علي محمود خاجه

عقدة قد يحلها ثمانية

لن أطيل في مقال اليوم فالوضع السياسي القائم القاتم الممتد حتى للأمور الاجتماعية أبلغ من كل كلمة تُكتب، فقد وصلنا إلى درجة التربص حتى بمن يؤدي واجب العزاء، وتوضع الصور على الصفحات الأولى للصحف عن زيارة سياسي من هذا الفريق لعزاء سياسي من الفريق الآخر، بل إن البعض بات ينظر إلى هوية المقتول أو المحتجز كي يقيِّم موقفه من الأمور. الواضح أن هذا الوضع سيستمر، فالحكومة تتجاهل كل ما يدور وبقية الساسة يتناحرون في إثبات صواب موقفهم ويقصون الآخر حتى إن كان مصيباً. أعتقد أن هذا الوضع تجلى، وأقول تجلى ولم يبدأ، منذ "مجلس فبراير" الماضي حينما تعمّدت أغلبية ذلك المجلس إقصاء البقية وعقد الاجتماعات المنعزلة، بل طرد بعض الأعضاء من تلك الاجتماعات أحياناً عطفاً على انتقائيتهم في رفع الحصانة واستفرادهم حتى بتقديم الاستجوابات لدرجة أن نائب رئيس ذلك المجلس صرّح بأن أي استجواب لا يوافق عليه الأغلبية لن يؤَّيد حتى إن كانت القضية مستحقة! وها هو "مجلس ديسمبر" يستمر بهذا الأسلوب وكأنه يحاول الانتقام من ممارسات "فبراير" بشخصانية واضحة لدرجة وصلت إلى حرمان المواطن وليد الطبطبائي من حقه الدستوري بالتقاضي برفض "مجلس ديسمبر" رفع الحصانة عن أحد نوابه. المشكلة أن هذه العقدة والانقسام سيستمران في ظل فرح حكومي من حالة الانقسام تلك التي تمكن الحكومة بكل تأكيد من التحكم بمجريات الأمور بشكل سهل بمجرد تمكنها من السيطرة على جزء من المنقسمين يقف معها في الحق والباطل. شخصياً أعتقد أنه لا بد من الحوار الآن، وإلا فإننا سنصبح لبنانيين سياسياً قريباً جداً، فحالة الانقسام تلك لن تؤدي إلى الانفراج أبداً، ولأن الحوار مطلوب فلا بد من ناس يتقبلونه ونتقبلهم أيضاً، وعلى هذا الأساس فأنا أتمنى بل سأسعى إلى حوار شعبي مشترك للوصول إلى صيغة تعيد للوضع السياسي الكويتي نصابه السليم من خلال أطراف يمتلكون الحد الأدنى على الأقل من القبول لدى مخالفيهم، وأرشح لذلك السادة علي العمير وعدنان عبدالصمد ورياض العدساني وعادل الدمخي وعمار العجمي، ومن الشباب وهم الأهم بالنسبة إلي راكان النصف وبدر ششتري وفلاح الحشاش، وسأبدأ من اليوم في السعي إلى هذا الحوار، وكلي أمل أن يتحقق في المقام الأول وأن يثمر عن الأفضل للخروج من هذه العقدة الكريهة. خارج نطاق التغطية: أتابع في هذه الأيام أكثر الوجوه ظهوراً على الشاشة، وأعني الشيخ أحمد الفهد، ويؤسفني فعلاً الحال التي وصل إليها لدرجة بات يعتقد فيها أن كل ما يحصل في الكويت من أجله فقط، فإسقاط مجلس ٢٠٠٩ شعبياً كان من أجله، وتحقيق كأس الخليج الماضية في اليمن لأنها تحمل اسم والده، وتحديد رئاسة الاتحاد الآسيوي ستكون بسببه، حالته صعبة جداً جداً.

علي محمود خاجه

وأيضاً شهر

قبل عام تقريباً وتحديداً في مارس الماضي كتبت بعد مرور شهر من انعقاد مجلس فبراير المبطل، وكيف أن الأغلبية المبطلة حينذاك انصرفت عن الأمور التي تهم الكويت وتقدمها واتجهت إلى قضايا تعيسة وغير دستورية لا حصر لها في غضون شهر واحد فقط، واستمر أداؤهم المتخم بعدم احترام الدستور والتعدي على الحريات إلى حين إبطال المجلس بعد مرور أربعة أشهر من انعقاده. ومن باب المقارنة فنحن اليوم أمام مجلس جديد مضى على انعقاده شهر أيضا بتركيبة مغايرة تماما عن تلك التي كانت في فبراير، وشعارات نيابية استند معظمها إلى مسح الصورة السيئة لمجلس فبراير. – عقدت الكثير من اجتماعات النواب في مجلس فبراير بالجواخير والمزارع، وكانت محل انتقاد نواب ديسمبر ومؤيديهم، وها هم نواب مجلس ديسمبر يجتمعون أيضا في المزارع والدواوين أيضا!! – تعدى نواب مجلس فبراير على حريات الناس وشككوا في نوايا الشعب الكويتي من خلال اقتراحات حمقاء كقانون الحشمة في تلميح واضح إلى أن المجتمع تحكمه الغرائز دون عقل أو تفكير، فثارت ثائرة نواب ديسمبر ومؤيديهم على اقتراح يشكك في نوايا الناس ويتدخل في تربيتهم، واليوم يقترح نواب ديسمبر قانونا يجرّم الهمز واللمز في الذات الأميرية في محاسبة واضحة للنوايا، فوفق قانونهم المقترح من المحتمل أن يسجن شخص لمدة خمس سنوات لأنه قال " الحَكَم ظالم" حتى إن كان قوله مقترن بمباراة كرة قدم!! – تغاضى نواب فبراير عن ٦٠٠ مليون دينار هي مبلغ تعويض الداو كيميكال لمجرد أنهم لم يرغبوا في أن يتمزق تحالفهم (حدس والشعبي) فقبلوا أن تذهب ٦٠٠ مليون دون حساب في تعارض صريح مع واجبهم بالذود عن أموال الشعب، واليوم يوافق حسب ما يتردد أكثر من ٤٠ نائباً على إسقاط القروض عن المواطنين، والتي اقترضها المواطنون طواعية من الجهات الممولة في تعدٍّ واضح على المال العام أيضا. – ملأ نواب فبراير الصحف تهديداً باستجواباتهم لمختلف الوزراء بل وجهوا استجواباتهم أيضا، فكان نواب ديسمبر يعدون الناس بزوال الاحتقان الحكومي النيابي مع المجلس الجديد، وها هم اليوم يهددون الوزراء المختلفين بالاستجوابات أيضا في استمرار ملحوظ لأسلوب نواب فبراير. هذا هو أداء مجلس ديسمبر المشابه لمجلس فبراير في أول شهر من عمره، وأعلم جيدا أن من قال لي في مارس الماضي إنه من المبكر الحكم على مجلس فبراير سيسوّق هذا المقال ليثبت سوء مجلس ديسمبر، وبالمقابل فإن بعض من سوّق مقالي في مارس سيصفني بالمستعجل أو المتصيد على مجلس ديسمبر. المشكلة لم تكن ولن تكون في صوت أو بأربعة، بل في انحدار مستوى الاختيار لدى الكويتيين وانحراف العقليات عن المسار الطبيعي الذي جبلت عليه الكويت، وأوصلها إلى التقدم في فترات سابقة، ولن تجدي محاولات التغيير بعدد الأصوات أو النظام الانتخابي ما لم تكن هناك حركة إصلاحية شاملة تقوّم هذا التردي، أساسها التربية والتعليم وحرية الفكر وتشجيع الإبداع والتغيير. خارج نطاق التغطية: تصرح الجهات المختصة في الكويت أن الشوارع في الكويت لا تستوعب إلا ٩٠٠ ألف سيارة في حين أن السيارات المسجلة تعادل مليوناً وسبعمئة ألف سيارة تقريبا، بمعنى أن عدد السيارات المسجلة ضعف الطاقة الاستيعابية، وهي بلا شك لم تحدث فجأة، ولم تتصرف الدولة تجاه هذا الأمر أبدا إلا بتصريح واحد وهو أن الزحمة نعمة!!

علي محمود خاجه

«راح ينحل»

البعض متفائل بأن هذا المجلس سيكمل مدته القانونية، ويعيد للمجالس التشريعية دورها المفقود والغائب منذ تولي سمو الشيخ ناصر المحمد رئاسة الوزراء.
رغم تفاؤلهم وأملهم المعقود فإنني أخالفهم الرأي لأسباب أشرحها في هذا المقال، وقد أكون مخطئاً لكن تلك هي رؤيتي.
الشعار الذي واكب انتخابات الصوت الواحد هو الملل من التأزيم، والانطلاق نحو التنمية، وهو الحلم الذي حاول المرشحون والحكومة تقريبه للمواطنين لتسويق الصوت الواحد، فأثمر هذا المجلس ذا النسبة الأقل في تاريخ المجالس النيابية الكويتية.
ورغم الاختلاف الكلي لمجلس ٢٠١٢ مكرر عن سابقه، فإن الحكومة عادت بنفس التشكيل تقريباً، وأقصد هنا العقلية لا الأسماء، فالحكومة بغض النظر عن تشكيل المجلس تصر على تشكيل المحاصصة دائماً (عوائل- قبائل- طوائف ومن الجنسين)، وهو أمر لم يجدِ نفعاً عن ذي قبل ولن ينفع اليوم، فحتى عندما عملت الحكومة دون مجلس لأكثر من عشر سنوات في فترة حل مجلس ٧٥ ومجلس ٨٥، فإنها لم تحقق أي نجاح يذكر لأنها لم تعتمد على الكفاءة والقضاء على الفساد، بل على الترضيات والاستثناءات وبعض الحمقى أحياناً.
الآن لنفترض أن هذا المجلس يرغب فعلاً في التنمية بنية صادقة وعمل دؤوب، وأنا هنا أفترض مع كثير من الشك، بناء على هذه الفرضية فإن المجلس سيسعى لإقرار أمور تضمن هذه التنمية، مثل تحرير المزيد من أراضي الدولة لحل المشكلة الإسكانية غير المبررة، أو تيسير الأمور بشكل أكبر على القطاع الخاص كخطوة نحو المركز المالي المزعوم، أو المدن الجامعية في مختلف المحافظات، أو تحسين القطاع الصحي والطرق وغيرها من مشاريع.
فإن أُقر كل ما سبق أو جزء منه على الأقل، فإنه بذلك وضع الكرة في ملعب الحكومة لإنجاز تلك الأمور، وبالتأكيد فإن حكومة ترضية مكونات المجتمع والمحاصصة لن تتمكن من ذلك، ولنا في عجزها عن تنفيذ المشاريع أمثلة كثيرة كاستاد جابر والدائري الأول ومدينة الحرير والمنطقة الحرة وميناء مبارك ومحطة مشرف والخطوط الكويتية وجامعة الشدادية وإنقاذ البورصة، وأمثلة عجز أخرى لا تحصى.
وإن عجزت وستعجز طبعا كما عهدناها، فذلك سيجبر المجلس على خيارات محدودة، إما التصادم مع الحكومة لعدم إنجازها، وهو ما ستسميه الحكومة تأزيماً، وإما أن يختار مجلس الأمة مهادنة الحكومة في عجزها عن الإنجاز، وهو ما سيجعل المجلس في صدام مع الناخب الذي لا يجد ما سمعه منهم عن التنمية وبقية الأحلام.
وإن كان الصدام هو خيار المجلس، فذلك سيعجل بإعادة صياغة تشكيل الحكومات بشكل مغاير عن الخمسين سنة الماضية، وهو أمر لا تريد السلطة تغييره بإرادتها رغم كل المتغيرات في تفكير وسلوك الناخبين، أما إن كان اختيار المجلس الحالي هو مهادنة العجز الحكومي فذلك سيجبر الناخب مستقبلا على إعادة اختيار نواب من نوعية مجلس فبراير، على اعتبار أن مجلس ديسمبر شريك في عدم تحقق التنمية من الحكومة، وتترسخ فكرة أن منهج الحكومات هذا يجب أن يحارب.
هناك خيار أخير للحكومة والمجلس الحاليين للاستمرار، وهو توزيع أموال بشكل فردي كإسقاط القروض والزيادات وبقية الحماقات الأخرى، فإن أقدموا على هذا الأمر فهذا باب لن يوصد أبداً إلى أن تفلس الدولة، وهي نتيجة حتمية للتغيير أيضاً.
لكل تلك الأسباب أقول إن المجلس سيُحل، ولن يستمر كي تحافظ الحكومة على تشكيلاتها العقيمة قدر المستطاع، وألا تنكشف أمام من تبقى من مصدقيها من الشعب.

ملاحظة:
لم أتطرق في هذا المقال إلى عوامل أخرى كانتظار حكم الدستورية بدستورية مرسوم الصوت الواحد، أو حتى الحراك المعارض لهذا المجلس، بل تعاملت مع هذا المجلس دون أي ظروف تؤثر عليه خارج إطاره.

علي محمود خاجه

أزمة

– نعتبر عدم قول الحقيقة من قبل خصومنا بأنها كذبة وتدليس وتشويه للحقيقة، وأنها من الكبائر التي تستلزم الجلد والنبذ والنفي، ونعتبر كذبة الأصدقاء بأنها تكتيك واستراتيجية ودهاء وحنكة. – نقبل بأن يكون لنا رأيان في قضية واحدة تتغير بتغير الأشخاص أو المواقع فقط، ونسمي ذلك مواءمة، ونتحجج بالظروف والمعطيات، وعندما يمارس الغير أسلوبنا ذاته نعتبره نفاقاً ونردد الآيات والأحاديث في نقده. – نعمم جريمة قتل فردية بشعة على فئة تحوي أكثر من 100 ألف إنسان، ونصنف كل الفئة بالمجرمين والقتلة و"اللفو" والرعاع لمجرد أننا لا نحبهم، في حين لا نعمم على أسرة واحدة نحبها جرائم أبنائها كالاختلاس والقتل، ونشدد بل نحارب لنثبت أنها أمور فردية لا يجوز تعميمها. – لا نبالي أن يعيش بيننا بشر بلا هوية ولا تعليم ولا صحة ولا سكن ولا وظيفة لمدة خمسين عاماً، ونكتفي بقول "خل يطلعون جناسيهم" وكأن الإنسانية مقرونة بجنسية وهوية، وفي نفس الوقت نطالب بإسقاط القروض عن المواطنين، ونستنزف أموال الدولة كي لا نثقل كاهل المواطنين مادياً، حتى إن كانت قروضهم من أجل سيارة فارهة وإجازة سياحية. – تزهق روح شابة بريئة أمام مرأى الناس في أكثر الأماكن ازدحاماً بالكويت، فنتسابق لتصوير الضحية وإرسال صور الجريمة البشعة بكل وسائل التواصل وسبلها لنحقق السبق السخيف. – نردد "ملّينا" من الفساد وتراجع الأحوال في البلد، وتفشي "الواسطة" والمحسوبية في كل القطاعات، ثم نعتبر من يخلص لنا معاملة أو يزوّر لنا عذراً طبياً أو يستثنينا من طابور أو يعيننا في وظيفة يوجد من يستحقها أكثر منا بأنه "راعي نخوة وما قصّر". – نعامل الناس وفق مناطقهم، ونعتبر من لا يدل الفيحاء أو اليرموك بأنه ليس من أهل الكويت، ونقبل في الوقت نفسه بأن نضل الطريق للوصول إلى تيماء أو صباح الناصر، بل قد نتفاخر في ذلك. – نرحب بكل شكل من أشكال القانون في الخارج، ونلتزم به أكثر من أهل البلد أنفسهم، وعندما يطبق علينا القانون في بلدنا نردد "شمعنى إحنا". – نشاهد رجلاً يُسحل وآخر يُقتل وثالثاً يُعذَّب ورابعاً يهان فنردد دون خجل "زين يسوون فيهم"، وعندما يحاول البعض استنكار هذا الوضع بطرق مشروعة نسميهم غوغائيين. – نطالب بتعيين الكفاءات ونذهب إلى شراء الشهادات الجامعية من الخارج. تلاشي الأخلاق مشكلتنا وأزمتنا، وما سبق مجرد شواهد على ما أقول، العلة ليست بمرسوم أو صوت واحد أو أربعة أو حكم قضائي أو احتجاز أو ضرب، مشكلتنا أخلاقية بائسة لن تستقيم معها الحال والأخلاق في تردٍّ وانحدار مستمر، ولا نحرك ساكناً لتقويمها بل نعزز تلاشيها حتى نكمل تكوين الغابة قريبا. كل السلوكيات التي نعانيها هي مجرد تفاصيل لأزمة حقيقية عنوانها الأخلاق، وتقويمها الأساسي هو التعليم والتربية، فالدولة تمتلك فرصة مقدارها الـ14 سنة الأولى من عمر الإنسان من رياض الأطفال إلى التعليم الثانوي نستطيع من خلالها أن نرسم بل ننحت الهوية والأخلاقيات التي نريد على أبنائنا، فنشكّلهم كما نريد، لنقدم للدولة هوية أخلاقية حميدة لكننا لا نفعل، وكما هو واضح لن نفعل للأسف.

علي محمود خاجه

«بانت فيلجا»

أخيراً ثبت لبعض شباب الحراك ما كنا نحذرهم منه طوال الفترة الماضية، فقد كنا نكرر مراراً أن تيارات الإسلام السياسي تعادل في سوئها حكوماتنا المتعاقبة، ولا تؤمن لا بدولة دستور ولا بمبدأ، ولا يجدر أبداً أن تشتبك أيادي الشباب بأياديهم بحجة القضاء على فساد الحكومة، ففساد التيارات الدينية لا يقل سوءاً عن الحكومة بل إن التيارات الدينية كانت حليفة للحكومة طول السنوات السابقة، وكل ما في الأمر أن مصالحهم تعارضت اليوم، فباتوا في معسكرين على غير عادتهم. فيوم الخميس الماضي استخدم جمعان الحربش الذي رفض قبل أقل من شهر استخدام الفتاوى والمساجد للتشجيع على التصويت، أقول إن الحربش استخدم  فتاوى من بعض علماء الدين تصب في مصلحة تيار "الإخوان المسلمين" في مصر! ومساء الجمعة تسابق النواب السابقون من التيارات الدينية على رفض فكرة المبيت النسائي، وبدؤوا بمحاولة فرض وصايتهم على هذا الحراك الذي بادر به حساب "كرامة وطن" على "تويتر"، في تشكيك مقيت بالأخلاقيات ونظرة دونية للمرأة وتصويرها كجسد مثير للغرائز، وهي بالمناسبة ليست المرة الأولى لهذا التصوير من قبل التيارات الدينية، فقد سبق لهم في مناسبات عدة أن شوهوا صورة المرأة وشككوا في أخلاقها بشكل وقح. شخصياً لست بصدد مناقشة فكرة المبيت ولا الدستور المصري، ولكني أتكلم عن حالتين واضحتين تجلى فيهما تلون التيارات الدينية ومحاولة فرض وصايتها. إن ما حدث في يومين يثبت ما كنّا نقوله لبعض شباب الحراك الذي كان يردد بأن القضية تجمعنا معهم، ويجب أن تتضافر جهودنا، وأنا أقول نعم قد نتفق في قضايا لكن لا تقبلوا أبداً أن تشاركوهم أي حراك كما كنا ننصحكم، فهم يعتبرونكم وسيلة للوصول إلى غاياتهم المرتكزة على وأد الحريات والتفرد بالرأي والوصاية على العقول والسلوك والتصرفات، ولأنهم أكثر تنظيماً وبحكم سيطرتهم على كثير من الجهات باسم الدين، فسيتمكنون من ذلك بعد أن يستولوا على الزخم الذي يريدونه من حراك الشباب وجهودهم. اليوم وبعد أن انكشف هذا الموقف التعيس من التيارات الدينية أمام كل من كان يغض بصره عنه ويتعمد تجاوزه، فلا مجال أبداً لتأجيل المواجهة، بل عزل التيارات الدينية- التي تثبت مراراً وتكراراً بألا دستور الكويت يحكمها ولا الحريات ديدنها- عن الحراك الشبابي من أجل الوصول إلى مستقبل أفضل. لم يعد من المعقول أو المقبول محاربة فساد الحكومات المتعاقبة بالتعاون مع تيارات دينية تعادل في فسادها الحكومات المتعاقبة بحجة أنها تتفق معنا على محاربة فساد الحكومات، فالهروب من مفسدة إلى مفسدة أخرى لا يمارسه سوى الجاهل أو الفاسد فقط، وأعلم أن معظم الشباب ليسوا كذلك. اليوم نحن أمام فرصة حقيقية كشباب بتنقية مطالب الإصلاح من المتمصلحين والمتعدين على الدستور من كل الأطراف، على أن يقدم الشباب مطالبهم الواضحة وفق الدستور والقانون والعمل على تحقيقها بعيداً عن كل من كشفته لنا الأيام، فلا مجال للتبرير أو العواطف والميول الخاصة أبداً.

علي محمود خاجه

«ماني ملزوم»

قد يكون هذا المقال فرصة ذهبية لهواة التخوين والتشكيك وما أكثرهم اليوم، إلا أني أكتبه لقناعتي التامة بكلماته التي سأظل أعبر عنها وإن شكك البعض في مقاصدي. عارضت وما زلت على موقفي بمعارضة مرسوم الصوت الواحد لأسباب سبق أن بينتها في مقالات عدة ولقاء تلفزيوني ومناظرة بكلية الهندسة، وقد عبرت عن موقفي هذا بمقاطعة الانتخابات رفضا لتحكم الحكومة بآلية انتخاب من يراقبها، بالإضافة إلى دعمي للطعن المقدم من المؤمنين بدولة الدستور صالح الملا، وأسيل العوضي، ومرزوق الغانم، وعادل الصرعاوي، وعبدالله الرومي، وغيرهم حول مرسوم الصوت الواحد ومدى دستوريته. ولأنني صاحب مبدأ فإني لن أقبل أبدا أن تتحول معارضتي لفوضى بحجة أن هناك تعسفا في استخدام مراسيم الضرورة، ولست ملزما أصلا بتشجيع ممارسات فوضوية بحجة الاحتجاج، وما يحدث اليوم من فوضى في بعض المناطق السكنية تحت مسمى الكرامة، لا أقبله ولن أقبله أبداً، هناك آداب عامة حسب النصوص الدستورية، وهناك قوانين تنظم المواد الدستورية التي يدعي البعض أنه يدافع عنها، واستخدام شعار «احترمونا نحترمكم» لا أعترف فيه أصلا فأخلاقياتي والتزامي بالدستور غير مرتبطين أبدا باحترام السلطة التنفيذية أو التشريعية له، بل هو نابع من التزامي الأخلاقي والأدبي. لقد أقدمت المجالس المتعاقبة وبشكل أكبر من الحكومة بالتعدي على الدستور بشكل أوضح بكثير من مرسوم الضرورة الأخيرة، فالمجلس هو من اشترط ألا يحصل على الجنسية الكويتية إلا المسلم بتعارض مع أكثر من 3 مواد دستورية، ولم أدعُ إلى الفوضى للاحتجاج، والمجلس أيضا هو من أجبر الجامعة على فصل الاختلاط بتمييز واضح بين الجنسين وتعدٍّ صارخ على حرياتنا الشخصية ولم نحتل الشوارع، والمجلس هو من عرقل حق لجوئنا إلى المحكمة الدستورية بشكل مباشر، وهو من تغاضى عن نسف قانون التجمعات الذي يقيد الحراك اليوم، كل هذا التعدي على الدستور ولم نخرج من الإطار الدستوري في معارضته، بل التزمنا بأخلاقنا الدستورية وسنظل كذلك، ولن نحيد عن هذا المنهج، فخرقنا للدستور اعتراضاً على من يخرقه سيجعل أي عاقل يفقد الثقة بنا لأننا متى ما رفضنا أي ممارسة سنتعدى على الدستور بحجة الحفاظ عليه كما فعل رئيس مصر مثلا. نعم سأعارض المرسوم كما عارضت التعدي على الحريات والقوانين غير الدستورية، وما أكثرها في الكويت لكن بإطار منهج الدولة وهو الدستور والقانون، ولن أخرق أي قانون وإن كنت أراه غير دستوري ما لم يسقط بحكم المحكمة الدستورية أو من خلال مجلس الأمة. ولا يفوتني أن أشدد على أن من شارك في التصويت وقبل المرسوم وإن اختلفت معهم إلا أنهم كويتيون لهم رأيهم الذي يحترم ويقدر رغم الاختلاف، ولن أقبل بأي حماقة تخونهم أو تخرجهم من الملة لمجرد أنهم يختلفون برأيهم عني، فجاسم القطامي رحمه الله قاطع انتخابات 1971 احتجاجا على تزوير 1967 وأحمد الخطيب شارك في انتخابات 1971 لقناعته بضرورة المشاركة، وكأنهم دون أن يقصدوا ذلك قدموا درسا لنا بكيفية الاختلاف واحترام الآخر. أما بالنسبة إلى تعاطي «الداخلية» السيئ في كثير من المناسبات خلال الفترة القصيرة الماضية وانعكاساته أكدت بشكل قاطع أن العنف لن يكون في يوم من الأيام حلا مقبولا في الكويت، ولن أقبل به كأمر واقع أبدا. ضمن نطاق التغطية: ما لا أفهمه هو كيف يستغل الصغار في التحركات فيسميهم البعض أحراراً ومنتفضين لكرامتهم، وعندما يتم القبض عليهم يسميهم نفس البعض بالأطفال!! لا تزجوا بهم بل لا تقبلوا الزج بهم بالحراك بالمقام الأول حماية لهذا النشء وحفاظا عليه، وما لا أفهمه أيضا أن بعض المنتفضين لكرامتهم حسب ما يدعون يعقدون انتخاباتهم الفرعية للمجلس البلدي عصرا ويقيمون المظاهرات احتجاجا على المرسوم ليلا!! خارج نطاق التغطية: تقيم جمعية الخريجين الليلة أمسية للرمز الوطني الراحل جاسم القطامي تحت عنوان "جاسم القطامي… رجل ما فقد ظله" في تمام الساعة السادسة والنصف بمقر الجمعية.

علي محمود خاجه

قراءات

أحاول قدر المستطاع أن أنظر إلى هذه الانتخابات التي قاطعتها بتجرد، وقد لا تسعفني العاطفة في ذلك، لكن أقدم هذه القراءات لعلها تكون صائبة:
– تعد انتخابات ديسمبر 2012 أقل انتخابات برلمانية في تاريخ الكويت الدستوري من حيث نسبة المشاركة على الإطلاق، تلك هي الحسبة بلغة الأرقام المجردة.
– إحدى حجج المشاركين في الانتخابات أن مرسوم الصوت الواحد يعطي فرصة للأغلبية الصامتة التي تعادل نسبتها 40 في المئة من الناخبين تقريباً في كل الانتخابات النيابية وفق نظام الدوائر الخمس بأربعة أصوات، تعطيهم فرصة المشاركة واختيار من يمثلهم، ورغم ذلك فقد انتهت النسبة إلى 38.7 في المئة من إجمالي الناخبين، بمعنى أن أكثر من 60 في المئة لم يشاركوا، وهو ما يعني أن رقعة الصامتين ارتفعت ولم تقل.
– سخرية البعض من الأسماء التي نجحت يوحي بأن الأسماء في المجالس السابقة كانت متميزة على صعيد الطرح والرؤى، وهو منافٍ للواقع تماماً، فالطرح المتدني وغياب الموضوعية بل وتزوير إرادة الشعب من خلال الفرعيات كان سمة المجالس المتعاقبة.
– لم يحقق مرسوم الصوت الواحد الهدف المعلن له، وهو القضاء على التفرقة والطائفية مثلاً، فالشيعة بالغالب صوتوا للمرشحين الشيعة، ومن شارك من القبائل صوت بالغالب لأبناء القبائل، والحضر المشاركون صوتوا بالغالب للحضر، أكره هذه التقسيمات ولكنها واقع نشاهده.
– يحسب لهذه الانتخابات أنها نبذت البعض القليل من دعاة التفرقة البارزين خصوصاً المرشح الذي حصل على 8 آلاف صوت في فبراير ليخسر كل هذه الأصوات في ديسمبر، وكذلك عدم حصول أمين عام ما يسمى بثوابت الشيعة على أكثر من 30 صوتاً.
– يحسب على هذه الانتخابات أنها قدمت أكثر من 10 نواب لا يمثلون حتى 2 في المئة من ناخبي الدائرة، وهي نسبة لا تنسجم مع تمثيل الأمة بأسرها أبداً.
– كمية الكذب والتزوير والانقسام الذي شهدته هذه الانتخابات أثبت أن مرسوم الضرورة لم يوحد الكويتيين كما كان منشوداً، بل زاد من حدة تنافرهم وفرزهم.
– يشير البعض إلى أن المجلس قدم أقليات لم تكن تحظى بفرصة من ذي قبل، وأعتقد أن الأقليات وصلت إلى المجلس، ليس بسبب الصوت الواحد بل بسبب المقاطعة من 60 في المئة من الناخبين.
لقد أفضى الشق السياسي والشعبي للتصويت وفق مرسوم الضرورة الجديد للانتخابات، حسبما أرى، إلى سقوطه شعبياً، فلو اعتبرنا أن انتخابات ديسمبر بمنزلة استفتاء شعبي لقبول مرسوم الضرورة أو رفضه، فإن النسبة تبين عدم قبول الشعب به، ولو كنت مكان الحكومة لدعوت فوراً إلى مؤتمر وطني وظيفته الأساسية تقديم نظام انتخابي جديد للكويت لا يخدم حكومة ولا تيارات، كاقتراح د. سعد بن طفلة أن يكون تقسيم الناخبين وفق أحرفهم الهجائية، أو كاقتراح د. محمد المقاطع أن يكون التصويت وفق تاريخ الميلاد، على أن يحدد لهذا المؤتمر فترة زمنية معينة للخروج بنظام انتخابي موضوعي ومدروس. وإن لم يحدث ذلك فعلى الحكومة أن تحترم هذا الرفض الشعبي لمرسومها.
أما الشق القانوني لمرسوم الضرورة المتمثل في عدم دستورية المرسوم كما أعتقد، ويعتقد كثيرون غيري، فأتمنى أن تسرع المحكمة الدستورية في بحث هذا الطعن بأسرع وقت ممكن تجنباً لمزيد من اللغط.

علي محمود خاجه

«للتاريخ بس»

لا أعلم ما ستحمله الأيام القادمة من أحداث وتفاصيل ومستجدات على الساحة وفي أي اتجاه سيكون رأيي حينها. ما أعرفه جيدا هو أن البعض سيحاول في المستقبل القريب أو البعيد أن يكيف موقفي اليوم حسبما يريد ويشتهي بل قد يُحمّلني ومن يتخذ نفس موقفي أخطاء الغير لغاية في نفسه، كما حدث مع موقف الرصاصات الخمس من كتلة العمل الوطني في نوفمبر الماضي. فقد تعمد البعض أن يصور ما سمي بالرصاصات الخمس بأنها سبب تشكيل مجلس فبراير الماضي، وما حمله ذاك المجلس من تطرف وتعد على الدستور وإقصاء، متناسين بأن ذلك المجلس هو نتاج تخبط الحكومة السابقة والاختيار السيئ للناس. لكي لا يتكرر اللوم أكتب وأؤرخ بأن من تدخل في اختيار الشعب لممثليهم هي الحكومة ولست أنا، وأن مَن وعد بعدم مس الدوائر والأصوات إن حصنتها المحكمة الدستورية هي الحكومة ولست أنا، وأن من احتضن التيارات الإقصائية طوال العقود الماضية حتى تغلغلت بين نفوس الناس هي الحكومة ولست أنا. لقد التزمت بالمبدأ دون النظر لمن يؤيد موقفي اليوم، فالمتلون سيتغير حسب مصالحه، وسأبقى أنا، ولن أكون مسؤولاً عن تخبطه أو طرق احتجاجه ورفضه، فهو لا يعنيني أبداً. لقد رفضت اليوم أن تحدد لي الحكومة كيف اختار من يراقبها وغيري قَبِلَ بذلك لأسبابه الخاصة سواء كانت كرهاً بمجموعة من النواب السيئين، أو لأنه يجد في المسألة مصلحة شخصية، أو لأنه يقبل ببساطة أن تتحكم الحكومة فيه. وبالمناسبة وقبل الختام ولمن يعتقد حقاً أن الحكومة تنشد تقويم الإعوجاج الذي صنعته التيارات الدينية، فما مبرر الرقابة على الفكر من الحكومة اليوم بمعرض الكتاب بغياب تيارات الإسلام السياسي؟ التخلف والحجر منهج حكومي بمعية الإقصائيين أو من دونهم. قد لا يكون المقال ذا قيمة اليوم لأن الجميع يعيش الحدث، ولكنه حتماً سيكون ذا أثر حينما تغيب الحقيقة قريباً من البعض فيحمل غير المسؤولين المسؤولية، لذلك اليوم القريب أكتب وأوثق وأؤكد أن المبدأ لا يعرف التلون، بل ثابت لا يتغير بتغير ما حوله. خارج نطاق التغطية: يقيم التيار الوطني المدني المؤمن بالدستور (المنبر والتحالف) مهرجاناً خطابياً بعنوان "ما بعد الأول من ديسمبر" بمشاركة ناشطين ونواب سابقين، في تمام السابعة من مساء اليوم بمقر التحالف بالنزهة.

علي محمود خاجه

«كل الحكاية… بقاطع»

"شصاير؟" مجلس الأمة بنوابه المنتخبين يشرعون القوانين بمعية الحكومة، ويراقبون التنفيذ الحكومي للتشريعات والقوانين والدستور، الحكومة تشرع القوانين مع نواب المجلس وتنفذ التشريعات والقوانين وفق الدستور. تلك هي تركيبة الديمقراطية الكويتية بشكل مبسط جداً. ما يحدث اليوم باختصار هو أن الحكومة غيرت النظام الانتخابي وبذلك تحكّمت بكيفية وصول من يفترض أن يكون رقيباً عليها، وهو ما لا يتماشى مع أي قاعدة منطقية، فلا يمكن للاعب الكرة أن يختار حكم المباراة ولا للتلميذ أن يختار من يراقبه بالامتحان، هذا بالإضافة إلى أن الحكومة وعدت قبل شهرين تقريباً بأنها لن تتدخل بالنظام الانتخابي أبداً إن أقرت المحكمة الدستورية دستوريته، ولم توفِ بوعدها. "شبتسوي؟" سأقاطع الانتخابات، ولن أشارك في مسرحية تتحكم الحكومة بنتائجها، ولن أقبل كذلك أن تكذب عليّ الحكومة بعدما وعدتني كمواطن باحترامها لأحكام المحكمة الدستورية. لكن الصوت الواحد أفضل من الأربعة أصوات؟ قد يكون الأمر هذا صحيحاً، ولو أني أستبعد ذلك، فبما أن الوضع طائفي وعنصري كما قالت الحكومة فمن الطبيعي أن يتجه الناخب إلى أكثر المرشحين عنصرية، ولكني لست بصدد مناقشة النظام الانتخابي الأفضل للكويت سواء كان صوتاً واحداً أو أربعة أصوات، كل ما أقوله أن تعديل النظام الانتخابي يكون من مجلس الأمة بكامل أعضائه بما فيهم الحكومة، وليس أن تختار الحكومة من يراقبها كما أسلفت. "يعني بتوقف مع الأغلبية"؟ إن شجعت الأغلبية المنتخب فهل يتوجب عليّ أن أمتنع عن تشجيعه؟..لن أقف مع الأغلبية فمعظمهم لا يؤمنون بالدستور الكويتي أصلاً، بل أتكلم حسب قناعاتي دون الالتفات لمن يؤيدني أو يعارضني فقناعتي لا يحددها الأشخاص، وعلى فكرة كل المؤشرات كانت تدل على تقهقهر الأغلبية، فجاءت الحكومة وقدمت لهم أزمة يقتاتون عليها بدل أن تجعل الشعب يحدد اختياراته دون تدخل، لست أنا من أقف مع الأغلبية بل من منحهم قضية. "لكن اللي سوته الحكومة دستوري"؟ لن نتمكن من تحديد ذلك إلا بحكم دستوري من المحكمة فالقضية خلافية، ولكن وإن كان دستورياً، فهو لا يعني أنه مقبول سياسيا، وإن قبلت به اليوم فقد يقدم رئيس حكومة مقبل على تغيير الدوائر والأصوات مجددا إن لم توافق النتائج أهواءه، وعليك أن تتخيل كيف يكون شكل الدوائر لو كان سياسي سيئ برأي الكثيرين كأحمد الفهد مثلا رئيسا للوزراء بالمستقبل، وما من الممكن أن يقوم به تجاه من يعارضه بالتحكم بالانتخابات. "وش اللي بتوصل له بعدين؟" سأوصل رسالة إيجابية جدا بأني لم أقبل ولن أقبل أن تتحكم الحكومة بحريتي باختيار من يمثلني، ولن أقبل بأن تحتقرني الحكومة وتستصغرني لدرجة أنها تكذب عليّ، وتريدني أن أقبل كذبتها، وأمارس اللعبة بقواعدها غير المقبولة. وكلما قلت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات التي تحكمت الحكومة بغير وجه حق بشكلها وصلت رسالتي الإيجابية بشكل أفضل. والحل؟ تقوم الحكومة بوقف تدخلها غير المقبول سياسياً على الأقل عن طريق إلغاء المرسوم أو تأجيل الانتخابات، حينها سيعود مجلس 2009 للانعقاد لانقضاء المدة القانونية، وبإمكان ذلك المجلس تغيير النظام الانتخابي بطريقة دستورية سياسية لا غبار عليها. الزبدة؟ قبولي اليوم بتحكم الحكومة بشكل الانتخابات لمجرد أنها تضر خصومي، سيجعلني غدا أقف مكتوف الأيدي إن حاولت الحكومة ممارسة نفس التكتيك ضدي، ولن أتمكن من الاعتراض لأنني باختصار قبلتها من قبل، لذلك سأقاطع.

علي محمود خاجه

«شفتوا شلون»

منذ إصدار الدستور قبل خمسين عاماً، والصراع الديني المدني قائم، شديد ومتكافئ في بعض الفترات، لترجح الحكومة كفة القوى الدينية في نهاية السبعينيات بتحالفها الصريح معها وتمكينها من تولي إدارة مؤسسات الدولة لأكثر من 30 عاماً، إلى أن انفض هذا التحالف بشكل كبير مع إلغاء صفقة الـ"كي داو" قبل سنوات قليلة. وعلى مدار الخمسين عاما الماضية كنا نصرّ كمدنيين على أننا نريدها دولة قانون يستظل به الجميع، فكانوا يكفّروننا غاضبين بأنها دولة دين، ونشرح ونعيد الشرح ونبين ونشدد ونحذّر واستخدمنا حرف النون كثيراً لأن يبقى القانون كمظلة تجمع كل من يعيش في الكويت، وكانوا يرفضون بالترهيب أحياناً والعنف أحياناً وبالترغيب في أحيان قليلة. إلى أن جاءت اللحظة التي لم يخططوا لها جيداً، فقد اعتقدوا أن حلفهم الاستراتيجي مع الحكومات المتعاقبة سيدوم إلى أن يقضوا على كل مفاهيم الدولة المدنية، ولكن حلفهم انفض قبل ذلك بقليل، فبعد أن حققوا مرادهم بأن يرتبط حال البلد بفتاواهم وقبل الإجهاز على الدستور بقليل انتهت شراكتهم السيئة مع الحكومات، وتحولوا إلى معسكر المعارضة للمرة الأوضح في تاريخ قوى الإسلام السياسي في الكويت. فأقدمت الحكومة على استخدام ما عززته القوى الدينية طيلة سنوات التحالف الماضية، وهو سلاح "ما يجوز وما لا يجوز دينياً" ضد صديق الأمس وعدو اليوم قوى الإسلام السياسي؛ لتضع بذلك القوى الدينية في مأزق حرج جداً، فرفضها للفتاوى يجعلها مكشوفة الظهر أمام شعب كان لا يسمع منها سوى ضرورة الالتزام بالنصوص الدينية، وهو سلاح استخدمته بوضوح بمواضيع كالاختلاط وحقوق المرأة وعدم تجنيس غير المسلم والبنوك التقليدية، بالإضافة إلى تصفية خصومها من التيارات المدنية، أما قبولها بالفتوى فسيعيدها رغماً عنها إلى مربع الحكومة التي لم تعد تطيق بقاء القوى الدينية معها أبداً. وعلى إثر ذلك لم تجد قوى الإسلام السياسي مناصاً من حلها الوحيد، وهو المطالبة بتطبيق الدستور والقانون! رغم حربها الضروس لإلغاء هذا الدستور طيلة السنوات الخمسين الماضية، بل إنها حتى في مجلس فبراير كانت تسعى إلى أن يكون الدين الإسلامي المصدر الوحيد للتشريع في تعارض صريح مع الدستور ومدنيته، واستخدمت الفتاوى سعياً منها إلى إقرار ما أسموه بقانون الحشمة. ها هم يقعون في "مطب" التناقض الذي لابد منه فيرفضون كل الفتاوى الداخلية والخارجية الرافضة لممارساتهم المعارضة ويتشبثون بطوق الدستور ليخلصهم من كم الفتاوى المهاجمة لهم. وحدهم المدنيون الذين يحتكمون إلى الدستور والقانون تمكنوا من العبور على جسر الفتاوى بأمان ومن دون تردد؛ لأنهم لم يبنوا عليها قراراً من ذي قبل، بل كانوا يرفضونها حتى إن كانت تصب في مصلحتهم؛ لأنهم يعلمون جيدا أن القانون والدستور هما المناص الوحيد في الكويت ولا شيء سواه. لقد أثبتت أزمة اليوم وبشهادة قوى الإسلام السياسي أنفسهم أن الحل يكمن فقط في الدستور ومدنية الدولة الخاضعة للقانون لا الفتوى، فشكراً للأزمة التي أكدت أن العلمانية، وفصل الدين عن الدولة هو الحل، وأن قوى الإسلام السياسي حدثت الناس لخمسين عاماً فكذبت.