احمد الصراف

أدوات النصب الثلاثية

يقول محمد الجذلاني، القاضي السابق في ديوان المظالم السعودي، «إن اللحية والثوب أمر ليس من الدين في شيء ولا صلة له بالتدين، لكنه بحكم العادات والتقاليد أصبح مُكملاً للتدين وقسيماً للحية والثوب، أي عدمُ لبس. العقال! ومتى اكتملت لدى الرجل هذه الأمور الثلاثة فهو أهلٌ لأن يزكيه إمامُ المسجد والداعيةُ والفقيه. وقال إنه لاحظ من خلال عمله في القضاء أن بعض المجرمين الذين يُتهمون بأبشع الفواحش والجرائم الأخلاقية والمالية يُفاجئون القاضي بعددٍ من التزكيات من بعض المشايخ، وأنه لا يعتقد أنهم استحقوها لولا مظهرهم المخادع. وقال إن من أكبر المساوئ التي يعاني منها المجتمع السعودي المتاجرة من قبل البعض بالتدين. وهي أن يكون الدينُ ومظهرُ التدين سُلّماً للتكسب وطلب المال، في الوقت ذاته الذي ينطوي فيه خبرُ صاحبه على أبشع الأخلاق وأسوأ القبائح التي لا يمكن أن تجتمع مع التدين الصحيح ولا مع الإيمان الصادق في قلب الرجل» انتهى.
نكتب ذلك بعد انتشار خبر الإفراج مؤخرا عن قاتل ابنته، التي لم تتجاوز الخامسة من العمر، بعد الحكم عليه بدفع ديتها، والاكتفاء بالفترة التي قضاها في السجن والتي لم تزد على سنة بكثير! وقد اعتمد القاضي في حكمه على حديث «لا يقاد الوالد بولده»، على الرغم من عدم الاتفاق عليه! وحيث انه هو الوالد، والخاسر من موتها، فالدية بالتالي قد تكون من حقه، وهذا ربما من سخريات تفكيرنا!
تقول حيثيات جريمة القتل التي هزت وجدان الكثيرين ان حارس المدرسة السابق، والمدن اللاحق، الذي تحول، بفضل مظهره الخارجي وطلاقة لسانه، الى داعية ديني شهير وضيف معروف ومطلوب على القنوات الفضائية، والدينية بالذات، أدين قبل أكثر من عام بقليل بجريمة تعذيب ابنته الصغيرة لشكّه، وهي التي لم تتجاوز السنوات الخمس، في سلوكها، أو عذريتها! وبين التقرير الطبي وجود آثار تعذيب غريبة عليها، تمثلت في إدخال اسلاك وعصي في جسدها، وحرق تلك الأماكن لإخفاء آثار الاعتداء. ونقل عن العاملين في المستشفى ان مؤخرة الطفلة تمزقت، وحاول من قام بذلك احراقها لكي يلتئم الجرح. وأكدت مصادر المستشفى ان الطفلة تعرضت للاغتصاب «في كل مكان». وقد توفيت، متأثرة باصابتها في اكتوبر الماضي. ومعروف أن الحكم على الآباء والازواج الذين يقتلون اطفالهم او زوجاتهم يكون بين خمس الى 12سنة سجنا على الاكثر. لا أود الاسترسال أكثر، فإنني أشعر حقا بالألم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحلقة المفرغة

هناك أحيانا وضع يؤدي تلقائيا لوضع أو فعل أو تصرف آخر، ليعود ويكرر نفسه في حلقة لا نهاية، ويحدث كل ذلك دون ان نشعر به. فلو افترضنا أن رئيس شركة كبيرة يقول لسكرتيرته إن عليها في الأسبوع المقبل أن تهيئ نفسها لمرافقته في رحلة راحة واستجمام، وأن تقوم باجراء ترتيبات الحجز، فانها ستقوم بالاتصال بزوجها لتخبره بأنها ستسافر في الأسبوع المقبل برفقة رئيسها في رحلة «عمل»، وان عليه الاهتمام بنفسه خلال فترة غيابها. وهنا يقوم الزوج بالاتصال بـ«صديقته» ليخبرها بأن «تجهز» نفسها لقضاء بعض الوقت معه، لأن زوجته ستكون غائبة في رحلة عمل. هنا تقوم هذه الصديقة، التي ربما تعمل مدرسة في مدرسة أطفال خاصة، وتخبر تلامذتها بأنها، وبسبب ظروف خاصة، سوف تتغيب عن المدرسة في الأسبوع المقبل وأن عليهم البقاء في البيت والدراسة. هنا يقوم أحدهم بالاتصال بجده ليذكره بوعده بأن يأخذه يوما لرحلة الى جبال المنطقة، وان مدرستهم سوف تتغيب عن المدرسة وهذه فرصة مناسبة ليقضوا بعض الوقت معا. وحيث أن الجد، الذي يعمل رئيسا لشركة كبيرة، كان ينتظر منذ فترة هذه الفرصة للاختلاء بحفيده الوحيد، ولكي يفي بوعده له، فقد قام بالاتصال بسكرتيرته ليقول لها إن حفيده طلب منه مرافقته للجبال، وان عليها الغاء كل ترتيبات سفرهم معا، لأنه وعده ويود أن يفي بوعده. وهنا تقوم السكرتيرة بالاتصال بزوجها لتخبره بقرار مديرها الغاء الرحلة وانها ستكون معه، ليقوم هذا باعلام صديقته بان زوجته سوف لن تسافر مع رئيسها، وبالتالي سوف لن يخلو لهما الجو ولا الوقت ليكونا معا، فتقوم هذه بأخبار تلامذتها بأنها «تغلبت» على «ظروفها الخاصة»، وانها سوف لن تغيب بالتالي عن المدرسة في الأسبوع المقبل، ليقوم أحد طلبتها بالاتصال بجده والاعتذار منه بأنه سوف لن يكون بمقدورهما الذهاب للجبل لأن المدرسة عادت وغيرت رأيها، وتغلبت على مشاكلها، وهنا يقوم الجد، رئيس الشركة، بالاتصال بسكرتيرته ليقول لها إن حفيده سوف لن يذهب معه الى الجبال القريبة، وان عليها اعادة اجراء حجز السفر لأنهما سيسافران معا…لتقوم السكرتيرة بالاتصال بزوجها لتخبره بأنها ستتغيب عن البيت لمرافقة رئيسها …….. وهكذا!!
الحياة ممتلئة بمثل هذه المواقف وتحدث لنا دائما، ليس بالضرورة بتلك الصورة، ولكننا غالبا لا نشعر بها، لأن من الصعب جدا معرفة ما يحدث بعد ان نتخذ قرارا ما، أو يكون بامكاننا تتبع تبعاته من حلقة لأخرى، فالبعض يزرع، ليأتي آخر ويحصد، وثالث ليعجن ويخبز، ورابع ليأكل مجانا ما سرقه من خبز، ولتسير الحياة بنا بوتيرتها سنة بعد اخرى وجيلا بعد آخر وقرناً بعد قرن، لنموت ويأتي غيرنا. ولكن في خضم كل ذلك لا نود ان نتعظ أو نتعلم، الا بعد أن يصبح الوقت متأخرا، وربما هذا هو سر جمال الحياة بكل حلاوتها وعذابها وخطاياها.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مكالمة على الريحة

ينقل عن عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين أنه قال: «أخاف اليوم الذي ستتفوق فيه التكنولوجيا على البشرية، عندها سيقتصر العالم على جيل من الحمقى». ولو نظرنا حولنا اليوم لوجدنا أن ما قاله بالأمس البعيد يشبه التنبؤ بالمستقبل، وقد تكون أجهزة الهاتف النقال، وبالذات الجيل الذكي منها، أكثر أنواع التكنولوجيا تغلبا وتفوقا على الإنسان، فقد أدخلت هذه الأجهزة تغيرات إيجابية وسلبية هائلة على حياة الكثيرين، بحيث أصبحوا لا يتخيلون حياتهم من غيرها، فهي إضافة إلى كونها وسيلة لأداء عمل وطلب نجدة وترتيب موعد، وتلبية استغاثة، أصبحت الوسيلة الوحيدة التي تربط البعض بأسرهم، فبوجودها قلّت الزيارات وانعدم التواصل المباشر، وأصبحت المكالمة بمكانة الحضور الشخصي، وخاصة في المناسبات السعيدة والحزينة والأعياد! كما تحوّلت هذه الأجهزة، بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من «واتس أب» و«تويتر»، إلى مصدر الأخبار والإشاعات الوحيد للكثيرين. كما أصبحت للبعض الآخر وسيلة للدعاية وبث الأخبار وتنظيم التظاهرات والاجتماعات بأسرع طريقة، ومن دون كلفة حقيقية.
تأثير الهواتف الذكية سلبي في غالبه، ولكن من إيجابيات استخدامها أنها دفعت البعض لقراءة شيء ما، وخاصة أولئك الذين كان آخر عهدهم بالقراءة الكتاب المدرسي! كما أن البعض لا يطيق قراءة شيء أو البحث عن موضوع ما يهمهم، حتى لو كان مسلياً أو مثيراً، ولكنه أصبح يأتيهم «باردا مبردا» على الجهاز. كما أصبحنا نلاحظ توقف التذمر المعتاد لمراجعي العيادات الطبية أو الدوائر الحكومية، من تأخر دورهم او معاملاتهم، فالجميع مشغول بالنظر لجهازه. كما أصبح الجهاز مهربا معقولا في السهرات الثقيلة الظل، حيث يهرب الضيف منها لجهازه الحبيب.
كما أخذ البعض الآخر هاتفه النقال معه إلى دورة المياه، أثناء قضاء حاجته البيولوجية، ربما لكي يقرأ بعض الرسائل على الريحة!

أحمد الصراف

احمد الصراف

السمعة العالمية السيئة!

يقول عبد العظيم حماد، وهو صحافي مصري مرموق، إن «ثورة 25 يناير لم تقم فقط من أجل تعديل دستور ولا من أجل طريقة انتخاب رئيس وتحديد فترة رئاسته، بل إنها قامت من أجل تجديد مصر مجتمعا ودولة تجديدا شاملا عبر تأسيس دولة مؤسسات ديموقراطية حديثة تنظم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتستوعب قيم العصر». ويضيف في كتابه الذي حمل عنوانا فرعيا هو «صراع الخوذة واللحية والميدان.. رؤية شاهد عيان» أن دور الدولة الحديثة أكبر من استخدام السلطة «لإدخال المواطنين الجنة وإبعادهم عن النار في الآخرة»، بل يكمن دورها في توفير الحياة الكريمة للمواطن وحماية أمنه في الداخل وضمان قوة الوطن بحفظ حدوده. انتهى.
ولو نظرنا لما فعله الإخوان أو المتشددون دينياً، سواء في مصر أو أفغانستان أو إيران أو تونس أو السودان وباكستان ومصر وغيرها، لما وجدنا أن أياً من سلطات هذه الدول، أو على الأقل غالبيتها، انشغل يوما بأمور حفظ كرامة المواطن وحماية أمنه، فمرتبة المواطن، أو المواطنة بالأحرى، تأتي في ذيل اهتمامات سلطات هذه الدول، الدينية السياسية، وإن اهتمت بها فهذا يكون عادة من خلال الاهتمام بحرمانها من التعليم ومراقبة سلوكها ووضع ضوابطه، وما يجب عليها ارتداؤه، ومنعها من الخروج من الدولة بغير إذن «الذكر» الذي تتبع له، زوجا، أبا أو جدا، أو حتى أخا جاهلا يصغرها بسنوات! كما نجد أن اهتمامات هذه الدول بعيدة عن كل ما له علاقة بالفرح أو التسلية، حتى البريئة، ونجدها تتخبّط في قرارات سخيفة لا معنى لها، من ضرورة إعلام الزوج بسفر زوجته، برسالة هاتف قصيرة، أو منع الذكر من ارتداء ربطة العنق، واختزال معاداة الغرب بقطعة القماش تلك، وغض النظر عن بقية قطع ملابسه الغربية، وكأن المقصود هنا فقط الاقتصاص من تجار الكرفتات ومصنعيها، لجريمة سرية سبق أن ارتكبوها ربما بحق المرشد!
ما يؤلم حقاً هو منظر النساء المتشحات بالسواد، ومدارس البنات المغلقة، واختفاء المرأة من شوارع أي مدينة يحتلها هؤلاء الغرباء، والدموع الغزيرة التي تنساب من عيون عطشى للحرية والكرامة والعلم في كل مرة تقع فيها مدينة أو دولة في قبضة هؤلاء المتشددين الذين شوّهوا سمعتنا في العالم أجمع وحوّلونا إلى مجموعة من الأوباش غير المكترثين بأي قيم إنسانية أو كرامة بشرية، والذين يصرّون على وضع السيوف في خواصر بعضهم، على صيحات «الله أكبر»، لدفعهم لدخول جنتهم، وهم «صاغرون»!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الفرّاش الغالي

هذه قصة هندية طريفة قمت بترجمتها من الانكليزية، بعد تكويتها، لأنني وجدتها تنطبق على أوضاعنا أكثر من انطباقها على وضع الهند.
تمكن أسدان من الهرب من حديقة الحيوان، اتجه الأول إلى دغل قريب واختبأ فيه، أما الثاني الذي سبق ان ولد في الأسر، أي في حديقة الحيوان نفسها، فقد فضل البقاء في المدينة التي لا يعرف غيرها، وسرعان ما اختفى أثره في زحمتها!
لم يمر وقت طويل حتى أعيد الأسد الأول إلى قفصه، ولكن شهورا ستة مرت قبل أن تتمكن «سلطات» الحديقة من العثور على الثاني، وعندما التم شملهما أخيرا في قفصهما، سأل الأول الثاني عن الكيفية التي تمكن فيها من الاختباء كل هذه الفترة، فقال أسد المدينة إنه تسلل إلى مبنى بلدية الكويت ليلا، واختار ارشيفها الشهير بخرابه وتعدد مداخله وما يحتويه من كم هائل من الملفات التي إن طالب بها أحد، قيل له «ضاع الملف»، بدلا من محاولة البحث عنه. وهنا سأله الأول مستغربا، ولكن كيف استطعت ان تبقى على قيد الحياة في أرشيف لا يحتوي على غير الورق والغبار والعفن، وما الذي كنت تأكله؟ فقال اسد المدينة إن الأرشيف كان يحتوي على عدد كبير من الموظفين العاطلين عن العمل، وقد كان مقبرة البلدية، وكل من لم ينل رضا أي مدير أو رئيس قسم يحول للعمل في قسم الأرشيف. وبالتالي كنت في كل يوم او يومين اتناول أحد هؤلاء الموظفين، وكلما تناولت واحدا قامت الإدارة بتوظيف خمسة بدلا منه. وحيث إنه لا أحد كان يعمل في ذلك القسم، فلم ينتبه أحد لفقد من كنت أفترسهم. وهنا تساءل الأسد الأول: إذن كيف تم القبض عليك وإعادتك إلى الحديقة؟ فتنهد أسد المدينة بحرقة، وقال إنه ارتكب أكبر خطأ في حياته، عندما قام بأكل فرّاش القسم البنغالي الذي كان مسؤولا عن خدمة تقديم الشاي، فقد انتبه الجميع لغيابه بعد دقائق من تناولي له! وبسبب أهمية الوظيفة التي كان يؤديها «صبّاب الشاي» الذي ربما كان الوحيد الذي يعمل عملا منتجا في الدولة، تعهد مدير الإدارة شخصيا بالبحث عنه، وهكذا جند آلاف الموظفين الذين لا يعملون اصلا، المشغولين باللعب في هواتفهم وباشياء أخرى، للتحرك من كراسيهم، والبحث عن الفراش المفقود في كل ممرات وسراديب وطوابق المبنى العتيق، إلى أن وجدوني بعد يومين، بين اكوام الملفات والعظام البشرية، وأعادوني إلى قفصي، ولو لم آكل ذلك الفراش اللعين لبقيت حرا حتى الآن.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

فوائد وصول السلفيين إلى الحكم

يتوجس كثيرون خيفة من وصول السلفيين، أو المتشددين دينيا، إلى الحكم، ويخشى بعضهم الآخر على وضعه وعمله، وهم معذورون في ذلك، ولكن الحقيقة أنه متى ما وصل هؤلاء إلى حكم اي بلد كان، خاصة إن كان في مثل أوضاع دول الخليج المتخمة بالأموال والنصابين والعمالة الوافدة غير المفيدة، فسينتج عن ذلك خير كثير! ففور وصول هؤلاء إلى الحكم سيقومون بإغلاق أكثر من نصف مدارس الدولة الخاصة بتعليم البنات. كما سيلغون الجامعات الحكومية والخاصة، وهذا سيحدث وفرا هائلا في ميزانية وزارة التربية، وسيتم الاستغناء عن دفع رواتب عشرات آلاف المدرسين والمدرسات من الوافدين بالذات، وسيتم تحويل مباني مدارس الإناث الخالية إلى معسكرات تدريب لقتال و«ذبح» أتباع المذاهب الأخرى المارقين. كما ستغلق كل صالونات الحلاقة النسائية ومعاهد الرياضة للرجال والنساء، وهنا أيضا ستوفر الدولة، وإن بطريقة مباشرة رواتب هؤلاء وطبابتهم وتتخلص من متابعة قضاياهم الأمنية. كما ستقطع نصف دول العالم او اكثر علاقاتها مع الدولة، وهذا يتبعه إجراء بالمثل، وبالتالي ستوفر إيجارات عشرات السفارات ورواتب ومكافآت عشرات آلاف العاملين فيها. كما ستقوم السلطة السلفية بإغلاق كل النوادي الرياضية والجمعيات النسائية والثقافية والادبية، التي عادة ما تتلهى بأعمال تسمى بالعلوم الاجتماعية أو الهندسية، فجميعها لا حاجة للبشر لها تحت مظلة الدولة السلفية، وبالتالي سيتحقق وفر بالملايين نتيجة وقف مبالغ الدعم التي تمنح لها، ويمكن تحويل مقار هذه الجمعيات لإنشاء مزيد من دور دراسة وتحفيظ الكتب الدينية، وكتب السحر والطبابة القديمة، وطباعتها وتوزيعها مجانا، وبالتالي يصبح الشعب بأكمله صاحب ثقافة سلفية صلبة. كما ستختفي أعمال النصب والاحتيال، بعد ان يجد مرتكبوها أنشطة اقل خطرا، من خلال الانخراط في سلك الدعوة، مع ما يتطلبه ذلك من زي ولحية، وتحقيق ثروة واحترام كبيرين! كما ستغلق القنوات التلفزيونية، وتلغى برامج ما يتبقى منها، وتقتصر على الافتاء ونقل الصلوات. كما سيتوسع في الطبابة الدينية والماء المقروء عليه والحجامة في علاج مختلف الأمراض، وهنا ايضا يمكن توفير مئات الملايين التي تصرف على العلاج في الداخل والخارج. كما ستغلق محال الملابس النسائية ويطرد العاملون فيها، من الذكور والإناث، بعد ان يصبح محظورا على النساء الخروج من البيت. وسيختفي تجار المخدرات من شوارع المدينة، بعد ان تنتقل مهمة ترويجها وزراعتها وبيعها واستخدامها إلى المزارع نفسه ومباشرة إلى المستهلك، فلا شيء في الفكر السلفي يحرم زراعة أو بيع او استخدام نبتة الخشخاش، الواسعة الانتشار، زراعة واستخداما، في أفغانستان وإيران وباكستان.
كما ستختفي وظائف مكلفة كثيرة في الدولة من مراسيم واحتفالات رسمية وإدارات الشؤون الخارجية، وحتى السجون التي لم ينص عليها في أي نص ديني، فالشرع يأمر بالقصاص الفوري، وليس بالعقاب الزمني، فلم تعرف الدولة الإسلامية سجونا وسجانين، مع ما يتطلبه الأمر من توفير الحراسة والمبنى والطعام للمساجين.
وهكذا نرى أن هناك حسنات جمة يمكن ان يجنيها المجتمع من وصول السلفيين إلى الحكم، ولا يتسع المجال لذكرها جميعا.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

يا حكومة.. شكراً

يعتقد البعض أن ما يكتب في الصحافة لا يلقى اهتماما من الجهات المعنية، وبالذات الحكومية، وأن لا جدوى من الكتابة والشكوى والتظلم، وهذا غير صحيح بالمطلق، فأمور كثيرة يتم تنفيذها وإنجازها بعد فترة، وبصمت، وهذه طبيعة العمل الحكومي، وبالتالي يجب ان نخفف من توقعاتنا قدر الإمكان في قدرة الأجهزة المترهلة على العمل بالسرعة المطلوبة، وأن نضع امورا عدة في الاعتبار قبل اصدار حكم قد يكون جائرا، فما ينشر من شكاوى ومقترحات في الصحافة المحلية، والأمر يسري على أي دولة، كثيرا، وأكثر من قدرة اي إدارة على التجاوب معه، خصوصا أنه ليس كل ما يكتب يستحق الاهتمام، أو أن يكون وراء الكتابة غرض شخصي. كما أن الإدارة الحكومية بطيئة في حركتها عادة بسبب بيروقراطيتها، حتى عند وجود رغبة قوية في التجاوب مع الشكوى او المقترح! وهنا نجد أن امورا يتم تنفيذها بعد فترة تجاوبا مع ما كتب، ولكن من دون ضجة. ومثال على ذلك مشكلة طريق النويصيب، شارع 290، والتي وقعت فيه، خلال السنوات العشر الأخيرة، حوادث كثيرة، وكانت حصيلة كل عام عددا من الوفيات البريئة والغالية، وهذا الطريق يؤدي إلى شاليهات ومنتجعات وإدارات حكومية بحرية وامنية عديدة وهو مستخدم طوال الأسبوع، وبخاصة خلال العطل والأعياد. ولتلافي مخاطر الطريق وتنبيه مستخدميه قام مواطن غيور، وبمبادرة شخصية منه، بوضع لوحات إرشادية عليه تحذر من السرعة والتجاوز، والانتباه للمنعطفات الخطرة، وقد كلفه ذلك مبلغا كبيرا، نظرا لجودة المواد التي استخدمها في صناعة تلك اللوحات وتثبيتها بطريقة جيدة! وهنا انتبه «ربعنا» البنغال لما لتلك اللوحات من قيمة، فقاموا بخلعها من أماكنها وبيعها كألمنيوم خردة، وخلال ستة اشهر لم يتبق من تلك اللوحات الإرشادية غير القواعد الاسمنتية! وهنا اضطر الرجل لاستبدالها بلوحات أخرى، ولكن من نوعية أقل جودة بكثير. وبعد مطالبات عدة من قبله، والكتابة عن الموضوع، تحركت معدات وزارة الأشغال وبدأت العمل بذلك الطريق الحيوي، لجعله أكثر أمانا لمستخدميه، وهذا يصب في مصلحة راحة الجميع وسلامتهم، وفي إنقاذ ارواح المواطنين والمقيمين.
وكمثال آخر على اهتمام «الحكومة» بما ينشر في وسائل الإعلام ما تطرق له وزير البلدية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، الشيخ محمد العبدالله، من أن الحكومة مهتمة بما صرح به الوزير السابق شعيب المويزري لوسائل الإعلام (ومنها «قناة اليوم» التي لم نستطع حتى الآن بلع مبررات إغلاقها) عن السرقات والتجاوزات المالية الكبيرة في المال العام. وقال الشيخ محمد ان اتهامات المويزري خطرة وسيتم التحقيق فيها والتحقق مما ورد على لسانه! ونتمنى ألا ننتظر طويلا لسماع رد الحكومة على تلك الاتهامات، هذا إذا لم يتم خنقها ودفنها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الملاك ود. شتتي

في مواجهة كل خطابات الكراهية وشعارات رفض الآخر، كتب لي القارئ ن. الملاك يقول إنه كان في زيارة عمل لمدينة بنغالور الهندية، عاصمة التقنيات الدقيقة والعالية في الهند، وهناك سمع، عن طريق الصدفة، بوصول 25 طفلاً عراقياً، تتراوح أعمارهم بين السنتين والثمان سنوات لمستشفى الدكتور «شتتي» لجراحة أمراض القلب. وقال إنه قرر، انطلاقاً من حسه الإنساني والوطني، زيارة المستشفى، بالرغم من كل ما سيعانيه بسبب طول وسوء حالة الطريق للمستشفى، للالتقاء بهؤلاء الأطفال وذويهم، وما إن وصل إلى هناك حتى شعر بأن الأمر كان يستحق كل ما تعرض له من مشقة، فقد نجح في رسم الكثير من البسمات على وجوه متعبة ومريضة تشعر بحنين لوطنها وأهلها، وبحاجة إلى التشجيع وبث الأمل فيهم، كما قام بالمساعدة في ترجمة متطلبات مرافقي الأطفال المرضى لإدارة المستشفى. وقال الملاك إنه سعد كثيراً بلقاء مدير مشروع المستشفى الدكتور الكبير «دافي شتتي» Dr. Davi Shetty والذي سبق أن كان طبيباً للأم تريزا قبل رحيلها! ومن منطلق حسه الإنساني تبرع بعلاج قلوب أولئك الأطفال العراقيين دون مقابل. وقال الملاك إنه سعد جداً بلقاء ذلك الدكتور، والذي كان يقوم بعمله بروحية لم ير مثلها، وعرف عنه أنه عادة ما يسأل مرضاه، أو ذويهم، عن ديانتهم، قبل إجراء العملية، فإن كان مسلماً بدأ العملية بالبسملة المعتادة، وإن كان مسيحياً يبدأ باسم الاب والابن والروح القدس، وإن كان من أي ديانة أخرى، حتى لو كان هندوسياً، أي معتقده هو، فلا يقول شيئاً، ويباشر بالعملية! ويقول إنه وجد في فناء المستشفى ثلاثة مبان صغيرة، الأول لمسجد، والثاني لكنيسة، والثالث لمعبد هندوسي! وانه شاهد الكثير من موظفي أو زائري المستشفى يدخلون معبدهم ويخرجون منه وهم يبتسمون، ويلتقون في الفناء المشترك ويتصافحون بسلام ومودة وليس بينهم أي نوع من العداء أو الكراهية، وتساءل، وهو العراقي الذي أحرق التطرف الديني والطائفي قلب بلاده وقطع شرايين وطنه، تساؤلاً بحرقة، يا إلهي، أين نحن من هؤلاء البشر؟
لعلم الصديق الملاك فإن د. دافي (مواليد 1953) جراح قلب شهير، ونال تدريبه في مستشفى «غاي» العالمي في بريطانيا، وكانت أول عملية قلب له مع طفل لم يتجاوز الـ 9 أيام من عمره، انتقل بعدها إلى مدينة بنغالور الهندية في نهاية الثمانينات، وأسس مستشفى مانيبال الخيري، وقام والد زوجته، وهو طبيب عالمي معروف ويحمل الاسم نفسه، بتمويل عملية بناء المستشفى، والذي تم تأسيسه على فكرة أن في الإمكان إجراء عمليات قلب بأقل من تكاليفها الحالية العالية من خلال اتباع أساليب إدارة حديثة واستخدام أفضل للمعدات الطبية الغالية، وإطالة عمرها الافتراضي وتقليص النفقات. وقد لاقت فكرته المتمثلة في بناء مستشفيات عملاقة في جزر قريبة من الولايات المتحدة، وإجراء عمليات قلب فيها بربع كلفتها في أميركا، لاقت معارضة شديدة، وخلقت ضجة كبيرة. ويقول د. شتتي إنه بصدد جعل خدماتهم متوافرة في كل ركن من القارة الهندية! وهكذا نرى بشراً يعملون وينتجون ويخترعون ويقدمون مختلف الخدمات مجاناً لغيرهم، وأغلبنا يكتفي بالجلوس على مؤخرته، وشتم ولعن وتكفير العالم!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الفكر الديني وإشارة المرور

عقد أول مؤتمر دولي لمنظمة السياحة والطرق في باريس عام 1900، وتم خلاله، وما تبعه من مؤتمر آخر عقد في روما بعدها بفترة وضع أسس أو اشكال أول علامات أو لوحات الطرق الإرشادية الرئيسية، سواء تلك التي تبين المنحنيات والتحذير منها، أو التي تبين مناطق مرور القطارات، وضرورة التوقف عندها. وبالتالي يمكن القول ان غالبية لوحات المرور، الدولية والرئيسية، يعود تاريخها لمائة عام فقط! هذا من جانب، ومن جانب آخر دار صراع خفي في العراق بين جماعتين دينيتين رئيسيتين، تدعي كل واحدة بأنها أحق من الأخرى، حسب تفسيرها الديني، وأنها على صواب! ويعتقد الكثيرون أن تخلف العراق ناجم عن صراعه الطائفي! ولكن لو قسمنا العراق، المتخلف والمنهار في كل حقل، إلى دولتين، واحدة لكل فريق فهل سنحصل على دولتين متقدمتين خاليتين من الأحقاد والحروب المذهبية والاختلاف الديني، وبالتالي متقدمتين علميا وفكريا؟ الجواب بالنفي طبعا! فلدينا دول «خالصة» مذهبيا، وغنية بمختلف الموارد، ومع هذا تشكو تقريبا من كل أعراض التخلف، ولم تشفع لها وحدانية مذهبها في أن تكون أفضل من تلك المتعددة المذاهب والديانات والثقافات! وبالتالي فإن المشكلة في العراق ليست طائفية، كما يحب البعض تصوير الأمر، ولا في اختلاف العقائد ولا في تعددها، ولا في موالاة هذا لذلك، والآخر لغيره، بل في الفكر الديني الذي سمح بوجود مثل هذه الاختلافات، ولرجال الدين، والمتاجرين به والمستفيدين من الاختلافات، الذين مهدوا بمكرهم وسوء نواياهم لهذه الاختلافات لتزداد ولتشحن النفوس وتشعل مكامن الحقد فيها! ولو نظرنا مثلا لإشارات المرور التي يتبعها ما يقارب النصف مليار سائق في العالم، لوجدنا أنها تنظم حركة سائقي المركبات وأماكن وقوفهم وانتظارهم، وتلفت نظرهم لمخاطر الطريق ومطباته وطريقة استخدام الشارع بشكل لا يضايق الآخرين، ولا يشكل خطرا على حياتهم وحياة غيرهم من سائقين ومشاة، التي استقر العرف الدولي عليها، وقبلها، منذ اكثر من مائة عام من دون اختلاف أو تعدد في التفسير والشرح والاستنباط فيما يعنيه هذا الشكل في هذا البلد، مقارنة ببلد آخر. فلو أخذنا مثلا لوحة: ممنوع الوقوف، التي تحمل حرف P داخلها وعلى الحرف خط يقطعه بالعرض «/» لوجدنا أن جميع سائقي العالم يعرفون أنها تعني شيئا محددا لا يمكن الاختلاف عليه. ولو قمنا بإزالة الخط فالمعنى سيكون العكس، وهذا ما يعرفه الهندي الأمي، الذي لا يعرف غير التكلم بلغته، والصيني الأمي الذي لا يعرف غير لغته والعربي الأمي، الذي لا يعرف غير لغته، ولو كانوا أنصاف متعلمين، مشاة أو سائقي مركبات، في أي بقعة على الأرض من جبال الهملايا حتى صحارى سيبيريا! فإذا كان بإمكان عقول سبعة مليارات من البشر أن تتفق على معنى إشارة مرور واحدة على الأقل، فكيف نعجز، بعد أكثر من ألف عام عن الاتفاق على الصحيح من معتقداتنا والسليم في طريقة عباداتنا؟!

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

احمد الصراف

التويتر واينشتاين

أقنعني صديق قبل بضعة أشهر باستخدام التويتر في نشر مقالاتي، وقد اصابني توتر شديد من التويتر بعد أن رأيت التصاعد غير العادي في عدد متابعي مقالاتي، واصبح الأمر بعد فترة قصيرة فوق طاقتي، إن من ناحية قراءة ما يرسلونه من مواد، أو الرد عليهم! ولكن مع الوقت تبين لي أن في الأمر ما يريب، فلا يمكن لمن يحمل مثل هذه الأسماء الغريبة أن يكونوا من القراء اصلا، دع عنك قراء مقالاتي أنا بالذات! فالتسميات التي اختارها الكثيرون لأنفسهم وأشكال وصور بعضهم لا تدل على أي أمر جدي، فهذا اسمه «الناقة العرجاء» والآخر «النمر الأصفر»، والثالثة «فتاة الحي الأغبر»، وهكذا. كما لاحظت أن البعض منهم لديه ما لا يقل عن 60 ألفاً أو 100 ألف متابع، وهذا امر لا تحققه افضل مطبوعة عربية على النت، وتذكرت الفضيحة «الأخلاقية» التي وقع فيها بعض الدعاة في الكويت والسعودية قبل فترة قصيرة، عندما قبض عليهم متلبسين بالغش في عدد متابعيهم، إذ وصل عددهم للملايين! ولو صدقت أرقام هؤلاء لكان معنى ذلك أننا شعب لا يود التوقف عن القراءة، حتى وهو يقضي حاجته في دورة المياه! ما شككني في الأمر نص رسالة إنترنت وردتني تعلقت بعرض لبيع متابعين، والدفع بعد التجربة، وأن الاتصال به مفيد! كما زودني «المنحوس» برقم حسابه المصرفي، وقال إنه «يبيع» المتابعين الآن، وهم من العرب فقط، ولكنه سيقبض فيما بعد! ولمن يهمه الأمر يمكنني تزويده بعنوان المنحوس فلديه من «الخرطي» الشيء الكثير! وقد قمت فور قراءة رسالته بفتح حسابي على التويتر وشطب مئات من اسماء مدعي متابعة موقعي أو مقالاتي، واحتفظت بعشرين اسما فقط. وما إن قمت بذلك حتى هبط عدد متابعي ما أرسل من بضع مئات إلى أقل من النصف. فيا من تتابعون البعض على التويتر لا تغرنكم أرقام المتابعين، فهذه لها سوق تباع وتشترى فيه، ويبدو أن وضعنا، مع الفارق، يشبه وضع العالم ألبرت اينشتاين الذي استقل يوما قطارا، وعندما جاءه مفتش التذاكر، (الكمسري)، اكتشف أنه اضاع تذكرته، ولم تجد محاولات البحث عنها في جيوبه وحقيبة يده عن شيء! وهنا نظر له المفتش وقال له باحترام: ايها السيد اينشتاين، أنت شخص معروف وأنا اصدقك عندما تقول إنك اشتريتها ولكن أضعتها. شكره العالم الكبير وعاد لكرسيه! وبعدها بلحظات شاهد المفتش أينشتاين وهو جاثم على ركبتيه يبحث عن التذكرة تحت مقعده، فهرول صوبه وساعده في الوقوف قائلا: يا سيدي لا تكلف نفسك فأنا لم اشك لحظة في أنك اشتريت التذكرة، فلا تقلق! وهنا نظر له العالم الكبير وقال له، ولكن هناك ما يدعو للقلق، فأنا ابحث عن التذكرة ليس لأثبت لك أمانتي بل لأعرف منها اسم المحطة التي أقصدها! وهكذا نحن نشتري التذاكر ونشترك في الانترنت والفيسبوك، ولكن قلة فقط تعرف إلى اين هي متجهة! ومؤسف دورنا السخيف في اشغال الفضاء وإرباك كل وسائل الاتصال الاجتماعي بكم هائل من الثرثرة السخيفة، ليس لمنفعة أو حتى متعة، بل لكي نثبت بأن «أهميتنا» تكمن في عدد متابعينا وقرائنا، ولا يهم بعدها إن كنا نعرف كيف نكتب اسماءنا بطريقة صحيحة أم لا، فلدى غالبيتنا تذاكر، ولكن قلة فقط تعرف إلى أين يتجه بها قطار الحياة.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com