الأقل، والسيطرة اليوم للإخوان المسلمين يليهم السلف، فبدلاً من أن تعادوا الفئتين فتخسروا، لماذا لا توجهون أصواتكم إلى السلف كي يتغلبوا على الإخوان، فيستحوذوا على البرلمان والحكومة، ويضعوا أيديهم على كرسي الرئاسة، كغنائم انتخابات”. وإن قلتم لي ليش وما الحكمة؟ سأقول: “لأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يفل اللحية القصيرة إلا اللحية الطويلة، ولا يفل الإخوان إلا السلف”. وأجزم أن ربع الشعب المصري أو نصفه، بعد سيطرة السلف على الهواء والماء، سيهاجر ويهرب هروب من احترق بيته، دون أن يلتفت إلى الخلف، وسيبحث عن أبعد رقعة في الأرض ينيخ فيها ركابه، بحثاً عن الأكسجين المفقود في مصر، تماماً كما فعل العراقيون المدنيون بعد سيطرة المالكي وحزبه وحَمَلة فكره على مقاليد البيت العراقي، وبعد أن أصبح المعارض العراقي للمالكي، فجأة، معادياً لآل البيت، وكارهاً للحسين بن علي رضي الله عنهما.
خذوها مني، لا تقاوموا السلف ولا الإخوان المسلمين، كي لا تظهروا بمظهر أعداء الدين، الكارهين للخلفاء الراشدين، فقط انصروا أحدهما على الآخر، تحديداً انصروا السلف على الإخوان، وسيتكفل السلفيون بمصاريف الرحلة، وستصلّون معهم صلاة لا ركوع فيها ولا سجود (صلاة الميت) على آخر مواطن ينتمي إلى الإخوان (بالطبع لا أقصد الموت الجسدي، بل التنظيمي والفكري) إذ سيظهر الإخوان بمظهر العاصين لله المشكوك في منهجهم، والفرقة الضالة المضلة، وسيفوزون بكم دعوة في الأسحار “تشل يمينهم” و”تسكّن ما تحرك منهم وتُحرك ما سكن” و”يشتت الله شملهم ويذل عزيزهم ويعز غريمهم” ووو…
وتدور الأيام فيأتي يوم يخرج فيه تلاميذ المدارس في رحلاتهم المدرسية لتشرح لهم معلمة التاريخ: “هنا كان يجتمع الإخوان المسلمون، وهي جماعة انقرضت، حظرها حسني مبارك، ثم أبادها السلف! هذه آثارهم، وهذه رسوماتهم على الجدران، وهذه أوانيهم التي كانوا يتناولون فيها طعامهم، وهذه وهذه وهذه”.
بعد ذا، ستخلو الساحة للسلف، فيمنعون، أول ما يمنعون، التلفزيونات، وتمتلئ السجون بالفاسقين من مشاهدي التلفزيونات، وتمتلئ ساحات الجلد بالعاصين حالقي لحاهم، وتمتلئ المقاصل بالكفرة هواة الأغاني، ووو، إلى أن “تصفو” سماء مصر من كل “شائبة”، فلا يجد السلفيون من يُقصونه ولا من يجلدونه ولا من يكفرونه، فيلتفت بعضهم إلى بعض، ويشتم الجار منهم جاره فيكفّره وينفّره، عبر الحائط الفاصل بين بيتيهما، ويبدأ تراشق التكفير عبر البلكونات، فيطل هذا من بلكونته على جاره الجالس هو الآخر في بلكونته يتناول إفطاره مع زوجته وعياله: “اللهم اجعل الشاي الذي في يده يتحول إلى قطران مبين، اللهم واجعل التوستاية التي أمامه تتحول إلى حية تسعى فتلتهمه وأولاده وقبلهم زوجته حمالة الحطب، اللهم اجعل واجعل واجعل”، فيرد عليه الثاني بمثل دعائه “وتمنياته” أو بأحسن منها.
وهكذا حتى لا يبقى في بر مصر “عودٌ أخضر”، فيغضب المصريون غضبة لا قبلها ولا بعدها، فيتحولون إلى سيل جارف، ويعتمدون دستور الدولة المدنية العاقلة التي توفر السجادة للمصلي والمصلية، والمسرح للفنان والفنانة.
صدقوني، أنصار الدولة المدنية، لا أمل لكم في هزيمتهم، لذا، احرصوا على توفير المايكروفونات للسلف، وتحملوا تكلفة الكراسي في ندواتهم، وهيئوا لهم ساحات “القصاص”، وانتظروا إلى أن تحين ساعة الصفر، أو النصر.
بقايا بقايانا
رحم الله أبي وآباءكم وجيلهم الذي استطاع تأسيس منهج تربوي لم تكتشفه كل النظريات التربوية، منهج تم تطبيقه علينا بحذافيره وأظافيره، ومازالت بقاياه وآثاره على جلودنا شاهد عيان. المنهج يقوم على مبدأ “الضرب بقسوة أولاً ومن ثم التفاهم”، هذا إذا اعتبرنا إملاء الأوامر والتهديد والوعيد تفاهماً. وقد تُصافح ظهرك عصا غليظة قبل أن تعرف أسباب المصافحة، وقد تكون تلقيتها بالخطأ، يحدث ذلك، أقصد أن يكون “مرتكب الجريمة” شخصاً آخر، والتبس الموضوع على الوالد، وكنت أنت الأقرب فتفوز بضربة عصا أو دلة قهوة أو ما تيسر من “أدوات التربية”. هو منهج جعلني وإخوتي وأقراننا من أبناء الجيران (كان كبار السن من جيراننا يهددون أبناءهم بوالدي: “تأدبوا أو نبلغه عنكم”، فيتأدبون في الحال) أقول، كنا نتمنى أن تقبض علينا الشرطة – في حال ارتكبنا خطأ، وما أكثر الأخطاء التي نرتكبها –على ألا “يقبض” علينا المرحوم. وكنا على استعداد لقبول العقوبات الدولية، ومصادرة أموالنا في الخارج، وقصف مقراتنا، بشرط ألا نقع في قبضته الكريمة. وحدها عقولنا كانت مرتاحة، فلا حاجة لتفعيلها ولا تشغيلها. هي أوامر، أو قل مبادئ، تُلقى علينا بكميات تجارية وعلينا حفظها وترديدها، أتحدث عن أبناء جيلي من أهل “الصباحية” عندما كانت الصباحية نائية، قبل أن تصبح اليوم من “مناطق الوسط”. خذ عندك مبدأ: “جارك أحق بالفزعة من أخيك، عليك أن تعادي من يعاديه وتصاحب من يصاحبه”، وبالطبع لا تستطيع أن تطرح وجهة نظرك حتى ولو كان جارك المقصود لا يعادل قشرة بصلة في سوق الصرف! وقد تنقلب ضحكاتك مع صديقك إلى تأوهات وأنين بعدما تتلقيان ضربة بعصا أو بما تيسر (الحمد لله أن السيوف لم تعد متداولة) لسبب مهم وحيوي: “ما الذي أوقفكما أمام الباب؟ لماذا لا تجلسان في الديوانية وتتحدثان كما تشتهيان؟ ألا تعلمان أن وقوفكما أمام الباب قد يحرج النساء المارات في الشارع؟”! هكذا. وعليك أن تأخذ المبدأ وتسكت، أو كما يقول جليس السلاطين “كل واشكر”. وإذا كانت العسكرية، وهي العسكرية، تعتمد مبدأ “نفّذ ثم تظلّم”، فإن مبادئ آبائنا تقوم على “نفّذ واحمد الله”. ومع ذا ورغم ذاك، كان جيلاً معجوناً بالرجولة مغلفاً بالصدق حتى آخر قطرة، حسناته أضعاف أضعاف سيئاته. وجاء جيلي، وقررت ألا أمد يدي على أي من أبنائي، والتزمت بقراري، وإن كنت ما أزال في مرحلة تفاوض مع كفي التي تطلب مني إعطاءها الحرية الكاملة للتفاهم مع خد “بو عزوز”، سعود، الابن الأصغر! على أنني أعترف أن قليلاً من قليل، أو بقايا من بقايا، فكر والدي وجيله مايزال عالقاً في بعض مفرداتي مع أبنائي، فالكلمة يجب ألا تُكرر، مرة واحدة تكفي وتزيد، وقد لا يكون هناك حاجة لقولها أساساً. واليوم أشعر بأن الحبل الرابط بين مبادئ والدي ومبادئ ابني على وشك الانقطاع، والمسافات بين جيليهما تتسع، ولا أدري هل هذا أفضل أم أسوأ. الأكيد أن جيل أبنائنا يكبر وينشأ على اتجاه مخالف للاتجاه الذي نشأنا عليه. نحن نشأنا على “أحاديث الأولين” وهم نشأوا وينشأون على “أحدث إصدار”، وما بين هذه وتلك “بيداً دونها بيد”، كما يقول المتنبي، ونحن البيد. وأجزم أن حفيدي سيبني عاداته على أنقاض عاداتي أنا، فما بالك بعادات والدي. والحديث يطول، وقد أطبخه مرة أخرى، وقد لا أطبخه.
ولاء الكويتيين… هل انخفض؟
البعض يعتقد أن الولاء للأوطان ثابت لا يتغير، أي أن معدل الولاء لا يرتفع ولا ينخفض. وهذا غباء بواح وهبلٌ ذحاح.
ببساطة… الولاء، وقبله الإيمان، يرتفع وينخفض، لا بل قد يتلاشى ويتطاير كدخان السيجارة في الهواء. وكما أن هناك مَن يكفر من المؤمنين ويقدم على أفعال كفرية تخرجه من دائرة الإيمان، هناك من المواطنين من يقدم على أفعال تخرجه من دائرة الولاء لوطنه.
وأجزم أن نسبة ليست بالصغيرة لا ولاء في قلوبها لوطنها، والناس تعرفهم وتعرف “جرّتهم على القاع” وتفاصيل تفاصيلهم. خذ عندك مثالاً التاجر الذي يسرق مشاريع البلد ويغش في عقودها وأوامرها التغييرية. وخذ النائب الذي يقبض الزقوم مقابل تصويته لحساب أعمامه كبار اللصوص. وخذ عندك الوزير أو الوكيل الذي يعتبر الوزارة، في قرارة نفسه، “شركة ذ. م. م”، يحق له بيع بعض أسهمها وتوريثها وإهداؤها لمن أراد. وخذ الإعلامي الذي يسعى، عبر تزوير الحقائق والمعلومات، إلى عرقلة لجان التحقيق المشكلة للبحث في فساد “العهد البائد الفاسد”، وخذ وخذ وخذ…
والأمر ليس مقصوراً على الأشخاص بل يتعداه إلى المؤسسات، وأهمها جمعيات النفع العام التي تحول بعضها إلى قفازات يرتديها اللصوص لإخفاء بصماتهم من على خزانة الدولة. وأرجو أن تتلفتوا يميناً ويساراً يرحمني ويرحمكم الله قبل أن تسألوني: “أيّها تقصد؟”.
وأحسب أن على الحكومة والبرلمان ووسائل الإعلام والتجار الشرفاء وكل ذي قدرة أن يَصدقوا مع أنفسهم قبل أن يصدقوا مع الناس، وأن يجيبوا، وهم في الغرف المغلقة، عن السؤال الأهم: “هل انخفض معدل الولاء للوطن بين المواطنين؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فما هو السبب وما الحل؟”، أكرر أتمنى عليهم أن يجيبوا عن السؤال بصدق كامل، والصدق أحياناً أشد إيلاماً من ضرب الرأس بالفأس، وأتمنى قبل ذلك وبعده أن يتركوا الكليشيهات المعتادة: “نحبها بغبارها وبكوسها وبطوزها” وبقية كليشيهات الترالاللي.
ولا أظنني سأقتنع بسهولة، ولا حتى بصعوبة، إن ادعى أحدهم أو زعم أن الكويتيين لا يعانون شحاً في الولاء لوطنهم، و”مابون شيء” كما يقول اللبنانيون، فنظرة واحدة إلى أي دولة أوروبية غربية أو جنوبية (أي دولة هناك، أغمض عينيك وضع أصبعك على أي دولة) ومقارنة مسؤوليها بمسؤولينا ونوابها بنوابنا وتجارها بتجارنا وإعلامها بإعلامنا وشعبها بشعبنا، سيثبت بما لا يدع حاجة إلى شهود أربعة أن النتيجة تُبكي الحجر قبل البشر.
بطلوا ده واسمعوا ده
الجمركيون مضربون عن العمل، والكاتب كتاجر الحرب، يستغل المآسي، لذا سأحرص على نشر كل ما لا ينشر في هذه الفترة التي لا تفتيش فيها.
وأنا مع الجمركيين في إضرابهم، لا من باب الحمية الجاهلية، فلا عِرق يربطني بالجمارك “لا هم بني عمي ولا من خوالي”، ولا من باب المنفعة الشخصية، ولا من باب كره الحكومة، ولا من أي باب قد يفتحه البعض ليتفقد ما وراءه… أنا مع الجمركيين لأن حالهم، مقارنة بأقرانهم الخليجيين، تصعب على نتنياهو وعلى أمية بن خلف، وعلى كل صهيوني وكافر، خصوصاً وهم يشاهدون حكومتهم تستخدم أسلوب “تنقيط المعازيم في العرس” على الدول الأخرى، ذات يمين الخارطة وذات شمالها.
ومع الجمركيين يُضرب موظفو وزارة الداخلية، وموظفو وزارة المالية، وأساتذة الجامعة، ووو، ويضرب كذلك المطر عن الهطول، وتُضرب أرض هذا البلد عن “إنبات العشب ونثر اللون الأخضر المبهج”، وتضرب الابتسامة عن ممارسة عملها على شفاه المارة وعابري السبيل، وتضرب البهجة، وتعينها نقابة الأمل وتساعدها في إضرابها، كما تفعل نقابات موظفي الوزارات بعضها مع بعض، إذا أضربت نقابة تداعت لها سائر النقابات بالسهر والحمى، ويُضرب الإبداع، ويضرب التسامح، ووو، وحده الحسد يلتحق بمقر عمله، وهو حسد من الأعلى إلى الأسفل، أي أن الميسرين يحسدون المعسرين، لا العكس، إضافة إلى بقية ألوان الحسد الأخرى… حفلة.
ولا أسهل ولا أهون من حل مشاكل الإضراب التي انتشرت في جسم الكويت. حلها كطرقعة الأصبع، هكذا. لكن سبباً مخفيّاً يحول بين البلد وحل مشاكله، وهو رغبة البعض، في الحكومة وخارجها، في إشغال الناس بأنفسهم، وما تحت أقدامهم، كي لا يلتفتوا إلى الأمام ويطالبوا ببقية حقوقهم، وما أكثرها.
الأمر أشبه بزراعة الألغام في طريق القوات المتقدمة. والألغام لا تمنع القوات من التقدم، وإن كانت تعطّلها وتلخبط خططها وتشغلها بأنفسها لفترة، قبل أن يتم فتح “ثغرة” تدخل من خلالها القوات وتحقق انتصارها.
ولكل من يتساءل: “لماذا لا يشعر الكويتيون، أو معظمهم الأعظم، بودّ تجاه حكوماتهم المتعاقبة، ولا يثقون بها ولا يصدقونها؟”، أقول: “لأسباب عدة، أتفهها وأسخفها عدم ظهور الناطق الرسمي للحكومة أمام الصحافيين كل أسبوع ليضع الناس “بالصورة”، ويشركهم مع حكومته بالأفراح والأتراح. وأرجو ألا يضحك القارئ إذا علم أن الحكومة، حتى هذه اللحظة، بلا ناطق رسمي، تمشي عارية، سلط ملط، لذلك تتناهشها مخالب الإعلام والنواب والمواطنين، بل والدول الأخرى”.
ولم أضحك منذ فترة كما ضحكت عندما علمت أن وزيراً طلب من موظفي الوزارة الغاضبين ترشيح متحدث باسمهم يمكنه التفاهم معه، باعتبار أن “السالفة مو فوضى”! ولو كنت أنا من بين الموظفين الغاضبين، لاستعنت براقصة من اللواتي يجدن ضرب الكفين بعضهما ببعض، مع إطلاق صوت قبيح يستخدمه “الإسكندرانية الأقحاح”.