حسناً فعل صاحب السمو باستقباله وفد المعارضة البرلمانية والاستماع اليهم ومحاورتهم، وهذا ليس بغريب على سموه الذي عرف عنه الحكمة والحنكة في قراراته، فلو لم تتم هذه الخطوة المستحقة من قبل سموه لأصبح نواب المعارضة في حل من اتخاذ اي اجراء يبرئ ذمتهم امام الله وأمام الشعب. فكلنا يعلم كيف تمكنت الحكومة من تعطيل جلسات مجلس الامة، سواء بفقدان النصاب او بالاحالة إلى «الدستورية» ولجان المجلس لاي موضوع او قضية لا تريدها. لذلك، لجأ النواب إلى الشارع وساحة الارادة، فحجبت الحكومة رأيهم عن الناس ومنعت نقل ما يجري الى الشعب، فاتجه النواب الى دواوينهم، وهنا تعهدت الحكومة بمنع اي تواجد بشري خارج حدود المنزل ولو استدعى ذلك تدخل القوات الخاصة! فلم يجد النواب بداً من التوجه الى صاحب القرار النهائي ليشتكوا اليه ظلم الصديق وجور الصاحب، وكيف آلت الامور في البلاد الى حافة الانهيار، فاستوجب الامر تدخل صاحب البصر والبصيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا عن مستشاري سمو رئيس الوزراء؟ فاما انهم لا يمارسون دورهم الاستشاري، يعني مستشار ترضية وتطييب خاطر بس فكنا من رأيك واحتفظ به لنفسك! وإما انهم يقدمون استشارة ورأيا ركيكا وبعيدا عن الواقع، وثالثة الاثافي انهم يزينون لصاحب الشأن ما يريده ويرغب فيه، ولو خالف قناعاتهم وهذه طامة كبرى، اما الرابعة فهي انهم يشيرون عليه لكن صاحب الشأن لا يقتنع بما يرونه فيصبحون مثل «المطوطي في جليب!».
اقول هذا الكلام لانني ارى ان الاوضاع وصلت إلى درجة من السوء بحيث يراه كل ذي عقل وبصر وبصيرة ولو كان صغيراً! ولا يمكن ان تصل الامور الى هذا الحد من دون ان تحرك ساكنا في مشاعر من يعنيه الامر، وحتى لا نصل الى ما وصل اليه بعض مثقفينا ومنظري الاقتصاد عندنا الذين يرون انشاء دار للاوبرا اولوية يتمنون عدم تجاهلها!
وما دام اننا نكتب عن اصحاب الشأن ورؤاهم واولوياتهم فأتمنى ان نلفت نظرهم ــــ وهم جزماً غير غافلين عن ذلك ــــ الى خطورة الطرح الطائفي وتأجيج المشاعر الطائفية عند بعض جهال السنة والشيعة.
واعتقد ان السماح للبعض بالتحرك بأريحية في هذا المجال وشعور هذا البعض بانتقاص حقوقه ورفع سقف مطالباته زادت من هذا الطرح الذي نشأ عنه احتقان طائفي يهدد الوحدة الوطنية. وهنا أنبه الى قضية لم يعد يخفيها هذا البعض، وهي شعور البعض بالتعاطف الذي يصل الى درجة الولاء لاحدى الدول الصديقة والجارة التي تتبنى المرجعية المذهبية في عملها السياسي! اقول هذا التعاطف لم يعد خافيا بل اصبح البعض يصرح به تصريحا لا تلميحاً، مما جعل الطرف الآخر يشعر بالغبن وهو الذي اتهم منذ فترة قريبة جدا بازدواجية الجنسية!
الامور اصبحت قاتمة ولم تعد رمادية كما كانت بالامس، والتشاؤم او التحلطم اصبح لغة التخاطب بين اهل الديرة، والتحسر على كويت الماضي اصبح هماً يشيله قلب كل مواطن مخلص وغيور، فمتى يأتي الفرج؟
«قل عسى ان يكون قريباً» صدق الله العظيم.
***
ملحوظة:
في مثل هذه الاجواء.. لا نستغرب عودة الرويبضة، وهو التافه من الناس يتكلم في الشأن العام.. ولا نستبعد تسلق الطحالب على ظهر الشرفاء.
التصنيف: مبارك الدويلة - حصاد السنين
أبحث عن موضوع مفرح
اليوم سأكتب مقالا عن موضوع «ما يجيب الهم ولا يضيق الخلق»، لان المواطن الكويتي سئم من كثرة التحلطم والتشكي، لذلك لن اكتب عن الخلاف بين المجلس والحكومة والذي وصل مداه، وتسبب هذا الخلاف في توقف التنمية قصدا ومن دون قصد، كما لن اكتب عن استيائي من عدم مصافحة النواب لسمو رئيس مجلس الوزراء في جلسة الافتتاح، وان كنت لا ألوم وليد الطبطبائي استثناء، لان سموه سبق أن رفض مصافحته في حفل تكريم «قافلة الحرية»، ايضا لن اكتب عن الوضع التعليمي في البلاد وكيف وصل الامر الى ان يتظاهر طلبة المتوسط والثانوي مطالبين بتغيير نظام التقويم! ولا عن تحريض النواب للطلبة وحثهم على التظاهر، وكأن هؤلاء النواب لم يجدوا من يخرج معهم الا استجداء الطلبة! وأي طلبة؟ طلبة المدارس! وأعاهد القارئ انني لن اكتب اليوم عن الوضع الاقتصادي حتى لا اعكر مزاجه على هالصبح! ولن اذكر له الخلاف في البورصة وكيف اشتكت الحكومة على الحكومة في المحاكم! مما ادى الى تأخير البت في ادراج الشركات الجديدة التي قدمت ملفاتها الى البورصة منذ سنة تقريبا بانتظار قرارها! وحتى لا ازيد من هم المواطن فلن اتكلم عن الخلافات في الوسط الرياضي والتي بسببها تجمد اتحادنا وتأخرنا في انجازات كانت محسومة لنا، ويكفينا اليوم ان مجلس ادارة الهيئة العامة للشباب والرياضة مجهول الهوية، هل سيتغير ام ان تغييره سيتعرقل؟! وبصراحة فكرت اتكلم عن الجانب الاخلاقي والسلوكيات التي انتشرت في المجتمع فوجدتها تضيق الخلق، خصوصا انتشار البغاء ومصانع الخمور وعجز «الداخلية» عن ضبطها بشكل جدي، وسلوكيات الشباب في الاسواق التي تدل على ان لديهم فراغاً مو عارفين كيف يقضونه، واهمال الوالدين لما يجري في بيوتهم وخارجها، والحرية التي ليس لها حدود في مفهوم البعض، وطريقة تعاملنا مع الخدم ومشاكلهم وظاهرة الغش التجاري واللحوم الفاسدة والراشي والمرتشي، والايداعات المليونية و… و…. الخ.
كل هذا لن اكتب عنه لانه يزيد من الهم، لذلك قررت ان اكتب مرة ثانية عن شيء ينشرح له الصدر وهو فوز الاسلاميين في تونس.
وبصراحة حتى هذا الموضوع لن اكتب عنه، لانه سيزعل زملائي الجيران وغيرهم من بني علمان! خصوصا ان احدهم كتب بالامس مقالا ينم عن حنق وغم وهمّ تختلج في قلبه نتيجة فوز الاسلاميين، حتى انه لم يتمالك ان اعطى لقلمه العنان ليكتب بالحق وبالباطل عن تاريخ الاسلاميين، وليته اكتفى بالتاريخ الذي حوره، بل وصل الى التنبؤ بالمستقبل المنتظر عندما اكد انهم وجهان لعملة واحدة مع الانظمة الدكتاتورية التي اسقطوها.
هؤلاء الزملاء ادعياء الدفاع عن حقوق الانسان الذين ايدوا ضرب وزارة الداخلية للنواب في ديوان الحربش، ودافعوا عن رئيس الحكومة في معظم الاستجوابات التي قدمت إليه، ولم يخفوا تبجحهم بضرب الاسد الاب لحماة وقتل ثلاثين الفاً في ثلاثة ايام، وتأييدهم للمتمردين في البحرين الخارجين على النظام، ومع هذا لم يختشوا باظهار استيائهم من انتقال تونس من حكم دكتاتوري الى حكم ديموقراطي ليتأكد ما ذكرناه في مقالنا السابق من ان العلمانيين يريدون ديموقراطية على مقاسهم والا فلتبق الدكتاتورية الى الابد.
لذلك لن اكتب عن هذا الموضوع حتى لا اكدر عليهم.
لكل ذلك قررت ألا اكتب اليوم مقالا لعدم حصولي على موضوع يفرح له القارئ وتنفرج معه اساريره.
*****
شكر خاص للاستاذ محمد السويلم مدير المراسم الملكية في الديوان الملكي بالرياض على سعة صدره وحسن تدبيره وحفاوة التكريم والضيافة التي تميز بها اثناء مراسم التعازي بوفاة صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز طيب الله ثراه.
أول الغيث من تونس
عندما تعطي الناس الحرية في الاختيار من دون ترهيب أو ترغيب.. فانهم يختارون الفطرة. وعندما تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم.. فانهم يعبرون عنها بالفطرة. وعندما تطلب منهم ان يحددوا اتجاهاتهم.. فانهم يتجهون إلى الإسلام.
هذا بالضبط ما حدث في تونس أمس الأول عندما سُمح للناس أن يختاروا.. من دون قيود.. وبحرية كاملة.. فاختاروا راية الدين.. راية الإسلام.
ثمانون عاماً من فصل الدين عن الحياة اليومية.. أكثر من نصف قرن من تربية الناس على العلمانية.. أكثر من نصف قرن من تشويه صورة المسلم الملتزم بوسائل اعلام رسمية وغير رسمية.. أجيال تعاقبت ونشأت في هذه الأجواء المعادية لكل ما يمت للدين بصلة.. غيروا المناهج الإسلامية.. ألغوا مفاهيم شرعية ثابتة.. أصّلوا لعادات غربية ليس لها علاقة بالدين الإسلامي.. ومع هذا.. ومع أول فرصة للتعبير عن الرأي بحرية.. أظهر الناس المارد المختبئ في وجدانهم طوال تلك السنين من الكبت والقهر.. وأعلنوا للعالم أنهم شعب مسلم يعتز بإسلامه ويتشرف بانتمائه للدين.
فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس هو أول الغيث.. فعندما توجد الحرية يختار الناس الفطرة.. ويعودون إلى أصالتهم.. «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه».
وما حدث بالأمس في تونس روّع خصوم الدين من أجانب وعرب.. لانهم كانوا يتوقعون ان يكون الزمن أثر على شعب تونس وغير من آرائه، خصوصاً أن تونس دولة أقرب ما تكون إلى أوروبا في انفتاحها وحضارتها وثقافتها طوال عقود مضت. ولكن السؤال الآن: هل سيستمر الغرب وأعوانهم في بلادنا في مدح التجربة الديموقراطية في تونس ام ان نجاح الاسلاميين سيعتبرونه وأداً للديموقراطية، كما حدث في الجزائر عندما اسقط الشعب حقبة من الدكتاتورية وجرت اول انتخابات حرة ونزيهة، ولكن عندما أظهرت النتائج فوز جبهة الانقاذ الاسلامية انقلب الباطل على الحق، ودعم الغرب المتحضر تدخل الجيش والغاء الانتخابات وهلل علمانيو العرب لهذا الاجراء وظهر الوجه البشع لمدعي الديموقراطية والحرية؟!
اذاً هم يريدون ديموقراطية وفقاً لمقاسهم وتتناسب مع توجهاتهم، وعذرهم ان الاسلاميين يلغون الآخر! لذلك هم ألغوا الاسلاميين! وها هي الجزائر منذ ذلك التاريخ لم نجد هذا «الآخر» ولم نسمع عنه.
أول الغيث من تونس..
ها هو رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي يعلن الشريعة الاسلامية مصدر التشريع في المرحلة المقبلة.. وهذا الاعلان لم يكن من فراغ، بل لانه يدرك ان هذا الاعلان يتفق مع ما يريده الشعب الليبي.
وها هم الاخوان المسلمون في مصر يستعدون لحصد %30 من مقاعد مجلس الشعب ليؤكدوا ما ذهبنا اليه في اول هذا المقال، من ان الشعب مع الاسلام اذا سُم.ح له بالتعبير عن رأيه بحرية، وها هم زعماء العلمانية والانظمة الليبرالية اعداء الدين يتساقطون واحدا تلو الاخر غير مأسوف عليهم وبلا رجعة باذن الله.
انهم الاخوان المسلمون..
هذا الاسم الذي تم تشويهه بوسائل الاعلام الغربي والعربي طوال نصف قرن.. وألبسوه تهما وجرائم هو منها براء.. وألصقوا به العذاريب وخوفوا الناس من الاقتراب منه! ها هو المارد يعود اليوم بقوة ليعلن للعالم «ويمكرون ويمكر الله».. «والله غالب على أمره».
وفعلا.. ما يصح.. الا الصحيح.
القذافي عبرة للكل
نهاية القذافي يجب ان يستفاد منها.. والمستفيد ليس فقط حاكم سوريا أو حاكم اليمن.. بل يجب ان يستفيد منها كل الحكام العرب بشكل خاص وكل حاكم آخر لا يحكم بالعدل والاحسان. ما يجري في العالم العربي ربيعان: ربيع للشعوب كي تزيل الجاثوم من على صدرها وتتنفس الحرية.. وربيع لبعض الحكام كي يثبتوا للعالم رضا شعوبهم عليهم لأنهم يحكمون بالعدل.
القذافي لم يكن بالسوء الذي به اليوم بعض حكام العرب، على الأقل في ظاهره، لذلك على من هو أسوأ منه ان يبادر ليس باصلاحات.. فزمن الاصلاحات منهم قد ولى، ولكن بالتنازل عن الحكم ونقل السلطة سلمياً الى من يراه الشعب قبل خراب البصرة. وأعتقد ان حكام المغرب والجزائر والعراق وإيران لن يكونوا بعيدين عن انتفاضة شعوبهم على الأوضاع المزرية في تلك الدول.
***
أعجبتني مقالة الزميل غسان العتيبي اليوم (أمس السبت) في القبس عن «غباء السياسة الأميركية»، وفعلاً بدأت أميركا تتخبط في سياستها بالمنطقة، بعد ان اثبتت أحداث الربيع العربي انها سياسة خاطئة أدت الى مزيد من الكره لأميركا التي ظهرت لشعوب العالم الثالث بانها في الحقيقة راعية للأنظمة الدكتاتورية، وان على الشعوب ان ارادت حريتها ان تعتمد على نفسها، وأكبر دليل على غباء هذه السياسة ما نراه عندنا في الخليج من طريقة تعامل الأميركان مع أحداث المنطقة، ولعل أحداث البحرين تؤكد ما ذهبت اليه.
***
قرار ايقاف خطيبين عن الخطابة يوم الجمعة حتى ينتهي التحقيق في ما اثير حولهما، قد يكون قراراً مقبولاً على مضض، لكن ان يكون القرار نتيجة تهديد نائب طائفي أو رمز لطائفة فهذا غير مقبول تماماً لانها ستكون سابقة لكل من هب ودب لاصدار تهديداته، ونحن نعرف جيداً ان الطرف الآخر غير عاجز عن التهديد، وليذهب الوطن إلى الجحيم! وكم كنت أتمنى ان يكون الايقاف بعد انتهاء التحقيق لا قبله.
وبالمناسبة.. اعتقد انه قد حان الوقت لوضع تصور واضح للجميع يحدد المقبول وغير المقبول في الحديث والخطابة والنشر عن الأمور الدينية حتى لا نأتي كل يوم وندخل في مشكلة بين السنة والشيعة، هذا التحديد لا يحدده صالح عاشور ومحمد هايف ولا يحدده صلاح الخميس والمهري، بل تحدده وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية شريطة ألا يكون القرار خاضعا لهواجس نائب أو شيخ معمم.
استقالة.. غير عادية
استقالة وزير الخارجية في هذا الوقت بالذات ليست استقالة عادية، فهي تعني الكثير.. والكثير جداً! فهي استقالة نائب رئيس مجلس الوزراء وليس وزيراً عادياً، كما انها استقالة وزير سيادي لوزارة سيادية وهي الخارجية، ونحن نعلم اهمية سياستنا الخارجية هذه الايام في ظل تدهور غير مسبوق في علاقتنا بالجيران. كما انها استقالة ابن الاسرة الحاكمة، وليس وزيراً شعبياً، اضف الى ان اسمه كان مطروحاً كمرشح قوي لرئاسة مجلس الوزراء بدلاً من سمو رئيس مجلس الوزراء الحالي.. والاهم من كل ذلك توقيتها! نعم، اتضح لنا أن توقيتها فرض على الشيخ محمد لانه كان متحمساً لحضور المجلس الوزاري للجامعة العربية، وكان اول من دعا إلى عقد اجتماع لهذا المجلس لمناقشة الوضع في سوريا، لكن تطوراً ما للاحداث هنا حال دون سفره، وهي تطورات لم يكن يتوقعها، ولعل ما نشرته القبس بالامس يكون صحيحا، وهو انه لم يجب الى طلبه عندما طالب الحكومة بمعلومات عن اسئلة النائب البراك حتى لا يكون هو «ممشاشة الزفر»!
الاستقالة غير عادية لانها جاءت قبل بداية دور انعقاد ساخن بأيام قليلة.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هو توقيت مدبر؟ هل هي مؤامرة لاخراج المنافسين من دائرة الصراع واحداً تلو الآخر؟! ام هي عملية كشف ظهر لرئيس الحكومة كي يبقى وحيداً في الساحة يصارع خصومه من دون مساندة وعون من اقرب الناس اليه؟! اسئلة تحتاج الى اجابة.. ويا خبر اليوم بفلوس.. بكره ببلاش.
***
(الزبدة)
الصراع بين ابناء البيت الواحد.. اصبح ظاهراً والله يستر.
منتدى وحدة الخليج والجزيرة
حضرت في اليومين الماضيين مؤتمراً لتأسيس منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية في مملكة البحرين الشقيقة، شاركت فيه نخبة من المفكرين والسياسيين والإعلاميين والادباء من أبناء دول مجلس التعاون. وكان محور الحديث عن أهمية الوحدة الكونفدرالية لدول مجلس التعاون في ظل المتغيرات في المنطقة، وأدهشني شبه الاجماع في الرؤية على أهمية هذه الوحدة وضرورتها، والتي ربطوها بخطوة مهمة لا بد من اقترانها بها، وهي اجراء اصلاحات سياسية في دول مجلس التعاون الخليجي تتيح للمواطن الحرية المنضبطة والممارسة الديموقراطية السليمة.
واستوقفني طرح غريب وحقيقي في الوقت نفسه، ففي الوقت الذي اثنى الجميع على التجربة الديموقراطية الكويتية فإن البعض انتقد هذا الثناء وطالب بالاتعاظ من هذه التجربة، وعدم الخوض فيها، لأنها اوقفت التنمية وشرذمت المجتمع! وهذا حق أريد به باطل، لان العيب ليس في الديموقراطية الكويتية ولا في الدستور الكويتي ولا في النظام البرلماني ـــ وان شابه بعض القصور ـــ لكن العيب في الممارسة من قبل الحكومة والنواب، كل وفق اختصاصه، مما ادى إلى هذا القصور وهذا التشويه.
ان اعداء الحرية والديموقراطية ارادوا استغلال ما تشهده الساحة الكويتية من صراع محتدم بين اطراف هذا الصراع ليستخدموه بعبعاً يخوفون به شعوبهم من هذه الممارسة، وتناسوا ان خداع الشعوب في هذا الزمان قد ولى الى غير رجعة، وتشويه وسائل الاعلام الرسمية للحقائق وقلبها ونقلها بصورة مخالفة للواقع لم يعد لها تأثير في زمان الـ «فيسبوك» والـ «تويتر». الأمر الآخر الذي استوقفني في هذا المؤتمر هو معلومة كانت غائبة عن ذهني، وهي وجود عدد كبير من سجناء الرأي في دول الخليج ومن دون محاكمة! وكنت اعتقد ان العلاقة بين الحاكم والمحكوم تغلفها المحبة والاحترام المتبادل في هذه الدول. وهنا اقول ان على اغلب حكامنا الافاضل ان يستمعوا الى نصائح المحبين لهم من شعوبهم لا الى المستفيدين منهم من حاشيتهم، ان التصالح مع الشعوب هو صمام الامان لبقائهم، فاليوم شعوب الخليج تطالب باصلاح النظام فقط، لكنها غداً ـــ إن طال الانتظار ـــ ستطالب بتغيير النظام متأثرة برياح التغيير التي تجتاح العالم ولا تبقي ولا تذر.
لم يعد النظام البوليسي صمام امان للحكام، ولم تعد القبضة الحديدية كافية لحفظ النظام، الشعب والتصالح مع الشعب واحترام ارادة الشعب وإنسانيته هي الضامن الوحيد.
ختاما.. نهنئ شعوب الخليج تأسيس المنتدى الذي سيكون انطلاقة للوحدة الخليجية التي انتظرناها منذ عقود وهي بلا شك تفيد الانظمة الحاكمة مثل ما تفيد شعوبها، حفظ الله خليجنا وشعوبه من كل مكروه.
أسباب العبث السياسي
عندما طالبنا بالأحزاب السياسية لوقف هذا العبث السياسي الذي يمارس يوميا من قبل بعض السياسيين والإعلاميين، كنا ندرك خطورة العمل الفردي العشوائي، الذي بدأنا نشعر بسلبياته هذه الأيام. وقد يقول قائل إن الكتل السياسية البرلمانية تفي بالغرض، فنقول إن بلانا من بعض تصرفات هذه الكتل! خذ مثلا كتلة العمل الشعبي، التي تعتبر أكثر الكتل شعبية في الدائرتين الرابعة والخامسة، فتصريحات ممثليها سببت الكثير من الاحتقان السياسي، وأفكار عرابها الذي حولها إلى قوانين مثل قانون الشركات المساهمة وقانون B.O.T تسببت في الركود الاقتصادي وتعطلت التنمية، مع يقيني بالنية الطيبة في تبني هذه القوانين. أما كتلة التنمية والإصلاح فواضح فيها الفردية في التصرفات، ففيصل المسلم ووليد الطبطبائي يتبنيان أفكاراً يلزمان بها الحربش وهايف، وتسير الكتلة على طريق وعر أحيانا، مع يقيني بأنها الكتلة التي تمثل الفكرة الإسلامية والرؤية الإسلامية.
ثالثة الأثافي كتلة العمل الوطني، وهي تجمع لحزبين يمثلان التيار الشيوعي والتقدمي، وعدد من المستقلين المحافظين الذين لم يرغبوا في المحافظة على استقلاليتهم خوفا من الضياع السياسي، فانضموا لهذه الكتلة!
هذه الكتلة بهذه التركيبة العجيبة صارت مثل الزئبق في مواقفها، لا تستطيع أن تحدد لها خطا ومنهاجاً، فتارة هنا وتارة هناك، حسب تأثير نواب التيارات اليسارية والقومية فيها (العنجري والملا وأسيل)، وحسب مصالح أعضائها التجارية، لذلك تجد الغرابة في تباين مواقفها.
من العوامل الرئيسية في الاستقرار السياسي ضبط الحس السياسي عند رجل الشارع، فإن كان رجل الشارع موجها توجيها سليما وفقا لرؤية محددة ومنهج واضح، كانت ردة فعله إيجابية بغض النظر عن الموقف، وإن كانت الأمور «سايبة» ولا يوجد توجيه واضح للشارع، ولا توجد رايات محددة تلعب بالساحة، عندها سيكون الشارع عاملا مساعدا على الفوضى السياسية والعبث السياسي، وفي أفضل الأحوال.. السلبية.. والبقاء في البيت والديوانية لمزيد من التحلطم واللطم. وهذا ما يحدث اليوم في غياب الموجّه لهذا الشارع، ألا وهي الأحزاب المنظمة.
أما دور الإعلام المنظم في توجيه الشارع ودور رجل الإعلام الفالت في تغييب الحقائق وتضليل هذا الشارع، فسأترك له مقالا آخر، لكن لا يفوتني مثال قرأته بالأمس عندما قال أحد هؤلاء الفالتين الذين لم يعد يوجههم منهج وفكر، بل حقد وضلالة: إن من اسباب انتشار الرشوة سيطرة الجماعات الدينية على الجمعيات التعاونية.
لماذا ناصر المحمد؟
يتساءل البعض: لماذا ناصر المحمد؟ لماذا ليست الحكومة كاملة؟ لماذا شخص واحد يتحمّل كامل المسؤولية؟ وأفضل اجابة سمعتها هي ان المآخذ على سمو الشيخ ناصر المحمد هي علاقته برجل اعلام ايراني، وما نتج عنها من تقارب عجيب مع ايران وتنافر واضح مع دول الخليج. كذلك طريقة كسب المؤيدين من النواب على حساب المصلحة العامة، والثالثة طريقة ادارته لمجلس الوزراء وميانته على الجميع فيه، كلها بلا شك يتحملها شخص سموه.
التغيير قادم
الكثير يتساءلون: هل سيتم تعديل او تغيير حكومي شامل قبل بداية دور الانعقاد الجديد في الخامس والعشرين من هذا الشهر، ام ان الشيخ ناصر المحمد سيعود مرة اخرى ويكمل مدة هذه الحكومة حتى نهاية الفصل التشريعي؟
أنا اعتقد ان ذلك يعتمد على ثلاثة امور: الاول، استمرار قناعة سمو الامير باداء الشيخ ناصر وقدرته على السير بالبلاد نحو الافضل. والثاني، تمكن الحكومة من وقف هذا الانهيار الذي يحصل اليوم بسبب التسيب في الاداء والشلل في مؤسسات الدولة بسبب الاضرابات المتكررة وقدرتها (الحكومة) على معالجتها بحكمة وحنكة.
اما الامر الثالث الذي يتوقف عليه تغيير الحكومة فهو استمرار المعارضة في التصعيد واقناع الشارع ومزيد من القطاعات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني بدعمها وتأييد مطالبها في هذا التغيير.
وعودة الى العامل الاول الذي يعتمد عليه تغيير الحكومة، وهو الارادة السامية ومدى قناعة سموه باداء رئيس الوزراء، فلا نريد الخوض في هذا الامر حتى لا يفهم انه تدخل في شأن اسرة الحكم، مع اننا عرضنا في هذه الزاوية فكرة تعيين النائب الاول كمرحلة انتقالية لحين اجراء انتخابات تشريعية جديدة يتم بعدها اختيار الرئيس الجديد للحكومة في ضوء نتائجها. واما العامل الثاني فاعتقد ان الحكومة لم توفق في معالجة الاضرابات بدليل تدافع القطاعات على التسابق لاعلان اضراباتها! والقشة التي قصمت ظهر البعير هي بلا شك اضراب النفط وطريقة معالجته، والذي بعده «كرت السبحة»! واخطر هذه الاضرابات ما قام به طلبة المدارس يوم الخميس الماضي! فإن وصلت الامور الى شعور الطلبة في المدارس بحقهم في الاضراب فهذا دليل على وجود خلل في المسيرة لا يمكن التغاضي عنه. ولا اظنني خالفت الحقيقة إن قلت انه لم تمر على الكويت اضرابات واضطرابات بهذا الشكل ولا حتى ايام دواوين الاثنين في نهاية عام 1989.
اما العامل الثالث المؤثر في التغيير فهو الحراك الشعبي، واعتقد ان القوى السياسية ابلت بلاء حسنا في حشد التأييد الشعبي لمطالبها، ولا يجوز قياس نجاح هذه القوى بعدد من حضر لساحة الارادة كما يزين البعض، بل القياس الحقيقي هو الاستياء العام عند الناس مما وصلت اليه الاوضاع في البلاد، وهذا يقاس بسهولة من امرين: الاول حديث الدواوين والمنتديات، والثاني ان من كان يؤيد حكومة الشيخ ناصر في الايام الماضية قل حماسه لهذا التأييد واكثرهم التزم الصمت في احسن الاحوال، خصوصا بعد ان وصل الفساد في البلاد الى درجة افساد ذمم بعض اعضاء مجلس الامة المناط بهم الرقابة على اداء الحكومة.
الخلاصة.. اعتقد ان التغيير اصبح حتمياً.. والمصلحة العامة تقول ذلك.. فقد اصاب الشلل معظم القطاعات ووصل الفساد الى الجذور.. وللمرة الأولى ينفرز المجتمع بهذا الشكل الطائفي والقبلي والطبقي في الكثير من الامور حتى اصبحت وحدتنا الوطنية في خطر.. ولاول مرة تتردى علاقتنا بجيراننا الى هذا المستوى، فهذا يرسل جواسيسه ليل نهار، وذاك يهدد بالغاء اتفاق الحدود وترسيمها، وثالث يعتب علينا عتب الاخ على اخيه، والقادم اعظم.
فهل بعد كل ذلك نعتقد بامكانية الاستمرار مع هذه الحكومة؟! اعتقد ان التغيير اصبح لازما وبشكل فوري.. حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.
الوحدة.. أو الانهيار
كل يوم تثبت الاحداث المتسارعة في المنطقة اهمية الاتحاد الكونفدرالي للكويت. فلم يعد هناك مجال للعيش في هذا العالم من دون استناد الى ظهر يحميك ويحفظ أمنك، وإلا فالكويت تقع في مثلث الموت: ضلعان من هذا المثلث يتربصان بنا الدوائر، والثالث اثبت الزمان انه الملاذ الآمن.
فايران الثورة لها طموحات لم تعد تخفيها، ويساعدها على ذلك ان جزءاً مهماً من تركيبة هذا المجتمع ما زال ينظر إليها على انها الأم والاصل والمرجع! كما ان تركيبة الساحل الغربي للخليج تهيئ الاجواء لاي امتداد للمخطط الفارسي في المنطقة.
أما العراق، فمهما قدمنا إليه من تضحيات ومساعدات، فالغل والحسد والحقد والذكريات التي تسيطر على النفوس تحول دون بناء جسور الثقة من جديد. ولعل السيطرة المذهبية على مقاليد الحكم في بغداد ساهمت في تناغم الطموح والطمع في الكويت مع الجارة الاخرى ايران، فها هي تصريحات المسؤولين وولولة الناعقين من نوابهم تذكرنا بتلك التي كنا نسمعها من ابواق النظام البعثي البائد.
قد يقول قائل ان القواعد الاميركية والاتفاقيات الامنية صمام الامان لنا. فنقول ان عين الاميركان اليوم على ايران والعراق، حيث الثروات والمواقع الاستراتيجية ومقومات القوة والاستقرار، اما الكويت فستكون عالة على من يرعاها ويتكفل بحمايتها، ذلك ان الوضع الداخلي للكويت اليوم ينبئ بخطر نحن عنه غافلون، فلأول مرة اشعر اليوم ان الدولة تنهار من الداخل، ومما زاد من مؤشر الخطر عندي ان المعنيين لا يشعرون بهذا الانهيار! لذلك ارجع واقول ان الامن هو الاساس في تفكيرنا اليوم، ولا أمن لهذه الدولة الصغيرة الا بالوحدة الخليجية. لهذا نحن كنا وما زلنا نطالب بهذه الوحدة منذ فترة طويلة، لكن على مراحل:
الاولى كونفدرالية.. والثانية فدرالية.. والثالثة دول الاتحاد الخليجي. ومع كل هذه المراحل تحافظ كل دولة على خصوصيتها في الحكم الذاتي. وقد يقول قائل اننا سنكون عالة على السعودية، حيث سننقل إليها كل مشاكلنا مع جيراننا، فنقول نعم، ولكن هذه المشاكل لم تعد قائمة في وجود سياسة خارجية واحدة مع دول الخليج، وسياسة نفطية واحدة وجيش واحد.
إذا ارادت دول الخليج الاستقرار الامني الداخلي والخارجي، فليس لها الا الاتفاق على الوحدة والا… الانهيار والتلاشي وخبر كان.!
الحرية عندهم
عندما يريد مثقف كويتي ان يتفلسف على قرّائه او مستمعيه يبدأ بالحديث عن الغرب، ويمدح الحرية عندهم والديموقراطية، ويتحسر على واقعه الذي يعيش فيه!
ولا شك ان الديموقراطية والحرية مما تميزت بهما مجتمعات اوروبا وأميركا، لكن الواقع اليوم عكس ما كنا ـــ وما زلنا ـــ نتصوره عن هذه المجتمعات، وسأضرب مثالين او ثلاثة للتأكيد على ان الحرية التي يتشدق بها مثقفونا حرية غير منضبطة، وغير متزنة، ولا تنطلق من أسس ومفاهيم راسخة، بل هي تجاوزت حدود الحرية أحيانا الى الاباحية، وأحيانا أخرى قصرت دون حدودها حتى أصبحت قيداً وكبتاً.. وأقرب مثال على ذلك تقييد حرية اللباس! فقد أصدرت بعض الدول الاوروبية قرارات وقوانين تعاقب من يلبس لباساً بعينه! ولم تأبه لاحتجاج منظمات حقوقية عالمية، ولم تلتفت إلى اعتراض المعارضين، بل اجمع البرلمان والحكومة وبعض احزاب المعارضة على ان هذا اللباس (النقاب للنساء المسلمات) يرمز إلى التطرف! بينما لو يتعرى الانسان لاعتُبر هذا من الحرية التي يجب ألا تمس!
مثال آخر على حرية التعبير التي هي مثال صارخ على هدم أركان الحرية الحقيقية، فقد أصدرت بعض برلمانات هذه الدول ان كل من ينكر ان هتلر حرق اليهود في الحرب العالمية الثانية يعاقب بالسجن! يعني لازم تؤمن وتصدق ما يؤمن به اليهود ويشيعونه ويصدقونه! فأي حرية تعبير هذه التي يتشدقون بها؟! والمشكلة اذا عاقبنا في دولنا كاتباً مسلماً خالف العقيدة الثابتة في الدين او تعدى على الذات الالهية والانبياء، ثارت ثائرتهم ودعوا ويلاً وثبوراً علينا بسبب الحجر على الفكر وتقييد حرية التعبير! بينما هم يكافئون بشكل متناقض جداً رسام الكاريكاتير والمؤلفة الايرانية التي خرجت من الملة والكاتب الايراني صاحب «آيات شيطانية»! هذا دليل على ان منطلق الحريات والديموقراطية عندهم ليس مبدئيا بل عنصري بغيض!
آخر هذه الشطحات هو موقف اميركا من الاعتراف بدولة فلسطين! فمع ان هذه الخطوة جاءت كنتيجة طبيعية لاتفاقية السلام الفلسطينية ـــ الاسرائيلية التي وقعها عرفات مع اليهود برعاية اميركا، الا ان اميركا اليوم تعترض فقط لأن دولة بني صهيون غير مستعدة لهذا الاعتراف الذي سيحد من طموحاتها التوسعية! والأغرب موقف حلفاء اميركا الغربيين الذين يدركون جيداً ان هذا الاعتراف حق فلسطيني ويساهم في احلال السلام المنشود عندهم! لكنهم لا يملكون الجرأة في مخالفة مصالح الصهاينة!
وما زال بعضنا ينظر الى هذا العالم الغربي بمنظار القدوة والقبلة في الاقتداء والاتباع!
المشكلة ان واقعنا العربي السيئ هو الذي جعل بعضنا يتجه هناك، وينخدع بهم، لكن رياح الربيع العربي التي بدأت تهب على العالم الإسلامي اليوم ستجعلنا في وضع افضل كثيرا مما نحن عليه الآن، تكفي مشاهدة حسني مبارك ونجليه ـــ اللهم لا شماتة ـــ في قفص المحكمة!
صحيح عيوبنا كثيرة.. وواقعنا مرير.. وأنظمتنا أكثرها فاسد.. لكن غيرنا يجب الا يكون هو النموذج الذي نبحث عنه، فلدينا مقومات النجاح في ديننا وتراثنا وتاريخنا، والتي كانت سببا في نجاح اجدادنا وسيطرتهم على العالم في ذلك الوقت، ولكن عندما تخلينا عن هذه المقومات تخلى عنا النجاح بارادة الله، وانطبق علينا قانون الكون «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم.