احمد الصراف

قطة سعاد وكلب سعود

يعتبر البعض ان الاهتمام بالحيوانات، وخاصة الأليفة، نوع من الترف، أو حتى السخف، وأن من الأفضل الاهتمام بحاجات المعوزين والمرضى بدلا من الحيوانات، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن ليس بالمطلق، فمن الصعب أن يكون الإنسان رحيما بالبشر، إن كان قاسي القلب مع الكائنات الأخرى، التي لا تستطيع حماية نفسها وتتعرض يوميا لمختلف أنواع سوء المعاملة، فكيف يمكن أن يرأف قلب أحد على إنسان إن كان يصعب عليه إطعام قطة أو إيواء كلب مشرد يشكو من مختلف العلل؟
تقول القارئة سعاد انها فوجئت يوما، عند عودتها للبيت بوجود قطة جريحة على باب منزلها، وكان جرحها قديما لصدور رائحة كريهة منه، وأنها حاولت أن تطعمها ولكنها كانت أعجز من أن تأكل شيئا، وهنا قامت بالاتصال برقم الطوارئ 112، ولكنهم رفضوا فعل شيء. بحثت هنا وهناك عمن يمكن ان يقدم المساعدة، وبحثت حتى في غوغل، ولم تجد غير رقم لمستشفى بيطري في الوفرة وآخر في العبدلي! وطلبوا منها الحضور مع القطة لعلاجها، لأنهم لا يقومون بزيارات منزلية، وقالت انها شعرت بعجزها عن فعل شيء، فحاولت أكثر وحصلت على رقم هاتف طبيب بيطري من صديقة لها، ولكن هذا كان مشغولا، وهنا دلّوها على دلال الرشيد، وهي فتاة كويتية رائعة تطوعت بكل وقتها للعناية بالحيوانات الأليفة، وأنها حضرت لبيتها بالفعل خلال ربع ساعة ولكن بعد فوات الأوان، فقد ماتت القطة متأثرة بجراحها، وتبين لدلال أن سيارة قد صدمتها. وأخبرتها دلال انها تطوعت قبل سنوات للقيام بهذا العمال مجانا، وأنها تهدف لحماية الحيوانات من سوء الاستخدام والتعامل! والسؤال هنا: لماذا لا يوجد لدى الطوارئ ولو رقم طبيب بيطري واحد؟ ولماذا رفضوا مساعدة سعاد؟ ولماذا لا توجد جهة تتبع هيئة الزراعة مثلا تهتم بالحالات الطارئة؟ ولماذا يقسو مجتمعنا على هذه الحيوانات اللطيفة وغير المؤذية؟ وتتساءل سعاد: هل السبب أننا نشكو من قصور في إنسانيتنا؟ وأسئلة كثيرة اخرى لم أجد لها جوابا! وتقول سعاد في نهاية رسالتها ان على الجهات المعنية توفير معاملة افضل للحيوانات. وأن من يريد عناية أكثر لها فعليه مراجعة الموقع الإلكتروني: www.kspath.org أو الكتابة لدلال على عنوانها الإيميل [email protected] او إرسال فاكس 22443859 لطلب المساعدة.
أما سعود فيقول انه أسس عام 2005، مع مجموعة من المتطوعين، وغالبيتهم كالعادة من مواطنين ومقيمين من اصول غربية، الذين نسميهم بـ «الأجانب»، جمعية للرفق بالحيوانات. وأن الجمعية قامت منذ تأسيسها بإنقاذ آلاف الحيوانات الأليفة من التشرد والجوع والموت. ويقول ان أحد الخيرين قام قبل سنوات بإعطائهم أرضا في كبد لاستخدامها كمأوى، ولكنه مضطر الآن لاسترجاعها لحاجته اليها! ويقول ان عشرات الحيوانات اللطيفة والبريئة ستصبح قريبا من غير مأوى يقيها شرور البشر، وأن الحكومة، كالعادة، رفضت المساعدة!
وهنا نناشد الأخ جاسم حبيب رئيس هيئة الزراعة مساعدة هؤلاء في عملهم الإنساني. ونتمنى من أصحاب القلوب الرحيمة تقديم المساعدة المادية وغيرها لهذه الجمعية، أو التكفل بالعناية بأحد حيواناتها اللطيفة، وعنوان الجمعية على النت هو [email protected] كما يمكنكم الاتصال برقم 9064229 في حال وجود اي استفسار.

أحمد الصراف

احمد الصراف

العودة للبندقية

يطلق على البندقية باللغة الإيطالية Venezia، أو بلهجة أهلها «فينيجيا»، وتقع مجموعة جزرها شمال شرق إيطاليا، وأصبحت منذ عام 827 جمهورية ذات نمط خاص، واستمرت دوقية لما يقارب الألف عام يحكمها دوق، أو شبه ملك منتخب، وساهم استقرارها في ازدهارها. يبلغ عدد سكانها اليوم 265 ألفاً، ويزيد زوارها ومن يسكنها من غير أهلها على عدد مواطنيها. تعد فينيسيا، التي تشتهر بلقب ملكة البحر الأدرياتيكي، نظراً لتراثها الحضاري والفني، بجزرها وبحيراتها وجسورها وقنواتها ومتاحفها وكنائسها الرائعة، وهي من أجمل مدن العالم، وهذا ما دفع منظمة اليونيسكو إلى تصنيف أغلبية مبانيها بالتراثية، والتي يعود بعضها إلى عصر النهضة، ولا يسمح حتى لأصحابها بإجراء أي تعديلات عليها من دون موافقة المنظمة والحكومة. ونسبة كبيرة من بيوت فينيسيا لم تتغير، خصوصاً من الخارج، منذ أكثر من 600 عام، وقد اُستضفنا في عدد منها. كما أن فينيسيا هي أكبر وجهة سياحية في إيطاليا، بعد روما، ويزور إيطاليا سنوياً 65 مليون سائح.
يقع المركز التاريخي للمدينة على مساحة 4 كيلومترات من اليابسة، ويبلغ عدد جزرها 118 جزيرة، عرض بعضها للبيع قبل سنوات بثمن زهيد، وأصبحت الآن لا تقدر بثمن. وبالرغم مما شكّلته فينيسيا من قوة بحرية وتجارية لفترة طويلة، فإن انهيارها كقوة عسكرية بدأ مع القرن الـ 15، ومع زيادة قوة الدولة العثمانية، وانتقال التجارة نحو الأميركيتين. وفي عام 1797، وبعد أكثر من ألف عام من الاستقلال، اضطر الدوق لودفيكو إلى التنازل عن السلطة لتصبح فينيسيا جزءاً من الإمبراطورية النمساوية البلغارية، قبل أن تصبح في عام 1866 جزءاً من مملكة إيطاليا. وقد عجزت فينيسيا، بسبب وضعها الجغرافي، عن أن تكون مدينة صناعية على الرغم من توافر أيد عاملة كبيرة فيها، وبالتالي أصبح التوسع فى المنطقة اليابسة هو الحل، وهكذا قام موسوليني، عام 1933، بتشييد جسر بري ربط الجزيرة الرئيسية باليابسة.
تؤثر حركة المد والجذر على أجزاء كبيرة من المدينة، وتلاحظ وأنت تسير في الكثير من شوارعها وجود طاولات مكدسة على جانب الطريق، وتعتقد بأنها وضعت لعرض البضاعة عليها، ولكن بالسؤال يتضح أنها تستعمل لسير المشاة عليها عند ارتفاع المد، وإغراقه أجزاء كبيرة من اليابسة، وهو الأمر الذي تسبب في إتلاف محتويات بيوت ومحلات كثيرة، ولكن كل شيء كان يبنى ثانية بإصرار عجيب، ورفض لمغادرة المدينة بالرغم من كل شيء، كما يشتهر أغنياء المدينة وأسرها التاريخية بعزوفهم الشديد عن بيع أي من ممتلكاتهم، بل يقومون بتأجير ما لا حاجة لهم به للراغبين فيها من الأجانب، وما أكثرهم. كما تلاحظ كذلك وأنت تسير في طرقات الجزيرة، والتي لا يتسع بعضها لمرور أكثر من شخصين، العدد الكبير من محال بيع الملابس الفينيسية المزركشة والفاقعة الألوان والأقنعة التنكرية، وسبب ذلك أن فينيسيا كانت تشتهر بهذا الفن الجميل الذي قدّمته للعالم، والذي طالما ألهم فنانين كباراً لوضع مقطوعاتهم الموسيقية العالمية، ورسوماتهم الشهيرة عنها.
غادرنا «فينيس» بعد أن تركنا بين جدران بيوتها العتيقة شيئاً من قلوبنا وعواطفنا، مع نية للعودة إليها، ولكن بمحفظة نقود أكبر! وأخيراً، شكراً لمن عرّفنا أكثر على هذه المدينة الرائعة.

أحمد الصراف

احمد الصراف

ابن الحسب وبنت النسب

كان من المعتاد، ولا يزال الأمر كذلك في مجتمعات عدة، إطلاق صفات الحسب والنسب على أبناء وبنات أسر معينة، اشتهرت بأصولها أو بكونها مؤثرة أو ذات نفوذ وجاه، أو أنهم أصليون! وهذه التعابير والأوصاف أصبحت مع الزمن بالية ولا معنى لها، بالرغم من أنها كانت لفترة طويلة ذات أهمية قصوى وتوضع في الاعتبار عند المصاهرة أو المتاجرة، وحتى عند الرغبة في تكوين صداقات شخصية وبناء مصالح مشتركة وحتى في اختيار الجار! وسبب ذلك أن أبناء الأسر، أو السراة، كانوا عادة ما يتميزون بأخلاق عالية، أفضل من غيرهم، نتيجة تمتعهم بمستويات تعليم أفضل من غيرهم، وهذا جعلهم أكثر تهذيباً في تصرفاتهم وتعاملاتهم وترفعهم عن صغائر الأمور، أكثر من غيرهم. كما كان الكرم جزءا من شخصياتهم، وجميع هذه كانت قلّما تتوافر في أبناء العامة، أو المزارعين والفقراء. كما كان أبناء الأسر الثرية أكثر مدعاة للثقة والاحترام، لأسباب معروفة، مقارنة بغيرهم. كما كان حظ بنت «الأصول» في الزواج أفضل من غيرها! ولكن مع التطور المدني الذي شمل كل المجتمعات تقريبا أصبحت هذه النظرة شيئا من الماضي إن لم تكن أمرا باليا، فقد تغيّرت النظرة للشاب والفتاة تدريجيا بعد أن تقاربت المستويات الثقافية بين طبقات المجتمع مع انتشار التعليم، العالي غالبا، بحيث أصبح ابن العائلة الفقيرة لا يقل تهذيبا وفهما وكرما عن ابن العائلة الثرية، الذي ربما خرّبه الدلال، أو دفعته كثرة المال إلى عدم الاهتمام بدراسته أو تعليمه وتعليم أبنائه من بعده. كما أصبحت أمراض العصر الحديث من مسكرات ومخدرات غير قاصرة على مرتادي الحانات من أبناء الفقراء والطبقات الكادحة، كما كان الحال عليه سابقا، بل أصبح أبناء الأسر الكبيرة معرّضين كغيرهم، وربما أكثر لموبقات العصر، وأصبح لهم دور كذلك في الفضائح المالية والسرقات، خاصة بعد أن أصبح الحصول على متطلبات الرفاهية أكثر صعوبة عما كان عليه الأمر في السابق! كما أصبح أمرا أكثر من عادي أن نرى مهنيين كبارا؛ كالأطباء والمهندسين والعلماء والمحاسبين من المتحدرين من أسر ذات خلفيات متواضعة، يقابل ذلك انحسار في أعدادهم من أبناء السراة، وسبب ذلك النمو والتطور الكبير الذي شهدته المجتمعات، مع الثورة الصناعية، وتوسّع قاعدة الطبقة الوسطى، وزيادة تأثيرها في الحياة العامة، وخاصة في السياسة، فغالبية من حكموا بريطانيا مثلا في نصف القرن الماضي كانوا من المنتمين إلى الطبقة الوسطى، الأكثر تعليما. كما أصبحت المهن العالية المدرة في يد هذه الطبقة، التي ربما كان ربها إنسانا كادحا، لكنه نجح في توفير أفضل التعليم لأبنائه من خلال عمله كعامل في منجم فحم أو مصنع سيارات، وكل ذلك أدى لاختفاء الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع، وخاصة العليا والمتوسطة، بعد زيادة ثقة أفراد الفئة الأخيرة بأنفسهم نتيجة زيادة نفوذهم الاقتصادي والثقافي والفني، وبالتالي أصبحت مصاهرة أبناء السراة، أو الأسر المعروفة بفتيات الطبقة الوسطى، أو العكس، أمرا أكثر من عادي، بعد أن كانت لقرون عدة أمرا نادرا!

***
• ملاحظة: نهنئ الكويت وأنفسنا بفوز رواية الصديق والروائي سعود السنعوسي «ساق البامبو»، التي سبق أن كتبنا عنها وأشدنا بها، بجائزة أفضل رواية عربية لهذا العام، وقيمتها 50 ألف دولار، وقد نافس عمله الأدبي أعمال روائيين عرب كبار.

أحمد الصراف

احمد الصراف

حال النساء في اليهودية

أرسل إلي قارئ رسالة تقول: هل تعلم بأن الحد الأدنى لاتمام صلاة الجماعة في الديانة اليهودية هو عشرة ذكور؟ وأن ليس للنساء حق التعبد، كما لا تجوز لهن تلاوة التوراة أمام حائط المبكى؟ كما يجب على الآباء الامتناع عن تعليم بناتهم قراءة الكتب المقدسة، لأن معظمهن، وفق الشرع اليهودي، ليس لديهن نية لتعلم شيء، فسوء فهمهن سيدفعهن إلى تحويل كلمات التوراة الى هراء! كما ليس للنساء حق لمس شال الصلاة الذي يضعه الرجال على رؤوسهم، لأنهن غير طاهرات، وان لمسنه وجب تبديله، فغسله لا ينفع فيه! أما شهادة الرجل فانها تساوي شهادة مائة امرأة، والمرأة كائن شيطاني، وأدنى من الرجل مرتبة! كما ورد في التلمود، وفق قوله، ان المرأة هي حقيبة مملوءة بالغائط، وان على الرجل تجنب المرور بين امرأتين أو كلبين أو خنزيرين! ولعدم وجود كلاب ولا خنازير في أحياء المتدينين، فان الحظر لا يشمل عادة غير النساء. أما الدعاء الذي يتلونه مع اشراقة كل صباح، فانه يحمل بين كلماته زوايا سوداء من حياة نسائهم اليومية، اذ يقول الرجل فيها: مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنا ولا امرأة، ولا جاهلا! أما المرأة فتقول بانكسار: مبارك أنت يا رب لأنك خلقتني وفق مشيئتك! كما يتطلب الأمر حلاقة شعر رأس المرأة بالكامل بعد زواجها، وأن تغطي رأسها بغطاء أسود، وان لم تفعل فلزوجها الحق في تطليقها. كما يصف بعض مفكري اليهود المتشددين المرأة بأنها لعنة. وتقول عنها التوراة بأنها أشد مرارة من الموت، والصالح أمام الله الذي ينجو منها؟ وتظل المرأة «نجسة» لــ 80 يوما ان انجبت أنثى، ونصف الفترة ان أنجبت ذكرا. ولا ترث عن أبيها، الا اذا لم يكن له ذرية من البنين! ويضيف صاحبنا، متهكما، بأن حقوق المرأة اليهودية مهضومة كلية، وتعامل كالصبي أو المجنون، وهي لا تعدو أن تكون أداة متعة. وان كانت من غير بني اسرائيل فهي كالبهيمة، والزنا بها لا يعتبر جريمة لأنها من نسل الحيوانات. ويقرر التلمود أن المرأة اليهودية ليس لها أن تشكو من زوجها. وللرجل اليهودي طلاق امرأته، ولكنها لا تستطيع أن تطلقه أو تطلبه منه، مهما كانت عيوبه! كما أورد القارئ أمورا كثيرة أخرى في رسالته، وكلها تصب في محاولة اثبات مدى دونية مكانة المرأة لدى اليهود، ربما مقارنة بمكانتها عند المسلمين، ولكن دون أن يصرح بذلك! ولكنه لم يعرف أن الزمن قد تغير كثيرا والظروف تبدلت، وأصبحت المرأة اليهودية غير التي قرأ عنها وأقنع نفسه بصورتها، فقادة اسرائيل «التاريخيون»! وسياسيوها ومفكروها لم يقبلوا يوما بالوضع الذي وصفه، وهو قريب جدا من الصحة، ولا بقدسية النصوص التي قالت بذلك، فغالبية أولئك الزعماء كانوا علمانيين، أو على الأقل غير مؤمنين ولا ممارسين للديانة، وبالتالي لم يكترثوا كثيرا بما ورد في الكتب المقدسة، ولا بآراء غلاة المتشددين منهم، ورموها خلفهم واعطوا المرأة ما للرجل من حقوق في الجيش والأجهزة العسكرية ومجالات عددية أخرى، ولهذا نجدها، ومنذ 1948 تشارك زميلها الرجل في الحاق الهزيمة العلمية والحربية بنا، الواحدة تلو الأخرى، وفي أكثر من ميدان وموقعة! فالعبرة لديهم ليست في مدى قدسية النصوص التاريخية والدينية، بل في مدى ما تساهم به في ضمان امن «دولتهم»، فكل شيء، بما في ذلك نصوصهم، يجب أن يسخر لرفاهية شعبهم وأمنه وسعادته وحقه في الحياة الحرة الكريمة، ذكرا كان أم أنثى، وليس العكس.
• • •
• ملاحظة:
تساءل قارئ عن صحة ما ذكرت عن زيادة عدد المحتفلين بعيد النوروز من السنة مقارنة بغيرهم من الشيعة، وهذا صحيح، فغالبية الاكراد سنة وعددهم 33 مليونا اضافة لمواطني جمهوريات آسيا الوسطى من طاجيك وتركمان وأذاريين، هذا غير افغانستان واجزاء من تركيا وغيرها كثير.

أحمد الصراف

احمد الصراف

عادات المجبوس وتقاليده

ما الفرق بين الإيمان الغيبي الذي يكتسب من الطفولة، والطعام الذي نعطى ونحن صغار ونعتاد عليه، ونعتبره الألذ في العالم، ونشتاق له إن حرمنا منه لوقت طويل؟ الإيمان والتقاليد والعادات ونوعية الطعام تنشأ مع الإنسان، وتبقى معه مع تقدمه في العمر وتصبح جزءاً من شخصيته، وسيستمر ما بقي حياً في الميل والرغبة في طريقة نوم معينة أو طعام معين أو لباس أو طريقة فهم وفكر معينة، وكل ذلك يحدث ليس لأن هذه الأطعمة أو العادات والتقاليد والعقائد هي الأفضل، أو لمنطقيتها وصوابها أو فائدتها الصحية، بل لأنها أصبحت جزءاً من شخصية الفرد وكيانه منذ كان صغيراً، وبالتالي عشقه لها لا خيار له فيه، والأمر بالتالي لا يخضع لمنطق أو عقل! فمثلاً لا منطق حتماً في شوق الكثيرين من جيلي لوجبة حارة من حشرة الجراد، أو عشقنا للمجبوس، أو لدقوس الصبار، مع مربين يابس! ولا يمكن أن يرضى غالبيتنا باستبدال هذه الأطعمة بأخرى أكثر فائدة أو مشبعة أو أقل كلفة، فحب أو حتى عشق طعام أو فكرة محددة لا علاقة له بحسابات معينة‍‍! ولو أثبت عالم أو طبيب أن المجبوس وجبة سيئة وخطيرة، فغالباً سنتوقف عن تناوله، ولكن طعمه سيبقى تحت لساننا إلى الأبد، وسنشتاق له دوماً، وهذا ينطبق على العادات والأوامر والنواهي، فقد قابلت أشخاصاً في تركيا وماليزيا لا يعرفون شيئاً عن دين آبائهم وأجدادهم، ولا يمارسون أياً من طقوسه، ومع هذا لم يكونوا يقبلون فكرة تناول لحم الخنزير بتاتاً، لأنهم كرهوه وهم صغار! وبالتالي، فإن هذا النوع من المحبة أو الكره ثقافة وراثية لا علاقة لها بالمنطق، وهو ما يسمى بـ «الإيمان الأعمى» الذي يبني بسبب علاقات الدم البيولوجية، ويخلو تماماً من الوعي! وقد ظلم جيلنا، جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، أيما ظلم، كما طال الظلم أجيالاً بعدنا، عندما أجبرنا على حفظ النصوص الدينية عن ظهر قلب دون فهم أو مقارنة نصوصها بالعقائد الأخرى، وكان النقاش ولا يزال محرماً في مثل هذه المسائل، ربما لتواضع مستوى غالبية مدرسي المواد الدينية، الذين لم يعتادوا على التفكير الحر أصلاً، فكيف بالنقد والتحليل. وبالتالي، وجدنا أننا أصبحنا بعقولنا وقلوبنا مشربين بأفكار وتقاليد لا نعرف عنها الشيء الكثير، ومع هذا كان الكثيرون على استعداد للموت في سبيلها وقتل الآخر دفاعاً عنها بالرغم من عدم معرفتهم ما يكفي عنها غير ما توارثوه عن آبائهم! ولكن هؤلاء أنفسهم على غير استعداد لقتل ما يهاجم «المجبوس» أو يقتل الجراد أو يكره الدقوس، مع أن عامل الوراثة، وليس العقل، هو العامل الرئيسي والوحيد المسيطر هنا في تشكيل هذه الخيارات وترسيخها! وما ينطبق على المتشددين دينياً، ولأي عقيدة انتموا، ينطبق على أتباع أي فكر تسلطي، كما رأينا ولا نزال نرى في الدول الشيوعية والدكتاتورية. وليس غريباً بالتالي أن نرى أن الأحزاب «العقائدية» تحرص عند وصولها إلى الحكم، على السيطرة على نظام التعليم لكي تقوم بتشكيل عقول أجيال المستقبل حسب رؤاها ونظرتها للأمور، ولما تؤمن به من أفكار وعقائد!

أحمد الصراف

احمد الصراف

عيد النوروز

مرت علينا قبل فترة مناسبة عيد النوروز، الذي تبلغ نسبة المحتفلين به من الشعوب المسلمة السنية أضعاف تلك الشيعية. وعندما قبض آية الله الخميني على الحكم في إيران وتخلص من خصومه، أجرى مجموعة من التغييرات الجذرية في المجتمع الإيراني، ومنها منع الاحتفال بـ«عيد النوروز»، لاعتقاده -ربما- بوثنية العيد ولطقوسه الأقرب إلى المجوسية، الزرادشتية. كما منعه لتضمنه احتفالات فرح وموسيقى ورقص في البيوت والشوارع والحدائق، وهي أمور لم يكن الخميني يحبّذها! ولكن ما إن انحسر التأثير الطاغي لزعيم الثورة بوفاته حتى عاد الإيرانيون، وبقوة، للاحتفال بالمناسبة، فهو العيد الوحيد الذي يعني لهم الكثير. ويتضمن الاحتفال به إصرارا على التمسّك بالحياة والتمتع بمباهجها! يبدأ النوروز مع بداية السنة الفارسية، الشمسية الهجرية، وهو يوم الاعتدال الربيعي، حيث تُعطل فيه كل الجهات الحكومية والأهلية في إيران ودول عديدة أخرى، أعمالها، وتتوقف الدراسة اعتباراً من اليوم السابق لبداية السنة، ويستمر العيد 13 يوماً، وتسميته في الفارسية تعني: اليوم الجديد، وهو اليوم الأول من شهر «فرردين»، أو الحمل، ويصادف 21 مارس، وبدايته تكون في الدقيقة التي تتم فيها الأرض دورتها السنوية حول الشمس وتبدأ دورة جديدة، وتبلغ احتفالات العيد ذروتها في اليوم الثالث عشر والأخير منه، «سيزده بدر»، عندما يخرج كل قادر من بيته للتمتع بالطبيعة في الحدائق والأماكن الخلوية، وليلقوا بنباتات الحبوب التي زرعوها في اليوم الأول من العيد، والتي سبق أن زيّنوا بها صينية الـ«هفت سين»، بأحد الأنهار أو الجداول، لتحمل أحلامهم وأمنياتهم بحياة جديدة أكثر خصوبة ورخاء، وأقل عداوة وحقدا على الغير.
يعتبر التقويم الفارسي الشمسي دقيقاً جداً، ويتكون من 365 يوماً في السنة البسيطة و366 يوماً في الكبيسة، وقد أشرف على وضعه الشاعر والفلكي عمر الخيام بمعاونة سبعة من علماء الفلك، وتتبع التقويم أفغانستان، ويختلف عن الغربي في أن أشهره الستة الأولى تتكون من 31 يوماً والأشهر الخمسة التالية 30 يوماً، أما الشهر الأخير فيتكون من 29 يوماً في السنة البسيطة و30 يوماً في السنة الكبيسة، وبالتالي قد يقع العيد في 21 من مارس أو قبله أو بعده بيوم، اعتماداً على اللحظة التي تكمل فيها الأرض دورتها السنوية حول الشمس، ووفق تطور السنة الكبيسة، وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل يربط العيد بالفرس، لاهتمام الشعوب الكردية والتركمانية في كل جمهوريات آسيا الوسطى، كأذربيجان وتركمانستان وطاجيكستان وغيرها بالاحتفال به بالقدر والأهمية نفسهما، إلا أن المظاهر والتسميات الفارسية لمراحله تطغى عليه.

أحمد الصراف

احمد الصراف

دور الثقة في بناء الشخصية

من أهم عوامل بناء الثقة بالنفس عند الطفل، وحتى البالغ، هو إعطاؤه أكبر مساحة من الحرية، ومن ثم محاسبته على تصرفاته، Trust and verify، والقاعدة القانونية في أغلب دساتير العالم تشدد على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، إلا أن العكس هو المطبق في أغلب دولنا، فالشخص متهم حتى يثبت العكس، وعليه أن ينال نصيبه من الركل والشتم قبل أن يتضح أنه بريء! مشروع القانون الحكومي المتعلق بالرقابة على وسائل الإعلام، والشهير بمشروع «خنق الحريات» هو قانون يفترض من كتبه أن جميع مستخدمي وسائل الاتصال الاجتماعية والكتّاب، هم سيئو النية ومتهمون، وهذا افتراض لا يمكن أن يخلق جيلا واعيا مدركا لمسؤولياته، أو ربما هذا ما يريده من صاغ مواد ذلك القانون. وبالتالي كانت ردود الفعل السلبية عليه من كل أطياف المجتمع ومكوناته أمرا طبيعيا، ودليلا على سوء نية من اقترحه، واعتباره جوابا غير عقلاني على ما يعانيه الوضع السياسي من احتقان، لما يفرضه من رقابة مسبقة على حرية الرأي، التي «كرّسها» الدستور. ويبدو أن جهات في الحكومة، ربما يمثلها وزير الإعلام، الدمث الخلق اجتماعيا، وغير ذلك إداريا، تود استخدام مواد هذا القانون القاسية للسيطرة على تدفق المعلومات والحد من حرية التعبير، كما ورد في بيان لمنظمة «مراسلون بلا حدود» العالمية، وقولها إن القانون لن يؤدي حتما لتعزيز الحريات، كما زعم الوزير المعني، بل سيشكّل تهديدا لحرية الإعلام، إن أقره مجلس الأمة بصورته الحالية، وسيؤدي إلى تكميم الأفواه، وهذا ربما ما تسعى إليه وزارة الإعلام، في تعارض واضح مع تصريحات سابقة للوزير لقناة «بي بي سي»! كما أن من المضحك قوله إن القانون يهدف إلى حماية الإعلاميين والمجتمع! فمنذ متى كان الحد من تدفق المعلومات وحرية القول والنشر ضروريا لصحة المجتمع وعقل أفراده، وفيه حماية للإعلاميين؟ ومن هم هؤلاء الذين يهدف القانون إلى حمايتهم، وهم المهددون، من خلال مواده، لتوقع أشد العقوبات بحقهم، إن هم حاولوا كشف أوجه الخلل والفساد في الأجهزة الحكومية، أو الدعوة إلى تصحيحها؟ ويكفي للاستدلال على الطبخة الخبيثة وراء الرغبة في إقرار هذا القانون، ما ورد على لسان إحدى النائبات في مجلس الأمة، من أنها لم تقرأ القانون، ولكن اطلعت على بعض منه، وهذا كان كافيا لكي تؤيد إقراره، لأن البعض، حسب قولها، أساء لحرية الرأي وشتم وضرب وطعن في ذمم وشرف الآخرين دون أدنى مسؤولية! وطبعا هذا كلام أجوف، ويخلو من الجدية تماما.
أما قولها إن القانون تعارضه غرفة التجارة، وصحف ثلاث تمثل رأي الغرفة، فهذا إن صح، فإنه شرف للغرفة وللصحف الثلاث، وأعتقد شخصياً أن هذا القانون لو أُقر بصيغته الحالية، فستنتفي عنا صفة «دولة ديموقراطية»، ونصبح جميعا مكممي الأفواه، وهذه بداية الدكتاتورية، وستزيد من تفشي الفساد والمفسدين! أما غير المستغرب، والمستهجن جدا، فهو موقف بعض المعنيين الذين يتصرّفون وكأن الأمر لا يعنيهم! وهذا موقف مخجل آخر!

أحمد الصراف

احمد الصراف

تحركوا يا مسؤولين

يعتمد الضعفاء في اي مجتمع على الدولة في حمايتهم من شرور الآخرين، ومن التغيرات الطبيعية والصحية كالأوبئة، وبالتالي فالتطعيم واجب على الدولة ولا خيار للمواطنين فيه لتعلق الأمر بالصحة العامة، ومجتمع يزيد فيه عدد المصابين بشلل الأطفال، هو حتما أقل تقدما ورخاء من غيره. واتذكر قصة صديق هاجر في الستينات الى دولة أوروبية مع زوجته، ورزقا بابنتين، وقررا بعدها العودة الى الأردن. وهناك وردته رسالة من وزارة الصحة الأوروبية تطالبه بتطعيم ابنتيه ضد أمراض محددة وتزويدها بما يثبت ذلك! تجاهل الرسالتين الأولى والثانية، لأن هذا، برأيه، «مش شغلهم»! وبعدها زاره موظف من سفارة الدولة لتبلغه بالأمر، فرده خائبا! وبعد أسبوع استلم إنذارا رسميا يبلغه بأن حقوق ابنتيه في الحصول على الجنسية البلجيكية ستسقط إن رفض أن يثبت تلقيهما التطعيمات المطلوبة، فهرول صاحبنا في اليوم التالي كالأرنب وقام بإجراء المطلوب، فقلنا له انه شخص يخاف ولكن لا يختشي!
ما نود التطرق اليه هنا يتعلق بالكم الكبير من الجمعيات والمبرات التي تسمى بالخيرية في الكويت، والتي تكاثرت ليس حبا في الخير الأخروي، ولكن للكسب الدنيوي، فما أن تقع كارثة أو تطل مشكلة برأسها ويكون أحد أطرافها مسلما حتى تبدأ آلة الدجل والخداع بالعمل لاستدرار عطف أكبر عدد من السذج، وحتى الأذكياء، للتبرع لهذه القضية او ذلك الشعب! وحيث ان غالبية هذه الجهات، كما مللنا من ذكره لعشرات المرات، لا تعرف قصدا الوضوح والشفافية في أعمالها، هذا غير الشبهات التي تكتنف سيرة الكثيرين من القائمين عليها، فمن الطبيعي عدم الاطمئنان الى ما يقومون به، وبالتالي من واجب الدولة حماية المتبرعين، البسطاء الباحثين عن الأجر والمغفرة، من هؤلاء الدجالين، الذين لم تتعب الشؤون من توجيه مئات الإنذارات غير المجدية لهم، إن هم كرروا مخالفاتهم! علما بأن أجهزة الوزارة كانت وما زالت منذ اربعين عاما أعجز عن معرفة ما يجري في أي من هذه الجمعيات والمبرات، ولكنها حتما تقوم بشيء ما. وهنا نود التنويه بما بدأ يتسرب من داخل الشؤون، مع قدوم الوزيرة والوكيل الجديدين، من أخبار طال انتظارها عن النية لإلغاء تراخيص قرابة 65 مبرة خيرية من أصل 90 لمخالفاتها ضوابط واشتراطات إشهار المبرات بسبب تورطها في جمع تبرعات بدعوى نصرة سوريا بطرق مخالفة، ودون موافقة الوزارة. كما ان بعض المبرات تحولت إلى حضانات صباحا، ومعاهد لتعليم الكبار مساء، فتحول معها الهدف من باب يقصده المحتاج، إلى تجارة مربحة. كما أن مقرات الكثير منها تقع في مناطق سكنية، وليست استثمارية! وهنا يثار سؤال: لماذا كل هذا التكالب من «الغيورين» على شرف وعرض المرأة المسلمة في سوريا وقبلها في البوسنة وكوسوفو، والسعي للستر عليهن بالزواج، وفي الوقت نفسه تجاهل هؤلاء «الغيورين» لشرف المسلمة الصومالية والدارفورية، والروهنجية في بورما؟

أحمد الصراف

احمد الصراف

نقطة كارل الزرقاء

يعتبر الفلكي الأميركي كارل سيغان Carl Sagan، الذي توفي عام 1996عن 62 عاماً، واحدا من أبرز علماء عصره، وكان مبدعا في شرح علوم الفلك، كما كان له دور بارز في برامج البحث عن مخلوقات ذكية خارج الأرض، لإيمانه بوجود حياة أخرى. كما عمل بروفيسوراً في أكثر من جامعة مرموقة، وحاز جوائز عالمية، ووضع عدة مؤلفات، وسجل عشرات الأفلام الوثائقية المبسّطة عن علوم الكون، وأحدها بعنوان «كوكب الأرض نقطة زرقاء باهتة»، ووردت الكلمات المعبّرة التالية فيه على لسانه: من موقع المراقبة البعيد هذا قد لا تبدو الأرض ذات أهمية خاصة، ولكن بالنسبة لنا، نحن البشر، فإن الأمر يختلف، ففي هذا الكوكب (الذي يبدو كنقطة زرقاء باهتة وصغيرة جدا جدا في هذا الكون الواسع) يوجد بيتنا، وفي كوكبنا كل من نحب، وكل من نعرف، وكل من سمعنا به، وكل إنسان وجد أبدا، وعاش على الأرض بسعادة أو بمعاناة، وهي النقطة التي وسعت آلاف الأديان المتيقنة الأيديولوجيات والمذاهب الاقتصادية، وكل صياد وحصاد وبطل وجبان، وكل مؤسسي الحضارات ومدمريها، وكل ملك وقروي وكل العشاق، وكل أب وأم وطفل حالم وكل مخترع ومكتشف، وكل معلم أخلاق، وكل سياسي فاسد، وكل قائد عظيم، وكل قديس وعاصٍ! في تاريخ نوعنا عاش هنا، على أرض هباؤه غبار معلق في شعاع الشمس، وفي نقطة صغيرة جدا في مضمار الكون الرحب، عاش الكثيرون ومات الأكثر، وعليكم أن تفكروا في أنهار الدم التي أسالها الجنرالات والأباطرة حتى يستطيعوا أن يكونوا سادة في لحظة، وعلى جزء من نقطة. فكروا بالبطش الذي يقترفه سكان زاوية من هذه النقطة بسكان زاوية أخرى، كم هي خلافاتهم متكررة، وكم هم متحمسون لقتل بعضهم بعضا؟ إن مواقفنا وتخيلاتنا اللامتناهية للأهمية الذاتية ووهمنا بأننا نمتلك مكانة مميزة في هذا الكون، تطعن بها نقطة الضوء الخافتة هذه! إن كوكبنا بقعة وحيدة في ظلام كوني عظيم مطبق، ونحن عديمو الذكر في هذا الفضاء، ولا توجد أي إشارة إلى أن مساعدة ما ستأتي من الخارج لكي تحمينا من أنفسنا، والأرض هي العالم الوحيد المعروف الذي يمكنه إيواءنا، فلا مكان آخر، في المستقبل القريب على الأقل، يمكن لنوعنا أن يهاجر إليه، ويقيم فيه. لقد قالوا إن دراسة علم الفلك تجلب التواضع، وقد لا يوجد تصوير أفضل للغرور الإنساني الأحمق من هذه الصورة لعالمنا الصغير عن بعد. وبالنسبة لي فإن هذا يؤكد على مسؤوليتنا بأن يعامل بعضنا بعضا بمودة، وأن نحافظ على النقطة الزرقاء، ونعتز بها فهي البيت الوحيد الذي نعرفه! انتهى.
اعترف بأنني قد تأثرت بهذه الكلمات القليلة والبليغة، وأثارت في نفسي عشرات التساؤلات التي لم ولن أجد لها جوابا، وتحسرت على كل هذا الحقد الذي تضمه ضلوع الكثيرين، وغالبا بسبب أوهام وعقائد زائلة! فهذه الأرض الأم لا تستحق كل ما نحدثه فيها من دمار، وهي ليست بحاجة لكل الدم الذي يراق يوميا على ترابها بسبب عداوات وضغائن وأحقاد لا تنتهي، فقط لكي نمتلك جزءا ضئيلا من زاوية صغيرة في كوكب متناهي الصغر في هذا الكون الواسع العظيم.

أحمد الصراف

احمد الصراف

صبر إسماعيل والتعليم

من أطرف أبيات الشعر ما قاله المصري إسماعيل صبري:
طرقت الباب حتى «كلّ» متني
ولما كلّ «متني» كلمتني
فقالت يا إسماعيل صبراً
فقلت يا اسما «عيل» صبري!
والحقيقة أن صبرنا عيل، وكلّ متننا وبحّ صوتنا ونحن نطالب الدولة بدعم التعليم بمثل ما تدعم العلف، فقد صرفت الملايين على تخفيض أسعار العلف وتربية وتعليم الماشية، هذا غير تضييع أضعاف ذلك ثمناً لملايين أمتار الأراضي الجيدة المستخدمة كزرائب، ومع هذا لم تستفد الدولة يوماً، ولا المواطن، منها شيئاً.
يقول فوزي، وهو ليس ابن عمي الذي لم التق به، على مدى أربعين عاماً لأكثر من ثلاث مرات، ومصادفة، انه يائس من وضع الكويت، وان الوطن بحاجة إلى نقلة نوعية وثورة إدارية شاملة و«نفضة» كاملة للقوانين والأنظمة والتشريعات، وهذه تتطلب حيوية ورغبة في التغيير لدى الجهات المعنية، وان مثال دبي حي أمامنا! فقلت له إن وضع دبي لا يمكن أن يقارن بوضعنا، لاختلاف أساسي، حيث تبقى دولة المؤسسات، وإن كانت ضعيفة، أفضل بكثير من دولة الأشخاص! كما لا يمكن التكهن بما سيكون عليه وضع دبي مثلاً في حال رحيل صاحب نهضتها الحديثة الشيخ محمد بن راشد. والأهم من كل ذلك أن الرجل، بالرغم من إنجازاته، فإنه لم يهتم بالبشر قدر اهتمامه بالحجر، فما زال التعليم في تلك الإمارة يحبو بينما الحجر يجري، كما أن التطورات الاجتماعية في الإمارة بطيئة ولم تلامس غير الأطراف دون أي عمق. فقال فوزي إن الرجل، مع كل هذا، يستحق التقدير، حيث تحسب له أشياء كثيرة، فقد استطاع تحقيق ما عجزت عن تحقيقه بلدان متخمة بالثروات. كما نجح في ترسيخ احترام القانون، ووضع دبي على الخارطة السياحية، وهي التي لا تمتلك من مقومات السياحة إلا اللظى، مقارنة بدول تمتلك كنوزاً سياحية هائلة، كمصر وشمال العراق ومناطق عديدة من سوريا، والتي لا تزال أجزاء منها تعيش في الماضي! فقلت له، وأنا أعيد وأكرر، إن الاهتمام يجب أن ينصب على التعليم، فبغير خلق جيل متعلم سيذهب كل ما بني هباء، فقد انهارت بيوتات تجارية كبيرة لأن من كانوا وراءها لم يتركوا كفاءات لإدارتها فتبددت وضاعت. وحيث إن الحكومة الكويتية، المهيمنة على كل نشاط، غير قادرة على إحداث التغيير المطلوب والمتمثل في ثورة تعليمية، فلم تمنع الغير، ممن لديهم الرغبة والإخلاص والدراية والمال، من تأسيس صروح تهتم بالتنمية البشرية من خلال التعليم المميز، فهذا العمل الضخم يحتاج إلى جهود كبيرة، والحكومة، كما يبدو، عاجزة عن توفيرها، وهذا يتمثل في تأسيس ما يشبه البنوك التعليمية التي يمكن أن يكون للصندوق الكويتي للتنمية وأمانة الوقف والتقدم العلمي دور في رأسماله، إضافة إلى الشركات المساهمة وما يدفع للدولة سنوياً من زكاة على أرباحها، وتكون مهمة مثل هذه البنوك تمويل احتياجات الطلبة المميزين من خريجي التعليم العام، غير القادرين مادياً على إكمال دراستهم الجامعية والماجستير والدكتوراه، من خلال قروض بفوائد ميسرة يتم دفعها بعد تخرجهم. وفكرة هذا البنك ليست جديدة بل معمول بها في دول عدة، ولا يحتاج الأمر لغير قرار حكومي يقول لنا: تفضلوا!

***
• ملاحظة: ورد خطأ غير مقصود في مقال أمس، حيث إن الكاتب هو الأستاذ عبدالخالق حسين، وليس عبدالقادر حسين، والرابط التالي يتضمن مقابلة مع مؤلف كتاب «إغلاق عقل المسلم»
http://m.youtube.com/watch?v=0arVjAQDIGY&desktop_uri=%2Fwatch%3Fv%3D0arVjAQDIGY.

أحمد الصراف