التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
إلى القولون طوالي…
كما قلت سابقاً: "حكوماتنا المتعاقبة متشابهة… الفرق في السيريال نمبر الملصق على ظهر الكرتون"، هي هي، وبعض الوزراء يتسلم حقيبة وزارة، فيبدّل أرقام الحقيبة ويشفطها شفطاً جماً، ويترك الوزارة بعد رحيله منطقة سياحية للبوم النعاق.
ومحمد العبدالله أحد أبناء الأسرة الحاكمة الفاعلين، ووزير لأكثر من وزارة، ومع ذا يشتكي البيروقراطية والدورة المستندية، ويكاد يبكي لتعطيل حال البلد! يقول ما قاله وهو ابن النظام، وابن الحكومات المتعاقبة، حتى قبل أن يتولى المناصب الوزارية.
ويثبت محمد العبدالله كلامه بالأدلة "تصليح الحمامات في المستشفيات يستغرق من شهرين إلى ثلاثة"، ويكاد يفتح فمه دهشة، ونكاد نموت نحن قهراً. ويشتكي العبدالله حفظه الله ورعاه ضيق ذات اليد، ويبين لنا أن وزارته، وزارة الصحة، تعتمد على المتبرعين والمحسنين، فنتخيل وزارته تجلس عند باب الجامع بعد صلاة الجمعة، والكرتون المفتوح في حضنها، وطفلها يجري ويلعب حولها.
ما علينا… أمر واحد يشغل ذهني: إذا كان كل هذا الفشل في إدارة الدولة في ظل وجود كل هذه الفوائض المليارية المتناثرة على الطاولة، فكيف سيكون حالنا لو كنا في بلد فقير؟
وكما قال السوداني بعد أن استوى مزاجه: "أنا متأكد أن القهوة ما تنزل للبطن أبداً، دي تروح للدماغ طوالي"، وأقول معه: "أنا متأكد أن تصريحات وزرائنا وتصرفاتهم ما تدخل العقل أبداً، دي تروح للقولون طوالي".
ما بعد النفط…
أموت ولا أموت…
أشقاؤنا السوريون وجيراننا الإيرانيون هددوا، بصريح العبارة وصحيح الإشارة، دول الخليج في حال تعرض بشار الأسد لضربة دولية… وأنا أموت وأعرف ما الذي دار في اجتماع حكومتنا حول "استعدادات الكويت لضرب سورية"، أموت وأعرف فحوى الحديث الذي دار بين الوزراء، وهل دار حديث فعلاً أم أن "الحر تكفيه الإشارة"؟
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الصحة عن استعدادات وزارته، وعن "مخزون الدم" في بنك الدم، وعن "العزل الكيميائي" في المستشفيات والملاجئ، وعن السعة الاستيعابية الاحتياطية للمستشفيات، وعن "الأطقم الطبية" من الأطباء والممرضين الموضوعين على لائحة الاستدعاء الفوري من الخارج في اللحظات الحرجة، وعن "الأدوية والمعقمات والمستلزمات الطبية" المحفوظة للاستخدام على وجه السرعة في مثل هذه الحالات…
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الداخلية عن أساليب تدريب الضباط وضباط الصف والأفراد على التعامل مع الناس في الأزمات والكوارث، وما هو نوع التدريب، وهل يعرف هؤلاء العساكر كيفية حماية الملاجئ والسيطرة عليها؟ أو هل يعرف هؤلاء العساكر من الأساس أماكن الملاجئ؟ وهل تحدث الوزراء مع زميلهم وزير المواصلات عن "خطة الربط الداخلي والخارجي" وعن الخطوط الساخنة، وعن استعدادات الطيران المدني، ووو…
أموت وأعرف هل أطلع وزير الدفاع زملاءه الوزراء على خطة تأمين المنشآت النفطية ومحطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء ببطاريات الصواريخ، وأماكن توزيع هذه البطاريات، ووو… وهل أطلع وزير التربية زملاءه على خطة تحويل المدارس إلى ملاجئ، وأماكن تخزين وتوزيع احتياجات الملاجئ، وهل تم تدريب التلاميذ الصغار على مثل هذه الأوضاع، وعن خطة التنسيق مع وزارتي الداخلية والصحة، ووو…
أموت وأعرف نوع الحوار الذي دار على حل شعره بين الوزراء أثناء حديثهم عن الاستعدادات للطوارئ والأزمات والكوارث، وإذا كان النائب رياض العدساني يقول: "الحكومة غير جاهزة"، فأنا أقول: "الحكومة غير جاهزة وغير جادة وغير قادرة أساساً على إدارة البلد في مثل تلك الظروف القاسية"، واسألوا الناس عن الكهرباء، لا في حالة السلم فقط، بل في حالة الرفاه والفوائض المالية.
الجميل في الموضوع أن الناس تعرف أن الحكومة غير صادقة في جاهزيتها، والحكومة تعلم أن الناس يعلمون أنها غير صادقة، ومفيش مشاكل.
الأمر الوحيد الذي لست على استعداد للموت في سبيل معرفته، هو: كيف سيتم صرف الأربعمئة مليون دينار التي خصصت للأزمة، فهذه نعرفها كلنا ونحفظها ونسمّعها عن ظهر غيب.
وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (٣ / الأخيرة)
استكمالاً للمقالتين السابقتين عن العلامات التي سأضعها على ظهور وعاظ السلاطين، المتاجرين بالدين، ليسهل كشفهم وتعريتهم ونبذهم…
– من أبرز علاماتهم رضى الحكام الظالمين عنهم، ومنحهم المناصب الدينية الحساسة، واستدعاؤهم للمناسبات التي يحضرها السلاطين، وتخصيص المقاعد الأمامية لهم، في حين يتجاهل السلاطين علماء الدين الأحرار الزهاد، ويحاربونهم، وقد يسجنونهم ويعزرونهم.
– يتبادل وعاظ السلاطين مع سلاطينهم الظالمين "معاهدات الحماية"؛ أنت تغطيني بالدرع الدينية، وأنا أغطيك بالقوة العسكرية والقوانين والقضاء وأسخّر مؤسسات الدولة لخدمتك وحمايتك وتنفيعك.
– وعاظ السلاطين هم الذين يدربون تلاميذهم على الرد على منتقديهم بـ: "لحوم العلماء مسمومة"، وكأن لحوم بقية البشر مدهونة بالزيت والليمون، جاهزة للتقطيع والأكل، كما يُفهم ضمناً.
– وعاظ السلاطين يتدخلون في العلوم الدنيوية الحديثة بكل ثقة وبجاحة، فبقدرة قادر، ومن دون أي دراسة، ففي الفيزياء، هم علماء ومكتشفون، يخسي أجدعها فيزيائي في العالم ينافسهم، وفي الكيمياء يميزون بين الغازات باللمس، وبين السوائل بالعض بالأسنان المجردة، وفي كرة القدم يدربون ميسي ورونالدو، وفي الفلك يتفضلون على "ناسا" بالدروس الخصوصية، وفي الجيولوجيا وعلوم التربة تتقزم أمامهم شركات التنقيب عن النفط، وفي الاقتصاد تتضاءل أمامهم قيادات البنك الفدرالي الأميركي… يا عمي عن ماذا تتحدث؟ أنت أمام مكتبات ومختبرات على هيئة بشر، ويا ويلك ويا سواد ليلك، إن احتججت على معلومة لهم أو فكرة حتى لو كانت في مجال تخصصك أو في الشأن العام، فأنت "تهرف بما لا تعرف"، من أنت قياساً بوعاظ السلاطين العارفين الهارفين؟ احترم نفسك واخرس.
– وعاظ السلاطين لابد أن يذكّروك بـ"الأمن والأمان"، ثم يتركوك تفهم وحدك من دون أن يقولوا لك صراحة الجملة التي تليها "إذا اعترضت على قرارات السلطان الظالمة فلا أمن لك ولا أمان"، وهم يعرفون قبل غيرهم أنك لا تأمن على مالك ولا على أرضك من السلطان أو أبنائه، ولا تأمن على حياتك إن أنت عبرت عن رأيك بصراحة، أو حتى بتلميح.
يا صاحبي… العلامات التي تكشف وعاظ السلاطين كثيرة جداً، سقت لك بعضها، وبالتأكيد هناك غيرها، فركز وقارن ولا تنطلِ عليك حيلهم، حتى لو تبوأوا أعلى المناصب الدينية، أو رُزقوا عذوبةَ صوت وطلاقة حديث، أو حُسن مظهر. فقط ركز وحرك عقلك.
وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (٢)
وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (١)
لستُ شيخ دين كي أفسر الآيات والأحاديث، لكنني مسلم يعلم يقيناً، ويجزم جزماً راسخاً، أن الإسلام ليس دين مهانة، ولا ذلة، ولا توسل، ولا يقبل أن يعتدي الحكام وأقرباؤهم على أموال الناس، ثم يؤمر الناس أن يسكتوا ويصبروا، ولا يرضى دينُنا أن يصطف الفقراء في طوابير، وفي يد كل منهم "عريضة" يستجدي بها الحكام وأبناءهم وأقرباءهم، على مرأى ومسمع من شعوب الأرض عبر الفضائيات، ليبصق كل من يشاهد هذا المنظر على الأرض ازدراءً.
يحدث هذا بمساعدة وعاظ السلاطين، الذين يُستخدمون لتركيع الناس، وإذلالهم، ويحضُّونهم على قبول الظلم والسكوت عنه، ويفسرون الدين بما يخدم أهواء السلاطين، وبما يذل المسلمين. لكن الناس بدأوا، شيئاً فشيئاً، يكتشفون هؤلاء الوعاظ المشعوذين… وهنا سأضع علامات محددة على ظهور وعاظ السلاطين كي يسهل اكتشافهم بسرعة أكبر:
– وعاظ السلاطين هم الذين يركّزون على آية قرآنية وحديث نبوي بما يخدم الحكام الظالمين ويرخي لهم حبال البطش والجور، ويمعن في استضعاف الشعوب المسلمة، أما الآية فـ"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وهي آية فسرها المرحوم الشعراوي بطريقة تُغضب الحكام ووعاظهم، فـ"اتهموه" بالتصوف، وفسّروا الآية بطريقة تمنح الحاكم وكالة عامة للبطش والظلم ونهب الأموال ووو…، خصوصاً إن أضفنا إليها الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان "… تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع"…
– يتغاضى وعاظ السلاطين عن كل آية أو حديث يدعو إلى العزة، ويحض على رفض ظلم الحكام، ويمتدح شجاعة رافض الجور، ويرفع فعله إلى أعلى مراتب الجهاد، كالحديث: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر".
– يسارع وعاظ السلاطين إلى التشكيك في عقائد كل شيخ دين يُنكر على الحكام ظلمهم وبطشهم، ويطالب بإقامة العدل بين الناس! والتهم جاهزة، وليس عليهم إلا اختيار إحداها "متصوف، خارجي، متحزب (هذه دائماً يطلقونها على سلمان العودة وكل مَن يرون أنه من الإخوان المسلمين)، مرجف، مبتدع، ضال مضل، ووو…".
– يتجاهل وعاظ السلاطين الحديث عن القيم الأساسية، كالعدل، وحرمة اعتداء القوي على الضعيف، وحرمة الاعتداء على المال العام الذي هو سرقة تستوجب الحد الشرعي، وغير ذلك من القيم الرئيسية، ويسلطون الأضواء على شكليات، مثل قيادة المرأة للسيارة، وظيفة المرأة، الاختلاط، ووو… بعيداً عن آرائهم وآرائنا في مثل هذه الأمور، إلا أنها أصغر بكثير من القيم الأساسية، وأولها العدل، وليس آخرها حرمة دماء المسلمين وكراماتهم.
وللمقالة بقية، بل بقايا…
الكويتيون وكوكب الأرض و«تويتر»…
ضجيج المغردين الكويتيين في “تويتر” مثل ضجيج صغار السماسرة في البورصة الأميركية، أولئك الذين يرتدون قمصاناً زرقاء، ويؤشر كل منهم بأصابعه ويديه بانفعال شديد لطلب الشراء أو البيع، ومن حولهم أوراق متناثرة في القاعة، وفوضى تهز الأركان. بيد أن السماسرة يحصلون على نِسبٍ من الصفقات التجارية، في حين يحصل المغردون الكويتيون على سبٍّ وشتيمة من الصفقات السياسية، أو الطائفية.
تابعت ما يكتبه المغردون السوريون، والمصريون، والسعوديون، والقطريون، والتونسيون، وغيرهم من شعوب الأرض، والعرب خاصة، فوجدت السوريين منهمكين في شأنهم السوري، يتبادلون الشتائم والصور والحجج، لا أحد منهم يعلق ولو بالخطأ عما يحدث خارج سورية، وألفيت المصريين لا يخرجون خارج حدود شأنهم المحلي، وكأن التعليق على أحداث الشعوب الأخرى يتطلب الحصول على “فيزا” من شركة تويتر! تجدهم إذا تحدثوا عن أميركا، فمن زاوية علاقتها بمصر وتيارات مصر السياسية، وإن تحدثوا عن دول الخليج، فمن الزاوية ذاتها، وهكذا…
وحدهم السعوديون منشغلون مثلنا بأحداث كوكب الأرض، لكن تغريداتهم غالباً تدخل من باب “حكم الشرع في…”.
صدقاً، الأمر يحتاج إلى محللين نفسيين يشرحون لنا سبب هذا الاهتمام الشعبي الكويتي بأحداث الأرض، رغم أن حكومتهم لا تهتم أبداً بما هو خارج حدودها، ولا حتى داخل حدودها. بخلاف القطريين وحكومتهم المشغولة باستقرار لبنان أكثر من بعض اللبنانيين، وباستقرار مصر وديمقراطيتها أكثر من بعض المصريين أنفسهم. ولا أدري هل يشتغل برنامج تويتر في سلطنة عمان أم لا، الأكيد أنني لم أسمع لهم صوتاً فيه، وقد يكون السبب ضجيج الكويتيين.
“تويتر” هو المرآة العاكسة للشعوب وثقافاتها وحرياتها وإنسانيتها، والاهتمام بتحليل ما تكتبه الشعوب فيه مهم جداً، كما أرى.
سليمان الفليّح… لا حزن عليك ولا بكاء
هكذا قالت المضيفة…
هذا هو الوقت الأنسب للسرقة في الكويت وفي غيرها من البلدان العربية، فليس أفضل من الدم غطاءً، ولا أفضل من هذه الأحداث العربية الهوليوودية ساتراً، بدءاً من فض الاعتصامات وقتل المتظاهرين، ومروراً بكيماوي بشار وتساقط كل هذه الجموع خنقاً، وليس انتهاء بإخلاء سبيل حسني مبارك.
طبعاً إذا عرفنا أن الكويت، على سبيل المثال، "تطفح" بالأموال الزائدة، وهي بالتأكيد لن تذهب لتطوير الخدمات الصحية ولا التعليم ولا بقية الهرج الفاضي، هي ستذهب في اتجاهين متشابهين، أحدهما خارجي والآخر داخلي، أما الخارجي فسيذهب كتبرعات للأشقاء والأصدقاء، وأما الداخلي فسيذهب لإرضاء خواطر وشراء ولاءات، وعلى الشعوب أن تأكل من التراب بعد خلطه بقليل من الماء المقطر.
وأفهم أن تتبرع دولة الإمارات للدول العربية بسخاء، مع اختلافي مع سياستها الخارجية، وأفهم كذلك تبرعات قطر هنا وهناك، فكلتا الدولتين ملأت ثلاجتها بما لذ وطاب، ودلّعت شعبها وبحبحته (من بحبوحة) قبل أن تلتفت إلى الخارج.
ويكفي الحكومة القطرية أنها جعلت مواطنها الأول عالمياً في قائمة الأعلى دخلاً، بخلاف بُنيتها التحتية المتسارعة، ومستقبلها باستضافة بطولة كأس العالم، في حين ينام المرضى الكويتيون في ممرات المستشفيات الحكومية، على أسرّة متهالكة، تتدلى منها الأسلاك! ويتعاطف المحسنون فيتبرعون لتوسعة هذا الجناح أو توفير ذلك الجهاز الطبي.
لذلك أقول للسلطة هنا: "حتى في تعليمات السلامة قبل إقلاع الطائرة، تنبّهنا المضيفة إلى أنه في حال تطلّب الموقف ارتداء الكمام، يجب أن يرتديه الكبار قبل أن يساعدوا أبناءهم على ارتدائه"، والكويتيون يمدّون كماماتهم إلى الآخرين ولا يجدون الكمام.