محمد الوشيحي

مخيم كيفان…

هولندا الشقيقة تعاني الأمرين وأكثر. فقبل سنوات تلقت بلدية إحدى مدنها رسالة غاضبة من مواطنة تحتج على عدم وجود أو عدم كفاية دورات المياه الخاصة بالمعاقين في بعض المطاعم، فجاء رد السلطات: "نعتذر، وستتم معالجة الخطأ"، وتم ذلك في عجالة.
وفي الكويت الثرية الشقية (سقط حرف القاف عمداً وقرفاً) يطرح رئيس البرلمان استفتاء عن أولويات المواطنين، فتظهر النتائج، على ذمة الراوي، والراوي هو رئيس البرلمان، كالتالي: الإسكان فالصحة فالتعليم!
والبعيد عن الكويت يتوقع أن الطفل المولود، بمجرد انتهائه من صرخة الولادة، يتسلم أوراق منزله، ويظن (البعيد عن الكويت) أن "مايو كلينيك" الموجودة في ولاية مينيسوتا هي الفرع، بينما المبنى الرئيسي موجود في ولاية المنقف خلف المضخة…
البعيد عن الكويت لو قلت له إن المرضى يتلقون العلاج في ممرات المستشفيات لعدم وجود أسرّة تكفي، لصفعك بظهر يده ومشى وتركك تفرك مكان الصفعة… البعيد عن الكويت لو قرأ مناهج التعليم لظن أنها مناهج الصومال أو تنزانيا.
البعيد عن الكويت، يتوهم أن حكومة الكويت انتهت من حل كل المشاكل، وجلست تستمع وتستمتع بأغاني صابر الرباعي، بعد أن زرعت كل الطرق، وشقت الجداول وأنشأت البحيرات الصناعية، وأقامت عليها المتنزهات، لكن الكويتيين اختلفوا على لون الورود، وعلى لون المظلة التي تظلل الكويت صيفاً، وعلى تصميمها.
ونقول للمتفائل البعيد عن الكويت: "خليك بعيد خليك بلاش تقرّب"، بلاش تقرّب وتكتشف أن جامعة الكويت اليتيمة لا مواقف فيها للسيارات، وقاعات المحاضرات فيها لا تختلف كثيراً عن مخيم اليرموك، والمبنى الرئيسي لوزارة الداخلية يغبط مكب النفايات في لندن على نظافته، ومطارها الوحيد يسبب القرف للكلاب الضالة، ويا ليل يا عين. 
محمد الوشيحي

إلى القولون طوالي…

كما قلت سابقاً: "حكوماتنا المتعاقبة متشابهة… الفرق في السيريال نمبر الملصق على ظهر الكرتون"، هي هي، وبعض الوزراء يتسلم حقيبة وزارة، فيبدّل أرقام الحقيبة ويشفطها شفطاً جماً، ويترك الوزارة بعد رحيله منطقة سياحية للبوم النعاق.
ومحمد العبدالله أحد أبناء الأسرة الحاكمة الفاعلين، ووزير لأكثر من وزارة، ومع ذا يشتكي البيروقراطية والدورة المستندية، ويكاد يبكي لتعطيل حال البلد! يقول ما قاله وهو ابن النظام، وابن الحكومات المتعاقبة، حتى قبل أن يتولى المناصب الوزارية.
ويثبت محمد العبدالله كلامه بالأدلة "تصليح الحمامات في المستشفيات يستغرق من شهرين إلى ثلاثة"، ويكاد يفتح فمه دهشة، ونكاد نموت نحن قهراً. ويشتكي العبدالله حفظه الله ورعاه ضيق ذات اليد، ويبين لنا أن وزارته، وزارة الصحة، تعتمد على المتبرعين والمحسنين، فنتخيل وزارته تجلس عند باب الجامع بعد صلاة الجمعة، والكرتون المفتوح في حضنها، وطفلها يجري ويلعب حولها.
ما علينا… أمر واحد يشغل ذهني: إذا كان كل هذا الفشل في إدارة الدولة في ظل وجود كل هذه الفوائض المليارية المتناثرة على الطاولة، فكيف سيكون حالنا لو كنا في بلد فقير؟
وكما قال السوداني بعد أن استوى مزاجه: "أنا متأكد أن القهوة ما تنزل للبطن أبداً، دي تروح للدماغ طوالي"، وأقول معه: "أنا متأكد أن تصريحات وزرائنا وتصرفاتهم ما تدخل العقل أبداً، دي تروح للقولون طوالي".

محمد الوشيحي

ما بعد النفط…

قناة الجزيرة تمشي وتبث الرعب في قلوبنا، أو هكذا تتخيل، بطرحها السؤال القاتم الداكن: "كيف ستكون حال دول الخليج بعد نضوب النفط أو بعد العثور على طاقات بديلة؟"، ونحن، عرب الخليج، لا نلتفت إلى مثل هذه التفاهات وهذه المخاوف.
مم نخاف؟ أمامنا خيار من اثنين، إما أن نعود إلى ما كنا عليه قبل اكتشاف النفط، نتقاتل ليستحوذ بعضنا على أملاك بعض، أو أن ننتشر في أصقاع الأرض على هيئة عمالة سائبة رديئة… لا خيار ثالثاً أمامنا، بعد أن تولى أمورنا الفاسدون واللصوص والأغبياء، يساعدهم مشايخ دين وليبراليون وإعلاميون وتجار الثلاث ورقات، وسكتنا نحن خوفاً أو طمعاً.
عن نفسي، أتمنى الحل الأول، التقاتل على المال والماء والأملاك، لكن مشكلة كبيرة ستواجهنا، وهي خروج الأموال إلى الدول المتقدمة، فعلى ماذا نتقاتل؟ إذاً لا خيار أمامنا إلا الانتشار في أصقاع الأرض على شكل عمالة سائبة رديئة. (أقول رديئة لأن التعليم الرديء لا يُخرج كفاءات بالطبع).
ويا الله ما أجمل اللحظات التي ينتشر فيها أنصار السلطة من البسطاء الجهلاء في شوارع الدول المحترمة، يبيعون الفل، ويمسحون زجاج السيارات، ويهربون كلما رأوا شرطياً قادماً من هناك… ويا الله ما أحلى اللحظات التي أشاهد فيها أنصار وعاظ السلاطين جلوساً عند أبواب المساجد والجوامع، يحيط بهم أبناؤهم وبناتهم الصغار، والذباب يشكل غطاءً جوياً فوق رؤوسهم المنكسة، ويتمتمون "إنا كنا ظالمين".
صدقاً، وأقسم على ذلك، أتمنى أن أشاهد وجوه كل من كان يردد مقولة جدتي رحمها الله: "أمن وأمان… الله لا يغير علينا". وإذا كانت جدتي معذورة لأنها لم تحصل على الماجستير في علوم الإدارة، ولم تحصل على الابتدائية، ولا تقرأ ولا تكتب، فإن من كان يقرأ ويتابع ما تكتبه الصحف العالمية، وما تبثه القنوات الفضائية، ويطنش كل ذلك، ويستمر في الدفاع عن الفسدة واللصوص، يستحق أن يهيم على وجهه في الشوارع بحثاً عن خبزة حتى لو لم تكن مدهونة بالزيت، جزاء وفاقاً، بما كان يفعله ويقوله في حق المعارضة التي كانت تدافع عنه ضد الفاسدين.
اللهم أرنا هذا اليوم… قريباً.
محمد الوشيحي

أموت ولا أموت…

أشقاؤنا السوريون وجيراننا الإيرانيون هددوا، بصريح العبارة وصحيح الإشارة، دول الخليج في حال تعرض بشار الأسد لضربة دولية… وأنا أموت وأعرف ما الذي دار في اجتماع حكومتنا حول "استعدادات الكويت لضرب سورية"، أموت وأعرف فحوى الحديث الذي دار بين الوزراء، وهل دار حديث فعلاً أم أن "الحر تكفيه الإشارة"؟
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الصحة عن استعدادات وزارته، وعن "مخزون الدم" في بنك الدم، وعن "العزل الكيميائي" في المستشفيات والملاجئ، وعن السعة الاستيعابية الاحتياطية للمستشفيات، وعن "الأطقم الطبية" من الأطباء والممرضين الموضوعين على لائحة الاستدعاء الفوري من الخارج في اللحظات الحرجة، وعن "الأدوية والمعقمات والمستلزمات الطبية" المحفوظة للاستخدام على وجه السرعة في مثل هذه الحالات…
أموت وأعرف هل ناقش الوزراء زميلهم وزير الداخلية عن أساليب تدريب الضباط وضباط الصف والأفراد على التعامل مع الناس في الأزمات والكوارث، وما هو نوع التدريب، وهل يعرف هؤلاء العساكر كيفية حماية الملاجئ والسيطرة عليها؟ أو هل يعرف هؤلاء العساكر من الأساس أماكن الملاجئ؟ وهل تحدث الوزراء مع زميلهم وزير المواصلات عن "خطة الربط الداخلي والخارجي" وعن الخطوط الساخنة، وعن استعدادات الطيران المدني، ووو…
أموت وأعرف هل أطلع وزير الدفاع زملاءه الوزراء على خطة تأمين المنشآت النفطية ومحطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء ببطاريات الصواريخ، وأماكن توزيع هذه البطاريات، ووو… وهل أطلع وزير التربية زملاءه على خطة تحويل المدارس إلى ملاجئ، وأماكن تخزين وتوزيع احتياجات الملاجئ، وهل تم تدريب التلاميذ الصغار على مثل هذه الأوضاع، وعن خطة التنسيق مع وزارتي الداخلية والصحة، ووو…
أموت وأعرف نوع الحوار الذي دار على حل شعره بين الوزراء أثناء حديثهم عن الاستعدادات للطوارئ والأزمات والكوارث، وإذا كان النائب رياض العدساني يقول: "الحكومة غير جاهزة"، فأنا أقول: "الحكومة غير جاهزة وغير جادة وغير قادرة أساساً على إدارة البلد في مثل تلك الظروف القاسية"، واسألوا الناس عن الكهرباء، لا في حالة السلم فقط، بل في حالة الرفاه والفوائض المالية.
الجميل في الموضوع أن الناس تعرف أن الحكومة غير صادقة في جاهزيتها، والحكومة تعلم أن الناس يعلمون أنها غير صادقة، ومفيش مشاكل.
الأمر الوحيد الذي لست على استعداد للموت في سبيل معرفته، هو: كيف سيتم صرف الأربعمئة مليون دينار التي خصصت للأزمة، فهذه نعرفها كلنا ونحفظها ونسمّعها عن ظهر غيب.

محمد الوشيحي

وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (٣ / الأخيرة)

استكمالاً للمقالتين السابقتين عن العلامات التي سأضعها على ظهور وعاظ السلاطين، المتاجرين بالدين، ليسهل كشفهم وتعريتهم ونبذهم…
– من أبرز علاماتهم رضى الحكام الظالمين عنهم، ومنحهم المناصب الدينية الحساسة، واستدعاؤهم للمناسبات التي يحضرها السلاطين، وتخصيص المقاعد الأمامية لهم، في حين يتجاهل السلاطين علماء الدين الأحرار الزهاد، ويحاربونهم، وقد يسجنونهم ويعزرونهم.
– يتبادل وعاظ السلاطين مع سلاطينهم الظالمين "معاهدات الحماية"؛ أنت تغطيني بالدرع الدينية، وأنا أغطيك بالقوة العسكرية والقوانين والقضاء وأسخّر مؤسسات الدولة لخدمتك وحمايتك وتنفيعك.
– وعاظ السلاطين هم الذين يدربون تلاميذهم على الرد على منتقديهم بـ: "لحوم العلماء مسمومة"، وكأن لحوم بقية البشر مدهونة بالزيت والليمون، جاهزة للتقطيع والأكل، كما يُفهم ضمناً.
– وعاظ السلاطين يتدخلون في العلوم الدنيوية الحديثة بكل ثقة وبجاحة، فبقدرة قادر، ومن دون أي دراسة، ففي الفيزياء، هم علماء ومكتشفون، يخسي أجدعها فيزيائي في العالم ينافسهم، وفي الكيمياء يميزون بين الغازات باللمس، وبين السوائل بالعض بالأسنان المجردة، وفي كرة القدم يدربون ميسي ورونالدو، وفي الفلك يتفضلون على "ناسا" بالدروس الخصوصية، وفي الجيولوجيا وعلوم التربة تتقزم أمامهم شركات التنقيب عن النفط، وفي الاقتصاد تتضاءل أمامهم قيادات البنك الفدرالي الأميركي… يا عمي عن ماذا تتحدث؟ أنت أمام مكتبات ومختبرات على هيئة بشر، ويا ويلك ويا سواد ليلك، إن احتججت على معلومة لهم أو فكرة حتى لو كانت في مجال تخصصك أو في الشأن العام، فأنت "تهرف بما لا تعرف"، من أنت قياساً بوعاظ السلاطين العارفين الهارفين؟ احترم نفسك واخرس.
– وعاظ السلاطين لابد أن يذكّروك بـ"الأمن والأمان"، ثم يتركوك تفهم وحدك من دون أن يقولوا لك صراحة الجملة التي تليها "إذا اعترضت على قرارات السلطان الظالمة فلا أمن لك ولا أمان"، وهم يعرفون قبل غيرهم أنك لا تأمن على مالك ولا على أرضك من السلطان أو أبنائه، ولا تأمن على حياتك إن أنت عبرت عن رأيك بصراحة، أو حتى بتلميح.
يا صاحبي… العلامات التي تكشف وعاظ السلاطين كثيرة جداً، سقت لك بعضها، وبالتأكيد هناك غيرها، فركز وقارن ولا تنطلِ عليك حيلهم، حتى لو تبوأوا أعلى المناصب الدينية، أو رُزقوا عذوبةَ صوت وطلاقة حديث، أو حُسن مظهر. فقط ركز وحرك عقلك.

محمد الوشيحي

وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (٢)

استكمالاً للمقالة السابقة التي قلت فيها إنني سأضع علامة أو علامات على ظهور وعاظ السلاطين ليسهل كشفهم، ها هي بعض العلامات…
– لو قتل الحاكم جزءاً من شعبه، أو قام بسجن مجاميع من رجال شعبه، وامتهن كرامات نسائهم، ويتّم أطفالهم، وفي الوقت نفسه جاءت مغنية إلى البلد الذي هم فيه، فإن وعاظ السلاطين سيتحدثون لياليَ طوالاً عن المغنية والفساد الذي ستجلبه، وسيتباكون على الفضيلة والأخلاق التي ستُهدم بسبب هذه المغنية، في حين لن ينبسوا ببنت شفة، ولا ابن شفة، عن الأسر التي ظلمها الحاكم وجلاوزته، وكأن هذا الأمر لا علاقة له بالفضيلة ولا الأخلاق! وإذا تحدثوا عن هؤلاء المظلومين فباعتبارهم خارجين عن الدين (خوارج)، مزعزعي أمن، يتصفون بصفات الغرب واليهود، وجبت عقوبتهم ووجب تعزيرهم.
– وعاظ السلاطين، في مجملهم، يحملون من العنصرية ما يُخجل جويهل وأمثاله. وبنظرة سريعة على المناصب الدينية وأسماء شاغليها في بعض البلدان يكتشف المراقب ذلك بسهولة.
– وعاظ السلاطين لهم تلاميذ ومريدون، جلهم من حسني النوايا، وبعضهم من الطامعين في المناصب، وعادة ما يكون هؤلاء التلاميذ والمريدون سليطي الألسنة، شتامين ببذاءة، أول ما يبدأون به إخراجك عن الملة، ثم يتدرجون إلى الأسفل، ويتكرمون عليك بأوصاف كالديوث والعاهر والطامع في السلطة… ولا تنسَ أن غضبتك كانت بسبب سرقة كبرى قام بها أحد كبار المسؤولين، فاعترضت أنت، فحصلتَ مباشرة على لقب ديوث! وإن سألتني عن الرابط بين هذه وتلك، قلت لك: ليشغلوك بنفسك أولاً، ثم ليحشدوا خلفهم قليلي التعليم الذين تغرهم المظاهر الخارجية وتنطلي عليهم مثل هذه الافتراءات.
– وعاظ السلاطين لا يتحدثون عن أفضلية اختيار الحاكم، كي يقل الفساد، وتصان الدماء، كما في الدول الديمقراطية، بل يميلون إلى "تأليه" الحاكم الفرد المتغلب، الذي يمتلك الدولة بما فيها ومن فيها، ويغفلون الآية "وأمرهم شورى بينهم".
– يتحاشى وعاظ السلاطين عادة الإجابة عن أحد أهم الأسئلة: "من هو ولي الأمر؟… هل هو الحاكم وحده؟ أم الحاكم وولي عهده فقط؟ أم الحاكم وولي عهده وذريتاهما؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة بشرط أن يحمل حقيبة وزارية أو يشغل منصباً؟ طيب وماذا عن بقية الوزراء من خارج الأسرة الحاكمة؟ وماذا عن ذريات هؤلاء الوزراء؟ وماذا عن أبناء الأسرة الحاكمة الذين يشغلون مناصب ليست عليا، كوكيل وزارة أو مدير عام أو رئيس قسم أو أو أو…؟ لذلك يتركون كلمة "ولاة الأمر" حائرة معلقة في الهواء، فيشعر المتلقي البسيط بدوخة ويسقط مغشياً عليه، دون أن يعلم أن "ولي الأمر" المقصود عند هؤلاء الوعاظ هو كل من في يده سلطة ومال، والدليل أنهم لا يستنكرون سرقات كبار اللصوص من خارج أبناء الأسرة الحاكمة.
وللحديث بقية… 
محمد الوشيحي

وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (١)

لستُ شيخ دين كي أفسر الآيات والأحاديث، لكنني مسلم يعلم يقيناً، ويجزم جزماً راسخاً، أن الإسلام ليس دين مهانة، ولا ذلة، ولا توسل، ولا يقبل أن يعتدي الحكام وأقرباؤهم على أموال الناس، ثم يؤمر الناس أن يسكتوا ويصبروا، ولا يرضى دينُنا أن يصطف الفقراء في طوابير، وفي يد كل منهم "عريضة" يستجدي بها الحكام وأبناءهم وأقرباءهم، على مرأى ومسمع من شعوب الأرض عبر الفضائيات، ليبصق كل من يشاهد هذا المنظر على الأرض ازدراءً.
يحدث هذا بمساعدة وعاظ السلاطين، الذين يُستخدمون لتركيع الناس، وإذلالهم، ويحضُّونهم على قبول الظلم والسكوت عنه، ويفسرون الدين بما يخدم أهواء السلاطين، وبما يذل المسلمين. لكن الناس بدأوا، شيئاً فشيئاً، يكتشفون هؤلاء الوعاظ المشعوذين… وهنا سأضع علامات محددة على ظهور وعاظ السلاطين كي يسهل اكتشافهم بسرعة أكبر:
– وعاظ السلاطين هم الذين يركّزون على آية قرآنية وحديث نبوي بما يخدم الحكام الظالمين ويرخي لهم حبال البطش والجور، ويمعن في استضعاف الشعوب المسلمة، أما الآية فـ"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وهي آية فسرها المرحوم الشعراوي بطريقة تُغضب الحكام ووعاظهم، فـ"اتهموه" بالتصوف، وفسّروا الآية بطريقة تمنح الحاكم وكالة عامة للبطش والظلم ونهب الأموال ووو…، خصوصاً إن أضفنا إليها الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان "… تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع"…
– يتغاضى وعاظ السلاطين عن كل آية أو حديث يدعو إلى العزة، ويحض على رفض ظلم الحكام، ويمتدح شجاعة رافض الجور، ويرفع فعله إلى أعلى مراتب الجهاد، كالحديث: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر".
– يسارع وعاظ السلاطين إلى التشكيك في عقائد كل شيخ دين يُنكر على الحكام ظلمهم وبطشهم، ويطالب بإقامة العدل بين الناس! والتهم جاهزة، وليس عليهم إلا اختيار إحداها "متصوف، خارجي، متحزب (هذه دائماً يطلقونها على سلمان العودة وكل مَن يرون أنه من الإخوان المسلمين)، مرجف، مبتدع، ضال مضل، ووو…".
– يتجاهل وعاظ السلاطين الحديث عن القيم الأساسية، كالعدل، وحرمة اعتداء القوي على الضعيف، وحرمة الاعتداء على المال العام الذي هو سرقة تستوجب الحد الشرعي، وغير ذلك من القيم الرئيسية، ويسلطون الأضواء على شكليات، مثل قيادة المرأة للسيارة، وظيفة المرأة، الاختلاط، ووو… بعيداً عن آرائهم وآرائنا في مثل هذه الأمور، إلا أنها أصغر بكثير من القيم الأساسية، وأولها العدل، وليس آخرها حرمة دماء المسلمين وكراماتهم.
وللمقالة بقية، بل بقايا…

محمد الوشيحي

الكويتيون وكوكب الأرض و«تويتر»…

ضجيج المغردين الكويتيين في “تويتر” مثل ضجيج صغار السماسرة في البورصة الأميركية، أولئك الذين يرتدون قمصاناً زرقاء، ويؤشر كل منهم بأصابعه ويديه بانفعال شديد لطلب الشراء أو البيع، ومن حولهم أوراق متناثرة في القاعة، وفوضى تهز الأركان. بيد أن السماسرة يحصلون على نِسبٍ من الصفقات التجارية، في حين يحصل المغردون الكويتيون على سبٍّ وشتيمة من الصفقات السياسية، أو الطائفية.
تابعت ما يكتبه المغردون السوريون، والمصريون، والسعوديون، والقطريون، والتونسيون، وغيرهم من شعوب الأرض، والعرب خاصة، فوجدت السوريين منهمكين في شأنهم السوري، يتبادلون الشتائم والصور والحجج، لا أحد منهم يعلق ولو بالخطأ عما يحدث خارج سورية، وألفيت المصريين لا يخرجون خارج حدود شأنهم المحلي، وكأن التعليق على أحداث الشعوب الأخرى يتطلب الحصول على “فيزا” من شركة تويتر! تجدهم إذا تحدثوا عن أميركا، فمن زاوية علاقتها بمصر وتيارات مصر السياسية، وإن تحدثوا عن دول الخليج، فمن الزاوية ذاتها، وهكذا…
وحدهم السعوديون منشغلون مثلنا بأحداث كوكب الأرض، لكن تغريداتهم غالباً تدخل من باب “حكم الشرع في…”.
صدقاً، الأمر يحتاج إلى محللين نفسيين يشرحون لنا سبب هذا الاهتمام الشعبي الكويتي بأحداث الأرض، رغم أن حكومتهم لا تهتم أبداً بما هو خارج حدودها، ولا حتى داخل حدودها. بخلاف القطريين وحكومتهم المشغولة باستقرار لبنان أكثر من بعض اللبنانيين، وباستقرار مصر وديمقراطيتها أكثر من بعض المصريين أنفسهم. ولا أدري هل يشتغل برنامج تويتر في سلطنة عمان أم لا، الأكيد أنني لم أسمع لهم صوتاً فيه، وقد يكون السبب ضجيج الكويتيين.
“تويتر” هو المرآة العاكسة للشعوب وثقافاتها وحرياتها وإنسانيتها، والاهتمام بتحليل ما تكتبه الشعوب فيه مهم جداً، كما أرى.

محمد الوشيحي

سليمان الفليّح… لا حزن عليك ولا بكاء

عندما مات محمود السعدني قلت "تقلصت السخرية في الأرض"، وبعد أن مات سليمان الفليح أقول "تقلصت الصعلكة في الأرض"، فلكل صفة سيدها؛ سيد سادات السحر هو "شمهروش" أو "شمهورش" كما يسميه البعض، وسيد سادات السخرية هو محمود السعدني، ويسميه الإنكليز "مهمود سأدني" كما يدّعي، وسيد سادات الصعلكة والفوضى هو سليمان الفليح.
هو آخر إنسان في هذا الكوكب يمكن أن يدرس هندسة الديكور، أو يشغل وظيفة "مدير الشؤون الإدارية"، فكيانه قائم على الفوضى المحببة إلى القلب، وهو مخلوق من الفوضى؛ لباسه فوضى، ويوميات حياته فوضى، وهو صاحب أكبر حقل للفوضى، وهو المصدّر الأكبر للفوضى… وسيزورك ومن معه ليتناولوا عندك العشاء، وبعد العشاء سترتفع أصواتكم بالغناء، والقصائد، والحكايات، والتاريخ، والمقالب، والسخرية من الذات، وسيشعر بالتعب، لكنه لن يكلف نفسه عناء العودة إلى منزله "فكل بقعة في الأرض هي غرفة نوم بسريرها"، لذا سيلفّ الغترة على عينيه، ويُرجع رأسه إلى الخلف، ويتمدد على "كنب الديوانية" و… تصبحون على خير.
الحياة لا تحتاج إلى مزيد من التعقيد، يكفيها ما فيها، هكذا يظن عاشق الصحراء وراوي حكاياتها، الأديب والشاعر سليمان الفليح. الذي ما إن تقرأ كتاباته عن الصحراء وحياة الرحّل، حتى تتمنى لو أنك عشت الحقبة تلك، بثياب ممزقة، وأقدام لم تحتضنها أحذية "فيرونا"، وبشرة لم تُدهن بكريمات الترطيب، وجدائل شعر لم يمسسها بلسم، لتنتظر معشوقتك عند بئر الماء، فتأتيك تتلفت هلعاً، وتغمرك بأنوثتها، وحيويتها، وحيائها، ونقائها، ورائحتها التي لم تخالطها الكيماويات…  
لم ألتقه مع الأسف الأسيف، لكنني سمعت عنه من جلسائه وجنوده في كتائب الصعلكة ما يجعلني أبصم بأنه "سيد سادات الصعلكة والفوضى". ولم يكن بيني وبينه سوى مكالمة هاتفية واحدة تلقيتها منه، قلت له في آخرها "إذا أدخلني الله النار بسبب الغرور فسأحملك المسؤولية".
رحمك الله أستاذنا أبا سامي، كدت أحزن عليك لولا كل هذا الفقد الذي شعر به الناس بعد غيابك. ومن يفتقده الناس كما افتقدوك، فلا حزن عليه ولا بكاء.
محمد الوشيحي

هكذا قالت المضيفة…

هذا هو الوقت الأنسب للسرقة في الكويت وفي غيرها من البلدان العربية، فليس أفضل من الدم غطاءً، ولا أفضل من هذه الأحداث العربية الهوليوودية ساتراً، بدءاً من فض الاعتصامات وقتل المتظاهرين، ومروراً بكيماوي بشار وتساقط كل هذه الجموع خنقاً، وليس انتهاء بإخلاء سبيل حسني مبارك.
طبعاً إذا عرفنا أن الكويت، على سبيل المثال، "تطفح" بالأموال الزائدة، وهي بالتأكيد لن تذهب لتطوير الخدمات الصحية ولا التعليم ولا بقية الهرج الفاضي، هي ستذهب في اتجاهين متشابهين، أحدهما خارجي والآخر داخلي، أما الخارجي فسيذهب كتبرعات للأشقاء والأصدقاء، وأما الداخلي فسيذهب لإرضاء خواطر وشراء ولاءات، وعلى الشعوب أن تأكل من التراب بعد خلطه بقليل من الماء المقطر.
وأفهم أن تتبرع دولة الإمارات للدول العربية بسخاء، مع اختلافي مع سياستها الخارجية، وأفهم كذلك تبرعات قطر هنا وهناك، فكلتا الدولتين ملأت ثلاجتها بما لذ وطاب، ودلّعت شعبها وبحبحته (من بحبوحة) قبل أن تلتفت إلى الخارج.
ويكفي الحكومة القطرية أنها جعلت مواطنها الأول عالمياً في قائمة الأعلى دخلاً، بخلاف بُنيتها التحتية المتسارعة، ومستقبلها باستضافة بطولة كأس العالم، في حين ينام المرضى الكويتيون في ممرات المستشفيات الحكومية، على أسرّة متهالكة، تتدلى منها الأسلاك! ويتعاطف المحسنون فيتبرعون لتوسعة هذا الجناح أو توفير ذلك الجهاز الطبي.
لذلك أقول للسلطة هنا: "حتى في تعليمات السلامة قبل إقلاع الطائرة، تنبّهنا المضيفة إلى أنه في حال تطلّب الموقف ارتداء الكمام، يجب أن يرتديه الكبار قبل أن يساعدوا أبناءهم على ارتدائه"، والكويتيون يمدّون كماماتهم إلى الآخرين ولا يجدون الكمام.