الحراك، وانقسامه، والحوار، والتنسيق، والسلف، والشعبي، والإخوان، عناوين تتصدر أحاديث فئة كبيرة من المعارضين اليوم، وكأن ما يحدث من انقسام وتشتّت لدى بعض المعارضين مفاجأة أو أمر غير متوقع. بل هو متوقع وطبيعي ومحتوم كذلك، وحذرنا منه بعض المخلصين منذ البداية، ولم ينصتوا بحجة أن الإصلاح يجبّ ما قبله وما بعده، فعندما يسلم البعض "تيار الصدفة" (الأغلبية المبطلة) زمام أمور المعارضة فالانقسام والضعف نتيجتان حتميتان، فتيار الأغلبية المبطلة لا يجمعه شيء سوى أن أعضاءه حصلوا على مقاعد نيابية في مجلس فبراير دون تخطيط مسبق؛ بعضهم طائفي وآخر قبلي وثالث ديني سلفي ورابع ديني من الإخوان وخامس شعبي وسادس ليبرالي وسابع وثامن وتاسع لا يعلمون ما هي طموحاتهم وأولوياتهم بالضبط. بل إنه حتى في فترة توليهم للتشريع لم يلتزموا بوعودهم للناخبين في تحقيق الإصلاح السياسي، وانصرفوا عن ذلك بقوانين حشمة، وإعدام، وسورية، ورفع الحصانة، وغيرها من أمور لم تكن على طاولة وعودهم أبداً. كيف لعاقل أن يتوقع من "تيار الصدفة" هذا أن يقود أي عملية لإصلاح ملف واحد كي يصلح وطناً كاملاً، وإن سلمنا جدلا بأنه من الممكن لتيار غير متجانس أن يقود الإصلاحات، فكيف لنا أن نصدق بأن نفس التيار الذي ضرب بأولويات الإصلاح عرض الحائط حينما تسلم زمام السلطة التشريعية هو من يستحق الثقة مجدداً؟ العلة هي أن الكثير من الشباب أراح نفسه من عناء التخطيط وتقديم قضايا معتبرة ومدروسة من شأنها الارتقاء بالوطن، واكتفى بترديد ما يقوله بعض أعضاء "تيار الصدفة" دون تفكير أبدا، والمصيبة أن "تيار الصدفة" يلبي رغبات بعض الشباب غير المدروسة ليحافظ على وجودهم حوله، فعلى سبيل المثال فقط إعلان المقاطعة الدائم لأي انتخابات ما لم تكن بنظام الخمس دوائر بـ"أربعة أصوات" حتى إن حكمت المحكمة الدستورية بدستورية مرسوم الصوت الواحد!! رغم أن الحكم بدستورية مرسوم الصوت الواحد إن صدر يستدعي أن تكون هناك أغلبية نيابية تقنن مراسيم الضرورة كي لا يتكرر ما حدث في انتخابات ديسمبر. تقديم أولويات مدروسة بعناية تقدم إصلاحاً حقيقياً للبلد، وتعزز من حريات الفرد قبل كل شيء، والتعاطي السياسي المرتكز على "الممكن" مع الأوضاع الحالية، والانصراف عن "تيار الصدفة" إلى أن يتفتّت ويتلاشى هو عبء كبير على المعارضة والإصلاح، تلك هي الحلول الحقيقية لوضع أفضل. ضمن نطاق التغطية: كانوا نواباً لمجلس مدته أربعة أشهر، ومضى على زوال صفة العضوية منهم عشرة أشهر، وما زالوا متمسكين بمسمى الأغلبية رغم انتفاء عضويتهم؟! بالمناسبة ولمن يعرف الإجابة فقط ما الرابط المشترك للأغلبية؟ بمعنى ما الشروط التي يجب توافرها في مجلس فبراير ليكون النائب عضواً بالأغلبية؟
التصنيف: علي محمود خاجه
email: [email protected]
twitter: @alikhajah
حرية اختيار
مناورة سياسية واضحة وذكية أيضاً تلك التي تقدم بها بعض النواب على شكل اقتراح بقانون لإلغاء فصل ما يسمى بالاختلاط في الجامعة، وما يجعلني أعتقد أنها مناورة سياسية وليست أمراً عفوياً هو أنها جاءت من العدم دون مقدمات أو حتى تصريح مسبق كبقية القضايا المطروحة كإسقاط القروض مثلاً وغيرها. أعتقد أن الهدف وراء هذا الاقتراح هو أن يحظى هذا المقترح بدعم التيارات المدنية المقاطعة لمجلس ديسمبر بسبب مرسوم الضرورة، وبالتالي خلق استقطابات مختلفة عما هي عليه اليوم بين مؤيد ومعارض لمرسوم الضرورة لتتحول ما بين مؤيد ومعارض لما يسمى بالاختلاط. على أي حال وبعيداً عن اعتقادي بأنها مناورة سياسية وليست أمراً جاداً، فإنه من الواجب أن نوضح مفهوماً قد يكون غائباً عن الكثيرين، أو أننا لم ننجح في إيصال ما نريده بشأن التعليم بشكله الصحيح. المطلوب بكل اختصار هو حرية الاختيار في المجال التعليمي وليس الفرض سواء كان على الصعيد الحكومي أو الأهلي، فعندما فرض فصل التعليم المشترك على جامعة الكويت في عام ١٩٩٦، الأمر الذي تكرر في عام ١٩٩٩ على الجامعات الخاصة كان الاحتجاج مبنياً على رفض الوصاية على الطلبة وذويهم في اختيار نوع التعليم الذي يريدونه، وتقييد اختيارهم بشكل ينافي الدستور الكويتي، وما تضمنه من حقوق أساسية ترفض تقييد الحريات. بشكل أوضح رفض ما يسمى بقانون فصل الاختلاط ليس سببه الرغبة في إلزام الدولة بالتعليم المشترك، بل هو رفض لتقييد حرية الاختيار، واليوم يجب أن يتكرر الرفض أيضاً لمبدأ الوصاية بشكلها الآخر على التعليم، فمقدمو الاقتراح النيابي يريدون فرض التعليم المشترك على الطلبة وذويهم وهو تكرار لما حدث في ٩٦ و٩٩ بشكل عكسي. شخصياً أعتقد أن التعليم الجامعي المشترك هو النموذج التعليمي الأفضل، لكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن يفرض ما أعتقده على الجميع، بل على الدولة الغنية ذات الفوائض الضخمة أن توفر التعليم بأشكاله لأبنائها، وهم يحددون النظام الأنسب لهم، وإن كان النواب فعلاً يهتمون بالوضع التعليمي فإن الأولى هو سرعة تأسيس جامعة حكومية أخرى بمعايير تتفادى كل أخطاء جامعة الكويت، وبنظام تعليمي مشترك كي توفر بذلك الحرية المنشودة في اختيار التعليم، بالإضافة إلى إلغاء قانون فصل ما يسمى بالاختلاط في الجامعات الخاصة لتحدد تلك الجامعات نظامها التعليمي الأنسب. لقد عانينا تقييد الحريات بالمجالس السابقة بمختلف أشكاله، وفيما يبدو أن جماعة مجلس ديسمبر يريدون تطبيق التقييد كذلك، لكن بشكل لا يرضي نواب المجالس السابقة، والتقييد والوصاية بالحالتين خطر ومرفوض. ضمن نطاق التغطية: أكررها للمرة الألف أن قانون فصل ما يسمى بالاختلاط والصادر في ١٩٩٦ لا ينص أبدا على فصل الطلبة عن الطالبات بالشكل المطبق حالياً، بل ينص على تخصيص أماكن لكل جنس في نفس القاعة الدراسية، لكن لا أحد يقرأ بمن فيهم وزير التربية الحالي والوزراء المتعاقبون. خارج نطاق التغطية: ابتداء من اليوم أتشرف بنشر ما أكتب في "الجريدة" كل يوم أربعاء بدلاً من الاثنين.
كلمة بوفتين
بينما يبدو أن البعض يتعمد تغييب الحقيقة واختلاق الأعذار ليتهرب من المواجهة والإجابة عن سبب استمرار تردي الحال رغم الادعاء قبل أشهر بأن "الصوت الواحد" سينقذ البلد وسيقودنا إلى التنمية، فيكتفي بالقول إن المقاطعين يجب ألا يتدخلوا بالمجريات السياسية أو يعلقوا عليها. وكلمة الصديق عبدالله بوفتين أمام سمو الأمير في مؤتمر "الكويت تسمع"، هذا المؤتمر المعد والمنظم من الديوان الأميري أزعجت البعض لدرجة جعلتهم يختلقون الأكاذيب ويروجونها في سبيل طمس رسالته الجميلة ونقاطها المهمة التي تعد خارطة طريق للإصلاح، كما أراها شخصياً. وقبل الخوض في غمار الحديث عن الكلمة لابد من الإشارة إلى أمور تعمد البعض كذباً أن يزورها عن شخص عبدالله، فهو أحد الرافضين لمرسوم "الصوت الواحد" شأنه شأن الكثير من الشباب الكويتي، وهو موقف سياسي راق توجه بمقاطعة الانتخابات على أن تكون المحكمة الدستورية هي الفيصل القانوني بين المؤيدين والرافضين للمرسوم، وهو من أكثر الشباب رفضاً للممارسات غير القانونية في التعبير عن الرفض والمعارضة، ولم يكن طوال مدة الحراك تابعاً لطرف دون طرف بدليل استمراره في مشروع "الكويت تسمع"، فلو كان تابعاً لأحد أو لخدمة أهداف المعارضة لما استمر، ولو كان تابعاً لأحد لما اختاره ممثلو "الكويت تسمع" المعد والمنظم من الديوان الأميري ليلقي كلمتهم بالمؤتمر، أما الحديث عن خدمة أطراف المعارضة من خلال خطابه فهو أمر لا علاقة له بالواقع لا من قريب ولا من بعيد. أما على صعيد خطابه فقد تطرق عبدالله إلى معظم المشاكل الأساسية التي لم تحل، ولا أعتقد أنها ستحل في ظل "السيستم" القائم على إدارة الدولة من مجالس وحكومات متعاقبة. فمن منّا لا يرغب في وضع أفضل على الصعد المختلفة؛ تعليم وصحة وإسكان ورياضة وطرق، والاهتمام بالشباب، ووقف العطايا والمنح، والتوجه إلى بناء الدولة بدلاً من شراء الهواتف والسفر، كلها أمور تتطلب معالجة سريعة ولا تخلو لقاءاتنا الاجتماعية من نفس هذا الحديث، فنقله عبدالله إلى رئيس الدولة وبشكل مباشر وأمام الجميع. ولأنه مخلص لوطنه حريص على وحدة الأطياف المختلفة طلب من سمو الأمير الدعوة إلى مؤتمر وطني يجمع كل وجهات النظر تحت مظلة واحدة يكون عنوانها المصارحة وهدفها المصالحة، ومن يرفض هذا الطلب فهو لا يريد التوافق بالكويت، ويصر على عزل الفئات التي لا يرتضيها من المجتمع، وهذا بالطبع تفكير إقصائي لا يحمل رؤية أو حرصا على الكويت، فالحوار مطلوب وتقريب وجهات النظر ضرورة كي لا تتسع الفجوة بين فئات المجتمع. شخصيا أنا من أشد المختلفين مع "الإخوان" والسلف بل كل قوى الإسلام السياسي أو حتى القوى القائمة على الانتماء العرقي العائلي أو القبلي، ولكن هذا لا يعني بأن نلقيهم خارج دائرة المواطنة لمجرد أنهم مختلفون. لقد قدم عبدالله بوفتين نموذجاً جميلاً للشباب الكويتي الصريح الذي لا يجامل أو يخجل من مطالبه دون مصلحة أو حسابات أخرى كما يحاول البعض كاذباً أن يصورها، بل إنه قدم نموذجاً للشباب بألا يكتفوا بالاستياء دون عمل فشارك في مؤتمر الشباب، وقدم للأمير رسالة الكثير من الشباب وأنا أحدهم… فشكراً "بوعبدالرحمن".
أساسيات
يخطئ صديقك في حقك ويخون الثقة التي تجمعكما، فتكون أبسط مطالبك أن يقرّ بالخطأ ويعتذر منك كي تسامح، ومع هذا قد تحتاج المسألة إلى مدة طويلة كي تبنى جسور الثقة مجدداً فيما بينكما رغم صداقتكما الممتدة. تلك هي طبيعة العلاقات الإنسانية في أضيق نطاق لها وبين الأصدقاء المقربين: خطأ فإقرار فاعتذار وإعادة بناء العلاقة مجددا. "حدس" و"الشعبي" و"الأغلبية" و"اتحاد الطلبة" وآخرون شكلوا ائتلافا للمعارضة بمطالب ثلاثة واضحة هي: حكومة برلمانية منتخبة، وحل المجلس القائم والدعوة إلى انتخابات بنظام الدوائر الخمس وأربعة أصوات، والمطلب الثالث المتمثل بـ"إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها". شخصيا أنا سعيد، بعيداً عن قناعة ائتلاف المعارضة بما كتبوا من عدمه، لكني سعيد جدا بأن ما كنا ننادي به من إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها أصبح مطلبا مكتوباً وموثقاً من قوى كانت تصف كل من يدعو إلى إطلاق الحريات بالمنحل والتغريبي والمتعدي على ثوابت الأمة، وغيرها من "خرابيط"، فها هم اليوم ينضمون إلى مطالبنا وبيان الائتلاف ورقة ستستخدم طويلا ضد بعض المتآلفين لإدانتهم حينما يتعدون على الحريات قريبا جدا. لكن لنفرض واهمين أن المتآلفين وتحديداً قوى الإسلام السياسي "حدس" وتوابعها من اتحاد الطلبة والسلف وغيرهم، لنفرض أنهم مقتنعون فعلا بضرورة إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها، أفلا يتعين عليهم أولا أن يقروا بالخطأ الذي تأسسوا عليه أصلا من كبت للحريات وتعدٍّ على الخصوصيات، والأمثلة عديدة لا تحصى بمقال واحد، ولنا في مجلس فبراير المثال الأقرب، حشمة ومنع معرض فني، وملتقى، وإلغاء حفلات وغيرها من انتهاكات للحرية والدستور. وبعد الإقرار لا بد من اعتذار على كل تعدياتهم وانتهاكاتهم لحريات الكويت حتى تحولت بجهودهم مع الحكومات إلى "تابوت" كبير لا متسع فيه للفرح أبدا. المسألة ليست مجرد كلمات تملأ الأوراق، بل هي أبعد من ذلك بكثير، فلماذا يطلب منا أن نصدقهم وأفعالهم تكذب ما يكتبون، فنحن لسنا بمغفلين وإن رغب البعض بأن يستغفل بإرادته، فهذا شأنه ولكن بالتأكيد لن يكون هذا موقفي، ولن أقبل بأن أقرأ بعض السطور فأقتنع رغم مشاهدتي لأفعالهم المنافية للدستور والحرية في كل يوم. إقرار فاعتذار ومن ثم مدة زمنية لإعادة بناء جسور الثقة تلك هي أساسيات العلاقات الإنسانية في أضيق نطاق وبين الأصدقاء، ورغم أني لا أعتبر قوى الإسلام السياسي أصدقاء لكن يجمعنا وطن واحد، فلا بد أن يلتزموا بهذه الأساسيات كحد أدنى، ومن ثم من الممكن القبول بما خطته أيديهم في بيان ائتلاف المعارضة. ضمن نطاق التغطية: أسطوانة "مو وقته" وتوحيد الجهود ضد فساد الحكومات لا تجدي نفعاً، ولن تصلح الحال أبداً، فتجاوز وفساد وتعديات المعارضة بحجة محاربة فاسد آخر لن تنتج شيئاً إن نجحت إلا استبدال ظلم بظلم آخر قد يكون أخطر وذا مناعة أكبر، ولنا في مصر درس.
طريق واحد
أُسَلِّم وأقبل دون قناعة، طبعاً، بأننا أخطأنا… ومن شاركوا في الانتخابات الأخيرة كانوا على صواب تحت شعار التنمية والقضاء على التأزيم وديمقراطية أكبر وحياة أفضل وكويت أجمل. وها هو عمر مجلس ديسمبر يبلغ السن المساوية لمجلس فبراير (٤ أشهر) ويكاد يطابقه في أفعاله مع اختلاف الوجوه فقط، فالتأزيم مستمرٌّ، والتنمية وهمٌ، والديمقراطية تتراجع، استجوابات لا تتوقف وتعكس عدم التوافق بين السلطتين، ومنع الناس من حق التقاضي الدستوري بعدم رفع الحصانة عن بعض جبناء المجلس في قضايا لا تمتّ إلى الكيدية بصلة، واستيراد فاسدين من الخارج للعمل كمستشارين لمجلس الأمة، واقتراحات تقطر عنصرية للتمييز بين المواطن والمقيم، ومساع لتعديل قانون الانتخابات دون احترام لرغبة سمو الأمير بأن تكون المحكمة الدستورية هي الفيصل للبتّ في قضية مرسوم "الصوت الواحد". هذا بالطبع يتجاوز سلوك بعض أعضاء الحكومة ممن يتعاملون مع وزاراتهم كملكية خاصة من تعيين للأقارب واستغلال الطائرات الخاصة لرحلات الأهل وغيرها من ممارسات مخجلة. أنا هنا لا أقول إنها ممارسات جديدة علينا بعد مرسوم الصوت الواحد، بل هي استمرار لفساد المجالس والحكومات السابقة، ذلك الفساد الذي قسم الشعب إلى "سأقاطع" و"سأشارك"… وكلامي اليوم لكل من دفع بالمشاركة في انتخابات "الصوت الواحد" وحث الناس عليها، أين أنتم؟ هل تحقق ما ادعيتم بأنه سيتحقق بابتعاد الأغلبية المبطلة؟ هل توقف التمييز؟ هل تطورت الديمقراطية؟ هل تمثلكم ممارسة نواب هذا المجلس؟ قلناها مراراً بأن "الصوت الواحد" أو "الألف صوت" لن يغير من الواقع شيئاً فلم تصدقونا، وفضلتم خوض التجربة، وها هي التجربة تزيد من ضياع البلد دون حل، فماذا تنتظرون؟! لقد كان من الممكن وما زال ممكناً أن نتخلص من معظم سلبيات المجالس والسلوكيات المشينة للأعضاء بالتعدي على الحريات من خلال إقرار قانون واحد فقط، بل هو تعديل بسيط يمنح الأفراد حق التقاضي المباشر أمام المحكمة الدستورية للتصدي لأي قانون سابق أو قادم يتجاوز الدستور ويتعدى على حقوقنا وواجباتنا الدستورية؛ ليكون بذلك صمام أمان لكل فرد مهما كانت تركيبة المجلس. لنتجه ولو لمرة إلى عناصر الخلل الحقيقية بعيداً عن إعجابنا من عدمه بهذا العضو أو ذاك الرئيس، فمساعي إقصاء من لا تعجبنا أطروحاتهم بطرق مؤقتة لن تنفع، وإن غابت بعض الوجوه فالخلل مستمر بوجوه وأشكال وأصوات أخرى. خارج نطاق التغطية: نحتفل بأعيادنا الوطنية بالسفر بعيداً عن هذا الوطن! وكأننا نحتفل بعيد الفطر بالصوم! اقتراح طرحه ابن عمي بأن تكون الأعياد الوطنية المقبلة فرصة لاستحضار ما حدث في عام 1990 من اعتماد المواطن الكويتي على نفسه، فيقوم بتسيير شؤون البلد في المجالات المختلفة خلال أيام الأعياد بمفرده، لتكون بذلك درساً سنوياً متجدداً للكويتيين يذكرهم بالمحنة وكيفية تعاطي أبناء الوطن معها، أعتقد أنه اقتراح جدير بالدراسة.
غيروا العقلية
وصل سعر المتر للأراضي السكنية في المناطق التي تبعد عن مدينة الكويت بما لا يزيد عن ١٥ كيلومتراً إلى ١٠٠٠ دينار للمتر المربع تقريباً، وهو ما يعني ٣٥٠ ألف دينار للأرض التي تبلغ مساحتها ٣٥٠ متراً مربعاً… بمعنى أن المواطن بحاجة إلى توفير ٥٠٠ دينار شهرياً لمدة ٣٠ سنة من عمره كي يتمكن من شراء أرض ما لم تزد الأسعار أكثر… وطوال هذه المدة هو يدفع إيجاراً سكنياً يعادل ما يجب أن يجمعه خلال الثلاثين عاما.
وأصبحت زيارة الجمعية التعاونية تتطلب ما لا يقل عن خمسين ديناراً كل عشرة أيام تقريباً لسد الحاجات الأساسية للأسر الصغيرة بعدما كانت هذه الخمسين تكفي لمدة شهر في أوقات سابقة. وازداد عدد المستشفيات والعيادات الخاصة هرباً من تردي الخدمات الصحية وطول الانتظار المصاحب لزيارة الطبيب الحكومي بعدما كان المشفى الخاص هو مكان للولادة في أغلب الأحيان. وازداد كذلك عدد الحضانات والمدارس الخاصة، وأصبحت بديلاً أساسياً عن رياض الأطفال والمدارس الحكومية بعدما كانت المدارس الحكومية هي الأصل في انتساب التلاميذ والمدارس الخاصة هي الاستثناء حتى وقت قريب. أتكلم هنا عن حاجات أساسية كالمأوى والعلاج والغذاء والتعليم، ولن أتطرق لا لحريات ولا ترفيه ولا غيرها من أمور مهمة أيضاً. بمعنى أننا بعد ٦٠ عاماً من تصدير النفط كثروة غيرت موازين الاقتصاد في العالم، ومنحتنا مصدر دخل أساسياً ومهماً عالمياً، وبعد خمسين عاماً من دستور ديمقراطي جعل من الشعب صانعاً للقرار نعاني بشكل أكبر مما كان عليه الوضع قبل النفط في حاجاتنا الأساسية!
أعلم وتعلمون أن مشكلتنا ليست النفط وأمواله أبداً، وأعلم وتعلمون أيضاً أن سيادة الأمة والديمقراطية ليست سبباً أيضاً في تردي الحال، لكننا رغم هذا وذاك نتراجع لأن هناك عصا ثابتة مزروعة في دولاب التقدم والتطور والبناء، عصا يمسكها كل فاسد وكل كاره للديمقراطية أملاً في أن يكرهها الناس ويطالبوا بإلغائها، وهو ما لم يحدث طوال نصف القرن الماضي، ولن يحدث أبداً في الكويت.
لقد أثبتت التجربة بل التجارب أن المجتمع الكويتي رغم اختلاف توجهاته وتنوعها فإنه ديمقراطي ولا يرتضي سوى الديمقراطية، بل إنه وفي أشد محنة على الإطلاق أثناء الغزو العراقي عندما ضاع البلد وسلبه الغزاة لم يشترط على الحكم سوى الديمقراطية.
لقد أثبتت التجربة والمحيط الإقليمي للكويت أن الثروة دون ديمقراطية لن تصنع وطناً متقدماً، ولن تبني مجتمعاً، وأثبتت التجربة عالمياً أيضاً أن الديمقراطية- بدون ثروات مادية- تساهم في تطور البلدان ونموها وجعلها في مصاف الدول المتقدمة، ونحن نملك ثروة وهيكلاً للديمقراطية، وتجربة نصف قرن من عرقلتها دون جدوى.
لقد آن الأوان لجعل هذه الديمقراطية تسير وفق مفهومها وطريقها السليم دون عراقيل، فتجربة وأدها لم تأتِ بجديد، ولم تثنِ الناس عنها رغم كل المحاولات، لندع هذه الديمقراطية تتطور وتزدهر فتنصلح الحال ويتحقق الرضا من الجميع.
«عفا الله عمّا سلف»
"عفا الله عما سلف"، شعار تريد الأغلبية المبطلة ومناصروها أن يُرفع من كل الأطراف التي لا تؤيد الحكومة أو الحكومات المتعاقبة ونهجها السيئ، بحجة توحيد الصف المعارض للوصول إلى الغاية الأفضل متمثلة بزوال نهج الحكومات وأسلوب إدارتها للدولة. الأغلبية المبطلة ومناصروها يريدوننا أن نمسح الأشهر الأربعة السيئة الذكر من عمر مجلس فبراير ٢٠١٢ المبطل، ذلك المجلس الذي حقق أغلبية نيابية غير مسبوقة بتاريخ المجالس النيابية الكويتية، فتمخض هذا الرقم التاريخي للأغلبية على تعدٍّ مشين على الحريات الخاصة والعامة وسعي لاستنزاف موارد الدولة كما هي الحال مع مجلس ديسمبر وشخصانية مستفزه تجاه كل من يخالفهم الرأي. يريدوننا أن نشطب كل ذلك من الذاكرة في سبيل الوصول إلى الإصلاح السياسي!! متناسين أن الإصلاح السياسي المنشود يتطلب أساسا محاربة نهجهم بمعية الحكومات المتعاقبة ونهجها. لا يوجد سيئ وأكثر سوءاً بين الأغلبية المبطلة والحكومة أو الحكومات المتعاقبة إن صح التعبير، فالطرفان بنفس السوء، وعندما وجدا تحت سقف مجلس فبراير معا وجدنا تحالفهما سوياً في أسوأ صورة، فدافعت الأغلبية عن رئيس الوزراء ووزير الداخلية والإعلام، ومنعت بعض نواب الأغلبية من استجواب رئيس الوزراء، وأقروا سويا قوانين تتعدى على الحريات، وتغاضوا عن خسارة الدولة لمئات الملايين، كل هذا في غضون أربعة أشهر فقط. إن كان هناك من يريد أن يعفو عما سلف (وهو أمر غير مقبول بالنسبة إلي طبعا) فيجب أن يشمل هذا العفو أيضا الحكومة ومناصريها كذلك، فهل تقبل الأغلبية ومن معها هذا العفو؟ أعتقد أن الإجابة هي "لا"، لأن نهج الحكومة الدائم يثبت أنه لا فائدة من مهادنتهم، ولابد من محاربة هذا النهج الحكومي لحين زواله، وهي بالضبط نفس المحاربة المهمة للأغلبية كنهج وأسلوب سياسيين لا يؤمن بدستور ولا حريات الغير أبدا. طبعا هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن نتخذ مواقف مضادة لمواقف الأغلبية أو الحكومة طوال الوقت فأحيانا تكون مواقفهم صائبة كموقف الحكومة من رفض إسقاط القروض مثلا أو موقف الأغلبية المبطلة في رفض مرسوم الصوت الواحد، ويجب أن نفرق بين تشابه المواقف والوقوف خلف أي طرف منهم، فتشابه المواقف أمر طبيعي، أما دعم الفاسدين لإسقاط فاسدين آخرين فهو سيعزز وجود طرف فاسد وإن ألغى طرفاً آخر، ووجودهم سيضر بالكويت والإصلاح السياسي المنشود. خلاصة القول نهج الحكومة ونهج الأغلبية المبطلة وجهان لعملة فاسدة أضرت بالكويت ودستورها وحرياتها العامة والخاصة، ولا بد من استئصال هذا النهج في سبيل كويت أفضل وتأييد أي قضية عادلة من أي طرف من الأطراف. خارج نطاق التغطية: رجل دولة كبدر المطوع يقدم لوطنه شبابه وجهده لرفعة الكويت وعلمها فتفصله الحكومة من عمله، ولا يحرك أي عضو ساكنا في إنصاف هذا البطل!! هذا باختصار وضع البلد وشكل تعاطي الدولة مع خيرة أبنائها.
«والله السبب مو النتيجة»
سأستسلم وأقول إن جميع المقترضين لم يقترضوا لقضاء إجازة أو سيارة فارهة أو مضاربة بالأسهم، بل اقترضوا لتلبية احتياجات أساسية لا غنى عنها كالسكن والتعليم والصحة، لم تكفهم رواتبهم وغلاء المعيشة لتغطية هذه التكاليف، فاقترضوا واكتووا بنار الفوائد والاستقطاع الشهري من رواتبهم. وسأتجاوز أيضاً عن قضية اختفاء العدالة في قضية إسقاط القروض أو فوائد القروض، وأعتبرها قضية مفصلية تثقل كاهل عدد كبير من المواطنين ولا بد من معاملتهم معاملة خاصة دون النظر إلى من لم يأخذوا أي قرض أو سددوا التزاماتهم. وسأقر أيضا بأن المستوى التعليمي والأكاديمي لنواب مجلس ديسمبر بلغ مستوى مرموقا وعالياً إذا ما قورن بمجالس سابقة. قبلت بكل ذلك ولكن هل من عاقل يخبرني كيف تخلصنا معالجة النتيجة من الأسباب؟ فإن أسقطت القروض أو فوائدها فهل ستتحقق الاحتياجات الأساسية التي افترضنا أن المواطنين اقترضوا من أجلها؟ كيف ستُحل المشكلة الإسكانية بإسقاط القروض أو الانحدار التعليمي أو التردي الصحي؟ الواضح بل الواضح جداً أن نواب ديسمبر بل أي نائب سابق أو حالي طالب بإسقاط القروض هو شخص لا يملك رؤية ولا حلولا لمشاكل البلد، بل هو أسوأ من كل حكومات الكويت أيضا ويدفع الرشوة من أموال الدولة للوصول إلى المجلس مجدداً بحجة أنه ساهم في إسقاط القروض. أعلم جيدا ويعلمون أن حلول مشاكلنا سهلة وفي شتى المجالات، فتحرير أراضي الدولة وتحويل الكويت إلى مدن منفصلة بهيئاتها وجامعاتها ومبانيها الحكومية دون الحاجة إلى التوجه إلى مدينة الكويت كل يوم كفيل بحل المشكلة الإسكانية وإعادة أسعار العقار إلى وضعها المعقول، ونملك الأموال للقيام بذلك بكل يسر، لكن لا أحد يفعل ذلك. وأعرف جيدا أن ٦ مستشفيات إضافية تغطي مختلفة مجالات العلاج توزع على كل محافظة كفيلة بتخفيف الطوابير واللجوء إلى المستشفيات الخاصة وتوفير العلاج اللازم في أسرع وقت، ونملك المال لتحقيق ذلك بأسرع وقت لكن لا أحد يقوم بذلك. وأعي جيداً أن تقويم المناهج ورفع مستوى المعلم سيجعلان أولياء الأمور ينصرفون عن التعليم الخاص، ويعودون إلى المدارس الحكومية، وهو أمر لا يتطلب إلا أصحاب اختصاص يقومون انقلاب الهرم التعليمي الذي تحدث عنه الراحل أحمد الربعي في بداية التسعينيات، ومن الممكن أيضا تحقيق ذلك بفترة وجيزة، ولكن لا أحد يقوم بذلك. كل ما يحدث اليوم من الحكومات والمجالس المتعاقبة هو جعل المواطنين أسرى لهم، وتثقل كاهلهم الديون لتلبية أهم الاحتياجات، فيسدد المجلس أو الحكومة ديونهم من أموال الدولة، ويشعر المواطن بالعرفان تجاه المجلس أو الحكومة فيجدد لهم البيعة، ويقترض مجدداً وتدور الدائرة مجدداً، وهو ما يريده كل متنفع من منصبه. كما قلت في مقالات سابقة فإن أزمتنا "أزمة أخلاق" و"سيستم غلط"، وطالما نحن منصرفون عن تعديل هذين الأمرين فلن تستقيم الحال.
«كلمة وتنقال»
حكومة منتخبة، هكذا دون تفاصيل أو نقاش، أصبح هذا المطلب سائداً لدى المعارضة في معظم أطيافها النشطة، ولأني لا أود شخصياً على الأقل أن يتكرر خطأ "نبيها خمس" حينما كان المطلب إقرار الدوائر الخمس الحكومية دون النظر في عيوبها، خصوصاً في مسألة التوزيع الجغرافي، وكانت النتيجة مجالس ثلاثة متعاقبة تفشت فيها أمراض سياسية واجتماعية كثيرة لا نزال نعيش تحت تأثيرها. لنضع مطلب الحكومة المنتخبة على طاولة الاختبار، ولنقيّم الأمر على فرضيتين: الأولى أن تكون الحكومة المنتخبة المقصودة هي حكومة يشكلها رئيس الدولة، على أن تلتزم في تشكيلها تركيبة المجلس المنتخب، والفرضية الأخرى أن ينتخب الناس حكومتهم بشكل مباشر كجزء من انتخابات مجلس الأمة، وهي الفرضية التي تتطلب تعديلاً دستورياً بالطبع. الفرضية الأولى أن يشكل رئيس الدولة الحكومة بناء على نتائج انتخابات المجلس وبالتوافق معه، لنفرض أننا نريد تطبيق هذا النموذج أو المطلب بهذا الشكل على المجلس الحالي، فكيف سيتحقق ذلك؟ فمن أغلبية هذا المجلس أصلاً؟ فلا انتماء حزبياً أو مؤسسياً واضحاً سوى التحالف الوطني الإسلامي، وهو يشكل عُشر المجلس فقط، في حين أن تسعة الأعشار الباقية غير واضحة الانتماء البرامجي أصلاً، كفيصل الدويسان أو عسكر العنزي أو نواف الفزيع أو عدنان المطوع، بمعنى آخر أن أغلبية مجلس ديسمبر بلا هوية سياسية واضحة، فهل المطلوب أن تكون الحكومة بلا هوية كحال الحكومات المتعاقبة؟! وإن أسقطنا نفس المثال على مجلس فبراير فسنواجه نفس المعضلة، فأغلبيته المبطلة كانت تتكون من مجاميع صغيرة مختلفة في الأفكار كـ"السلف" و"الإخوان" و"الشعبي" وبعض المستقلين كالشايع والعدساني مثلاً، وشكل الحكومة حينها كان يجب أن يراعي تلك التكوينات الصغيرة، ويصبح بلا هوية كذلك، وتستمر الحال كما هي عليه. أما الفرضية الثانية والتي تعني انتخاباً مباشراً للحكومة من قبل الشعب، وفي شكل نظامنا السياسي الحالي، فهو يعني أن يهيمن بعض المرشحين على وزارات الدولة كأن يصبح الطاحوس وزيراً للشؤون أو عسكر وزيراً للداخلية أو خالد السلطان وزيراً للأوقاف أو عبدالحميد دشتي وزيراً للخارجية، وعليكم أن تتخيلوا الفوضى حينها، وسيحظى من ينجز العدد الأكبر لـ"الواسطات" بالوزارة طيلة حياته، وهو ما يعني تسريع إجراءات الفساد طبعاً. مشكلة الحراك المعارض اليوم أو أغلبيته التي أشاهدها على الأقل هو أنه يقدم المطلب دون تفاصيل أو نقاش، ويفترض قسراً أنه الحل، وعلى جميع من يعارض الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة أن يتكيف مع المطلب وينادي به، وإن لم يقبل بذلك فهو سيواجه أقصى درجات التخوين والإقصاء من المعارضين. تعديل الوضع القائم لن يتم عن طريق مفردة تخطر على البال دون حوار فعلي وحقيقي ونقاش مستفيض من كل الأطياف للانسجام مع حريات الدولة وكيانها الدستوري، وبالتالي طرح حلول وبراهين تثبت أنها الحلول الفعلية لمشاكلنا ووضعنا القاتم.
«السيستم غلط»
جهة تحكيم وليست طرف صراع، إذا فُهم هذا النظام وطُبّق فستكون الأمور أفضل حتماً، وأنا أقصد هنا دور أسرة الحكم في التعاطي مع الأمور في الكويت. هذا هو الهدف الأساسي أصلاً من دستور الدولة، وقد تعاطى معه المغفور له عبدالله السالم بهذا الشكل منذ نشأة الدستور، فهو لم يتدخل أو يعدّل على دستور الدولة، بل صدّقه فور استلامه للنسخة النهائية منه، لكن طوال الخمسين عاماً الماضية لم يتشرّب معظم أبناء الأسرة، وتحديداً أصحاب المناصب التنفيذية هذا الأمر إما بسبب قلة الوعي أحياناً، وإما بسبب الرفض السلوكي لدستور الدولة في أحيان أخرى. الوضع الطبيعي للدولة في ظل الدستور هو أن تكون شؤون حياتهم وبلدهم بأيديهم، يحاولون بناء وطنهم في إطار الدستور، ويسنّون القوانين المنظمة له، ومتى اختلفوا أو ابتعدوا عن إطار الدستور يكن رئيس الدولة هو الحكم، ويمتلك أدوات عدة للتحكيم كردّ القوانين أو حل المجلس ليكون الشعب هو الفيصل في الاختلاف، ويرجح كفة على الأخرى. هذا النموذج هو ما يجب أن يسود في كل موقع يتولاه أحد أفراد الأسرة في الاقتصاد أو الرياضة أو البيئة أو أي شأن آخر، ويجب ألا يكون أبناء الأسرة إطلاقا طرفاً في أي مجال تنافسي خلافي أصلاً، والعرف الحميد القائم على عدم ترشح أبناء الأسرة لانتخابات مجلس الأمة يجب أن يعمم على كل المجالات، لأن هذا العرف يقف اليوم وحيداً في تطبيق معاني الدستور المشددة على النأي بأسرة الحكم عن أي استقطابات. اليوم بل منذ سنوات طويلة ونحن نعيش بخلاف هذا النظام، وهو ما يزيد حدة صراعاتنا ومشاكلنا، لأن أسرة الحكم تشارك في العمل الجماعي التنافسي، وهو ما يولّد الخلاف بلا أدنى شك، والخلاف قد يجعل بعضهم يستخدم نفوذه في سبيل ترجيح كفته، وهو ما يجعل ميزان العدالة وتكافؤ الفرص يختل رغماً عنه، مثل ما يحدث اليوم مع طلال الفهد مثلاً؛ فالرجل أثبت فشله خلال عامين في إدارة شؤون الكرة الكويتية، ومع هذا سيفوز بأي انتخابات مقبلة إذا ما رغب في ذلك لأنه يسيطر على ١٠ أندية تنفذ ما يريد ويقدم لها بنفوذه ما تريد، وإن أقدم الشعب على تشريع يهذب الأمور ويحدّ من الهيمنة، فإن نفوذه كفيل بإسقاط أي تشريع يخالف أهواءه، وبالتالي يتعزز دوره كطرف بالصراع بدلاً من أن يكون حكماً في أي صراع رياضي. وزير الداخلية مثال آخر على ذلك، فهو يتعامل مع حق التعبير القانوني وفق نوعية هذا التعبير، فإن لم يلبِّ التعبير مطالبه تعاطى معه بالتخويف وكيل التهم التي لا تحصى حتى إن تجاوز الدستور في ذلك. أمثلة أخرى لا تحصى ولكل منكم قصته التي يراها يومياً في كيفية تأثير أبناء الأسرة سلباً على أي مجال تنافسي يخوضونه، ولا مجال لحصرها في المقال لقلة الاطلاع، أو كي لا يطول المقال أكثر. الدستور جاء صريحاً، ومخصصات أبناء الأسرة التي تفوق مخصصات بقية المواطنين أكثر صراحة في سبيل تأكيد عزلهم عن ساحة الاختلاف والصراع، وإلا فلا يوجد أي مبرر لأن تتميز مخصصاتهم المالية عن بقية المواطنين إن كانوا راغبين في منافسة بقية المواطنين في المجالات المختلفة. لا بد من العودة إلى نقطة البداية وأصل "السيستم" لفهم أن أسرة الحكم هي جهة تحكيم وليست طرفاً في الصراع أبداً، ومن هذا الأساس المغيّب يمكننا العودة إلى جادة الإصلاح الفعلي وتطوير الأمور. خارج نطاق التغطية: يدّعي أنصار طلال الفهد أن الظروف وإيقاف الدعم المادي من الدولة، هو سبب فشله في إدارة شؤون الكرة مع العلم أنه تلقى مليوني دينار من سمو الأمير قبل عامين، وهو ما يعادل ميزانية اتحاد الكرة لمدة ستة أعوام كاملة!