علي محمود خاجه

تساؤلات مصرية

 لم أكتب من قبل أي مقال حول الشأن الخارجي إلا في حالة واحدة على ما أذكر تعلقت بحرب إسرائيل على لبنان في 2006، وأعزو عدم تطرقي للشأن الخارجي لقلة المتابعة والاطلاع، وكذلك القناعة بضرورة إصلاح الداخل قبل الولوج في وضع الخارج، إلا أن الحالة المصرية اليوم تجبرني على الخوض في غمارها على شكل تساؤلات وملاحظات تحتاج إجابة كي تكتمل الصورة، فما يحدث في مصر ينعكس بشكل واضح على المنطقة بأسرها، فهي كما أتابع تشكل فعلاً قلب العروبة النابض. من خلال التساؤلات المقبلة أنا لا أقدم رأياً، بل كل ما أطرحه عبارة عن تساؤلات لا أفهم إجاباتها. – في يوليو 1952 قام الجيش المصري بانقلاب على النظام الملكي الشرعي القائم، إلا أن الشعب المصري بل العربي كذلك يسمي ما حدث بالثورة، بل يتم الاحتفال به سنوياً إلى اليوم، وفي عهد مرسي كذلك تحت مسمى "عيد الثورة"، إذا لماذا يسمى ما حدث مع مرسي بالانقلاب، وبالمقابل ما حدث مع الملك فاروق بثورة؟ – في 30 يونيو خرجت تظاهرة تطالب برحيل الرئيس مرسي فما كان من الجيش إلا أن لبى نداء تلك التظاهرة وعزل الرئيس، فهل يعني ذلك أن الجيش سيكون ملزماً بعزل كل رئيس منتخب يتظاهر ضده الملايين في المستقبل؟ وما المعايير التي سيبني عليها الجيش المصري قراره مستقبلا؟ – يصف مناصرو الرئيس مرسي وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي بالمجرم والقاتل، بل يصل الأمر بهم لوصف ما يقوم به بأنه أشد فتكاً من الإسرائيليين كما جاء على لسان القطري يوسف القرضاوي، وما لا أفهمه هو كيف لأنصار محمد مرسي أن يمجدوا فيه، ويشتموا السيسي على الرغم من أن من عيّن عبدالفتاح السيسي هو محمد مرسي؟! بمعنى أن من عيّن المجرم والقاتل على حد وصفهم هو الرئيس الذي يمتدحونه. – دول الخليج باستثناء قطر تقف ضد الإخوان في مصر ومع الإخوان في سورية، وإيران تقف بشكل معاكس لذلك، والشعوب التي تؤيد الخليج أو إيران تتبعهم في هذا التناقض المضحك. – يصف مناصرو محمد مرسي في كل العالم العربي بأن ما حدث له هو حرب ضد الإسلام، في حين تقف الدولة الوحيدة عربياً ذات النظام الإسلامي ضد محمد مرسي، فأيهم يطبق الإسلام الصحيح؟ – للكويتيين فقط ممن يناصرون محمد مرسي بحجة أنه منتخب ويدافعون عن الشرعية، وفي نفس الوقت يتفاخرون بإسقاطهم لمجلس 2009 بحراك الشارع، هل تصفون إسقاط مجلس 2009 بالانقلاب على الشرعية، خصوصا أن مجلس 2009 منتخب من الشعب؟ – إلى اليوم لا أعرف كيف يجب أن تتعاطى الدولة مع الاعتصامات الدائمة والمستمرة في الأماكن العامة سواء من تمرد أو الإخوان أو غيرهم، ولأخرجها من إطار التحيز والعواطف ماذا لو اعتصم الآلاف للمطالبة بزواج المثليين ولمدة شهر أو أكثر في أحد الميادين كيف يجب التعاطي معهم؟ خارج نطاق التغطية: هناك بشر يقتلون يومياً في شتى أنحاء العالم العربي، وما زال العالم العربي يكيف تعاطفه أو تشفّيه حسب جنسية وانتماء الضحايا، أزمتنا أخلاقية بلا أدنى شك.

علي محمود خاجه

الرئيس مرزوق علي الغانم

لا أخفي سراً حينما أعبر عن سعادتي بوصول النائب مرزوق الغانم إلى سدة رئاسة مجلس الأمة، ولي أسبابي في التعبير عن هذه السعادة مصحوبة بقلق محدود، وقد عقدت العزم منذ مدة على أن أكتب عن هذا الرجل لكن لم أجد فرصة أنسب من اليوم للكتابة عنه. فما يحسب لهذا الرجل هو ثباته على مبدئه وإن اختلفنا معه أحياناً، فنجده يقف ضد الحكومة في مواقف عدة دون الولوج في أي حسابات سياسية قد تضره، ومنها موقفه بإعلان عدم التعاون في استجواب رئيس الوزراء السابق على خلفية أحداث ديوان الحربش  ورفضه تأجيل أو سرية أو إحالة أي استجواب كي لا ينتقص من حق النائب في الرقابة، وحاول مع بعض زملائه في مجلس 2009 الوصول إلى حقيقة قضية "الإيداعات"، لكن انسحاب النواب ورفض الحكومة حالا دون تحقيق ذلك، فما كان منه هو وزملاؤه إلا أن أعلنوا عدم قبولهم باستمرار تلك الحكومة رغم ما قيل حينها عن الصفقات التي يعقدها مرزوق وزملاؤه معها. كما أنه لم يركب موجة الأغلبية المبطلة في فبراير، والتي خلطت الحق بالباطل، بل فضل البقاء منفرداً رغم ما سيواجهه من هجوم على أن يكون ضمن مجموعة إقصائية ترفض الآخر، وحينما واتته الفرصة لأن يكون بطلاً في نظر البعض بعد مرسوم "الصوت الواحد"، بل كان من السهل جداً أيضا أن ينال رئاسة مجلس ديسمبر المبطل، رفض المشاركة في تلك الانتخابات انتصاراً لمبدئه وقناعاته، فلجأ إلى المحكمة الدستورية إيماناً منه بدولة المؤسسات كي تفصل في الأمر، وهو ما حدث. قد يكون مرزوق الغانم أكثر سياسي هوجم وأطلقت عليه الإشاعات خلال الفترة الماضية، سواء مما يسمى بالمعارضة أو الموالاة إلا أن ذلك لم يثنه عن المضي في طريقه وفي ما هو مقتنع به، وهو أمر نادر الحدوث في أيامنا هذه للأسف الشديد. لم يجامل أو يهادن أو يتنازل من أجل الوصول إلى منصبه، ولم يرض بإقصاء أي طرف للوصول إلى ما يريد، بل سار وفق قناعاته دون تزييف أو تجميل سواء أعجبتنا أم لم تعجبنا، وإن كانت لأسرته الكريمة مصالح تجارية مع الحكومة، فهو لم يكيف مواقفه السياسية من أجل الحفاظ على تلك المصالح، وهو أمر قد يفعله الكثيرون غيره، وما قام به الرئيس مرزوق الغانم يعد نموذجاً مميزاً للثبات على المبدأ أتمنى لو يحتذي الساسة به. لهذه الأسباب أعبر عن سعادتي بوصول شخص ثبت على مبدئه طوال تجربته السياسية، وأصبح اليوم الرجل الثاني في الدولة، أما القلق فهو من أن يقلل هذا المنصب من نشاطه السياسي في الإصلاح بحكم طبيعة المنصب، وأتمنى ألا يكون لهذا القلق مبرر في المستقبل. ضمن نطاق التغطية: اختلفت مع الرئيس مرزوق الغانم بشدة في قضيتين هما: ما سمي بـ"القرض العادل"، والأخرى المتعلقة بإعدام المسيء وفي الحالة الثانية تحديداً ناقشته بضرورة إحالة القانون إلى المحكمة الدستورية للبت فيه، إلا أن رد سمو الأمير لذلك القانون أنهى الموضوع.

علي محمود خاجه

نكرر «السيستم غلط»

في يناير الماضي كتبت مقالاً تناولت فيه مشكلة أساسية أجدها المعرقل الأكبر للمسيرة، وكنت أعتقد بأن القناعة التي باتت راسخة لدى الكثير من أبناء الكويت وصلت أخيراً إلى رئيس الوزراء خصوصاً أنه كان أكثر من أومأ مؤيداً لخطاب عبدالله بوفتين أمام سمو الأمير قبل أشهر، وكونه أحد الموقعين على وثيقة شباب الأسرة في مطلع التسعينيات اعتراضا على أسلوب إدارة الدولة، إلا أن حكومته الجديدة تبين ألا حياة لمن ننادي وأن التشكيل حافظ على نهج الفشل الدائم… أترككم مع ما كتبت في يناير. جهة تحكيم وليست طرف صراع، إذا فُهم هذا النظام وطُبّق فستكون الأمور أفضل حتماً، وأنا أقصد هنا دور أسرة الحكم في التعاطي مع الأمور في الكويت. هذا هو الهدف الأساسي أصلاً من دستور الدولة، وقد تعاطى معه المغفور له عبدالله السالم بهذا الشكل منذ نشأة الدستور، فهو لم يتدخل أو يعدّل على دستور الدولة، بل صدّقه فور استلامه للنسخة النهائية منه، لكن طوال الخمسين عاماً الماضية لم يتشرّب معظم أبناء الأسرة، وتحديداً أصحاب المناصب التنفيذية هذا الأمر إما بسبب قلة الوعي أحياناً، وإما بسبب الرفض السلوكي لدستور الدولة في أحيان أخرى. الوضع الطبيعي للدولة في ظل الدستور هو أن تكون شؤون حياتهم وبلدهم بأيديهم، يحاولون بناء وطنهم في إطار الدستور، ويسنّون القوانين المنظمة له، ومتى اختلفوا أو ابتعدوا عن إطار الدستور يكن رئيس الدولة هو الحكم، ويمتلك أدوات عدة للتحكيم كردّ القوانين أو حل المجلس ليكون الشعب هو الفيصل في الاختلاف، ويرجح كفة على الأخرى. هذا النموذج هو ما يجب أن يسود في كل موقع يتولاه أحد أفراد الأسرة في الاقتصاد أو الرياضة أو البيئة أو أي شأن آخر، ويجب ألا يكون أبناء الأسرة إطلاقا طرفاً في أي مجال تنافسي خلافي أصلاً، والعرف الحميد القائم على عدم ترشح أبناء الأسرة لانتخابات مجلس الأمة يجب أن يعمم على كل المجالات، لأن هذا العرف يقف اليوم وحيداً في تطبيق معاني الدستور المشددة على النأي بأسرة الحكم عن أي استقطابات. اليوم بل منذ سنوات طويلة ونحن نعيش بخلاف هذا النظام، وهو ما يزيد حدة صراعاتنا ومشاكلنا، لأن أسرة الحكم تشارك في العمل الجماعي التنافسي، وهو ما يولّد الخلاف بلا أدنى شك، والخلاف قد يجعل بعضهم يستخدم نفوذه في سبيل ترجيح كفته، وهو ما يجعل ميزان العدالة وتكافؤ الفرص يختل رغماً عنه. أمثلة أخرى لا تحصى ولكل منكم قصته التي يراها يومياً في كيفية تأثير أبناء الأسرة سلباً على أي مجال تنافسي يخوضونه، ولا مجال لحصرها في المقال لقلة الاطلاع، أو كي لا يطول المقال أكثر. الدستور جاء صريحاً، ومخصصات أبناء الأسرة التي تفوق مخصصات بقية المواطنين أكثر صراحة في سبيل تأكيد عزلهم عن ساحة الاختلاف والصراع، وإلا فلا يوجد أي مبرر لأن تتميز مخصصاتهم المالية عن بقية المواطنين إن كانوا راغبين في منافسة بقية المواطنين في المجالات المختلفة. لا بد من العودة إلى نقطة البداية وأصل "السيستم" لفهم أن أسرة الحكم هي جهة تحكيم وليست طرفاً في الصراع أبداً، ومن هذا الأساس المغيّب يمكننا العودة إلى جادة الإصلاح الفعلي وتطوير الأمور. خارج نطاق التغطية: عيدكم مبارك وعساكم من عواده.

علي محمود خاجه

«أول شي»

قُضي الأمر، وأستبعد أن يُبطَل هذا المجلس أو يُحَل، فالحكومة غامرت وأجرت الانتخابات في رمضان تجنباً لأي أخطاء إجرائية ممكنة تبطل المجلس، وحل المجلس ستكون تبعاته كبيرة في اعتقادي على الدولة، ونسبة المشاركة رغم ظروف الانتخابات وموعدها كفيلة بخلق جو مقبول من الاستقرار السياسي في البلد. إلا أن ما شهدته شخصياً من انقسام كريه وطائفية مقيتة فاق كل ما شهدته في كل انتخابات شاركت فيها من قبل، القبلي لا يريد سوى قبيلته والشيعي لا يريد سوى طائفته، والسنّي يبحث عن أسود السنّة، والحضري لا يريد "البيسري" وهلمّ جرا، وما يجمعهم مبرر واحد وهو الخوف من الآخر؛ الشيعي يخشى أن تغلق الحسينيات، والسنّي يخشى المد الصفوي، والقبلي يخشى من جويهل آخر،  وكلهم يعلم أنه فور وصول من يختلف عنهم فإنه سيسن تشريعات تقصيهم بل تلغيهم أيضاً. لن يزول هذا الهاجس بل سيتعزز ويكبر طالما باركته الحكومة، ومارست لعبتها الدائمة في تقريب البعض وإقصاء البعض الآخر، وإن استمرت الحال فسيتطور لأن يخشى ابن القبيلة من بقية الأفخاذ، وابن الطائفة الشيعية من بقية مقلدي المراجع الأخرى، والحضر سينقسمون لفئات أصغر وأقل. رغم وجود الدستور ومبادئه الواضحة في المساواة والعدالة والحرية فإن هاجس الإقصاء ما زال ينمو، لأننا وببساطة لم نطبق الدستور إلا في سنواته الأولى، وبعد ذلك أصبح خرق الدستور هو الواقع الثابت. ورغم عمق هذه الأزمة الفئوية فإن حلها بسيط كسائر مشاكلنا الأخرى، فكل ما يحتاجه المجتمع بفئاته هو ضمانة العيش الكريم المتساوي دون إقصاء، ولأن الدستور، كما ذكرنا آنفاً، حرص على احتواء كل المختلفين كي لا يلغي أحداً، فإن الضمانة الوحيدة لتحقيق ذلك هي فتح أبواب المحكمة الدستورية للجميع على خلاف ما هو مطبق اليوم، والذي يتيح للحكومة والمجلس والضرر التقديري المباشر اللجوء لتلك المحكمة. فحق لجوء الأفراد مباشرة إلى المحكمة الدستورية في أي قضية لتفصل تلك المحكمة بدستورية القانون، يعني أنه لن يتمكن أي أحمق من إقصاء فئة من المجتمع الكويتي، كما حدث في مناسبات سابقة، ولن يتيح المجال لأي مريض أن يقدم على اقتراح لهدم الكنائس مثلاً أو فرض وصايته على الأفراد وغيرها من الأمور المتعارضة مع الدستور والدولة. فإن ضمن كل مواطن كويتي هذا الحق فإن حدة تطرفه لقبيلته أو طائفته ستخف إلى أن تتلاشى، ولن يكون الإقصاء أو الإلغاء هاجساً بالنسبة إليه أبداً، ولن يخشى من وصول المتطرفين إلى المجلس لأن تطرفهم سيكون مقيداً بحدود الدستور دون أن يتمكنوا من تحقيق ما يرمون إليه وإن كانوا خمسين نائباً، وبالتالي فإن تطرفهم لن يعود بالنفع على أحد، فينصرف عنهم الناس بكل تأكيد. إن حق التقاضي المباشر أمام المحكمة الدستورية أول خطوة في سلم إصلاح الوضع، ولا يوجد أولوية تفوقه أهمية، وعلى الحريصين على الكويت من النواب أن يقدموا على هذا الأمر فوراً. خارج نطاق التغطية: تحية إجلال وإكبار لا بد أن تقدم للأستاذ وسمي خالد الوسمي الذي رفض بكل شجاعة ووطنية أن يكون حكراً على فئة أو قبيلة، وقدم نفسه كمرشح لكل أهالي الكويت؛ ليضرب بذلك مثلاً يصعب وجوده في هذه الأيام التعيسة، فله منّا كل الشكر والتقدير.

علي محمود خاجه

مصطفى وجمعان

جملتان ذكرتا في الأيام العشرة الماضية تلخصان لنا الحال، كل الحال دون تجميل أو تزييف، يحاول البعض إضفاءه على من يحب منهما، أما العبارة الأولى فقد جاءت على لسان وزير المالية مصطفى الشمالي مفادها بأن "لا صوت يعلو فوق صوت الحكومة"، أما الأخرى فقد جاءت عن طريق أحد أبرز شخصيات ما يسمى بالمعارضة، وهو جمعان الحربش عن طريق "تويتر"، حيث أعاد جمعان نشر العبارة التالية "لله ثم للتاريخ، نحن في الخليج نحفر قبورنا بأموالنا التي تضعف المد السنّي وتقوي المد العلماني الصهيوأميركي والمتحالف مع المد الشيعي الزاحف". أما بالنسبة إلى التصريح الأول الذي لم تعتذر عنه الحكومة أو تنفيه فيبين لنا كيف تتعاطى الحكومة مع دولة الدستور والمؤسسات التي تدّعي دائما أنها تسعى إلى الحفاظ عليها، فمصطفى وحكومته يعتقدان واهمين أن السيادة للحكومة مصدر السلطات جميعاً، وهو ما لا يمتّ للعقد المتفق عليه بين الكويتيين جميعاً بأي صلة، فالحكومة هي جهة تنفيذية تنفذ ما تأمرها به سلطة الشعب فقط، بل إن وجودها أصلا (أي الحكومة) مقترن بقبول الشعب لها، وهو ما لا يحتاج إلى توضيح أصلاً.  وبالطبع فإن موالي الحكومة تجاوزوا هذا التصريح وكأنه لم يكن، وبغض النظر عن عدم إيمان مصطفى بالدستور في هذا التصريح إلا أنه يقدم برهاناً ساطعاً على أن التردي الذي نعيشه في كل المجالات تتحمله الحكومة وحدها، فإن كان صوتها هو الأعلى كما يعتقد مصطفى وتعتقد حكومته فإن سوء حال الكويت اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً تُساءل عنه الحكومة صاحبة الصوت الأعلى حسب تعبيرهم. أما التصريح الآخر الذي أعاد نشره جمعان فهو بالمقابل يلخص تفكير ما يسمى بالمعارضة اليوم، فالمسألة ليست دستوراً ولا حريات ولا سيادة أمة ولا بقية الشعارات التي لا يؤمنون بها أبداً، بل هي مد سني ومد شيعي هذا أقصى ما يفكرون به، وهو ما لا يمتُّ للدستور ولا المساواة ولا حرية الاعتقاد ولا التعددية بأي صلة، وبالمناسبة أيضا فإن هذا التصريح الذي جاء بالتزامن مع تصريح مصطفى لم يلق أي نقد من قيادات ما يسمى بالمعارضة كالسعدون ومسلم وغيرهما. هذه هي الحال باختصار معسكران متخلفان كل منهما يريد السيطرة على مجريات الأمور في الكويت، والاثنان بالتأكيد لا يستحقان إدارة ولو قسم صغير بأي إدارة في الكويت بهذه العقلية الإقصائية القبيحة. والمشكلة أن محاربة الطرفين محاربة مستحقة لكن البعض يصفها بالرمادية!! فمحاباة طرف منهما للتخلص من الآخر ستقودنا إلى التهلكة، وما حدث في مصر دليل قاطع على ما أقول وما سيحدث، إن لم يحسم من يرغب في الإصلاح الحقيقي أمره ويتجرد من القبح الذي يملأ المعسكرين، فإن كان هذا الأمر يوصم بالرمادية فأهلاً وسهلاً بالرمادي. خارج نطاق التغطية: قامت مجموعة صوت الكويت في يناير ٢٠١٢ بنشر رسالة توعية للتحفيز على المشاركة بالانتخابات بعنوان "تفرق"، وكان مضمون الرسالة أن صوتك أيها الناخب يفرق، واليوم تقوم وزارة الإعلام بسرقة هذه الرسالة بشكل مشوه دون حفظ أي حق أدبي لمجموعة صوت الكويت، وتضعها على "باصات" النقل العام مذيلة بشعار الوزارة… عيب.

علي محمود خاجه

«شالفكرة»؟

في كل رمضان يراودني نفس التساؤل ولا أجد له إجابة، واليوم قررت أن أكتب عنه بعيداً عن السياسة ودهاليزها والانتخابات وتفاصيلها التي سنتطرق لها مجدداً في الأيام المقبلة.
فأنا ما زلت أجهل سبب إغلاق كل أماكن الطعام في فترة الصيام الرمضانية؟ فلماذا نختزل الدولة التي يقطنها أكثر من 3 ملايين شخص من الديانات والعقائد والأفكار المختلفة بدين واحد فقط؟
قد يكون التساؤل أصلاً غير مقبول لدى البعض بحكم أن منع الطعام بالأماكن العامة في رمضان هو ما كبرنا وتأسسنا عليه في الكويت، ولكن إن تحملتم أخذ الموضوع بروية فقد تصلون إلى ما وصلت إليه من قناعة.
فالصيام أحد أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والحج ويفترض على كل مسلم قادر أن يؤدي تلك الفرائض، ودولة الكويت كسائر البلدان الإسلامية تهيئ الظروف لكل هذه الواجبات الدينية، فتنشئ المساجد وبيوت الزكاة، بل تراعي ساعات العمل أيضاً في شهر رمضان، وكل هذه الأمور لا تؤثر في نمط معيشة غير المسلمين في الدول الإسلامية، وهذا هو الأمر الطبيعي والمقبول، إلا أن منع الطعام وإغلاق المقاهي والمطاعم أمر لا أفهمه بتاتاً، فلماذا يفرض على الجميع ما لا ينطبق إلا على فئة معينة وديانة معينة فقط؟ بل حتى إن أراد غير المسلم أن يشرب الماء في فترة الصيام يعاقب بالحبس لمدة شهر والتهمة مجاهرة بالإفطار!!
هناك ديانات وعقائد متنوعة إحداها تصوم عن أكل اللحم مثلاً لمدة معينة من الزمن، فهل يقبل المسلم الذي يعيش في بلد أغلبيته، تعتقد بذلك الدين أن يمنع من اللحم طوال مدة صوم بعض مواطني ذلك البلد عنه؟
كما أننا نقع في تناقض آخر غير مفهوم كذلك، فلماذا نمنع أماكن الطعام فقط في فترة الصيام، ولا تغلق الأماكن العامة في فترات الصلاة طوال السنة؟ فالمنطق واحد وهو أن نفرض على الناس جميعاً ما هو مفروض على المسلمين فقط.
أعتقد أن مسألة منع بيع الطعام بالأماكن العامة ليست سوى عادات وتقاليد كانت مطبقة حينما كان المجتمع الكويتي محدود العدد جداً دون تنوع في الأديان؛ ليتحول الموضوع رغم التوسع وازدياد السكان إلى قانون دون تعمق في فهم الأمر.
السماح لغير المسلم بممارسة حياته الطبيعية لا يمس المسلم بشيء، بل تلك هي طبيعة التعايش دون إضرار بالآخرين، فإن كان الأكل والشرب يجرحان مشاعر الصائمين، فيجب علينا أيضاً أن نفرض الصيام على جميع ما يعرض على التلفزيونات قبل الإفطار، كذلك مراعاة لمشاعر الصائمين.
مجدداً قد لا يجد هذا الموضوع الترحيب بل قد يقابل بالاستنكار، لكني لا أجد أن فرض دين واحد على دولة مدنية يتسق مع العقل والمنطق.

خارج نطاق التغطية:

تحسن حركة المرور نسبياً بمجرد تطبيق القانون يقدم رسالة واضحة بأن كل شيء بلا استثناء سيتحسن أيضاً بمجرد تطبيق القانون.

علي محمود خاجه

بسيط

يصحو من النوم ليعمل ويتقاضى الأموال ليصرفها على احتياجات الحياة الضرورية وغير الضرورية. لا يعنيه شيء فكل أموره روتينية؛ نوم، عمل، أكل، ديوانية، سوق لا أكثر، لا يهتم بالمؤثرات حوله ولا يشاهد الأخبار ولا يقرأ الصحف، كل ما يهمه هو استمرار روتينه كما هو دون تغيير. لكن نومه بات صعباً لأنه لا يجد المسكن الذي يسعه ويتحمل تكاليفه، وأكله بات خطراً فإما أن يكون فاسداً دون أن يخبره أحد وإما مكلفاً دون أن ينصف سعره أحد، وعمل سيفصله لأنه يحتاج أن يستغني عن موظفيه لشح السوق، والديوانية أصبحت مزعجة لأن بعض روادها بات يخشى من صفويته أو ازدواجيته. يضطر مرغماً إلى أن يشترك في المجتمع ليغير هذا الواقع، ليعيد روتينه اليومي فقط لنصابه الطبيعي لا أكثر، لا لمصلحة ولا جاه أو منصب، روتينه هو كل ما يطلب. فيكتشف الغابة ويدخلها مضطراً، فهذا يسرق وهذا يكفّر وهذا يكذب وهذا ينافق، يبحث عن العقل فيراه وحيداً منزوياً إن تكلم يشتم، فنحن بين معسكرين يرفضان وجود ثالث، فإما الرضا بالأمر الواقع وإما الشكر أو الصراخ والرفض واستبدال السيئ بمثله، أو بما هو أسوأ منه، كل أموره باتت خيارات صعبة يشارك أم يقاطع، يندد أم يبارك، يمتدح أم يذم… لا يعلم كل ما يريده هو روتينه البسيط. يستوعب الخلل ويعجز عن الحل، فمن يدير وطنه حكومة ضعيفة بلا رؤية أو إدارة، وإن كانت تدير فريق كرة قدم لحل بالمركز الأخير، قطعاً كل ما يعنيها هو أن تعين شيوخاً وقبائل وطوائف في إدارتها بصرف النظر عن المؤهلات والكفاءة، وتستقطب بل تشتري الولاءات من أجل استمرارها، فهي لا تملك سوى النفوذ والنقود. ومعظم من يصرخ معارضاً لها لا همّ له سوى الإقصاء والتقييد والعيش وحيداً دون غيره في هذه الأرض، لا يفهم أبسط قواعد التعايش، ويعامل الوطن كأنه ملكه الخاص، يقبل من يشاء وينبذ من يشاء. مجدداً لا يريد سوى روتينه البسيط دون أن يقيده أو يخونه أحد، يريد أن يحضر حفلاً موسيقياً دون تكفير، يود أن يكون المنزل حلماً يستطيع تحقيقه، يريد أن يزور المستشفى ويتلقى العلاج لا المرض، يريد تعليماً يمنحه أفقاً أوسع يجعله يبدع، يريد أن يعيش فقط، يريد أن يشاهد مباراة بالتلفاز وليس حضور الشيوخ للمباراة، يريد أن يقطع مسافة ١٠ كيلومترات من مسكنه لعمله بعشر دقائق، تلك هي طموحاته لا أكثر ولا يعرف إليها سبيلاً. خارج نطاق التغطية: هل سيقاطع "الإخوان المسلمون" الانتخابات الرئاسية المصرية أم سيشاركون؟ وإن شاركوا… هل يعتبر ذلك انبطاحاً؟

علي محمود خاجه

666 فلساً

لو قيل لي أن أعيش بمبلغ 666 فلساً يوميا؛ فسوف أقسّمها بالشكل التالي: 300 فلس، هي عبارة عن وجبات الإفطار والغداء والعشاء، بمعدل 100 فلس لكل وجبة، 200 فلس أجمعها يومياً ولمدة شهر كامل كي أتمكن من جمع 6 دنانير أضمن بها إمكانية شراء الحاجات الأساسية الشهرية كالمنظفات ولباس يقيني البرد للشتاء وغيرها من مستلزمات، فيتبقى لي 166 فلسا، 100 فلس أوفرها لنفسي لأي طارئ صحي أحتاج إليه كعمل أشعة أو شراء الدواء و66 فلساً أجمعها لأهلي، فتصبح مع نهاية الشهر ديناراً و980 فلساً، أذهب إلى أي شركة لتحويل الأموال فتطلب مني دينارين عمولة تحويل، وهذا يعني أنني سأجمع أموال الشهر الأول لضمان التحويل، وأقوم الشهر التالي بتحويل دينار و980 فلساً، بمعنى أن أهلي سيعيشون على دينار و980 فلساً لمدة شهرين بمعدل 33 فلساً يوميا، هذا بالطبع في حال أنني أسكن بالمجان. هذا المبلغ، الذي لا يستطيع أي مخلوق العيش به، هو المبلغ الذي يتقاضاه الآلاف من العمالة في الكويت، فهم يتقاضون 20 ديناراً فقط شهرياً… والله العالم كم يخصم منها، بسبب بعض الجشعين الذين لم يجدوا ما يغنيهم سوى سرقة قوت البشر ممن جعلتهم الفاقة والبحث عن لقمة العيش يقعون بين فكّي بعض مصّاصي الدماء، أملاً في أن يجدوا بدولة كالكويت مسلمة ومسالمة العيش الطيب الهانئ، لكن هيهات أن يتحقق لهم ما يريدون وبيننا من يعيشون على الظلم، وتفتح لهم أبواب الجشع كلها، كي يهنؤوا بما يسرقونه من الفقراء الضعفاء. المشكلة أننا نريد من هؤلاء المساكين غير المتعلمين أن يتصرفوا بحضارية في مجتمعنا، وأن يساهموا في ارتقائه ونحن نحرمهم أبسط حقوق العيش وأدنى متطلبات الحياة، فليتفكر كل منا ماذا سنفعل لو كان نظام حياتنا على طريقتهم، ومع ذلك نعامل بازدراء واحتقار من الكثيرين في الأماكن الحكومية كالمستشفيات أو المخافر أو غيرها من مؤسسات الدولة. «من أنت؟ وماذا تكون؟ ومن أين أتيت؟ هذا لا يعني شيئا في الكويت، أنت في الكويت وهذا يفي بالغرض، مستشفيات، ومستوصفات، وعيادات أطباء باطنية، وجراحون واختصاصيو نظر، ومدارس مزودة بمطابخ، وجامعات… كل ذلك تحت تصرفك التام وبلا شروط أو مقابل، وحين تتماثل للشفاء بعد أشهر من الإقامة في المستشفى تتلقى بدلا من الفاتورة أصدق التهاني». «الله وهبنا هذا الثراء الطائل… وأنت أيها الغريب لك أن تشاركنا ذلك، فأنت ضيفنا… بذلك يضرب الكويتيون مثلاً للعالم ولا يفرضون شروطا لقاء ذلك". الاقتباس السابق هو ما كتبه جون هنري ميلر في منتصف القرن الماضي عن الكويت، ولكننا للأسف أفضل وأسرع دولة في التخلف والرجوع ولا أعتقد أن يضاهينا بالعالم أحد. ضمن نطاق التغطية: ما سبق هو مقال كتبته ونشر قبل خمس سنوات تقريبا بتصرف محدود وللأسف، فإني أجد نفس المعاناة مستمرة، وما زال الإنسان في الكويت لا قيمة له، مبارك عليكم الشهر.

علي محمود خاجه

شباب أميركا

 لا أحب أن أكتب لفئة محددة في أغلب الأحيان، إلا أن بعض الظروف تجبرني على ذلك، خصوصاً إن لم أجد أحداً يتطرق لما أود أن أقوله. في عام ١٩٩٩ تأسس تجمع طلابي كويتي في الولايات المتحدة تحت مسمى "الوحدة الطلابية"، وسرعان ما تحول هذا التجمع إلى قائمة طلابية تخوض انتخابات الاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الولايات المتحدة، لتتمكن خلال ثلاث سنوات من تأسيسها أن تزيح تيار الإخوان المسلمين المسيطر على مقاعد اتحاد الطلبة فرع الولايات المتحدة لأكثر من عشرين عاما، وهو أمر يقارب الاستحالة، ولكن شباب الوحدة الطلابية تمكنوا من تحقيقه، وقد صاحب هذا التغيير الرائع في الولايات المتحدة نقلة نوعية في الحراك الشبابي الكويتي، كان شباب الوحدة الطلابية رافداً مهماً له، فتمكن هؤلاء الشباب بمعية إخوانهم في التيار الوطني في الكويت من الضغط والتحرك الشعبي لإقرار حق المرأة السياسي، وإقرار الدوائر الخمس في الفترة بين ٢٠٠٤ و٢٠٠٦، بالإضافة إلى مساهماتهم المهمة في تعزيز دور المدونات الإلكترونية حينذاك، والتحرر من الإعلام التقليدي، خصوصاً في موضوع أزمة الحكم وتحريك العديد من القضايا الأخرى. كما تمكن هؤلاء الشباب المنسلخون عن كل شوائب الطائفية والقبلية والمتاجرة باسم الدين وكل الأمراض الكويتية، أقول إنهم تمكنوا من تحويل المؤتمر السنوي للاتحاد الوطني للطلبة فرع الولايات المتحدة إلى منتدى مهم ومؤثر تتسابق جميع الشخصيات لحضوره ودعمه، وهو ما لم يحققه اتحاد طلبة الكويت أبداً رغم سيطرته الطويلة، وهنا لابد من ذكر أسماء من ساهموا في صنع هذا النموذج المشرف واستمراره، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، فاطمة حيات وخالد الفضالة وخميس المطيري وراشد الهارون وجاسم القامس وعبدالله العوضي وعبدالعزيز الطريجي وعبدالله القائد وضاري الجطيلي ومحمد الخميس ومحمد الجوعان وعبدالله السعدون وغيرهم الكثير ممن ما زالوا يمارسون دورهم الوطني اتفقنا معهم أو اختلفنا. ما يدفعني للكتابة اليوم هو ابتعاد قيادات هذا النموذج المشرف عن الساحة السياسية الكويتية في ظروف أعتقد أنها تتطلب وجودهم، فمنذ عام ٢٠٠٧ إلى اليوم لا نجد القيادات الجديدة للوحدة الطلابية تشارك بنفس حماس وقوة من سبقوهم؛ مما شكل نقطة ضعف واضحة في الحراك الشبابي الكويتي بشكل عام وللتيار الوطني بشكل خاص، ليس على صعيد الكمّ، بل على صعيد الرؤية والفكر وأساليب العمل، وأنا أؤمن بأن وجودهم القوي في هذه الظروف سيغير الأوضاع للأفضل حتماً، فالمسؤولية المنوطة بهم لا تقتصر على رعاية شؤون الطلبة في الخارج فحسب، بل تلك مجرد مرحلة تأهيلية هامة لصنع التغيير وتأدية الواجب تجاه الوطن، وهو ما لا يحدث اليوم كما أتابع دون أن أعرف الأسباب. إن وجودكم اليوم يا شباب الوحدة الطلابية في خضم المعترك السياسي الكويتي بهذه المرحلة تحديداً هو واجب عليكم، وفائدة للكويت مهما كان ما يشغلكم عنها، فلا تنصرفوا عن هذا الدور المهم الذي يوازي في أهميته باعتقادي دور الشباب الكويتي في نهاية الخمسينيات، فأنتم تملكون ما لا يملكه الكثير من نظرائكم في الكويت، وهو الابتعاد عن آفات وأمراض المجتمع، كما توافر لكم العيش في بيئة ديمقراطية حرة أكبر بكثير من أوساطنا وهو ما نحتاجه اليوم في الكويت بكل تأكيد. ضمن نطاق التغطية: "الوحدة الطلابية" تملك موقعاً إلكترونياً جميلاً يسرد تفاصيل قصتهم منذ التأسيس، وتتضمن أيضا ممارسات الإخوان في سبيل عرقلة الديمقراطية كتغيير موقع التصويت قبل الانتخابات بفترة قصيرة، وإلغاء الانتخابات أحياناً، وتقليص عدد ممثلي الاتحاد، وكلها أمور لا تمتُّ لا لديمقراطية ولا دستور بصلة، وعرابهم اليوم يقول إنهم أصحاب مبدأ، لطيف هذا العراب. http://www.alwihda.org/#!vision/cx1o

علي محمود خاجه

بصوت عال

هو مجرد تفكير بصوت عال أشارككمفيبه، وقد أكون مصيباً أو مخطئاً… لا أعلم، ولكني أقدم الفكرة لكم إما لتقويمها وإما لاعتناقها، بسم الله نبدأ. أزالت المحكمة الدستورية بحكمها الأخير المخاوف المستحقة من التفرد بالقرار تحت عنوان الضرورة، فنظرت وقيّمت وحكمت بضرورة مرسوم وعدم ضرورة آخر، وهو ما يعني بشكل أوضح أن هاجس صدور مراسيم الضرورة في أي وقت وبأي اتجاه تلاشى، لأن المراسيم حسب حكم "الدستورية" خاضعة لرقابتها وفحصها وتقييمها، تلك حقيقة غير قابلة للنقاش أو الجدل. وكذلك حصنت المحكمة الدستورية نظام "الصوت الواحد" للناخب، وهو النظام السيئ جداً باعتقادي لأنه يعزز الطائفية والقبلية بشكل أكبر مما كان الوضع عليه في "الأصوات الأربعة"، فإن كان الناخب يصوت على أساس قبلي أو طائفي، وهو يملك أربعة أصوات فإنه سيتطرف أكثر بصوت واحد ولن يعتدل، والصوت الواحد يعزز الفردية في وقت تسعى فيه الديمقراطيات إلى تعزيز جماعية العمل، عموماً فإن تحصين نظام الصوت الواحد أيضاً بات حقيقة غير قابلة للنقاش أو الجدل. طيب، كيف نتعاطى مع هذا الوضع؟ نظام انتخابي سيئ قائم ومحصن وحكومات متعاقبة لا ترقى إلى مستوى إدارة دولة بل تنتهز الفرص لزرع الفساد، البعض يدعو إلى المقاطعة لمبررات تكون أحياناً مفهومة شعارها لا جدوى من المشاركة ما دامت مساعي الإصلاح تصطدم بمراسيم ضرورة في أي حين، وهو أمر وإن كنت أتفهمه إلا لأنني أعتقد أن المحكمة الدستورية قدمت ضماناً لنا بأنها أعلى من مراسيم الضرورة كما ذكرت آنفا، كما أن المقاطعة دون هدف وبرنامج واضح قابل للتطبيق (وهي الحال اليوم) لن يحقق أي شيء يذكر على الإطلاق، خصوصاً أن مجاميع المقاطعة لمجلس ديسمبر لم تكن لهم هوية أو رؤية لتنفيذ خطوات الإصلاح إلا من رحم ربي، وهو مؤشر على حال المقاطعة في المستقبل إن لم يكن أسوأ. البعض الآخر وأنا أميل إليه يعتقد أن المشاركة في العملية الانتخابية ومحاولة تقديم سلسلة إصلاحات هو الخيار الأفضل، نعم النظام الانتخابي القائم سيئ، بل قد يكون الأسوأ ولكنها ليست المرة الأولى التي نشارك بنظام انتخابي سيئ ونحقق الإصلاحات، ولنا في مجلس (٧١) المنعقد بعد تزوير (٦٧) خير دليل، ولنا في مجالس الدوائر الـ(٢٥) التي أصلحنا من خلالها النظام الانتخابي دليل آخر، وهو ما يعني أن فرص الإصلاح من الداخل وإن كانت ضئيلة إلا أنها أكبر من  فرص الإصلاح بالمقاطعة دون برنامج أو منهج. لقد وفرت لنا المحكمة الدستورية ضمانة كنا نتطلع إليها بعدم إطلاق يد مراسيم الضرورة، وهي خطوة عملاقة تضمن عدم استمرار المراسيم بالشكل الذي مورس قبل أشهر، وأثبتت انتخابات ديسمبر أنه بالإمكان وصول عدد كبير من الراغبين في الإصلاح إلى المجلس، ولم يتبقَ سوى الوصول إلى المجلس وإصلاح ما يمكن إصلاحه أفضل من المقاطعة دون منهج أو برنامج. هل هناك حلول مثالية؟ لا أعتقد، لذلك لابد من التعاطي مع الوضع بمعرفة أي منها يحقق مكتسبات أكبر، كما أن مشكلة الكويت ليست في نظامها الانتخابي أبداً وإن كان جزء بسيط من المشكلة، بل مشكلتنا هيكل متكامل من الفساد لابد من إصلاحه بدلاً من الدوران في دائرة ضيقة عنوانها "أربعة أصوات" أو "صوت". مجدداً تلك فكرة أقولها بصوت عال… قد أكون مخطئاً أو مصيباً فيها.