محمد الوشيحي

ستجوعون في بيت راشد!

هو "باكيج" كامل، تعتبره الدول المتقدمة من الأساسيات، وتراه الدول العربية الجميلة الغبية من "أدوات الزينة" التي توضع في الديوان ليراها الضيوف. باكيج يضم الديمقراطية ومعرض الكتاب والمنتديات والمؤتمرات ووو…
ويتزاحم الناس في معرض الكتاب في الكويت، ونزاحمهم، فإذا جزء كبير من الكتب "عامل زحمة والشارع فاضي"، وإذا "أشرس الكتب"، وأكثرها شجاعة، لا يجرؤ على نشر ما تحتويه مجلات الأطفال من أفكار في دول الغرب والشرق.
هنا كل شيء حرام يا صديقي، هنا كتاب "أشواق الحرية" للكاتب السعودي الرائع نواف القديمي ممنوع لا يُعرض! ليش؟ لأنه يتحدث عن مقاربة السلف للديمقراطية، لكنه في معرض الكتاب في الرياض موجود وحلال زلال. أي أن لجنة الكتاب في الكويت تزايد على سلفية لجنة الكتاب في السعودية. وآه يا لاللي، كما يقول سيد درويش.
هنا يحرّمون رواية "مدى" للأديبة الكويتية الرائعة رانيا السعد، ويلعنون شاريها وبائعها وقارئها، ويرجمون كاتبها، لكن الرواية معروضة في معرض الشارقة للكتاب، حلال لا شية فيها… خنقوا "مدى" لأنها مرت على سيرة المعارض الأبرز في الكويت مسلم البراك وخطابه الشهير، وهم بخنقهم هذا يظنون أنهم خنقوا الرواية والخطاب!
هذان الكتابان سقتهما لضرب الأمثلة على قفاها، وهناك المئات غيرهما، محرمة في الكويت محللة في دول الخليج.
لذلك، ولغير ذلك، قررت ألا أكون مثل "قطة بيت راشد"، التي أظن صادقاً أنها تتعاطى المخدرات، وإلا فكيف اختارت بيت راشد من بين كل البيوت في المنطقة، وهي تعلم أن هذا البيت لا لحماً يطبخ ولا دجاجاً، إلا بمقادير موزونة، وكميات معلومة، ومواقيت محددة، لحرص راشد، كما يزعم، على الغذاء الصحي المدروس، ولا يفيض للقطة إلا "نصف ربطة فجل" أو "ربع ربطة خس" أو ما تعافه النفس… ولو كنت مكان القطة لخطوت خطوتين إلى المنزل المجاور، وعلي اليمين أن تنفجر لشدة التخمة، وأن تفكر في تصدير الفائض من اللحم والدجاج.
لذا، هجرت "بيت راشد"، أو معرض الكتاب المملوء بالفراغ والفجل والخس، ولجأت إلى المواقع الإلكترونية التي توفر لي أفضل الكتب وأطايب اللحم، بعيداً عن بيت راشد وشارع الزينة، ما لم أضطر للذهاب مجاملة للكاتب فلان أو الأديب فلان.
محمد الوشيحي

قوة الوجه…

ماشي، دع كل هذه الأمور على الرف، وتعال معي نبحث عن مصدر "قوة الوجه" لبعض هذه العينات من البشر. وقوة الوجه، لمن لا يتحدث حديثنا ولا يكذب كذبنا، هي البجاحة بلغة المصريين، وهي الصفاقة بلغة العدنانيين، وهي "أن تكذب عمداً، وتعلم أن الناس يعلمون أنك تكذب ولا تبالي".
ولم أرَ "قوة وجه" في طول الأرض وعرضها، كما رأيتها في بعض السياسيين في الكويت، ممن نسميهم هنا "بتوع الباشا"، ويسميهم عباس الشعبي "الانبطاحيين".
أعضاء هذا الفريق كانوا يرفعون شعار "نبيها هيبة"، كلما أراد نائب استجواب وزير من أسرة الصباح الحاكمة،  قبل أن يرفعوا السقف لخيالهم، ويتهموه بما هو أبعد من ذلك وأشد وأنكى، فيستيقظ النائب من نومه ليجد نفسه متهماً بالتخابر مع قطر وإسرائيل وبوركينا فاسو، بهدف قلب نظام الحكم على جانبه الأيسر… واليوم، يطالب أعضاء هذا الفريق، بكل "قوة وجه"، باستجواب أقرب وزير، ويركزون على استجواب الوزراء الشيوخ المنتمين إلى أسرة الحكم!
وكانوا يتهمون كل من تسول له نفسه تقديم استجواب لأحد من أعضاء الحكومة بأنه "مؤزم"، يضع العصا في العجلة، ويستخدم الخازوق في أماكن أخرى في جسم التنمية، واليوم، لا تكاد تمضي دقيقة في حال سبيلها، إلا وفيها استجواب هنا، وتهديد باستجواب هناك.
كان أعضاء فريق "قوة الوجه" يمسكون بالاستجواب، ثم يلوحون به، كما يفعل أطفال الحجارة، ويلوحون ويلوحون ويلوحون، ثم يرمونه إلى أبعد مدى، فيصطدم بالجدار فيتفتت، وقد يشطبونه، ويغسلون المكان من بعده بالديتول… واليوم، وبكل قوة وجه، يتباكون على شطب "محاور" استجواب! وهو أمر نوافقهم عليه، لولا تاريخهم وأرشيفهم.
هو فريق يضم، فيمن يضم، نواباً، وشيوخ قبائل، وعمداء عوائل، وديوانيات يجتمع فيها ذاك وذياك، وكانت "بياناتهم" تنهمر على رؤوس الناس، قبل أن تتجمع قطراتها وتشكل سيلاً عرمرماً عظمظماً يقتلع الاستجوابات والأشجار والأحجار والوطنية وصفاء النية… واليوم، ورغم كل هذه الاستجوابات، جفت غيومهم، وأمحلت أراضيهم، فلا بيان، ولا إعلان، ولا قطرة، ولا مطرة. والحمد لله أنهم لم يصدروا بيانات تنادي باستجواب الوزراء، والوزراء الشيوخ تحديداً.
كانوا يندبون ويلطمون ويحثون التراب على وجوههم حزناً عقب كل مسيرة قامت لأهداف وطنية، واليوم ينظمون مسيرة لأسباب طائفية قحة، دون أن تسقط من وجوههم قطرة عرق واحدة! وكانوا يمزقون هدومهم إذا خرجت مسيرة لنا أثناء وجود ضيوف لسمو الأمير، واليوم يرتبون صفوف المسيرات، وكأن ضيوف المؤتمر الحالي أتوا لشراء سيارات مستعملة من "سوق الحراج"! ويا للهول وأبي الهول.
محمد الوشيحي

بين بحريتين وفئتين…

البحرية الأميركية تحذر من عاصفة جوية قوية، وبحرية الصباحية تقول إن العاصفة القادمة ليست في الجو بل على الأرض.
البحرية الأميركية تنذر بأن الأمطار الغزيرة جداً قد تتحول إلى سيول تشكل خطراً على الكائنات والأملاك، وبحرية الصباحية ترفع سبابتها منذرة "اقطعوا رؤوس العاصفة الطائفية قبل أن تتفاقم وتقضي على الأخضر والأصفر".
البحرية الأميركية تشرح: "العاصفة مدتها ثلاثة أيام"، وبحرية الصباحية توضح: "العاصفة الطائفية لن تتوقف قبل زوال آخر كائن في هذا الوطن المعطاء والأرض الغراء".
وبعد البحث والتمحيص، تبين أن البحرية الأميركية لم تقل ذلك، وأن الوشاة استغلوها وظلموها، وأن العاصفة الجوية ليست بهذه الدرجة من الخطورة، واتضح أن الشائعات هي التي نفختها… لكن بحرية الصباحية تؤكد خبرها، ومستعدة للرهان على صدقيته.
ويصر نواب الشيعة على التصعيد ضد الوزير، ويعلن نواب العوازم التحدي دفاعاً عن ابن عمهم الوزير، ويساند الشيعة "الفريق المهزوم في انتخابات رئاسة البرلمان"، ويساند العوازم "الفريق الرابح وبعض النواب السنة"، وسيفشل استجواب الوزير العازمي، إذا ما تم، وسيتقدم النواب الشيعة بالاستقالة، إذا صدقت تهديداتهم، وستطغى هذه العاصفة على سواها، وستنطلق الشرارة، وستعجز فرق الإطفاء عن التعامل معها.
وليس أجمل من عواصف كهذه لتغطية السرقات والنهبات والهبشات، بحسب ما جاء في نشرة بحرية الصباحية، والله أعلم.
محمد الوشيحي

امشي من قدامي…

أحد الذين غطى إبداعهم الشعري على موهبة السخرية لديهم، حافظ إبراهيم، رحمه الله… إذا اعتدل مزاجه، ورقص أمامه شيطان السخرية، فمن الأفضل ألا تكون أنت فريسته. كان "ضغّيطاً" فاخراً.
ذات مشوار… كان في حافلة المواصلات، الباص، فحدث أن داس، نتيجة الازدحام، على قدم أحدهم من دون قصد، فتألم صاحب القدم وصرخ في وجه حافظ: "ما تحترم نفسك يا غبي… هو أنت أعمى؟"، فرد عليه حافظ: "هتغلط هرزعك قلم"، فانتفض صاحب القدم: "أنا بحذرك… أنت ما تعرفش أنا مين؟"، فأفلتت ضحكة عالية من فم حافظ إبراهيم، وأجابه وهو ينتزع كلماته من بين قهقهاته: "هتكون مين يعني؟ عاوز تقنعني إنك مهم؟… هاهاها… مهم ومعندكش أتومبيل يوصلك مشاويرك وجاي تزاحمنا في الأوتوبيس؟… مهم وقميصك وسخ زي وشك؟… مهم وملطوع معانا في مصر (القاهرة) في شهر أغسطس وسايب الساحل الشمالي؟… امشي (امشِ) من قدامي الساعة دي يا أستاذ مهم".
ويتفشخر الكويتي في حديثه مع المارة وعابري السبيل ويفاخر: "أنتم ما تعرفوش أنا مين؟"، فيتضاحك سكان الكوكب: "هتكون مين يعني؟… مليارات الدنانير في بلدك لا حصر لها ولا خصر، ومع ذا لا تجد سريراً في غرفة العناية المركزة… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك سيارات إسعاف مثل بقية خلق الله… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك سكناً يلم شمل أسرتك… مليارات الدنانير في بلدك لم توفر لك كهرباء بمستوى قرية نائية في دولة إفريقية… تفتخر أيها الكويتي بماذا؟ أو بمَ، كما يقول الفصحويون؟… تفتخر بأن بلدك عجز عن بناء ملاعب كرة قدم ومسارح مثل بقية الدول رغم أن بلدك من أهم دول "أوبك"؟ تفاخر بأن مسؤولاً فاسداً واحداً لم يتم سجنه في حين يصطف المعارضون طوابير أمام المحققين ووكلاء النيابة؟ ينتفخ صدرك زهواً على ماذا؟ على انخفاض مستوى الحريات في بلدك… تفاخر بماذا يا أستاذ المهم؟"
أيها الكويتي… امشي من قدامي الساعة دي.

محمد الوشيحي

زيارة واحدة… سألتكم بالله!

عيناه معلقتان على الباب. كلما فُتح أو طُرق انتفض، علّه أحد من أبنائه… تتعب عيناه، وتغمضان جفنيهما على اليأس والخيبة والدموع، فينام! يستيقظ على أمل جديد، وكلما فُتح الباب فجأة التفتَ بسرعة لعله أحد أبنائه جاء لزيارته ومسامرته بعد كل هذا الجفاء… كل يوم، كل ساعة، كل لحظة، يمنّي نفسه برؤيتهم، أو أحدهم على الأقل، قادماً لزيارته وهو ممدد على سرير المرض في المستشفى. كانت هذه هي آخر أمنياته وأحلامه. زيارة واحدة قبل أن يموت. زيارة واحدة تقوم مقام المنديل بمسح دموعه. زيارة واحدة يفاخر بها أمام ممرضيه وممرضاته وبقية المرضى في الجناح.
هناك، في زاوية الغرفة، يرتفع شخير مرافقه الآسيوي الذي يجد صعوبة بالغة في التفاهم معه. من يلومه؟ هي وظيفة على أية حال، يتقاضى منها هذا الآسيوي راتباً.
وحيداً تمضي به الأيام، ممدداً بلا حول ولا حيلة، ينتظر ساعة الرحيل، ومعه ينتظرها بشغف أكبر بعض الممرضين والممرضات الأجانب الملولين. أبناؤه كذلك ينتظرونها بشغف يفوق شغف الممرضين والممرضات… الوحيد الذي لا يتمناها هو الآسيوي، المرتاح في هذه الوظيفة السهلة.
يُجلسه مرافقه الآسيوي على كرسيه المتحرك… يصطحبه في جولته اليومية الترويحية في الجناح، كما أمر الأطباء. تقع عيناه على غرفة جاره؛ الباب مفتوح، رجال ونساء وأطفال يتضاحكون، كعادتهم أثناء زيارتهم والدهم. يفرح هو لرؤية هذا المنظر، ويخفي غصة تكاد تقتله كلما تذكر جحود أبنائه… ويكتم شهقة كلما تذكر تدليله إياهم.
يخيم الظلام على المستشفى. يُعيده مرافقه الآسيوي إلى غرفته. ترتفع جلبة الزائرين أثناء مغادرتهم غرف مرضاهم، وحدهم المرافقون يبقون، غالبيتهم شبان يرافقون آباءهم… يُطرق بابه، يلتفت كمن لسعته الكهرباء، فإذا هو، كالعادة، أحد الشبان مرافقي المرضى المجاورين، يناوله طبقاً من الطعام المنزلي، ويقبل رأسه ويمضي… يا الله.
يا الله… يا الله… دارت بي الدنيا حتى أضحيت محل شفقة وصدقة؟ يا الله… لا أريد من أبنائي طعاماً ولا كلاماً… لا أريد إلا رؤيتهم، وسأقبل اعتذارهم، أقسم أنني سأقبله… يا الله، زيارة واحدة قبل أن أفارق الدنيا…
كفكف دموعك أيها المسن… كفكفها واطرد هذا الأمل الصعب من خيالك، وارقد… ارقد.
محمد الوشيحي

الساعي… لا يوصل البريد!

لا شيء جديد… وزير صحة يريد أن يحمي كرسيه على حساب صحة الآخرين – والحديث للأجيال القادمة التي ستقرأ مقالاتنا بعد سنين – فجامل نائباً في البرلمان، فكشفه شاب من المعارضة اسمه صقر الحشاش، فاهتزت الدنيا، وزمجرت، وكشرت بأنيابها في وجه الوزير.
والعلاج هنا، لا شك، بالبتر المبين، والحديث الآن موجه للأطباء والسياسيين والإعلاميين وكل الرافضين لهذا النهج… والموت كل الموت من المقولة التخديرية "الرسالة وصلت"، فيكتفي المعتصمون باعتصامهم، ويعودون إلى بيوتهم، ويتراجع المهددون بالاستقالة عن استقالاتهم، وتبدأ التهدئة على اعتبار أن "الرسالة وصلت".
سيداتي سادتي… يؤسفني، أو كما قال عدنان المطوع، يعسفني أن أبلغكم أن ساعي البريد في الكويت قد توفي، وصلى الناس عليه صلاة لا ركوع فيها ولا سجود، فما عادت الرسائل تصل إلا باليد من أصحاب الشأن أنفسهم.
وأجزم أن الوزير إن لم يتم إسقاطه شعبياً ودستورياً… سيعيد تجميع قواته، وسيشن هجمات مرتدة، مستخدماً أسلوب القناصة في قنص خصومه، الواحد تلو الآخر، كما فعلت الحكومات المتعاقبة مع معارضيها الذين رددوا شعار "الرسالة وصلت"… وسنقرأ قريباً عن إحالة طبيب إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد لمريض، وإحالة طبيب آخر بتهمة اختلاس مالي، وثالث بتهمة شق الوحدة الوطنية، ورابع وخامس وعاشر…
أوصلوا الرسالة إلى منتهاها، سيداتي سادتي الطبيبات والأطباء، أو فليبلل كلّ منكم ذقنه، ولتبلل كلّ منكن شعرها.

محمد الوشيحي

يا حبيبي يا عيني…

القائد البريطاني "مونتغمري"، أحد دهاة الحروب في التاريخ، ذهب قبل بدء الحرب العالمية الثانية إلى المسؤولين وخاطبهم: "دخلنا في مرحلة الجد، ومجاملة الضابط فلان والإبقاء عليه ضمن القيادات العسكرية هو تهور قد يعصف ببريطانيا في الحرب… يجب أن يُستبعد فوراً لأنه أقل من أن يخطط… لا تمرغوا علم بريطانيا في التراب وتقودوا جنودها إلى الموت"، وبالفعل تم استبعاد الضابط "النبيل" الذي كان قد حجز موقعه بين القياديين لأسباب "جينية" بحتة لا تعرف الكفاءة ولم تسمع عنها.
وفي الكويت، يتقاسم أبناء الأسرة الحاكمة الوزارات بنظام "سايكس بيكو"، خذ هذه الوزارة وأنا سآخذ تلك! ثم يختارون أكثر الناس شعبية جماهيرية، بمستوى رولا دشتي، حتى إذا لم نمت قهراً لتوزير محمد العبدالله فسنموت كمداً لتوزير رولا دشتي.
ويتلاعب محمد العبدالله بوزارة الصحة، باعتبارها "ما ملكت يمينه"، وقد يحتضنها وينجب منها ولداً، وقد يغلفها ويهديها إلى عزيز عليه، وقد يفككها ويبيعها "قطع غيار"، وقد يعطونه وزارة النفط من باب التغيير وكسر الملل، وقد وقد وقد…
اطمئنوا أيها الناس، فملف التخطيط وأسرار الدولة في يد رولا، ويدها أمينة لا شك، وملف الصحة في يد محمد العبدالله، ويده حكيمة لا شكين، وملف مستقبل بلدكم في حضن حكومة فطينة… ويا حبيبي يا عيني.

محمد الوشيحي

ناطر بيت… ناطر إيش؟

هي أسهل قضية على وجه كوكب الأرض وكوكب زحل الشقيق، بل هي أغبى القضايا منذ بدء الخليقة حتى اليوم الساعة الثالثة والثلث عصراً بتوقيت الكويت.
ولو سحبنا ملف الإسكان من يد الحكومة وأعطيناه مجموعة من عجائزنا الفاضلات غير المتعلمات، وعقدن اجتماعهن في المطبخ، ما استغرق الأمر منهن أكثر من ساعة وربع الساعة، يضيع منها ساعة وست دقائق على فهم الموضوع، وخمس دقائق ستضيع ما بين الضرب على الصدر دلالة الدهشة والاستياء، أما الدقائق الأربع المتبقية فهي التي يتم فيها حل هذا "الموضوع الشائك"، وشوكة في عين الحسود!
وإذا كان باولو كويللو، الأديب البرازيلي يقول إن "ممارسة الجنس تستغرق إحدى عشرة دقيقة" فإن متعة حل القضية الإسكانية في الكويت تستغرق ثلث المدة تقريباً. وأجزم أن مشاكل الكويت الكبرى يمكن حلها كلها قبل أن تنتهي هذه الدقائق الإحدى عشرة… معلش، لا حياء في حقوق الناس، إنما الحياء، أعظم الحياء، في الإفساد في الأرض وبخس الناس حقوقهم.
والسلطة اليوم في خانة اليك، إذ كانت كلما تعرضت لمشكلة اختارت من يناسبها من المعنيين، وقرّبتهم و"تصرفت معهم"، فيخرجون راضين مرضيين، كما حدث في "اجتماع الحكومة مع المغردين" و"مؤتمر الشباب" و"الكويت تسمع" و"اجتماع وزارة الشباب والصحافة"، ووو، ففي كل فعالية من هذه الفعاليات يُنتقى المطلوب حضورهم، أو بالأحرى المسموح بحضورهم، ويتم تبادل الصور معهم والابتسامات و"الكب كيب" ويغلق ملف المشكلة، أو بالأصح يوضع تحت السلم مع "كراتين" القضايا السابقة. 
أما حملة "ناطر بيت"، وما شابهها، فإنها تحرج السلطة وتكشف تدني مستوى قيادييها، ولا تمنحها حرية "انتقاء" الطرف الآخر… ولن أستبق الأحداث وأعلق عليها قبل أن أعرف هل استجاب وزير الإسكان لدعوة الشبان المعنيين بالأمر لحضور "ديوانيتهم" ونقاشهم أمام الملأ أم لا، وإن كنتُ وغيري كُثر غير متفائلين (المقرر حضوره البارحة بناء على دعوتهم الموجهة إليه)، على أن منظمي الحملة سيوجهون دعوة مماثلة إلى الرئيس السابق أحمد السعدون، باعتباره كان رئيساً للجنة الإسكانية فترةً طويلة، كي يتمكنوا من مناقشته أمام الملأ. والكثير منا يعرف أنه سيحضر، وسيتحدث وسيعرض ما لديه أمام الملأ.
لننتظر قبل أن نحكم.
محمد الوشيحي

المجلس البلدي… اخلع نعليك

 
كما في المتاجر الكبرى، هناك، إلى جانب المدخل، غرفة صغيرة مخصصة للأطفال، فيها ألعاب وكرات ملونة ومراتب مطاطية مهيأة للقفز عليها وغير ذلك من تسالي الأطفال، هدفها إبعاد الأطفال عن ذويهم فترة التسوق، وإشغالهم، كي يتفرغ الكبار، في حين يلهو الأطفال بالألعاب، بعد أن تطلب منهم مسؤولة الحراسة خلع نعالهم حتى لا يؤذي بعضُهم بعضاً.
انتخابات المجلس البلدي هي الغرفة الصغيرة المخصصة لإشغال الأطفال بالكرات الملونة والمراتب المطاطية، الموجودة عند المدخل، كي يتفرغ الكبار لما هو أهم من اللعب، بشرط أن يخلع الأطفال نعالهم كي لا يتأذى أحد منهم، لكن هذا ما لم يحدث في انتخابات البلدي، بعد أن تعالت صيحات الأغبياء: "لا تتركوا كرسي القبيلة / الطائفة / العائلة"، أي أن الأطفال لم يكتفوا باللعب بنعالهم المحملة بالأوساخ، بل أدخلوا معهم أدوات حادة وخطرة، أمام أعين المسؤولة عن حراسة غرفة اللعب، حتى لا أقول "برغبتها".
هذا مع يقيني أن صلاحيات العضو في جمعية تعاونية أهم من صلاحيات العضو في المجلس البلدي، بيد أن الجمعية التعاونية لا تمنح أعضاءها سيارات، ولا تتم تغطية اجتماعاتهم إعلامياً.
المضحك أن مرشحي البلدي، بل والناخبين، يعلمون أن المجلس البلدي ليس إلا "مسدس ماء" إذا ضغط الطفل على زناده أطلق صوتاً مسلياً وموسيقى وبعض الأضواء الملونة، فنتظاهر نحن بالإصابة، ونسقط على الأرض، فيضحك الطفل ويشعر بنشوة الانتصار، ومع ذا يتزاحم الناخبون قبل المرشحين على صناديق الاقتراع، أو على الضغط على زناد مسدس الماء… ولهؤلاء وأولئك أقول: لقب "عضو المجلس البلدي" يشبه إلى حد التطابق ألقاب أسرة آل وندسور البريطانية؛ "دوق كامبريدج"، و"دوق ويلز"، و"دوق أدنبرة" ووو، وهي ألقاب فخرية شرفية لا تهش ولا تنش ولا تهز بيضة حمامة في العش… فارحمونا من الحمية الجاهلية المقيتة، واخلعوا نعالكم، يرحمنا ويرحمكم الله.
محمد الوشيحي

عبد الفتاح العلي… قشة الغريق

كان الله في عون اللواء عبدالفتاح العلي، المسؤول الأول عن المرور في الكويت، الذي استيقظ فجأة فوجد نفسه "جمال عبدالناصر الكويت"، منقذ الأمة ومخلّصها ورمز شموخها وكبريائها، فملأ الدنيا ضجيجاً وصخباً، وأتعب الأكتاف التي تحمله، وألهب الحناجر بصيحات الإعجاب، وأنهك الأذرع المرفوعة انبهاراً بحضوره وكاريزماه، ووو، وعندما جاء الاختبار الحقيقي في عام 1967 تبين أنه "نكسة" وفي أهون الأحوال "نكبة".
وكانت الكويت، وما زالت، تغرق في قيعان محيطات الفساد، وكان الناس، وما زالوا، يتذمرون و"يتحلطمون" ويبكون على حال البلد، فجاءت السلطة بضابط برتبة لواء، وسخّرت له وسائل إعلامها، وراحت تعظّم صورته، وتلمّعها، وتزركشها، فأصبح "ليونيل ميسي" الذي سيسجل هدف الفوز بعد قليل، ويمنحنا كأس العالم، وصار "مهند" في أعين البنات الرومانسيات، الذي سيأتي بعد قليل بشعره الذي تلاعبه نسمات الهواء، وعيونه الخضراء، ليحتضن معشوقته على ضوء الشموع، وصار "لميس" في أعين الشباب الحالمين… ولمّعوه ولمعوه ولمعوه حتى أصبح "صرحاً من خيالٍ".
هي، لا شك، فكرة ذكية من السلطة، بعد أن أدركت أن الناس كفرت بأدائها وبكفاءات مسؤوليها فـ"صنعت" لهم عبدالفتاح العلي، فكان هو "القشة التي ظن الغريق أنها ستنقذه"، لكن القشة سرعان ما احترقت، وما أسرع احتراق القش.
هو صدّق نفسه، وهو رجل محدود الإمكانيات كما اتضح من نهجه ومن أحاديثه، وما أكثرها، إذ توهم أنه بمفرده، ومن دون دراسات ولا خطط واضحة المعالم، ومن دون برنامج حكومي متكامل للقضاء على الزحمة الخانقة في شوارعنا، سيقضي على الزحمة المزمنة بطريقة "عصا الساحر" فسلّم نفسه للإعلام بكل سعادة وبراءة! لكنه ويا للحزن انطبقت عليه مقولة أحد الأصدقاء: "دوي انفجار بالونة عبدالفتاح العلي الوهمية سيصم الآذان"، وهذا ما حدث، مع انطلاقة العام الدراسي وعودة الناس من المصيف في الدول السياحية.
لا تقتلوا عبدالفتاح، ولا تبنوا له نصباً تذكارياً، فقط رشوا وجهه بالماء ليستيقظ من حلمه، واطلبوا له فنجان نسكافيه ورحبوا به في "الأمر الواقع"، ليعرف أن حدود إمكانياته، والإمكانيات المحيطة به، لا تتجاوز "الحد من المشفّطين"، وهذا إنجاز يليق بحكومات الكويت المتعاقبة… والأهم قبل ذلك أن يدرك الشعب الغريق أن القشة لا تنقذ من الغرق.
وفي انتظار عبدالفتاح علي آخر، تعالوا نسلي أنفسنا بالبكاء ونحن نتفرج على تطور الدول وتنافسها وتسابقها.