كل الذي يحدث الآن في الكويت، وكل ما تشاهده عزيزي الصائم، هو قتال على عقارب الساعة… فريق يقاتل لإجبار العقارب على الزحف إلى الخلف، والفريق المقابل يطالب بإعطائها حرية تحديد المصير، فلا إكراه في الزحف.
وإذا كان التكنولوجيون يزعمون أن ستيف جوبز بتفاحته المأكول طرفها (مخترع الآيفون والآيباد) قد دفع بالعالم إلى الأمام سنوات عدة، مختصراً الزمن باختراعه، فإن الجماعة عندنا، بحكومتها الملحوسة وقراراتها “المعفوسة” غير المدروسة، استطاعت (أتحدث عن الجماعة، وأقصد دائرة القرار) إعادة الزمن إلى الخلف! اختراع مقابل اختراع والبادئ أظلم.
وفي أوساط كبار السن من النساء، وأشباههن من الذكور، تتردد مقولة “فلان ماهو من مواخيذنا” أو “فلانة ماهي من مواخيذنا”، ولغير الناطقين بلهجتنا الغراء، هذه الجملة تعني أنه لا يصلح زوجاً لابنتنا، أو لا تصلح زوجة لابننا، وهي جملة ملونة بالعنصرية الغامقة، ومغلفة بالطبقية الداكنة، وهي من العادات التي يطبقها بعضنا رغم ادعائه التدين! الجملة ذاتها ترددها الجماعة عندنا (جماعة القرار) إذا عُرض عليها رأي سديد أو نصيحة ثمينة سمينة.
ولشدة عناد الجماعة، سبق لي أن اقترحت على المعارضة أن نمتدح كل فكرة سيئة، ونذم كل رأي سديد، فتعاندنا الجماعة، كعادتها، وتفعل ما نريده حقاً، فنلطم في العلن، ونرقص في غرفنا، وترقص قبلنا الكويت. لكننا نسينا الخطة، فرُحنا نمتدح الأغلبية وأداءها بعبط فاخر، فغرقت تايتانيك، أو قل أُغرقت تايتانيك.
لكن معلش، سنبدأ من جديد تنفيذ الخطة… ويا سلام على مجلس 2009، ويا سلام على الحكومة، وألف سلام على الوزيرة “المحللة” رولا دشتي (لولا خشيتي من انكشاف الخطة لعلقت على قبولها المنصب)… والدلة يا ولد.
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
بيل ماهر… كويتي
أواه لو كان المذيع الأميركي الساخر بيل ماهر كويتياً، أو على الأقل عرف بما يحدث عندنا، وعلق عليه في حلقته الأسبوعية، أو حتى في المسرح، كما يفعل في أيام العُطل. ولمن لا يعرف صاحبنا ماهر نقول له: هو ملحد ملعون مُجدِّف، يهاجمه الجمهوريون وحزب الشاي (الحزب الثالث في أميركا والمعروف بعنصريته، ورافع شعار عيال بطنها) ويخشونه لاتساع رقعة جماهيريته، ويتبرأ منه بعض الديمقراطيين لسلاطة لسانه وصراحته الحادة والحارة، التي تحرجهم أحياناً، وإن كانت غالبيتهم تحبه (كان قد وصف مفجري برجَي مانهاتن، من أنصار بن لادن، بالشجعان، رغم كرهه لهم، على اعتبار أن قيادة طائرة للاصطدام بالبرج شجاعة قصوى “يجب أن نعترف بذلك”). ولا أدري كيف كان سيعلق على أوضاعنا المحلية لو اطلع عليها، وماذا كان سيقول عن شعب لم يحاسب أحداً على “كارثة الغزو والاحتلال”، ولا ماذا سيقول عن شعب لا يرى البحر إلا في الخريطة بعد أن استحوذ عليه أحفاد قارون، ولا بماذا سيعلق على شعب يسكت عن خضوع الحكومة وخنوعها أمام شركات الاتصالات (الحقيقة أنها شركة واحدة) ترفض النقل الحر للأرقام، وتتعامل بمنهج السادة والعبيد مع المستهلكين، ولا أدري كيف سيضحك ماهر وهو يعلق على طريقة نصب شركات الإنترنت على المواطن الذي يستنجد بالحكومة ووزير مواصلاتها فيكتشف أن الحكومة التي “يبي منها العون” هي “فرعون”، ولا يمكن أن أتخيل منظر ماهر وهو واقف على المسرح يحد لسانه، الحاد أصلاً، ليتناول (تصلح يتناوش، ويتناهش أيضاً، إذا تغاضى عني حماة اللغة) موضوع رشوة نواب البرلمان، وكيف انقلبت الأمور لتتم محاسبة من اكتشف الرشوة لا من قام بها، هاهاها… يفعل ماهر ما يفعله ويقول ما يقوله في بلد يجهل جزء كبير من مواطنيه أسماء أعضاء الكونغرس بجناحيه (النواب والشيوخ)، وتفشل خمس من متسابقات “ملكة الجمال” في معرفة اسم نائب الرئيس “جو بايدن”، رغم أن الثقافة أحد أهم عوامل الفوز في مسابقة الجمال. ولا عجب في جهل الأميركان سياستهم المحلية، بل والعالمية أيضاً، فهُم يثقون بساستهم ويعلمون أنهم (الساسة) يتعاملون مع الشعب كما تتعامل الدجاجة مع بيضها، إذ تنعزل عن محيطها، وتخسر أصدقاءها، وتتفرغ لبيضها فتبرك فوقه واحداً وعشرين يوماً بالتمام والرفاء والبنين، في حين تتعامل حكومتنا مع الشعب كما تتعامل السلحفاة مع بيضها، تضعه على الشاطئ وتعود إلى البحر لتستأنف حياتها وتترك البيض يواجه قدره ومصيره… إلا أن حكومتنا لم تتركنا على الشاطئ وتعد إلى البحر بل أرشدت “حيوانات الراكون” إلى مكاننا. ولهذا، لهذا فقط، يتابع الشعب الكويتي كله تفاصيل التفاصيل السياسية… ولهذا أيضاً نحتاج إلى أن نفعل ما يفعله بيل ماهر في بعض السياسيين.
عام المتاهة
التحليل الذي نشره هذا الجورنال أمس، أو أمس الأول (معلش، تلخبطت أوراق الروزنامة فاعذرونا، يعذرنا ويعذركم الله) المهم أن التحليل المنشور على حبال هذا الجورنال عن الدوائر وحوسة الدوائر والسيناريوهات الممكنة وغير الممكنة، كان يُفترض أن تعطيه “الجريدة” لرئيس الحكومة من تحت الطاولة، بعيداً عن أعين البصاصين والمباحث والعسس، لكن رحمة ربك تداركتنا فقرأناه على صفحات الصحيفة. التحليل يتحدث عن سيناريوهات ثلاثة يتدارسها مجلس الوزراء للخروج من أزمة بيزنطة… ولأننا في رمضان، ورمضان كريم، فسأضيف إلى السيناريوهات الثلاثة رابعاً، يسندها ويشد من أزرها (راجع العدد المذكور للاطلاع على السيناريوهات الثلاثة). السيناريو الرابع هو أن يُترك الأمر للشعب، من خلال مجلس الأمة الجديد (الذي سيُنتخب) ليقرر الدائرة الواحدة بنظام القوائم، وبهذا لا يجرؤ حتى الزير سالم على الحديث عن عدم عدالة توزيع الدوائر ولا جزئية التصويت أو اكتماله… على أن تقدّر المحكمة الدستورية الظرف الراهن والدوامة التي دخل فيها البلد والشعب بلا ذنب منهما ولا جريرة، فلا تُبطل المجلس الجديد، حتى لا نستمر في الدوران في الحلقة نفسها إلى أن تنقطع أنفاسنا وأنفاس البلد أكثر مما هي مقطوعة الآن. ورضي الله عن الفاروق عمر بن الخطاب الذي عطّل “القوانين السماوية” مراعاة للوضع الذي مرت به دولته، ولم يقطع يد السارق في عام المجاعة. فما المانع من الاقتداء بمنهج عمر فنوقف قطع “يد” الشعب في عام المتاهة؟ هذا على افتراض أن الشعب هو الذي سرق وتسبب في كل هذه الفوضى ويستحق قطع اليد.
عقوق ونهيق وشقشقة
أعود بالذاكرة إلى أيام قراءاتي الأولى بحثاً ونبشاً وتنقيباً عن سبب يدعوني إلى إعلان حالة الحرب على بعض الحروف والكلمات والجمل، وإعلان حالة الحب لبعض الحروف والكلمات والجمل الأخرى، فلا أتذكر. هو كُره رباني من المصنع، رافقني منذ الولادة… أتساءل: ما الذي بيني وبين “إنّ”، التي تأتي في بداية الفقرة، لأناصبها كل هذا العداء والجفاء؟ ماذا فعلت لي وبي؟ وما سر بغضي لجملة “مما لا شك فيه” وجملة “إنه لمن البديهي”؟ على أن جملة “مما لا شك فيه” هي الأقبح والأوقح والأبشع والأفظع في طول الأرض وعرضها، إلى درجة أنني وددت لو تسلقت قمة أعلى برج في الكويت وصرخت: من أراد أن تثكله أمه، وتترمل زوجه، ويتيتم ولده، فليقل “مما لا شك فيه” أمامي، ألا هل بلغت؟ مستلقياً أكون، أو جالساً ممدِّداً رجليّ على طاولتي، غارقاً في بحر القراءة، في سكون وهدوء… وفجأة تقفز بنت إبليس -جملة “مما لا شك فيه”- في وجهي، فأشهق بهلع، ويفور دمي في لحظة، قبل أن أستعيد قواي العقلية وأستجمع “قواتي” الصوتية وأعيد تنظيمها للقيام بهجوم مضاد على الكاتب وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وقبيلته التي تؤويه: “إذا كان ما تكتبه لا شك فيه، ولا جديد فيه، فما الداعي لكتابته يا أيها الذي يستدرجه البرسيم؟”. أجزم أن من يكتب هذه الجملة الملعونة يعاني أمراضاً نفسية يصعب علاجها، وأن من يكتب “إن” في بداية الفقرة عاقّ بوالديه، وبينه وبين التواضع قضايا ومحاكم. ولا أدري ما الذي فعله أفراد المجتمع بمن يستخدم هذه الجمل وذاك الحرف كي ينتقم منهم كل هذا الانتقام. صدقاً، ما إن أقرأ جملة كتلك وحرفاً كذاك، سالفي الذكر، أو سيئي الذكر، خصوصاً الجملة، حتى يتجسد الكاتب أمامي بأذنين كأذني حمار، وأكاد أسمع نهيقه من بين السطور، فأضع أصبعيّ في أذني، وأسارع إلى زجره ودفعه بعيداً: “حا حا”، قبل أن أغسل يديّ بمطهر بليغ مثل “ذا”، الذي لولا الحياء لقبلته، أو “لذا” أو “كذلك” أو أيّ من مشتقاتها العطرية، أو بكتابات فيها من الشقشقة البلاغية ما ينعش الأنف والرئتين، كتقديم “خبر كان” على اسمها، في جملة سلسة، أو سجع غير متكلف، أو ما خف وزنه وغلا ثمنه من جواهر اللغة وأحجارها الكريمة. ومما لا شك فيه أن “مما لا شك فيه” تثير حنقي، وتُفقدني الكثير من الحسنات، وأنا في مسيس الحاجة إليها، فارحموني يرحمني ويرحمكم الله.
سوريٌّ أنا
الفنان اللبناني يوري مرقدي ليس أفضل مني ولا “أطيب” خؤولة ولا عمومة، عندما أنشد “عربيٌّ أنا” وهو الأرمني، ولن يلومني لائم إن أنشدتُ، وأنا الكويتي: “سوريٌّ أنا”… وأكثر من ذلك، أظن أن يوري تفاخر بمن لا فخر لغالبيتهم، العرب، في حين أتفاخر أنا بشعب رفع شعار “بيدي لا بيد عمرو ولا مجلس الأمن”. سوريٌّ أنا من حماة، من حمص، من إدلب، من درعا، من ريف دمشق، من أحياء دمشق القديمة وأزقتها، ومن كل حارة شعبية وكل زقاق ضيق… سوري أنا من بلدة الماغوط، ومن حارة القباني، ومن مدينة حمزة الخطيب، ومن عائلة مفجر مبنى الأمن القومي… سوريٌّ أنا بكل ما أوتيت من فخر. وإذا كنت كتبت سابقاً: “قياساً إلى عدد النوابغ العرب المهاجرين والموجودين في أوروبا وأميركا… السوري هو الأذكى” فيمكنني اليوم إضافة كلمة واحدة إلى الجملة السابقة، “والأشجع”. نقطة على السطر. صدقاً، هذه هي المرة الأولى التي “يغلبني” فيها الفرح، ويربك حروف مقالتي إلى هذه الدرجة. ولا علاقة مباشرة لفرحي بمقتل السفاحين، لا، بل ليقيني بأن قواعد اللعبة ستتغير منذ اللحظة، فمع موت هؤلاء السفاحين ماتت قلوب أخرى لفرط خوفها، وحَيِيَت آمال كادت تموت لفرط يأسها، خصوصاً بعد ارتفاع عدد الشهداء بشكل يومي، وبعد مواقف روسيا، مربية الضباع. سوريٌّ أنا، وثوار سورية هم أول من شاهد هلال شوال… سوريٌّ أنا ولا صوت يطرب اليوم إلا صوت الرصاص وزغاريد الأرامل والثكلى… سوري أنا ولا لون أجمل من اللون الأحمر، ولا رائحة أزكى من رائحة البارود الأسود… سوري أنا وهديتي إلى كل أحبائي، وأضحيتي التي سأقسّمها على الفقراء في العيد الكبير “جثة بشار المعلقة على أعلى قمة جبل” ليتحول العيد الكبير إلى العيد الأكبر. سوريٌّ أنا… فمن أنت؟
من بين تفاصيل جسدها
كانت فترة قررت فيها أن أقف على ناصية الشارع السياسي، أقزقز اللب والحَب وأراقب الجماعات السياسية وهي تتمخطر في الشارع ذهاباً وجيئة، من دون الحرص على مغازلة أيّ منها، دع عنك الارتباط الشرعي… من هنا تمر جماعة تتمشى بغنج مصطنع، ومن هناك تحرص جماعة أخرى على إظهار مفاتنها أمام المارة، وثالثة تتظاهر بالجدية وعدم الاكتراث بنظرات الجالسين على المقاهي أو الواقفين على النواصي، زي حلاتي، ورابعة تنظر إلى الناس من علٍ، وخامسة وسادسة وسابعة… لكل واحدة منها طريقتها في لفت الأنظار، إلا أنها كلها تدّعي أن أساس جمالها الفكر، ولا شيء غير الفكر، وتذكّرك أن الجمال الخارجي زائل لا محالة، فاظفر بذات الفكر تربت يداك، في حين أن أغلب هذه الجماعات قائم على الدم والنسب والعامل الاجتماعي، ويأتي الفكر في المرتبة الثانية إذا لم يكن في الثالثة. مراراً قلت وسأظل أقول إلى آخر حبل في حنجرتي: إذا كانت القاعدة في علم الجريمة تقوم على أساس “خلف كل جريمة ابحث عن امرأة أو مال” فإن القاعدة في علم السياسة الكويتية تقوم على أساس “خلف كل قرار أو موقف للجماعات السياسية ابحث عن العامل الاجتماعي”. يا صاحبي، العامل الاجتماعي يهزم العامل العقدي، وهو الأقوى، ويحتل أرضه، فكيف لا يهزم العامل السياسي أو الفكري وهو المستحدث والأضعف؟! ولك أن تنظر إلى علاقات الزواج وامتناع البعض عن تزويج البعض الآخر لأسباب اجتماعية بحتة، رغم التحذير الديني. ولهذا أقول لمن يسأل: “كيف تفسر تطابق أفكار الليبراليين مع التجمع السلفي في قضايا التعديلات الدستورية؟”، الجواب: “ابحث عن العامل الاجتماعي”، فكلاهما يرفض أن تأتي التعديلات من الفئة الأخرى… وإذا سألني آخر: “كيف تفسر تطابق رؤى التجمع السلفي ورؤى التيار الليبرالي، في حين تتضاد رؤى التجمع السلفي مع رؤى الحركة السلفية، وكلاهما ينتميان إلى قبيلة فكرية وعقدية واحدة، كما يفترض؟” أجيبه: “اختصاراً للوقت والحبر والورق، ابحث عن العامل الاجتماعي”. على أن السلطة بدلاً من مراقبة أحوال البلد انشغلت بمراقبة العامل الاجتماعي، وحرصت على توفير البنزين وأعواد الكبريت، استناداً إلى الفكر الاستعماري البريطاني: “فرّق تسد”. لذا، أقول لمن يعشق الجلوس في المقاهي السياسية أو الوقوف على ناصية الشارع: إذا مرت أمامك جماعة سياسية تستعرض مفاتنها، فركز نظرك على تفاصيلها الاجتماعية من بين تفاصيل جسدها، و”اترك الباقي لهم”.
اعترافات القبيض الوشيحي
يا فرحة ما تمت، كنت قد همست في آذان أصدقاء السوء: “هانت، بقيت اللمسات النهائية فقط على المراحل الأخيرة… بعدها سأحمل قلمي على كتفي وأغادر أراضي السياسة المحلية إلى دولة الأدب وعاصمتها الرواية” وحددت موعد السفر، وذكرت أنه بمجرد إعلان نتائج التحقيق في قضايا “التحويلات والإيداعات وتمويل وسائل الإعلام” ثم تطبيق القانون على المخالفين، وبدء مرحلة التنمية، التي بدأت أصلاً، ووو، عندها سيكون قلمي “عضواً زائداً” في الجسم السياسي المحلي، يستوجب البتر، وسأبتره من جسم السياسة وأزرعه في جسم الأدب، لسبب بسيط، وهو أنني لا أجيد السباحة إلا في بحر الهجاء الذي أقطعه بيد واحدة حتى وأنا نائم. أنا أمي في الثناء، لا أفك الخط، وكم فشلت محاولات ثنائي على من يدفعون لي لأكتب ما يملونه علي، وهم كثر، على رأسهم رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم، والشيخ أحمد الفهد، وناشر هذا الجورنال محمد الصقر، وآخرون لا أعلمهم، الله يعلمهم. ولا أدري كيف تحول ثنائي على أحمد الفهد إلى هجوم عليه، ولا كيف تحول ثنائي على محمد الصقر إلى الوقوف ضده في معركة رئاسة البرلمان، ودعم خصمه الرئيس أحمد السعدون في العلن وفي مقالاتي هنا. وكم في الناس من فئة “العياذ بالله”، وهي فئة تمد يدك إلى أفرادها بالعطايا والهبات فيقطعون يدك، وأنا نقيب هذه الفئة والمتحدث الرسمي باسمها. لست ملائكياً كما قد يتوهم بعض المحبين حسني النوايا، لذلك استخدمت قاعدة ثعلب الحرب العالمية الثانية، روميل “لا تفعل المتوقع، فكر في كل ما لا يخطر على بال عدوك”، وهو ما قمت به، عندما ابتعدت عن كل من عُرف عنه “تمويل” الصحافيين، وحرصت على أن يدفع لي نواب المعارضة، لبعدهم عن الشبهات، وهذا ما تم، والآن يدخل في حسابي البنكي شهرياً شيك ثقيل برجله اليمنى يحمل الرقم “أربعين ألف دينار” هو مجموع ما يدفعه لي بعض نواب المعارضة والسياسيين، منهم أستاذي أحمد الديين (عذراً أبا فهد فللقارئ الحق في معرفة ما يتم في الغرف المغلقة المظلمة) في مقابل تمجيدهم إعلامياً وتحصينهم شعبياً وتمزيق قمصان خصومهم، فلا شيء بالمجان في هذه الحياة. على أي حال، أُبطل مفعول البرلمان، وتوقفت مكائن لجان التحقيق عن الدوران، وعدنا إلى كان يا ما كان، وعاد الكاتبجي الوشيحي إلى الكتابة عن الشأن المحلي، منشان الدينار والدولار والتومان… ويا فرحة ما تمت.
يا بيلي بالا
التكتيكات العسكرية كلها، ومعها الاستراتيجيات الحربية، سواء تلك التي يدرسها الطلبة المبتدئون في الكليات العسكرية، أو التي يدرسها القادة، تقول: “لا تدخل حرباً مع عدو تجهل تفاصيل قوته وضعفه ونوع أسلحته ووو، باستثناء الحرب الدفاعية. بل حتى الحرب الدفاعية لا تخضها إذا كان الفارق بينك وبين عدوك كبيراً، انسحِب انسحاباً منظماً وأعد تجهيز نفسك وصياغة تحالفاتك قبل خوضها”.
ولطالما كررتُ: “يجب أن ينطلق الكاتب من خلفية شعرية، والسياسي من خلفية عسكرية”، أي أن يكون لدى السياسي اطلاع على تواريخ الحروب العسكرية وتكتيكاتها، وأن يمتلك مخزوناً لا بأس به من العلوم العسكرية، ليستشرف مآلات الأمور ويتنبأ بنتائجها.
وأجزم وأقسم أن السلطة بمستشاريها وإعلامييها وتجارها ووو، تعتبر النظريات العسكرية من أساطير الأولين، وإلا ما كانت أقدمت على هذه المغامرة السياسية الرعناء عندما استبدلت خصماً معروفاً لديها بكل تفاصيله (الأغلبية البرلمانية)، بخصم مجهول سياسياً بالنسبة إليها، لا تعرف عنوان سكنه ولا هواياته ولا نقاط ضعفه وقوته ولا نوعية أسلحته ولا عدده ولا حدود طموحه، ولا حتى أغنياته المفضلة. أقصد المجاميع الشبابية المتحمسة.
لاحظوا مطالب الأغلبية في السنوات الماضية، وقارنوها بمطالب الحركات الشبابية، وتذكروا حكاية “الجزة والخروف” وترفقوا بكفوفكم وأنتم تضربون كفاً بكف.
بل الأدهى والأمر، أن السلطة بخطواتها الحالية واستفزازها الأخير، فتحت على نفسها جبهتين مع قوتين نوويتين، الأغلبية والحركات الشبابية، وقد تتحالف هاتان القوتان بين ليلة وضحاها، أو دقيقة وضحاها، على أن تتولى المجاميع الشبابية القيادة والتخطيط، ويرتفع “بيرقها” في المقدمة، ويأتي بيرق الأغلبية في المؤخرة، وقد يختفي بيرق الأغلبية، ويتم اعتماد البيرق الشبابي وحده، ويتحول قادة الأغلبية إلى جنود في الجيش الشبابي.
وبهذا، يسعدني في هذه الليلة المباركة، وفي هذا الحفل الكريم، أن أقول للسلطة ما كان يقوله لنا “ِشيباننا” إذا أرادوا السخرية من تصرفاتنا أو قراراتنا الطفولية: “يا بيلي بالا”، قبل أن يُلحقوا هذه المفردة المجهولة الأبوين والمعنى، بكلمات زاجرة ناهرة.
وسأقلب فنجان السلطة وأفتح كفها وأقول لها، بعد أن “ترمي بياضها”: “دخلتِ حرباً أكبر من قدراتك، مع عدو تساوت عنده الأمور، ولا يعرف الرحمة ولا الهوادة ولا التعب، متسلح بسنوات من الغضب، وأطنان من عشق هذا الوطن، والنتيجة في أحسن الأحوال ستكون استسلامك غير المشروط، وتحمل تكاليف الحرب… ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد”.
مريم فخر الدين أفضل من موضي علف
الله يرحمك يا يوسف السباعي، الأديب المصري، أستغفر الله العظيم (كل من يعتبر يوسف السباعي أديباً، عليه أن يستغفر ربه ثلاثاً، وأن يُطعم مسكيناً ويعتق ستين رقبة… أقول هذا بعد أن أمدني الله بكميات من الصبر والجلَد فقرأت بعض إنتاجه، وتوقفت قبل أن أموت كمداً، وقبل أن تتشقق شفتي السفلى بعد أن اعتادت المطَّ تذمراً وامتعاضاً، وضمرت عظامي لعدم وجود الملح في قلمه، ومن يقرأ للسباعي شهراً متواصلاً سيشتكي نقص الكالسيوم، وجفاف شفته السفلى)…
كان ضباط الثورة بجبروتهم، وعلى رأسهم أنور السادات، يدلّعون زميلهم الضابط “الأديب” يوسف السباعي ويمنجهونه، فمنحوه منصب نقيب الصحافيين، ورئيس تحرير إحدى أكبر الصحف القومية، أظنها الأهرام، ووو، وتحولت رواياته، التي لا تعادل جناح بعوضة أمام روايات نجيب محفوظ، إلى أفلام ومسلسلات، ولا تكاد تخلو صحيفة من تحليل لهذا “الأدب السباعي العظيم”، ولا يمر يوم على الإذاعة دون أن يعلن “النقاد” انبهارهم بهذا الأدب الذي لا يعادله إلا شعر شوقي، ووو، ولم يكتفِ السباعي بكل هذه “الديكتاتورية الأدبية” بل راح يحارب الآخرين من الذين ولدتهم أمهاتهم أدباء، وسعى إلى قطع كل زهرة زاكية زاهية في بستان الأدب، فحارب نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ومحمد عودة ومحمود السعدني وعبدالرحمن الخميسي والرائع الساخر المسالم، أحد أشهر علماء اللغة وعشاقها، محمد مستجاب وغيرهم، فاستسلم بعضهم أمام جبروته وسلطاته وبحثوا عن أراضٍ أخرى غير الأرض المصرية تقبل إنتاجَهم، وقاومه بعضهم…
لكن المشكلة كانت في الناس، وآه من هؤلاء الناس، الذين هجروا “أدب السباعي” وتفرغوا للبحث عن أدب نجيب محفوظ وصحبه، رغماً عن أنف كل هذه الميزانيات التي تفرغت لتسويق السباعي وطمس أي أدب آخر، بطريقة فجة كريهة.
ينشر السباعي كتبه في أعرق المكتبات، فيعافها الناس ويبحثون عن قصاصات عبد الرحمن الخميسي على الأرصفة والمقاهي الشعبية الفقيرة. يعلن السباعي في جميع وسائل الإعلام نيته تبني الأدباء الشبان، فلا يأتيه إلا شاب خاوٍ طامع في سلطة أو مال، ويتزاحم الشبان حول نجيب محفوظ في مقهى الفيشاوي. تصرح الممثلة مريم فخرالدين أنها لا تقرأ إلا ليوسف السباعي و”الباقي كخة”، فيضرب الناس كفاً بكف، سخرية من الكاتب والقارئة، لكن بنت فخرالدين، كما يقال، نجحت في تسليط جزء من الأضواء على كتبه، ما أدى إلى أن يتهكم البعض على طريقة تسويقه كتبه: “مش ناقص إلا فرقة حسب الله تمشي في زفة وراء كتب السباعي”.
وكلما رأيت السلطات هنا في الكويت تعبث بالدوائر الانتخابية، فتسحبها مرة إلى اليمين، وتشدها مرة إلى الشمال، وتزوّقها وتمكيجها وتسرح شعرها، وتنشر “النقاد” في وسائل الإعلام يزغرطون لهول جمالها، ووو، تذكرت السادات و”أدب السباعي”! ولأنني أحب السلطة حباً جماً، وبعد أن أيقنت أنا والسلطة والجميع أن “موضي علف”* وقومها لم ينفعوها، سأرشد السلطة ومستشاريها إلى مريم فخرالدين، علها ولعلها… إني لكم من الناصحين.
* * *
*موضي علف: ممثلة كويتية يقال إنها من جنس الذكور، على ذمة الأصدقاء.
نحن ومصر… يوتيوب يحكمنا
قضيت الليل أشاهد مقاطع فيديو لبعض جلسات البرلمان المصري، وهالني ما رأيت…
دع عنك صراخ رئيس البرلمان، رجل “الإخوان” المعتق د. سعد الكتاتني وتكراره جملة “أنا رئيس المجلس وأعرف كيف أدير الجلسة”، رغم أن الوضع لا يدل على ذلك البتة بتاتاً، فلا هو سيطر على الجلسات ولا هو توقف عن ترديد جملة “أنا الرئيس”.
أقول: دع عنك هذا، وتعال معي نشاهد كيف تتعامل الأغلبية المتدينة هناك مع الأقلية، لتتأكد أنك أمام منظر مرعب، سواء في التعامل مع الأقلية أو حتى مع الوزراء (شاهد طريقة تعاملهم مع وزير التموين الدكتور جودت واحسب كمية صراخهم).
شاهد هذا ثم تعال معي نقارن الوضع هناك بالوضع هنا، فكما أن هناك أغلبية جاء بها الربيع إلى البرلمان، قبل أن تسقطه المحكمة الدستورية، هنا أيضاً جاء الربيع بأغلبية سيطرت على البرلمان، قبل أن تسقطه المحكمة الدستورية، لكن الفرق هو في التعامل مع الأقلية، سواء من جهة الأغلبية أو من جهة الرئيس.
وكلنا نتذكر صراخ النائب الباصق محمد جويهل على الرئيس السعدون، وسخريته من عيونه وطريقة كلامه، ومع ذا كان الرئيس السعدون صامتاً يتلقى السباب دون أن يمنعه ذلك من الانتصار للنائب الباصق ضد وزير الداخلية، في مشهد لا أظنه يتكرر في أيّ من برلمانات العالم.
صدقاً لا حمية، أرى أن أغلبية برلماننا (السابقة واللاحقة إن شاء الله) ورئيسه أكثر ديمقراطية في التعامل مع الأقلية رغم سوئها، ويظهر ذلك بجلاء إذا ما وضعنا صورتي الأغلبيتين، المصرية والكويتية، والرئيسين، جنباً إلى جنب وحرصنا على إظهار الفوارق بينهما.
القمع هناك، أقصد قمع الرأي والصوت، قمعٌ واثق الخطى، بالشمع الأحمر، أما هنا فلا قمع ولا شمع، واليوتيوب بيننا وبينكم.