محمد الوشيحي

خالد الفيصل… هل ما زلت تفاخر؟

الخبر الأول: وطبان التكريتي، وزير الداخلية في عهد أخيه غير الشقيق صدام حسين، يظهر في الشاشة وهو يأمر جلاوزته بضرب (لم أقل قتل) عسكريين اثنين يتبعان شرطة المرور. ليش يا فضيلة الوزير وطبان؟ لأنهما، قبحهما الله، تجاوزا حدود الوقاحة المسموح بها دوليا وأوقفا موكبي وسمحا بمرور موكب عدي بن صدام حسين! وتُظهر اللقطة الموجودة على “يوتيوب” مجموعة من الضباط ينهالون بالعصي والشلاليت على العسكريين اللذين لم يتوقفا عن الاستجداء إلا بعد ان فقدا الوعي، ولم يعودا يشعران بالضرب. الخبر الثاني: صحف فرنسا تمسح بكرامة الرئيس ساركوزي الأرض (كان وقتذاك رئيساً)، وتُظهره في رسومات الكاريكاتير مرتدياً الغترة والعقال، وحوله ترقص مجموعة من الجواري، ويظهر في الخلفية عدد من الجمال، ويقول: “أعطوا ابني “جون” برج إيفل والسياح الموجودين فيه وحوله، وبئر نفط”، أو كما قال، فلم أعد أتذكر. طيب ليش يا أشقاءنا في صحافة فرنسا تهاجمون ولي أمركم بكل هذه الوقاحة؟ “لأنه يا زميلنا المفضال وافق على تعيين ابنه جون عمدة أو محافظاً على مدينة المال والأعمال لاديفانس، بعد أن رشحه أصحاب المال لذلك، سحقاً له ولأبيه”، يا سلام! يعني التجار أصحاب الشأن هم من قام بترشيحه؟ نعم، هذا صحيح، لكن هذا يُعتبر في أعرافنا استغلالاً لنفوذ والده، ثم إن غضبنا ليس منصبّاً على جون بل على أبيه الذي بلغت به الوقاحة أن وافق على هذا الترشيح… وكما كتبت سابقاً، استمر ردح الصحافة الفرنسية على هذا الموضوع أسابيع وأسابيع، لم يوقفه اعتذار جون ولا حتى اعتذار أبيه إلى الشعب الفرنسي ووعده بعدم تكرار ذلك. وعندما شوهد الابن جون في دولة “كوت دي فوار” كتب أحد الصحافيين الملاعين: “يبدو أن الرئيس منح ابنه دولة كوت دي فوار فقد شاهدته هناك”. وتقرر إدارة المحاسبة في القصر الرئاسي في فرنسا، في عهد شيراك، أن يدفع الرئيس من حسابه الشخصي مبلغاً قدره نحو ثلاثة عشر ألف يورو بعد أن تجاوز المبلغ المخصص لحفل استقبال بعض ضيوفه الرسميين. وأمس الأول تقتحم الشرطة منزل ساركوزي بعد اتهامه بارتكاب مخالفات مالية تصل إلى مئة وخمسين ألف يورو، وأمس تصرخ نادلة مقهى في وجه رئيس الوزراء البريطاني ليلتزم بالدور، فيهرع مساعدوه للمقهى المجاور ويجلبون له كوباً من القهوة وقطعة من الكعك لأنه مستعجل (أو على عجلة من أمره، كي لا يغضب علي الأستاذ أحمد الديين). وفي إسرائيل حاكموا الرئيس السابق بسبب تذكرتي سفر مشكوك في مصدرهما (أكرر، تذكرتي سفر لا طائرتين) ومنعوا بصورة نهائية الشركة التي منحته التذكرتين من التعاقد مع أي من مؤسسات الدولة… يفعلون كل ذلك وهم صامتون، ونفعل نحن عكس ذلك ونملأ صفحات الفخر إلى أن ينضب الحبر! ويقول الأمير الشاعر خالد الفيصل، بعد أن يرفع حاجبي الفخر ويمد ذراع العزة إلى الأعلى: “حنا العرب يا مدعين العروبة … حنا هل التاريخ وأنتم به أجناب”، فيرد الكاتبجي الفاخر محمد الوشيحي وهو يفتح شدقيه ويطلق قهقهة عالية: “حنا الفَلَس حنا الشعوب الكذوبة … نلبس من الذلة عمامة وجلباب”.

محمد الوشيحي

الليبراليون… في جمرة القيظ

من يقول إن نسائم الربيع العربي لم تمر على الكويت أظنه لم يخرج من صالة منزله، حيث التكييف ودرجة الحرارة الثابتة… ماذا نسمي إسقاط حكومة بجملِها وجمّالها؟ وماذا نطلق على إسقاط برلمان ببصلِه وقثائه؟ والأهم من هذا وذاك، بماذا نصِف التغير في الوعي المجتمعي، تحديداً في الدائرتين الرابعة والخامسة اللتين كانتا “ثغرة ديفريسوار” تخترق من خلالها الحكومات المتعاقبة صفوف الشعب وبرلمانه، فأصبحتا “كتائب المواجهة” في وجه الفساد في السلطة وخارجها؟
لن أحدثك، ولا تحدثني، عن أسباب هذا التغير الجذري في عقول المواطنين، حفاظاً على وقتي ووقتك، وتعال نتحدث عن وجود أو عدم وجود “ربيع عربي” في الكويت… صحيح أن نسماته ناعمة لا تقارن بنسمات ربيع تونس ولا ربيع مصر ولا اليمن ولا سورية ولا ليبيا ولا حتى ربيع السودان المولود، هذا صحيح، لكن إنكاره (الربيع الكويتي) غباء. الربيع الكويتي ناعم مُترف كأنامل الشعب، وكل ربيع في أي بلد عربي يتناسب مع أنامل شعبه. هي قاعدة.
الغريب أن نسائم الربيع الكويتي لم تصل إلى منطقة الليبراليين، ولم تزحزح كرسياً واحداً من كراسي “ولاة أمرهم”! يبدو لي أن نوافذ الليبراليين كانت مغلقة وأبوابهم موصدة في وجه نسائم الربيع، ومازالوا يعتقدون أن الكويت في “جمرة القيظ” أو “مربعانية القيظ” كما يسميها آباؤنا.
وكنت قد نصحت قبيلة الليبراليين باستئجار حافلة صغيرة تسعهم كلهم (تعدهم على أصابع يديك ويفيض أصبعان) ويحرصون على ملئها بالوقود، قبل أن ينطلقوا بها إلى محافظات لم يسمعوا بها من قبل، كمحافظة الجهراء ومحافظة الأحمدي ومحافظة الفروانية، ليكتشفوا بأنفسهم مجتمعات وشعوباً وقبائل لم يروها من قبل. وكنت أظنهم (الليبراليين) لم يخرجوا من مناطقهم، فاكتشفت أنهم لم يخرجوا أصلاً من بيوتهم، ولا يعرف أيّ منهم ما يحدث، ليس في الشارع المجاور بل في المنزل المجاور.
التيار الليبرالي يعيش في عزلة، لا علاقة لها بالتأمل ولا الاعتكاف، وإذا مات فلن يكتشف أحد موته إلا بعد أن تتعفن الجثة وتفوح رائحتها، عندها سيضطر الجيران إلى كسر الباب واستدعاء الشرطة.
ولو كانت تربطني علاقة قرابة أو نسب مع التيار الليبرالي لنصحته: “افتح النوافذ لتسمح للنسائم بالدخول ويتغير الهواء الخانق في داخل الغرفة، أو على الأقل ضع ظهر يدك على الزجاج لتلمس برودة الجو في الخارج”. فإن لم “ينتصح” اصطحبته إلى طبيب نفسي.
صدقوني، التيار الليبرالي مريض، ومرضه نفسيّ بحت، وليس على المريض حرج، فابدأوا مرحلة علاجه بفتح نوافذ غرفته.

محمد الوشيحي

بالعدد واحد

كل عسكري ابن عمي، من حيث المبدأ، إلا إذا كان رخمة أو خبيثاً أو لصاً أو خائناً أو جباناً أو عدواً أو أو أو، فإنني أبرأ إلى الله منه ومن أمه التي أنجبته. وإذا سألتني “ليش؟” فسأجيبك بإجابة لا أملك غيرها: “نحن أبناء قبيلة واحدة، جذورنا واحدة، عرقنا واحد، نظام حياتنا واحد، بدأ بـ(العدد واحد)”، وأظن أن شعوراً كهذا ينتشر بين أبناء القبيلة كلهم، قبيلة العسكر… شيء رباني يدفع العسكري للتعاطف تلقائياً مع العساكر في أي بلد كان.
والكلام عن أن العساكر مجموعة من الرجال العمالقة الفحال تكمن قوتهم في عضلاتهم هو كلام عشوائيات، لا أسانيد تسنده. والصورة الشائعة عن أن العساكر يتعاملون مع السياسة بالهراوات والمدافع والقوة، هي صورة تبطلها الحقائق وصحائف التاريخ، دونكم تاريخ أتاتورك وروزفلت وغيرهما (أكبر نهضة فنية في تاريخ تركيا كانت في عهد أتاتورك). ستقولون: “ماذا عن عبدالناصر وعصابته بدءاً من عبدالحكيم عامر، وليس انتهاء بصلاح نصر، وماذا عن معمر القذافي وجعفر النميري وحافظ الأسد ووو؟”، فأقول: “هؤلاء أيضاً ينتمون إلى جنس الرجال، فهل نعتبر كل الرجال طغاة؟، ثم إن صدام حسين، على سبيل المثال، لم يكن عسكرياً فهل كل المدنيين طغاة؟”، لا، الأمر لا يؤتى من هذا الاتجاه. هؤلاء استغلوا القوة التي بين أيديهم ليأكلوا العنب، تماماً كما استغل ويستغل بعض رجال الدين القوة التي بين أيديهم ليأكلوا الكستناء المشوية في الشتاء، والفراولة في الصيف، وليس كل رجال الدين مرتزقة.
يا سيدي، العساكر أكثر الناس عشقاً للترتيب وهم أناس لا يؤمنون بـ”مطرح ما ترسي دق لها”، بل يعتمدون على التكتيك، والخطط، والخطط البديلة، وافتراض أسوأ النتائج والتعامل على أساسها، ووو… ثم إن العساكر، صدقاً أقولها لا حمية، هم الأعلى ثقافة بين أوساط المجتمعات، فطبيعة عملهم التي تُبعدهم عن زحام المدن (هم على الحدود غالباً) تهيئ لهم الوقت للقراءات المتعددة (أجزم أنني قرأت على حدود العراق في خمس سنوات ما لم أقرأ نصفه، ولا حتى ربعه بعد استقالتي من الجيش في تسع سنوات).
والحكم على أن العساكر كلهم بلا عقول ولا رحمة ولا يعشقون الجمال ولا يطربون للفن، كالحكم على لبنان من زاوية “حياة الليل” أو الحكم على هولندا باعتبارها بلداً يبيح تعاطي المخدرات، وغض الطرف عن أنها البلد صاحب الترتيب الثاني على بلدان العالم في الشفافية واحترام حقوق الإنسان وتطبيق القوانين.
***
فكرة المقالة استقيتها من سيرة الخالد جاسم القطامي، الذي توفي أمس الأول رحمه الله، وهو العسكري الذي أصبح سياسياً، فتنافست حياته العسكرية والسياسية، كل واحدة منهما تقول: “الزود عندي”، أي أنا الأجمل، والحقيقة أن كلتيهما أجمل من الأخرى وأفضل.
إلى جنات الخلد يا ابن عمنا… وعمنا.

محمد الوشيحي

بزراننا والخطة الهجومية

بيني وبين الرياضة منطقة عازلة، ومعاهدة “عدم التعرض للآخر”، وقوات دولية تتمركز على الحدود، وكاميرات مراقبة ترصد أياً منا كان البادئ بالتدخل في شؤون الآخر. لا أفهم الرياضة ولا تفهمني، ولا أحبها ولا تحبني. لذا لن تسمعني يوماً أطرح وجهة نظري في الرياضة وأقول “يجب” أو “لا يجب”، كي لا أخلط الماء بالزيت، لكنني لن أتنهد حزناً إذا أفتى من لا يفقه الرياضة في خطة اللعب، ولن تسقط دمعة على خدي إذا تحدث من لا يفقه الاقتصاد في “أذونات الخزانة”، ولن أشق جيبي إذا امتطى من لم يدرس الطب، أو الهندسة أو الطيران أو غيرها، المنبر وشرع يشرح ويفصّل. بل حتى في الدين، لن ألطم إذا سمعت من لا يعرف الفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي يفتي ويحلل ويحرّم. وإذا كنت منعت نفسي عن السباحة في محيطات لم أرها من قبل كي لا أغرق غير محسوف علي، فلن أعترض على من أراد ذلك، كلٌّ وقراره. المحيطات أمامكم والمايوهات فوقكم. أقول هذا بعد أن قادتني قدماي إلى ديوانيات عدة، يكون الحديث فيها دائماً وأبداً عن السياسة، ولا شيء غير السياسة. ومما لاحظته، بصورة عامة، أن الديوانيات التي تضم كبار السن، أقصد من تجاوزوا عامهم الأربعين، تطالب الأغلبية البرلمانية بالتهدئة وإقرار القوانين، وتأجيل الاصطدام مع الحكومة إلى ما بعد إقرار القوانين المهمة والإصلاحات الضرورية العاجلة، في حين تطالب الديوانيات التي يقل عمر روادها عن ثلاثين سنة بالصدام العاجل غير الآجل مع هذه الحكومة “المستنسخة من سابقاتها”، والنائب الذي يهدد بالاستجوابات أشجع من صلاح الدين الأيوبي وأقوى من شمشون الجبار، أما النائب الذي يطالب بالتهدئة فمتمصلح مرتزق متسلق متملق، حتى وإن كان النائب هذا، المتمصلح المرتزق المتسلق بحسب رأي الشبان، من قادة المعارضة السابقة الذين تبرعوا بكل ما في جيوبهم من وقت وأعصاب وجهد إلى أن نجحوا في تغيير الواقع السياسي… هكذا هم الشبان في الغالب، يعتقدون أن السياسة لا يمكن لعبها إلا بالخطة الهجومية والدفع باللاعبين كلهم في منطقة جزاء الخصم، مع إغفال تحصين منطقتي الوسط والدفاع! فالتكتيكات السياسية لإقرار القوانين، كما يظن بعض الشبان، خنوع وخضوع. وكان أحد الشبان هؤلاء (التقيته في مستشفى العدان) يناقشني بحدة، ويجزم أنني انضممت إلى “قائمة الشرف” التي ترفض الاستجوابات، وبناء عليه أكون متمصلحاً متسلقاً متملقاً، كما يرى. كان يزأر بغضب صادق لا ادعاء فيه ولا تمثيل. ويتذمر بعض كبار السن، ممن شاركوا في التجمعات السابقة وتابعوا تفاصيلها، من “تدخل البزران في السياسة”، وكيف أصبح من لا يفقه يفتي، وكيف دنسوا التاريخ وشوهوا صفحاته. ويخالف هذا الرأي بعضٌ آخر، وأنا من هذا البعض، إذ نظن أن السياسة محيطٌ مفتوح لكل من أراد السباحة، والناس تراقب المحيط، وتميز بين من يتقن الغوص ويلاعب الأمواج ومن تُغرقه الموجة الأولى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستأذنكم وأستأذن إدارة تحرير «الجريدة» بالاستراحة مدة أسبوعين، أصحب فيها، أو أصطحب فيها، على رأي نجيب محفوظ، أولادي في إجازة تُنسيهم هموم الدراسة، وتنسيني هموم السياسة.

محمد الوشيحي

شقة عزاب

أكبر الأخطاء وأخطرها أن تقول لامرأة إنها تجاوزت السنة الثلاثين من عمرها! ليلتك أشد سواداً من قرن الكروب، ولا تسألني عن قرن الكروب، ولن أسألك أنا، الأكيد أن كارثة ستحل بك وبأهلك إذا قلت لها ذلك، وستنفجر البراكين في وجهك، وتهب الأعاصير، وستموت المرأة وتموت أنت وتتحولان إلى مواد عضوية في النفط الخام، ويرتفع سعركما في الشتاء، وتبيعكما مؤسسة البترول إلى الصين، قبل أن تنسى المرأة جرمك وجريمتك.
هذا واقع، النساء كلهن يتوقفن عند عتبة الثلاثين، لا يجتزنها، مهما انحنت الظهور وترهلت الصدور واستعدت لاستقبالهن القبور. وكلهن، على ذمة المرحوم يوسف السباعي، تزوجن في الثالثة عشرة وأنجبن في الرابعة عشرة.
وأقرأ كثيراً أن “الدول كالنساء” – أنا واحد ممن كانوا يقولون ذلك قبل أن يهديني الله وأتوب عن مثل هذه الفكرة – والحقيقة أنها فكرة خاطئة كاذبة عابثة، إذ لم أرَ في طول حياتي وعرضها امرأة تفخر بتجاعيد جسمها، أو تشير بإصبعها إلى ما فعله الزمان بها، بل تشد وتمط ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، في حين تفخر الدول بآثارها ومبانيها القديمة، وتخصص مرشدين سياحيين ليصحبوك إلى كل ما هو قديم ويرشدوك إلى كل ما هو أثري.
ولسوء حظ الدول الخليجية، لم يشيد الأولون، إلا ما ندر، مبانيَ متينة تبقى للتاريخ، تفاخر بها وتصحب زائريها إليها، كما في أوروبا وكنائسها وقلاعها وحصونها، التي شُيدت في الأزمنة السحيقة. لذا ليس أمام هذه الأجيال، إن أرادت أن تفاخر، إلا أن تعتمد “العصرنة” و”الحداثة”، وهنا نصفق بحرارة الشمس لقطر والإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي ودبي تحديداً) ونلطم بحرارة الفرن على حال الكويت التي لا يشبهها شيء ولا يضاهيها إلا “شقق العزاب”، حيث بقايا الأكل الملقاة على الأرض، والصحف المتناثرة بفوضى عنيفة، وخزانة الملابس المكسورة “ضلفتاها”، ووو…
ولا حل لمعضلة الكويت إلا بمديرة منزل آسيوية، أو أوروبية، جامعية التعليم، لهلوبة، تنظفها وترتبها وتعيد طلاءها. وأقصد بمديرة المنزل الشركات الأوروبية أو الماليزية أو اليابانية، أو حتى الأميركية، تماماً كما فعلت أبو ظبي ودبي وقطر، ولا عار في ذلك يتطلب الثأر.
من الطبيعي جداً أن تستعين الدول النامية الثرية بخبرات الشركات العالمية. توفر الحكومات للشركات كل ما تحتاجه، وتلزمها بأعمال محددة في مواقيت محددة، وتكتفي الحكومات بالرقابة، فما هي المشكلة؟ أو هل ثمة مشكلة؟
فكروا في الأمر ببساطة، فكما أن مهندسي الدول هذه أفضل من مهندسينا، وكما أن مصرفييها أفضل من مصرفيينا، وعمالتها أفضل من عمالتنا، ومخططيها أفضل من مخططينا، ووو، فلمَ لا نستعين بخبراتهم ليعيدوا إحياء هذه الشقة الصغيرة، الكويت، لتصبح على أحدث طراز؟ بالله عليكم سئمنا حياة العزوبية والفوضى وبقايا الأكل والصحف المتناثرة على الأرض.

محمد الوشيحي

يا إخوان مصر… تحربشوا

الإخوان، الإخوان، الإخوان… الإخوان المسلمون من النوع الذي إذا تناول طبقاً من الأكل مسحه عن بكرة أبيه وأمه وبنيه، ولم يبقِ فيه شيئاً للأيتام وعابري السبيل. هم هكذا، وطريقتهم هكذا. سيطروا على تونس، واستحوذوا على ليبيا، و”كوّشوا” على مصر (جماعة الإخوان في مصر هي الجماعة القابضة، على وزن الشركات والمجموعة القابضة، فكل الأنهار تصب في بحرها)، ومن حقهم السيطرة والاستحواذ والتكويش، لكن خداع الناس ليس من حقهم.
وكنا في الكويت، وقد ذكرتُ هذا مراراً ومرارة، ننام ومَحافظ نقودنا تحت وسائدنا، خشية مرور أحد من الإخوان المسلمين، ونوصي أطفالنا: “إذا أعطاكم الإخوان (مصاصة) فلا تأخذوها، احذروا”، وكان الإخوان “خير مَن وطي الحصى” في استعمال أدوات الغمز والهمز واللمز، وهي أدوات صغيرة الحجم يمكن إخفاؤها في الجيب الداخلي للجاكيت. وكان الشعب يعاني الأمرّين والعلقمين فيرتفع صوته بالبكاء على أمواله التي طيّرتها عاصفة الفساد، وكان الإخوان بعد أن يتناولوا الكافيار في منتجعاتهم، ويخضبوا لحاهم بآخر تفتيحات العطورات الشرقية، يرفعون أصواتهم بالبكاء أيضاً، فيعلو بكاؤهم على بكائنا، فتمسح الحكومة دموعهم بأوراق البنكنوت! وكانوا وكنا، وكانوا وكنا، وكانوا وكنا…
ودارت الأيام، وجاء جمعان الحربش، العضو البارز في الإخوان وفي البرلمان، مدعوماً من بعض شبان الإخوان، فقلبوا المعادلة، فتغيرت نظرة الناس في الكويت للإخوان، وصار الإخوان إخواننا، وحل الليبراليون محلهم في التكتكة مع الحكومة، وفي الغمز واللمز والهمز، الفارق الوحيد هو في نوع العطورات المستخدمة، فـ”الإخوان الليبرال” يستخدمون العطورات الفرنسية لا الشرقية، ويقولون للحكومة بعد كل صفقة “ميرسي” بدلاً من “جزاكِ الله خيراً”.
وبالعودة إلى مصر وإخوانها الذين ما زالوا يرتدون القمصان ذات الجيوب المخفية، تعهد الإخوان هناك بعدم السيطرة على البرلمان، فنكصوا ونكثوا، وسيطروا على البرلمان، وتعهدوا بعدم خوض انتخابات الرئاسة، فنكصوا ونكثوا، وتعهدوا بعدم فرض رأيهم على التعديلات الدستورية، وهاهم في طور النكوص، وتعهدوا ونكصوا، وتعهدوا ونكصوا، وتعهدوا ونكصوا… وما زال المصريون ينامون ومحافظ نقودهم تحت وسائدهم، ويحذرون أطفالهم من “مصاصات” الإخوان، لذا ليس أمام إخوان مصر إلا أن “يتحربشوا”، كي يكسبوا ثقة الناس، ولو كنت أنا من إخوان مصر، ولو كنتُ عضواً في قيادة الجماعة، لاستعنت بالدكتور جمعان الحربش، كمستشار أجنبي، ولنفذت كل تعليماته، ولوقّعت على تعهد أمام الجماعة أضمن لهم فيه أنه خلال سنة واحدة، لا أكثر، سيوصي الآباء أطفالهم: “لا تأخذوا المصاصات إلا من الإخوان”.
فيا أيها الإخوان المسلمون المصريون، تحربشوا، واستفيدوا من تجربة فرعكم في الكويت، وأوصوا جميع أفرع جماعتكم في طول الوطن العربي وعرضه بالحربشة، مع التأكيد لهم على أن الشرط الأول للحربشة هو التخلص من “الآلة الحاسبة”، والشرط الثاني هو اليقين بأن “العيال كبرت” وأن الناس أصبحت تفهم ولا يمكن خداعها بسهولة.

محمد الوشيحي

بس… ملينا سياسة

عاصفة، زوبعة، إعصار، أوكما قال وائل كفوري وهو يقنع معشوقته بالمبيت عنده وعدم الخروج في أجواء مجنونة: “ليل ورعد وبرد وريح، دنيا برّا مجنونة”، ويصرخ بائع الصحف عند الإشارة: “اقرأ آخر الأخبار، آخر المصائب، آخر الكوارث”، فتتوقف على عجل، وترمي في يده قطعة النقود، وتخطف الصحيفة، ولا تنتظر إلى أن تصل إلى البيت لتقرأها، لتشاهد على الصفحة الأولى وباللون الأحمر القاني: أغنية “بس ملينا سياسة”، تفجّر الكويت. تفتح باب بيتك بسرعة مرتبكة، وتفتح “يوتيوب” لتشاهد القنبلة المتفجرة، فإذا هي تنقل رأياً شخصياً سمعته أذناك أكثر من مليون مرة مما تعدون، رأيٌ اختفت ألوانه لشدة استخدامه وتكراره، فتصمت، ولا تدري هل تشتم الصحف التي “هوّلت” الموضوع، أم تحمد الله أن القنبلة كانت صوتية ولم تُمت أحداً. شعرياً، أي لو تناولنا الأغنية من جانب الشعر، لكتبنا بالقلم الشيني: “قصيدة فقيرة تشكو العَوَز وقلة الحيلة، ثيابها ممزقة، حافية القدمين، جيوبها ممزقة، فلا صورة بلاغية فيها، ولا كناية، ولا تشبيه، ولا تورية، ولا ولا ولا، عظمٌ ليس فيه ما يؤكل، دع عنك النكهة”، لكن هذا النوع من القصائد، كما يبدو لي، يُراد منه مخاطبة الصغار قبل الكبار، ثم إن هذه القصيدة لن تشارك، بالتأكيد، في مسابقة “شاعر العرب”، وأظن أن كاتبها يعلم تحسس الناس حتى من الذبابة، وتشككهم في أسباب تحليقها ولونها وحجمها، لذا حرص “الشاعر” على أن تكون القصيدة مباشرة لا تحتمل التأويل ولا تفسير الأحلام. ومع كل هذا، كان لا بد أن يقع في المحظور، فهو في الكويت، والكويت بلد المحاذير و”المحاظير”، فقائل قال: “اصلبوا هذه الأغنية واقطعوا أيديها وأرجلها من خلاف”، وقائل: “احلقوا شعرها وانفوها إلى سرنديب”، وقائل متسامح: “العفو عند المقدرة، فقط طلقوها من زوجها واحرموها حضانة أطفالها”، ووو، وارتفع الغبار من حوافر خيل قبيلة “الأغلبية البرلمانية” وأنصارها، ورفعوا البيارق الحمر، وأعلنوا الجهاد، ظناً منهم أنهم المقصودون والمُخاطَبون (بفتح الطاء)، ليتبين لاحقاً أن القصيدة ظهرت في “الحقبة السياسية السابقة”، أي عندما كانت الأغلبية أقلية! والأكثر من ذلك أن القصيدة تتحدث عن الرشاوى، أو الرشى باللغة الفصحى، ولا أظن الشاعر يلمّح إلى أن الرئيس السعدون كان يدفع رشوة لعباس الشعبي ليمنحه مناقصة، ولا أظن أن ترهل البنية التحتية الواضح في التصوير يتحمل مسؤوليته النائب جمعان الحربش! كانت الرسالة واضحة، والمعنيون بالفساد تظهر وجوههم بتفاصيل ملامحها وإن لم تُذكر أسماؤهم، وأجزم أنها مفصلة بالمقاس على جسم الحكومة السابقة و”نوابها” في البرلمان. الأدهى من ذلك، وزيادة في الإبهار و”البهار”، تم تداول أحاديث تزعم أن الأغنية عنصرية تهاجم القبائل، بعد أن ظهرت صورة رجل يقود جملاً، وهو ما دعا صاحب الشركة المنتجة، خالد الروضان، إلى الاتصال بي: “أبا سلمان، سمعت بأنك هاجمت الأغنية باعتبارها تسخر من القبائل بسبب صورة الجمل، فهل هذا صحيح؟”، فكانت إجابتي مباشرة كقصيدة “بس ملينا سياسة”: “معاذ الله، أولاً أنت لست ممن يعانون مرض العنصرية، ثانياً نحن لسنا ممن (يحسبون كل صيحة عليهم) لنفسر كل شيء بأنه ضدنا، فالحلال بيّن والحرام بيّن”، فعلّق: “على أية حال، لقطة الجمل ترمز إلى بطء مسيرنا”. سيداتي سادتي، لكم أقول: انزعوا عنكم لباس الحرب، وعليكم بعصير الليمون، ففيه شفاؤكم بإذن الله… ويا خالد الروضان، واصل مسيرتك لا كبا بك حصانك، وإن اختلفنا معك، أحياناً، في لون الحصان.

محمد الوشيحي

أقلامنا… نحن

قلمك هو أنت… بخيرك وشرك، بتناقضاتك ومبادئك، بعصافيرك وعقبانك، بضحكاتك ودموعك، بقوتك وضعفك، بفيوضك وصحاريك. أنت قلمك. إذا كنت خجولاً عض قلمك شفته السفلى، إذا كنت صِدامياً نزفت جبهة قلمك دماً وارتفع الغبار من حوله، إذا كنت رومانسياً حالماً جلس قلمك تحت شرفة معشوقته وعزف لها أعذب الألحان. قلمك أنت، أو أنت قلمك. إذا كتبت أبيات الغزل على وقع صراخ أطفال الحولة، فهذا إحساسك، وإذا بكيت لهم وعليهم وعلى حالك وقلة حيلتك، فهذا نبضك، وإذا أشغلتك التفاصيل والفواصل الصغيرة عن الحروف والكلمات والجمل ومضامينها، فأنت لا تعادل جناح فاصلة أو أدنى من ذلك. أتتبع مقالات الزملاء، الكوايتة منهم والعربان، لأقرأ شخصياتهم، فأجد النذالة تنضح في مقالة هذا ولو أراد إخفاءها، وأجد العمق في ذاك، والبساطة في ذياك، وأشاهد الغيرة في تلك (الحقيقة أن الغيرة في قلب فلان أكثر منها في قلب فلانة)، وتبرز الشهامة في قلم ذاك وإن منعه خجله من التفاخر بها، وينضح الحقد من قلم ذلك الحاقد وإن غلفه بسخرية، ووو… مخطئ من يعتقد أن المقالات تبرز آراء الكتّاب، هي تعكس شخصياتهم قبل آرائهم. وتسألني عن شخصيات الزملاء، من خلال أقلامهم، فأبدأ بنفسي ثم الأقربين، ولولا القانون لتحدثت عن الأبعدين: قلمي.. فوضوي، صدامي، حاد، مزاجي، متمرد، استعراضي، مبذر، يدحرج المصائب كدحرجة الكرة، لا يقاوم الحُسن، يبتعد كثيراً عن الاقتصاد… وهذا أنا… أما قلم سعود العصفور فهادئ، عميق، داهية، كل حرف بقدر، عقل مدبر، لا يجيب عن سؤالك بأكثر من الإجابة المطلوبة، يوصل فكرته إليك ببساطة متناهية، وبسهولة يقنعك، إذا أراد، أن الحمامة كائن بحري، أليست تبيض؟ فتقتنع، وتحمل حجته إلى أصحابك، فيتضاحكون عليك شفقة، ويضحك معهم عليك الغساسنة والمناذرة، فتستنجد بسعود، فيقنع أصحابك والغساسنة والمناذرة ومن خلفهم الفُرس والروم والإخوان المسلمين والتحالف الوطني بأن الحمامة كائن بحري، فيقسم الإخوان المسلمون أن “سِيَر الصالحين” تؤكد ذلك، ويصدر التحالف الوطني بياناً شديد اللهجة: “بسبب الاختلاف الشديد بين أفراد الأسرة الحاكمة، غابت أهم معلومة عن الشعب، وهي أن الحمامة كائن بحري”، ويلعن التيار التقدمي مادة العلوم التي تزور الحقائق خدمة للصهيونية! وقد يغير رأيه فيقنعك أن الحوت من أنواع الطيور، ألا تشاهد جناحيه؟ ما بك؟ أين عيناك وأنفك وشفتاك؟ فتقتنع وتقنع أولادك فيضحكون عليك، فتستنجد بسعود… أما سعد العجمي، فعاطفة قلمه تكاد تخفي عقله، فزّاع ذو نخوة، بدوي بصدق، بتواضعه الأشم، تقول عنه المطربة أنغام: “طيب ومن القلب قريّب”، قد ينسى نفسه فيجوع فيموت لكنه سيموت مطمئناً على صاحبه الذي شبع وأوشك على الموت لشدة التخمة. والحمد لله أن الصفحة انتهت وإلا كنت سأتحدث عن زملاء آخرين، على رأس موكبهم أستاذي أحمد الديين، ولا أدري كيف كنت سأكتب عن جديته التي تُخجل قضاة محكمة لاهاي.

محمد الوشيحي

رحيّة ألمانيا

أغمض عينيك، وسأغمض أنا عيني، وعض شفتك السفلى، وسأفعل مثلك، أقصد سأعض شفتي أنا لا شفتك أنت، وتعال نتخيل، لو أن الكويت، من أقصاها إلى أقصاها، من العبدلي إلى النويصيب، مروراً بالصباحية قطعة واحد وسنترال الفحيحيل، الكويت كلها بمساحتها وشعبها وطقسها وتضاريسها ونفطها واستثماراتها ومسؤوليها وشوارعها ومستشفياتها وبصلها وثومها وقثائها ووو، لو أنها انتقلت من موقعها الحالي لتصبح مقاطعة ألمانية أو سويسرية أو فرنسية، أو جزءاً من أي دولة من الدول التي يخشى قياديوها الشعب، والعياذ بالله ولا قدر الله…
وللتذكير مرة أخرى، وقبل أن تشتمني، قلت تعال نتخيل ولم أقل تعال نتمنى، أي أن القصة مجرد خيال ليس إلا، أو كما يقول السودانيون “خيال ساكت”. وهنا تعال مرة أخرى لتساعدني في وضع علامات الاستفهام على الطاولة ونحاول الإجابة عنها…
هل سيكون التجار الحاليون تجاراً أيضاً؟ وللتوضيح، لأن نيتي خبيثة نسأل الله العافية، هل سيتمكن تجارنا الحاليون من تكوين ثروات مشابهة لثرواتهم الحالية لو كانت الحكومة المركزية ألمانية، والبرلمان ألمانياً، ولجنة المناقصات المركزية ألمانية، وديوان المحاسبة ألمانياً، والشعب ألمانياً، ووو؟ وهل كانت الحكومة الألمانية ستمنح تجارنا، الذين هم ألمان، قسائم صناعية بفتافيت الفلوس، فيؤجرونها على محلات “البنشر” وتقطيع الرخام؟
وهل كان الوكلاء والوكلاء المساعدون والمديرون العامون سيحصلون على مناصبهم لو كان ديوان الخدمة “ميد إن جيرماني”؟ وماذا كان سيفعل وزير الصحة الألماني لو أنه قام بزيارة إلى “مقاطعة الكويت” وشاهد مستشفى الجهراء أو مستشفى العدان أو مستشفى الفروانية؟ وماذا كان سيفعل بمسؤولي المستشفيات؟
وكيف ستتعامل الحكومة المركزية، الألمانية طبعاً، مع ملاعبنا الرياضية الجرباء الشهباء، ومع العامل الآسيوي الذي ظهر في الشاشات والتقطته الأقمار الصناعية وهو يرش أرضية ملعب نادي الكويت ليبللها في مباراة منتخبنا مع ريال مدريد؟
وهل كان رؤساء مجالس إدارات الجمعيات التعاونية سيحرصون على “تضبيط” أحد في وزارة الشؤون الألمانية ليتقاسموا معه غنائم الحرب؟ وهل كان محافظو المحافظات الست سيقتصر دورهم على رعاية حفلات رياض الأطفال فقط، وفقط تعني فقط؟ وهل كانت مهامهم والمعلومات عنهم – أقصد المحافظين – ستبقى سرية غير معلومة للعامة، لا ينافسهم في السرية إلا قيادات الماسونية العالمية؟
وهل كنا، كشعب كويتي يعيش في مقاطعة ألمانية، سنسمع عن البحر دون أن نراه؟ بمعنى، هل كان أصحاب الشاليهات سيتمكنون من إقامة مبانٍ أسمنتية على البحر، رغم أنها ممنوعة في كل الدول المحترمة؟ (أرجو أن تعيد قراءة الجملة السابقة وتبحث عن كلمة “المحترمة” قبل أن تأتيني بأدلة مشابهة من الدول العربية، المحترمة جداً جداً).
الأسئلة أكثر من “جوج وماجوج” كما يقول كبار السن، وكل سؤال ينجب أكثر من عشر علامات استفهام، يطلقها في الشوارع بلا تربية، لكن السؤال الوحيد الذي أمتلك له جواباً هو: كيف كان سينظر الألمان، إخواننا وشركاؤنا في الوطن، إلى مقاطعة الكويت؟ والجواب: كما ننظر نحن إلى “منطقة رحيّة”! أجزم أنهم سيحولون الكويت إلى مستودع ضخم للإطارات المستهلكة، وقبل ذا أجزم أيضاً، أن الكويت لن تحترق المرة تلو المرة كما يحدث عندنا في منطقة رحيّة.
تخيل وسأتخيل معك، فكل شيء ممكن وجائز، إلا أن يصبح ولدي سعود ألمانياً، يحافظ على النظام العام ويحترم بزران ألمانيا ولا يضربهم.

محمد الوشيحي

جائع متخم

تفلتت الدقائق من بين أصابعي وتساقطت من ساعة يدي، ومضى قطار العمر يا ولدي، مدة تتجاوز الشهر، من دون أن أقرأ كتاباً واحداً، أو الأصدق، من دون أن أُكمل قراءة كتاب واحد، ومن دون أن أستمع إلى أغنية أحبها بهدوء.
الضجيج لا يُطرب، وضجيج السياسة أعلى من ضجيج الطائرات الحربية، ولو كانت السياسة غذاء لقتلتني لشدة التخمة، ولما نفعتني عمليات “تحزيم المعدة” ولا هزهزتها.
وأحذر نفسي وأتوعدها بسبابة طويلة غليظة: “ممنوع الاقتراب من السياسة مدة ثلاثة أيام”، وأتظاهر بالانشغال عنها، ولا أجد نفسي إلا وأنا أتسلل على رؤوس أصابعي وأفتح بابها، وأدخل إلى غرفتها خلسة وهي نائمة، وأرفع غطاءها… لا كشف الله لنا غطاء.
ثم ماذا؟ أو كما تقول إحدى شركات الصناعة الأميركية وهي تتحدى قريناتها “وماذا بعد؟”… أجزم أن تعاطي الحنظل أحلى وألذ من تعاطي السياسة في الدول العربية، والكويت دولة عربية، كما ينص الدستور في مادته الأولى، ولو كان القرار بيدي، لرميته من يدي لشدة حرارته، ثم التقطته وصححت المادة الأولى “الكويت لا علاقة لها بالدول العربية وبين البائع والشاري يفتح الله”.
لكن، وكما يقول المعزّون: “من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته”، فإذا كنت – أنا – عاجزاً عن قراءة كتاب، فإن إعلاميي مصر، كما أظن، عاجزون عن قراءة سطر واحد. ياااه ما أعلى الضجيج في مصر، وياااه ما أشده وما أبشعه.
ومن مصر أنتقل إلى بقية بلاد العُرب أوطاني، فأقرأ ما تكتبه صحافة تونس من على شاشة الكمبيوتر، ثم أقلب الصفحة – ولو استطعت لمزقتها – لأقرأ ما تكتبه صحافة لبنان، والمواقع الإلكترونية السورية، إذ لا صحافة في سورية، والصحف المغربية، والعراقية، ووو، فاكتشف أن الإعلاميين العرب في حالة يرثي لها الرثاء، ويبكي لها وعليها البكاء.
لذا، وبعد أن شكوت الحال، سأطرح فكرة على الزملاء العرب الإعلاميين المنكوبين المنكودين: “ما رأيكم أن نترك الساسة والسياسة في العراء، بلا غطاء إعلامي، مدة أسبوع؟” خذوها مني صافية، عليّ النعمة ستتبدل أوضاعهم وأوضاعها، أقصد الساسة والسياسة.
تعالوا نجرب ونتركهم ونتركها، ثم نراجع الأوضاع بعد أسبوع، ونرى ماذا جرى… وإذا وافقتم فسأبدأ بنفسي، لكنني أخشى أن تفعلوا معي ما فعله الأطفال بصديقهم الذي بكى لشدة حرارة الأكل، فقيل له: “دعه حتى يبرد”، فأجاب: “هم لن يدعوه”.