التصنيف: محمد الوشيحي - آمال
قوة الوجه…
بين بحريتين وفئتين…
امشي من قدامي…
أحد الذين غطى إبداعهم الشعري على موهبة السخرية لديهم، حافظ إبراهيم، رحمه الله… إذا اعتدل مزاجه، ورقص أمامه شيطان السخرية، فمن الأفضل ألا تكون أنت فريسته. كان "ضغّيطاً" فاخراً.
ذات مشوار… كان في حافلة المواصلات، الباص، فحدث أن داس، نتيجة الازدحام، على قدم أحدهم من دون قصد، فتألم صاحب القدم وصرخ في وجه حافظ: "ما تحترم نفسك يا غبي… هو أنت أعمى؟"، فرد عليه حافظ: "هتغلط هرزعك قلم"، فانتفض صاحب القدم: "أنا بحذرك… أنت ما تعرفش أنا مين؟"، فأفلتت ضحكة عالية من فم حافظ إبراهيم، وأجابه وهو ينتزع كلماته من بين قهقهاته: "هتكون مين يعني؟ عاوز تقنعني إنك مهم؟… هاهاها… مهم ومعندكش أتومبيل يوصلك مشاويرك وجاي تزاحمنا في الأوتوبيس؟… مهم وقميصك وسخ زي وشك؟… مهم وملطوع معانا في مصر (القاهرة) في شهر أغسطس وسايب الساحل الشمالي؟… امشي (امشِ) من قدامي الساعة دي يا أستاذ مهم".
ويتفشخر الكويتي في حديثه مع المارة وعابري السبيل ويفاخر: "أنتم ما تعرفوش أنا مين؟"، فيتضاحك سكان الكوكب: "هتكون مين يعني؟… مليارات الدنانير في بلدك لا حصر لها ولا خصر، ومع ذا لا تجد سريراً في غرفة العناية المركزة… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك سيارات إسعاف مثل بقية خلق الله… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك سكناً يلم شمل أسرتك… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك كهرباء بمستوى قرية نائية في دولة إفريقية… تفتخر أيها الكويتي بماذا؟ أو بمَ، كما يقول الفصحويون؟… تفتخر بأن بلدك عجز عن بناء ملاعب كرة قدم ومسارح مثل بقية الدول رغم أن بلدك من أهم دول "أوبك"؟ تفاخر بأن مسؤولاً فاسداً واحداً لم يتم سجنه في حين يصطف المعارضون طوابير أمام المحققين ووكلاء النيابة؟ ينتفخ صدرك زهواً على ماذا؟ على انخفاض مستوى الحريات في بلدك… تفاخر بماذا يا أستاذ المهم؟"
أيها الكويتي… امشي من قدامي الساعة دي.
زيارة واحدة… سألتكم بالله!
الساعي… لا يوصل البريد!
لا شيء جديد… وزير صحة يريد أن يحمي كرسيه على حساب صحة الآخرين – والحديث للأجيال القادمة التي ستقرأ مقالاتنا بعد سنين – فجامل نائباً في البرلمان، فكشفه شاب من المعارضة اسمه صقر الحشاش، فاهتزت الدنيا، وزمجرت، وكشرت بأنيابها في وجه الوزير.
والعلاج هنا، لا شك، بالبتر المبين، والحديث الآن موجه للأطباء والسياسيين والإعلاميين وكل الرافضين لهذا النهج… والموت كل الموت من المقولة التخديرية "الرسالة وصلت"، فيكتفي المعتصمون باعتصامهم، ويعودون إلى بيوتهم، ويتراجع المهددون بالاستقالة عن استقالاتهم، وتبدأ التهدئة على اعتبار أن "الرسالة وصلت".
سيداتي سادتي… يؤسفني، أو كما قال عدنان المطوع، يعسفني أن أبلغكم أن ساعي البريد في الكويت قد توفي، وصلى الناس عليه صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، فما عادت الرسائل تصل إلا باليد من أصحاب الشأن أنفسهم.
وأجزم أن الوزير إن لم يتم إسقاطه شعبياً ودستورياً… سيعيد تجميع قواته، وسيشن هجمات مرتدة، مستخدماً أسلوب القناصة في قنص خصومه، الواحد تلو الآخر، كما فعلت الحكومات المتعاقبة مع معارضيها الذين رددوا شعار "الرسالة وصلت"… وسنقرأ قريباً عن إحالة طبيب إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد لمريض، وإحالة طبيب آخر بتهمة اختلاس مالي، وثالث بتهمة شق الوحدة الوطنية، ورابع وخامس وعاشر…
أوصلوا الرسالة إلى منتهاها، سيداتي سادتي الطبيبات والأطباء، أو فليبلل كلّ منكم ذقنه، ولتبلل كلّ منكن شعرها.
يا حبيبي يا عيني…
القائد البريطاني "مونتغمري"، أحد دهاة الحروب في التاريخ، ذهب قبل بدء الحرب العالمية الثانية إلى المسؤولين وخاطبهم: "دخلنا في مرحلة الجد، ومجاملة الضابط فلان والإبقاء عليه ضمن القيادات العسكرية هو تهور قد يعصف ببريطانيا في الحرب… يجب أن يُستبعد فوراً لأنه أقل من أن يخطط… لا تمرغوا علم بريطانيا في التراب وتقودوا جنودها إلى الموت"، وبالفعل تم استبعاد الضابط "النبيل" الذي كان قد حجز موقعه بين القياديين لأسباب "جينية" بحتة لا تعرف الكفاءة ولم تسمع عنها.
وفي الكويت، يتقاسم أبناء الأسرة الحاكمة الوزارات بنظام "سايكس بيكو"، خذ هذه الوزارة وأنا سآخذ تلك! ثم يختارون أكثر الناس شعبية جماهيرية، بمستوى رولا دشتي، حتى إذا لم نمت قهراً لتوزير محمد العبدالله فسنموت كمداً لتوزير رولا دشتي.
ويتلاعب محمد العبدالله بوزارة الصحة، باعتبارها "ما ملكت يمينه"، وقد يحتضنها وينجب منها ولداً، وقد يغلفها ويهديها إلى عزيز عليه، وقد يفككها ويبيعها "قطع غيار"، وقد يعطونه وزارة النفط من باب التغيير وكسر الملل، وقد وقد وقد…
اطمئنوا أيها الناس، فملف التخطيط وأسرار الدولة في يد رولا، ويدها أمينة لا شك، وملف الصحة في يد محمد العبدالله، ويده حكيمة لا شكين، وملف مستقبل بلدكم في حضن حكومة فطينة… ويا حبيبي يا عيني.
ناطر بيت… ناطر إيش؟
المجلس البلدي… اخلع نعليك
عبد الفتاح العلي… قشة الغريق
كان الله في عون اللواء عبدالفتاح العلي، المسؤول الأول عن المرور في الكويت، الذي استيقظ فجأة فوجد نفسه "جمال عبدالناصر الكويت"، منقذ الأمة ومخلّصها ورمز شموخها وكبريائها، فملأ الدنيا ضجيجاً وصخباً، وأتعب الأكتاف التي تحمله، وألهب الحناجر بصيحات الإعجاب، وأنهك الأذرع المرفوعة انبهاراً بحضوره وكاريزماه، ووو، وعندما جاء الاختبار الحقيقي في عام 1967 تبين أنه "نكسة" وفي أهون الأحوال "نكبة".
وكانت الكويت، وما زالت، تغرق في قيعان محيطات الفساد، وكان الناس، وما زالوا، يتذمرون و"يتحلطمون" ويبكون على حال البلد، فجاءت السلطة بضابط برتبة لواء، وسخّرت له وسائل إعلامها، وراحت تعظّم صورته، وتلمّعها، وتزركشها، فأصبح "ليونيل ميسي" الذي سيسجل هدف الفوز بعد قليل، ويمنحنا كأس العالم، وصار "مهند" في أعين البنات الرومانسيات، الذي سيأتي بعد قليل بشعره الذي تلاعبه نسمات الهواء، وعيونه الخضراء، ليحتضن معشوقته على ضوء الشموع، وصار "لميس" في أعين الشباب الحالمين… ولمّعوه ولمعوه ولمعوه حتى أصبح "صرحاً من خيالٍ".
هي، لا شك، فكرة ذكية من السلطة، بعد أن أدركت أن الناس كفرت بأدائها وبكفاءات مسؤوليها فـ"صنعت" لهم عبدالفتاح العلي، فكان هو "القشة التي ظن الغريق أنها ستنقذه"، لكن القشة سرعان ما احترقت، وما أسرع احتراق القش.
هو صدّق نفسه، وهو رجل محدود الإمكانيات كما اتضح من نهجه ومن أحاديثه، وما أكثرها، إذ توهم أنه بمفرده، ومن دون دراسات ولا خطط واضحة المعالم، ومن دون برنامج حكومي متكامل للقضاء على الزحمة الخانقة في شوارعنا، سيقضي على الزحمة المزمنة بطريقة "عصا الساحر" فسلّم نفسه للإعلام بكل سعادة وبراءة! لكنه ويا للحزن انطبقت عليه مقولة أحد الأصدقاء: "دوي انفجار بالونة عبدالفتاح العلي الوهمية سيصم الآذان"، وهذا ما حدث، مع انطلاقة العام الدراسي وعودة الناس من المصيف في الدول السياحية.
لا تقتلوا عبدالفتاح، ولا تبنوا له نصباً تذكارياً، فقط رشوا وجهه بالماء ليستيقظ من حلمه، واطلبوا له فنجان نسكافيه ورحبوا به في "الأمر الواقع"، ليعرف أن حدود إمكانياته، والإمكانيات المحيطة به، لا تتجاوز "الحد من المشفّطين"، وهذا إنجاز يليق بحكومات الكويت المتعاقبة… والأهم قبل ذلك أن يدرك الشعب الغريق أن القشة لا تنقذ من الغرق.
وفي انتظار عبدالفتاح علي آخر، تعالوا نسلي أنفسنا بالبكاء ونحن نتفرج على تطور الدول وتنافسها وتسابقها.