الصباحية من المدن التي حماها الله وأنجاها من كل الحملات، ولن تجد كتاباً يذكر أن الصباحية سقطت تحت احتلال أو حصار غزاة، أياً كان هؤلاء الغزاة، بدءاً من تيمور لنك الذي أحرق بغداد والبصرة وحلب (أحرق حلب مرتين) وطرابلس ودمشق وغيرها من المدن، وليس انتهاء بالإنكليز الذين استوطنوا الأحمدي والعاصمة الكويت ووارة وغيرها من المدن الهشة.
الصباحية عصية أبية، وهذا ليس بمحض المصادفة، بل لبطولات أبنائها وتضحياتهم، وكنا نجتمع أيام الصبا المبكر نتدارس أحوال العالم خلف فرع الجمعية بالقرب من "مسجد المحنّا"، نتقاسم السيجارة التي لا يستغني عنها الثوار، كالزميل المعلم الكبير غيفارا، ملهمنا ومسهرنا… واكتشفنا أن أميركا تكرهنا، واختلفنا، هل تكره "قبيلة العجمان" أكثر من بقية الطوائف والدول والشعوب، أم تكره "مطير"، أم هي تكره "العوازم"، أم تكره "آل مرة"…؟ الأكيد أنها لا تكره الحضر، ليش؟ لأن الحضر يسافرون إلى أميركا، على ذمة أحد الأصدقاء الذي أقسم لنا على صدق معلومته، والأكيد أيضاً أن كرهها محصور في إحدى القبائل المذكورة، لا شك، وتعد العدة للقضاء عليها… وبالطبع لم يُطرح اسم قبيلة "الظفير"، وبعض القبائل الأخرى، لعدم وجود "ممثل" لها في الاجتماع خلف مسجد المحنّا، لذلك عاشت قبائلهم في مأمن من هجوم الأميركان وخبث رونالد ريغان وحرب النجوم.
كبرنا وتذكرنا أحاديثنا فضحكنا، واليوم اكتشفنا أننا كنا على حق، وأن الأميركان، أبناء الشيطان، كانوا يحاربوننا فعلاً ويريدون قتلنا لكن باستخدام السم لا الصواريخ ولا القنابل! اكتشفنا أن الأميركان يضمرون العداء لنا كلنا، بقبائلنا وعوائلنا، البدو والحضر، الذي يسافر منا إلى أميركا في الصيف، والذي يقضي إجازته في وادي العجمان… والدليل على حرب الأميركان ضدنا أنهم عطلوا التنمية في البلد، وأعاقوا بناء المرافق العامة، ومنعونا من تطوير "الطاقات البديلة" والاستفادة منها، حتى وصلنا إلى أن تستنزف الكهرباء خُمس إنتاجنا النفطي، وعرقلوا مشروع "الحكومة الإلكترونية"، ونشروا الفساد في كل شوارع الكويت وحواريها، ولولا حكمة حكومتنا وحنكتها لانتشر الفساد حتى في الأزقة (لهذا السبب تخلو الكويت من الأزقة ولله الحمد)، وعطل الأميركان تطوير "مؤسسة الكويتية"، وحالوا دون تحسين خدمات "مقبرة صبحان" و"مقبرة الجهراء"، وحرموا أقسام الشرطة من أجهزة الكمبيوتر، بل ورفضوا تحديث أثاث مكاتب ضباط الشرطة، فبدت كما هي عليه الآن، ووقفوا بشدة في وجه حكومتنا التي تطارد تجار اللحوم الفاسدة، ووو، وتهلهلت الدولة، وفقد الناس الثقة بها وبأقربائها… وسيستمرون في حربهم التي تهدف إلى إنهاك الصباحية وإضعافها إلى أن تسقط.
وأقول للأميركان: ارجعوا إلى كتب التاريخ، فإن وجدتم كتاباً واحداً أو حتى صفحة واحدة تذكر أن الصباحية سقطت تحت أقدام الغزاة، لكم منا، نحن أبناء الصباحية وحماة أسوارها، أن نسلمكم مفاتيحها بلا حصار ولا منجنيق.
التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
للكويت يا محسنين
مازالت في ذهني صورة ذلك الشايب البخيل، الذي يقتّر على أبنائه وبيته وأهله، حتى إنه لم يدفع فلساً أحمر لابنه في حفلة زواجه، وليته اكتفى بذلك، بل طلب من ابنه أن يعطيه جزءاً من الأموال التي حصل عليها من أصحابه (هي عادة اجتماعية بحيث يساهم أصدقاء العريس في تكاليف الحفل)، وبالفعل أعطاه ابنه المبلغ، فاشترى الأب لنفسه سيارة جديدة واستأنف حياة البذخ على نفسه، تاركاً بيته وأهله يتدبرون أمورهم الصعبة بطريقتهم، وكأنهم في تدريب للصاعقة لا ينتهي.
وكذا تفعل حكومتنا اللطيفة معنا كشعب، فتهمل خدماتنا واحتياجاتنا، فلا هي تدعمنا ولا تتركنا، بل تأخذ من مصاريف أفراحنا لتشتري لنفسها سيارة جديدة وتستأنف حياة البذخ، وترتدي بشت حاتم الطائي فتبعزق مصاريف البيت على الجيران والخلان هنا وهناك.
وأجزم أن الأوروبيين لا يمكن أن يوافقوا على دفن كلابهم أو قططهم في مقبرة بحال ومستوى "مقبرة صبحان"، حيث التكييف المتعطل، والمكان الضيق، والسيارات التي تقف تحت شمس عمودية منزوعة الرحمة، والفوضى العارمة، والعرق الذي يمكن أن يتحول إلى "طاقة بديلة" في حال نضوب النفط، والتراب العاري من البلاط، الذي يستقبل عينيك وأنفك بترحاب وأحضان، ووو…
لذا، سننتهج ككويتيين نهجاً جديداً في تعديل وتحسين مستوى مرافق الدولة ومبانيها العامة، وسنبدأ بحملة جمع تبرعات لمقبرة صبحان، ومقبرة الجهراء أيضاً بعد أن طلب سكان الجهراء ذلك، وإذا قدّر الله لنا النجاح في حملتنا، فسنلتفت لقاعات المحاكم ونجمع تبرعات لتزويدها بالتكييف ونظام التهوية (الاختناق في بعض القاعات يجعلك تتمنى سرعة صدور الحكم عليك حتى لو بالسجن كي تخرج من القاعة قبل أن تموت)، وبعد قاعات المحاكم سنبدأ حملة ثالثة لبناء مواقف مظللة للسيارات في "مجمع الوزارات"، وهكذا، ومن يدري لعل الحماس يأخذنا فنجمع تبرعات لتطوير أسطول الخطوط الجوية، وبقية الخدمات، ونعيد تأهيل الكويت كدولة يمكن للقطط أن تقبل العيش فيها.
حكومة خاتم سليمان
ماشي يا دبي، ماشي يا بني آدمين… يخرج حاكمها محمد بن راشد آل مكتوم ليعلن "بدء خطوات تنفيذ الحكومة الذكية لتحل محل الحكومة الإلكترونية"، ويضيف: "الحكومة الذكية هي التي تصل إلى الأشخاص لا العكس، وهي حكومة لا تنام، وتعمل على مدى الأربع والعشرين ساعة يومياً وطوال أيام السنة". أي أنه بإمكانك إنجاز معاملاتك وأنت في منزلك مرتدياً الفانيلة والسروال بعد منتصف الليل، كل ما عليك هو أن تفتح جهاز الكمبيوتر وتقوم بتعبئة البيانات وطباعة المستند وتكون بذلك أنجزت المهمة المستحيلة، من دون أن تقف (الأصح "تترزع" كما يقول المصريون) على "كاونتر"، وتتنقل من مبنى إلى مبنى، ومن طابق إلى طابق، فتتيبّس عضلات فخذيك، ومن دون أن تسأل أصحابك "أحد عنده واسطة في المكان الفلاني؟"، ومن دون أن يصعقك مدير الإدارة بالكليشة الحكومية الرائعة "روح للبنات"، فتسأل عن مكتب البنات، فيصعقك صاعق عندما تكتشف أن أصغرهن حجماً أنحف قليلاً من حقل النفط، وأصغرهن عمراً خُلقت بعد خلق الإبل بأسبوع، وقيل بل بشهر.
تراث يا صاحبي، وتقاليد لها لذة ونكهة، لتأتي دبي وتمسح كل هذا الجمال وتتحول إلى "شريحة ذكية تضعها في الكمبيوتر"! شريحة لا روح فيها ولا مشاعر، وكل من لا يجيد استخدام الكمبيوتر ويزور دبي سيكون كمن سقطت به الطائرة في الصحراء الكبرى وفي عز الظلام. تحيط به الذئاب والضباع شمالاً، والجوع والبرد والعطش جنوباً.
وكان بإمكان حكومة الكويت اللحاق بحكومة دبي وتخطيها، لولا أن حكومتنا أكثر إنسانية من حكومة دبي. ولك أن تتخيل وضع المواطن أو المقيم الذي لا يجيد استخدام الكمبيوتر، كيف سيتصرف؟ وماذا سيفعل؟ ثم إن إنجاز المعاملات بالطريقة التقليدية مفيد للياقة البدنية، ويساعد بشرتك في اكتساب فوائد أشعة الشمس التي لولاها لامتلأت أجسادنا بالنمش، كما يحدث لشعوب بلدان شمال أوروبا والعياذ بالله.
ولو أرادت حكومة الكويت لقفزت مباشرة إلى "حكومة خاتم سليمان"، فتفتح جهاز كمبيوترك على صفحة الموقع الإلكتروني الحكومي وتقول: "معاملة استخراج…" وقبل أن تتم جملتك يجيبك الكمبيوتر: "على هالخشم، تم"، وينجز معاملتك قبل أن يرتد إليك حنكك، ويقبّل خشمك، فتخنقك العبرة، فتبكي، فيبكي معك، فيعمل لك "شاي بالنعناع"، وقد يعمل لك "حلبة"، إذا كنت حاملاً في شهرك السابع، فتخجل وتتمتم بكلمات لا تفهمها أنت نفسك، فيطبطب موقع الحكومة الإلكترونية على كتفك ويتحدث بصوت خفيض: "أنا عكازك إذا وهنت عظامك".
ماشي يا دبي… ماشي يا بني آدمين…
ما زال في الجنة متسع…
الله يخرب بيت الشعوب الأوروبية والأميركية وشعوب اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها من الشعوب التي لا تتقاتل مثلنا بدوافع طائفية، الله يخرب بيت كل من لا يهتم مثلنا بأمر الجنة والنار، فيقتل جاره وزميله في العمل تقرباً إلى الله، ولا يفعل كما يفعل الغربيون واليابانيون الذين ألهتهم الدنيا وشغَلهم الدولار والين واليورو عن قتل مخالفيهم في الدين والطائفة.
ويأتيك الأميركان بجلالة غبائهم فينتخبون رئيساً من طائفة تشكل أقلية في أميركا، هي الطائفة الكاثوليكية، ويدلي البروتستانتيون بأصواتهم لمصلحة الكاثوليكي جون كينيدي في انتخابات الرئاسة ضد ابن طائفتهم نيكسون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويا ويلهم من الله.
ويتغاضى اليابانيون "الشنتو"، وهم الأكثرية، عن اليابانيين المسيحيين وهم أقلية الأقلية، فلا يقتلونهم ولا يسحلونهم ولا يصادرون أملاكهم. ليش؟ لأن اليابانيين قوم منشغلون في أمور التكنولوجيا والاقتصاد والصناعة وما شابهها من التوافه ووسخ الدنيا ولا يهتمون لأمر الجنة والنار. ويسكن الشنتو في مبنى واحد مع البوذي والمسيحي، الشقة فوق الشقة، دون أن تعرف بوذيهم من شنتويهم من مسيحيهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويا ويلهم من الله.
ويعلن اللاعب الإيطالي السابق الشهير روبيرتو باجيو تغيير ديانته من المسيحية إلى البوذية، ويتقبل الطليان ذلك بكل بلاهة، ويرفع مشجعو ناديه المسيحيون في المدرجات لوحات "بوذا.. نتوسل إليك ساعد باجيو في هذه الليلة"! سحقاً لهم، لماذا لم يقتلوه بعد أن ارتد عن دين آبائهم السماوي إلى دين غير سماوي ليتقربوا بدمه إلى الله؟ إنها البلاهة والاستهتار بالجنة والنار، نسأل الله العفو والعافية.
الجنة يا صاحبي تحتاج إلى تضحيات، تحتاج إلى اقتتال كاقتتال السنة والشيعة في بعض بلدان الخليج والوطن العربي وأفغانستان، تحتاج إلى حرق دور العبادة بما فيها كما يفعل الهندوس والمسلمون بعضهم ببعض في الهند، وتحتاج إلى التضييق على طوائف الأقليات، وما شابه من التضحيات.. الطريق إلى الجنة ليس بالسهولة التي يتوقعها الأميركان واليابانيون والأوروبيون والأستراليون وبقية المستهترين.
ولا مناص من تعديل المناهج الدراسية في أميركا وبقية البلدان والقارات المشابهة وإبراز الخلافات بين طوائفها، لنساعدهم على الاقتتال والوصول إلى الجنة، فالجنة ليست حكراً ولا قصراً على الشرق أوسطيين، ولا على العرب العاربة والمستعربة… في الجنة متسع، لكن أين العقول، وأين الدماء، وأين المحرضون، وأين الأحزمة الناسفة، وأين وأين وأين، وواخدني ورايح فين يا حبيبي يا نور العين..
الغريب أن المسلمين الشيعة والسنة في بلدان أوروبا وأميركا واليابان لا يتقاتلون، مع أن الهدف خارج أرضك بهدفين، كما يقول الرياضيون. لذا، ومن باب التذكير أقول لهم: ما زالت لديكم الفرصة فاغتنموها يرحمني ويرحمكم الله، وتذكروا أن الجنة، كما أسلفت، ليست حكراً على بقعة جغرافية.
كلمة سر… باللغة الوشحى
سقى الله أيام كتابة المقالات بالورقة والقلم والشخبطة والسهم الملتوي والأقواس وعلامة بدء الفقرة ووو، واتصالات المصححين للاستفسار عن كلمة استعصت عليهم قراءتها، وقد يتكاسلون أو ينشغلون فينشرونها كما فهموها بخلاف ما أريد، فتقلب رأس المعنى على عَقبه، وتجرح عَقبه الآخر، فتسيل منه الدماء، فألطم ثلاثاً وتخنقني العبرة…
وسقى الله صحافة الأجيال السابقة، عندما كانت المقالة أطول من ليل الشتاء وأسخن من فرن الخباز، ويكفيك مراجعة أرشيف مقالات محمد حسنين هيكل الأسبوعية، التي كانت جريدة الأهرام تنشرها على عمودين في الصفحة الأولى والتتمة تملأ الصفحة الثالثة كاملة… (بالمناسبة، لقرب هيكل من عبدالناصر، كانت الإذاعة تبث مقالاته: "سيداتي سادتي مستمعينا في الوطن العربي إليكم ما كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل في عموده لهذا اليوم بتاريخ كذا وكيت").
أقول سقى الله أيام الورقة والقلم قبل أن يلعب بنا "بيل غيتس" لعبة الدامة، ويجبرنا على الكتابة على شاشة الكمبيوتر، وحفظ كلمات السر، وأنا رجل ينسى، وينسى أنه ينسى، فأكتب المقالة، وأنسى كلمة سر البريد الإلكتروني، فأدخل في حيص بن بيص، وقد يتعطل الجهاز، فيفتح فمه ببلاهة، فأفتح فمي ببلاهة، والبادئ أظلم وأخيب.
وأصبحنا لا نعيش بلا كلمة سر، فبطاقة البنك بكلمة سر، وموقع البنك الإلكتروني يحتاج إلى سبع كلمات سر، والبرامج الإلكترونية كلها بكلمات سر، والبريد، ومواقع الشركات والمكتبات ووو… الشيء الوحيد الذي يمشي عرياناً بلا كلمة سر تستره من أعين المارة وأيديهم هو "الكويت".
لذلك هي مباحة، وقيل بل سداحة مداحة، خطوط طيرانها مباحة، وميزانيتها سداحة، وشركاتها النفطية مداحة ومُتاحة، و"برلمانهم" يعيش في مناحة، بهدف تغيير القيادات الحالية والإتيان بقيادات تتقن اللعب بالخطة البرازيلية ذات التمريرات الماكرة القصيرة.
وما لم نضع كلمة سر معقدة لخزائن الدولة ونفطها وأملاكها، ونمعن في تعقيدها بحروف وأرقام يصعب اختراقها، فسنستيقظ ذات صباح ونبكي على بلد ساح، لم يبق منه إلا "المراح"، والمراح هو الأطلال باللغة الفصحى. لكن اعتمادنا بعد الله على نخبة من الثقات في البرلمان وعلى رأسهم سعدون حماد وخلف دميثير وعبدالحميد دشتي ورولا دشتي وخالد العدوة وعسكر العنزي ويعقوب الصانع وآخرون مثلهم، ويا صدع رأسي صدعاه، باللغة الفصحى. وباللغة الوشحى.
حتى مجلات الأطفال تنبذنا…
أجزم جزماً لم يجزمه قبلي أحد، أننا لو حدثنا الأوروبيين عن أسباب إيقاف الكتّاب عن الكتابة في الكويت، وأسباب إغلاق البرامج التلفزيونية، وأسباب سجن السياسيين وشبان الحراك… لما صدقونا.
وأجزم جزماً أشد من جزمي الأول وأنكى، أننا لو كتبنا مقالاتنا هذه، وأذعنا حلقاتنا هذه عندهم، ونشرنا تغريداتنا بينهم، لضحكوا علينا ضحكاً مبيناً، ولمسحوا على رؤوسنا شفقة، ولنصحونا بنشرها في مجلات الأطفال، وتزيين مقالاتنا ومضمون حلقاتنا وتغريداتنا بعدد من الصور التي تحمس الأطفال على القراءة وتشدهم إلى المجلة، في باب "الطفل السياسي الشطّور".
لكن الخشية والموت "الحمر" أن يشعر الأطفال الأوروبيون بالقرف والشفقة علينا وعلى كتاباتنا ويزدروا سقف أطروحاتنا، فتنخفض أسهمنا في مجلاتهم، ويستغني أصحاب المجلات عنا، بسياسيينا وكتابنا وفضائيينا وثومنا وبصلنا، فنصبح عاطلين عن العمل، ونذهب إلى اليابان وملّاك مجلات الأطفال اليابانية نعرض عليهم خدماتنا، فيستقبلوننا بانحناءة احترام، فنعرض عليهم إنتاجنا، فيقرأونه، فيزمّون شفاههم غضباً، قبل أن يضربوا بقبضاتهم المفتوحة كبودنا، لسخافتنا وجبننا، فنسقط ونبكي، ونلملم أغراضنا وما تبقى من كراماتنا التي اختلطت بحبات الرمل، ونغادر غير محسوف علينا.
ونذهب إلى البرازيل، حيث الأطفال الذين ولدوا وترعرعوا في عهد "لولا دي سيلفا"، أحد أفضل رؤساء العالم على مدى التاريخ (خرج من المنصب قبل عامين، ومن يقرأ إنجازاته يصب بالذهول والدهشة ويتمنى لو قبّل رأسه)، أقول تذهب المعارضة كلها إلى البرازيل، بربطة المعلم، بإعلامييها وسياسييها وقضها وقضيضها، فنعرض عليهم إنتاجنا وتصريحاتنا وكتاباتنا وحلقاتنا، فيرمينا الأطفال هناك بالمحاصيل الزراعية التالفة، ويطاردوننا بين الحقول والفدادين الزراعية.
الوكاد… أو الأكيد، كما في اللغة الفصحى، أن سقف معارضتنا أقل من أن يكون صفحة في مجلات أطفال الشعوب المحترمة، لذا يجب أن نراجع مجلات الأطفال قبل كل ندوة وكل تجمع وكل بيان.
مشتهي المستحي… منطقة الصراع
أسئلة ثلاثة سأنثرها هنا وسأجيب عنها، بحسب رأيي…
السؤال الأول: "بعد كل هذه الأخبار والمواد التي عرضتها وسائل الإعلام عن "شخصية" هذا البرلمان ونوابه وهيبتهم في عين الحكومة، أو قل عن "ازدرائهم" من قبل الحكومة، وبعد كل هذه الفضائح المالية لبعض النواب وسلوكهم، وبعد كل هذه النكسات والوكسات ومستوى غالبية نواب هذا المجلس… هل لو عاد الزمان بناخبيهم هل سيفعلون ما فعلوا ويعيدون انتخابهم أم أنهم نادمون؟". إجابتي: "نعم، فالناخبون الذين شاركوا في الانتخابات السابقة المرفوضة شعبياً يعرفون جيداً "البير وغطاه"، ولا أبالغ إن قلت إن غالبية الناخبين شاركوا لهذا السبب، أي شاركوا بسبب معرفتهم بـ"البير وغطاه"، لذا قرروا رفع الغطاء والغرف من البير، فالنائب يمثل شخصية الناخب، وهو النسخة النيغاتيف من النائب قبل التحميض".
سؤال آخر: "لو تكشفت فضائح أخرى أكبر من الحالية عن بعض النواب، هل سيعاد انتخابهم؟ وهل تؤثر في قرار غالبية ناخبي هؤلاء النواب؟"، إجابتي: "لن يتغير شيء ولن تعطس نملة، وسيعاد انتخاب النائب المفضوح، بل قد تجلب له فضائحه المالية أصواتاً انتخابية أكثر، فللحرامي عشاق ومريدون يعرفون كيف يتبادلون معه التحايا والهدايا".
سؤال ثالث: "لو قامت المحكمة الدستورية بتحصين "مرسوم الصوت الواحد"، هل سيستمر المقاطعون في مقاطعتهم؟"، الجواب: "سينقسم فريق المقاطعين إلى ثلاثة أجزاء، جزء ثابت على موقفه ومبدئه، وهذا هو الجزء الأكبر والأشرس، وجزء سيسارع إلى المشاركة، وهذا هو الجزء الذي قاطعَ وتوارى عن الأنظار وعن أعين المارة كي لا يخسر السلطة ومصالحه معها، والجزء الثالث سيقف في المنتصف ويحكّ رأسه ويفكر، وسيصيبه الصداع، وسترافقه حبوب البانادول، فهو "مشتهي ومستحي"، وموقفه ليس مبدئياً بشكل كامل. وهذا الجزء سيعتمد في قراره النهائي على نوعية الحراك الشعبي ومستجدات الأحداث، وهو ما ستتصارع عليه الجبهتان، جبهة المعارضة الحقيقية وجبهة السلطة بكل جحافلها وفيالقها المالية والإدارية".
لا يتولاها إلا الفاغرون…
العهدة على الراوي، والراوي وكالات الأنباء، والمروي عنه هــــــو تلـــفـــــزيـــــــون سي إن إن، والعهدة تقول إن العلماء توصلوا إلى طريقة تمكنهم من زرع شريحة في دماغ الإنسان تحفظ له ذكرياته ومعلوماته وأحداثه من النسيان إلى أن يموت وتنتفي حاجته إليها، وستتوفر هذه الشرائح في الصيدليات خلال عشر سنوات كحد أقصى، بعد أن نجحت التجارب التي أجريت على الفئران.
وأزعم أنني أحد "قراء الكتب" المخضرمين، وأزعم أن معلومات كثيرة مهمة مرت من أمامي من دون أن أوقفها وأحفظها، فتلاشت كدخان سيجارة، فأنا من فصيلة إذا دخلت معلومة في أدمغتها أزاحت ما قبلها، والبقاء للأحدث.
على أننا في الكويت نحتاج إلى شرائح أخرى أكثر أهمية من شريحة الذاكرة… نحتاج إلى شريحة الصدق، رحم الله الصدق، وأكثرنا حاجة إليها حكومتنا التي تحضنا على الصدق، وبعض أطراف المعارضة. ونحتاج إلى شريحة الشهامة "بدل فاقد"، و"شريحة الحياء"، الحياء من الذات، والحياء من الكذب السافر أمام الناس، والحياء من رشوة الناس، والحياء من تلقي الرشوة وتصدر المجالس، والحياء من الطعن في أعراض كل من يخالفنا الرأي السياسي، ووو…
وشريحة أخرى أتمنى زرعها، هذه المرة في ألسنتنا لا أدمغتنا، وتكون على هيئة إبرة، اسمها "شريحة الوطنية"، مربوطة بـ"شريحة الصدق"، فإذا ادعى أحدنا الوطنية وهو كاذب، تحركت الإبرة لتضرب سقف حلقه بقوة، فيضطر إلى فغر فيه، ويضطر الآخر أيضاً إلى فغر فيه، والثالث والرابع والعاشر، وآه كم من سقف حلق سينزف، في بلد لا يتولى مسؤولياته، في الغالب الأعم، إلا الفاغرون.
وانكشف المستور… لله در المحلال
أكبر عباءتين في الكويت، عباءة الدين وعباءة الليبرالية، وكل عباءة مربحة، وكله بيكسب، وتخالف الأول فتخرج من الدين سلطاً ملطاً، وتخاصم الثاني فتسقط إنسانيتك على أم وجهها…
وتستيقظ من نومك فتجد نفسك عدواً للإسلام والمسلمين، وشلّ الله يمينك يا زنديق. ليش؟ لأنك خاصمت النائب الإسلامي فلان. وتنام وتستيقظ مرة أخرى بيدك المشلولة فإذا أنت إرهابي معتق، ترعرعت في الخنادق وتعلمت على البنادق. طيب ليش؟ لأنك انتقدت النائب الليبرالي علان… وهكذا تتأرجح ويتبادلك أصحاب العباءتين ككرة التنس.
وأكثر من أبدع في هذا المجال هو الوزير السابق، علي البغلي، المحلل السياسي الحالي، أو هو لفرط عظمة تحليلاته يمكن أن نسميه "محلال" على وزن "مفضال" إذا لم تخني اللغة، واللغة خوانة… والبغلي ليبرالي يفتح على ثلاث جهات، الشرق والشمال والغرب، ولا يفتح على الجنوب، وآه من أهل الجنوب، ومن هوى الظبي اللعوب، والغرب وسيلة، والشرق غاية، وهو يكتب عموده الصحافي منذ سنين، وفيه انتقد زيداً وعَمْراً، وانتقد خصوم الشيوخ، وهاجم كل متدين وكل من يرتدي عباءة الدين من الطائفة السنية، لكنه، بسبب النسيان، لم يتطرق ولم يتعرض للطائفيين من أبناء طائفته، قاتل الله مشاغل الحياة.
وأنا أحد الذين يعانون مرض النسيان، ومنذ فترة داومت على تناول حبوب الـ"أوميغا"، وشعرت بتحسن، خصوصاً بعد حصولي على نوعية فاخرة من الحبوب الصينية، وسأهدي علبة منها للمحلال السياسي علي البغلي، علها أو لعلها تساعده وتذكّره بما نسي.
الطريف أن المحلال البغلي عضو في مجموعة تضم عبدالحميد دشتي ونبيل الفضل وآخرين عُرف عنهم نظافة المخبر والمحضر، ويا وجه الله.
على أن أجمل تحليلات المحلال، وأعظم اكتشافاته، هو ما جاء في مقالته قبل يومين، التي قرأتها فبكيت حتى جعت، عندما وصف هذه الجريدة بجلالة ليبراليتها، عليها من الله ما تستحق، بأنها تساعد الإخوان المسلمين! أي والله.
ولا أدري كيف اكتشف ذلك رغم كل هذا التمويه الذي مارسته هذه الجريدة طوال السنين الماضية بنقدها الدائم للإخوان المسلمين!… وبما أن الأقنعة سقطت فسأكشف للمحلال العظيم حقيقة الزملاء في هذه الجريدة، فرئيس التحرير خالد الهلال هو صاحب فكرة تعديل المادة الثانية وإضافة "ألف ولام التعريف"، وناصر العتيبي سكرتير التحرير هو الداعي الأكبر لعدم الاختلاط خشية الانفلاط (معلش لزوم القافية) وسعود العنزي، مساعد مدير التحرير يعمل مساء في المبرة الخيرية التي تجمع النذور والكفارات، ومنها يتم تمويل الجريدة وصفحة توابل… والسر عندك بالأمان.
ممتع هذا المحلال، وأخشى أن يفاجئنا بكشف عضوية عبدالله النيباري في جمعية إحياء التراث، أو فضح ميول أحمد الديين القاعدية… وفوق كل ذي علم عليم.
ولا أجد طريقة أعبر بها عن إعجابي بتحليلات المحلال ومقالاته أفضل من طريقة "الرقاة الشرعيين"، وطريقة الأم وهي تنفث في وجه ابنها خشية الحسد… لله دره.
اللصوص يبتسمون أيضاً…
والجهل يهدم بيت العز والشرف، يقول الشاعر… وطيبة القلب الزائدة تسحبك من يدك الكريمة بلطف وتُدخلك في دائرة الجهل.
ويتحدث أحدنا في الديوانية عن فساد النائب فلان، فيحتجّ آخر: "اتق الله في نفسك، ما علمنا منه إلا الابتسامة في وجوهنا، ومشاركتنا أفراحنا وأتراحنا، ووقوفه معنا وقت الحاجة، فقد نقل زوجتي من مقر عملها المزعج إلى موقع أفضل، وقدّمَ اسمي مرشحاً لرئاسة القسم، عندما كان غيره مشغولاً في سن قوانين لا نعرف ماذا يراد بها…".
وبكل بلاهة الدنيا، يسلهم أحدهم عينيه في مكان آخر وهو يحدثك عن "طيبة قلب" المسؤول فلان، وتسأله: كيف عرفت؟ فيجيبك بانطلاقة: "يا أخي ابتسامته تسابق حضوره، ولين تعامله مع المواطنين، وقفشاته التي لا تتوقف، ووو"!
سامح الله الأفلام العربية التي خدعتنا وغررت بنا حتى ظننا أن رجل المباحث لن يكون رجل مباحث إلا إذا ارتدى "البالطو الطويل"، حتى في الصيف، ولن تكتمل صورته إلا إذا أمسك بصحيفة. وسامح الله الأفلام الهندية التي خدعتنا وصورت لنا أن كل المجرمين مصابون بجروح في خدودهم، وعيونهم حمراء فاقع لونها، بينما أهل الخير كلهم يجب أن يكونوا على درجة كبيرة من الوسامة، وإلا فلن يكونوا خيّرين، نرجو المعذرة.
والفاسدون في الكويت ليسوا فاسدين، بدليل أن أحداً منهم لا يحمل سكيناً في بنطلونه يخفيها قميصه، ولا أحد منهم يضحك بقهقهة وجلجلة كما يضحك أبولهب في المسلسلات الإسلامية "ها ها ها ها ها"، وبالطبع لا يمكن أن يسرقوا بدليل ابتساماتهم الرائعة ومشاركتهم الناس أفراحهم وأتراحهم.
وتتحدث الكتب عن عائلتين إفريقيتين تقاتلتا بضراوة، قبل قرون من الزمان، إحداهما تريد قتل الهولندي تاجر العبيد وسيد السخرة ثأراً لابنها، والثانية تدافع عنه بحجة اهتمامه بها، ثم إن مظهره لا يدل على أنه يعذب أبناء جلدتهم في هولندا كما يقال عنه، بل على العكس، يبدو أنه من أهل السماء، فملامحه ووسامته وأناقته ولطف تعامله الظاهر كلها تؤكد ملائكيته… والخلاصة، نجا الهولندي ومات الكثير من أبناء العائلتين.