احمد الصراف

الحق في الشك

لا تعرف مجتمعاتنا عادة أو فضيلة «الحق في الشك»the benefit of doubt، فنحن نميل للحكم المسبق على الأمور من واقع ما أمامنا من معطيات، دون انتظار الدليل، فهكذا نشأت اجيال واجيال على عدم الشك في القناعات والمسلّمات، والإيمان بما قيل لنا أو نعرف، دون الحاجة للبحث والتمحيص والسؤال، فهذه كلها أمور تتطلب مشقة لا طاقة للكثرين بها، وهنا لا أستثني نفسي، فلست بالواعظ ولا بالمثالي! و«الشك في المسلّمات» هو السر وراء الحضارة الغربية، والعامل الأهم! فنحن نلقي التحية على شخص نعرفه فلا يردّ علينا، فنستنتج أو نفترض أنه إما قليل ذوق أو أنه لا يود التعرف علينا، ولا نضع اي احتمالات أخرى تتطلب منا البحث فيها. وان بعثنا برسالة إنترنت ولم يردنا جواب، فغالبا ما نفترض بأن المرسل اليه يتجاهلنا، والشيء ذاته يسري على المكالمة الهاتفية، فعدم الرد نعتبره انعدام ذوق أو عدم الرغبة في التواصل او التكبر! وقد تكون جميع هذه الأمور صحيحة، ولكن علينا أن نخطو خطوة اضافية قبل اتخاذ القرار بقطع العلاقة أو الوصول لقناعة أو تكوين رأي مسبق.
بسبب سفري المتواصل، ولوجود من يود التحدث معي، من أصدقاء وقراء، فإنني غالبا ما أجد، عندما أعود للوطن، واحدا أو أكثر يلومني على تجاهلي مكالمته الهاتفية، أو رسالته، وحيث إنني عادة لا أتجاهل أي مكالمة، إلا لسبب قاهر وخارج عن إرادتي، فان لوم هؤلاء يحز في نفسي، واتخيل أن هناك آخرين لديهم الانطباع ذاته عني، وحيث إنني لا أعرفهم، ولا أود أن أوصف بالمتعالي أو المتجاهل لرسائل ومكالمات الآخرين، فإنني أود ان أوضح أن عتب هؤلاء مقبول، ولكن يجب أن يعطوني الحق في الشك، فعدم الرد قد يكون لأسباب لو علموا بها عذروني، فقد يتجاهل أحدنا مكالمة هاتفه قد ضاع، أو أن اسم المتصل لم يظهر على الشاشة، خاصة ان كان في الخارج. أو أن من اتصلت به يرقد في المستشفى، وفي الوقت نفسه أنت تصفه بقلة الذوق! وبالتالي نستحق جميعا الحق في الشك، وأن نعطي الآخر الحق نفسه، ولا نقفز لاستنتاجات خاطئة، دون دليل ملموس.
من المهم أن أشير هنا مرة ثانية الى أنني لا أقرأ عادة ما يكتبه القراء من تعليقات على مقالاتي على موقع القبس، وأفضل تسلمها عبر الإيميل الخاص، حيث المجال أكثر رحابة وحرية وسرعة ولا يخضع لرقابة أو مزاج محرر الصفحة على الانترنت.
كما أود أن أشير الى مستخدمي التويتر بأنني اصبحت ارسل مقالاتي عن طريق هذه الوسيلة، بناء على نصيحة اكثر من صديق، ولو أنني لا اقرأ عادة ما ينشر على التويتر من تعليقات وردود.
وأخيرا فإن عدم تلقي مرسل رسالة الإيميل ردا أو تجاوبا من المرسل إليه لا يعني أنه تجاهل الرسالة، فقد تكون قد ذهبت لصندوق البريد غير المرغوب فيه junk أو Spam، وهنا أيضا يحتاج المرسل إليه الحق في الشك، وتجنب الحكم المسبق عليه وعلى غيره.. دون دليل.

أحمد الصراف

احمد الصراف

البغدادي الكويتي والنجفي العراقي

في 8 أغسطس 2011 غادر دنيانا المفكر الكويتي أحمد البغدادي، دون أن يكمل رسالته التي نذر نفسه لها، ولو طالت به الحياة ورأى غزو الإخوان والملالي، لشعر بحزن أكثر مما كان يشعر به طوال حياته.
وبمناسبة اعتقال السلطات الإيرانية للمفكر النجفي أحمد القبانجي، نعيد هنا نشر مقالة البغدادي الذائعة الصيت «عجيبة العجائب»، التي سبق أن نُشرت في السياسة الكويتية بتاريخ 2009/11/2، يقول البغدادي: إن عجائب الدنيا سبع، ولكن أعجب منها الأمة المسلمة، ففيها ما لم تشهده أمة من الأمم، فهي الأمة الوحيدة التي ترى أنها التي على حق، في كل شيء، وأن الآخرين على باطل. وأنها الوحيدة التي تطلق سراح المسلم المجرم إن حفظ بعض سور القرآن. والوحيدة التي يمكن لرجل الدين فيها الإفلات من عقوبة التحريض على القتل إذا وصف أحد الخصوم بالمرتد. والأمة الوحيدة التي لا تقتل القاتل إذا أثبت أنه قتل مرتدا. والوحيدة التي تعامل القاتل بعقوبة مخففة إذا قتل ابنته، أخته أو زوجته من أجل الشرف. والأمة الوحيدة التي ورد في كتابها المقدس كلمة «اقرأ»، ومع ذلك تُعدّ من أقل أمم الأرض قراءة. أو بالأصح لا تقرأ. والوحيدة التي لا تزال تستخدم كلمة التكفير ضد خصومها المعارضين لرجال الدين والجماعات الدينية. والوحيدة التي تضع حكم الفتوى فوق حكم القانون، وتدعي بكل صفاقة أنها دولة قانون. والوحيدة التي لا تساهم حتى بصنع فرشاة أسنان، ومع ذلك تتشدق بحضارتها البائدة. والوحيدة التي تشتم الغرب وتعيش عالة عليه في كل شيء. والوحيدة التي تضع المثقف في السجن بسبب ممارسته حرية التعبير. والوحيدة التي تدّعي التديّن وتحرص على مظاهره رسميا وشعبيا، ومع ذلك لا يوجد بها أمر صالح. والوحيدة التي تعطي طلابها درجة الدكتوراه في مادة الدين (ويفترض أنه دين مكتمل)! والوحيدة التي لا تزال محكومة بكتب الموتى من ألف عام. والوحيدة التي يداهن فيها رجال الدين الحكام، ويسكتون عن أخطائهم حتى ولو كانت شرعية وضد الدين. والوحيدة التي لا تعترف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتحرم جميع الفنون الإنسانية، ولا تعترف سوى بفن الخط. (وبالدف آلة موسيقية). والوحيدة التي تشترك في دين واحد، ومع ذلك لا تتفق فروعها على رؤية واحدة لأحكام الدين. والأمة الوحيدة التي يهذر فيها رجل الدين كما يشاء، ثم يختم كلامه بـ«والله أعلم»، وكأن الناس لا تعلم ذلك. والوحيدة التي لا تزال تؤمن بإخراج الجن من جسد الآدمي حتى ولو كان ذلك عن طريق القتل. والوحيدة التي لديها جيوش وأرضها محتلة وتخشى القتال. والوحيدة التي ينطبق عليها وصف الخالق «تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى». والوحيدة التي تسأل في قضايا الدين وتبحث عن إجابات ترضيها منذ ما لا يقل عن ألف عام. والوحيدة التي لديها شهر صيام واحد في العام تتكرر فيه أسئلة الجنس أكثر من أسئلة العبادة. والأمة الوحيدة التي تصدق كل ما يقوله رجل الدين دون تحقيق علمي.. هذه الأمة، وبكل هذه الصفات الفريدة، ألا تستحق أن توصف بأنها «عجيبة العجائب»؟.. انتهى.
ونضيف لذلك أنها الوحيدة التي تحاضر فيها طبيبة منقبة بالكامل، ولا يظهر منها شيء، في جمع من الأطباء من ذكور وإناث، في محاضرة عن فوائد علاج السرطان بشرب بول الإبل، ولا يعترض أي وزير ولا وكيل أو طبيب على كلامها. 

أحمد الصراف

احمد الصراف

حادي العيس وبابا الفاتيكان

تقول قصيدة جميلة ومجهولة المؤلف، سبق أن شدا بها ناظم الغزالي، وتعلق موضوعها بالعشق والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين:
«لما أناخوا قبيل الصبح عيسهمُ،
وحملوها وسارت بالهوى الإبل،
فأرسلت من خلال السجف ناظرها،
ترنو اليَّ ودمع العين ينهمل،
وودّعت ببنان زانه عنمُ،
ناديت لا حملت رجلاك يا جمل،
يا حادي العيس عرّ.جْ كي أودّ.عهم،
يا حادي العيس في ترحالك الأجل،
ويلي من البين ماذا حلَّ بي وبها،
من نازل البين حل البين وارتحلوا،
إني على العهد لم أنقضْ مودتهم،
يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا».
أكتب ذلك بمناسبة ما أبداه الأزهر، ومراكز دينية في إيران من سعادة، وإن مبطنة، لقرار البابا الاستقالة من منصبه! وتمنت هذه الجهات أن يكون البابا القادم أكثر تفهماً من سلفه، وهم هنا يشيرون لموقفه من الإسلام والمسلمين، عندما وصفهم عام 2006 باتباع دين يؤمن بالعنف! ولكن الغريب أن ناقدي البابا، ولسنا هنا حتما في معرض الدفاع عن موقفه، لم ينتبهوا يوما الى انهم وغيرهم من مؤسسات دينية إسلامية لم يعترضوا قط أو يحتجوا بصراحة وقوة على كل ما تعرض ويتعرض له مسيحيو تونس وليبيا والعراق ومصر، وأخيرا وليس آخرا سوريا، وغيرها من دول إسلامية، من اضطهاد وقتل وتشريد وتهجير. وفي هذا السياق كتب الزميل سامي البحيري مقالا معبرا نقتبس منه التالي: «أخذت أتخيل وأحلم، ماذا سيحدث للعالم لو استقال كل رجال الدين؟ هل ستنهار البورصات العالمية؟ الإجابة: بالطبع لا. هل ستتوقف حركة المطارات والقطارات فيه؟ الإجابة: لا. هل ستتوقف حركة البناء في العالم؟ الإجابة: لا. هل ستتوقف حركة البحث العلمي والاختراع في العالم؟ الإجابة: لا. هل ستتوقف الاتصالات والإنترنت؟ الإجابة: لا. هل ستتوقف المصانع عن العمل؟ الإجابة: لا. هل ستتوقف الصين عن غزو العالم بمنتجاتها؟ الإجابة: لا. هل ستتوقف محاصيل المزارع؟ الإجابة: لا. هل ستتوقف الدراسة في المدارس والجامعات؟ الإجابة: لا. هل سيتوقف البشر عن الإنجاب؟ الإجابة: لا. هل ستنتهي الأديان في العالم؟ الإجابة: لا. هل سيتوقف المؤمنون عن الصلاة والدعاء؟ الإجابة: لا. ومن دون لف ولا دوران، هل سيتوقف أي نشاط مفيد للبشرية إذا استقال كل رجال الدين في العالم؟ الإجابة: بالطبع لا. وهل يحتاج البشر وسيطا أو سمسارا أو وكيلا بينهم وبين ربهم؟ الإجابة: بالطبع لا. إذاً ما الذي سيتوقف اذا استقال كل رجال الدين في العالم؟ هل سيتوقف القتل باسم الدين؟ الإجابة: بالطبع نعم. هل ستختفي الكراهية بسبب اختلاف الأديان؟ الإجابة: بالطبع نعم. هل سيتوقف لابس الأحزمة الناسفة عن قتل الآخرين؟ الإجابة: بالطبع نعم. هل ستتوقف الفتاوى السقيمة؟ الإجابة: نعم. هل سيتوقف المرتزقون من الأديان عن العمل؟ الإجابة: نعم. هل ستنتهي مافيا توزيع تذاكر دخول الجنة؟ الإجابة: نعم. هل سيبدأ البشر في استخدام عقولهم بشكل أكبر؟ الإجابة: نعم. هل سيتوقف الخلط بين الدين والسياسة؟ الإجابة: نعم. هل سيتوقف بعض رجال الدين عن استخدام الدين للوصول للسلطة، (كما فعل مكاريوس والخميني والإخوان في مصر وغيرهم)؟ الإجابة: نعم. هل ستتحول دور العبادة إلى مراكز إشعاع علمي واجتماعي بدلا من مراكز بث الكراهية وتخويف الناس من النار وعذاب القبر والثعبان الأقرع؟ الإجابة: نعم! وأخيرا أقولها لرجال الدين: نحن لسنا في حاجة إلى وسطاء ليقربونا إلى الله أو ليعرفونا به، استقيلوا يرحمكم الله».. انتهى الاقتباس!

أحمد الصراف

احمد الصراف

هل نحن وطنيون؟

في كل عيد استقلال وتحرير يخرج الشعب الكويتي الوفي للتعبير عن «جميل» مشاعره تجاه وطنه، وليظهر مدى حبه لقيادته، وهذا أمر يبدو مدعاة للفخر، خصوصا عندما نقارنه بــ «برودة» مشاعر الغربيين تجاه مثل هذه المناسبات وعدم استعدادهم للتظاهر بسياراتهم في الشوارع لساعات، ربما لأن البنزين عندهم له ثمن ووقتهم أثمن! أو ربما لأنهم لم يكتشفوا حتى الآن مدى لذة رش الآخرين ومركباتهم بالرغوة السخيفة! كما أننا، بسبب حرارة مشاعرنا، نمتاز عنهم بقدرة واستعداد أكبر لأن نظهر «حبنا وولاءنا» الوطني الذي لا ينضب ولا ينتهي. ولكن هل المبالغة في اظهار المشاعر في الأعياد السياسية ورفع الاعلام على البيوت والمركبات وتزيين المباني، ووضع صور القيادة السياسية في كل مكان، وسماع وترديد الأغاني الوطنية، والصراخ بملء حناجرنا: «كويتي وأفتخر» دليل كاف على حب الوطن؟ فان كان الأمر كذلك، فلماذا لا نرى مثل هذه المظاهر «المباركة» في غالبية دول العالم؟ الحقيقة ان ما يقوم به الكثيرون في مثل هذه المناسبات الوطنية أمر جيد، وعفوي في غالبه، ولكن حب الوطن والقيادة ليس بتعليق الصور ولا برفع الأعلام، بل بالوفاء له والعمل لمصلحته، ان بالسلوك أو التصرف الصحيح، وبالمحافظة على المال العام، فما الذي يفيد الوطن والمواطن ان قام «محتفل» وطني غيور بتعليق مئات الأعلام على بيته وتغطيته بعشرات آلاف الصور والمصابيح الكهربائية وذهب في اليوم التالي لعمله، كعادته منذ عشرين عاما، متأخرا؟ وما حاجة الوطن والقيادة الى وطني غيور لا يرضى بأن يتكلم أحد عن وطنه وقيادته بسوء، ثم لا يكترث للطريقة التي يقود بها مركبته، ويزعج الآخرين، ولا بما تسببه رعونته من أذى للغير، أو بعدم اكتراثه بالوقوف في الأماكن المخصصة للمعاقين مثلا؟ لا نحتاج الى ذكاء أو دقة ملاحظة لنجد أن الأغلبية تتغنى بحب وطنها، هي الأغلبية نفسها التي لا تعرف «كوعها من بوعها» فيما يتعلق بالحب الحقيقي للوطن وحفظ مصالحه. فمن الذي يرتكب يوميا كل هذا الكم من مخالفات النظافة، ومن الذي يرمي أنقاضه على بيت غيره، ومن الذي يهدر كل هذا الماء والكهرباء، دون سبب، ومن الذي يعطل مصالح المواطنين في عمله، إما بتغيبه واما باهماله، ومن الذي يقبض مبلغا ويطلق سراح مجرم خطر يعالج في المستشفى، ومن الذي يغتصب الخدم في «نظارات المخافر» ومن الذي يهرب المخدرات للسجون ويبيعها في الشارع، أو يسهل دخول الهواتف النقالة وممنوعات أخرى للمساجين الخطرين؟ ومن الذي يخرب ذمم النواب ويبيع الشهادات المضروبة وآخر يشتريها، ويهدد الوزراء بالمساءلة، ويتلف البيئة بمخلفاته أثناء وبعد وضع خيمة بالية في الصحراء الجميلة؟ ومن التي لا تكترث لربط حزام الأمان وهي تقود مركبتها، وتصر على أن يجلس ابناؤها على الكرسي الأمامي من السيارة من دون حماية؟ أليس هؤلاء هم الذين نجدهم في الصفوف الأمامية من أي تظاهرة حب وطن، والذين لا يترددون في غلق الشوارع وعرقلة السير وتعطيل مصالح الناس، بحجة أن من «حقهم» الاحتفال بطريقتهم الخاصة بهذا الحب؟ وأخيرا وليس آخرا، مَن م.ن هؤلاء على استعداد للتطوع في عمل انساني من دون مقابل، من أجل وطنه؟ ….. ربما لا أحد من هؤلاء!.
***
ملاحظة‍: اشتكى الكثيرون من المستوى الفوضوي لكثير من مظاهر الاحتفال بالعيد الوطني، وما تضمنه من تشويه، وزينات اعتباطية، تفتقر الى الحد الادنى من الذوق، وتسيء للمناسبة ولمكانة الكويت، فهل هناك جهة مسؤولة هنا؟.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

القبانجي مفكر العراق

أثار خبر اعتقال مخابرات إيران للمفكر العراقي المعمَّم السيد أحمد حسن القبانجي عاصفة من الاستنكار في عدة أوساط لما للرجل من مكانة كبيرة في قلوب محبيه، ولما يعنيه اعتقاله في دولة لا تؤمن بالتسامح ولا بحرية الرأي لمواطنيها، فكيف بغيرهم. يعتبر القبانجي مفكرا دينيا وصاحب مؤلفات عدة في هذا المجال، ولد في النجف ودرس الفقه الإسلامي الشيعي في حوزتها عام 1974، ولكنه غادر العراق عام 1979 هربا من حكم صدام، واستقر في إيران حيث أكمل دراسته في قم، وعاد للعراق في 2008 ليتعاون سياسيا مع المفكر والمعمّم الآخر إياد جمال الدين! وقد تبين من مكالمة أجراها صديق مع مكتبه في العراق ان السلطات الإيرانية ألقت القبض عليه، بعد عودة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القاهرة، حيث اشتكى له الإخوان من خطورة الفكر الذي يروّج له القبانجي، وانه ينتحل شخصية غير حقيقية، لكي يحمي نفسه من الاعتقال! سعى القبانجي في كتاباته وخطبه المنتشرة على «اليوتيوب» لصياغة إسلام مدني ينسجم مع حقوق الإنسان. كما دعا لرفض التمسّك الحرفي بالنصوص لكي يمكن مواكبة التقدم المعرفي للإنسان، وأن البقاء ضمن التفسيرات الحالية سيساهم في تأخر المسلمين! يصف البعض أفكار القبانجي بالعقلانية والانفتاح والتجديد وكمحاولة لإخراج الدين من أسر التفسيرات التقليدية، التي أدت لتشجيع التطرّف واللاتسامح. ولكن آخرين يرون أنه يهدف إلى العكس، ومن هؤلاء أسرته، وشقيقه الأكبر القيادي في تجمّع ديني كبير في العراق! علما بأن السيد أحمد، مع «ليبراليته» لا يزال مصراً على مخالفتها في أكثر من تصرف وقول، كما أنه يعترض على مبدأ ولاية الفقيه. وبالرغم من أن القبانجي وضع العديد من المؤلفات والتراجم، فإن أحاديثه وخطبه المسجلة على «اليوتيوب» تعطي فكرة أفضل عن حقيقة تفكيره الحديث، المخالف لما سبقه. ويقول الزميل العراقي عدنان حسين عن اعتقال القبانجي إنه ليس الأول، ولن يكون الأخير، فتاريخنا العربي الإسلامي، كما تاريخ أوروبا وأمم أخرى في عصورها المظلمة، حافل باضطهاد العلماء والمفكرين والأحرار، والآن ينضم القبانجي إلى كوكبة مفكري الأمة، الذين صادفوا العنت والطغيان في حياتهم، وأعيد الاعتبار إليهم بعد مماتهم، الذي تم في الغالب بشناعة! أما الزميل العراقي الآخر علي حسين فيقول إن محاضراته ومداخلاته الجريئة وصراحته التي لا حدود لها، هي التي فتحت باب جهنم عليه، إضافة لما قام به من تحليل دقيق لفترات حرجه من تاريخ الإسلام التي دائما ما كانت تغلف بخطب صاخبة، وهذا دفع البعض لاتهامه بالكفر، وتقف أحزاب دينية وراء هذا الاتهام، فهي لا تتحمّل الخوض في التاريخ! وإن القبانجي امتداد لمفكرين أحرار سعوا إلى بث المعرفة العقلية بين صفوف الناس.. ويقول فيه الزميل جعفر رجب: هل خلت السجون في طهران، حتى يملؤوها بالمفكر أحمد القبانجي؟ لا شك لم تخلُ السجون، وما زال سجن ايفين يستقبل، ولكنها محاولة منهم لتثقيف السجناء، فالسجن هو المدرسة الوحيدة التي تعلم الأنظمة القمعية. القبانجي مفكر حمل همه وتحدّث بصدق بكل ما يؤمن به، نتفق معه حينا ونختلف أحياناً، لكنه لم يحمل يوما السلاح ليقتل، ولم يحرّض على القتل والتفجير والانتحار، ولم يوزع الخرافات على الناس ليوصّلهم إلى الهلاك، ولم يدخل الشباب أفواجا إلى الموت ليحصل هو على نعيم الدنيا، ولم يسرق الناس قوتهم باسم الدين، ولم ينافق الناس في أفكاره.

أحمد الصراف

احمد الصراف

خلود خلود

يشغل موضوع الخلود بال الكثيرين، سواء كانوا ملوكا، أباطرة، فاحشي الثراء أو بشراً عاديين. ولم يتغير الوضع منذ آلاف السنين، وما نجده من معتقدات وفرق دينية روحية ما كانت لتوجد لولا ما لمسته من رغبة لدى البشر في الخلود في هذه الدنيا أو ما بعدها. وما تركه قدماء المصريين من آثار ومومياء يؤكد ذلك، فالمصريون أكثر من اهتم بالتحضير للحياة الأخرى، أو العودة للحياة نفسها، بصورة أو بأخرى، ولذلك نجح «بطاركتهم» أو رجال الدين في إقناع الفرعون بأنه سيعود للحياة مرة أخرى متى ما تم تحنيطه بطريقة محددة، وعندما يعود للحياة سيكون بحاجة لأشياء كثيرة، وبالتالي دفنوا معه كميات من الذهب والمجوهرات والطعام. كما أن البحث عن «ينبوع الحياة» أو مياه الخلود لم يتوقف يوما، وأنتجت هوليوود أفلاما وكتبت قصصا تتعلق بأساطير الخلود، وللعلم رأيه في كل هذا، فالجسم البشري معرّض، مثله مثل جسم أي حيوان أو نبات، للتآكل الداخلي والخارجي، وأن من الصعب على أحد أن يعمر لأكثر من 125 عاما، في أفضل الأحوال، ولا يعني ذلك أنه ليس بالإمكان إطالة العمر لسنين عديدة أخرى، ولكن لا أحد حتى الآن يودّ دفع التكلفة الجسدية والنفسية لمثل هذا الأمر، الذي يتطلب الاستعداد له منذ الطفولة تقريبا! وبالتالي المسألة تتعلق بالكيفية وليس بالكمية، فما الفائدة من العيش طويلا ضمن نظام غذائي ومعيشي بائس؟ وحيث إنه لا أحد يعرف متى سيموت، فمن المهم بالتالي أن نجعل شيخوختنا جميلة، وهذا يتطلب جهدا اقل بكثير من الجهد المطلوب لإطالة العمر، وهنا يجب أن نقوم بتحسين مستوى معيشتنا وجعلها أكثر فائدة وسعادة، ولا يمكن أن نحقق ذلك بغير التوقف فورا عن «إقناع» أنفسنا، والآخرين، بأننا كبرنا، فليس هناك أسوأ من الاقتناع بهذا الأمر. ولا يعني ذلك أننا يجب أن نتصرف كالأطفال أو الشباب، بل أن نستمر في العيش كأننا في مقتبل العمر، وأن نكون نشطاء، ونقبل على تعلم شيء جديد كل يوم، والتعرف على الغير والسفر. وقد قمت شخصيا، وبعد أن تجاوزت الستين بسنوات عدة، بسحب اعترافي بـ«الكبر»، وسرعان ما لمست الفرق، حيث أصبحت أكثر قدرة على القيام بأمور لم أكن أتخيل أن بإمكاني القيام بها من قبل، حيث أصبحت أقطع في اليوم الواحد ما يقارب الـ11كم سيرا، وهذا ما لم يكن باستطاعتي القيام به قبل 20 عاما، وربما أكثر. كما يجب أن نهتم بصحتنا، إن أردنا منها أن تهتم بنا، فالموت غالبا لا يأتي فجأة، بل بتدرّج، والمرحلة السابقة للموت هي الأصعب، إن كنا من قليلي الاهتمام بصحتنا، حيث إن انعدام الرياضة في حياتنا، والسمنة المفرطة، وقلة الحركة، وعدم تناول الجيد من الطعام، سيكون له تأثير سلبي رهيب في السنوات القليلة السابقة للوفاة. كما أن الحياة المادية التي نعيشها، سواء أردنا أم لم نرد، تفرض علينا الاهتمام بتنمية ما نمتلك من مال، ليس بتكديسه، بل بتجنب السفاهة في صرفه بحجة أن الدنيا زائلة! وبالتالي يجب الصرف بحكمة على الجيد من الطعام والشراب، وأن نستخدم المال في كسب الأصدقاء والتمتع بنوم سليم، وبدرجة معقولة من النظافة، وكل هذه الأمور تحتاج للمال، حتى الاحتفاظ بعلاقات عائلية سليمة يتطلب الشيء ذاته، هذا غير ما يتطلبه العلاج والدواء. كما من الضروري لصحتنا النفسية نسيان أحقادنا وعداواتنا! ولفت نظري ما كتبه النائب نبيل الفضل من أن بينه وبين الصديق الآخر سامي النصف خلافا قديما، ولكنه نسي سببه. وقد ذكّرني ذلك بنفسي وبمن أختلف معهم، وحاولت أن أتذكر الإساءة أو الخطأ الذي اقترفه هؤلاء بحقي، والذي دفعني لمعاداتهم فلم أتذكر شيئا، فقمت بالاتصال باثنين منهم، مباركا وسائلا عن صحتهما! وأخيرا يجب أن ننسى فكرة الموت، فهو آت، فلمَ الانشغال به؟ فالبعض يكرهون الصيف ويحبون الفصل المعاكس له، وآخرون يكرهون الشتاء ويتجنبونه، وينتظرون الصيف بفارغ الصبر، ولو انشغل كل طرف بالشكوى مما سيأتي به الفصل التالي، فلن يهنأ بالفصل الذي هو فيه.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

المرأة والمؤسسة

يقول المثل الفرنسي «إذا أردت أن تعرف رقي أمة، فانظر إلى نسائها»! وهذا صحيح ودقيق بالفعل، ولا داعي هنا لأن نطلب من أحد أن يسرح بخياله وينظر إلى حال نساء المسلمين اليوم في دول مثل مصر وإيران وإفغانستان وباكستان وتونس وليبيا ومالي، التي بكت نساؤها فرحا في الشوارع بعد أن نجح الفرنسيون في التخلّص من الأوباش الذين تحكموا بدولتهم! لا شك أن نسبة التعليم ارتفعت بين نساء هذه الدول، ولكنهن عدن، وفي السنوات الثلاثين الأخيرة، وبنسب كبيرة، باختيارهن أو بإرادة الرجل، إلى الوراء لباسا وفهما وعقلا ودورا في الحياة.

***
من حق الكويت أن تفتخر بأنها ربما تكون الدولة العربية الوحيدة التي قامت بإصدار قانون يجبر الشركات المساهمة على دفع نسبة مئوية من أرباحها لصندوق «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي»، التي سبق أن أنشئت عام 1976 كمؤسسة نفع عام، والتي دخلت مرحلة جديدة ومبشرة بالخير باختيار مديرها العام الجديد.
تتلخص أهداف المؤسسة في دعم التطور العلمي والتكنولوجي عن طريق الدعم المادي للأبحاث، واستخدام نظام الجوائز كوسيلة لتشجيع البحث العلمي، وإقامة المؤتمرات العلمية، ونشر الوعي العلمي، والمساهمة في نشر الكتب والمجلات والموسوعات. ومن واقع أهداف المؤسسة نرى أن ما يتم صرفه على هذه الأنشطة قليل، أو لا يقارَن بما يردها من مبالغ من الشركات المساهمة، سنة بعد أخرى، وبالتالي لم يكن قرار تخفيض نسبة المساهمة إلى النصف تقريبا أمرا غريبا، وهنا نجد من المهم أن تبحث المؤسسة عن أساليب جديدة للاستفادة مما تحت يدها من مبالغ طائلة، وخاصة مع إدارتها المستنيرة والجديدة نسبيا.
ولو نظرنا لواقعنا في الكويت لوجدنا أننا نقع بجدارة ضمن الدول المتخلفة، وهذا لا جدال فيه، ومن هنا ربما جاءت فكرة إنشاء مثل هذه المؤسسة. وأسباب هذا التخلف معروفة، وغالبيتها متراكمة، ولكنها تتركز بنظري في تخلف المصنع الأساسي للتقدم، الذي يحمل الانسان لفترة ويلده ويربيه ويعلمه ويوجهه، فإن كان المصنع متخلفا في طريقة تفكيره وإدارته، جاءت مخرجاته متخلفة، وسيحدث ذلك مهما طورنا من البيئة المحيطة بالمصنع وزودناه مثلا بإنارة أفضل وطرق أكثر اتساعا، وأرصفة أجمل وحتى لو حسّنّا من الطقس فوقه، فمخرجاته سوف تبقى سيئة، ونقصد بالمصنع هنا المرأة الأم، الأخت والزوجة. فمن دون امرأة متقدمة لا يمكن تحقيق أي تقدم في أي مجال ولو صرفنا المليارات. ومن هنا نتمنى على مجلس أمناء المؤسسة توجيه جزء من أموالها لمساعدة الجمعيات النسائية والجمعيات المهتمة برفع مستوى المرأة وتثقيفها وزيادة وعيها، فلا يمكن تحقيق أي تقدم نوعي مهما صرفنا على الأبحاث والمؤتمرات ونشرنا من كتب إن كانت المرأة في بلداننا بمثل ما هي عليه الآن من تخلف، وما تتعرّض له من ظلم وتفرقة في المعاملة، وأرجو ألا يأتي من يعلق ويقول إن وضعها غير ذلك!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

البنك والنملة

تعلمت من عملي المصرفي، الطويل نسبيا، الشيء الكثير، ومن ذلك طريقة وضع تقديرات الموظفين السنوية التي على أساسها تتم مكافأتهم وترقيتهم، وفقا للعقلية الغربية، وكيف ان افضل موظف ليس ذلك الذي يداوم في الموعد المقرر، أو يؤدي عمله بهمة أو يتعاون مع زملائه أو يتصرف بأدب مع العملاء، فبالرغم من اهمية هذه الأمور، فان الموظف الذي يحتاج لأقل قدر من الرقابة والمتابعة من رؤسائه هو الأفضل! ومن وحي هذه القاعدة، قام أحد القراء بارسال الحبكة القصيرة التالية، وقال انها من «التراث الكويتي الحديث»!. كانت هناك نملة مجتهدة تتجه صباح كل يوم لعملها بكل همة ونشاط وسعادة، ومن دون تأخير. وكانت تنتج وتنجز عملها وتساعد اخواتها أحيانا في عملهن وتتعاون معهن، وكانت كثيرة الحركة قليلة الكلام، ولما رآها الأسد تعمل بكل تلك الكفاءة والنشاط، من دون أن تكون تحت اشراف اي جهة؛ قال لنفسه: اذا كانت النملة تعمل بكل هذه الطاقة من دون رقابة أحد، فكيف سيكون انتاجها لو عين لها مشرف يبين لها نقاط ضعفها ويسهل لها ما قد يصادفها من معوقات ويقدم لها ما قد تحتاج له من نصائح. وهكذا قام الأسد بتكليف صرصور للعمل كمشرف على أداء النملة، فكان أول قرار اتخذه الصرصور هو وضع نظام البصمة للحضور والانصراف. كما قام بتوظيف زوجته الصرصورة لكتابة التقارير عما تقوم النملة بانتاجه، وقام أيضا بانتداب عنكبوت لادارة الأرشيف والرد على المكالمات التلفونية! وبالفعل بدأ انتاج النملة بالارتفاع في الاسبوع الأول، وان بنسبة طفيفة. ابتهج الأسد بأداء الصرصور وطريقة اشرافه الدقيقة فطلب منه تطوير طريقته أكثر ودعم تقاريره الشهرية برسوم بيانية وتحليل المعطيات لعرضها على مجلس الادارة، فاشترى الصرصور جهاز كمبيوتر وطابعة ليزر، وعيَّن الذبابة مسؤولة عن قسم نظم المعلومات. ولكن ما ان انتهى الأسبوع الاول من النظام الجديد حتى اصبحت النملة تشعر بالاختناق والضيق من زيادة الجوانب الادارية في النظام الجديد والاجتماعات التي كان عليها حضورها وما تسبب فيه كل ذلك من تعطيل عملها وهبوط انتاجيته من خلال تضييع ثمين وقتها في السخيف من الأمور، فبدأ انتاجها بالتباطؤ، عندها شعر الأسد بوجود مشكلة في الأداء، فقرر تغيير آلية العمل في الادارة وقام بتعيين الجرادة، لخبرتها في التطوير الاداري، للنظر في المشكلة، فكان أول قرارات الجرادة شراء أثاث جديد وسجاد من أجل راحة الموظفين، كما عينت مساعداً شخصياً لوضع الاستراتيجيات التطويرية واعداد الميزانية. ولكن تبين لاحقا أن المصاريف الادارية قد ارتفعت بشكل هائل بدرجة لا تتناسب ابدا مع الزيادة الطفيفة والمؤقتة في انتاج النملة، وهنا قرر الأسد، وبعد اجتماعات مكثفة بين مختلف الكوادر، واستشارة كبار السن من الخبراء في مجلس الادارة، التدخل شخصيا ووجد أن من الأفضل الاستعانة بأحد البيوتات الاستشارية العالمية بهدف دراسة تقليص النفقات غير الضرورية وجعل الادارة اكثر رشاقة، فقامت الدار الاستشارية بتكليف بومة للعمل كمستشار تنظيمي ومالي، وبعد ثلاثة أشهر من الدراسة المعمقة رفعت البومة تقريرها الى الأسد، وذكرت فيه بأن الادارة تعاني العمالة الزائدة غير المنتجة غالبا، فشكرها الأسد وقرر فصل النملة لتوفير راتبها الكبير!
***
• ملاحظة: قرار الحكومة باستملاك مجمع الصوابر السكني، وإخلائه من سكانه، يعني ان الكويت «ستتميز» (!!) عالميا بكونها الوحيدة التي لا يسكن مواطنوها في عاصمتها!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

قانون الزكاة

في غفلة عقل تتكرر في المؤسسة التشريعية بين الفترة والأخرى، أصدر مجلس الأمة سنة 2006 قانوناً يتعلق بإجبار الشركات المساهمة على دفع نسبة من أرباحها في صورة «زكاة»، إسهاماً منها في دعم الميزانية العامة للدولة، وتمكين هذه الشركات من توجيه ما تدفعه الى المصارف الشرعية، وأن يكون لوزارتي المالية والأوقاف حق التصرف بهذه المبالغ! وقد شاب القانون عيب واضح، حيث نص على أن للشركات حق طلب توجيه المبالغ المسددة منها لإحدى الخدمات العامة، التي ورد ذكرها في اللائحة التنفيذية، وهي الأمن والعدالة، الدفاع والخدمات التعليمية والصحية والإعلامية والدينية، والتكافل الاجتماعي والإسكان والمرافق العامة والكهرباء والزراعة! وحيث لا وزارة المالية ولا الأوقاف بإمكانهما تحديد ما يذهب لهذه الخدمة أو تلك من نسب، وحيث إن دافع الزكاة ليس من حقه تحديد جهة خيرية أو تعليمية أو خدمية محددة تستفيد مما يدفعه من زكاة، ولعدم حاجة وزارات الدفاع والصحة والكهرباء لمبالغ زكاة، في ظل ميزانية متخمة لا تعرف الدولة كيفية التصرف بها، ولكي تبعد الجهات المعنية شبهة محاباة جمعية خيرية أو تعليمية على غيرها، فإن ما تقوم وزارة المالية بتجميعه سنويا لا يذهب حتما بطريقة سليمة أو عادلة لمصارفه التي توخاها القانون، بل يبقى ليتراكم، أو يحول جل المبلغ لبيت الزكاة ليتصرف به، مع كل ما يحتمله هذا من شبهة فساد في الجهات المنوط بها التصرف في أموال «شبه سائبة»، ومع كل ما تشكو منه الإدارة الحكومية من غياب شفافية وانعدام تعاون ووضوح!
وعليه، فإن على أصحاب الضمير الحي في مجلس الأمة، على قلتهم، السعي لتعديل هذا القانون، بحيث تذهب مبالغ الزكاة المحصّلة لدعم الموازنة العامة للدولة، كما نص عليه قانون الزكاة رقم 46. أو يكون من حق دافع الزكاة، أي الشركة المساهمة، توجيه ما يدفعه، أو نسبة كبيرة منه على الأقل، لجهات محددة يمكن حصرها في التعليم والصحة فقط، وليس إدخال الدفاع وعلف الماشية والثروة السمكية والكهرباء والماء فيه. وبهذا نبعد شبهة تحكم أحزاب محددة بمثل هذه الأموال التي «لا صاحب» لها تقريبا، ونساهم من خلال هذا التعديل في دعم جهات تشكو من تخلف كبير ساهم وجوده في تخلف مجمل أداء الدولة، هذا غير ما تعانيه وزارة الصحة من قصور وظيفي ونقص في المستشفيات، وغير ذلك من خدمات أساسية.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

مبارك وخزعل

بالرغم من كثرة حَمَلة شهادات الاجتماع والتاريخ، المضروبة والصحيحة منها، بين «خريجي الدولة»، فإنه لا أحد منهم تقريبا اهتم بتوثيق العلاقة مع حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح (1840 – 1915)، الذي ينص الدستور على حكام الكويت يجب أن ينحدروا من ذريته! وقد دخلت الكويت في نزاع مع الدولة العثمانية في أول عهده، بعد لجوء أبناء شقيقيه الأكبر محمد والأصغر جراح، للبصرة، واصطفاف يوسف الإبراهيم معهما، وتحريضه الدولة العثمانية عليه، الأمر الذي دفع مبارك الصباح للاتصال بالمقيم السياسي البريطاني في بوشهر، وليقول له انه سيطلب حماية بريطانيا للكويت إن حاول العثمانيون التدخّل وإنهاء حكمه. وقد مالت إليه بريطانيا لرفضه قبول وجود حامية عثمانية في بلاده! ولكن الأمور هدأت بعد وفاة يوسف الإبراهيم في مارس 1906.
نشأت علاقة خاصة، وحميمة، بين مبارك الصباح وخزعل بن مرداو، توطدت مع الوقت، وكان للشيخ خزعل دور مهم في تاريخ الكويت، ولكنه أهمل، ككثير من الأمور الأخرى، وأكبر شاهد ما تعرض له قصره في دسمان من تلف ودمار! وقد اشتهرت حسينية معرفي، الأقدم في الكويت بـ «الخزعلية»، ويقال إنه هو الذي اقترح فكرة بنائها على عبدالكريم معرفي، وانه تبرع لها، ونسبتها له كانت بسبب استخدامه لها كمقر لاستقبال زواره، عندما كان يزور الكويت. والشيخ خزعل كان حاكما لمنطقة المحمرة، التي تسمى خرمشهر حاليا، من قضاء خوزستان، التي غزاها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب، وينتمي نسبه لقبائل بني كعب العربية، وسبق أن أسس والده، جابر بن مرداو، دولته التي لم تعمر طويلا، وكان ذلك في منتصف القرن الـ 19، وساعد في بقائها انهيار الدولة الصفوية، واعتراف ناصر شاه، القاجاري به حاكما للمحمرة، التي أصبح خزعل زعيمها بعد اغتيال أخيه الأكبر مزعل. وارتفعت أهمية المنطقة في عيون القوى الكبرى بعد اكتشاف النفط في مسجد سليمان، القريبة من إقليم خوزستان مع بداية القرن العشرين، فعزز الإنكليز علاقاتهم معه. ولكن صعود رضا شاه (بهلوي) للحكم، والد محمد رضا، بعد إطاحته بحكم القاجار، ورغبته في توحيد إيران وإخضاع أقاليمها لسيطرته، هدد حكم الشيخ خزعل، الذين لم يقف الإنكليز معه هذه المرة، كما أن صديقه الشيخ مبارك كان قد غادر الدنيا قبلها. وهكذا تمكن رضا شاه من الاستيلاء، أو استعادة عربستان من الشيخ خزعل عام 1925، وإنهاء دولته، ونقل مخفورا إلى طهران ليبقى فيها حتى وفاته.
لإقليم المحمرة، الأهواز، عدة تسميات، وأن كلمة أهواز، هي جمع من كلمة «حوز»، مصدر للفعل «حاز»، بمعنى الحيازة والتملك، وبالتالي تعني الحيازات! ولكنها تعني في الفارسية الحوض، والكلمة عربية، لأن المنطقة كانت تشتهر بالزراعة وانتشار أحواض الري بها، والأهواز هي نفسها الأحواز، فهكذا ينطقها الفرس، و«الأحواز» هي العاصمة، وأشهر مدن الإقليم الأخرى: المحمرة، وعبادان، الحويزة، وشوشتر وسوس، والفلاحية ومسجد سليمان وغيرها. كان الشيخ خزعل من اللاعبين الكبار في الخليج، وصديقا لكبار من ساهموا في صناعة تاريخ المنطقة، كالشيخ مبارك الصباح والسيد طالب النقيب.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com