احمد الصراف

كلمة في هيئة صالح الفلاح

ورد في القبس في 6 مارس أن هيئة اسواق المال، التي يرأسها السيد صالح الفلاح، بمفوضيها ومستشاريها وقانونييها، ومن لف لفهم، احتاجت نحو سنتين لتفهم أنها غير قادرة على خصخصة البورصة، وفق قانونها! وأن سنتين كاملتين مرتا لفهم مواد قليلة جدا، وهذا مؤشر مقلق للغاية! وانتظرت بعدها لعدة أسابيع، بعد كتابة هذا الاتهام الخطير من القبس للهيئة، لأسمع ردا منها، ولكن لا متحدث عنها رد، ولا رئيس مفوضيها شغل نفسه بشرح الوضع، بالرغم من كم «الاتهامات» الصريحة والتقصير الفاضح الذي تضمنه المقال/ التقرير الذي غطى نصف صفحة، من الانتقادات المتعلقة بالاهمال والتجاوز، وما تسببت فيه قراراتها من ضياع ملايين الدنانير من المال العام من دون فائدة، على خبرات وخبراء! وبالتالي يحق لنا الافتراض بان ما ورد في التقرير صحيح، ولو في جزء منه! وهذا يعيدنا للنظر في الطريقة الغريبة التي تقوم فيها الحكومة باختيار كبار إدارييها. فقد عرض منصب رئيس مفوضي أسواق المال على 81 مرشحا من اصحاب الكفاءات، ولكن جميعهم رفضوا المنصب لوجود مثالب كبيرة في العرض! وبدلا من ان تعيد الحكومة النظر في شروط الوظيفة ومتطلباتها، قامت باختيار اسهل الطرق وعرض الوظيفة على من قبلها، وليس بالضرورة على الأكثر كفاءة!
وهنا أقر بأنني احترم الأخ صالح الفلاح، واقدر أفكاره الخاصة وانفتاحه، ويكفي أنه شغل عدة مناصب حساسة ماليا، ومع هذا لم تشب ذمته شائبة في يوم من الأيام. فقد عمل رئيسا، ممثلا للحكومة، في بنك الكويت والشرق الأوسط في الثمانينات، ثم اصبح بعدها، كما اذكر، عضوا منتدبا في الهيئة العامة للاستثمار، ليأتي وزير المالية في حينه (2003)، ويطلب إزاحته، وربما لعدم استلطافه! ليعين بعدها رئيسا للبورصة، وربما كان ذلك عام 2006! ثم تأتي الحكومة، وبعد مخاض طويل وعزوف كثيرين عن قبول المنصب، وتعينه رئيسا لهيئة مجلس مفوضي أسواق المال، لأنه ربما كان الوحيد الذي قبل بشروط العرض، علما بأن هيئة السوق جهة رقابية ذات صلاحيات كبيرة، وتتطلب من رئيسها قدرا كبيرا من الشفافية والأمانة، والبعد عن اي تعامل تجاري أو استثماري، وقدرة عالية على التطوير والتغيير والإبداع. وأستطيع القول، من خلال مواكبة متواضعة لمسيرة الرجل، أنه من كبار المؤمنين بنظرية «لا تعمل، لن تخطئ، لن تحاسب»! فعدم الحركة يؤدي غالبا لعدم لفت أحد له، ويبعد «الحساد»! وبالتالي ستكون الأخطاء الإدارية شبه معدومة! هكذا كانت سيرة السيد الفلاح في البنك، وربما في مختلف المناصب «المهمة» الأخرى التي تقلدها، اي دخول المنصب والبقاء فيه من دون حراك، ثم تركه كما كان دون أي تطوير أو تعديل! وبالتالي لن استغرب إن أعفي مستقبلا من وظيفة كبير مفوضي السوق، وعين وزيرا للمالية.. مثلا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الحرص أكثر من واجب

مع الغياب التدريجي للأمن وانحسار الطمأنينة من النفوس واضمحلال البراءة تدريجيا واستمرار ضعف الأداء الحكومي وفقدان الرجاء في تحسّن الظروف الأمنية، مع كل ما أصبحنا نعانيه من مشاكل البطالة والعمالة السائبة والتردد المميت في حل قضايا ومشاكل «البدون»، أصبح لزاما على كل فرد اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسه ومن يحب وما يمتلك من اعتداء الآخرين! وهذا لا يتضمن فقط اتخاذ مختلف الاحتياطات السلبية، بل والتقدم خطوة والتصرف بإيجابية من خلال تعلم أساليب حماية جديدة تساعد في العيش بأمان أكثر، علما بأن كل ما سنتخذه من إجراءات سيؤدي حتما إلى رفع تكاليف المعيشة، وهذا ما كان يجب أن يحدث، لولا أننا أصبحنا مجبرين على القيام بالوظيفة الأمنية عن الحكومة، بتكاليف عالية، بدلا من قيام الحكومة بها بطريقة أفضل وأقل كلفة بكثير، ولكن ما العمل والأمل مفقود في تحسن الأداء الحكومي! ومن هذه الأمور مثلا التأمين ضد سرقة المركبات، وهو خطر لم تعرفه الكويت طوال تاريخها بمثل هذا الزخم الحالي، او تركيب كاميرات مراقبة، داخل البيت وخارجه، وغير ذلك من إجراءات أمنية قد تدفع البعض للضحك مثل مشاركة سكان الحي أو الشارع في مراقبته وإبلاغ السلطات الأمنية بأي شك في شخص أو جهة! ولكننا قريبا سنضطر للجوء لكل أو بعض هذه الأساليب لحماية «فرجاننا» أو أحيائنا السكنية وممتلكاتنا وطبعا أنفسنا من التعرض للأذى! ويمكن أن يلعب مرتادو المساجد دورا في تشكيل لجان الحي والعمل على مشاركة ببقية السكان في الأمر، وبالتالي يكون للمسجد دور اجتماعي مهم، بعد أن كان دوره مقتصرا على أداء العبادات فقط!
وهناك طبعا طريقة تكليف شركات أمن بحراسة المنطقة أو البيت، ولو أننا لا نحبذ هذه الطريقة التي لها محاذيرها! فما أصبحنا نسمعه من تعدد الجرائم الجديدة وتنوعها، حتى خارج الكويت، جعل الكثيرين منا يعيشون في قلق حقيقي أنساهم سنوات البراءة والأمان التي عاشوها لعقود. والأخطر من ذلك أن العيون انفتحت علينا، داخليا وخارجيا، فأصبح المواطن والمقيم في دول المنطقة هدفا لعمليات النصب والاحتيال والسرقة، فقد تعرّضت سيدة لعملية لطش كل ما كان في حقيبة يدها من نقد ومجوهرات، والتي كانت تضعها بـ«أمان» في الخزانة العلوية للطائرة، ولم تنتبه للسرقة إلا عن طريق الصدفة! وبالتالي يتطلب الأمر الحرص على عدم وضع أشياء ثمينة في الحقائب التي توضع في تلك الخزائن، أو على الأقل التأكد من أنها موضوعة في حقائب يصعب فتحها، ومع ضرورة تفقدها بين الفترة والأخرى. ومن الخطأ الافتراض بأن جميع ركاب الطائرة من الملتزمين بالقانون ومن الأمناء، ولو كانوا من ركاب الدرجة الأولى أو «رجال الأعمال»، فقد أصبح الخطر في كل مكان، ولا مأمن لأحد. كما أن وضع الحقائب اليدوية الصغيرة تحت المقعد لا يعني أن يد اللص لن تصل إليها، خصوصا في الرحلات الطويلة والاستغراق في النوم! وهنا يحق لنا القول أن زمن البراءة والأمان قد ولّى!

أحمد الصراف

احمد الصراف

يا ذكرى ومحسن.. هل يعود الفضل إليكما؟

قال خبر مقتضب إن حملة تفتيش مفاجئة نظمتها وزارة الشؤون على مجمعات في حولي اسفرت عن تسجيل عدد من المخالفات! وحيث ان الخبر، بصيغته تلك، قد لا يكون مفهوما من البعض، فسنحاول هنا شرح ما يعنيه وخطورته. يتطلب استخراج ترخيص مزاولة مهنة، أو تأسيس شركة، تحديد مكان مزاولة العمل، وحيث ان نسبة من مؤسسي الشركات والأنشطة الفردية لا يهدفون الى المتاجرة العادية بها بل لتأجيرها للغير أو لاستخراج إقامات عمل عليها، وبيعها للراغبين في العمل في الكويت من مختلف الجنسيات، وتحقيق مبالغ كبيرة عليها. ولأن استئجار مقر يكلف الكثير أحيانا، فقد تفتقت أذهان «مافيا» الإقامات على اختيار مجمعات تجارية محددة وتأجير وحداتها، مقابل مبالغ بسيطة، على الراغبين في المتاجرة بالإقامات، وتزويدهم بعقد ووصل إيجار لاستكمال متطلبات الوزارة، ومن بعدها تبدأ عملية استخراج تصاريح العمل، وتبدأ بفراش ومحاسب وسائق وموظف ومندوب لتصل أحيانا الى المئات، وكل ذلك لشركة لا يتعدى حجم مقرها عن دكان صغير بعشرة أمتار مربعة! وقد تكونت على مدى السنين من الاهمال الحكومي وتواطؤ من «كبار» موظفي الوزارة، عصابات تعرف «الشؤون» و«الداخلية» الكثير عنها، ولكن لا تود جهة التحرك ووقف أنشطتها الإجرامية! ولا نظلم أحدا أو نبالغ إن قلنا إن جميع وزراء الشؤون والوكلاء الذين تعاقبوا على الوزارة في السنوات 25 الماضية على الأقل، وبمعيتهم كل وكلاء العمل وجيش المراقبين والمفتشين، كانوا جميعا، وعلى مدى أكثر من 25 عاما، على علم بوجود هذه الجهات المخربة ومقار الشركات الوهمية، التي تستخدم علنا لغرض استخراج تراخيص غير قانونية والإضرار الشديد بمصالح الوطن، ومع هذا لم يقم أحد من هؤلاء يوما بالمطالبة أو حتى بالتضييق عليها أو إغلاق ملفات اصحابها، وكل ما كنا نسمعه أو نقرأه هو «الكشف» عن عصابة هنا وغيرها هناك تتاجر بإقامات العمل، ولكن لم نسمع يوما أن مواطنا «أدين» بهذه الجريمة المخربة، ولا ندري لماذا كل هذا السكوت؟ فالوزراء كانوا يعرفون، ورؤساؤهم كانوا يعلمون بالوضع، وكل من اتبعهم من وكلاء مساعدين ومديري إدارات ومراقبين ومفتشين وموظفين عاديين وحتى فراشين كانوا على علم بوجود هذه المجمعات، ولكن لم تتحرك الوزارة إلا في أضيق الأحوال للقضاء على هذه الجريمة الواضحة الأركان والمعالم، وكان من الممكن أن نشاركهم السكوت عن هذه الجريمة وعدم الاعتراض على ما حل بنا من قلة إحساس بالمسؤولية لولا ذلك السخيف الذي «بط جبدي» بفكرة «كويتي وأفتخر»!
نتمنى أن يكون للوزيرة الجديدة ذكرى الرشيدي والوكيل الجديد محسن المطيري يد في قرار التفتيش الأخير على مجمع حولي. ونذكرهما بأن هذه المجمعات منتشرة في كل أنحاء الكويت ومعروفة لجميع العاملين في إدارة التفتيش، وإغلاق ملفات الشركات المستأجرة لمحلات فيها أصبح أمرا مستحقا، مع وضع أسماء أصحابها في «القائمة السوداء»! ويجب عدم انتظار تحويل إدارة العمل لهيئة مستقلة للقيام بهذه الضربة. بل تقع عليكما مسؤولية الحسم الآن، وهي خطوة صغيرة في رحلة الألف ميل للقضاء على جريمة المتاجرة بقوت البشر وتخريب السلم الاجتماعي وتحقيق الثراء على حساب المال العام!

أحمد الصراف

احمد الصراف

رأي في موقف الضفدع

علميا، يمكن سلق ضفدعة حتى الموت من دون أن تحاول الهرب. فلو وضعنا ضفدعة في قدر فيه ماء حار، فإنها ستقفز منه هاربة فورا! ولكن لو قمنا بوضعها في قدر ماء بارد، وقمنا بتسخين الماء تدريجيا، وعلى فترة طويلة، فإنها ستتأقلم مع الوضع إلى أن تموت، دون أن تشعر بارتفاع الحرارة. ولو طبقنا التجربة ذاتها على البشر، واعتبرناهم ضفادع، فإن بالإمكان تغيير «أفكارهم» بصورة تدريجية حتى تصبح خطرة بما يكفي للقضاء عليهم، دون أن يشعروا خلال ذلك بالخطر المميت، فالبشر، كبقية الكائنات لا يتخذون قرارا أو يقومون بردة فعل تجاه أمر لا يشعرون به! ولو قامت حكومة دولة ما بتدريب شعبها، بصورة تدريجية وبطيئة، من خلال المناهج مثلا، على أفكار خطرة أو خاطئة، كأن تخلق أو تؤصّ.ل لدى أفراده الشعور بكراهية العالم الآخر واحتقاره، فسيكون لديها جيل يؤمن بأنه أفضل من غيره، كما فعل هتلر مع الألمان! وسيتملّكه ذلك الشعور من دون وعي، لأن التغيير في آرائه الخطرة ومواقفه غير المنطقية حصل على فترة طويلة، دون أن يشعر بخطورتها، وما ان يحاول تطبيقها، فإن العالم أجمع سيتكاتف ضده ليقضي عليه، كما فعل الحلفاء بالألمان واليابانيين، الذين اعتقدوا لفترة أنهم من عرق أفضل. وبالتالي فإن تردي الوعي الشعبي في دول كثيرة لم يأت. من فراغ، بل تسببت به طرق تدريس وسياسة إعلامية تصبّ في اتجاه معين. فالكثيرون مثلا يحرصون على متابعة المسلسلات التركية الهابطة والسخيفة، ولا يعترضون مثلا على متابعة الصغار لها، وهذا سيخلق منهم، بصورة تدريجية، قبولا لكل سخيف وتافه، ويصبح تعديل الوضع مع الوقت صعبا جدا، فعملية تسطيح الفكر التدريجية التي يتعرّض لها تجعله كالمدمن أو الإرهابي أو المتشدد الديني، الذي لا يرى شيئا غير الذي يطلب منه رؤيته! وقد تنسحب الحالة الفردية على آخرين أو مجموعة من البشر أو حتى على شعب كامل، بحيث يرضون بالعيش بمذلة، ويقبلون الفقر والقمع والفساد من دون احتجاج.
نقول ذلك بمناسبة ما ورد في الصحف من خبر تعلق بتقرير عن لجنة في وزارة التربية أوصت بتخفيف جرعة الدروس الدينية في المناهج الدراسية، وأن وزير التربية وزير التعليم العالي رفض توصياتها وطلب من أعضائها عدم الاقتراب من هذا الموضوع! وقد جمعتني الصدفة بالوزير في اليوم نفسه، فأكد لي عدم صحة الخبر، وأميل لتصديقه، لما عرف عنه من استقامة وانفتاح، ونطالبه بالسعي لتقليل الجرعة الدينية في المناهج، التي زيدت على مدى 30 سنة بصورة تدريجية، على حساب المواد العلمية، خاصة بعد أن ثبت أن هذه الجرعة الزائدة تسببت في أن تصبح الكويت، بالرغم من صغر حجم شعبها، ودرجة الحرية النسبية التي يتمتع بها، ورخائه المادي، أصبح في السنوات العشرين الأخيرة المصدر الأكبر، نسبة لعدد سكانه، «للمجاهدين» والمتعصبين الدينيين والمقاتلين في أفغانستان والبوسنة والعراق، وأخيرا في سوريا، التي قارب عدد من قتل فيها من شباب كويتيين حتى الآن الخمسين، على ذمة جريدة «السياسة» التي أوردت أسماء 30 منهم!
لقد تعلم جيلنا، من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، في مدارس حكومية، وكنا جميعا ندرس الدين مرة أو مرتين في الأسبوع، وخلقت تلك المرحلة رجالا ونساء جلهم مثال الصدق والأمانة والاستقامة. ليأتي، في غفلة من الزمن، من قام بزيادة الجرعة تدريجيا في المناهج، لتتحول الكويت بسببها إلى بؤرة تطرف ديني لم تعرفه في تاريخها، ولتصبح فوق ذلك من أكثر دول الخليج فسادا!

أحمد الصراف

احمد الصراف

يوم اغتيال البراءة

لا يمكن تخيل مجتمع قابل للبقاء والازدهار من دون دعم أخلاقي كاف من السلطة! فليس هناك من عامل يؤثر سلباً في أي مجتمع كالتساهل في التعامل مع غرائز أفراده ورغباتهم، وتسهيل حصولهم على كل شيء دون مقابل! والأمم العظيمة هي التي اهتمت بتعليم الأخلاق لصغارها، ولم تعتمد في ذلك على «ثقافة» المجتمع وعاداته وتقاليده وتعاليمه الدينية، فالدين عادة يحث على التراحم والأخوة بين المنتمين له، وليس بالضرورة مع غيرهم، وهذا ما يضع أتباع أي دين في مواجهة مستمرة مع «الآخر»! ولهذا نجد في مجتمعاتنا من يتساءل أحياناً، عند تعرضه للخديعة أو السرقة، عما إذا كان من خدعوه يعتقدون بأنه يهودي يستحق أن يخدع ويسفك دمه! وبالتالي يجب أن تدرّس الأخلاق بكثافة في مراحل الدراسة الأولى، وتعطى أهمية كبرى على غيرها من المواد! ولو كانت هذه هي الحال، لما كانت هناك حاجة إلى كتابة هذا المقال، ونشير هنا إلى التفاوض المريب والمحموم الذي يجري بين المجلس والحكومة لإسقاط قروض المواطنين وفوائدها، فهذا، إن تم، يعتبر بحكم «الجريمة الأخلاقية»، لما سيكون له من تبعات سلبية مؤسفة على أجيال حاضرة وقادمة، فهذا «الإسقاط» ما كان ليتم لولا شديد رغبة السلطة والنواب لخلق شعبية زائفة وزائلة حتماً، وهو بحكم التفويض الرسمي للجميع ليسرقوا ويغشوا ويخدعوا ويدوسوا في بطن الأنظمة والقوانين ويتخلوا عن أي التزام أدبي أو مادي طالما أن «ماما الحكومة» ستأتي في نهاية المطاف وتنقذهم! كما أنه صفعة على وجه كل من التزم وسدد ما عليه، وكل من رفض الاقتراض، وهو قادر عليه، لعدم رغبته في «المشاركة» في سرقة مال عام ليس من حقه بقدر كونه من حق أبنائه وأحفاده! إن هذا التصرف من الحكومة، ولا ألوم المجلس النيابي بالقدر نفسه، سينسف عقوداً طويلة من التربية التي حاول البعض غرسها في نفوس أبنائهم، فقد شعرت وصديقي بومحسن بالحزن عندما قال لنا ابنه إننا أخطأنا كثيراً عندما نصحناه قبل سنوات بعدم الاقتراض، وأنه لو لم يستمع لـ «خرابيطنا الأخلاقية» لكسب الكثير! وقال إن علينا، نحن جيل السذج والمؤمنين بالعقل والمنطق والتصرف السليم، أن نتعلم أن السلطة ستخذل كل واحد منا المرة تلو الأخرى، ولن يكون هناك في المقبل من الأيام مكان لغير المفلس والنصاب، كما هي الحال في أغلبية دول العالم المتخلفة!

* * *
ملاحظة: لم يتردد الرجل الثاني في الدولة والقاضي السابق في الاعتراف بالحاجة إلى خبير دستوري «خارجي» لمعاونته في عمله التشريعي! ولا أدري بالتالي لماذا لا يقوم الرجل الخامس في الدولة بالاستعانة بخبيري مرور وأمن بريطانيين مثلاً لمساعدته في وضع حد لكل هذا التسيب الأمني والمروري الذي نعيشه؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

أنا وشوقي.. والفريق غازي!

يقول شوقي:
«وطني لو شغلت بالخلد عنه
لنازعتني إليه في الخلد نفسي»!
ولو حدث وانتقلت للكتابة في صحيفة اخرى، مقابل مبلغ كبير – وهذا ما سبق وأن عرضه صديق عزيز وكريم – لنازعتني نفسي للعودة والكتابة في القبس من دون مقابل، وبكل ما تعنيه الكتابة فيها من منغّصات، وما تضعه أحيانا من قيود، ورفض نشر مقال هنا وآخر هناك! مناسبة هذا الحديث هو مواقف القبس التي تجعلها مميزة عن غيرها، مع الاحترام للجميع! فقبولها نشر مقال «الطب والخلق المفقود» المتعلق بأخلاقيات المهنة وإصرار البعض على الترويج لأنفسهم، وكأنهم «بائعو خضار»، وليسوا رسل رحمة لمهنة حماها القانون وحمىالعاملين بها من الابتذال، والذي شارك في تعميمه أكثر من «طبيب وزير»! أولا بأن قبولها النشر دليل واضح على مواقف القبس الكبيرة، فلو طبق القانون لتصبح القبس على رأس المتضررين «إعلانيا»! ولو كان القانون غير سائب، في وطن «كويتي وافتخر» لما حدثت القصة التالية: ففي صباح يوم نشر مقال «كويتي وافتخر» وقفت مركبة أحد ابنائي امام بيت والدي، في منطقة سكنية مطروقة، لتوصيل غرض! وخلال دقيقة واحدة ترجل شخصان من مركبة، تبين لاحقا أنها مسروقة، وقاما بسرقة سيارة ابني، التي كانت من النوع الذي يدار بزر، ويسهل تشغيلها ان كان مفتاحها في جيب مالكها ولا يقف بعيدا عنها كثيرا! وقد صورت كاميرات مراقبة في الشارع تفاصيل حادث السرقة! المعاناة بدأت، في وطن «كويتي وافتخر»، عندما ذهب ابني الى المخفر للإبلاغ عن السرقة، حيث اضطر هناك الى انتظار «حضرة» المحقق ليأتي، وعندما حضر، انتظروه لفترة أطول ليفرغ، وعندما فرغ، «أخد يلت ويعجن في المشكلة» من دون اتخاذ اي إجراء حاسم، ومرت خمس ساعات قبل ان «يسمح» له بالمغادرة، وكأنه متهم، وليس مبلغا عن سرقة مركبة، يزيد ثمنها على 18 ألف دينار! علما أن الساعات الخمس تكفي لتفكيك كل قطع المركبة وبيعها، او الخروج بها من البلد، وهذا ليس بالأمر الصعب، كما نعرف، فقد تم تهريب عتاه المجرمين والسجناء من «حدودنا الآمنة»، بتعاون خير وجميل من أحبة، طالما خالفوا القانون، ولم يطل عقابُ أحدٍ منهم كثيرا!
إن المشكلة الأمنية في تفاقم، ولا يود أحد من كبار المسؤولين – كما يبدو – أن يقلق نفسه بها، ربما لأن الأمر يحتاج الى ثورة أمنية، قد يكون وكيل وزارة الداخلية الفريق غازي العمر جديرا بها، ولكن يقال إن هناك أطرافا لا يريدون له أن يعمل! وأخبرني صديق أثق به أن الحملات الأمنية التي اصبحت رائجة هذه الأيام، دليل على ما وصل اليه الوضع من تسيب وخراب، فوجود كل هذا العدد الهائل من العمالة العاطلة ضمن مساحات مسكونة لا تتعدى بضعة كيلو مترات، وفي بلد لا أنفاق ولا غابات ولا أحراش ولا جبال فيه، يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، وان هناك من «يتعمد» الإضرار بالأمن! وقال إن الآلاف الذين يتم القبض عليهم يطلق سراح غالبيتهم في اليوم التالي عندما يتقدم أي «كويتي ويفتخر»! ليكفلهم، ولا يتم ذلك من بعضهم – طبعا – من دون قبض المقسوم من العامل المسكين!

أحمد الصراف

احمد الصراف

الطب والخلق المفقود

يقول نص مرسوم بالقانون رقم 25، بشأن مهنة مزاولة الطب البشري وطب الأسنان والمهن المعادلة لها، وفي المادة 2 منه، بأن على كل مزاول للمهنة تسخير كل معلوماته وضميره وما تقتضيه آداب المهنة لبلوغ هذا الهدف (وهذا ما لا يحدث دائماً)! وأن تقوم العلاقة بين أعضاء المهنة على أساس الاحترام المتبادَل، وتجنب كل مزاحمة «غير مشروعة» (وهذا أيضا غير متوافر، فالمزاحمة غير الأخلاقية على أشدها بين مجموعة معينة من الأطباء، وخاصة من بين «الاستشاريين الكبار»، فهناك مزاحمة غير أخلاقية وغير مشروعة!). كما ورد في المادة 10 من القانون أنه لا يجوز للطبيب أن يقوم بالدعاية لنفسه بأي طريقة كانت (وهذا أيضا غير مطبق من الكثيرين!)، كما لا يجوز للطبيب الذي يمارس المهنة أن يروج لمنتجات أو مؤسسات طبية معينة بدافع المصلحة الشخصية المباشرة أو غير المباشرة (وهنا أيضا لا يوجد تطبيق للقانون ولا تمسك بالقواعد ولا بأخلاقيات المهنة المقدسة!). فلو قمنا بتصفح جرائدنا لوجدنا أن صفحات كثيرة منها تمتلئ بالإعلانات اليومية التي تتكرر طوال العام دون توقف، والتي تتعلق بـ«نحت» الجسم بأحدث طريقة، والمساعدة على الإنجاب، وزرع الشعر الطبيعي، والقضاء على خشونة الركبة، ومعالجة هشاشة العظام وتشخص التهاب الأوعية الدموية، ومتابعة حالات الروماتزم أثناء الحمل وبعد الولادة، ومعالجة دوالي الخصيتين بالمنظار وإزالة أكياس الشعر، والقيام بتقويمات أسنان ثابتة ومتحركة، ومعالجة عقم الرجال، والضعف الجنسي، وتجميل الجلد ومعالجة الانزلاق الغضروفي، وضمان الولادة الآمنة، وإزالة التليفات والأورام من الرحم، وتكميم المعدة، ومعالجة جراحات الفتق، والاهتمام بمسائل ضغط الدم والكوليسترول، وتخطيط التنفس والقضاء على الربو الشعبي، وشفط الدهون من تحت الذقن وإعادة رسم الوجه، وحتى رفع المؤخرة من دون جراحة، وحقن الدهون مع الخلايا الجذعية.. إلى آخر ذلك من إعلانات طبية تزخر بها صحفنا ومجلاتنا وحتى قنوات التلفزيون وأغلفة الكتب والمجلات، الفنية الرخيصة بالذات! كما نجد هذه الإعلانات تغطي مداخل العيادات والمستوصفات وحتى الأسواق المركزية والجمعيات التعاونية وصالونات الحلاقة، ويظهر في بعضها صور لأطباء مشهورين، كان بعضهم يشغل مناصب سياسية عالية، وهم يبتسمون لأنهم ربما يعلمون بأنهم يتحايلون على القانون. كما نجد صورا أخرى لغيرهم بأرديتهم الطبية البيضاء والسماعات الطبية تتدلى على أكتافهم أو يقفون ضمن طاقمهم الطبي والابتسامات «الكاذبة» تظهر على شفاه الجميع.
إن هذه التصرفات أصبحت مؤلمة وغريبة وغير أخلاقية، والدليل على ذلك رفض الكثير من الأطباء الذين يحترمون مهنتهم اتباعها، والترويج اليومي لمهنهم، فما يحدث مسيء للمهنة، ولشرف الزمالة وللقانون، فهل يتدخل وزير الصحة ليوقف هذا التسيب؟ وهل بإمكان الجمعية الطبية القيام بشيء لوقف هذا الخراب؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

كويتي.. وأفتخر! على ماذا؟

تقول رسالة تويتر إن مكعبات الثلج التي تستهلك خلال عطلة نهاية الأسبوع تزيد بكثير عن الثلج الذي يتساقط على مدينة جنيف، ومع هذا لا نود أن نقر بالحقيقة ونكتفي بالافتخار بكوننا كويتيين! سياراتنا يغسلها كادح يأتي لبيوتنا في ساعات الفجر الأولى، أو تقوم خادمة هزيلة البنية بغسلها في الشتاء البارد، لنتبختر بها أمام غير الكويتيين! مصانعنا يديرها جيش من «الأجانب» ابتداء من حراس البوابات وحتى رجال الأمن، مرورا بالمهندسين ومشغلي المكائن وفنيي الصيانة وعمال النقل وسائقي الشاحنات والمحاسبين والمحصلين، ونكتفي ككويتيين بتوقيع معاملات الشؤون وتوظيف آخرين منا من العاطلين عن العمل، لكي نرضي متطلبات دعم العمالة، ثم نطلب منهم البقاء في بيوتهم، لكي يفتخروا بأنهم «نجحوا» في خداع الحكومة وقبض مبالغ الدعم، إضافة لما يدفعه أرباب الأعمال لهم، من دون جهد! وهكذا تعلم الجميع النصب وسرقة المال العام، ومع هذا ليس هناك ما يمنع أن نفتخر. ثم يذهب الفريق الأكثر فخرا لممثليهم في البرلمان ليطالبوهم بالسعي لدى «المعازيب» لإلغاء قروضهم المصرفية، فوضعهم كمقترضين لا يتناسب وكونهم كويتيين فخورين! صحيح أنه «لو كان فينا خير» لما أصبحت التركيبة السكانية بكل هذا الخلل، إلا أن هذا يجب ألا يمنعنا من أن نكون فخورين، وأن يقوم رئيس وزرائنا، للسنة السادسة بافتتاح قرية «كويتي وأفتخر»! نعم أنا كويتي وافتخر بأن بلادي استطاعت أن تحفر اسمها بأحرف من نور في قائمة الدول العشر الأقل ترحيبا «بالأيانب»! ونفتخر لأننا الأكثر رعونة في القيادة من غيرنا، ونفتخر لأن رجال أمننا الأكثر تورطا في «المخالفات»! ونفتخر لأن مخرجات تعليم مدارسنا هي الأدنى عالميا، ونفتخر بكوننا أصحاب أعلى دخل وظيفي، ومع هذا نصبح مطلوبين في نهاية الشهر! ولا أدري لم الذهاب للدوام أصلا ووزير اساسي في الحكومة قال إن أعمال الدولة يمكن أن تنجز من قبل 60 ألفا، وليس 200 الف، كما هو الوضع حاليا، والذي يدعو للفخر حقا؟ ونفتخر بأن عددا كبيرا منا يكون دائما في مقدمة المصلين في الوزارة، وأيضا في مقدمة جيش المغادرين، بعد … الصلاة! نعم أنا كويتي وافتخر، لأنني سعيت جاهدا لأن تصبح نسبة الكويتيين %28 مقارنة بالغير، وحققت، أنا وابن خالي وابناء عمومتي، المال الوفير من المتاجرة بالبشر وبحقوقهم! نعم أنا كويتي وافتخر، وبالتالي من حقي وحدي الحصول على خدمة العلاج صباحا ومساء لغيري من الجنسيات، وافتخر لأنني كنت «عاقلا» بما يكفي لأن لا اضيع عشر سنوات من عمري «الغالي» في دراسة الطب، بل تركت غيري يدرس ويأتي ليطببني! كويتي وافتخر بعشقي لبيئتي وصحرائي التي أتغنى بها دائما، وعندما أتركها أترك خلفي بقايا من إطاراتي وأوتادي وأجزاء من خيمي وزبالتي وآثامي، ومع هذا انا كويتي وافتخر! أنا كويتي وهذا وطني ومن حقي أن ارمي علب المرطبات من نافذة سيارتي وبقية سندويشاتي، فالشوارع شوارعي والكناسون من غير أهلي، وأنا أفتخر بنجاحي في سرقة دعم أعلاف ماشيتي وبذور مزروعاتي، وبيعها في السوق «الحمراء» علنا! وافتخر لأنني المتسبب الأكبر في حوادث القتل على الطرق، وفي ارتكاب مسلسل هروب المساجين، وفرار المطلوبين لخارج البلاد، من المنافذ الرسمية، وفخور بضخامة عدد المدمنين ومرضانا النفسيين، وسارقي أموال جمعياتنا التعاونية وأخواتها الخيرية! ولكن شكول وشخللي، غير أني كويتي وافتخر؟!

أحمد الصراف

احمد الصراف

جمال الوزير وشجاعته

«لنتعلم من دبي»! جملة مفيدة انتظرت ثلاثين عاماً لأسمعها من أي مسؤول حكومي، ولكن لا أحد نطق بها على حد علمي حتى الأمس القريب، وزادوا على ذلك برفض حتى الاعتراف بأن دبي تسبقنا في مجالات كثيرة بسنوات، وهي التي سبق أن كانت تلهث وراءنا بأجيال! ثم جاء وزير التجارة أنس الصالح ليقول تلك الجملة التي طال انتظاري لها، فقد تحلى بشجاعة خانت غيره، واعترف بأمر مستحق منذ عقود (القبس 3/3)، عندما صرّح بأنه سيرسل وفداً إلى دبي للاطلاع على تجربتهم المتطورة في مجال إصدار التراخيص التجارية إلكترونياً، وليتعلم منهم! وهنا، نتمنى أن تستفيد كل إدارة حكومية من تجربة دبي، خصوصاً الموانئ التي تخلفت في عهد إدارتها الحالية سنين طويلة، واستحق التغيير فيها منذ سنوات، ولكن من يسمع؟ وليس عيباً أن نتعلم من دبي بحجة أننا كنا نساعدها طبياً وتعليمياً قبل عقود قليلة، فالأجدر بنا أن نفرح بتقدمهم، ونفخر بأن من صرفنا على تعليمهم أصبحوا أفضل منا، وهذا قمة السعادة لمن يعطي ليفيد ويسعد، وأن ما دفعناه لم يذهب هدراً! وليس عيباً أن نتعلم ممن هم أقل منا في أي مجال، فأنا أتعلم دائماً من ابنتي وابني الكثير، خصوصاً في كيفية الاستفادة من الأجهزة الإلكترونية الحديثة، وهذا ليس عيباً، بل العيب أن أبقى على جهلي بحجة أنني أرفض أن أتعلم ممن سبق أن علمتهم كل شيء!
نعود ونقول إننا غير مجبرين على تقليد دبي، ولكن ليس هناك ما يمنع أبداً، بل هناك كل ما يشجع على التعلم منها، فدبي متقدمة علينا في تنظيم المرور، سواء في النقل الجماعي أو توجيه المركبات إلى طرق معينة وتجنب غيرها عن طريق ما يفرض من رسوم مرور في شوارع معينة (Toll)، كما أنها أفضل منا بمراحل في طرق إدارة موانئها ومنطقتها الحرة! وليس عيباً أن نتعلم منها كيفية إدارة حتى طريقة توحيد إصدار عقود إيجار الشقق والمحلات التجارية وتسجيلها رسمياً واستيفاء رسوم عليها، كما أنها متقدمة علينا في طريقة تسجيل العقارات وتحويلها وتركيب الهواتف الأرضية وغير ذلك الكثير، وهي أنفقت أموالاً طائلة وخسرت وعانت لتصل وتتعلم كل هذه الأمور، فلمَ نصر على إعادة اختراع العجلة وهي موجودة؟
عيبنا في الإدارة، والإدارة بحاجة لخضة، والخضة بحاجة ليد قوية، واليد القوية بحاجة لعزم، والعزم بحاجة لقرار، والقرار شبه مفقود.. وسلامتكم.

***
• ملاحظة: بعد مواقف الوزير الشمالي العقلانية والصلبة تجاه إسقاط القروض قررت تغيير فكرتي السلبية عنه والإشادة به، وحتى الاعتذار له، ولكن بعد «إذعانه»، ورضوخه للضغوط، طاح من عيني.. مرة ثانية!

أحمد الصراف

احمد الصراف

لا أمل في «هاينز» مصرية

قام الملياردير الاميركي وارن بافيت، وشركة برازيلية عملاقة بشراء كامل أسهم شركة «هاينز»، الشهيرة التي تصنع الكاتشاب وآلاف المواد الغذائية الأخرى بمبلغ 28 مليار دولار، وهي الصفقة الأكبر في تاريخ شركات الأغذية! بدأت قصة نجاح هاينز عندما قام أتش جي هاينز بتأسيس شركته عام 1869، في شاربزبيرغ، بولاية بنسلفينيا، وأعاد تأسيسها باسم مختلف بعدها بـ 6 سنوات، بمشاركة أخيه وابن عمه، قبل أن يشتري حصصهما عام 1888، ولتصبح خلال سنوات واحدة من أكبر شركات الأغذية، بحيث وصلت حصتها في السنوات الأخيرة وفي الكاتشاب فقط %50 من سوق اميركا. وكغالبية الشركات العالمية الحديثة بقيت حصة كبيرة من أسهم الشركة بيد عائلة المؤسس، وهذا ما حصل مع شركات ومصارف عالمية، حيث ان نظام التركات الغربي، وفي غالبية دول العالم، يعطي صاحب المال توريث من يشاء، وبذلك تبقى التركات من دون تفتيت. ومن أسباب اسبقية بريطانيا على غيرها من الدول الغربية في التقدم الصناعي نظام الوراثة الذي كان يتيح انتقال الاقطاعيات والثروات من الأب للابن الأكبر، وهكذا من دون أن تفتت الارض أو توزع الأسهم أو تباع الاقطاعية أو يغلق المصنع! وبالرغم من الاجحاف الذي يطول عادة بقية الورثة نتيجة هذا النظام، الا أن الفوائد على الدولة ككل أكبر بكثير، فالمسألة ليست شخصية، ولو كانت كذلك لما اتبعتها كل دول العالم، عدانا! وبالتالي من الصعب أن نجد قصة نجاح «عائلية» كـ «هاينز» أو فورد في مصر مثلا، وهي الأقدم صناعيا بين الدول العربية، فما ان يموت مؤسس اي امبراطورية صناعية أو مالية حتى تتفتت تركته، ويخسر اقتصاد الدولة الكثير. ومن أجل ذلك قامت عدة بيوتات مالية بتطوير نظمها الداخلية، لتتلاءم أكثر مع أنظمة التركة في الدول الأخرى، والغربية بالذات من خلال تأسيس شركات غير قابلة للتصفية، أو صناديق ومحافظ مالية موقوفة لغرض معين لا تنتهي آجالها بموت مؤسسيها أو اي من المستفيدين من ريعها تاليا، وبذلك تبقى هذه المحافظ المالكة لأسهم شركات صناعية أو تجارية أو استثمارية الى الأبد، ولا تتعرض للتفتيت، بحيث يحصل كل وريث على حصة سنوية قليلة مستمرة ترتفع مع الوقت بدلا من حصول الورثة الاصليين على حصة كبيرة لمرة واحدة، نتيجة تجزئة التركة، وقد تضيع هذه الثروات مع الوقت. وليس سرا ان أفرادا وشركات تنتمي لمجاميع «اسلامية» تأتي على راس متبعي هذه الطرق في الحفاظ على ثرواتهم من التفتت، واطالة أمد استفادة أبنائهم وأحفاد احفادهم من تركاتهم.
والسلام ختام.

أحمد الصراف