محمد الوشيحي

أنا والجريدة وهواك…

بيني وبين هذه الجريدة حرب أهلية، حرب شوارع، تماماً كما يحدث هذه الأيام لبعض الزملاء المصريين وصحفهم التي يكتبون فيها آراءهم… وقد تمتد الحرب بيني وبين الجريدة وتتطور، وقد أقتحمُ مكاتب الجريدة بالمولوتوف، وقد تستخدم الجريدة القناصة من على أسطح المنازل فترتاح مني وتريح بعض قرائها، وقد أتصالح معها ونعقد اتفاقياتنا في "خيمة صفوان"، ونرسم الحدود بيننا.
للجريدة خط، ولي خط، ولها دينها، ولي دين، فلا هي مسؤولة عن تحديد وجهة سيري ولا أنا مسؤول عن تحديد فكرها ونهجها، وأعجبُ ممن يناقشني بغلظة في الديوانيات في خطها السياسي، أو يناقش إدارة الجريدة في خطي السياسي! هل كيف يا عربنا؟
وأعجب أكثر، ونحن في القرن الحادي والعشرين، ممن لا يفرقون بين صحيفة وفريق كرة قدم، ويرون أن كتّاب الرأي في الصحيفة يجب أن يرتدوا قميصاً موحداً يحمل شعار الجريدة، أو العكس.
سيداتي سادتي، الجريدة مثل الألبوم الغنائي للفنان، فيه الأغنية الطربية، والأغنية "النقازية"، وأغنية عن لوعة الهجران والفراق، وأغنية عن الوصال والخضوع للحبيب، وأغنية عن التحدي، ووو، وللقارئ حق اختيار ما يناسب ذوقه.
لا أنا ماشٍ على هواك ولا على هوى الجريدة، ولن تبحر الجريدة على هواك ولا على هواي، فلكل امرئ ما هوى وما نوى… اتفقنا؟ على بركة الله.
محمد الوشيحي

مقلّم بحدود…

"الكاذبون في الأرض"، كان هذا عنوان المقالة قبل أن أستبدله بالعنوان المرزوع أعلاه، والكاذبون في الأرض للأسف هم بعض الزملاء من أبناء الإعلام في الصحافة والتلفزيون والإذاعة.
ليس المطلوب منك ككاتب أو مذيع أو حتى مالك وسيلة إعلامية أن تكون مخلوقاً من خشب، لا تستقبل الكهرباء ولا ترسلها، ولا المطلوب منك أن تكون حيادياً لا تميل مع رأي معين، ولا أن تكون بلا لون ولا رائحة ولا نكهة، سادة… لا، لا تكن "سادة" يا سيد، بل لك أن ترتدي القمصان الملونة، ترتدي قميص الفريق الذي تفضله، أو الذي تُشكله، أو أي قميص مقلّم، وبالألوان التي تفضلها، لكن ليكن قميصك مقلماً بخطوط وحدود.
آنساتي سيداتي سادتي الإعلاميين العرب، أو بعض إعلاميينا العرب، أغرقتمونا بالكذب البراق اللماع، وخنقتمونا بالغباء وعدم احترام عقول الناس، ومازلت أضحك بكاءً وأنا أسترجع، على سبيل المثال، ما قاله أحد المذيعين العرب: "القبض على خيرت الشاطر (نائب مرشد الإخوان المسلمين في مصر) مختبئاً في بيته"! مختبئاً فين يا أستاذ؟ في بيته؟ يا سلام!… كان يمكن أن يقول: "القبض على خيرت الشاطر هانئاً في بيته بين أولاده وزوجته، بينما كوادر الإخوان المسلمين وشبان الجماعة يتلقون الغازات المسيلة للدموع والرصاص في الشوارع"، كنا سنتفهم ذلك، بل وقد نتأثر بذلك، أما حكاية "مختبئاً في بيته" فكفيلة بدفع الناس للتعاطف مع خيرت الشاطر نكاية في الإعلامي الكذاب الغبي.
والله يحفظ توفيق عكاشة، المذيع المصري، الذي تحاربه الولايات المتحدة (ما غيرها الأميركية)! ليش يا بو عكشة؟ لأنني كشفت مخططاتهم وفككت شفراتهم… معلش يا بو عكشة، أنت الكبير، كبّر دماغك ولا تضع رأسك برأس الأميركان.
وبمناسبة الحديث عن الأميركان، تذكرت كلام الكاتب الأميركي الذي قال قبل عقود، عند اختراع الفيديو، ما معناه: "أصبح موقف السياسيين الذين اعتادوا الكذب صعباً للغاية في وجود هذا الجهاز (يقصد الفيديو) الذي يوثق الحدث بالصوت والصورة فيتداوله الناس" ولا أدري كيف سيعلق صاحبنا الأميركي على كذب بعض الإعلاميين ووسائل إعلامهم في أيامنا هذه، وفي ظل انتشار كل وسائل الاتصال الحالية.
* * *
أقول قولي هذا وأستأذنكم وإدارة التحرير لقضاء إجازتي السنوية، على أن أعود إلى الكتابة بعد العيد إن كنت حياً… وكل عام وأنتم بخير.

محمد الوشيحي

اللعبة المميتة في مصر…

البشرية كلها، من باراك أوباما إلى سعود الورع، عيونها على ميدان التحرير وميدان رابعة العدوية، تقارن الأعداد بالأعداد والصيحات بالصيحات والثبات بالثبات، وتترقب قرار القوات المسلحة.
وأنا من هذه البشرية، وعندي شهود ثقات على ذلك، وكنت أزعم أنني سأموت قبل أن أؤيد الإخوان المسلمين، أو قبل أن أؤيد كل من ألبس السياسة جلابية دينية، لكنني وجدت نفسي مع بقاء مرسي على كرسي الرئاسة، ليش؟ لأن معارضيه لو نجحوا في خلعه، فلن تنتهي اللعبة المميتة عند هذه اللحظة، ولن يطلق الحكم صافرته، بل ستستمر إلى اللانهاية، فينجح البرادعي، فيتظاهر الإخوان والسلف وكل المتدينين احتجاجاً، فيسقط البرادعي، فينجح السلفي حسان، فيحتج الليبراليون فيسقط حسان، فينجح صباحي، فيتظاهر المتدينون، فيسقط صباحي، ووو… ثم ماذا؟
سأجيبك عن السؤال "ثم ماذا؟": سينصرف ذهن قيادات الجيش إلى ما يحدث في ميادين مصر على حساب حدود مصر، وعلى حساب خطط تطوير الجيش، وستتأثر الروح المعنوية لعساكر الجيش إذا ما أريقت دماء الناس في الشوارع والميادين، وسيجد لصوص المال العام الفرصة سانحة لعمل كل ما يخطر وما لا يخطر على البال، وسيتضاءل الأمن الداخلي في الشوارع والبيوت وسيتلاشى كدخان سيجارة، وسينهار الاقتصاد المصري، المرتبط طبعاً بالأمن الداخلي والخارجي، وستنهار البورصة، وسيسحب المستثمرون الأجانب الكبار أموالهم، وستنهار الأنشطة التجارية المتوسطة، وتزداد البطالة، وتنهار مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الأخرى، وتنشغل المستشفيات بمصابي المظاهرات على حساب المرضى الاعتياديين، وستتأثر الحركة الفنية سلباً، ووو… وسيسيطر البوم النعاق على الأجواء.
طيب ما الحل لو كنت مكان المعارضة وأنت ترى الإخوان المسلمين يعبثون بقواعد اللعبة الديمقراطية، ويكتبون على غلاف الدستور "أملاك خاصة"، بل و"يؤخونون مفاصل الدولة"، وغير ذلك من الألاعيب أو "الأعابيث"… ما الحل؟
الحل سهل جداً، دعوا الشرعية التي جاءت عبر الصناديق تحكم، لتبرهنوا على إيمانكم بالديمقراطية، ولا تخففوا قبضتكم الرقابية والإعلامية على تصرفات الإخوان المسلمين، كي لا يمددوا أرجلهم على الطاولة ويتصرفوا كالقياصرة، ورصوا صفوفكم لانتخابات مجلس الشعب، والانتخابات الرئاسية القادمة، واستغلوا فرصة ضعف التيار الديني وتدخل القوات المسلحة واضغطوا في اتجاه إقرار قوانين تحظر (تمنع قيام) الأحزاب الدينية، كي تؤسسوا نهجاً يفيد مصر المستقبل وأجيالها القادمة.

محمد الوشيحي

هذه لحيتي وهذا شنبي…

المؤزمون أعاقوا التنمية. المعارضة عطلت المشاريع. الإعلام المعارض المأجور ثبّط وحبّط والبلد تخبّط… ماشي يا سلطة، ماشي يا نواب السلطة وإعلامييها وطفيلياتها، تعالوا نعقد اتفاقاً، فنترك لكم الجمل بما حمل، ونعطيكم الخيط والمخيط، ونشغل أنفسنا بالسدو وقراءة الروايات، وهذه لحيتي وهذا شنبي إذا استطعتم تنفيذ خططكم، بل إذا استطعتم وضع خطط من الأساس، وسيبك من حكاية سنبني مدينة الحرير، وسنشيّد مفاعلاً نووياً بيضاوياً، لونه الخارجي سماوي والداخلي بيج، وسنلقن البرازيل دروساً في كرة القدم، وبقية التصريحات ثلاثية الأبعاد التي احتكرها الوزير الشيخ المبدع محمد العبدالله المبارك.
الوضع الإقليمي يشغلكم ويشوش تفكيركم؟ ماشي، سنقبّل رأس إيران وأنف العراق ونبوس يد أميركا كي تعيش المنطقة كلها في لحظات نوم… الوضع العالمي يشغلكم؟ نعدكم أن نتفاهم مع كل بؤر القلق، وأن نقنع إسرائيل بفائدة "اليوغا"، وأن نعزف للكوكب موسيقى هادئة… فقط تحركي يا سلطة وطبقي خططك وانفعي الناس.
وهذه لحيتي، وهذا شنبي، أن تنشب معارك داحس والغبراء أمام خزائن الدولة، وأن تختفي الخياش من السوق، وأن يجف ريق آبار النفط، وأن يتحول البلد إلى بحيرة أشباح، وأن تعمل القطط تحزيماً للمعدة لشدة الجوع، وأن نستقبل وفود "البوم النعّاق"، وأن تصفّر الرياح في هذا البلد، قبل أن نقرأ كلمة "النهاية".
سيداتي سادتي، لم يحصل غالبية الوزراء والقياديين على مناصبهم، إلا لأنهم يجيدون "هات وخذ"، فقط، ولم أرَ أكثر هبلاً من شعب يطلب من الظمآن ماءً. ابحثوا عن الماء بأنفسكم، أو موتوا عطشاً ولا تضيعوا وقت الكوكب وتصدعوا رأسه بضجيجكم.

محمد الوشيحي

السناجب والضفادع والبشوت…

متعة… أكتب هذه المقالة والكهرباء مقطوعة، والعبرة تخنقني، وأوراق المنديل كعب داير ما بين رقبتي وصدري ووجهي، والكويت جميلة، والعتبة قزاز، والحرارة 45 درجة سيليزية ملعونة، وإذا كان المصريون والشوام يفاخرون بـ"أدباء السجون" و"أدباء المهجر" فسنفاخر نحن بـ"أدباء انقطاع الكهرباء"… كلهم يكتب وهو يعاني.
ويأتيني اتصال من صديق صاحب مبدأ، وصاحب بقالة، وصاحب عاهة مستديمة في يده اليسرى: "أبا سلمان، بخصوص المحكمة الدستورية وموعد إجراء الانتخابات في العشر الأواسط من شهر رمضان و…" فأقاطعه: "قضيتي الآن مع الكهرباء في العشر الأواخر من شهر يونيو الجاري، وليرحم الله أمك التي حملتك وأنجبتك وأرضعتك إلى أن كبرتَ وهاتفتني تشتكي العشر الأواسط من رمضان… تدبر عشرك وسأتدبر عشري، ولا يطغين أحدنا على عشر الآخر".
وأتخيل لو أن الكهرباء تنقطع في ألمانيا بشكل متكرر، كما يحدث عندنا، وأتخيل ردة فعل الألمان، المتجهمين الجادين بطبيعتهم، يميناً بالله كان الوزراء الألمان سيتمنون لو أن الله خلقهم ضفادع في بحيرة آسنة، أو سناجب في غابة محترقة، ولو أن ما يحدث للكهرباء عندنا يحدث لكهرباء النرويج، عليَّ اليمين كان الشعب سيسحب وزراءه من ياقاتهم إلى السجون.
ويقول بعض المتخمين هنا: "لا تطلبوا من حكومتنا أن تنافس الحكومات الاسكندنافية في الكفاءة قبل أن تطلبوا من الشعب أن ينافس الشعوب الاسكندنافية في الثقافة واحترام القوانين"، وله أقول: "لماذا توقفت قبل أن تضيف جملة (وننافس الشعوب الاسكندنافية في الغضب الذي يقتلع الجذور عندما يرون نقطة فساد؟)".
ولو كنت مكان الوزراء في حكومتنا لما رفعت رأسي عن سجدة شكر لله على هذا الشعب الذي نمرمطه، ونقطع الكهرباء عنه في حرارة بركانية، ثم نتمشى ببشوتنا بزهو ابن لقمان، فيسكت عنا ويلقي اللوم على خصومنا.

محمد الوشيحي

آخ يا سارتر…

كل الكواكب تدور بعكس عقارب الساعة، إلا كوكب الزهرة والكويتيين. وتتسابق الشعوب مع الزمن، فتسبقه ويسبقها، وتجري الشعوب باتجاه المستقبل، ويجري الكويتيون، أو بعضهم، باتجاه الماضي.
وكنا قاب قوسين، أو يومين، من إسقاط "الفرعيات" و"فتاوى المشايخ" في الانتخابات، وفجأة وجدنا أنفسنا نعود إلى نقطة ما قبل البداية، وننتظر أوامر القبيلة، أو مرجع الطائفة، لنقرر هل سنخوض الانتخابات أم نقاطع.
هؤلاء هم الكويتيون، شعب يبحث عن الأصالة، وسيعود بإذن الله قريباً إلى ما كان عليه آباؤه وأجداده، فيمسح الديمقراطية من قاموسه، ويعتمد على "أهل الحل والربط"، ليربطوه ويحلّوه، كيفما شاؤوا وقتما شاؤوا أينما شاؤوا، ولا حساب لمشيئته هو، ولا قراره، وسيلغي هذا الشعب الأصيل دور الشرطة والمباحث والبصمات والقضاء والشهود ووو، ويعتمد في أخذ حقوقه على "مجالس عرب"، ويُسقط التكنولوجيا والصناعات من حساباته، ويعود إلى الجمل وما حمل، ويغلق محطات تحلية المياه ويعود إلى البئر، والاقتتال حول البئر، ومن هو الأقوى الذي ستشرب ناقته أولاً.
ونعود أكثر وأكثر، بحثاً عن الأصالة، فمن لا تاريخ له لا مستقبل له، كذلك يقول الأديب الفرنسي سارتر، وسارتر هو الذي قال في معرض رفضه احتلال فرنسا للدول العربية، الجزائر تحديداً: "ليس من النبل ولا من الفروسية أن تقوم فرنسا والدول القوية، مستغلة تطورها وتقدمها العسكري والاقتصادي، باحتلال أراضي شعوب متخلفة، ما زالت تعيش في الماضي"، ويضع الحل: "الأولى أن نأخذ بيد هذه الشعوب إلى المستقبل"، فغضب الفرنسيون المتعصبون منه، وهاجموا بيته، فهرب، فأحرقوا البيت بما فيه من كتب ومؤلفات على وشك الاكتمال، وقصفوه فهدّوا أركانه، وتنقّل هارباً من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، حاملاً مبدأه في يده: "خذوا بيد الشعوب المتخلفة إلى المستقبل".
وآه يا سارتر، ليتك ترى الكويتيين، وترى سلطتهم التي دفعت وتدفع بهم دفعاً مبيناً إلى القبلية والطائفية والفئوية والهمجية، وتلغي دور الفرد، وتعتبره بلا عقل ولا قرار، تسحبه السلطات الرسمية، وتسلمه إلى القبيلة أو الطائفة لتتولى توجيهه.
ولا فرق بين الكويتيين اليوم والأفارقة السود في أوروبا قبل قرون، كلهم لا يملك قراره، وكلهم يتم توفير الغذاء له ليقوم بما يأمره به أسياده، وهذه هي التنمية البشرية في نظر السلطات الكويتية.

محمد الوشيحي

البقر لم يعد متشابهاً…

أدي دقني… سيُبطل البرلمان المقبل لخطأ إجرائي، بعد أن أصبح لا فرق بين الخطأ الإجرائي ومرض "العنقز"، كلاهما معدٍ.
وأنا لست قانونياً، ولن أكون، وما زلت لا أرى فرقاً بين مصطلحي "الجزائي" و"الجنائي" إلا بالتقوى، وسأموت قبل أن أعرف الفرق بينهما، ومع ذا حككت رأسي إلى أن خرقته ووصلت إلى كبدي وأنا أقرأ تبريرات المحكمة الدستورية لقبولها مرسوم الصوت الواحد، خصوصاً الجزئية التي تتحدث عن اعتماد الصوت الواحد في الديمقراطيات العالمية! يميناً بالله لم يسبق لي أن فغرت فمي كما فغرته وأنا أقرأ تلك الجزئية. ويبدو أنني أحد الذين يحتاجون إلى شرح مطول في هذه الجزئية الغامضة.
على أية حال، المثل يقول "حكيٍ في الفايت نقصانٍ في العقل"، لذلك سأترك "الفايت" وأتكلم عن القادم، وأنصح بأن تكون قوانيننا في المستقبل محبوكة ومحكوكة، جدرانها لا تُخترق، واضحة لا يختلط فيها اللبن بالمرق، فالسلطة التنفيذية عندنا كذوبة لعوبة (كتبت "عوبة" ومسحتها حتى لا يرتفع عدد قضاياي)، تمد يدها على مال اليتيم، وتسطو على حقوق الشعب ونوابه التي أقرها الدستور.
وسيتغير هذا الدستور، إن عاجلاً أو آجلاً، وأنصح من يتصدى لصياغة الدستور الجديد أن تكون مواده مفصلة تفصيلاً مملاً، لا ثقب فيها يسمح بدخول إبرة، فتكتب المادة المعنية بقانون الانتخاب هكذا: "لا يتم تعديل قانون الانتخاب إلا عن طريق نواب مجلس الأمة الذين تم انتخابهم، نكرر: تم انتخابهم، (تُكتب بهذه الصيغة)، والمقصود بـ"تم انتخابهم" هو أن يكونوا قد حصلوا على ثقة الناخبين في آخر انتخابات وأصبحوا أعضاء في مجلس الأمة، ولا يجوز لأي سلطة أخرى أن تقترب من هذا القانون، سواء أثناء وجود مجلس الأمة أو ما بين أدوار الانعقاد أو ما بين الفصول التشريعية (تلغى جملة "أثناء الحل" لأن الدستور الجديد لا يسمح بحل مجلس الأمة إطلاقاً) أو تحت أي مبرر كان أو أي ظرف كان".
وتنص المادة التي تلي المادة السابقة، في الدستور الجديد، على أنه "يجب التركيز على المادة السابقة جيداً"، ثم تنص المادة التي تليهما على: "أظن أن المادة واضحة، والكلام عربي، لا تقولون ما قلنا لكم، سوالف ما لون البقرة؟ إن البقر تشابه علينا، اتركوها عنكم، فلا يحق لأحد تغيير أو تعديل قانون الانتخابات باستثناء أعضاء مجلس الأمة". هكذا تنص المادة.
هذه بعض المواد المقترحة للدستور الجديد، وطريقة صياغتها، وأخشى أن تجد السلطة ثغرة تتسلل من خلالها، وتلعب في حسبتنا، ويا الله ما لنا غيرك يا الله.

محمد الوشيحي

والله ونزلنا النورماندي…

زحمة مواضيع في وقت واحد، الكتف بالكتف والمكان ضيق، ولا تدري أيها أهم، وأيها أكثر جلباً للهم… موضوع انتخابات الرئاسة الإيرانية (إيران في الخريطة الجديدة تشمل العراق ولبنان وسورية إضافة إلى إيران القديمة)، وانتخابات إيران "وراثية"، في ذرية حملة نهج الخميني، وهي تقام بين من يؤمن بأن المئة فلس تساوي "خمسين وخمسين"، وبين من يؤمن بأنها تساوي "خمس عشرينات"، وثالث يؤمن بأنها تساوي "عشر عشرات"، وعلى بطنها تنوّر وعلى ظهرها تنوّر… إذا استثنينا المرشح "روحاني" الذي يؤمن بأن المئة فلس عملة كويتية، تعني الكويت وأهلها، أو هي بحرينية تعني البحرين وأهلها، ولا علاقة لإيران بهذه ولا تلك.
عموماً هي انتخابات "للنبلاء"، لا تعني البسطاء في إيران بقدر ما تعني البسطاء في البحرين ولبنان.
الموضوع الثاني هو "السماح بنقل الأرقام بين شركات الاتصالات"، وهو موضوع يعادل عند الكويت "إنزال النورماندي"، بل أعظم، وأعظم أيضاً من الهبوط على القمر عند الأميركان، وأعظم من فتح القسطنطينية، ومن اختراع البنسلين، "يخسي البنسلين"، ويكفي أن حكومتنا هزمت بعض التجار، مارشات عسكرية وقرآن، وكانت المعركة بينهما سجالاً، واستغرقت نحو عشر سنوات، وقيل بل أكثر. والحديث في هذا الموضوع أطول من ليل الشتاء وأبرد.
الموضوع الثالث هو حكم المحكمة الدستورية اليوم بخصوص الصوت الواحد، وهذا الموضوع والموضوع الذي سبقه (نقل الأرقام) هما من صنيعتنا نحن الشعب، وما كانا ليصبحا مهمين لولا خبثنا، نحن الشعب، وسوء مقاصدنا، أيضاً نحن الشعب، وفسادنا، أيضاً نحن الشعب، وأنا وأنت والعروس وأم العروس.
وصحيح أن الدستور نصّ على أن الشعب مصدر السلطات جميعاً، لكن الدستور كان يتحدث عن الشأن المحلي، والمواضيع الثلاثة المذكورة أعلاه ليست شأناً محلياً، لذلك لا دخل لنا فيها… وانتو شلونكم؟

محمد الوشيحي

أمن الدولة… خيط دخان

الدنيا مصطلحات وتسميات، وحدهم الهنود الحمر استبدلوا التسميات بالصفات، فيكبر المولود ويعيش بلا اسم إلى أن يجدوا له صفة تناسبه؛ "ذو المنخار الخنزيري"، و"ذات العروق النافرة" و"الثور الجالس"، و"ذات الصهيل"، وهكذا…
وجهاز أمن الدولة كنت أظن أنه يختص بـ"أمن الدولة"، وبحثت عنه وعن دوره في قضايا أمن الدولة، كما أفهمها، فلم أجده… بحثت عنه في قضايا تأخر المشاريع الحيوية في الدولة، وتأثير ذلك على نفسيات الشعب، فلم أجده، وبحثت عنه في قضية انتشار الرشاوى بهذه الصورة في البلد، فلم أجده، وبحثت عنه في موضوع التوتر الطائفي الداخلي، فلم أجده، وبحثت عنه في موضوع اختفاء أموال الشعب، بطريقة "فص الملح"، فلم أجده، وفتشت عنه في قضايا وقضايا، ولم أجد آثار أقدامه ولا بصمات أصابعه، ولا حتى بقايا سجائره وعصائره… وفتشت عنه في كل مكان، وسألت عنه موج البحر وفيروز الشطآن، و.. جُبتُ بحاراً وبحارا، وفاضت دموعي أنهارا، وكبر حزني حتى أصبح أشجاراً أشجارا، ولم أجد إلا خيط دخان.
والحقيقة أنني وجدته في الجهة الأخرى، وسمعت صوته هادراً في قضايا شبان الحراك الغاضبين من فساد السلطة، ورأيت يده قوية باطشة في مواضيع المسيرات والخطابات السياسية الغاضبة، وما شابه… وباستثناء "شبكة التجسس الإيرانية" – هذه أيضاً أظن أن فضل اكتشافها يعود إلى جهاز استخبارات الجيش – لا أعتقد أن اسم الجهاز يتناسب مع عمله.
ولو لم يولد الجهاز حاملاً اسمه "جهاز أمن الدولة"، لفعل الناس هنا كما فعل الهنود الحمر، ولأطلقوا عليه صفة تناسبه؛ "جهاز ناس وناس"، أو "جهاز ما له شغل"، أو "جهاز لا حبتك عيني"… الأكيد أن تسميته تحتاج إلى إعادة نظر.

محمد الوشيحي

المزدوج الأكبر… رسَت فدقّ لها

عزاؤنا لعشاقه المصريين ومريديه الكويتيين ومحبيه العرب قبل أن نعزي أسرته الصغيرة، وما أكثر عشاقه ومريديه ومحبيه، وما أكثر من احتضنهم ورعاهم وسقى نبتهم وأعطاهم من شمسه إلى أن ضربت جذورهم في باطن الأرض، وأزهروا وطرحوا ثمارهم… وأشهر من تبناهم كان "الفاجومي" الشاعر أحمد فؤاد نجم وصديقه المغني الشيخ إمام، ولن أكشف سراً إن قلت إنه هو من تكفل بهما مادياً، وغطى ظهريهما ليتفرغا للإبداع، وكان نافذتهما إلى المجتمع، بعد أن كانا محارَبين وممنوعَين من الظهور في وسائل الإعلام، إذ حوّل شقته في مصر إلى نادٍ أدبي يجتمع فيه مثقفو مصر والكويت على قصائد وألحان الفاجومي وإمام.
ارتحل صاحب أشهر عمود ساخر في الكويت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأكثر الكتّاب تأثيراً آنذاك، على أنه بخلاف من أطغتهم الشهرة فانتفخوا غروراً، كان وهو في عز شهرته يتبنى المبدعين الشبان ويرعاهم ويقدمهم إلى الفضاء، ومنهم الزميل حسين العتيبي مستشار رئيس تحرير هذه الجريدة، ومطلق مساعد العجمي، وعبد الله المحيلان، وآخرون كثر.
ما كان يخشى من أن يحظوا بنصيب من الشهرة والأضواء فينافسوه، ولا كان يخشى أن يجحده جاحد، ولا يمتلك مثل غيره دفاتر للربح والخسارة… كان يمشي في الحياة بمبدأ "مطرح ما ترسي دقّ لها" كما يقول المصريون.
قلبه منقسم بين الكويت ومصر. هو أكبر المزدوجين، عشقاً وولاءً، وأجملهم. هو الصعلوك الأبهى. هو عاشق مصر بأحواشها وأزقتها وحواريها وصالوناتها الأدبية وألحانها وفولكلورها. هو كاسر العادات والتقاليد التي لا تسمن. هو كاره الوحدة، إذ يستحيل أن تراه بمفرده، فإن زرته وجدته محاطاً بمريديه الشبان والشيبان، وإن زارك جاء وبصحبته ما لا يقل عن ثلاثة في أضعف الأحوال، ليبادرك بحماسته الطفولية: "هذا السمين الوسيم هو عم "عب فتاح" الفكهاني، وآخ لو تسمع صوته يا وشيحي، أحلى من فواكهه، وهذا عم هريدي حارس النادي، صاحب أجمل نفَس في الطبخ، وهذا د. يوسف أستاذ جامعي في النقد الأدبي"…
عاشق الحياة، الزميل الساخر سليمان الفهد، الذي كانت هذه الجريدة آخر محطات قلمه… ودع الحياة، ودع معشوقته، بعد أن رست سفينته فدقّ لها، وطوى شراعها، ولوح لنا بيده، وتوقفت دندناته وقفشاته، فأطرقنا حزناً وصمتاً وحباً وذكرى.