احمد الصراف

الأسباب التاريخية لتخلفنا كعرب ومسلمين (2-2)

يتساءل رايلي عن سبب ما أصاب «الحضارة» الإسلامية من جمود بالقول إن الفكر الاسلامي حصل له تطور كبير في العهد العباسي مع صعود حركة المعتزلة العقلانية، الذين كانوا يميلون إلى منح الأولوية للعقل على النقل، وأن الإنسان مخيَّر وإرادته حرة، وهو مسؤول عن أعماله. وهذه الفلسفة كانت على تعارض مع الاتجاه الآخر والذي عرف بـ «الجبرية» والتي تقول إن الإنسان مسيَّر، ولا إرادة له في اتخاذ قراراته وصنع أعماله، لأن كل ما يقوم به ويتعرض إليه مكتوب! وقد كان الإمام أحمد بن حنبل من مؤيدي هذا الفكر، ومن معارضي المعتزلة، وناله أذى كثير لموقفه هذا، خصوصاً عندما دعا إلى استخدام العنف ضد مناوئي ما يدعو إليه، وبالتالي جاءت الوهابية كامتداد للحنبلية، ولا غرابة بالتالي في تبنيهم للعنف في التعامل مع الآخر. وقد اشتد الصراع بين المعتزلة، العقلانيين، وبين أهل السنة الذين يعتمدون على ما نقله إليهم السلف في التفسير الحرفي للنصوص الدينية، بغض النظر عن تعارضها مع العقل، وبلغ الصراع ذروته في عهدي المأمون والمتوكل، ومع انشقاق أبو الحسن الأشعري، (260هـ- 324هـ)، عن المعتزلة، وميل الخليفة المتوكل نحو أهل النقل، فدفعه هذا إلى اضطهاد المعتزلة وقتلهم وإنهاء وجودهم وحرق مؤلفاتهم! ويعتقد رايلي بأن تلك الحملة ضد المعتزلة كانت نقطة التحول والردة في تاريخ الفكر العربي- الإسلامي، وبداية إغلاق عقل المسلم، وما أصابه بعدها من تراجع حضاري وفكري سهّل لهولاكو عام 1258م اجتياح بغداد، عاصمة الحضارة العربية الإسلامية، وتدميرها. ومن يومها لم يتعافَ العقل العربي إلى يومنا هذا، وما ظاهرة ابن لادن ومنظمته الإرهابية إلا ثمرة من ثمار ذلك التراجع والجمود الرهيب الذي بدأ قبل 11 قرناً على يد الأشعري فكرياً، والمتوكل سياسياً، ودور أبي حامد الغزالي الخطير في إهالة التراب على الفلسفة والعقل والعقلانية في كتابه «تهافت الفلاسفة»، وكان لانقلابه على العقل تأثير مدمر في الفكر الإسلامي، حيث نتج عن أعماله ومواقفه وضع ختم على عقل المسلم. فالعقل بالنسبة إلى الغزالي هو العدو الأول للفكر الإسلامي، لأنه كان يعتقد بأن على المسلم الاستسلام الكلي لإرادة الله، أي لكل ما جاء في الوحي، وماء جاء به السلف من تفسير للنصوص من دون سؤال أو مناقشة، وبالتالي طالب بغلق باب الاجتهاد مع بداية القرن 12 الميلادي، وتحقق له ذلك، لأنه آمن بأن السلف وضعوا تفسيراً لكل شيء، وأي تفسير جديد غير مقبول، وما كان صحيحاً في القرن 12 هو صحيح لكل زمان ومكان. وبالعودة إلى السؤال الذي طرحه المؤلف: لماذا لم تحصل النهضة في العالم الإسلامي على غرار ما حصل في أوروبا، يؤكد أن السبب يكمن في تعطيل دور العقل في العالم الإسلامي. فالإنسان يتمتع بغريزة حب الاستطلاع والفضول (curiosity)، وحب المعرفة واكتشاف أسرار الطبيعة، وإخضاع كل شيء للسؤال، وتوسيع المدارك بالمعارف، وهذا ما لم تدعُ إليه جماعة الجبرية، ولولا فضول الإنسان «الغربي»، لما حصل هذا التقدم الحضاري والعلمي نتيجة الاكتشافات والاختراعات، ولبقي الإنسان بدائياً. ويرى المؤلف أن سبب عدم انتشار الديموقراطية في البلدان الإسلامية يعود إلى تفوق فكرة سلطة القوة على سلطة العقل في الثقافة العربية – الإسلامية. 

أحمد الصراف

احمد الصراف

الأسباب التاريخية لتخلفنا كعرب ومسلمين (2-1)

كتب الزميل العراقي عبدالقادر حسين مقالا تضمن عرضا لكتاب «إغلاق عقل المسلم»، الذي صدر عام 2011، وذلك بمناسبة لقائه قبل فترة بمؤلف الكتاب روبرت رايلي! ويقول في مقدمة مقاله إن اهتمام الغرب بالإسلام وقضاياه زاد بصورة كبيرة في أعقاب جريمة 11 سبتمبر، لمعرفة الأسباب التي دفعت 19 شاباً عربياً مسلماً متعلماً وميسور الحال، لارتكاب جريمة إنسانية رهيبة! وكيف أن الغرب خصص موارد كبيرة لدراسة الظاهرة، إن لحماية شعوبهم وحضارتهم من شرور الإرهاب الذي يُرتَكب باسم الله والإسلام، أو لمعرفة الإسلام كدين، أو حتى لماذا وصل الأمر بالبعض للقيام بمثل هذه الأعمال الإرهابية؟ وأين يكمن الخطأ؟ إضافة إلى رغبة هذه الجهات في معرفة السبب الذي أصبحت فيه عقيدة هؤلاء تدفعهم لاحتقار الحياة وتمجيد الموت، والتضحية بالنفس وقتل الآخر لمجرد أنه يختلف عنهم في الدين والمذهب! ويقول الكاتب إن رايلي يرى أن سبب الإرهاب اليوم ليس بجديد، ولا علاقة له بأسباب اجتماعية كالفقر، وإنما يعود لخلل أصاب فكر المسلم نتيجة سلسلة من التطورات، التي بدأت في القرن الـ 9 الميلادي! وأن ما هم عليه الآن هو نتيجة حتمية لتلك العقلية. فقد بدا الانعطاف التاريخي مع بدايات ظهور الإسلام، مع التركيز على التطورات الفكرية في العصر العباسي، عندما بدأ تعامل فقهاء السلف مع العقل، والفكر اليوناني، يأخذ منحى دمويا في عهد الخليفة العباسي، المأمون، عندما بدأت في عهده عملية «تلقيح» الثقافة الإسلامية بالفلسفة اليونانية «الهيلينية» القديمة. ويقارن المؤلف بين الحضارتين الغربية والإسلامية، فيؤكد الفكرة السائدة أن «الغربية» نشأت من أربعة مصادر: الديانتان المسيحية واليهودية والفلسفة اليونانية والقانون الروماني، وأن هذه الحضارة ازدهرت، ثم تفسخت في القرون الوسطى، لتنهض من جديد في عصر النهضة والنور إلى أن بلغت المستوى المتفوق علميا وتقنيا وفلسفيا الذي عليه اليوم، إضافة لاهتمامها بحقوق الإنسان والحرية والديموقراطية. ويرى أن ما كان لهذا التفوق أن يحصل لولا اهتمام فلاسفة الغرب بالعقل والعقلانية. أما الإسلام الذي بدأ في القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية، وبالرغم مما حققه من انتشار سريع، فإن «حضارته» انهارت في القرن الثاني عشر ليغوص عالمه في ظلام دامس، لم تنجح في الخروج منه، كما نجحت أوروبا! وإلى مقال الغد.

أحمد الصراف

احمد الصراف

سنوات حكومية مبعثرة

سأل الإعلامي عمرو أديب الصحافي جهاد الخازن، في برنامج تلفزيوني، عن أفضل دولة عربية يختار العيش فيها، فقال، بعد تفكير لم يطل: الكويت! وهنا يمكن الافتراض أن هذا الرجل مجامل، أو أننا لا نعرف قيمة وطننا، أو الاثنان معا، وهو الأمر الأكثر رجحاناً! فالقيادة الحكومية للكويت كان بإمكانها، ولا تزال، جعل الكويت أفضل مكان يمكن العمل فيه وتربية أسرة، والانتقال منه في أي وقت لقضاء إجازة ممتعة! ولكن يبدو أن جهة أو جهات ما قررت، عمدا، او جهلا، تخريب هذا الحلم، وسوقنا قسرا الى الإيمان بما يعتقدون، ولم يكن امام السلطة غير قبول ذلك، ربما لاعتقادها أن هذا سيصب في مصلحتها في نهاية الأمر!
في تقرير احتل صفحتين من القبس نشر قبل شهر تقريبا، أوردت القبس مجموعة من الخطط المستقبلية ذات المردود المادي والاجتماعي الضخم، والتي سبق ان تطرق لها الوزير السابق بدر الحميدي في أكثر من مناسبة، والتي لم يبت فيها حتى اليوم، بالرغم من مرور اكثر من ثلاثة عقود على البت في المباشرة بها، وليس فقط التفكير فيها، ومنها مشروع بناء مدينة الصبية لكي تستوعب 250 ألف نسمة مع عام 2000! وهو مشروع تم اعتماد مخططاته عام 1987! وهناك مشروع تطوير الجزر، الذي لا يزال حبيس الأدراج والجزر حبيسة الخراب! كما وضعت خطط في عام 1985 لتعديل التركيبة السكانية، وإحداث توازن إيجابي بين أعداد المواطنين والمقيمين خلال 15 عاماً، أي في سنة 2000! ولكن بعد 30 عاماً تقريبا، نجد أن الخلل استمر في الاستفحال، ولم ينخفض إلا عنوة، أو مصادفة أثناء فترة الاحتلال، ليعود بعد التحرير ويستمر في تصاعده!
ومنذ نصف قرن ونحن لا نزال نسمع بالخطط والبرامج الخاصة بتطوير البلدية وتنظيفها من الفساد والمفسدين، وتطوير جهاز الدولة الإداري والمترهل، والتحول إلى الحكومة الالكترونية، ولكن، وأيضا بعد عقود عدة لا تزال الخطط تقتل بحثا!
والغريب ان مشاريع كثيرة تم التفكير فيها واعتمادها، ثم تأخر تنفيذها لسنوات، واكتشفنا بعد أن انجزت انها أصبحت قديمة وغير عملية، ومنها المطار ومباني الجامعة وبرج التحرير، الذي يقف كالفيل الأبيض لا تعرف الحكومة كيف تستفيد منه. وقد بدأت الحكومة بالحديث قبل سنوات عن توسعة المطار، وسيستمر الحديث فيه وعنه لسنوات، وما ان يبدأ تنفيذه فستطوله يد التأخير والتخريب ليصبح عند انتهائه غير صالح لمواكبة التوسع العمراني والسكاني الذي حدث خلال فترة التأخير. والشيء ذاته ينطبق على مشاريع حالية كثيرة تنفذ حاليا، هذا إذا انتهى العمل بها!

أحمد الصراف

احمد الصراف

العزة في الكبر

يعتقد الكثيرون، وكنت منهم، أن الكبر في السن، كما نقول في لهجتنا، «شين»! ولكني اكتشفت اخيرا أن هذا ليس دقيقا دائما. فلو آمنا بأن الحياة ما هي إلا مراحل نمر بها، فعلينا أن نستمتع بكل مرحلة بالطريقة المناسبة. وبالتالي للتقدم في العمر فوائده ورونقه، وكل ما نحتاج إليه هنا هو القليل من التفكير وبعض الفلسفة، فالحياة ستنتهي يوما، فلمَ لا نستلذ برحيق كل مرحلة منها؟ يقولون إننا ما ان نكبر حتى نصبح أكثر رحمة بأنفسنا، وأقل انتقادا وعنادا لها، فللشعر أن ينمو أين يشاء وكيف يشاء، وله أن يتبدّل وينحسر دون أن نقلق، ولنا أن نصدر ما نشاء من أصوات، تجبرنا الطبيعة عليها، دون أن نكترث أو نعبأ بما يقوله الآخرون فينا وعنا. ومع التقدم في العمر تكبر معنا مساحة الحرية، بحيث تصبح محاسبتنا عن أي تصرّف أمراً صعباً، فلنا حق السهر لأي ساعة نشاء. وإن أوقفتنا الشرطة على حاجز فلن نكترث، فالتجاعيد ولون الشعر هما هويتا مرورنا دون سؤال! كما أنه ليس لأحد الحق في سؤالنا إن تأخرنا في الاستيقاظ صباحا، أو استغرقنا في النوم حتى ما بعد الظهر. ولنا حق استرجاع ذكرياتنا، وهذه متعة لا يعرفها من هم أصغر سنّاً منا، وأن نتذكر حبا حطّم قلوبنا أو علاقة غرامية حطّمنا فيها قلوب غيرنا، وأن نستمتع بأغاني الستينات والسبعينات، وحتى ما قبلهما، مع ولع بأغاني اليوم وغيرها.
نعم لقد مررنا بلحظات حزن كثيرة، ربما أكثر ممن هم أصغر منا، فقد شاهدنا أعزاء من حولنا يغادرون دنيانا الواحدة، والواحد تلو الآخر، وكنا نذرف دمعة هنا ونمسح واحدة أخرى على خد من نحب، ولكن كل ذلك جعلنا أكثر قوة ومقاومة ورغبة في أن نستمر في هذه الحياة، ونعيش كل لحظة منها، فقد رحل عنا كثيرون قبل أن يروا تحوّل شعرهم للرمادي والأبيض تاليا، ورحل آخرون مبكرين جدا قبل أن تعرف التجاعيد طريقها إلى وجوههم وأيديهم وأكتافهم وسيقانهم، وبالتالي نحن ممتنون، ليس لأننا كبرنا، بل لأننا بلغنا عمرا لم يبلغه الملايين من سيئي الحظ غيرنا، فلمَ نشكو أصلا ونحن لا نزال نتنفس ونسير ونضحك ونشارك أحبتنا أفراحهم ولحظات حزنهم؟ ولمَ لا نعشق الشخص الذي أصبحنا عليه؟ ولمَ يسوؤنا أن نكون بكل هذا الكبر والتقدّم في العمر، وهو أمر لا مفر منه، ولا نستمتع بالأمر بدلا من الشكوى منه؟ فلا شيء سيتغير، اشتكينا أم بكينا، فلمَ لا نستمتع ونمتع غيرنا بتوقفنا عن الشكوى والأنين، وننشرح؟ فلن يكون بمقدورنا أن نعيش إلى الأبد، وطالما أننا على قيد الحياة، فلا داعي للرثاء والندم على ما فات، بل علينا أن نركل المتاعب ونقوم من الفراش صباح كل يوم ونفرغ كل فضلات وسموم أجسادنا، ونفرد أذرعنا ونستنشق هواء جديدا غيره، وليذهب للجحيم من لا تعجبه تصرفاتنا.. نحن الكبار في السن.

أحمد الصراف

احمد الصراف

مائة إسرائيل وألف استعمار

لم تتخلف إلا لأن نظامها التعليمي متخلف، ولا أمل في التقدم من الإكثار في العبادات أو بتركها، ولا بالدعوات الصالحات ولا بعكسها، ولا ببذل الخير أو بالبعد عنه، ولا بأي طريقة أخرى خلاف التعليم المميز! فقد هاجمتنا مختلف الأوبئة والأمراض لنقص معرفتنا بوسائل النظافة وطرق الوقاية، وغرقت سفننا لعدم كفاية درايتنا «التعليمية» بفنون الملاحة وتقلبات الجو، وخسرنا تجارتنا لقلة علمنا بعلوم الحساب، وانهزمنا في كل معاركنا لتفوق أعدائنا علينا، بعلومهم! وضاعت منا أشياء كثيرة يوم هجرنا العلم واحتمينا بالتعصّب وآمنا بالخرافات! ولو نظرنا لأكثر الأماكن رهبة وهيبة لوجدناها الأكثر تمسكا بالتقاليد، وبعدا عن العلوم الحديثة، وبالتالي لا مجال لإحداث أي تطور أو تغير نوعي على حياتنا، كتحسين قدرات الأمة ودفعها للعمل الخلاق، بغير معرفة العلوم الصحيحة، فغياب هذه المعرفة مثلا هو الذي سهل موافقة «النخبة السياسية» على قوانين وأنظمة كثيرة متخلفة وخطيرة بتبعاتها كقانون إسقاط فوائد القروض، الذي ستكون له تداعيات سلبية عميقة! فغريب أن يتصرف «أب»، على اعتبار أن النخبة المتمثلة في مجلسي الوزراء والأمة هما أب وأم هذا الشعب، بمثل هذا التهور وقلة الإحساس بالمسؤولية عندما يتعلق الأمر بمصلحة هذا الابن ومستقبله ورفاهية أبنائه من بعده! فلو أدرك هؤلاء الآباء النتائج الخطيرة التي ستترتب مستقبلا على قانون إسقاط فوائد القروض، لما أقروه أساسا، ولكن ما العمل وهم على ما هم عليه من…؟!
تقول قارئة وطبيبة معروفة إنها كانت تقوم بتدريس ابنتها التي تبلغ العاشرة عندما وقع نظرها على صفحة 55 من كتاب اللغة العربية للصف الرابع في موضوع تعلق بحث الأطفال على العطاء والتطوّع! وتقول إنها سعدت لوجود مواد في المنهج تساعد على غرس قيم أخلاقية عالية طالما افتقدناها في مجتمعاتنا، كالتطوع والتبرع بالدم، ولكن سعادتها لم تطل كثيرا، فقد وجدت مدى ما تضمنته المادة من تخريب، بغية تحقيق أغراض «سياسية» محددة! فقد طلب الدرس من التلميذات وضع علامة ( ) أمام أحد الخيارات التالية: إعطاء مال للمتسولين. التطوع في الهلال الأحمر. السفر للخارج بحثا عن المحتاجين. التبرع بالدم لبنك الدم. تقديم المال للمؤسسات الخيرية. وتقول إن ابنتها اختارت التبرع لجمعية خيرية، لأن المدرسة أوحت لهم بأن هذا الخيار هو الوحيد الذي يتيح لهم دخول الجنة! ثم يأتي من يعتقد بأننا، وبمثل هذا المستوى الهابط من التعليم والتربية سنتمكن يوما من هزيمة أعدائنا، ولن أفترض أن إسرائيل بينهم، فهذا حقا أمر «حامض على بوزنا»! إضافة إلى أن أعداء الداخل، وما أكثرهم، أشد فتكا وضررا من مائة إسرائيل وألف استعمار!
* * *
• ملاحظة: تبلغ القيمة السوقية لـ«غوغل» اليوم 249 مليار دولار! علما بأن الشركة لا تمتلك أي أصول صلبة، ولا مناجم ولا مصانع ولا عقارات، بل فقط ما في عقول مديريها من علوم!

أحمد الصراف
[email protected] 

احمد الصراف

النزهة

ومضات السعادة في حياتنا قد تكون كثيرة ولكن قلة منها تبقى معنا سنة بعد أخرى، مهما تقدمنا في العمر، طالما لم نصب بالألزهايمر. ومن اللحظات الجميلة في حياتي حضوري أول عرض لأول فيلم سينمائي ملون وسكوب في تاريخ الكويت، وكان ذلك في سينما الفردوس، في بداية الستينات! ويعود فضل حضوري لشجاعة، او تهور، صديقي أبو أحمد، الذي تبرع بثمن التذكرتين والدخول بين جموع المتجمهرين أمام شباك التذاكر، وليختفي لقرابة نصف ساعة ويعود بعدها بالتذكرتين، ولكن من دون غترة ولا نعال، وبجيب دشداشة ممزق وشعر اشعث! بدأ الانبهار مع اللحظات الأولى التي بدأ فيها العرض، وظهور أسماء الممثلين واسم الفيلم الذي لن أنساه، ولكن نسيت قصته، وكان اسمه «النزهة» أو picnic. كما لا ازال، وبعد اكثر من نصف قرن، أتذكر ذلك الشعور بالزهو والراحة بالجلوس على كرسي وثير ومرتفع، مقارنة بكراسي السينما الشرقية القديمة. كما لا أزال اتذكر اصوات الآهات من حولي كلما ظهرت بطلة الفيلم الفاتنة كيم نوفاك على الشاشة بشعرها الأحمر الخلاب وابتسامتها اللعوب. وهكذا قضينا ما يقارب الساعتين ونحن نتابع بنشوة مصحوبة بقلة معرفة بأحداث الفيلم البسيطة، وكأننا نشاهد ملحمة تاريخية! وكان لا بد ان ينتهي الحلم عندما قرأنا كلمتي The End، والتي لا أعرف إلى اليوم لم تكتب، فإضاءة أنوار صالة العرض كافية لفهم أن العرض قد انتهى.. فينيتو!
ويوم أمس أعادني الصديق هشام السلطان لعدة عقود إلى الوراء عندما أهداني «سي دي» فيلم «النزهة» فأعدت مشاهدته أكثر من مرة، وانا في قمة الاستمتاع، واسترجعت كل الذكريات القديمة والجميلة، وحلاوة الحياة الهنية والبسيطة، وكيف كان العالم يعيش في امان اختفى مع زيادة الكراهية والعنف في حياتنا وفي مدننا، بعد أن خربت الذمم وانتشر الإجرام، واصبح الشر هو السيد والسائد، والخير هو الاستثناء!
ولدت كيم نوفاك، واسمها الحقيقي Marilyn Pauline Novak في فبراير 1933، اي أنها قد تجاوزت الآن الثمانين من عمرها المديد، ولا تزال صورتها في أذهان الملايين كما كانت في ذلك الفيلم وعشرات الأفلام الأخرى بعدها، كفيلم «الرجل ذو الذراع الذهبية»، وفيلم «منتصف الليل»، و«فيرتيجو»، و«قبلني ايها الغبي»، وغيرها من الأفلام الجميلة. وتعيش كيم الآن مع زوجها في مزرعة في ولاية أوريغون.
• • •
• ملاحظة: نعزي الشعب البريطاني، والأحرار من شعب الكويت برحيل البارونة مارغريت تاتشر، التي كان لها الفضل الأول في دفع الرئيس الأميركي جورج بوش، وحثه بإصرار على السعي، وبقية الحلفاء، على القيام بعملية تحرير الكويت من نير الاحتلال الصدامي! ولولا شجاعتها ومبادرتها لكنا اليوم، وفي أحسن الأحوال، جزءا من معدان الأهوار! 

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

احمد الصراف

الولد للفراش ولها الحجر

تذكرت، وأنا أقرأ خبر تبرع أمانة الأوقاف بمائة ألف دينار لدعم مشروع البصمة الوراثية، ما كان يردده القس الجنوب أفريقي دزموند توتو، في قمة تمسك الأقلية البيضاء في جنوب افريقيا بالحكم، من أسف على كل من مات وسيموت من ضحايا الفصل العنصري، لأن الحق سيعود لأصحابه من الغالبية السوداء، وأن من الأفضل للبيض الاعتراف بالواقع وإنقاذ كل تلك الأرواح الغالية من الموت دون داع! ذكرتني مقولة القس توتو وتبرع الأمانة بالقاعدة الفقهية الإسلامية في حكم ثمرة أي علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة بأن «الولد للفراش وللعاهر الحجر»! ويعني ذلك أنه لا يحق للأم أن تطالب بوليدها من أي علاقة محرمة، بل يعود النسب للأب فقط، أما المرأة، وهي هنا «العاهر»، فليس لها شيء! وهذا يعني أيضا أن أي «رجل» يمكن أن يتقدم ويدعي انه الأب، ولا يحق للمرأة «الأم» أو العاهر أن تعترض، أو تنكر نسب ابنها أو ابنتها له! ومن هذا المنطلق اتت معارضة بعض الجهات والقوى الدينية، من سلف وإخوان، لأي محاولة حكومية لتطبيق البصمة الوراثية والاستعانة بها في تحديد النسب، بدلا من تطبيق القاعدة الفقهية، ليس فقط لخلفيتها الدينية، بل وأيضا بسبب التخوف من أن أي تطبيق موسع للبصمة الوراثية سيؤدي الى كشف النسب الحقيقي للكثيرين، وربما منهم من «وصلوا»! وأن بعضهم ليسوا ابناء أو آباء من يدعون الانتساب اليهم، وفهمكم هنا كاف!
وقد توقفت معارضة هؤلاء «الغلاة، او الذين على رأسهم ريشة» للبصمة الوراثية مع إقرار السعودية لها، وسيكونون خلال فترة قصيرة، كالعادة، ليس فقط من مؤيدي تطبيقها، بل وفي مقدمتهم! فقد سبق ان حرم هؤلاء مثلا المشاركة في الانتخابات النيابية، وفجأة تغير «مزاجهم الفقهي» ولم يكتفوا بتحليلها بل وحرصوا على أن يكونوا في مقدمة المشاركين فيها. والدليل على ذلك أن المعارضين السابقين للبصمة لم يكتفوا بالتزام الصمت، بعد القرار السعودي، بل قاموا بالإيحاء للأمانة العامة للوقف، من منطلق «ميانتهم» عليها، لصرف مبلغ مائة ألف دينار من صندوق الصدقات لدعم مشروع فحص البصمة الوراثية للمقيمين بصورة غير قانونية، أو «البدون».
ونحن إذ نثمن قرار الأمانة العامة للوقف، ومساهمتها في مشروع علمي وإنساني، إلا أننا نتساءل، من دون اي خبث، كيف أصبح «حرام الأمس» حلال اليوم؟ وإن كان بالإمكان وقف العمل بقاعدة فقهية بجرة قلم، فلم لا نمتلك الشجاعة لوضع تفسيرات مرنة وعصرية للكثير من القواعد الفقهية الأخرى؟ علما بأن البصمة الوراثية لو طبقت منذ عشر سنوات مثلا لخففت عبئا كبيرا على جهات عدة، مثل الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، والإدارة العامة للأدلة الجنائية ولجنة دعاوى النسب وغيرها، علما بأن البعض منها بدأ «بسكوت» بالاستفادة من البصمة الوراثية. كما يذكر أن عدد الذين استفادوا من تبرع الأمانة بلغ 9580 فردا حتى الآن، بكلفة زادت على 814 ألف دينار، وبالتالي مطلوب قيام جهات اخرى بالتبرع لهذا المشروع الإنساني والحيوي، فكلفة الفحص الواحد تبلغ 85 دينارا.

أحمد الصراف

احمد الصراف

التقمص وسحر القطان

لدي عدد من الأصدقاء، من عرب وهنود وغيرهم، من المؤمنين بصحة فرضية التقمص، أي انتقال الروح من جسد الميت إلى مولود جديد، ولهم في اثبات ذلك قصص وروايات، ومنها ما تكرر حدوثه مع أكثر من واحد منهم، وغالبية تلك القصص تتعلق بعودة أبناء أو أحفاد مغتربين لزيارة موطن أجدادهم، وطلبهم الحفر تحت شجرة هنا أو بيت هناك، ليجدوا مسكوكات وحليا وسيوفا مدفونة، يدعي ذلك الصبي مثلا أنه وضعها في ذلك المكان قبل مئات السنين عندما كانت روحه في جسد شخص آخر! وهذا يعني أن أرواح المنتمين الى منطقة جغرافية أو عقيدة تبقى بينهم ولا تغادرها إلى مناطق وديانات أخرى، فلم يسمع هؤلاء مثلا أن هندوسيا وجد أو اكتشف ان روحه كانت في سابق عهدها تعود لعالم فضاء أميركي أو امرأة من أستراليا! وقد اثرت يوما مع صديق موضوعا يتعلق بسبب انتشار مثل هذه القصص العجيبة بين فئة دون غيرها، وكأنهم الوحيدون الذين تنتقل أرواحهم لغيرهم، أو كأن أطفال أو أحفاد المهاجرين الآخرين المنتمين لديانات أو عقائد أخرى ليسوا ببشر مثلهم؟ ولكن الصديق العربي فضل الصمت! مناسبة هذا الكلام تتعلق بحديث ورد في لقاء على قناة الوطن في يناير الماضي على لسان السيد أحمد القطان، وهو من غلاة الإخوان في الكويت، ولم ينتشر على الانترنت إلا أخيرا وتعلق بالسحر والشعوذة، حيث ذكر أن السحر منتشر في الكويت، وان فيها 500 ساحر وساحرة، وانهم يستخدمون الخرز في السحر، وأن السحر لا ينفك، ولا يشفى المسحور منه إلا بموت الساحر! واستشهد القطان بحادثة وقعت قبل عشر سنوات في مستشفى بجدة، عندما قام عدد كبير من المرضى الميئوس من شفائهم من أسرتهم، وسط دهشة الجميع، وعادوا إلى بيوتهم لا يشكون من شيء! وأن تلك الحادثة العجيبة وقعت بعد كارثة «التسونامي» التي ضربت جنوب شرق آسيا عام 2004، والتي مات من جرائها 230 الف شخص، وكان بينهم سحرة اندونيسيون من الذين سبق أن «سحروا» أولئك المرضى(!) ولا أدري لماذا كان يجب أن يموت 230 ألفا لكي ينفك السحر عن بضعة مئات من المرضى السعوديين؟ ولماذا مرضى مستشفى جدة بالذات؟ ولماذا تطرق الى هذه الحادثة «الخربوطة» الآن، وبعد 10 سنوات من وقوعها؟ نعود إلى بداية المقال، ونتساءل: لماذا يرى بعضهم جنا وابالسة وشياطين ولا نرى، نحن الناس العاديين، شيئا منها؟ ولماذا يقع بعضهم في السحر، ولا يقع أمثالنا فيه؟ ولماذا يرى بعضهم الآخر اشباحا ولا نراها؟ ولماذا يُسحرون ولا نُسْحَر أو نعرف سحرة ومسحورين؟ الا يكفينا ما نحن فيه من تخلف، ليفرض علينا هؤلاء أفكارهم وغير آرائهم؟ وهل نسينا قصة الذي قتل نفسا بريئة بحجة إخراج الجن منها، ليحكم بالسجن، فيتوسط له من لهم مثل لحيته وعقله، ويفكوا قيده، مستخدمين فيتامين «و»، وليصبح بعدها نجما تلفزيونيا وكاتبا ألمعيا؟ 

أحمد الصراف

احمد الصراف

المقترح العاقل

في يوم من غير شمس من عام 2006 تقدّم النائب السابق، أحمد باقر، ممثل أحد أجنحة السلف لأكثر من مرة في المجلس والحكومة، بمقترح قانون بفرض ضريبة زكاة %1 على أرباح الشركات المساهمة تدفع لدعم ميزانية الدولة! وافق المجلس حينها على القانون بكل مثالبه، وعدم نصه صراحة عن طبيعة هذه الأموال، وهل هي لدعم الميزانية أم لدعم بعض الجمعيات الخيرية، وبالتالي ترك الأمر لبعض موظفي الدولة للتصرف بتلك المبالغ بما يرونه مناسبا أو متفقا مع ميولهم السياسية أو الحزبية. وهذا حرم الشركات المساهمة من حقها في توجيه مبالغ الزكاة للجهات التي تعتقد أنها أحق من غيرها بها. وربما كان غموض القانون مقصودا. ومن هنا جاء اقتراح بقانون، الذي قدمه الزميل والنائب نبيل الفضل لمجلس الأمة، والذي تعلق بإضافة مواد على هذا القانون في شأن الزكاة ومساهمة الشركات المساهمة في ميزانية الدولة، لتقويم اعوجاجه من خلال إعطاء الشركات المساهمة حق توجيه كل أو جزء من المبالغ المستحقة عليها للجهات التي تراها مناسبة أكثر من غيرها من مبالغ الزكاة، على أن تكون الجهة المطلوب التبرع لها مذكورة ضمن كشوف تعدها وزارة الشؤون في بداية كل سنة مالية والتي ستتضمن، على سبيل المثال وليس الحصر، الأمانة العامة للأوقاف، الهلال الأحمر الكويتي، بيت عبدالله، بعض الجمعيات الخيرية، جمعية سلطان التعليمية، وجمعية المعاقين وغيرها الكثير، شريطة أن تكون جميعها مرخصة كجهات غير ربحية ،وتسمح أنظمتها وقوانين تأسيسها بقبول التبرعات، وألا تكون لها أنشطة أو مساهمات في أي أعمال سياسية.
إن الموافقة على هذا المقترح بقانون سيبعد الشبهات التي تحوم حاليا حول الجهات التي تقوم منذ 10سنوات تقريبا بالتصرّف بمبالغ الزكاة المحصلة من الشركات المساهمة، باعتبار أنها أموال «لا صاحب لها»! كما أن المقترح سيفتح الباب واسعا أمام الكثير من الشركات التي ترغب بشدة في دعم قطاعات محددة كالتعليم والتنمية الأسرية وجمعيات المعاقين، وغيرها من الجهات الأكثر اهتماما بالأمور الإنسانية والطبية، بدلا من ترك الأمر لميول ونوايا موظف حكومي ذي أهواء وميول!
***
وفي تكرار ممل لمسلسل سرقات أموال الدولة والجمعيات الخيرية، تقدّمت «الهيئة الخيرية العالمية»، وهي مؤسسة تتبع وزارة الأوقاف، التي طال انتظارنا لقراءة نتائج تحقيق وزيرها في اختلاسات أموالها، تقدمت الجمعية بدعوى على وافد سوداني يعمل لديها لاختلاسه نحو 30 ألف دينار (بس!) من أموال الجمعية! وكالعادة، تم اكتشاف الاختلاس.. بالصدفة، وكأن ليس لدى هذه الجهات، التي تكررت السرقات منها، أي أنظمة رقابية أو تدقيق داخلي!

أحمد الصراف

احمد الصراف

كلمة أحبك

يقول الشاعر غبريال ماركيز إننا نهرم عندما نتوقف عن الوقوع في الحب!
اشتركت مجموعة من السيدات في دورة تدريبية تتعلق بكيفية العيش في علاقة حب زوجية دائمة، وخلال الدورة طلب منهن الإجابة، برفع اليد، عمن يحببن أزواجهن؟ وكانت النتيجة إيجابية وبالإجماع! ثم وجّه لهن المحاضر سؤالا يتعلق بمتى كانت آخر مرة بُحن بحبهن لأزواجهن؟ فتراوحت الإجابات بين صباح ذلك اليوم أو قبله بأسابيع، وبعضهن أجبن بالقول إنهن لا يتذكرن متى كانت آخر مرة! وهنا طلب المحاضر منهن إخراج هواتفهن النقالة، وإرسال نص الرسالة القصيرة التالية لأزواجهن: أحبك يا حبيبي! ثم طلب منهن تبادل هواتفهن النقالة لكي تقرأ كل واحدة الإجابة التي رد بها الزوج على رسالة زوجته، وهذه عينة من إجابات الأزواج:
1 – من أنت؟
2 – آه، أم أولادي، هل تشكين من مرض ما؟
3 – وأنا أحبك أيضاً!
4 – ماذا الآن؟ هل تورطت ثانية في حادث سير؟
5 – لا أعرف ماذا تقصدين؟
6 – ما الذي فعلته هذه المرة؟ أخبريني فقط كم تريدين من المال؟
7 -هل أنا أحلم؟
8 – ؟؟؟؟؟
9 – توقفي عن اللف والدوران.. قولي لي ماذا تريدين!
10 – إذا لم تقولي لي حالاً لمن أرسلت هذه الرسالة، فإنني سأقترف جريمة قتل!
11 – لقد وعدت.ني ألا تقربي الشراب ثانية، أنا على استعداد للرحيل إن كنت. تعبة مني!
حدث هذا في مجتمع غربي، ولكن لو قامت بعض السيدات في مجتمعاتنا بإرسال الرسالة نفسها لأزواجهن، فما شكل الردود التي ستصلهن يا ترى؟ ربما سيتجاهل الغالبية الرسالة ولا يردون عليها، ولن يثيروا موضوعها حتى بعد عودتهم إلى البيت، وإن سألتهم زوجاتهم عن سبب عدم الرد، فإن الغالبية ستقول إنهم اعتقدوا أن في الأمر نكتة أو مزحة، أو أنها أرسلت رسالة الحب تلك عن طريق الخطأ له بدلا من أحد أبنائها أو بناتها!

أحمد الصراف