هو سعد بن جدلان الأكلبي، الشاعر السعودي الأمي المعاصر، الذي يجمع لك فواكه الحكمة، ويضربها في خلاط، ويقدم لك، في بيت واحد، عصيرها بارداً لتشربه بالهناء والشفاء… يقول: "ديار الوبا من طبّها راح متوبّي / وقرابة الجربا على الحول مجروبة"، وشرح البيت: ديار الوباء من سكن فيها سيصيبه الوباء، والناقة التي تقترب من الناقة المصابة بالجرب سيصيبها الجرب هي أيضاً.
وفي الكويت تحول مجلس الأمة إلى "دار وباء" من دخل قاعته "راح متوبّي"، وفقدان الناس ثقتهم ببرلمانهم بسبب إدراكهم أنه ليس برلمانهم من الأساس… وكنا نخشى على الدولة وأموالها من الحكومة وأقربائها من الدرجة الأولى، فإذا بنا نترحم عليها وعلى أقربائها كلما شاهدنا أعضاء "دار الوباء"، وبات كل من يمر بجانب البرلمان "حامي المال العام" يتفقد محفظته وموبايله وعدد أصابعه.
ويذهب الخباز الألماني إلى مخبزه من دون أن يعرف تفاصيل نواب البرلمان وأعضاء الحكومة، لثقته المطلقة بمؤسسات دولته، ويمسك البلجيكيون (أو البلاجكة كما يسميهم أحد الأصدقاء) صحفهم، ويفتحون صفحات الفن والرياضة والموضة ولا يمرّون على الصفحات البرلمانية، هذا إذا كانت هناك صفحات برلمانية من الأساس، ويسأل المذيع الأميركي ملكات جمال أميركا المثقفات عن اسم نائب الرئيس الأميركي فتصيبهن لخمة، ويضربن أسداساً في أسباع، وقيل بل أثماناً في أتساع، وتحك كل منهن جبهتها الناعمة، وتعض شفتيها المنتفختين، وتطرق بعينيها الناعستين، ووو، فتعجز عن الإجابة… ليش؟ لأن الألمان والطليان والبلاجكة واليابانيين وغيرهم يثقون بمؤسسات دولهم، ويثقون بسياسييهم، فأمنوا على رزقهم وعلى حاضرهم ومستقبلهم وأمنهم.
هي الثقة بمؤسسات دولتهم وسلطاتها وقيادييها غابت عن الكويتيين، فانتشر الفساد والرشى، وأصبحنا نسمع كل يوم عن نائب اشترى بنايات وعقارات في المنطقة الفلانية، وآخر استحوذ على المشروع الفلاني، وأضحينا نسمع كل يوم عن المسؤول فلان يرتشي لتمرير معاملة أو تعطيل أخرى، وأمسينا نشاهد مؤسسات الدولة تتخلخل وتهتز وتقع في أذهان الناس وعيونهم، وتحولت الكويت إلى "ديار وباء وفساد".
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
أقسموا بالطلاق…
أسهل وظيفة في الكويت هي وظيفة وزير، ولا أسهل منها إلا وظيفة رئيس وزراء… كل ما عليك فعله هو تصريح يفجر قنابل نووية: "سنقضي على مشكلة الإسكان في غضون ست وسبعين ساعة وأربعين دقيقة وعشرين ثانية"، و"سيتم حل مشكلة البدون خلال عطلة الويكند، وقبل مباراة يوفنتوس ومانشستر سيتي"، "اجتمع الوزراء بعد العودة من عرس أبو خلف، واتفقوا على إنهاء ملف مترو الأنفاق" ووو…
وتصريحات الوزراء في الكويت مثل "هرنات" سيارات التاكسي في مصر، كثيرة ومزعجة ومجانية. وهي عادة قديمة، توارثها الوزراء بعضهم من بعض، فمدينة الحرير "قرر مجلس الوزراء افتتاحها في عام ٢٠٠٥"، وراح ٢٠٠٥ وراح شقيقه ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، وراحت أعوام بعدها، واختفت آثار أقدامها، ذرتها الرياح… و"استاد جابر سيتم افتتاحه عام ٢٠١٠" و"الحكومة الإلكترونية سيتم إنجازها عام ٢٠٠٨"، وها هي المواقع الإلكترونية للوزارات صفراء شاحب لونها، وغير ذلك من التصريحات التي تنطلق من الشرفة بوجود عصير الجزر المفيد للظهر.
ولأن أصوات الأعضاء الأحرار بحت وهي تحتج وترتج بسبب تأخر المشاريع، ولأن هذا البرلمان يُكتب ولا يُنطق، وقدرته كقدرة العجوز الكسيحة، ولأن الحكومة لا تحاسب وزراءها، ولأن الوزراء أهلكونا بكثرة وعودهم الهوائية، ولأن ولأن ولأن… لا أجد حلاً أفضل من أن يقسم الوزير قبل كل تصريح بالتالي: "علي الطلاق من أم فلان أن يتم الانتهاء من المشروع الفلاني قبل تاريخ كذا، وإذا لم يحدث فإن أم فلان تصبح مثل أختي وأمي"، بشرط حضور زوجته في المؤتمر الصحافي، وحضور أشقائها، فإذا كان لا يخشى هذا البرلمان، ولا يحترم الناس والإعلام ولا يستحي، فإنه على الأقل سيجد من يذكّره بالمشروع في كل يوم، حتى في غرفة نومه. وبدلاً من أن يخشى نواب البرلمان سيخشى أنسباءه أخوال عياله.
جربوها لعل وعسى، فإما أن تنهض الكويت وإما أن يطلق الوزراء زوجاتهم ويتفرغوا لقضايا النفقة. إلا إذا كان بعضهم يبحث عن عذر لتطليق زوجته فيرسم خطته، ويحرص على أن يتم توزيره، ويكون تصريحه الأول: "علي الطلاق من أم فلان الجالسة بجواري الآن، حفظها الله، أن أجعل الكويت أكثر ديمقراطية من النرويج قبل يوم الثلاثاء المقبل، وإذا لم يحدث فإن هذه الجالسة إلى جواري حرام علي، وهي طالق بالثلاث، والله الموفق".
كُف أصابعك يا مسلم البراك عنا…
كلمة "ليت" لا تُسقي ولا تشبع ولا تبني البيت، وإلا كنت قلت: "ليتنا كما قال مسلم البراك عنا: (من يقول إن الكويتيين قوم مكاري سأضع أصابعي في عينيه)"، و"قوم مكاري"، لمن لا يتحدث اللهجة، المقصود بها القوم الذين يرفع كلّ منهم شعار "نفسي وبس" ولا يأبه لما يحدث للآخرين.
مسلم البراك قال هذا الكلام وهو واقف بين الجماهير التي احتشدت أمام ديوانه لمنع القبض عليه. وهي مجاميع حرة غاضبة ليقينها أن هناك تعسفاً ضد البراك، وأن من يستحق السجن هم اللصوص والفاسدون لا من يدافع عن الشعب ومصالحه ووو…
وإذا كانت الجماهير المحتشدة محقة، فإن مسلم البراك قد استعجل في حكمه ورأيه، فبعض المحتشدين جاءوا دفاعاً عن مسلم البراك تحديداً، مسلم البراك بنفسه ونهجه ومواقفه، لكننا لم نرَ نصف هذا العدد، ولا حتى ربعه ولا عُشره يجتمع مع غيره من شبان الحراك السياسي، كصقر الحشاش وراشد العنزي وعياد الحربي وحامد الخالدي ومطلق السند وغيرهم، بل إن بعضنا لا يعرف هذه الأسماء ولا يدري إن كانوا في السجن أم مطاردين، مع الأسف. علماً بأن البراك يكرر أسماءهم يومياً ليحفظها المارة وليهتم بهم الناس، ويشارك في الاعتصامات اليومية تضامناً معهم.
صحيح أن عطاء أبي حمود (مسلم البراك) وتاريخه ومواقفه وصلابته وتحمله لحملات الشتائم والتشكيك والافتراء والأشواك التي زُرعت في طريقه وحرارة الرمضاء ووو… صحيح أن كل ذلك يستحق منا كشعب "رد الجميل"، فهو يئن مع كل مريض، ويسعد لسعادة البسطاء من الناس ويبكي لبكائهم، ويشاركهم احتجاجاتهم. لا يجحد ذلك إلا جاحد. ولا نقارن عطاءات بعض الشبان بعطائه على مدى سبع عشرة سنة. لكن يا أبا حمود ماذا عن بقية النواب الذين قدموا التضحيات، كأحمد السعدون مثلاً أو فيصل المسلم أو جمعان الحربش أو حسن جوهر أو غيرهم من ذوي التاريخ؟ هل كانت الناس ستحتشد بهذه الأعداد كما فعلت معك؟
أعلم أن لك رمزية، وأن لك مكانة كبرى في أعين الناس، تستحقها بجدارة (لمن يقرأ هذه المقالة من خارج الكويت أقول: أقيمت الاحتفالات في المنازل ونزلت دموع الفرح من أعين العجائز ووو)، فعلاً تستحقها بجدارة، فأنت لم تتسلمها هدية، ولا حصلت عليها من "كوبون امسح واربح"، ولم تشترِها بمال، ولا غير ذلك، بيد أن هناك من السياسيين مَن أعطى لسنين وسنين، وكان ثابتاً في مواقفه كالطود، ولا أظنه سيحصل على "الحماية الشعبية" التي حصلت عليها.
لا تستعجل أبا حمود في حكمك، يرحمنا ويرحمك الله، فمازلنا نحتاج إلى المزيد من التوعية والتنبيه وشحذ الهمم، قبل أن نصل إلى مرحلة "الجسد الواحد" التي تحرص ونحرص عليها. ويكفيك لتعرف أننا مازلنا في حاجة إلى ذلك، أقصد إلى التوعية وشحذ الهمم، أن تراقب ما تفعله تلك الصحيفة التي تبنت هجوم "الباصق" على بعض فئات المجتمع، وتكتكت لتفريق الناس، وكذّبت وادعت وافترت وتبنت الكاتب/ النائب الشتّام، فقوبلت بهجوم مضاد منا، وأنت من بين المهاجِمين، واتفقنا على مقاطعتها، ومع ذلك مازالت هي الأولى في مبيعاتها، وهي الأكثر انتشاراً وتأثيراً على من؟ على من تهاجمهم ويا للعجب، بل مازال منكم أنتم في الأغلبية السابقة من يتكتك معها ويتبادل معها أطباق "الجريش" في رمضان.
كف أصابعك عن أعيننا أبا حمود، ولا تستعجل في حكمك.
سلامتها أم شيراك…
آآآخ كم كان بيل كلينتون يتمنى لو أنه رئيس عربي "يُحاكِم ولا يُحاكَم"، و"يَسأل ولا يُسأل"، و"يُحاسِب ولا يُحاسَب"، لكنه لسوء حظه لم يكن رئيساً عربياً بل رئيس أميركا، لذلك حاكموه وهزأوه وظهر في شاشات الفضائيات أحقر من لص المواسير المقبوض عليه متلبساً.
كلينتون كان يتمنى لو أنه يمتلك أراضي الدولة، فيعطي هذا الشاعر أرضاً هنا، ويعطي نديمه أرضاً هناك، ويمنح مستشاره المنافق حق احتكار هذا النشاط التجاري، ويهب رؤساء التحرير العطايا المذهلة، ويتكفل بهم وبذرياتهم، ويجلس الماس عند ركبته، ويخطب الواعظ خطبة عن وجوب طاعة كلينتون، ولو ضرب ظهر الأميركي وأخذ ماله، فيحصل مقابل ذلك على صرة من المال العام، وهي صرة حلال بالمناسبة، ووو…
وكم كانت المستشارة الألمانية ميركل تتمنى لو اجتمعت النساء عندها في حوش البيت، هذه تقبل يدها، وتلك تقبل كتفها، وثالثة تنافقها وتمتدح تسريحتها التي لا تليق إلا بها، ورابعة ترفع حاجبيها ذهولاً لجمال المستشارة وحسن قوامها، وخامسة وسادسة وسابعة…، فميركل من الغواني، والغواني يغرهن الثناء، ويجعلهن يعطين بلا حساب.
وياه كيف سيكون شعور الرئيس فرانسوا هولاند، والرئيس السابق ساركوزي، والأسبق جاك شيراك، والأسبق فرانسوا ميتران، لو أنهم كانوا "ولاة أمر فرنسا" لا رؤساءها… ما كان شيراك ليخرج من المنصب وهو لا يملك شقة تضمه وأسرته، أو ما كان ليخرج من المنصب أساساً، وما كان لجهاز المحاسبة المركزية أن يحمّله قيمة العشاء الإضافي للوفود الإفريقية على حسابه الشخصي، ويرفض تبريراته.
هؤلاء كلهم، رؤساء فرنسا ومستشارو ألمانيا ورؤساء وزراء اليابان وكل قياديي النرويج وفنلندا وهولندا ووو، يتمنون لو أنهم بقوا على كراسيهم إلى أن يموتوا، فتخلفهم ذريتهم، ويتقاسم أبناؤهم الوزارات والمناصب، ولا يجرؤ سياسي ولا صحافي على انتقادهم كي لا يخرج من الملة. لكنهم لو فعلوا ذلك لسحبتهم شعوبهم الجاحدة لأفضالهم من قفاهم الكريم إلى المحاكم، فما كل شعب كالشعب العربي الرائع، وليس أجمل من العرب (لم أقل أجبن) ولا أحلى ولا أزهى… وحنا العرب يا مدعين ال ال ال الكاني ماني، وسلامتها أم شيراك.
من البزران والشيبان نأخذ ونعطي…
كما ذكرتُ قبل أكثر من قرنين من الزمان في هذا العمود أو في عمود آخر في صحيفة أخرى، لم أعد أتذكر: "الصحف ونشرات الأخبار الرسمية لا تنقل إلا ما يبرز على السطح فقط". قلت هذا وما زلت أردده. واليوم أقول: "دع عنك تحليلات المحللين وتعليقات المعلقين، وتخلّص من تنظيرات المنظرين، وسلط مجهرك على أسئلة الأطفال وخيالهم وكلمات كبار السن إذا أردت معرفة ما تكنه القلوب، وقياس مستوى الغضب والرضى في صدور الشعوب".
وإذا كانت أسئلة الطفل في السابق عن السيارة والطائرة، أيهما أقوى، وإذا كانت أحاديثه في السابق وقصصه عن الشياطين وعن طرزان الذي هو أسرع من النمر وأقوى من الأسد وما شابهها من القصص، فإن حديثه اليوم سياسي من دون أن يعرف، وأسئلته أمنية من دون أن يدرك، وكلها تدور حول ما يحدث اليوم، حول مسلم البراك والشرطة، وكيف فعل وكيف فعلوا، وعن شقيقه الأكبر، شقيق الطفل، المشارك في المسيرات، الذي عاد إلى البيت بإصابته، وعن ابن عمه الذي تم القبض عليه، ووو…، وكلها خيالية، لكنها عن الوضع السياسي والأمني، فهو ما يسيطر على عقله واهتمامه اليوم.
كذلك الحال بالنسبة إلى شيباننا من الجنسين، الرجال والنساء، الذين بانت على وجوههم آثار أقدام السنين، بعد حل وترحال. كانت مصطلحاتهم: "الله لا يغير علينا" و"الحمد لله نعيش في أمان وطمان"، يقصدون "اطمئنان"، فدُفنت اليوم مصطلحات الرضى والسكينة تلك، واستُبدلت بمصطلحات الغضب والتذمر والدعاء على كل فاسد ووو… والأهم، الشعور بالغبن والقهر لغياب العدالة.
ولو كنتُ قريباً من دائرة القرار، لصرخت بالخط العريض: "الغضب الشعبي يزداد"، فإن لم يسمع صوتي أحد، حملت مزودتي على ظهري، وهاجرت إلى أميركا اللاتينية، إلى أبعد نقطة في هذا الكوكب.
ولأنني بعيد عن القرار ودوائره ومثلثاته، أقول دون تفكير في أميركا اللاتينية: "إذا كانت رعاية البعض لجويهل في السابق قد أنتجت لنا جيلاً من الشبان الحانقين، فإن ما يحدث الآن سيجعل من تماسك من الشبان سابقاً يسارع إلى قافلة الحنق، وتزاحمه أجيال من البزران والشيبان".
لا تزرعوا الحنق في بساتيننا… لا تزرعوا الحنق.
زمن عبّود… امممم أووو يييي
كما تفاخر مدينة فلورانس الإيطالية بمبدعيها، تفاخر مدينة الصباحية الكويتية بعظمائها وعباقرتها. أحد عظمائها، لم أقل آخرهم، هو النائب في المجلس الحالي ناصر الشمري، وهو نائب خارق، والخارق كما يقول الحكماء “هو من يخرق قوانين الطبيعة ولا يتصرف كسائر البشر”، والنائب ناصر خرق قوانين الطبيعة وقام بالتوقيع على مقترح من دون أن يقرأه، حفظه الله.
عظيم آخر هو “عبّود”، وهو اسم الدلع لأحد عظماء الصباحية قطعة واحد وعلمائها، كان فاشلاً بامتياز في المدرسة، وكان لا يعرف من اللغة الإنكليزية إلا “يس” و”نو” والأعداد من الرقم صفر إلى الرقم عشرة، ومع ذا كان لا يعوقه عائق في الترجمة، ولعظمة موهبته تولى الترجمة للشباب أثناء السفر، وكان من عشاق شرق آسيا، وكان ذا نخوة وذا نزعة قومية عربية، وعلى استعداد للاستيقاظ من نومه لمساعدة أي عربي علق مع أحد الشرق آسيويين ودخل معه في حيص بيص لغوي.
“يس” و”نو” والأعداد وأصابع اليدين ورموش العينين وبعض التأوهات مثل امممم آآآ يوووه بااااه، هي كل ما يحمله عبود في مزودته من “عدة الشغل”، فإذا ذهب إلى فندق بقصد حجز غرفة لمدة ثلاثة أيام، أطلق لتأوهاته العنان: “اممممم ثري اوووو” ثم يغمض عينيه دلالة النوم، ويفرك إبهامه بسبابته للاستفسار عن المبلغ، ولا تنتهي المهمة قبل ترديد كلمة نوووو نوووو وضم الكفين أمام الوجه على الطريقة الهندية لتخفيض المبلغ.
الغريب أن “لغته” يفهمها الجميع بلمح البصر، في حين يدوخ بقية الشباب مع التايلنديين السبع دوخات، وغالباً ما تفشل مهامهم. وبعد ذيوع صيته وانتشار شهرته، استدعيناه، نحن الذين لم نسافر معه، للاستفسار منه عن طريقته، فطلب منا إعطاءه أي جملة نختارها ليتولى ترجمتها لإقناعنا بقوة لغته، فأعطيناه عدداً من الجمل فشرحها بلغته الخاصة وبلمح البصر فإذا هي واضحة سهلة المفردات.
كبر عبود، وخبأته الدنيا عنا تحت عباءتها، ولا أدري إن كان قد تزوج “وصار عنده أولاد” كما تغني فيروز أم بقي على حاله يتنقل بين المواخير والحانات، لكنني سأبحث عنه لمساعدتي في توصيل أفكاري في المقالات وفي البرامج من دون أن أتعرض للسجن والغرامات الخيالية التي يفرضها قانون الإعلام الموحد.
تداركنا يا عبود يرحمك الله، تداركنا أيها العروبي الصبحاوي الشهم، وافتح معهداً لتعليم لغتك العبقرية كي لا نقع في شَرَك هذا القانون الإممممممم يوووه ييييي.
إنه زمن عبود يا صاحبي.
أيها السلفيون… تعالوا نطبق الشريعة
أنا الموقع أدناه محمد الوشيحي، الليبرالي المدعوم من الإخوان في مصر والسودان، والمسنود من قطر وأوزباكستان، أقر بتأييدي لمطلب النائب السابق محمد هايف، والداعية الفاضل سالم الطويل، وغيرهما، بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية بكل تفاصيلها وحذافيرها.
امسكوا علي الفقرة السابقة واعتبروها وصل أمانة، تلوحون به في وجهي أمام محاكم الرأي العام في القادم من الأيام، لكن أرجوكم لا تنسوا شرطي الوحيد. أكرر: شرطي الوحيد، وهو أن يتفق السلفيون الكويتيون أنفسهم على مفهوم واحد، أو تفسير واحد للشريعة الإسلامية.
قلت "السلفيون الكويتيون"، لم أشمل معهم بقية السلفيين المسلمين في أصقاع هذا الكوكب، بدءاً من السلفيين في الشقيقة المملكة العربية السعودية وليس انتهاء بسلفيي طشقند، فأنا لا أسعى إلى تعجيزهم… قلت "السلفيون الكويتيون"، لم أقل: المسلمون الكويتيون بشيعتهم وسنتهم، فقد يتفق القمر والشمس على موعد واحد للشروق قبل أن يتفق السنة والشيعة على أركان الإسلام… قلت "بشرط أن يتفق السلفيون الكويتيون"، لم أقل بشرط أن يتفق الكويتيون السنة بـ"إخوانهم المسلمين" و"الصوفيين" وبقية ألوان الطيف الإسلامي السني… أنا حصرت الشرط في أضيق نطاق ممكن، "السلفيون الكويتيون" لتسهيل المهمة.
وهذا عهد مني ووعد أن أمشي في الشوارع رافعاً شعار الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية، إذا اتفق أحمد باقر مع محمد هايف، وكلاهما سلفي، على تفسير واحد للشريعة، وشاركهم الاتفاق بقية السلفيين، مثل د. وليد الطبطبائي ود. علي العمير ود. شافي العجمي وسالم الطويل وفهيد الهيلم ود. فهد الخنة وخالد العدوة وغيرهم وغيرهم وغيرهم…
يميناً بالله لأرفعن الشعار حتى على منزلي وعلى سيارتي، إذا اتفق هؤلاء على بعض المسائل المهمة في حياة الناس، وأجمعوا على تفسير واحد لمصطلح "ولاة الأمر"، على سبيل المثال، وبينوا لنا هل المقصود بـ"ولاة الأمر" رئيس الدولة سمو أمير البلاد فقط أم رئيس الدولة وولي عهده؟ أم يشمل المصطلح كل الشيوخ الوزراء؟ أم كل أبناء الأسرة الحاكمة وبناتها؟ أم يقتصر فقط على الأبناء دون البنات؟ أم كل ذي سلطة ولي أمر، أي أن الوزراء كلهم ولاة أمر؟ طيب وماذا عن الوكلاء والوكلاء المساعدين؟ وماذا عن مديري الهيئات بدرجة وكلاء؟ وماذا عن المستشارين بدرجة وزراء؟ وماذا عن وعن وعن…؟
لا نريد منهم أدلة يبينون لنا فيها إلى أي آية أو حديث استندوا في تفسيرهم، فقط نحتاج إلى أن يتفقوا على تفسير واحد وسنوافقهم. ثم يتفقون على تفسير واحد للخروج في المسيرات الرافضة للفساد، هل هو حرام أم حلال أم مكروه، وهل هو خروج على ولاة الأمر أم هو جهاد أم عمل خير يدخل في باب تغيير المنكر باليد ورفض الفساد؟ أيضاً لا نحتاج إلى أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية، نحتاج فقط إلى إجماعهم على تفسير واحد أو فتوى واحدة.
أما قبل ذلك، أي قبل اتفاقكم أيها السلف وإجماعكم على رأي واحد في ما يهم الناس وحياة الناس – دعوا عنكم الكماليات – فأرجوكم ألا تزاحمونا على المايكروفونات وتطالبونا بتطبيق الشريعة، فنوافقكم "على بياض"، ثم نختلف بعد ذلك على بعض التفاصيل فتبادل التكفير، وتدعي كل فرقة منا بأنها الفرقة الناجية وبقية الفرق على ضلال مبين، فأجد نفسي فجأة بعد اختلافي مع أحدكم خارج الملة، في العراء الطلق والعياذ بالله.
ولكم مني وعد أن أتكفل بديوانية منزلي الذي استأجرته حديثاً (هو في الحقيقة دور أرضي فقط، لكن مثلكم يجد لي العذر لزهدكم في زخرف الحياة الدنيا طمعاً في ما عند الله)، وسأتكفل بالشاي والقهوة والتمر والبخور والعشاء الطيب، وسأضمن لكم عدم اقتحام أحد من الليبراليين، عليهم من الله ما يستحقون، خلوتكم المباركة، حتى تنتهوا من نقاشكم وتخرجوا إلينا بما اتفقتم عليه، لنبدأ جميعاً بعد ذلك حملة المطالبة بتطبيق الشريعة.
اتفقوا أيها السلف الكويتيون المطالبون بتطبيق الشريعة وسنصطف خلفكم، على بركة الله، فإذا لم تفعلوا فستلتهمنا الشكوك في مصداقيتكم وجديتكم، وستنتفخ رؤوسنا بالسيئ من الظن في أهدافكم. جزاكم الله خيراً.
كي لا نترككم وبرتقالكم…
الأفكار ليست من الأسمنت والخرسانة. الأفكار تتغير بتغير المعلومات ومستوى العقل وعوامل أخرى. وكنت ممن ينادون بحل مشاكل الأغلبية (البرلمانية السابقة) داخل بيت الأغلبية، بل في الصالة الداخلية تحديداً، كي لا يسمع الجيران ضجيج أعضاء الأغلبية وخناقهم ومعاركهم، ليخرج بعدها أعضاء الأغلبية أمام وسائل الإعلام وكأنهم في مسابقة أجمل ابتسامة.
وكما تغيرت قناعتي في "الحكومة البرلمانية" فكتبت قبل نحو سنة تأييدي لهذا الشعار بعد رفضي إياه، كذلك تغيرت قناعتي بخصوص احتواء مشاكل الأغلبية، وحصر الخناق داخل الصالة، بعد أن اكتشفت أن العملية أصبحت كـ"كنس الوسخ والتراب تحت السجاد" لإخفائه عن الضيوف والزوار، حتى تراكم التراب وشيدت الجراثيم بناها التحتية ومدنها السكنية وأقامت مشاريعها وأوامرها التغييرية تحت السجاد، وأضحى ما تحت السجاد مدينة قائمة بشوارعها وجسورها ومرافقها العامة…
وإذا كان السياسيون يلعبون في "استاد فن الممكن" فإن الإعلاميين يلعبون في "استاد كشف المستور"… السياسيون، في الغالب، يراعون مشاعر بائع البرتقال، طمعاً في صوته الانتخابي، أو في أصوات أقربائه، ويمتدحون طعم برتقاله رغم شعورهم بالقرف لفساد البرتقال، ويطلق الواحد منهم آهات اللذة وهو يتلمظ بالبرتقال العفن، أما الإعلاميون الصادقون فيرمون البرتقال العفن جانباً، ويضيئون كشافاتهم ويصرخون "البرتقال فاسد، والبائع فاسد".
إجمالاً، الإعلامي أقوى من السياسي، وأسرع منه، يسبقه بخطوات، فالأحمال على كاهل الإعلامي أخف، والحسابات عنده أقل، ومراعاة مشاعر الأطفال تكاد تكون ممسوحة من قاموسه، ووو…
وعليه أقول: السرطان بدأ يستشري في جسد الأغلبية، والتجاعيد انتشرت في وجهها، وجسدها ترهل، وتراجع مركزها بين فرق الدوري، وتكدس التراب بكميات لا تطاق تحت سجادها، وليس من حل إلا بالعلاج الكيماوي وبتر الجزء الفاسد من الجسد وكنس التراب إلى الشارع وغسل السجادة، ومصارحة الناس، ونقل الحديث من الصالة الداخلية للمنزل إلى الساحات العامة، والقبض على بائع البرتقال الفاسد. وما لم تفعل الأغلبية ذلك من تلقاء نفسها فسنسلط عليها الأضواء ونصرخ "برتقالهم فاسد و… هم فاسدون" ونتركهم هم وبرتقالهم يعمهون. نقطة. انتهى.
الأحجار لا تذرف الدموع
من قال إن الرشوة متفشية في البلدية وإن الأمور لا تُعالج إلا من تحت الطاولة؟ أنا بنفسي شاهدت الطاولات هناك فوجدت بعضها عبارة عن "كاونتر" مغلق من الأمام… اتقوا الله.
ومن قال إن البلدية لا تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، وإنها تغض الطرف عن الأقوياء، وتمنح التراخيص للمباني التجارية من دون مواقف سيارات كافية فيزدحم الشارع؟ هل المطلوب من البلدية أن تنسخ من نفسها سبع نسخ عجاف! يكفي أنها تفرغت لإزالة غرف "الكيربي" من داخل بيوت البدون المكتظة بلحوم البشر، والصور تشهد، ودموع العجائز البدون تشهد، ومنظر الشايب البدون وهو جاثٍ على ركبتيه يتابع ما تفعله الجرافة في منزله، ويداه تمسحان دموعه بسرعة قبل أن يراها أحفاده تشهد، وصرخات المراهق البدون وهو يشاهد حيطان غرفته التي تضمه وشقيقيه، والمملوءة بالرسومات والأدعية وصور اللاعبين العالميين والأمل البعيد، تتهاوى حائطاً تلو حائط… أيضاً تشهد.
وكما جاء في مذكرات المصور الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، ما معناه: كنت أصور مجازر الجيش الألماني في فرنسا، وألتقط صوراً للأم وهي تصرخ أثناء جر ولدها وتكبيله ووو، فتتسلل دمعة مني، فأمسحها بسرعة كي لا تشي بي، وما إن أعود إلى سريري وأتذكر المنظر حتى تنتابني هستيريا بكاء مخنوق وتنهمر دموعي بسخاء، ويوماً بعد يوم، تقل درجة الهستيريا وتتضاءل كميات الدموع حتى توقفت دموعي عن الهطول نهائياً وأصبح المنظر روتينياً ومألوفاً عندي.
الأمر ذاته بالنسبة إلينا ككويتيين تجاه ما يحدث للبدون، أصبح منظر التنكيل بهم روتينياً، وتوقفت دموعنا عن الهطول حزناً عليهم، وأصبحت مآسيهم أقل من أن نصرف أوقاتنا أو حتى أحبار أقلامنا عليها.
نحن يا صاحبي شعب من حجر، قلوبنا من حجر، عيوننا من حجر، وكل ما فينا حجر… والأحجار لا تتألم ولا تذرف الدموع.
يا الله… يا الله… يا الله…
الأغلبية… بقزحياتكم تُعرفون
الله على الأغلبية البرلمانية المبطلة، الله على عزفها الرائع، يا سيدي ولا الفرقة الماسية بقيادة المايسترو المرحوم أحمد فؤاد حسن، الذي يقف بجاكيته الطويل من الخلف، وبابيونة بيضاء فاقع لونها تسر الناظرين، وفي يده عصا لا يهش بها على غنمه، وليس له فيها إلا مأرب واحد "ضبط التناغم بين العازفين".
ويخرج النائب السابق الصيفي مبارك الصيفي، بمصارحة مؤلمة لكنها مطلوبة، ليكشف لنا عن أن ١٧ نائباً ممن تعدون من نواب الأغلبية الأربعة والثلاثين ضد الشعار الأكبر الذي رفعته الأغلبية، الحكومة المنتخبة، أي أن نصف المعلنين عن تبني مشروع الحكومة المنتخبة غير مقتنعين بمشروعهم الذي تبنوه! ولك أن تضع ما تشاء من علامات التعجب والاستفهام والذهول وفغر الأفواه على مصاريعها المباركة.
وقبله قال لي زميله أسامة المناور، في برنامجي التلفزيوني، إنه أحد معارضي الحكومة المنتخبة، وقبلهما أعلن واحد من هنا، وآخر من هناك، وثالث من هنالك، رفضهم هذا المشروع المرفوع على أسنة البيانات التي تعقب اجتماعات الأغلبية البرلمانية المبطلة.
السؤال: إذا كان من حق المؤيد إعلان تأييده ومن حق الرافض إعلان رفضه، فلماذا لا نعرف أسماء المؤيدين للحكومة المنتخبة والرافضين لها؟ لماذا لا تكون هناك شفافية كما طالب الصيفي، ونحن لمطلبه هذا من المؤيدين؟
هل المطلوب منا، كناخبين ومحللين وإعلاميين، أن نلعب لعبة "التخمين"؟ عن نفسي أنا من عشاق هذه اللعبة. أحب التفرس في وجوه الآخرين وقراءة عيونهم وملامحهم وتخيُّل حالتهم النفسية، بل أغوص أحياناً في تخيل حياتهم الأسرية والعملية وأوضاعهم النفسية والاقتصادية. متعة صدقوني. جربوها لكن احذروا أن تتحول إلى إدمان كما هي حالتي، إذ يغني الفنان على المسرح، ورؤوس الناس تتمايل طرباً، بينما تتجه عيناي إلى أعضاء الفرقة الموسيقية، لأقرأ أحوالهم، وأتخيل نفسياتهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ووو…
تعالوا نراجع مقاطع بيانات الأغلبية، ونتفرس في وجوه أعضائها أثناء قراءة البيانات، ونخمن من منهم الموافق على تبني مشروع الحكومة المنتخبة ومن منهم الرافض له، وخذوا هذه النصيحة، ركزوا على القزحية في داخل عين كل منهم أثناء تلاوة البيان، فمن ثبتت قزحيته فموقفه ثابت، ومن تحولت قزحيته إلى جرسون، رايح جاي، فهذا متردد، أما من تراقصت قزحيته وقضى وقته يهرش حنكه ويداعب شعيرات شنبه فهذا رافض أصيل عصرة أولى، لكنهم أجبروه فانصاع لهم، أو قل أحرجه الشارع فانصاع وخضع.
اتركوا بيانات الأغلبية وركزوا على قزحيات عيون أعضائها، بعد أن شهد ١٧ نائباً من أهلها باختلافهم حول الشعار الأكبر. و"من قزحيته… كشفت الناس نيته".