أفهم أن تراعي الحكومة الكويتية شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية في بعض المواقف في السياسة الخارجية، وأتفهم الحرص على عدم إثارتها وتجنب التنافر معها في هذا المجال، وأستطيع أن استوعب التبعية لها في كل ما يتعلق بالموقف السياسي من العراق وايران، حتى الموقف من الانقلاب في مصر قد أتمكن من تفسيره مراعاة لخاطر الشقيقة الكبرى، لكن ما لا يمكن أن أستوعبه هو حرص الكويت على نجاح الانقلاب والتطبيع مع مؤسساته والدعم المادي المتواصل الذي تجاوز المعلن عنه من دون اي فائدة تذكر او اي مردود، ولو معنوياً على البلاد! زيارة الاخ شريدة المعوشرجي وزير الاوقاف الى الازهر وتبادل الهدايا التذكارية مع قياداته الذين افتى بعضهم للجيش بقتل المواطنين الابرياء وسحلهم، فقط لانهم اعترضوا على الانقلاب الدموي، هذه الزيارة استفزت مشاعر الكثير من الناس، كما ان محاولات التطبيع مع النظام العسكري التسلطي، وبالاخص في مجال الرياضة والاقتصاد والثقافة، اصبحنا نشاهدها بوضوح بين الطرفين، وإن كانت على استحياء!
أنا أعرف أن بعض المسؤولين في الكويت غير متحمسين لهذا الدعم او لهذا التطبيع، وانما مراعاة لتوجهات بعض الاشقاء في منظومة مجلس التعاون، وكنا نجد لحكومتنا عذرا من باب المحافظة على تماسك هذه المنظومة. لكن ما حدث في الايام السابقة لاجتماع مجلس التعاون في قمته بالكويت اثار لدينا استفسارات عدة عن صلابة هذا المجلس وامكانية المحافظة عليه! فهذه تهدد بالانسحاب من المجلس إن كان هناك سعي للتكامل المنشود! وثانية تهدد بتجميد عضوية دولة اخرى، إن استمرت في سياستها تجاه بعض القضايا، وثالثة تغرد خارج السرب، والكويت مهمتها ان تلملم الشتات الممتلئ بالجراح من هنا وهناك! وما دام انعدمت الثقة بين الاشقاء، فان فرض السيطرة على البعض لاتباع سياسات محددة امر لن يكون سهلاً، ولنا استكمال لهذه النقطة في المقال المقبل يوم الاربعاء بإذن الله!
* * *
أسئلة نثيرها هنا اليوم عل وعسى ان نلفت نظر الاجهزة الرقابية لمتابعتها:
– لماذا أُنشئ جسر اليرموك الجديد المطل على طريق الملك فيصل والموجود امام منزل وزير الداخلية السابق؟! ما الحكمة من انشائه؟! ولماذا ما زال مغلقاً حتى اليوم؟!
– أبراج الكويت.. معلم البلد الرئيسي، ما زالت مغلقة للصيانة منذ فترة طويلة! ما علتها؟!
هذه عينة قصيرة من قائمة طويلة من المشاريع المتعطلة بسبب فعل فاعل وليس بسبب الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة!
* * *
بعض المثقفين عندنا متحسر على البصرة ايام الخمسينات (يوم كان بطل العرق بمائتي فلس والنساء بالكازينو يسهرن للفجر) ويختم مقالته (ونحن نعيش في عصر لا يمكن فيه ان تنهض امة سبق أن تخلفت عن ركب العصر)!
بئس التقدم وبئس التخلف!
التصنيف: مبارك الدويلة - حصاد السنين
الرعب لا يصيب إلا الجبناء
عندما صرحت لجريدة الوطن بأهمية تنظيم العمل السياسي، ووضع حدّ لهذا الصدام الدائم بين السلطتين، عن طريق اصدار قانون لإنشاء الاحزاب، قامت الدنيا عند البعض ولم تقعد، وكأنني طالبت بما يستوجب اقامة الحدّ! علماً بأن الكثير من الرموز السياسية قبلي قالوا بما قلت وأشد، وعدد من التكتلات السياسية بدأ فعلا بخطوات عملية لتنظيم العمل السياسي الحزبي، ولكننا لم نسمع او نقرأ ردود افعال كتلك التي شاهدناها على تصريحي! ويبدو ان الحركة الدستورية الاسلامية لها من الخصوم ما يكفي لاشغال الساحة السياسية، خاصة اذا كان الخصوم المعترضون على خط الحركة امثال الزملاء شملان العيسى ونبيل فضل وعايشة رشيد وعزيزة مفرج وغيرهم من الاعلاميين، وكذلك بعض التيارات السياسية مثل السلفيين (تكتل باقر والعمير)، والجاميين وبعض اصحاب التحويلات والايداعات!
اما ما ذكرته من نية الحركة للسعي لتقديم مشروع لتنظيم العمل السياسي فلم يكن بدعة، وليس بجديد، فقد اقامت الحركة مؤتمرا وطنيا عام 2002 للتسويق للعمل الحزبي، كما تقدمت الحركة بهذا العمل من خلال نوابها، عندما كان لهم تواجد في مجلس الامة في سنوات سابقة، واما المطالبة بالعمل الحزبي الذي ينظم العلاقة بين السلطتين، فقد صرح به السيد جاسم الخرافي، عندما كان رئيسا لمجلس الامة عدة مرات، ولم يكن الوحيد الذي صرح بذلك، بل ان عدداً من السياسيين كانوا يطالبون بضرورة وضع حدّ لهذا الصدام بين السلطتين من خلال التشريع للعمل الحزبي!
ان الهدف الذي ننشده هو الوصول الى صيغة مناسبة تساعد السلطتين على تحقيق برنامج الحكومة دون تعطيل متعمد من مجلس الامة! لقد مضى على العمل بهذا الدستور اكثر من خمسين عاما، اثبتت التجربة خلالها ان هناك صداما مستمرا بين السلطتين تسبب في عرقلة الانجاز، وتعطلت نتيجة لذلك التنمية، ولم يحدث بتاتاً ان نفذت الحكومة برنامجها في اي سنة من السنوات الخمسين، ولعل اخطر النتائج المترتبة على هذا الوضع غير المستقر هو تشويه التجربة الديموقراطية حتى تعوذ منها الاشقاء قبل الاصدقاء، وأعطينا للانظمة المستبدة حجة شرعية على شعوبها، ولعنتنا النخب المثقفة في الدول النامية، لاننا اصبحنا نموذجا سيئاً لا يصلح للاقتداء!
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا عندما نتحدث عن العمل الحزبي نستذكر تجارب الدول المتخلفة، وبالذات نظام صدام حسين (حزب البعث)، وغيره من الاحزاب الهلامية التي في واقعها حكم فردي تسلطي دكتاتوري؟! لماذا لا استذكر التجارب الحزبية في بقية دول العالم المتحضر، التي تعطي صورة ناصعة للعمل الحزبي؟! بل لماذا لا استحدث قانونا على مقاسي في الكويت ومتوافقا مع ثوابتي الشرعية والاجتماعية الكويتية الاصيلة؟!
انا اعتقد اننا نحتاج الى تشريع ينظم العمل السياسي، ويسمح بانشاء الاحزاب، بحيث نضمن من خلاله الشفافية في التكوين التنظيمي لهذه الاحزاب والعلانية في مصادر التمويل ومجالات الصرف وتجريم العمل السري بأي شكل من الاشكال، على ان ينشئ مجلس الامة هيئة مستقلة تابعة له للاشراف على مراقبة الاحزاب، وضمان سلامة تطبيقها للقانون الذي ينظمها.
الذين ثاروا ضد تنظيم العمل السياسي هم المستفيدون من هذا الشتات الذي نحن فيه، وهم المنتفعون من تعطيل التنمية وانتشار الفساد والمفسدين في كل الميادين دون حسيب ولا رقيب، انهم الجبناء الذين اصابهم الرعب، عندما شعروا بان هناك حراكاً جاداً لوضع حد لهذه البربسة السياسية التي نخوض فيها منذ خمسين عاماً.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
إلى متى يا قادة الأمة..؟
تستقبل الكويت الاسبوع المقبل لقاء يجمع قادة دول مجلس التعاون في قمة جديدة من المتوقع لها ان تكون حاسمة لبعض القضايا العالقة والشائكة منذ فترة طويلة.
وتأتي اهميتها بعد التطور المهم في العلاقات الاميركية الايرانية، الذي تم الاعلان عنه أخيراً. وقد اعتبرت بعض دول الخليج هذا التقارب موجها ضدها، بينما هرول البعض الآخر الى طهران للحصول على موضع قدم في المنظومة الجديدة للمنطقة!
ولم يعد يخفى على المواطن العادي ما يدور خلف الكواليس من خلال الاشاعات او الاخبار الحقيقية المتداولة، ولعلنا لاحظنا حالة الاحباط الشديد التي انتابت المواطن الخليجي مما يسمع عن تردي العلاقات بين بعض القادة الاشقاء، والعتب الذي وجهه بعضهم لبعض، حتى وصل الامر، كما تردد، الى التهديد بالانسحاب من منظومة مجلس التعاون، او تجميد العضوية للبعض نتيجة تداعيات هذا الاتفاق الاميركي الايراني!
ان الاتفاق المذكور بيّن لنا عدة امور خطرة، لعل اهمها هشاشة العلاقات التي تربط بعض دول مجلس التعاون مع بعض، فمع اول هزة اخذنا نسمع عن تهديد بالانسحاب وعن خطوات لتجميد العضوية. كما بيّن مقدار الثقة بين هذه الدول والتي تكاد تصل الى الصفر، حيث هرول البعض الى ايران لعقد الاتفاقات الثنائية معها، مما يوضح انعدام الثقة لدى البعض بالمنظومة الخليجية، مما جعل البعض يبحث عن مصالحه مع الآخرين. اضف ان عزلة احدى الدول عن حضور القمم الخليجية كانت دائما مؤشرا سلبيا على متانة هذا المجلس الخليجي. ولعل التباين في المواقف من الاحداث السياسية، كالانقلاب في مصر والثورة السورية والعلاقة مع تركيا، ساهم في اتساع الفجوة بين بعض الاشقاء داخل مجلس التعاون، حيث كانت هناك فرصة لهذه الدول للاستعانة بدولة عربية تتبنى توجهاً يساهم في ايجاد حالة من التوازن السياسي والعسكري في الشرق الاوسط، ولعلنا تأكدنا اليوم ان سياستنا في التعامل مع الملف السوري كانت ايضا خاطئة، بعد ان انكشف الغطاء عن الموقف الاميركي الذي لا يعرف صديقاً دائماً، بل يبحث عن مصلحة دائمة! فتراجع عن معاداة النظام العلوي في سوريا، ووضع يده بيد ايران، وأوجد الفرقة بين الثوار، وسمح لحزب الله وبعض الانظمة العربية بالعبث في الاراضي السورية، كل هذا على مرأى ومسمع من الجميع!
اليوم نترقب اجتماعا مهما للقادة الخليجيين، نطالبهم فيه بإنهاء هذه الحالة! كما نطالبهم بمواقف نابعة من مصحلة دول المجلس. نريد تصفية النفوس قبل كل شيء، اليوم إمّا ان نكون او لا نكون! إمّا ان نكون كياناً واحداً او كيانات صغيرة متعددة.
* * *
مسيرة يوم الخميس المقبل تمت الدعوة اليها من مجهولين وغير معروفين بالساحة السياسية، وبعد البحث والتحري تبين انها مجاميع شبابية لا يعرف انتماؤها السياسي! لكن تظل دعوة لعمل سلمي معلن لا نملك الا ان ننتظر ونرى ثم نقيم. لكن صاحبنا حامي حقوق الانسان بالكويت أبى إلا ان يربط العمل بتنظيم الاخوان المسلمين ــ فرع الكويت! وأكد انه عمل تنظيمي بعد الاحباط الذي واجهوه ــ وفق كلامه!
بعبع الإخوان
نشرت احدى الصحف المحلية خبرا مفاده، ان غرفة التجارة والصناعة تقود تآلفا تجاريا للاستحواذ على اكبر حصة في بيت التمويل الكويتي ــــ اكبر بنك اسلامي ــــ كي تتمكن من السيطرة على مجلس ادارته ومن ثم تتمكن من طرد الاخوان المسلمين منه! هكذا!
وأنا أعلم، كما يعلم الكثير غيري، ان الاخوان المسلمين ــــ كما يطلق عليهم ــــ غير متواجدين في بيت التمويل منذ تأسيسه الى اليوم، اذا استثنينا السيد وليد الرويح ــــ شافاه الله وعافاه ــــ الذي ترك قبل عشرين عاماً. وحتى يكون لكلامي معنى أسأل من نشر الخبر: اذكروا لي اسما واحدا موجودا اليوم في منصب قيادي في بيت التمويل الكويتي ومحسوبا على الحركة الدستورية الاسلامية، او كما تحبون ان تسمونها تيار الاخوان المسلمين؟!
اذاً، المشكلة عند البعض هي مرض اسمه «فوبيا الاخوان»، حيث اصبح اسم الاخوان عند البعض «تخروعة او بعبعا» يتحجج به لتبرير تحرك مشبوه او اجراء غير قانوني، كما حدث في مصر عندما تم الانقلاب العسكري بحجة ان الرئيس مرسي أخون الدولة، ولا بد من منع الاخوان من السيطرة على الدولة!
* * *
عندما تم الاعلان عما يسمى بخلية الاخوان الاماراتية تحرك المرجفون في الكويت والمصابون بهذا المرض ــــ مرض فوبيا الاخوان ــــ للاعلان عن دعم الاخوان المسلمين في الكويت للخلية المذكورة، مستندين إلى تصريح مستعجل لوزير كويتي غير مسؤول عن الامور الامنية! وقامت نائبة في مجلس الامة بتوجيه عدة اسئلة واستجواب بهذا الشأن، وجاء الجواب من وزير الداخلية آنذاك صفعة على وجه السائل. ولكن البعبع الاخواني كان في وجدانهم يقض مضاجعهم، فاستمروا في إثارة الموضوع بين الحين والآخر الى ان جاء التصريح الاخير لمحافظ البنك المركزي الاماراتي ليؤكد انه لم يتم تحويل أي مبالغ من الكويت الى خلية الامارات، مما يؤكد ان خبر تمويل الخلية من اخوان الكويت لا اساس له.
* * *
أعلن وزير خارجية اميركا جون كيري ان الاخوان المسلمين خطفوا ثورة 25 يناير! وكنا قد ذكرنا منذ الانقلاب الدموي على الشرعية ان هذا الانقلاب مدعوم من اميركا التي تورطت واضطرت لإظهار رفضها للانقلاب، لان دعمه يتناقض مع القانون الاميركي، وقلنا ايضاً ان الايام ستثبت انه لولا الدعم الاميركي الخفي والاسرائيلي لهذا الانقلاب لما تم. اما الاسرائيلي فقد ثبت بتصريح الحكومة الصهيونية واعلامها، واما الاميركي فها هو اول الغيث وانتظروا معنا …(وبكره تشوفوا مصر..)!
ونقول للسيد كيري اذا كان من وصل للكرسي من خلال الانتخابات الحرة النزيهة مختط.فاً للثورة فماذا تقول لمن ألغى الانتخابات وعطل الدستور وأغلق القنوات الفضائية المعارضة له وزج بالخصوم السياسيين بالسجون وقتل وحرق وسحل الآلاف من المسالمين من ابناء شعبه؟! هل ديموقراطيتك تستوجب عليك ان تسمي الاول مختط.فا للثورة وتسمي الثاني راعياً لها؟!
معقولة «بعبع الاخوان» وصل اميركا؟!
* * *
بعض الأقلام المتعاطفة مع النظام الايراني من ابناء هذا البلد اخذوا يلمزون بخطورة الاعتراض على الاتفاق الاميركي الايراني، وان مصلحة الكويت تستلزم مجاملة ايران ومصالحتها وإلا فإن الخطر قادم على الكويت! ومع انني لم اسمع احدا طالب بمحاربة ايران ومعاداتها الا انني أعتقد انه من العيب على هذه الاقلام ان تتنكر لوطنها الذي اكلت من خيره وتربت على نعمته وبدأت تكشر عن انيابها مع اول استقواء لايران الجارة التي ازعجتنا طوال السنوات الماضية بخلاياها التجسسية وتدخلها في الشأن الداخلي! الله يستر من القادم من الايام.
القمة الأفريقية العربية.. لماذا؟
للمرة الثالثة يجتمع العرب والأفارقة في مؤتمر يحمل شعاراً اقتصادياً تنموياً! واليوم يجتمعون في الكويت تحت شعار شركاء في التنمية والاستثمار، وقد لوحظ أن الصندوق الكويتي للتنمية قد بدأ نشاطه مبكراً قبل جلسة الافتتاح، حيث تم الإعلان عن توقيع عدد من القروض بملايين الدولارات طبعاً للمشاريع التنموية مع عدد من الدول الأفريقية الفقيرة، التي ستعجز لاحقاً عن سداد هذه القروض التي ستتحول اضطراراً إلى ديون معدومة!
شي طيب أن نساهم في تنمية الأشقاء والأصدقاء، والأهداف السياسية ليس لها حدود، ولكن لا بد من حسن الاختيار إن أردنا أن نحقق أهدافنا التنموية لهذه الدول أو حتى السياسية التي نصبو إليها. إن معظم هذه الدول تحكمها أنظمة مستبدة، والفساد فيها – حسب الإحصائيات الأممية – وصل إلى مستوى مخيف! وتحول الحزب الحاكم إلى «بالوعة» لخيرات البلاد على حساب شعبها المحروم من أبسط الحقوق الإنسانية! وقد حدثني أحد المسؤولين: إننا نعطي لهذه الدول ونحن ندرك جيداً أنها أموال معدومة، أي لن تسدد!
إذاً، هي السياسة التي تجعلنا نهتم بهذه الدول، ولكن السؤال: هل نحن في الكويت البلد الصغير والمحاط بدول كبيرة، وبعضها له أطماع في خيراتنا، هل نحن فعلاً في حاجة إلى هذه الدول الأفريقية الفقيرة؟! بمعنى آخر: هل حاجتنا لها أولوية على غيرها من الحاجات لكي أنفق كل هذا الملايين والمليارات؟!
أليست الدول الأوروبية، التي امتصت خيرات هذه الدول التي كانت غنية بالمعادن والثروات الطبيعية حتى أفقرتها، أليست أولى بتنميتها ورعايتها وإنعاشها؟!
أليست الدول العربية الفقيرة أولى بالدعم من هذه الدول التي يدين نصفها بالولاء السياسي لبريطانيا وأميركا، والنصف الآخر توجهه فرنسا وفقاً لهواها؟!
هل سيسمح الأوروبيون لهذه الدول بنقل الألماس والذهب الموجود لديهم إلى الكويت من خلال صفقات تجارية واضحة؟! أم أنها دول لا تملك قرارها!
هل هناك طريقة لتحويل مخرجات هذه القروض إلى مصلحة الشعوب ورفاهيتها أم ستذهب إلى جيوب الطغمة الفاسدة فيها؟!
أسئلة كثيرة تدور في الذهن تبحث عن إجابة مريحة تجعلني أدعو لهذه القمة بالنجاح بدلاً من تمني الفشل!
وقبل الانتقال إلى خاتمة هذا المقال لا بأس من ذكر تخوّف سمعته من أحد الزملاء يقول: إن الثمن المطلوب من الدول الأفريقية لتلقي المنح والعطاءات من دول الخليج هو دعم الانقلاب في مصر والاعتراف به! وبلاش تنمية وبلاش «جح!».
***
في مقابلتي التلفزيونية في قناة اليوم، وضحت اللبس الذي وقع فيه الكثير من المحبين والخصوم في قراءتهم لمقالتي الأخيرة المنشورة بـ القبس بعنوان «رئيس وزراء جديد»، وبدا واضحاً مقدار الاعتراض على ذكري لإمكانات وقدرات سمو رئيس الوزراء، التي لاحظتها لديه في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة! وتذكرت حينها ما كنا نقوله عن سمو الشيخ سعد العبدالله من تواضع قدراته وبعض إمكاناته حتى جاء اليوم الذي ترحمنا عليه!
رئيس وزراء جديد
الذي شاهد سمو الشيخ جابر المبارك في جلسة الاستجواب الأسبوع الماضي وكيفية تعامله مع الأحداث يشعر بأنه أمام رئيس وزراء جديد وشخصية جديدة لم نتعود عليها من سموه! فقد كان متحدثاً بجرأة غير مسبوقة وبنبرة تحد لم تُعرف عنه، وأكد هذه الشخصية الجديدة بالمؤتمر الصحفي الذي عقده مع رؤساء التحرير، حيث برزت فيه صفات قيادية مثل الحزم والإصرار والثقة بالنفس، وهي صفات مطلوبه في كل قيادي!
هذه الشخصية الجديدة لرئيس الوزراء ليس بالضرورة أن تكون إيجابية على صاحبها، بل من الممكن ان تكون نذير شؤم ودمار ان لم نحسن تسخيرها فيما ينفع البلد ويحافظ على ثوابته واركانه! فنيرون كان جبارا ومع هذا حرق روما، وهتلر كان عبقريا شجاعا ولكن تهوره دمر نصف الكرة الارضية، وسيئ الذكر صدام حسين لم تكن تنقصه الشجاعة والبلاغة ولكن كل هذه الصفات لم يسخرها هدام العراق لبناء بلده والمحافظة على أمنه، بل استخدمها لتدمير العراق العظيم وتقسيمه واحتلاله من قبل اعدائه! اذن، نحن في حاجة الى فهم للواقع وادراك لما تحتاجه الديرة اكثر من حاجتنا الى شخصية قوية وصاحبة قرار، ولكن اجتماع الاثنين امر لازم لاي نجاح وازدهار.
ولنأخذ مثلا ما حصل في جلسة استجواب النائب العدساني لسمو رئيس الحكومة، فبلا شك ولا ريب ان الاستجواب مملوء بالشبهات الدستورية، ولكن تصرف المجلس والحكومة في كيفية التعامل معه قلب السحر على الساحر، وجعل الحق بيد الجاني، وركّب المجني عليه اركان الجريمة! فالذي يقرر ان كان الاستجواب دستوريا من عدمه، اما المحكمة الدستورية بحكم دستوري تصدره هيئتها، وإما مجلس الامة بقرار بعد الاسترشاد برأي قانوني مدعم بالادلة والمسببات من اللجنة المختصة وهي التشريعية! ولو استغلت الحكومة الاغلبية التي بحوزتها لتمكنت من الوصول الى ما تريد من دون ان تُتهم بتجاوز الاعراف البرلمانية وتفريغ الأداة الدستورية من قيمتها الرقابية! ولكن الذي حدث هو سابقة برلمانية لو اصبحت عرفا لتم تحجيم الدور الرقابي لمجلس الامة، ولاصبح البرلمان في الكويت ذا صبغة استشارية اكثر منه برلمانا حقيقيا يمثل ارادة أمة..!
اذن، نتمنى من سمو الرئيس الذي اسعدنا بهذه الكاريزما الجديدة ان يسخر طاقته وقوته ونفوذه في المحافظة على الثوابت الدستورية المتعارف عليها، ومكتسبات الامة التي ما زلنا نتفاخر بها عند الآخرين! خصوصاً ان خصومه لن يألو جهداً في ازعاجه وتشويه أدائه، سعياً لانهاء حقبته بالفشل، واتمنى عليه ان يدرك ان خصومه لن يترددوا في تدمير البلد من اجل تشويه مسيرته، ولعل ما حصل بالامس من اثارة للفتنة الطائفية في بعض المناطق، ليؤكد ما ذكرته من انه يواجه خصماً لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً.
فلا يخسر الصديق الصدوق المخلص، وهو اصلا قد خسر العدو اللدود مسبقا! نظرة سريعة إلى احداث الفتنة الأخيرة والى من اوقد نارها وزاد من لهيبها سنعرف جميعا من يحركها وماذا يريد منها، فهل نستوعب الدرس؟!
قبسيات
مع كل صباح أتصفح جريدة القبس واكتفي بتصفح بقية الصحف عن طريق الانترنت، وقد لفت انتباهي بعض العبارات التي وردت إما في مقالة كتبها احد الزملاء واما محلل القبس اثناء نقله لحدث سياسي، ووجدت انه لابد من التعليق على البعض المعبّر منها والذي يوحي بفكرة لا ارى صوابها!
«اصبح الرئيس المصري محمد مرسي ثاني رئيس يحاكم بعد الثورة اذ سبقه حسني مبارك بقضايا مشابهة» سبحان الله… مرسي، الذي حكم اثني عشر شهرا، ينعت بانه قام بالجرائم نفسها التي فعلها حسني مبارك في اربعين عاما!
مرسي، الذي لم يقبض غير راتبه الشهري ولم يجدوا عليه تهمة واحدة صحيحة، يشبه بمن أجرم في حق شعب كامل عشرات السنين! واذا ارادوا ان يلبسوه تهمة قتل متظاهرين بالاتحادية شاهدهم العالم كله وهم يرمون قنابل المولوتوف على قصر الحكم، لماذا لا يحاكم من قتل آلاف المعتصمين المسالمين في رابعة والنهضة؟؟
كيري: «لن نفعل شيئاً يغير او يربك علاقتنا بالرياض»، وماذا عن التقارب المشبوه والمفاجئ مع ايران؟!
نحن لا نريد منكم ان تحاربوا ايران، فهي تظل جارة ومسلمة، كما لا نريد منكم ان تقاطعوها او تهددوها، ففي ذلك ارباك للمنطقة يزيد من توترها، كل الذي نتمناه الا يكون ثمن هذا التقارب هو امن دول الخليج واستقرارها!! لاننا نعرف ان طموح الايرانيين ليس له حدود في الخليج!
كاتب عمود يصف نفسه دائما بانه من الطبقة المثقفة، يطالب بان ننكر ان القرآن منزل من السماء، ان اردنا ان نوقف الحروب الطائفية بين السنة والشيعة لاننا بذلك يسهل لنا ان نغير من نصوصه الجامدة!
المذكور لا يستغرب منه مثل هذه الافكار الغريبة لانه متيم بالعلمانية الغربية، وقد طالب في مقال سابق بان تكتفي كل دولة بذبح خروف واحد عن حجاجها في موسم الحج بدلا من كل حاج يذبح الهدي الذي فرضه الاسلام على الحجاج!
محمد العبدالله: «نقل الطبيبة للامراض السارية جاء للاستفادة من كفاءتها»، بوعبدالله… الديرة صغيرة والناس عرفوا التفاصيل «اللي انت ما عرفتها، وانصحك كأخ لا تكابر وتركب راسك، وراح يجيلك من يقول لك ان التراجع مو زين في حقك وكسر لقرارك، وهذا اللي راح يضيعك كما ضيع غيرك»، والعودة للحق فضيلة وليست منقصة!
عكاشة: «الخليجيون لولا البترول لاصبح الواحد فيهم ما يغير ملابسه الداخلية الا مرة بالسنة!!»، لو ان الذي قال هذا الكلام احد الاعلاميين المحسوبين على التيار الاسلامي لقامت الدنيا ولم تقعد عند ماكينة الاعلام الخليجية العلمانية، ولكنه عكاشة الذي ساهم مع باسم يوسف في اسقاط مرسي، ويستاهل غض النظر!
* * *
دائما ننتقد ما نعتقد انه سلبي ونادرا ما نمدح ما نراه ايجابياً، خوفا من ان نتهم بالمحاباة، لكن لوحظ ان وزير الدفاع اصدر عدة قرارات شعبية لمصلحة البدون وابناء الشهداء والعسكريين الجنود الغلابة، ويرجع الفضل لصاحب السمو وتوجيهاته، فشكراً كبيرا لك يا صاحب السمو جعلها الله في ميزان حسناتك والشكر موصول للاخ وزير الدفاع.
تهافت العلمانية
من النقد الذي كان يوجه للاخوان المسلمين انهم فشلوا في حكم مصر أثناء عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي، والذي امتد لقرابة الاثني عشر شهرا! والمتابع للشأن المصري يعلم ان الاتهام بالفشل وجّه للاخوان قبل الانتخابات وبعدها! حتى ان المطالبة باسقاط مرسي ظهرت مع اول تظاهرة للفلول بعد مرور شهرين من تسلمه الحكم! ومازال بعض أدعياء الثقافة عندنا يقولون بفشل النظام الاسلامي في الحكم، مستشهدين بفترة حكم محمد مرسي!
اليوم اريد ان اطرح رأيي في الموضوع، مستشهداً ببعض الحقائق والوقائع التي تثبت ان النظام العلماني الذي ينادي به كثير من أدعياء الثقافة والتطور الحضاري هو نظام فاشل، ولايصلح ان يرتب للعلاقة بين الناس، ولا بين الحاكم والمحكوم، ولن استند الى فترة الرئيس مرسي فقط، حتى لا يقال انها فترة لها ظروفها، بل سأستشهد بأعرق التجارب العلمانية في الحكم!
من ثوابت العلمانية الراسخة في مناهجهم حرية الاعتقاد وحرية الصحافة وحرية الرأي، وهي معان جميلة لكن تجارب الحكم العلماني أثبتت انها معان جوفاء لا رصيد لها من الواقع! خذ مثلا أعرق الدول العلمانية سويسرا وفرنسا، حيث منع بناء المآذن بالمساجد لانها ترمز الى الارهاب! وكلنا يعلم ان الحملة على الارهاب جاءت بعد قيام فصيل اسلامي بأعمال متطرفة استنكرها المسلمون قبل غيرهم، لكن التعميم على كل المسلمين كان تصرفا مقصودا من الغرب العلماني للحد من انتشار الاسلام عندهم. ولو اخذنا بالمقياس نفسه لوجدنا ان فصائل اخرى من اليهود والنصارى أشد تطرفا ودموية مع خصومهم، ومع هذا لم نجد من يعمم على جميع الفرق والاحزاب والطوائف! ولايجوز تجاهل ما يفعله اليهود ضد الفلسطينيين، ولا ما كان يقوم به الجيش الجمهوري الايرلندي من اعمال ضد المصالح البريطانية، ولا ما تقوم به منظمة ايتا الاسبانية الانفصالية، وكانت اعمالهم لا تقل فظاعة وعنفا عما قام به «القاعدة»، ويكفي للتذكير فقط حادثة اغتيال رئيس الوزراء الاسباني في مدريد، وتفجير مترو الانفاق في اسبانيا، وقصف السوق الشعبي في بلفاست، وتفجير اوكلاهوما، وقتل اطفال المدارس المتكرر في مناطق مختلفة من اميركا وغيرها كثير، ومع هذا لم نجد في سويسرا من طالب بمنع بناء مآذن للكنائس، لانها ترمز الى الارهاب المسيحي! بل العكس وجدنا الاتحاد الاوروبي يصدر قرارا يعاقب فيه كل من انكر مذبحة الهولوكوست (حرق هتلر لليهود)، سواء بالكتابة او بالتصريح.
تركيا هي الاخرى رمز للعلمانية منذ تسعين عاما، وفي عام 1999 نجحت ممثلة حزب الفضيلة مروة قاوقجي بالانتخابات البرلمانية، وعند محاولتها أداء القسم منعت من ذلك بحجة انها تلبس الحجاب الذي يرمز الى الدين، وهو ضد مبادئ العلمانية! وليت الامر توقف عند هذا الحد، بل تم تطبيق مبادئ العلمانية عليها بحذافيرها، فتم عزلها من البرلمان وتمت محاكمتها وصدر القرار بسحب جنسيتها التركية وطردها من البلاد لعدم وجود اقامة لها!؟ ولان هذا المبدأ الدكتاتوري متأصل في الدستور العلماني لم يتمكن رجب اردوغان من تغييره الا بعد ثماني سنوات من الحكم!
امثلة كثيرة نشاهدها كل يوم في مختلف دول العالم، تؤكد ان الخوف من انتشار الاسلام هو الدافع وراء هذه الاعمال، لدرجة ان العلمانية تتخلى عن مبادئها المعلنة وتكشف عن وجهها القبيح، وتحرج أتباعها ومريديها من اجل ان تعرقل المد الاسلامي الذي سيغطي القارة الاوروبية في السنوات المقبلة باذن الله، واليوم يعيد العلمانيون حساباتهم وقد يضطرون الى صياغة مبادئ جديدة للعلمانية، تكون الحرية في آخر القائمة! ولعل ما حدث ويحدث اليوم في مصر صورة واضحة عن هذا التهافت والسقوط المدوي لهذا الفكر المنحرف، والذي سيتم استبداله بفكر متطرف آخر واكثر انحرافاً.
بل نهاية مرحلة التبذير الحكومي
إعلان برنامج الحكومة المقدم الى مجلس الامة بانتهاء دولة الرفاه لم يكن موفقاً لا في توقيته ولا في محتواه! فقد جاء في ظروف استثنائية، حيث اسعار النفط وصلت ارقاما قياسية خلال السنوات السبع الاخيرة، ومرشحة للمحافظة على مستوياتها لعدد من السنوات، كما ان احتياطي النفط في باطن الارض بالكويت يرتفع مع الاستكشافات الجديدة، ناهيك عما اعلنته شركة نفط الكويت من استكشاف كميات من الغاز قابلة للتصدير، أضف لكل ذلك ما تم اعلانه مؤخراً من ان الاستثمارات الخارجية لاموال صندوق احتياطي الاجيال القادمة بلغت هي الاخرى ارقاما غير مسبوقة، حتى اصبح دخل الاستثمارات يكافئ دخل النفط او قريباً منه!
بالمقابل، نجد ان نصف الكويتيين او اكثر يعيشون على راتب الوظيفة الحكومية الذي ـــ في معظمه ـــ لا يكفي الى نهاية الشهر، حتى اصحاب الكوادر، التي بلا شك جعلت رواتبهم مرتفعة قياسا مع غيرهم، لم يجعلهم غلاء الاسعار يستمتعون بهذه الكوادر، فاذا اضفت الى ذلك الارتفاع الجنوني لاسعار العقار السكني، مما جعل أقل ايجار للشقة يستهلك ثلث الراتب، وكذلك تغيير بعض انماط الحياة الاجتماعية والمعيشية، حتى اصبحت عرفاً تعوّد عليه الناس، مثل توفر الخادمة بالشقة قبل دخول العروس الجديدة لها، وتردي الخدمات الصحية الحكومية، مما جعل المواطن يفقد الثقة بها ويضطر للذهاب الى المستشفى الخاص، وكذلك تردي الخدمات التعليمية، وتسابق الكويتيين لتسجيل ابنائهم في المدارس الخاصة عل وعسى ان يتخرج فيها وهو يتكلم الانكليزية بطلاقة ويفهم ما يقرأ، كل ذلك جعل المواطن لا يشعر بأنه يعيش في دولة رفاه، لانه منذ استلام راتبه وهو يحاتي كيف سيوزعه والى متى سيكفيه!
لكن…..!!
لكن ذلك لا يعني انه لا يوجد اسراف لدينا، والاسراف والتبذير ظاهرة لا يجوز تحميلها المواطن فقط! فالمواطن مهما بذخ لا يمكن ان يشكل بذخه عشرة في المائة من البذخ والهدر الحكومي، ولعل اقرب مثال على ذلك ما صرفته الحكومة لدعم النظام الانقلابي في احدى الدول الشقيقة! واتمنى ألا اسمع من يكرر مقولة المصلحة الوطنية تستلزم تصرفات قد نستنكرها! لان الايام اثبتت انه لا مصلحة في دعم نظام لم يستقر حتى الان، لان معظم قطاعات شعبه رافضة له!
واستغرب قول البعض ان الهدر الحكومي لا يعني شيئاً بالنسبة للميزانية! وأقول ان المشاريع لدينا تبدأ برقم وتنتهي بأرقام! وهذا اكبر هدر تتبناه جهات حكومية، حتى ان وزير الاشغال، وهو من القلة المجتهدة بالحكومة، حاول وقف هذا النوع من الهدر لكنه ووجه بمافيا المشاريع، التي كادت ان تقتلعه من منصبه، واتمنى من الاخ الوزير الصمود. ناهيك عن ان بعض المشاريع يتم التخطيط لها وتستوفي دورتها المستندية بشفافية ووضوح، ثم بقدرة قادر يتم ايقافها لاسباب ظاهرها الحرص على المال العام، وباطنها البحث عن مدخل لأكل الكتف! ولعل مشروع جامعة الشدادية، وما تم الاعلان عن مدة المشروع، اكبر دليل على الفساد والهدر الحكومي! ثم تكتمل المسرحية الهزلية بحوادث الحرائق المتكررة لهذا المشروع الحيوي.
بقي ان أشير الى ان الهدر الآن يحدث في الاستثمارات الخارجية، ومن يعرف اسباب تغيير رئيس مكتب الاستثمار في لندن يدرك حجم الكارثة القادمة في الاستثمارات، كذلك مازال بعض ابناء الاسرة يتصرف وكأن الديرة ملك خاص له، البيت بيت ابونا والناس ناشبونا!
عزيزي سمو الرئيس.. اذا اردت ان توقف الهدر وتجعل المواطن يتفاعل معك، ويتجاوب لما تخطط له، فأقنعه اولا بأن الهدر الحكومي توقف! هنا فقط سيلتفت المواطن الى نفسه ويطالبها بتحمل تبعات المرحلة الجديدة، وان كنت انا شخصيا لا ارى سببا للتضييق على معيشة المواطن ان ضبطنا مصروفاتنا.
استعمار الفكر
تستغرب احيانا درجة التطرف عند بعض المفكرين والمثقفين من أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين، خاصة عندما يكتبون او يتكلمون عن الدين، فتجدهم ان تحدثوا عن الاسلام فبانتقاد شديد وتحميله كل مآسي الامة وهمومها، وان تطرقوا للنصرانية او اليهودية فباعجاب منقطع النظير ودعوة للتأسي برموزهم والاقتداء بهم! وأعتقد، والله اعلم، ان للكثير من هؤلاء تجارب اجتماعية مروا بها في مرحلة من مراحل العمر كانت سبباً لهذا الانحراف العقلي والتطرف في التفكير، والا فما السبب لان يقوم احد أدعياء الثقافة بتحميل الشريعة الاسلامية مسؤولية استمرار ظاهرة الرق الى يومنا هذا؟! وتلاميذ المدارس يدركون جيدا ان الشريعة جاءت بقوانين للحد من هذه الظاهرة وقطع دابرها! وقد أبدعت شريعتنا السمحة في معالجة ظاهرة كانت جزءاً من الحياة العامة في زمن الجاهلية، وتدرجت في تصفيتها من المجتمع كي يتحمل الناس ويتقبلوا تحريمها، كما فعلت مع تحريم الخمر وغيره من الظواهر التي كانت جزءاً من يوميات الناس في تلك الفترة من التاريخ.
ان القياس على ظواهر فردية هنا وهناك فيه تجن وابتعاد عن المنهج السليم في قياس الامور، فكلنا يعرف فساد الكثير من الملوك العرب والمسلمين الذين مروا على الامة، وشربهم الخمور واستحلالهم المعازف والنساء، ولكن هذا لا يعني ان ما يمارسونه مجاز في الشريعة، ولو كان الفاعل ولي امر المسلمين! قال الرسول (ص): خير القرون قرني ثم الذين يلونهم..! وها هو خليفة المسلمين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا»؟!
والدليل على ان صاحبنا قد تطرف في تحميله الشريعة ما لا تحتمل، انه تغاضى عن ظاهرة انتشار الرق في اوروبا واميركا، وهؤلاء يدينون بدين النصرانية، ولعل فيلم الجذور الذي كتبه ومثله واخرجه مجموعة من الاميركان والاوروبيين يؤكد ما ذهبنا اليه من انتشار بيع البشر في اسواق الغرب الى عهد قريب، ولكن عندما يكون الفكر محتلا ومستعمرا تكون عين الرضا عن كل عيب كليلة! وهذه علة بعض اصحابنا المعجبين بالحضارة الغربية بكل ما فيها، وعندما تقرأ لاحدهم تشعر بأنه يتمنى ان يقول يا ليتني ولدت نصرانيا او غربيا! فكل كتاباتهم اطراء ومدح للحضارة الاوروبية والاميركية، وان جاءوا بذكر ظاهرة سيئة حملوها للشريعة الاسلامية وللمسلمين ويستشهدون بحادثة هنا واخرى هناك!
نحن ايها السادة نختلف عنكم، اننا ننظر الى الحياة كما علمتنا شريعتنا السمحة، أي انها مرحلة من المراحل نعمل فيها ونجتهد، لكن هدفنا الوصول للاخرة وقد رضي الله عنا! فالاخرة هي نهاية كل انسان، وهي دار القرار الحقيقية، ومن هذه الفلسفة ننطلق في دنيانا «وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا»، وقال تعالى «وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله»، فنحن نتمنى ونسعى الى ان نكون من هذه القلة التي تهتدي الى سبيل الله، قال الرسول الكريم «ورد جهنم من كل الف نفس تسعمائة وتسع وتسعون وواحد في الجنة»! ولعل هذا يفسر تمسك المسلم الحر بدينه مع ما يرى من هذه الجموع التي تعادي الدين وتسخر من أتباعه!
قد نكون قلة وغرباء في وسط هذه الحياة العاصفة بأحداثها لكننا نشعر بأننا على الحق: بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء..!