أحيانا نحتاج إلى شرح أمور واضحة للعيان، ولكن يتعمد البعض تغييبها أو ينقصه الذكاء الذي يمكنه من رؤيتها، وهو ما يجعلنا مضطرين لشرح ما لا يحتاج إلى شرح كأن نبين للناس أن الماء سائل أو أن البحر مالح أو أن الكويت حارة صيفا، وكم هو مزعج أن نضطر لشرح تلك الأمور لأناس يفترض بأنهم راشدون عاقلون يعرفون مثل هذه الأمور.
متابعة قراءة شرح الواضح
التصنيف: علي محمود خاجه
email: [email protected]
twitter: @alikhajah
«أحد يقنعني!»
سلمتم الرياضة الكويتية بالوراثة لأحمد وطلال بقرار عاطفي بعد تحرير الكويت، ودعمتموهما باسم الكويت وأموالها لبسط نفوذهما في القارة رياضياً، فما كان منهما إلا تعزيز مواقعهما ووجودهما الرياضي رغما عن الجميع، فإن حاول أحد التخلص منهما أو تقويم سلوكهما أوقفا الرياضة الكويتية بقرار دولي هما يتحكمان فيه بسبب النفوذ الذي تحصلا عليه دولياً بسبب الحكومة الكويتية ومؤسساتها، وحرما الشباب من ممارسة الرياضة ورفع اسم الكويت، فإما بقاؤهما أو إلغاء الرياضة الكويتية، هذا هو الواقع كي يستوعب من يجهله.
الحل الوحيد لإقصائهما دون إيقاف للنشاط الرياضي هو من خلال انقلاب غالبية الأندية الكويتية عليهما وإزاحتهما بطريقة لا يمكن أن يتذرعا فيها بتدخل حكومي أو ما شابه، وتنتهي المسألة، ولكن هذا الحل يبدو مستحيلا أيضا، فغالبية الأندية الكويتية تقف معهما دون مبرر موضوعي، وسأثبت ما أقول.
ربع قرن تقريبا على تسلمهما زمام الرياضة الكويتية، والنتيجة تراجع في كل الرياضات باستثناء ما هو خارج نطاق سيطرتهما، كالرماية مثلا التي حققت وما زالت تحقق الميداليات الأولمبية، وهي أرفع ميداليات على مستوى العالم، الفشل في الوصول إلى كأس العالم وأحيانا الفشل في الوصول إلى تصفيات كأس العالم لسبع مرات متتالية، والفشل في الوصول إلى مراكز متقدمة في كأس آسيا وأحيانا الفشل في الوصول إلى كأس آسيا في ست مرات، والحصول على كأس الخليج ثلاث مرات من أصل 12 بطولة خلال ربع قرن، علما أن الكويت حصلت على كأس الخليج قبل وصول أحمد وطلال للقيادة سبع مرات من أصل 10 بطولات، هذا التردي وتلك الأمثلة طبعا تنسحب على مختلف الرياضات التي يتولى إدارتها أحمد وطلال وأتباعهما.
إذاً ما الذي يجعل أي عاقل يختار مثل هؤلاء لقيادة الرياضة الكويتية؟ وكل الأرقام التي لا تكذب تثبت فشلهما، ليس فشلهما فحسب بل تفوقهما في الفشل، فلو سلمنا أي مجنون أو معتوه الرياضة الكويتية مدة 25 عاماً فلا أعتقد أنه سيتمكن من تحقيق الفشل نفسه الذي حققه أحمد وطلال.
شخصياً لا أجد أي سبب منطقي أو مقنع لدعم أو تأييد فشل أحمد وطلال، فهل يا ترى يعود سبب الدعم إلى الانتفاع على المستوى الشخصي؟ سواء كانت هذه الاستفادة أموالا أو منصبا يمكّن الداعم من السفر المجاني مع وفد رياضي لا أكثر ولا أقل، بمعنى أن من يدعم هؤلاء لا يتقاضى مقابل هذا الدعم سنويا سوى سفرة مجانية لا تتجاوز تكلفتها للفرد الواحد ألفين أو ثلاثة آلاف دينار على أقصى تقدير!!
هل فعلا هناك من هو مستعد لبيع الرياضة الكويتية وإنتاج الفشل يوما بعد يوم من أجل ألفين أو ثلاثة آلاف دينار سنويا بمعدل 250 ديناراً شهريا؟! ما أبشع أن يكون هناك بشر بهذا الرخص وما أبشع أن يستمر هذا الأمر!
ضمن نطاق التغطية:
على هيئة الشباب والرياضة أن تدعو دول الخليج لإقامة البطولة في موعدها، وتتولى التنظيم بشكل كامل، وتعامل الاتحاد الكويتي كاتحاد ضيف لا علاقة له بالتنظيم والتجهيز شأنه شأن بقية الاتحادات الرياضية، وبالإمكان تسليم زمام تنظيم البطولة للقائمين على دورة الروضان على أن تقام بملاعب نادي الكويت وكاظمة واستاد جابر، وأنا على يقين أن النتيجة ستكون أجمل.
«فهموا»
لا بد أن نقدم الواقع لمن يجهله أو يتجاهله أو يتعمد إغفاله، فليس المطلوب توحد الأفكار والمعتقدات والعقائد بل تقبلها واحترامها مهما تعارضت مع ثوابتنا وأفكارنا، لذلك نكرر ما قلناه سابقا على أمل أن يدرك من يجهل الأمر هذا الواقع والحقيقة.
الشيعي يعتقد أن الخليفة الرابع أحق من الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه بالخلافة، ويعتقد أن الخلافة أمر إلهي وليس باختيار المسلمين، ولا يعترف بأي حديث يتحدث عن العشرة المبشرين بالجنة، ويؤمن بأن الأئمة الاثني عشر يسبقهم الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- وابنته فاطمة الزهراء عليها السلام، ومعصومون من الخطأ، وبأن الإمام محمد المهدي هو المهدي المنتظر، وبأن الصحابة فيهم الطيب وفيهم السيئ، ويقرأ حديث الثقلين كالتالي: «إني تارك فيكم الثقلين… كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي»، وكل هذه المعتقدات متأصلة في كتب الشيعة ومراجعهم، وهي معتقدات لن تتزعزع أو تتغير إرضاء لأي طائفة أخرى.
السني يعتقد أن الخلافة ذهبت لمن يستحقها وبتسلسل منطقي، ويؤمن بأن هناك عشرة مبشرين بالجنة ولا تجوز الإساءة إليهم أو التقليل من شأنهم أو تخطيؤهم بكبائر الأمور، وإن انقسم الصحابة حول أمر ما فلا يجوز الإساءة إلى قسم منهم، بل يجب تقدير اجتهادهم وإن أخطؤوا، ويعتقد بالمهدي المنتظر، ولكنه لم يولد بعد، ويقرأ حديث الثقلين كالتالي: «إني تارك فيكم الثقلين… كتاب الله وسنتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي»، وكل هذه المعتقدات متأصلة في كتب السنّة ومراجعهم، وهي معتقدات لن تتزعزع أو تتغير إرضاء لطائفة أخرى.
بعض المسيحيين يؤمنون بأن سيدنا عيسى- عليه السلام- هو ابن الله، ويعتقدون أن سيدنا محمد- عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام- ليس بنبي أصلا، وأن سيدنا عيسى- عليه السلام- صُلب وقام من الموت في اليوم الثالث، وهي أيضا معتقدات متأصلة في كتب المسيحية، ولن تتزعزع إرضاء لطائفة أو دين آخر.
وهناك من لا يؤمن بالله أصلا، ويقول إن الكون هو وليد المصادفة، وآخرون لا يؤمنون بالقيامة، وإن آمنوا بوجود خالق، ولا بالجنة والنار، وغيرهم ممن يعبد البقر، أو النار، أو يعيش يومه دون اكتراث أصلا.
كل هذه النماذج تعيش بيننا بنسب متفاوتة، وليس من المنطقي أو المعقول أبداً السعي إلى توحيدهم في معتقد واحد، فلا الشيعي سيعتقد بأحقية الخليفة الأول، ولا السنّي سيؤمن بأحقية الخليفة الرابع، ولا المسيحي سيعتقد بما جاء به الإسلام.
إن ما يجمعنا في هذا الوطن هو القانون، والحقوق والواجبات لا المعتقدات، وأي سعي إلى التعدي على معتقد بحجة مراقبة ما يطرحه هو انتهاك للدستور القائم على أساس الحقوق والواجبات وحرية الاعتقاد.
فما الذي نبحث عنه حين مراقبة معتقدات الناس؟ أقولها بيقين إننا لن نجد سوى ما يؤمنون به، والذي يختلف مع عقائدنا، وما نؤمن به، بل قد ينسف اعتقاده مذاهبنا ودياناتنا، وتلك هي طبيعة العقائد.
لننصرف عن هذا التخلف الذي نعيشه، والتصيد على معتقدات الآخرين، فلو كانت تتفق معنا لما كانت معتقداً آخر أصلا، ولنركز على بناء الدولة التي أصبحت في عداد الدول المؤقتة بسبب هذه الرجعية والصراع السخيف الذي نعيشه.
«قمندة الإخوان»
فجأة وبعد سنوات من التصعيد والمعارضة قرر بعض ممثلي الحركة الدستورية بمعية بعض السياسيين زيارة سمو الأمير في خطوة متوقعة لمن يعرف منهجية عمل الحركة الدستورية وأسلوبها البعيد كل البعد عما يسمى بالمبادئ والمواقف الثابتة، ومفاجئة لمن كان يعتقد أن هذه الحركة ستلتزم في يوم ما بموقف أو مبدأ.
وبالطبع فإن تلك الزيارة ما هي إلا مقدمة من الحركة الدستورية للعودة غير المشروطة للانتخابات البرلمانية المقبلة، فلا حكومة منتخبة ولا إسقاط لمرسوم ولا إسقاط لقضايا ولا تراجع عن أي أمر من السلطة، بل عودة وفق كل ما عارضته الحركة الدستورية من الألف إلى الياء.
كما ذكرت آنفاً فمن يعرف الحركة الدستورية يعلم جيدا أن عدم الالتزام بموقف واضح هو من عاداتها، والتراجع عما عاهدت عليه بقية من معها هو أسلوبها دون أي اعتبار لأي التزام أدبي مع أي مجموعة أو تنظيم أو تيار، ولكن قد تكون هذه التهدئة التي جنحت إليها فجأة، وهذا التمهيد للعودة غير المشروطة للانتخابات البرلمانية بعد فترة قصيرة من حبس حليفها الرئيسي النائب السابق مسلم البراك، هما ما قد يثيران استغراب حتى من توقعوا انقلاب الحركة الدستورية، وأعتقد أني أعرف سبب سرعة الانقلاب.
بعد الاعتداء الآثم على الكويت في رمضان من خلال تفجير مسجد الإمام الصادق وتبني جماعة تتكلم باسم الدين لهذا العمل البشع تعالت الأصوات والمطالب المستحقة بضرورة إعادة النظر فيما يقدم من محتوى ديني في الكويت، سواء في المساجد أو الإعلام، والأهم في المناهج الدراسية، حيث اتفق الكثيرون على أن وزارة التربية يقع على عاتقها الحمل الأكبر في محاربة التطرف وتهدئة نفوس الصغار بدلا من تأجيجها ضد كل ما هو مختلف، وهنا مربط الفرس وهذا ما عجّل من خطوات الحركة الدستورية نحو التهدئة والعودة للحياة السياسية بشكلها الطبيعي حسب اعتقادي.
فالحركة الدستورية تعلم علم اليقين أن سر قوتها لا يتمثل أبدا بمرشح ذي كاريزما أو موقف سياسي معين، بل إن كل قوتها هي في هيمنتها على أهم مؤسسة في الكويت، وهي المؤسسة التعليمية بحكم ارتباط هذه المؤسسة بكل كويتي وبشكل يومي ولمدة ست ساعات في اليوم على الأقل، وأي محاولة لتقويم المناهج في هذه الوزارة يعني بالتأكيد زوال هيمنة تيارات الإسلام السياسي عن هذه المؤسسة، وهو ما يعني فقدان السيطرة على الأجيال، وبالتالي ضياع كل شيء.
إذاً فالمسألة مسألة بقاء بالنسبة إلى الحركة الدستورية لا مسألة مقعدين أو ثلاثة داخل مجلس الأمة، بل هي أبعد من ذلك بكثير، وهو ما جعلها تسارع في التمهيد للعودة على أمل ألا تفلت الأمور من بين أيديها، هذا ما أعتقده على الأقل وقد أكون مخطئاً في ذلك.
«شمعنى سيلفي»؟
لا أعتقد أن هناك عملاً تلفزيونياً رمضانياً في هذا العام تفوق على "سيلفي" الحربي والقصبي ومن معهما من نجوم، فقد قدم هؤلاء النجوم وجبة ثرية واقعية عميقة بأسلوب لطيف ومقبول دون مط أو تطويل ودون إسفاف أو تهويل.
لامسوا حياة مجتمعاتنا الفعلية، وطرحوا قضايانا الخاصة والعامة وتعرضوا لمخاوفنا وناقشوا المشاكل والأسباب، وتعرضوا لحالات واقعية نراها ونسمع عنها كل يوم، وقدموا كل هذا بوضوح وبشكل تتقبله العيون والعقول.
طيب، لماذا "سيلفي" بالتحديد؟ فبإمكان الكثير من الكتّاب أن يؤلفوا نصوصاً ويختاروا المواضيع المطروحة نفسها، خصوصا أن المواضيع ليست مستحدثة أو مبتكرة، بل هي أمور نعيشها كما ذكرت آنفا، وبإمكان الكثير من النجوم والفنانين أداء الأدوار المطلوبة لتجسيد تلك المواضيع، ومن ناحية الميزانية فإن معظم أعمال رمضان ترصد لها ميزانيات متقاربة، فلماذا نجح "سيلفي"؟
ضوء أخضر هو المختلف في الأمر فقط لا غير، "تطرقوا لأي موضوع وعالجوه بكل حرية فلا خطوط حمراء تحدكم ولا محاذير تعرقلكم، دعوا الناس يرون واقعهم بلا تجميل أو تضليل"، هكذا أتصور كان منطق القائمين على محطة "إم بي سي" في اتفاقهم مع "سيلفي"، فكانت النتيجة أضخم عمل رمضاني وأعلى مشاهدة، وإشغال الدواوين بالحديث حول "سيلفي"، وأعلى موضوع متداول في "تويتر"، وهو ما يعني التفاف أكثر نسبة مشاهدين حول شاشة "إم بي سي" وهو هدف المحطة بلا شك.
أما بقية الأعمال (الخليجية على الأقل) فتمحورت حول مواضيع مستهلكة بمعالجة مكررة- احتيال ومخدرات وحب بين فقراء وأغنياء وسجن وعقوق- لأن هناك جهازا تعيسا يسمى رقابة يمنعهم من التطرق لمشكلات حقيقية ويفرض عليهم قوالب لا تتغير، فالرقابة سخيفة لدرجة أنها تغير اسم مسلسل "فال مناير" إلى "حال مناير" و"بشت الوزير" إلى "بشت المدير"، وتمنع ذكر اسم كيم كاردشيان بالمسلسلات وتمنع التلميح عن المذاهب، وترفض التطرق لفساد الأجهزة الأمنية إن وجد أو التطرق للسياسة، فتكون النتيجة أعمالا بميزانيات صخمة والمردود "الدار كلها منخشة فيك".
أطلقوا يد الفنانين وأعطوهم الحرية ليتكلموا عنا بواقعية، فهم يدخلون إلى منازلنا يوميا عبر الشاشة بلا استئذان فدعونا نستفد من معالجتهم ومواضيعهم لتنجح كل الأعمال كنجاح "سيلفي".
خارج نطاق التغطية:
عيدكم مبارك وعساكم من عواده.
«عشان ترجع»
حالة الكويت مختلفة، ذكرتها مرارا وأكررها، فقد قامت هذه البلدة الصغيرة على الانفتاح وتعدد الرأي والتنوع، فلم تكن يوما منذ تأسيسها لرأي واحد أو لجماعة واحدة أبدا، بل مجموعات مختلفة تتعايش فيما بينها لتتمكن من النجاة، بدليل أن الكويت وكحالة فريدة من نوعها انتخبت أول حاكم لها قبل أن تنتخب الولايات المتحدة الأميركية أول حاكم لها.
لم يكن لقاطني هذا البلد أي خيار آخر، فمصدر الرزق هو التجارة عبر التنقل واستقبال الشعوب والثقافات الأخرى في الكويت، فكان لابد من الانفتاح والتعاطي مع كل شيء مختلف، وهو ما جعل من الفرد الكويتي أكثر تقبلا للآخر وانفتاحا على العالم.
وبالطبع فإن الاطلاع والانفتاح هو بذرة أساسية للإبداع، فقد كانت النتيجة الحتمية مبدعين كويتيين في مختلف المجالات والأنشطة نستذكر منهم للتدليل فقط لا الحصر: فهد بورسلي، عبدالله فضالة، سامي محمد، محمد الشارخ، فاطمة حسين، ثريا البقصمي، عبدالحسين عبدالرضا، فتحي كميل، حياة الفهد، ليلى العثمان، فيصل الدخيل، ولم يقتصر الإبداع على الأفراد بل على المؤسسات كذلك، كالبنك الوطني وتلفزيون الكويت والخطوط الجوية الكويتية وشركة المشروعات السياحية، وشركة الاتصالات المتنقلة، وملاعب ومراكز رياضية ومسارح ضخمة ومرافق متعددة، تسهم في تعزيز الإبداع، وهذا ما حدث.
إلى أن قررنا في الكويت أن نوقف كل هذا التنوع والتفوق في مختلف المجالات ونكتفي بمجال واحد دون سواه، وهو مجال الدين، بمعنى أنه كان لدينا سلة فواكه تزخر بما لذّ وطاب أفرغناها من كل ما تحتويه واكتفينا بثمرة واحدة وهي الدين، فأوقفنا إنشاء الملاعب وأغلقنا الحدائق العامة وما تحتضنه من فعاليات وأنشطة، وهدمنا مسرح الأندلس الذي أقيمت عليه أروع الحفلات الموسيقية، وحصص الرسم والموسيقى في المدارس أصبحت تسمى "احتياط" أو يستعيرها معلمو اللغة العربية والتربية الإسلامية، ومسرح المدرسة الذي كان يتقد نشاطا صار كافتريا للطلبة.
ولأن الكويتيين مبدعون بالفطرة فقد أبدعوا كذلك في المجال الوحيد المتبقي لديهم، وهو مجال الدين، فقدمنا للعالم رموزا في هذا المجال كخالد المذكور، ومشاري العفاسي، والسميط رحمه الله وغيرهم، إلا أن ضيق المساحة المتاحة للإبداع والمرتكزة على الدين جعلت الباحثين عن النجومية يلجؤون إلى كل ما هو شاذ رغبة في التميز، فطفت على الساحة أمثلة متاجرة بالدين وباحثة عن الفتنة أو مقدمة للدين بشكل سمج.
أما من لا ناقة له ولا جمل في هذا المجال فلا يجد ملاذا سوى انتظار نهاية الأسبوع ليشبع ميوله وأنشطته لدى الجيران خارج الكويت، وعلى صعيد المجالات الأخرى فكان التردي والانحدار هما النتيجة الحتمية لها في ظل غياب الاهتمام، فتكررت نكساتنا الرياضية، وانحدرت الموسيقى والفنون، والأدب صار "قليل أدب".
كانت الكويت كالنهر الجاري الذي يتدفق فيه العطاء من كل جانب، فتحمل تلك المياه الجارية الأوساخ وتلقيها بعيدا، ويتجدد فيها الإبداع بشكل مستمر إلى أن قررنا أن نبني سداً يمنع مياه النهر من التدفق، والنتيجة بركة مياه اختلط فيها الفاسد بالنقي.
لا بد من إعادة كل الثمار إلى سلة الفواكه ليعود فن النفيسي ولعب العنبري وموسيقى غنام الديكان وشعر فايق عبدالجليل ودين علي الجسار، لنعيد كل شيء كما كان عليه كي نعود كما كنا.
قصة أحمد
المشهد الأول: أحمد في المدرسة
أحمد يبلغ من العمر عشرة أعوام، عاد إلى المدرسة بعد الإجازة الصيفية ليتسلم جدوله الدراسي، وكان كالآتي: دين– عربي– حساب –فرصة – اجتماعيات – علوم – موسيقى – إنكليزي.
وبدأت حصة الدين التي يدرسها الأستاذ مصطفى، ليقدم فيها الأستاذ بعد التحية جرعات من الدعوة إلى الدين والتشجيع على الصلاة في المساجد وعدم تفويت الفرصة أبداً، مشجعاً تلاميذه، ومن بينهم أحمد، على الصلاة في المسجد والاستماع إلى الدروس الدينية التي تقام هناك، مبيناً لهم ما في ذلك من أجر وحسنات في ميزان الأعمال.
المشهد الثاني: شغف أحمد
تحمس أحمد وبعض التلاميذ وباتوا يرتادون المساجد دائماً داخل المدرسة وخارجها، يصلّون ويتلقون الدروس الدينية المتنوعة طمعاً في الأجر والثواب، فتارةً يستمع إلى أحكام الصلاة، وأخرى إلى فضل الصيام، ومرة ثالثة إلى نعمة الإسلام وأخرى عن محاولة الكفار طمس الدين، فتعلق أحمد بالأمور الدينية وكبر معها واستمر في تلقي علومها من شيوخ المساجد، إبراهيم ويوسف ومحمد وأساتذة الدين المتعاقبين مصطفى وأسامة وناصر ويعقوب، وباتت القنوات الدينية عبر التلفاز هي قنواته المحببة التي يتابع ما يُبَث عبرها بشغف ليتعلم عن الإسلام ومذاهبه وفروعه ويبحث عن الفرقة الناجية وكيفية التعاطي مع الأديان والمذاهب الأخرى.
المشهد الثالث: ضيق أحمد
بات أحمد يناقش زملاءه ممن يختلفون معه في المذهب، ويحاول أن يقنعهم بصواب مذهبه وفساد مذاهبهم، وينظر إلى الأديان الأخرى بازدراء وسخرية وغضب أحياناً، فكيف لقوم أن يعبدوا البقر أو النار وكيف لآخرين أن يرتضوا غير الإسلام ديناً؟! وأصبحت القنوات والكتب والمناهج وكل ما هو مرتبط بالدين من حوله تحثه على اتجاه واحد، وهو نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله، وهو أعظم درجات الإسلام كما علمه أساتذته وشيوخه وقنواته.
أصبح أحمد يشعر بالضيق مما يدور حوله، فالمبتعدون عن الإسلام الصحيح بنظره كثر، سواء من جيرانه أو حتى الدول المحيطة به، وكان يعبّر عن هذا الضيق لكل من حوله، وكانوا يبادلونه الشعور بالضيق وضرورة العمل من أجل إعادة الأمور إلى نصابها السليم، مستعينين بكل القصص والروايات المحفزة لإعلاء الدين الصحيح وضرورة محاربة من يدعو إلى غير ذلك، فإما أن يعودوا إلى الدين الصحيح أو أن يستشهد دون ذلك فيحظى بالنعيم ويخلد فيه.
المشهد الرابع: قرار أحمد
وبالفعل لم يجد أحمد بداً من التحرك ضد كل ما يخالف معتقداته، فبات يحاربه بلسانه وبقلبه ولم يكتف بأضعف الإيمان، فهو يريد أن يحارب المنكر بشكل أكبر، ولابد من استخدام يده، فانضوى تحت لواء بعض رفاقه ليحارب الخارجين عن الملة بيده، إلى أن جاء اليوم الموعود ليتجه إلى مدينة مجاورة لمدينته ممن ينتهج أهلها منهجاً عقائدياً آخر، وبحث عن أكبر مكان يجتمعون فيه ليفجر نفسه بينهم ويسقط أكثر عدد منهم، وعلى وجهه ابتسامة رضا وفي قلبه فرح كبير بالشهادة.
المشهد الأخير: قناة دينية
تبث قناة أحمد الدينية المفضلة برنامجاً على الهواء مباشرة يظهر فيه كل الشيوخ والأساتذة الذين تتلمذ على أيديهم أحمد، الشيخ إبراهيم والشيخ يوسف والشيخ محمد والأستاذ مصطفى والأستاذ أسامة والأستاذ ناصر والأستاذ يعقوب، منددين بالإرهاب وفي أعلى الشاشة تظهر صورة أحمد تغطيها علامة (X).
«شالفكرة»
يبدو أنني يجب أن أكرر هذا المقال في كل رمضان على أمل أن تتغير الحال في يوم ما، ففي يوم الاثنين تم القبض على وافد يشرب الماء ظهراً بتهمة المجاهرة بالإفطار والتي قد تصل عقوبتها إلى الإبعاد على ما أعتقد، لذلك أكرر مقالي الرمضاني السنوي لعل وعسى العقول تستجيب لما أقول.
فأنا ما زلت أجهل سبب إغلاق كل أماكن الطعام في فترة الصيام الرمضانية؟ فلماذا نختزل الدولة التي يقطنها أكثر من 3 ملايين شخص من الديانات والعقائد والأفكار المختلفة بدين واحد فقط؟
قد يكون التساؤل أصلاً غير مقبول لدى البعض بحكم أن منع الطعام بالأماكن العامة في رمضان هو ما كبرنا وتأسسنا عليه في الكويت، ولكن إن تحملتم أخذ الموضوع بروية فقد تصلون إلى ما وصلت إليه من قناعة.
فالصيام أحد أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والحج ويفترض على كل مسلم قادر أن يؤدي تلك الفرائض، ودولة الكويت كسائر البلدان الإسلامية تهيئ الظروف لكل هذه الواجبات الدينية، فتنشئ المساجد وبيوت الزكاة، بل تراعي ساعات العمل أيضاً في شهر رمضان، وكل هذه الأمور لا تؤثر في نمط معيشة غير المسلمين في الدول الإسلامية، وهذا هو الأمر الطبيعي والمقبول، إلا أن منع الطعام وإغلاق المقاهي والمطاعم أمر لا أفهمه بتاتاً، فلماذا يفرض على الجميع ما لا ينطبق إلا على فئة معينة وديانة معينة فقط؟ بل حتى إن أراد غير المسلم أن يشرب الماء في فترة الصيام يعاقب بالحبس لمدة شهر والتهمة مجاهرة بالإفطار!!
هناك ديانات وعقائد متنوعة إحداها تصوم عن أكل اللحم مثلاً لمدة معينة من الزمن، فهل يقبل المسلم الذي يعيش في بلد أغلبيته، تعتقد بذلك الدين أن يمنع من اللحم طوال مدة صوم بعض مواطني ذلك البلد عنه؟
كما أننا نقع في تناقض آخر غير مفهوم كذلك، فلماذا نمنع أماكن الطعام فقط في فترة الصيام، ولا تغلق الأماكن العامة في فترات الصلاة طوال السنة؟ فالمنطق واحد وهو أن نفرض على الناس جميعاً ما هو مفروض على المسلمين فقط.
أعتقد أن مسألة منع بيع الطعام بالأماكن العامة ليست سوى عادات وتقاليد كانت مطبقة حينما كان المجتمع الكويتي محدود العدد جداً دون تنوع في الأديان؛ ليتحول الموضوع رغم التوسع وازدياد السكان إلى قانون دون تعمق في فهم الأمر.
السماح لغير المسلم بممارسة حياته الطبيعية لا يمس المسلم بشيء، بل تلك هي طبيعة التعايش دون إضرار بالآخرين، فإن كان الأكل والشرب يجرحان مشاعر الصائمين، فيجب علينا أيضاً أن نفرض الصيام على جميع ما يعرض على التلفزيونات قبل الإفطار، كذلك مراعاة لمشاعر الصائمين.
مجدداً قد لا يجد هذا الموضوع الترحيب بل قد يقابل بالاستنكار، لكني لا أجد أن فرض دين واحد على دولة مدنية يتسق مع العقل والمنطق.
فرضية
في أقل من ثلاث سنوات تفتّت ما يسمى بالحراك، وكل الشعارات التي رفعت طوال السنوات الثلاث الماضية تحولت إلى شتائم وطعن وتخوين بين عناصر ذلك الحراك، بل إن أكثر عناصره ارتباطا على مدى عشرين سنة الماضية اختلفوا، وأصبح الغمز واللمز تارة والكلام التخويني المباشر تارة أخرى شعار أنصارهم ومحبيهم. كل ما حدث وسيحدث نتيجة طبيعية وحتمية للطريقة التي تكوّن فيها هذا الحراك أصلاً، فالتركيز كان منصبّا على جلب القيادات من كل حدب وصوب دون أي معيار كفاءة أو تجانس أو انسجام فكري، بل إن أساس اختيار تلك القيادات ارتكز على قدرتهم على جلب الجماهير، والبحث عن شعارات إصلاح خيالية كل هدفها تحقيق أكبر قدر من "الريتويت"، وأي واقعي كان سيستوعب أن هذا الحراك هزيل ركيك لا يصلح لبناء حركة إصلاحية حقيقية، ولكن بعض المتمصلحين وبعض الحالمين أوهموا أنفسهم بإمكانية الإصلاح من خلال هذه التركيبة غير المنطقية أبدا، إلى أن تكسّرت أحلامهم على صخور الواقع غير المجامل. لست بصدد نبش ما مضى أو التحدث بأسلوب "قلنالكم"، لكني أود أن أطرح فرضية، أحمد الله أنها لم تحدث، ولكني أقدمها كي يستوعب البعض فداحة ما حدث بشكل أوضح، تلك الفرضية تفترض الآتي: ماذا لو كانت مطالب هذا الحراك تحققت قبل ثلاث سنوات بالطريقة التي شكل فيها؟ وماذا لو أن السلطة في الكويت رضخت لمطالب أعضائه وقدمت لهم ما يريدون من تشكيل للحكومة ليهيمنوا بذلك على السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ أعتقد أن هذه الفرضية لو كانت قد تحققت لكان كمّ الكوارث والمصائب على البلاد هائلا، بحيث لا تستطيع العقول استيعابه، فكيف ستكون حال من تفتت وخوّن كل من يختلف معه، ورفع الشعارات الخيالية، وحقق عدداً غير مسبوق من النزاعات والانقسامات في أقل من ثلاث سنوات، دون أن تكون له سلطة أو نفوذ أو مركز قرار، لو تولى أمور السلطة ومغرياتها في المدة نفسها؟ من جعل أشد المؤيدين للحراك يعلن بالحرف "أن نار الحكومة ولا جنة المعارضة"، كفيل بأن يشرح حجم الكارثة التي كانت ستقع على الكويت لو أن هذا الحراك الهزيل تقلّد شؤون السلطة فعلا. إن ما حدث، ورغم شدة وجعه على المخلصين للإصلاح ممن آمن بذلك الحراك، يحتم عليهم التفكير مجدداً بأن الانجراف الأعمى لفكرة مهما كانت واضحة وجميلة بالنسبة إليهم، لا يعني أبداً نبذ المخالف واتهامه بأشنع التهم ونفيه من طريق الإصلاح، فقد يحمل هذا المخالف أحيانا رأيا سديدا وفكرا حكيما، وإن الطريق الوحيد لتبني الإصلاح هو تبني الآراء وفقاً للجودة لا الكم، فها هو الكم العددي يتلاشى ولم يتبقّ أي شيء من الإصلاح. خارج نطاق التغطية: مبارك عليكم الشهر.
استفيدوا منهم
لا حاجة لي بأن أبين موقفي من مالكي جريدة وتلفزيون "الوطن"، فأنا وإن تجاوزت قناعاتي الخاصة بشخصية وأخلاقيات الملاّك فلن أستطيع تجاوز سياساتهم السيئة طوال سنوات تملكهم لتلك المؤسسة الإعلامية، وكمية الفتن والأزمات التي افتعلوها على مرّ الزمن. وكما اتضح في الآونة الأخيرة فإن أداءهم التجاري لم يختلف كثيرا عن سياساتهم السيئة، فقد خسرت مؤسستهم الإعلامية أكثر من 90% من رأس المال؛ مما حتم على وزارة التجارة إغلاق المؤسسة لانتفاء شرط أساسي من شروط قيامها.
ولكن بعيدا عن رأيي الخاص بالملّاك وبعيدا أيضا عن أدائهم السياسي والتجاري فإن تلفزيون الوطن تمكن خلال السنوات الماضية من إثبات أن الإعلاميين الكويتيين قادرون على صنع ما هو مميز ومُتابع من الناس، فقد تمكن الطاقم الإعلامي الكويتي الذي عمل في تلفزيون الوطن من استقطاب المشاهدين داخل الكويت وخارجها، ولم يكن هناك أي مجال للمقارنة بين جودة ما يقدم بتلفزيون الوطن إذا ما قورنت مع الأعمال التي يقدمها تلفزيون الكويت بقنواته المتعددة مجتمعة، وإمكاناته الأكبر بكثير من تلفزيون الوطن، أو أي تلفزيون خاص آخر داخل الكويت.
وبالطبع فإن ما قام به تلفزيون الوطن لا يعتبر أمرا خارقا، بل هو الأمر الطبيعي والمتوقع حدوثه عند تسليم زمام الأمور للمبدعين الكويتيين من أهل الاختصاص، فمختلف المخرجين فيه هم ممن عمل في تلفزيون الكويت في بداياتهم أصلا، كيعرب بورحمة، وأحمد الدوغجي، وعلي حسن، وكذلك الحال مع بعض مقدمي البرامج والمعدين كإيمان نجم، وبسام العثمان، ونادية صقر، وعبدالعزيز عطية، بالإضافة لتطعيمهم بوجوه شابة أصبحوا اليوم نجوما كعمر العثمان وعلي حسين وحصة اللوغاني.
وهو ما يثبت بشكل لا يدع أي مجال للشك أنه متى ما تسلم المبدعون دون محسوبية أو شللية زمام الأمور فإن التميز واستقطاب الناس سيكونان حليفيهما بلا أدنى شك، وعلى هذا الأساس أقول إنه لابد من الاستفادة من الطاقم الإعلامي الكويتي المبدع الذي تمكن من صنع نجاح تلفزيون الوطن، وأعني هنا تسليمهم إدارة تلفزيون الكويت ليعيدوا له بريقه، وهم قادرون على ذلك، كما كان واضحا من خلال تجربتهم بتلفزيون الوطن.
فبدلا من بعثرة أموال تلفزيون الكويت على برامج تافهة ومسلسلات لا أحد يتابعها أصلا، وصور إخراجية رديئة ترهق أعين المشاهدين، توجه تلك الأموال لمن يستحقها لتقديم ما يستحق المشاهدة فعلا.
فمن تمكن من النجاح بأقل من ربع إمكانات تلفزيون الكويت على صعيد المادة والأرشيف وعدد الاستوديوهات المتاحة فعليكم أن تتخيلوا ما هو قادر على فعله إن تسلم زمام الأمور في تلفزيون الكويت.
هي أمنية بأن نستفيد من تلك الطاقات ونستثمرها لتحقق المردود الطيب، ولكن لا أعتقد أن وزارة الإعلام قادرة على استيعاب هذه الفكرة البدهية البسيطة أصلاً.